الناسخ والمنسوخ للنحاس سُورَةُ الْأَعْرَافِ
(1/445)
حَدَّثَنَا يَمُوتُ بْنُ الْمُزَرَّعِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ
أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: «وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ
فَهِيَ مَكِّيَّةٌ»
(1/445)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ نَجِدْ فِيهَا
مِمَّا يَدْخُلُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إِلَّا آيَةً
وَاحِدَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {خُذِ
الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، مِنَ
الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ
الْمَفْرُوضَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ
بِالْأَمْرِ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أَيِ الزَّكَاةَ
الْمَفْرُوضَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حَقٌّ فِي
الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ أَمْرٌ
بِالِاحْتِمَالِ وَتَرْكُ الْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ غَيْرُ
مَنْسُوخٍ فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ
بِالزَّكَاةِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ}
[الأعراف: 199] يَقُولُ خُذْ مَا عَفَا وَمَا أَتَوْكَ بِهِ،
قَالَ: وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ بِفَرْضِ
الزَّكَاةِ وَتَفْصِيلِهَا وَجَعَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: «نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي
الْقُرْآنِ»
(1/446)
وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ
(1/446)
الْأَسْوَدُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ
أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199]
قَالَ: «الْفَضْلَ مِنَ الْمَالِ نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ»
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْغِلْظَةِ
قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199]
فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ لَا يُعْرِضُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا
يُقَاتِلُهُ ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَقْعُدَ
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ إِلَّا
الْإِسْلَامَ وَأَنْزَلَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:
73] وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]
فَنَسَخَ هَذَا الْعَفْوُ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ
الْعَفْوَ الزَّكَاةُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ
قَالَ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَسِيرٌ مِنْ كَثِيرٍ وَالْقَوْلُ
الرَّابِعُ: إِنَّ الْعَفْوَ شَيْءٌ فِي الْمَالِ سِوَى
الزَّكَاةِ قَوْلُ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ قَالَا: هُوَ فَضْلُ
الْمَالِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى
(1/447)
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ قَوْلُ عَبْدِ
اللَّهِ، وَعُرْوَةَ ابْنَيْ الزُّبَيْرِ
(1/448)
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: " إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] مِنْ أَخْلَاقِ
النَّاسِ " وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ لِصِحَّةِ
إِسْنَادِهِ وَأَنَّهُ عَنْ صَحَابِيٍّ يُخْبِرُ بِنُزُولِ
الْآيَةِ وَإِذَا جَاءَ الشَّيْءُ هَذَا الْمَجِيءَ لَمْ
يَسَعْ أَحَدًا مُخَالَفَتُهُ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ {خُذِ
الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أَيِ السَّهْلَ مِنْ أَخْلَاقِ
النَّاسِ وَلَا تَغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَلَا تُعَنِّفْ بِهِمْ،
وَكَذَا كَانَتْ أَخْلَاقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ مَا لَقِيَ أَحَدًا قَطُّ بِمَكْرُوهٍ فِي وَجْهِهِ
وَلَا ضَرَبَ أَحَدًا بِيَدِهِ وَقِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهِ عَنْهَا مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِهِ، فَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ
جَرِيرٍ " أَنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُفَّارِ أَمَرَهُ بِالرِّفْقِ
بِهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ
مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ لِأَنَّ قَبْلَهُ
احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ
كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 195] وَبَعْدَهُ
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} [الأعراف: 202]
" وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَخْلَاقِ السِّهْلَةِ
اللِّينَةِ لِجَمِيعِ [ص:449] النَّاسِ، بَلْ هَذَا
لِلْمُسْلِمِينَ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ: وَاللَّهِ لَأَسْتَعْمِلَنَّ
الْأَخْلَاقَ السِّهْلَةَ مَا بَقِيتُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ
تَعَالَى وَفِي الْآيَةِ {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف:
199] قَالَ عُرْوَةُ، وَالسُّدِّيُّ: «الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ»
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي قَالَاهُ مَعْرُوفٌ فِي
اللُّغَةَ يُقَالُ أَوْلَانِي فُلَانٌ مَعْرُوفًا وَعْرُفًا
وَعَارِفَةً وَفِي الْحَدِيثِ «الْعُرْفُ أَنْ تَعْفُوَ
عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ
قَطَعَكَ» وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنِ اخْتِصَارِ
الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ،
وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقَبُولُ عَنِ
اللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَدَبَ إِلَيْهِ هَذَا
كُلُّهُ مِنَ الْعُرْفِ وَفِيهَا {وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ
هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَقَالَ غَيْرُهُ
لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِاحْتِمَالِ مَنْ
ظَلَمَ، وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالسَّهْلِ مِنَ
الْأَخْلَاقِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ لِأَنَّ بَعْدَهَا
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف:
200] أَيْ وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ
وَسْوَسَةٌ وَتَحْمِيلٌ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِمَالِ
{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200] أَيْ فَاسْتَجِرْ بِهِ
مِمَّا عَرَضَ لَكَ {إِنَّهُ سُمَيْعٌ} [الأعراف: 200]
لِاسْتِجَارَتِكَ وَغَيْرِهَا {عَلِيمٌ} [الأعراف: 200] بِمَا
يُزِيلُ عَنْكَ مَا عَرَضَ لَكَ [ص:450]، وَبَعْدَهَا أَيْضًا
مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا} [الأعراف: 201] أَيِ اتَّقَوُا اللَّهَ
تَعَالَى بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِ {إِذَا
مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} [الأعراف: 201] أَيْ
عَارِضٌ وَوِسْوَاسٌ مِنْهُ {تَذَكَّرُوا} [الأعراف: 201]
وَعْدَ اللَّهِ وَوَعِيدَهُ وَعِقَابَهُ {فَإِذَا هُمْ
مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] الْحَقَّ آخِذُونَ بِمَا
أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ التَّحَامُلِ عِنْدَ
الْغَضَبِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى مَنْ قَدْ نُهُوا عَنِ
الْغِلْظَةِ عَلَيْهِ
(1/448)
|