الناسخ والمنسوخ للنحاس

بَابُ أَصْلِ النَّسْخِ وَاشْتِقَاقِهِ " اشْتِقَاقُ النَّسْخِ مِنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ إِذَا أَزَالَتْهُ وَحَلَّتْ مَحَلَّهُ، وَنَظِيرُ هَذَا {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52] وَالْآخَرُ مِنْ نَسَخْتُ الْكِتَابَ إِذَا نَقَلْتُهُ مِنْ نُسْخَةٍ، وَعَلَى هَذَا النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَلَالًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يُنْسَخَ فَيُجْعَلَ حَرَامًا أَوْ يَكُونَ حَرَامًا فَيُجْعَلَ حَلَالًا أَوْ يَكُونَ مَحْظُورًا فَيُجْعَلَ مُبَاحًا أَوْ مُبَاحًا فَيُجْعَلَ مَحْظُورًا، يَكُونُ هَذَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحَظْرِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْإِبَاحَةِ وَالَمَنْعِ

(1/57)


بَابُ النَّسْخِ عَلَى كَمْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ أَكْثَرُ النَّسْخِ فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنْ يَزَالُ الْحُكْمُ بِنَقْلِ الْعِبَادِ عَنْهُ مُشْتَقٌّ مِنْ نَسَخْتُ الْكِتَابَ وَيَبْقَى الْمَنْسُوخُ مَتْلُوًّا

(1/58)


قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قَالَ: «نُزِيلُ حُكْمَهَا وَنُثْبِتُ خَطَّهَا» وَنَسْخٌ ثَانٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:

(1/58)


كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دَيْسَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الدُّورِيُّ، عَنِ الْكِسَائِيِّ، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] قَالَ: " فِي تِلَاوَتِهِ {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52] قَالَ: يُزِيلُهُ فَلَا يُتْلَى وَلَا يُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ " قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: " وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنْ نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَقَدْ زَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا النَّسْخَ الثَّانِي قَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّورَةُ فَتُرْفَعُ فَلَا تُتْلَى وَلَا تُكْتَبُ وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةِ السَّنَدِ وَخُولِفَ أبو عُبَيْدٍ فِيمَا قَالَ، وَالَّذِينَ خَالَفُوهُ عَلَى قَوْلَيْنِ

(1/59)


مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ مَا قَالَ وَلَا يُسْلَبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَدْ جَاءَ بِأَحَادِيثَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ غَلَطَ فِي تَأْوِيلِهَا لِأَنَّ تَأْوِيلَهَا عَلَى النِّسْيَانِ لَا عَلَى النَّسْخِ وَقَدْ تَأَوَّلَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] عَلَى هَذَا مِنَ النِّسْيَانِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] «نَرْفَعُ حُكْمَهَا» {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] نَتْرُكُهَا فَلَا نَنْسَخُهَا، وَقِيلَ {نُنْسِهَا} [البقرة: 106] نُبِيحُ لَكُمْ تَرْكَهَا وَعَلَى قِرَاءَةِ الْبَصْرِيِّينَ (نَنْسَأْهَا) أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَوْ نَتْرُكُهَا وَنُؤَخِّرُهَا فَلَا نَنْسَخُهَا وَنَسْخٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مِنْ نَسَخْتُ الْكِتَابَ لَمْ يَذْكُرْ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ

(1/60)


وَذَكَرَ غَيْرُهُ رَابِعًا فَقَالَ: تَنْزِلُ الْآيَةُ وَتُتْلَى فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ تُنْسَخُ فَلَا تُتْلَى فِي الْقُرْآنِ وَلَا تُثْبَتُ فِي الْخَطِّ وَيَكُونُ حُكْمُهَا ثَابِتًا

(1/61)


كَمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نَقْرَأُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِنْ زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ» قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ وَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ: كُنْتُ أَقْرَأُ كَذَا لِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: زَادَ عُمَرُ فِي الْقُرْآنِ لَزِدْتُهَا

(1/61)