الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

باب التقوى وما فيها من النسخ
474 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (1) قال: لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم (2).
475 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن زبيد الأيامي (3) عن مرة (4) عن عبد الله قال: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر (5).
476 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن زبيد عن مرّة عن عبد الله مثله قال شعبة: فذكرت ذلك لعمرو بن مرّة فقال: يرحم الله زبيدا إنما كان مرّة يذكر هذا عن الربيع بن خثيم (6).
__________
(1) سورة آل عمران آية 102.
(2) رواه الطبري فى جامع البيان ج 7 أثر (7552، 7553) ص 67، 68 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(3) زبيد الأيامي: بموحدة، مصغرا، ابن الحارث بن عمرو ابن كعب اليامي أو الأيامي أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت، عابد من السادسة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة وقيل بعدها.
(التقريب 1/ 257).
(4) هو مرّة بن شراحيل الهمداني.
(5) رواه الطبري فى جامع البيان ج 7 أثر (7536) ص 65 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخيين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وليس في رواية الحاكم «وأن يشكر فلا يكفر». انظر المستدرك مع التلخيص ج 2، كتاب التفسير سورة آل عمران ص 294.
(6) رواه الطبري فى جامع البيان ج 7 أثر (7546) ص 66 تحقيق محمود وأحمد شاكر.

(1/260)


477 - قال أبو عبيد: وهذا في بعض الحديث بإسناد لا أحفظه أن الآية منسوخة نسخها قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) (2).
__________
(1) سورة التغابن آية 16.
(2) روى نحوه الطبري في تفسيره فقال: حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج ابن المنهال الأنماطي قال: حدثنا همام عن قتادة ثم ذكر نحوا مما ذكر أبو عبيد. جامع البيان ج 7 ص 68، 69 أثر (7557) تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه أيضا النحاس في ناسخه قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا الحسين وهو ابن محمد المروزي قال: حدثنا شيبان عن قتادة ثم ذكر نحوه .... ثم قال النحاس بعد إيراده لقول قتادة القاضي بالنسخ: قال أبو جعفر: محال «أن يقع في هذا ناسخ» ولا منسوخ إلا على حيلة، وذلك أن معنى نسخ الشيء: إزالته والمجيء بضده فمحال أن يقال (اتقوا الله) منسوخ، ثم استدل النحاس على صحة قوله بأثر ابن عباس المتقدم المتضمن نفي النسخ، واعتذر عن قول قتادة بقوله: فأما قول قتادة مع محله من العلم أنها نسخت، فيجوز أن يكون معناه: نزلت فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ بنسخ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وأنها مثلها لأنه لا يكلف أحد إلا طاقته.
انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس «باب ذكر الآية الثانية من آل عمران»: المخطوط الورقة 93.
قلت: وحمل قول قتادة القاضي بالنسخ على بيان المجمل هو الأولى، فيكون مراد قتادة عند ما قال بالنسخ: أن آية فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ مبينة لما أجمل من قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وأن من اتقى الله حسب استطاعته وجهده فقد اتقاه حق تقاته.
ومفهوم النسخ عند السلف أشمل وأعم من إبطال حكم شرعي متقدم بحكم شرعي متراخ عنه.
فالاستثناء وتحصيص العام وتبيين المجمل وتقييد المطلق وازالة المفهوم الباطل المتبادر إلى أذهان المخاطبين وهو غير مراد من الآية، كل ذلك يطلق عليه عندهم نسخ.

(1/261)