الناسخ والمنسوخ وتنزيل القرآن المنسوب للزهري الناسخ والمنسوخ
للزهري المتوفى سنة 124 هـ
رواية أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي
ويليه تنزيل القرآن بمكة والمدينة
(1/13)
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام
العالم الأوحد الورع زين الدين واعظ المسلمين أبو الحسن ابن
إبراهيم بن غنائم بن نجا الأنصاري قال: أخبرنا الشيخ الإمام
الجليل عمدة الملك أبو البركات المقرئ المعروف بالشهرزوري قال:
ثنا الشيخ الإمام ابو سعد ابن عثمان بن محمد العجلي قال: ثنا
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي، ثنا أحمد بن
محمد الصرصري، ثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن يوسف ابن مسعدة
الفزاري قال: ثنا أبو اسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الهمذاني
سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين
(1)، ثنا سفيان ابن سعيد الثوري (2)، ثنا أبو حصين (3) قال:
ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلميّ (4) قال: مرّ
عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، بقاص يقصّ على الناس فقال
له: علمت الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا. فقال له عليّ، عليه
السلام: هلكت وأهلكت (5).
_________
(1) ت نحو 218 هـ. (تهذيب التهذيب 8/ 270).
(2) ت 161 هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 111).
(3) عثمان بن عاصم بن حصين الاسدي الكوفي، ت 127 هـ. (تهذيب
التهذيب 7/ 126).
(4) ت نحو 74 هـ. (نكت الهميان 178، الخلاصة 2/ 48). وجاء في
الاصل: الحسين بن محمد السلمي، وهو خطأ وما اثبتناه هو الصواب.
(5) النحاس 5، ابن الجوزي 13.
(1/15)
وحدّثنا موسى بن إسماعيل (6)، ثنا حمّاد
(7) عن عطاء بن السائب (8) عن [أبي] البختري (9) قال: مرّ
عليّ، عليه السلام، بمسجد الكوفة فرأى قاصّا يقصّ على الناس
فقال: من هذا؟ فقالوا: رجل يحدّث الناس. فقال عليّ، عليه
السلام: هذا يقول: اعرفوني اعرفوني أنا فلان بن فلان. ثمّ قال:
اسألوه هل يعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقالوا له: أمير المؤمنين
يقول لك: تعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا. فقال عليّ؛ فلا
يرجع يحدّث حديثا (10).
ثنا شعبة قال: ثنا أبو الوليد قال: أخبرني أبو الحصين قال:
سمعت أبا عبد الرحمن السلميّ يقول: قال علي بن أبي طالب، كرّم
الله وجهه، لرجل يقصّ على الناس: هل تعلم الناسخ من المنسوخ؟
فقال: لا. فقال: هلكت وأهلكت (11).
حدثنا أبو نعيم [عن] سلمة (12) قال: ثنا نبيط بن شريط (13)،
ثنا الضحّاك ابن مزاحم (14) قال؛ مرّ ابن عبّاس بقاص يقصّ
فوكزه برجله ثم قال له: هل تدري الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا.
فقال له: هلكت وأهلكت (15).
_________
(6) ت 223 هـ. (تهذيب التهذيب 10/ 333).
(7) حماد بن سلمة، ت 79 هـ. (تهذيب التهذيب 3/ 11).
(8) ت 137 هـ. (تهذيب التهذيب 7/ 203).
(9) سعيد بن فيروز، ت 83 هـ. (تهذيب التهذيب 4/ 73).
(10) النحاس 5، نواسخ القرآن 105.
(11) ابن سلامة 4.
(12) سلمة بن نبيط. (تهذيب التهذيب 4/ 158، الكواكب النيرات
235).
(13) صحابي. (الإصابة 6/ 422).
(14) تابعي، ت 102 هـ. (المعارف 457).
(15) ابن حزم 6.
(1/16)
وبه ثنا مسدّد (16)، ثنا حميد الحماني عن
سلمة بن نبيط عن الضحاك قال: ورد في تفسير قوله تعالى: {هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ} (17)، ثم قال: {ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ} (18)، {وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} (19) فقال: هو ما قد
نسخ.
وثنا مسدّد قال: ثنا عبد الوارث (20) عن حميد الأعرج (21) عن
مجاهد (22): أَوْ نُنْسِها، قال نبدّل حكمها ونثبت خطّها.
_________
(16) مسرد بن مسرهد البصري، ت 228 هـ. (تهذيب التهذيب 10/
107).
(17) آل عمران 7.
(18) البقرة 106.
(19) آل عمران 7. وقول الضحاك في تفسير الطبري 3/ 173.
(20) عبد الوارث بن سعيد، ت نحو 180 هـ. (تهذيب التهذيب 6/
441).
(21) ت 130 هـ. (تهذيب التهذيب 2/ 47).
(22) مجاهد بن جبر، تابعي، ت 103 هـ. (غاية النهاية 2/ 44).
وقوله في تفسير الطبري 1/ 475.
(1/17)
أول الناسخ ما رواه
محمد بن مسلم الزهري
ثنا إبراهيم، ثنا أبو يزيد، هو محمد بن يزيد الهذلي، ثنا
الوليد بن محمد الموقري الأموي المديني قال: حدثني محمد بن
مسلم الزهري قال: هذا كتاب منسوخ القرآن. قال الله تعالى: {ما
نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها} (23). وقال عزّ وجلّ:
{وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} (24). وقال تعالى:
{يَمْحُو اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ
الْكِتابِ} (25).
وثنا إبراهيم، قال: ثنا أبو يزيد، ثنا الوليد بن محمد قال:
حدثني محمد ابن مسلم الزهري قال: أوّل ما نسخ من القرآن من
سورة البقرة القبلة. كانت نحو بيت المقدس، تحولت نحو الكعبة،
فقال الله عزّ وجلّ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ
عَلِيمٌ} (26). نسخ بقوله تعالى: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} (27).
_________
(23) البقرة 106.
(24) النحل 101.
(25) الرعد 39. وفي الأصل: يمح. و (يثبت) ساقطة من الأصل.
(26) البقرة 115.
(27) البقرة 144.
(1/18)
وأيضا في آية الصوم قال الله تعالى:
{فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ} (28) و (مسكين) رواية. فكان أول
الإسلام من شاء صام، ومن شاء افتدى بطعام مسكين. وقال فيها:
{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ
تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. نسخ
منها: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ
كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} (29).
وقال أيضا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (30).
كانوا في أوّل الصيام إذا صلّى الناس العتمة ونام أحدهم حرم
عليه الطعام والشراب والنساء، وصلوا (6) الصيام حتى الليلة
المقبلة.
فاختان رجل نفسه فجامع أهله بعد ما صلّى العتمة فنسخ ذلك فقال:
{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ
فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ} (31). وهو عمر ابن
الخطّاب، رضي الله عنه، وامرأته الأنصارية أم عاصم بن عمر
واسمها جميلة بنت أبي عاصم الذي حماه الدّبر أن يؤخذ رأسه
وقتلوا يومئذ أبا الجيلان بن هذيل وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن
الدثنة، فنسخ شأن الصوم والنساء فقال تعالى: {فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ
_________
(28) البقرة 184.
(29) البقرة 185.
(30) البقرة 183. وفي الأصل: الصوم.
(31) البقرة 187. وينظر: أسباب النزول 45.
(1/19)
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ} (32).
والذي أنزلت فيه آية الصوم هو صرمة بن أبي أياس، غلبته عينه
فنام فحرم عليه الطعام والشراب حتى الليلة المقبلة فأنزل الله
عزّ وجلّ الرخصة في الصوم والفرح والنسوة، وذلك [قوله تعالى:
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى
نِسائِكُمْ} (33).
قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ
وَالأقربين} (34). نسخت بآية الميراث (35).
وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما
خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً} (36).
وذلك أنّ الرجل كان إذا طلّق زوجته كان أحقّ بردّها إن كان قد
طلّقها ثلاثا. فلمّا أنزل الله عزّ وجلّ: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} (37). فضرب
الله حينئذ أجلا لمن مات أو لمن طلّق.
فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ
_________
(32) البقرة 187.
(33) من ابن سلامة 18 وابن الجوزي 18.
(34) البقرة 180. وينظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد 1/
259.
(35) الآية 11 من النساء. وينظر: قتادة 35، ابن سلامة 16.
(36) البقرة 228.
(37) البقرة 229.
(1/20)
مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ}
(38). فنسخها بآية الميراث التي فرض لهنّ فيها الربع والثّمن.
وقال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى
يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكُمْ} (39). فنسخ منها (7) ما أحلّ من المشركات من
نساء أهل الكتاب من اليهود والنصارى في النكاح.
وقال الله عزّ وجلّ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا
يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ
اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (40).
وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}
(41). فيما فرض ان لم يستطع الحج ولا الجهاد أو لم يستطع أن
يصلي قائما فيصلي جالسا. قال تعالى:
{وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ
مَنْ يَشاءُ} (42) نسخت بقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ
_________
(38) البقرة 240.
(39) البقرة 221.
(40) البقرة 229.
(41) البقرة 286.
(42) البقرة 284.
(1/21)
اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما
كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} (43) أي لا يكتب على أحد
إلّا ما فعل وما عمل.
وقال في سورة النساء: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}
(44). نسختها آية الميراث فيأخذ كلّ نفس ما كتب لها.
وفي أموال اليتامى قال: {وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ} (45).
نسخت بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (46).
وقال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ
نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}
... إلى قوله: {سَبِيلًا} (47).
_________
(43) البقرة 286.
(44) النساء 8.
(45) النساء 6. وفي الأصل: فمن.
(46) النساء 10.
(47) النساء 15.
(1/22)
وهذه المرأة وحدها ليس معها رجل، فقال رجل
كلاما، فقال الله عزّ وجلّ: {واللذان يَأْتِيانِها مِنْكُمْ
فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما}
(48). أي فاعرضوا عن عذابهما.
وقال: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (49).
قال أبو يزيد: بلغني أنّ الرجل كان في الجاهليّة لا يورّث
امرأة أبيه، لا يورّثها من الميراث شيئا حتى تفتدي ببعض ما
أعطوها.
قال ابن شهاب: فوعظ الله سبحانه في ذلك عباده المؤمنين ونهاهم
عنه.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ (8)
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (50).
قيل إنّ الرجل أول ما نزل رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، المدينة يحالف الرجل: إنّك ترثني وأرثك.
فنسخها الله عزّ وجلّ بقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (51).
_________
(48) النساء 16.
(49) النساء 19. وفي الاصل: ولا يحل.
(50) النساء 33. وفي المصحف الشريف: عقدت: ينظر: السبعة في
القراءات 233. [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوعة، عقدت
كما هي بالمصحف، فالصواب ما أثبت ولهذا علق عليه المحقق بما
قال]
(51) الأنفال 75.
(1/23)
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى
تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} (52).
وقال تعالى: {يسألونك عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ
فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما
أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} (53).
فنسخها الله عزّ وجلّ بقوله سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ
وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (54).
وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ
صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ
وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا
إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} ... إلى قوله: {سُلْطاناً مُبِيناً}
(55).
وقال تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
_________
(52) النساء 43.
(53) البقرة 219.
(54) المائدة 90.
(55) النساء 90 - 91.
(1/24)
دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما
يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ
أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ} (56).
وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ} (57) وهم بنو ضمرة بن بكر قد عاقد عليهم مخشيّ بن
حويل: إنا نأمنكم وتأمنونا حتى ندبر وننظر في الأمر (58).
نسخ هؤلاء الأربعة، فقال تعالى: {بَراءَةٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي
الْكافِرِينَ} (59). فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون في
الأرض. {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [وَخُذُوهُمْ
وَاقْعُدُوا (9) لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا
وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (60).
_________
(56) الممتحنة 8 - 9.
(57) التوبة 7.
(58) ينظر: الطبقات الكبرى 2/ 8، تفسير الطبري 10/ 81، تفسير
القرطبي 8/ 78.
(59) التوبة 1 - 2.
(60) التوبة 5.
(1/25)
وقال عزّ وجلّ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ
اللهِ} (61).
وقال تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
مِنْكُمْ} (62).
فنسخ هذا فقال: {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ
بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ
أَشْتاتاً} (63).
وقال تعالى في الأنفال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ
صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} (64).
فضجّ المسلمون عند ذلك وقالوا: من يطيق ذلك وهل يقدر الرجل
الواحد أن يلقى عشرة رجال؟.
فنسخ الله عزّ وجلّ ذلك بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
_________
(61) التوبة 6.
(62) النساء 29.
(63) النور 61.
(64) الأنفال 65.
(1/26)
ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ
الصَّابِرِينَ} (65).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ
آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ
وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا} (66).
قيل: إنّ الأعرابي كان يرثه المهاجر، وكان المهاجر لا يورّثه.
فنسخ الله عزّ وجلّ ذلك بقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (67).
وقال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} (68).
وقال تعالى: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (69).
وقال تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ} (70).
_________
(65) الأنفال 66.
(66) الأنفال 72.
(67) الأنفال 75.
(68) الأنفال 61.
(69) التوبة 29. وفي الأصل: وقاتلوا.
(70) الأنفال 33.
(1/27)
فنسخت فقال تعالى: (10): {وَما لَهُمْ
أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... إلى: كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (71).
فقاتلوا بمكّة فأصابهم خصاصة وجوع.
وقال في سورة براءة: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً
أَلِيماً} (72).
وقال أيضا: {ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ
مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا
يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ} (73).
نسخهما قوله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ
طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (74).
وقال تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... إلى قوله: {يَتَرَدَّدُونَ} (75).
_________
(71) الأنفال 34 - 35.
(72) التوبة (براءة) 39.
(73) التوبة 120.
(74) التوبة 122.
(75) التوبة 44 - 45.
(1/28)
نسخها قوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ
لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} ... إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (76).
وقال تعالى: {الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً} ... إلى
قوله تعالى: {عَلِيمٌ} (77).
نسخها قوله: {وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله تعالى: {قُرْبَةٌ لَهُمْ}
(78).
وقال تعالى في سورة النحل: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ
إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ} ... إلى قوله تعالى: {عَظِيمٌ} (79).
نسخها [قوله]: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ
بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (80).
_________
(76) النور 62.
(77) التوبة 97 - 98.
(78) التوبة 99.
(79) النحل 106.
(80) النحل 110.
(1/29)
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: {وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} (81).
فنسخ منها قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا
أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
أَصْحابُ الْجَحِيمِ} (82).
وقال عزّ من قائل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ
بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا} (83).
فنسخ بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ} (84).
وقال تعالى: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (85).
[قوله: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} هذا محكم، وهذه الآية نصفها
_________
(81) الإسراء 24.
(82) التوبة 113.
(83) الإسراء 110.
(84) الأعراف 205.
(85) الحجر 94 - 95.
(1/30)
منسوخ، فالمنسوخ قوله تعالى: {وَأَعْرِضْ
عَنِ الْمُشْرِكِينَ} نسخ بآية السيف] (86).
وقال تعالى: (11) في سورة النور {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ} ...
إلى قوله تعالى: {هم الفاسقون} (87).
نسخ منها [قوله]: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} ... (88) الآية.
{إن كان من الصادقين} إلى آخر اللعان، فإن حلف فرّق عنهما ولم
يجلد واحد منهما، وإن لم يحلف أقيم عليه الحدّ.
وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصارِهِنَّ} ... إلى قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ} (89).
نسخ منها [قوله]: {وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا
يَرْجُونَ نِكاحاً} ... إلى قوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (90).
_________
(86) زيادة يقتضيها السياق من ابن حزم 43، وابن سلامة 58، وابن
الجوزي 41.
(87) النور 4.
(88) النور 6. وتمامها؛ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهاداتٍ بِاللهِ ....
(89) النور 31.
(90) النور 60.
(1/31)
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى
تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ... إلى قوله:
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (91).
نسخ منها قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ
تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ}.
وهي بيوت المتاجرة ومنازل الضيوف، فقال: {وَاللهُ يَعْلَمُ ما
تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ} (92).
وفي الشعراء قوله تعالى: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ
الْغاوُونَ} إلى قوله: {يَفْعَلُونَ} (93).
نسختها هذه الآية، قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً} (94) إلى
آخر السورة.
_________
(91) النور 27.
(92) النور 29.
(93) الشعراء 224 - 226.
(94) الشعراء 227.
(1/32)
وفي حم الأحقاف قوله تعالى: {قُلْ ما
كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي
وَلا بِكُمْ} (95).
نسختها هذه الآية، قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَما تَأَخَّرَ} ... إلى قوله: {وَيَهْدِيَكَ صِراطاً
مُسْتَقِيماً} (96).
فعلم سبحانه ما يفعل به من الكرامة، فقال رجل من الأنصار: قد
حدّثك ربّك ما يفعل بك من الكرامة فهنيئا لك يا رسول الله، فما
يفعل بنا نحن؟ فقال سبحانه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيراً} (97).
وقال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} (98).
فبيّن تعالى في هذه الآية كيف يفعل به وبهم (99).
_________
(95) الأحقاف 9.
(96) الفتح 1 - 2.
(97) الأحزاب 47.
(98) الفتح 5.
(99) ينظر: قتادة 46، تفسير الطبري 26/ 72، النحاس 219.
(1/33)
(12) وقال تعالى في سورة المجادلة: {يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ.
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} ... إلى قوله
تعالى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (100).
فنسخت هذه الآية بقوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ} ... إلى قوله
تعالى: {وَآتُوا الزَّكاةَ} (101).
وقال تعالى في سورة المزّمّل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا
قَلِيلًا. نِصْفَهُ. أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ
عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (102).
فنسخها قوله تعالى؛ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ
عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} ... إلى
قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكاةَ} (103).
وقال تعالى: {إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطأً
وَأَقْوَمُ قِيلًا} (104).
_________
(100) المجادلة 12.
(101) المجادلة 13.
(102) المزمل 2 - 4.
(103) المزمل 20.
(104) المزمل 6.
(1/34)
وناشئة الليل: أوّله، كانت صلواتهم في أوّل
الليل، يقول: هو أجدر أن تحصوه، وما فرضت عليكم قيام الليل.
وذلك أنّ أحدهم كان إذا نام ما يدري متى يستيقظ، فقال تعالى:
وَأَقْوَمُ قِيلًا. يعني القرآن ومنفعتهم به. يقول: حتى يفهم
القرآن ويتدبر آياته ويفقه ما فيه: وقال عزّ وجلّ: {إِنَّ لَكَ
فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا} (105). يقول: فراغا طويلا.
يقول: من أوّل الليل يكون النوم، والتهجد يكون في وسطه وفي
آخره ولا يشتغل بالحاجات.
وقال تعالى في سورة الذاريات: [{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما
أَنْتَ بِمَلُومٍ} (106).
نسخت بقوله] (107): {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ} (108).
_________
(105) المزمل 7.
(106) الذاريات 54.
(107) زياد يقتضيها السياق من ابن حزم 58، ابن سلامة 86، ابن
البارزي 50.
(108) الذاريات 55.
(1/35)
وقال في سورة المائدة: {إِنَّما جَزاءُ
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (109).
[نسخت بالاستثناء بعدها في] (110) قوله تعالى: {[إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا] مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}
(111).
يقول: فلا سبيل لكم عليهم بعد التوبة. أراد بذلك الرجل المسلم
الذي يكون منه الفساد ثم يتوب من قبل أن يظفر به ربّ الأمر.
وأمّا الكفار الذين يفسدون في الأرض وهم في دار الحرب فهؤلاء
(112) لا تقبل توبتهم، فإنّهم لو كانت توبتهم صادقة للحقوا
ببلاد المسلمين (113).
_________
(109) المائدة 33.
(110) زيادة يقتضيها السياق من ابن حزم 36، وابن سلامة 43،
والكرمي 98.
(111) المائدة 34.
(112) في الأصل: فلا.
(113) هنا ينتهي كتاب الناسخ والمنسوخ ويأتي بعده: تنزيل
القرآن في الصفحتين 13 و14.
(1/36)
|