(1/643)
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ
حَدَّثَنَا يَمُوتٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،: "
أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا
نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ فَكَانَ يَثْقُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّظَرُ إِلَيْهِ حَتَّى سَاءَ
ظَنُّ وَحْشِيٍّ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ
يَقْبَلْ إِسْلَامَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَهُنَّ قَوْلُهُ: {قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] إِلَى تَمَامِ
الثَّلَاثِ الْآيَاتِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي ص ثَلَاثُ
مَوَاضِعَ مِمَّا يَصْلُحُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَالْمَوْضِعُ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}
[ص: 17] ثُمَّ أُمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ
بِالْقِتَالِ وَقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذَا غَيْرَ
مَنْسُوخٍ وَيَكُونُ تَأْدِيبًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ
وَأَمْرًا مِنْهُ لِلصَّبِرِ عَلَى أَذَاهُمْ لِأَنَّ
التَّقْدِيرَ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ مِمَّا يُؤْذُونَكَ
بِهِ [ص:644] وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَبْلَهُ ذِكْرُ
مَا قَدْ آذَوْهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا
رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}
[ص: 16] لِأَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا اسْتِهْزَاءً وَإِنْكَارًا
لِمَا جَاءَ بِهِ
(1/643)
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا: {رَبَّنَا عَجِّلْ
لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] قَالَ: «الْعَذَابُ» وَقَالَ
قَتَادَةُ: «نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ» قَالَ ذَلِكَ أَبُو
جَهْلٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا
فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَقَالَ السُّدِّيُّ قَالُوا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِنَا مَنَازِلَنَا مِنَ
الْجَنَّةِ نَتَّبِعْكَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
خَالِدٍ {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] «أَيْ رِزْقَنَا»
(1/644)
وقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي
الْمِقْدَامِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [ص:645]، {وَقَالُوا
رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] قَالَ: «نَصِيبَنَا
مِنَ الْآخِرَةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: " وَهَذَا مِنْ
أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِيهِ وَأَصْلُ الْقِطِّ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ الْكِتَابُ بِالْجَائِزَةِ وَهُوَ النَّصِيبُ وَهُوَ
مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ قَطُّ أَيْ حَسَبُ أَيْ يَكْفِيكَ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ قَطَطْتُ أَيْ
قَطَعْتُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ
أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ فِي
اشْتِقَاقِهِ إِلَّا شَيْئًا حَكَاهُ الْقُتْبِيُّ أَنَّهُمْ
لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] الْآيَةَ قَالُوا
رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا كُتُبَنَا حَتَّى نَنْظُرَ أَيَقَعُ
فِي أَيْمَانِنَا أَمْ فِي شَمَائِلِنَا اسْتِهْزَاءً
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ
لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا
الْقَوْلُ أَصْلُهُ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَكَثِيرًا مَا
يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْقُتْبِيُّ وَالْفِرَّاءُ وَأَهْلُ
الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَحْظُرُونَ ذِكْرَ شَيْءٍ
عَنِ الْكَلْبِيِّ وَلَاسِيَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ
وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَطَفِقَ مَسْحًا
بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33] فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ
قَالَ أُبِيحَ هَذَا ثُمَّ نُسِخَ وَحُظِرَ عَلَيْنَا قَالَ
الْحَسَنُ: «قَطَعَ أَسْوُقَهَا وَأَعْنَاقَهَا فَعَوَّضَهُ
اللَّهُ مَكَانَهَا خَيْرًا مِنْهَا وَسَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ»
[ص:646] وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ ابْنُ
أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَفِقَ يَمْسَحُ
أَعْنَاقَهَا وَعَرَاقِيبَهَا حُبًّا» وَهَذَا أَوْلَى
لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ عَاقَبَ خَيْلًا وَلَاسِيَّمَا
بِغَيْرِ جِنَايَةٍ إِنَّمَا شُغِلَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا
فَفَرَّطَ فِي صَلَاةٍ فَلَا ذَنْبَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَرَوَى
الْحَارِثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ: «الصَّلَاةُ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَاةُ الْعَصْرِ» [ص:647]
وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] فَمِنَ
الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ فِي شَرِيعَتِنَا
وَإِذَا حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ يَضْرِبَ إِنْسَانًا عَشْرَ
ضَرَبَاتٍ ثُمَّ لَمْ يَضْرِبْهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ حَنِثَ
وَقَالَ قَوْمٌ بَلْ لَا يَحْنَثُ إِذَا ضَرَبَهُ بِمَا فِيهِ
عَشْرَةً بَعْدَ أَنْ تُصِيبُهُ [ص:648] الْعَشْرَةُ وَهَذَا
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ قَبْلِهِ عَطَاءٌ، قَالَ: «هِيَ
عَامَّةٌ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ «هِيَ خَاصَّةٌ» وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ يَمِيلُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ
(1/644)
الْحَوَامِيمُ السَّبْعُ
(1/649)
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ
حَدَّثَنَا يَمُوتٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ» [ص:650] قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ: " وَإِنَّمَا يُذْكَرُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ الْفَائِدَةِ فِي
النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِأَنَّ الْآيَةَ إِذَا كَانَتْ
مَكِّيَّةً وَكَانَ فِيهَا حُكْمٌ وَكَانَ فِي غَيْرِهَا
مِمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ حُكْمٌ غَيْرُهُ عُلِمَ أَنَّ
الْمَدَنِيَّةَ نَسَخَتِ الْمَكِّيَّةَ وَجَدْنَا فِي
الْحَوَامِيمِ ثَمَانِيَةَ مَوَاضِعَ مِنْهَا فِي حم عسق
خَمْسَةُ مَوَاضِعَ
(1/649)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ
مِنْهَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}
[الشورى: 5]
(1/651)
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، قَالَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ
قَيْسٍ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ دَخَلْتُ عَلَى وَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ مَعَ ذِي جَوْلَانِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}
[الشورى: 5] فَقَالَ: " نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي
الطَّوْلِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7]
" هَذَا لَا يَقَعُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ
خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَرَادَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نُسْخَةِ
تِلْكَ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا
يَجِبُ أَنْ يَتَأَوَّلُ لِلْعُلَمَاءِ وَلَا يَتَأَوَّلُ
عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ الْعَظِيمُ إِذَا كَانَ لِمَا قَالُوهُ
وَجْهٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا
(1/651)
مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ
فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] قَالَ: «لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ»
(1/651)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الثَّانِي قَالَ
جَلَّ وَعَزَّ إِخْبَارًا: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [الشورى:
15] فِيهَا قَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ فَمِنْ ذَلِكَ
(1/652)
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [الشورى: 15] "
مُخَاطَبَةٌ لِلْيَهُودِ أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ
دِينُكُمْ قَالَ: ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ " وَكَذَا قَالَ
مُجَاهِدٌ {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}
[الشورى: 15] أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ {لَا
حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] أَيْ لَا
خُصُومَةَ وَهَذَا لِلْيَهُودِ ثُمَّ نَسَخَهَا {قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ} [التوبة: 29] فَهَذَا قَوْلٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي:
أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ أَيْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ لِأَنَّ الْبَرَاهِينَ قَدْ ظَهَرَتْ
وَالْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ
(1/652)
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَجُوزُ لِأَنَّ
مَعْنَى {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [الشورى: 15]
عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَحْتَجَّ
عَلَيْكُمْ وَنُقَاتِلَكُمْ ثُمَّ نُسِخَ كَمَا أَنَّ قَائِلًا
لَوْ قَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَوَّلَ الْقِبْلَةُ لَا
تُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ حَوَّلَ النَّاسُ بَعْدُ
لَجَازَ أنْ يُقَالَ نُسِخَ ذَلِكَ
(1/653)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ قَالَ
جَلَّ وَعَزَّ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ
لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا
نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبِ}
[الشورى: 20] فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ ذَلِكَ
(1/654)
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى {مَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} [الشورى: 20] " مَنْ كَانَ مِنَ
الْأَبْرَارِ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ ثَوَابَ
الْآخِرَةِ {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20] أَيْ فِي
حَسَنَاتِهِ {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا}
[الشورى: 20] أَيْ مَنْ كَانَ مِنَ الْفُجَّارِ يُرِيدُ
بِعَمَلِهِ الْحَسَنِ الدُّنْيَا {نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آل
عمران: 145] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ {مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا
نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: 18] " وَالْقَوْلُ الْآخَرُ
إِنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ
غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا
بِإِرَادَةِ اللَّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ
النَّبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ» [ص:655] قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ: إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَأَوَّلَ لِلْقَوْلِ
الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هَذِهِ عَلَى نَسْخِهِ
هَذِهِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَغْفَلَ مَنْ لَمْ
يُنْعَمِ النَّظَرَ فِي مِثْلِ هَذَا فَجُعِلَ فِي
الْأَخْبَارِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا فَلَحِقَهُ الْغَلَطُ
الْعَظِيمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ
أَنَّهُ خَبَرٌ وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ فِي الْآيَةِ: مَنْ
آثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَكَدَحَ لَهَا لَمْ يَكُنْ
لَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَلَمْ يَزْدَدْ مِنْهَا
شَيْئًا إِلَّا مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ
(1/654)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الرَّابِعِ قَالَ
جَلَّ وَعَزَّ {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فِي هَذِهِ
الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، فَمِنْ ذَلِكَ
(1/656)
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا} [الأنعام: 90] قَالَ: " لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى
الْإِيمَانِ جُعْلًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي
وَتُصَدِّقُونِي وَتَمْنَعُوا مِنِّي فَفَعَلَ ذَلِكَ
بالْأَنْصَارُ وَمَنَعُوا مِنْهُ مَنْعَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ
مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى
اللَّهِ} [سبأ: 47] " وَمَذْهَبُ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ
بِمَنْسُوخَةٍ قَالَ: كَانُوا يَصِلُونَ أَرْحَامَهُمْ
فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَطَعُوهُ فَقَالَ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}
[الأنعام: 90] إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي وَتَحْفَظُونِي
لِقَرَابَتِي وَلَا تُكَذِّبُونِي وَفِي رِوَايَةِ قَيْسٍ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
" لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
[الشورى: 23] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ نَوَدُّهُمْ؟ قَالَ
(1/656)
: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوَلَدُهُمَا
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ مِنْ
أَجْمَعِهَا وَأَبْيَنِهَا
(1/657)
كَمَا قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الصَّقْرِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، وَمَنْصُورٌ،
عَنِ الْحَسَنِ، {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] ، قَالَ
«التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوَدُّدُ إِلَيْهِ
بِطَاعَتِهِ فَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ» وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ
الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/657)
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا قَزَعَةُ وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ الْبَصْرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا
أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى أَجْرًا
إِلَّا أَنْ تُوَادُّوا وَاللَّهَ تَعَالَى وَأَنْ
تَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ» [ص:658] فَهَذَا
الْمُبَيَّنُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ هَذَا
وَكَذَا قَالَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
أَجْمِعَينَ قَبْلَهُ {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}
[يونس: 72]
(1/657)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الْخَامِسِ قَالَ
اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ
الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] زَعَمَ ابْنُ
زَيْدٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ
يَنْتَصِرُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَسَخَهَا أَمْرُهُمْ
بِالْجِهَادِ» وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ مُحْكَمَةٌ
وَالِانْتِصَارُ مِنَ الظَّالِمِ بِالْحَقِّ تَقْوِيمٌ لَهُ
مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ صَاحِبُهُ كَانَ الظَّالِمُ مُسْلِمًا
أَوْ مُشْرِكًا
(1/659)
كَمَا رَوَى أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}
[الشورى: 39] قَالَ: «يَنْتَصِرُونَ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَدُّوا» وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ
ابْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ
مُعَاقَبَةُ الْمُسِيءِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَسُمِّيَتِ
الثَّانِيَةُ سَيِّئَةً لِأَنَّهَا مَسَاءَةٌ لِلْمُقْتَصِّ
مِنْهُ وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ هَذَا عَلَى
الِازْدِوَاجِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي
الْعُقُوبَاتِ وَالْقِصَاصِ وَأَخْذُ الْمَالِ لَا فِي
الْكَلَامِ إِلَّا ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ
(1/659)
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ
عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] قَالَ «[ص:660] إِذَا قَالَ
لَهُ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَهُ أَخْزَاكَ اللَّهُ» وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ «هَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِالْجِهَادِ وَكَذَا
عِنْدَهُ وَلِمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ إِنَّمَا هُوَ
لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً» وَقَوْلُ قَتَادَةَ إِنَّهُ عَامٌّ
وَكَذَا يَدُلُّ ظَاهَرُ الْكَلَامِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَعْلَمُ
(1/659)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِي
الزُّخْرُفِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ
وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 89] جَمَاعَةٌ
مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ
بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فَمِنْ ذَلِكَ
(1/661)
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزخرف: 89] أَيْ
" أَعْرِضْ عَنْهُمْ {وَقُلْ سَلَامٌ} [الزخرف: 89] أَيْ
مَعْرُوفًا أَيْ قُلْ لِمُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ "
(1/661)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَيْزَكَ، عَنِ
الْخَفَّافِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَاصْفَحْ
عَنْهُمْ} [الزخرف: 89] قَالَ: «ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُمِرَ
بِالْقِتَالِ»
(1/661)
بَابُ ذِكْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِي
الْجَاثِيَةِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هِيَ مَنْسُوخَةٌ فَمِنْ
ذَلِكَ
(1/662)
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الجاثية: 14]
: " نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ شَتَمَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ قَبْلَ
الْهِجْرَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْطُشَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الجاثية: 14] يَعْنِي
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {يَغْفِرُوا
لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]
وَيَعْفُوا وَيَتَجَاوَزُوا لِلَّذِينَ لَا يَخَافُونَ مِثْلَ
عُقُوبَاتِ الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ {لِيَجْزِيَ قَوْمًا
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] ثُمَّ نُسِخَ
[ص:663] هَذَا فِي بَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] "
(1/662)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14] قَالَ: " نَسَخَتْهَا
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:
5] "
(1/663)
بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الَّتِي فِي
الْأَحْقَافِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا
مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}
[الأحقاف: 9]
(1/664)
قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
حَفْصٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ
بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، {وَمَا أَدْرِي
مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] قَالَ: «يَرَوْنَ
أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ»
(1/664)
وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ،: نَسَخَهَا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] الْآيَةَ "
(1/664)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَالٌ أَنْ
يَكُونَ فِي هَذَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ مِنْ جِهَتَيْنِ
إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ خَبَرٌ وَالْآخَرُ أَنَّ مِنَ أَوَّلِ
السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِيهِ خَطَّابٌ
لِلْمُشْرِكِينَ وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ
كَمَا كَانَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَمُحَالٌ أَنْ
يَقُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُشْرِكِينَ
{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]
فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَوَّلِ مَبْعَثِهِ إِلَى وَفَاتِهِ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ
مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَمَنْ مَاتَ
عَلَى الْإِيمَانِ وَاتَّبَعَهُ وَأَطَاعَهُ فَهُوَ فِي
الْجَنَّةِ، فَقَدْ دَرَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
يُفْعَلُ بِهِ وَبِهِمْ وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ:
مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي الْآخِرَةِ
فَيَقُولُوا كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي
أَتَصِيرُ إِلَى خَفْضٍ وَدَعَةٍ أَمْ إِلَى عَذَابٍ وَعِقَابٍ
وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُ الْحَسَنِ
(1/665)
كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ
جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ
بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] : «فِي الدُّنْيَا» [ص:666]
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلٍ وَأَحْسَنُهُ
لَا يَدْرِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْحَقُهُ
وَإِيَّاهُمْ مِنْ مَرَضٍ وَصِحَّةٍ وَرُخْصٍ وَغَلَاءٍ
وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَمِثْلُهُ {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ
السُّوءُ} [الأعراف: 188]
(1/665)