الناسخ والمنسوخ للمقري سُورَة الْمَائِدَة
نزلت بِالْمَدِينَةِ إِلَّا آيَة مِنْهَا فَإِنَّهَا نزلت
بِمَكَّة أَو غَيرهَا تحتوي من الْمَنْسُوخ على تسع آيَات
أولَاهُنَّ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لَا
تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي
وَلَا القلائد} هَذَا مُحكم {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام}
الى قَوْله {ورضوانا} مَنْسُوخ وَبَاقِي الْآيَة مُحكم نسخ
الْمَنْسُوخ مِنْهَا بِآيَة السَّيْف وَذَلِكَ أَن الخطيم
واسْمه شُرَيْح بن ضبيعة بن شُرَحْبِيل الْبكْرِيّ أَتَى
النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ يَا مُحَمَّد
اعْرِض عَليّ أَمرك فَعرض عَلَيْهِ الدّين فَقَالَ أرجع الى
قومِي فَأَعْرض عَلَيْهِم مَا قلته فَإِن أجابوني كنت مَعَهم
وَأَن أَبَوا عَليّ كنت مَعَهم فَقَالَ النَّبِي (صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) لقد دخل عَليّ بِوَجْه كَافِر وَخرج بعقبي
غادر فَمر بسرح لرَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
فاستاقه
(1/79)
وَخرج الْمُسلمُونَ فِي إثره
فَأَعْجَزَهُمْ فَلَمَّا كَانَت عمْرَة الْقُضَاة وَهُوَ
الْعَام السَّابِع سمع الْمُسلمُونَ تَلْبِيَة الْمُشْركين
وَكَانَت كل طَائِفَة من الْعَرَب تلبي على حدتها فَسَمِعُوا
بكر بن وَائِل تلبي وَمَعَهُمْ الخطيم فَقَالُوا يَا رَسُول
الله لَا يذهب أَو تغير عَلَيْهِ فَأنْزل الله عز وَجل {وَلا
آمينَ البَيتَ الحَرامَ يَبتَغونَ فَضلاً مِن رَبهم} يَعْنِي
الْفضل فِي التِّجَارَة {ورضوانا} وَهُوَ لَا يرضى عَنْهُم
فَصَارَ ذَلِك مَنْسُوخا بِآيَة السَّيْف
الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {فَاِعفُ عَنهُم
وَاِصفَح}
نزلت فِي الْيَهُود ثمَّ نسخ الْعَفو والصفح بقوله تَعَالَى
{قاتِلوا الَّذينَ لَا يُؤمِنونَ بِاللَهِ} الى قَوْله {وَهُم
صاغِرون}
الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {إِنّما جَزَاء الَّذين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة نسخهَا الله تَعَالَى
بِالِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلّا الَّذينَ
تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} الْآيَة
(1/80)
الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى
{فَإِنّ جاؤوكَ فَاِحكُم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} اخْتلف
الْمُفَسِّرُونَ على وَجْهَيْن فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ
وَالنَّخَعِيّ وَهِي محكمَة خير بَين الحكم والإعراض وَقَالَ
مُجَاهِد وَسَعِيد تنسخها الْآيَة الَّتِي بعْدهَا وَهِي
قَوْله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}
الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {مَا عَلى الرَسولِ
إِلَّا الْبَلَاغ} نسخ ذَلِك بِآيَة السَّيْف وباقيها مُحكم
الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّها الَّذينَ
آمَنوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لَا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ} الى
هَهُنَا مَنْسُوخ وباقيها مُحكم
قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام لَيْسَ فِي كتاب الله
آيَة جمعت النَّاسِخ
(1/81)
والمنسوخ غير هَذِه الْآيَة قَالَ الشَّيْخ
هبة الله لَيْسَ كَمَا قَالَ بل فِي كتاب الله هَذِه الْآيَة
وَغَيرهَا
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه
قَرَأَ هَذِه الْآيَة وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم
تقرؤون هَذِه الْآيَة وتضعونها فِي غير موضعهَا فو الَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر
أَو ليعمكم الله بعقابه أَو لتدعن فَلَا يُجَاب لكم والناسخ
مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَالْهَدْي هَا
هُنَا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّها الَّذينَ
آمَنوا شَهادَةُ بَيْنكُم} الى قَوْله {ذَوا عدل مِنْكُم}
هَذَا مُحكم
والمنسوخ قَوْله تَعَالَى {أَو آخَرانِ مِن غَيرِكُم} كَانَ
فِي أول الأسلام
(1/82)
تقبل شَهَادَة الْيَهُودِيّ
وَالنَّصْرَانِيّ فِي السّفر وَلَا تقبل فِي الْحَضَر وَذَلِكَ
أَن تميما الدَّارِيّ وعدي بن بداء النصرانيين أَرَادَا أَن
يركبا الْبَحْر فَقَالَ لَهما قوم من أهل مَكَّة أَن نخرج
مَعَكُمَا مولى لنا نُعْطِيه بضَاعَة وهم آل الْعَاصِ فأبضعوه
بضَاعَة واخرجوه مَعَهُمَا فشرها الى مَا مَعَه فَأَخَذَاهُ
وقتلاه فَلَمَّا رجعا اليهم قَالُوا مَا فعل مَوْلَانَا قَالَا
مَاتَ قَالُوا فَمَا كَانَ من مَاله قَالَا ذهب فخاصموهما
إِلَى رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَأنْزل الله
هَذِه الْآيَة {أَو آخَرانِ مِن غَيرِكُم} إِلَى آخر االآية
ثمَّ صَار ذَلِك مَنْسُوخا بقوله {وَأَشهِدوا ذَوَي عدل
مِنْكُم} فَصَارَت شَهَادَة الذميين مَنْسُوخَة فِي السّفر
والحضر
الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله عز وَجل {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا
استحقا إِثْمًا} أَي علم واطلع على أَنَّهُمَا اِستَحَقّا
إِثماً يَعْنِي الشَّاهِدين الْأَوَّلين {فَآخَرانِ يَقومانِ
مَقامَهُما مِنَ الَّذينَ اِستَحَقَّ عَلَيهِم الأَوليانِ}
وَذَلِكَ أَن عدي بن بداء وَتَمِيم بن أَوْس الداريين عمدا
إِلَى مولى آل الْعَاصِ فقتلاه واخذا مَاله ثمَّ شهد لَهُم
شَاهِدَانِ ان مَا احداسا وَظهر لَهُم بعد ذَلِك قَعْب وجد
بِمَكَّة يُبَاع فِي
(1/83)
سوق اللَّيْل فقبضوا على الْمُنَادِي
فَقَالُوا لَهُ من أَيْن لَك هَذَا فَقَالَ دَفعه الي تَمِيم
الدَّارِيّ وعدي بن بداء فَرفعُوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله
(صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَنزلت هَذِه الْآيَة وامر النَّبِي
(صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَن يشْهد على الشَّاهِدين الاولين
شَاهِدَانِ آخرَانِ فَتبْطل بِهِ شَهَادَة الآولين فَهَذَا فِي
غير شَهَادَة الاسلام ثمَّ نسخ ذَلِك بالاية الَّتِي فِي
سُورَة النِّسَاء الصُّغْرَى من قَوْله تَعَالَى / واشهدوا
ذَوي عدل مَعكُمْ / فبطلت شَهَادَة الذميين فِي الْحَضَر
وَالسّفر
الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدنى أَن يَأتوا
بِالشَهادَةِ عَلى وَجهِها} أَي على حَقِيقَتهَا {أَو يَخافوا
أَن تُرَدَّ أَيمانُ بَعدَ أَيمانِهم} الى هَا هُنَا مَنْسُوخ
وَالْبَاقِي مُحكم نسخ الْمَنْسُوخ مِنْهَا بقوله تَعَالَى
{وَأَشهِدوا ذَوي عَدلٍ مِنكُم}
(1/84)
|