المكتفى في الوقف والابتدا

تفسير الوقف القبيح باب [ذكر] تفسير الوقف القبيح
واعلم أن الوقف القبيح هو الذي لا يعرف المراد منه، وذلك نحو الوقف على قوله: ((بسم)) و ((ملك)) و ((رب)) و ((رسل)) وشبهه والابتداء بقوله ((الله)) و ((يوم الدين)) و ((العالمين)) و ((السماوات)) و (الله)) لأنه إذا وقف على ذلك لم يعلم إلى أي شيء أضيف. وهذا يسمى وقف الضرورة، لتمكن انقطاع النفس عنده. والجلة من القراء وأهل الأداء ينهون عن الوقف على هذا الضرب، وينكرونه، ويستحبون لمن انقطع نفسه عليه أن يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده، فإن لم يفعل فلا حرج عليه.
(12) حدثنا الخاقاني خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن أسامة قال: حدثنا أبي قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال علي بن كبشة: لا يحسن الوقف على مضاف إلا بتمام الحرف.
وأقبح من هذا النوع الوقف على قوله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا} و {لقد كفر الذين قالوا} و {قالت اليهود} و {قالت النصارى} و {فاعبدون. وقالوا} و {من إفكهم ليقولون} {وهم مهتدون. ومالي} ، و {من يقل منهم} و {من الخاسرين. فبعث} ، و {إلا أن قالوا أبعث} والابتداء بما بعد ذلك من قوله {إن الله فقير} و {إن الله هو المسيح ابن مريم} و {إن الله ثالث ثلاثة} و {يد الله مغلولة} و {عزير ابن الله} و {المسيح ابن الله} و {اتخذ الرحمن ولدا} و {ولد الله} {وإني إله من دونه} و {لا أعبد الذي فطرني} و {الله غراباً} و {الله بشراً رسولا} لأن المعنى يستحيل بفصل ذلك مما قبله، ومثله في القبح الوقف على قوله:

(1/13)


{فبهت الذي كفر والله} و {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله} و {الله لا يستحيي} و {إن الله لا يهدي} و {إن الله لا يحب} و {لا يبعث الله} وشبهه، لأن المعنى يفسد بفصل ذلك مما بعده من قوله لا يهدي القوم الظالمين والمثل الأعلى وأن يضرب مثلاً ومن هو مسرف ومن كان مختالاً فخوراً ومن يموت. فمن انقطع نفسه على ذلك وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض. فإن لم يفعل أثم وكان ذلك من الخطأ العظيم، الذي لو تعمده متعمد لخرج بذلك من دين الإسلام، لإفراده من القرآن ما هو متعلق بما قبله، أو بما بعده، وكون إفراد ذلك افتراء على الله عز وجل، وجهلاً به.
ومن هذا الضرب الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به كقوله: {وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه} إن وقف على ذلك، لأن ((النصف)) كله إنما يجب للابنة دون الأبوين، و ((الأبوان)) مستأنفان بما يجب لهما مع الولد ذكراً أو أنثى، واحداً كان أو جمعاً. وكذلك قوله {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى} إن وقف على ((الموتى)) لأن ((الموتى)) لا يسمعون ولا يستجيبون وإنما أخبر الله تعالى عنهم أنهم يبعثون، وهم يستأنفون بحالهم. وكذلك قوله {لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم} إن وقف على ذلك، لأن من كنى عنهم أولاً مؤمنون، و ((متولي الكبر)) منافق، هو عبد الله بن أبي بن سلول، فهو مستأنف لما يلحقه خاصة في الآخرة من عظيم العذاب. وكذلك قوله {أخاف أن يقتلون. وأخي هارون} إن وقف على ذلك، لأن ((موسى)) عليه السلام، إنما خاف القتل على نفسه دون أخيه، وأخوه مستأنف بحاله وصفته. وكذلك ما كان مثله وفي معناه.

(1/14)


ومن هذا النوع من القبح أيضاً الوقف على الأسماء التي تبين نعوتها حقوقها، نحو قوله {فويلٌ للمصلين} وشبهه، لأن ((المصلين)) اسم ممدوح محمود لا يليق به ((ويل)) . وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله {الذين هم عن صلاتهم ساهون} .
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي يأتي بعده حرف الإيجاب نحو قوله {لا إله إلا الله} و {ما من إله إلا الله} و {لا إله إلا أنا} وشبهه. لو وقف واقف على ما قبل حرف الإيجاب من غير عارض لكان ذنباً عظيماً، لأن المنفي في ذلك كل ما عبد غير الله عز وجل، ومثله {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيرا} و {ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} إن وقف واقف على ما قبل حرف الإيجاب في ذلك آل إلى نفي إرسال محمد [وإلى نفي] خلق الجن والإنس. وكذلك {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} و {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وما كان مثله، وذلك من عظيم القول.
ومن الوقف القبيح أيضاً، الذي ورد التوقيف بالنهي عنه، الوقف على قوله {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} و {الذي كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم. والذين آمنوا وعملوا الصالحات} و {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات} . و {للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له} و {أنهم أصحاب النار. الذين يحملون العرش ومن حوله} و {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل} و {فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا} و {إن ينتهوا

(1/15)


يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا} و {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني} و {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم} وشبه ذلك مما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى، لأنه متى قطع عليه دون ما يبين حقيقته ويوضح مراده لم يكن شيء أقبح منه لاستواء حال من آمن ومن كفر، ومن اهتدى ومن ضل، وفي ذلك بطلان الشريعة والخروج من الملة فيلزم من انقطع نفسه عند ذلك أن يرجع حتى يصل [و] الكلام بعضه ببعض أو يقطع على آخر القصتين، أو على آخر القصة الثانية إن شاء. ومن لم يفعل ذلك فقد أثم واعتدى، وجهل وافترى.
(13) حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: كان حمزة وغيره يستقبحون الوقف على هذا، يعني على ما تقدم ذكره من القبيح لأن القارئ يقدر على تفقده وتجنبه.
قال أبو عمرو فهذه أقسام الوقف وقد فسرتها ولخصتها بأصولها وفروعها فاعلمه، وبالله التوفيق.

(1/16)