الوجيز في شرح قراءات القرأة الثمانية أئمة الأمصار الخمسة

باب ذكر مذاهبهم في حال الوقف
حمزة، والكسائي يشمّان الإعراب في حال الوقف الرفع والخفض مثل قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5)، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (آل عمران 144) ونحو ذلك حيث كان، يَوْمِ الدِّينِ* (الفاتحة 4 وغيرها)، وَمِنَ الْأَحْزابِ (الرعد 36)، مِنَ السَّماواتِ (النحل 73) ونحو ذلك حيث كان.
وقال لي أبو عبد الله اللالكائي: بالإشارة إلى الرفع والرّوم إلى الكسرة.
الباقون: بغير إشمام في جميع ذلك في حال الوقف.
وأجمعوا على ترك الإشمام في حال الفتح.
قال أبو عليّ: هكذا قرأت للأخفش عن هشام، على أهل الشّام بغير إشمام، والإشارة إلى الإعراب في موضع الرّفع والخفض عن الجماعة هي اختيار ابن مجاهد، واصطلاح من المقرئين. وذكره أبو بكر ابن الأنباري عن الأشناني عن عبيد، عن حفص عن عاصم ولم أقرأ به. الباقون: لا يشمّون الإعراب في شيء من ذلك.
فإذا كان في الكلمة همزة متطرفة مفتوحة قبلها ألف، وقف الجماعة عليها بالهمز من غير إشارة إلى الإعراب، إلا حمزة وحده فإنّه يقف عليها بالقصر من غير همز ولا إشارة إلى الإعراب، وذلك مثل قوله تعالى: إِلَّا ما شاءَ* (الأنعام 128 وغيرها)، وَيُمْسِكُ السَّماءَ (الحج 65)، ونَسُوقُ الْماءَ (السجدة 27)، وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ (النساء 5)
__________
(1) لم أقف على هذه الألفاظ سوى لفظ (كتابيه) ينظر معجم القراءات القرآنية 7/ 212.

(1/117)


ونحو ذلك. ويقف حمزة أيضا على المرفوع الممدود المنوّن وغير المنوّن، وعلى المخفوض الممدود المنوّن وغير المنوّن، بالمدّ والإشارة من غير همز، مثل قوله تعالى: يَشاءُ* (البقرة 90 وغيرها)، هَواءٌ (إبراهيم 43)، مِنَ السَّماءِ* (البقرة 19 وغيرها) ومِنْ ماءٍ* (البقرة 164 وغيرها) ونحو ذلك حيث كان.
الباقون: يقفون على جميع ذلك بالهمز على أصولهم، في الإشارة وتركها.
فإذا كانت الكلمة ممدودة منصوبة منوّنة، مثل قوله تعالى: دُعاءً (البقرة 171)، ونِداءً* (البقرة 171، مريم 3)، مِنَ السَّماءِ ماءً* (البقرة 22 وغيرها)، وغُثاءً* (المؤمنون 41، الأعلى 5)، وجُفاءً (الرعد 17) ونحو ذلك. وقفوا عليها بالهمز، وبألف بعدها، إلّا حمزة وحده، فإنّه يقف على جميع ذلك بتليين الهمزة، ويشير إليها بصدره ثم يأتي بعدها بألف.
قال أبو عليّ: وقرأت عن الضّبي عن حمزة قوله تعالى رُؤُسَكُمْ* (البقرة 196 وغيرها) في حال الوقف بترك الهمزة من غير عوض بوزن (فعلكم) حيث كان. ووقفت عن خلف وخلّاد عنه بتليين الهمزة.
ووقفت عن الضّبي عنه على قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ (التكوير 8) بترك الهمزة وزن (موزة).
وعن خلف وخلّاد عنه: بتليين الهمزة.
ووقفت عن الضّبي عنه، على قوله تعالى: هُزُواً* (البقرة 67 وغيرها)، وكُفُواً (الإخلاص 4) برفع الزاي والفاء وبواو بعدهما من غير همز.
وعن خلف عنه بإسكان الزاي والفاء، وبواو بعدهما من غير همز.
وعن خلّاد عنه بفتح الزاي والفاء فيهما من غير واو ولا همز.
ووقفت عن الضّبي وخلف عنه جزوا (البقرة 260، الزخرف 15) بإسكان الزاي وبواو بعدها.
وعن خلّاد عنه بفتح الزاي من غير همز ولا واو.
ووقفت عن الضّبي عنه على قوله تعالى: دف (النحل 5)، وجز (الحجر 44)، والخب (النمل 25)، ومل (آل عمران 91)، وسوّا (النساء 110 وغيرها)، وبالسّوّ (البقرة 169 وغيرها)، وموّلا (الكهف 58)، وكهيّة (آل عمران 49، المائدة 110)، وسوّة (المائدة 31)، وسوّاتكم «1» (الأعراف 26)، وخطيّة (النساء 112)، وخطيّاتكم (الأعراف 161)، وسَيِّئَةً* (البقرة 81 وغيرها)،
__________
(1) في الأصل (سوءتكما) بالتثنية، والصواب ما أثبتناه.

(1/118)


وسَيِّئاتُ* (النساء 18 وغيرها)، كل ذلك بالتشديد من غير همز في حال الوقف.
وقرأت عن خلف وخلّاد عنه: بترك الهمز من غير تشديد في جميع ذلك في حال الوقف.
وقرأت عن الضّبي عنه يَؤُدُهُ* (البقرة 255)، ويُؤَدِّهِ (آل عمران 75)، ولا يُؤَدِّهِ (آل عمران 75)، ويُؤَخِّرَكُمْ* (إبراهيم 10، نوح 4)، ويُؤاخِذُ* (النحل 61، فاطر 45) وبابه بطرح الهمز وإظهار الواو في ذلك في حال الوقف.
وقرأت عن خلف وخلّاد عنه في حال الوقف كل ذلك بتليين الهمز، من غير أن يظهر الواو فيهنّ.
ووقفت عن الضّبي عنه على قوله تعالى: بِالْآخِرَةِ* (البقرة 4 وغيرها)، والْيَوْمِ الْآخِرِ* (البقرة 8 وغيرها)، والْأَرْضِ* (البقرة 60 وغيرها)، والْأَسْماءَ* (البقرة 31 وغيرها)، ونحو ذلك، بترك الهمزة ونقل حركتها إلى اللام وجه واحد.
وقرأت جميع ذلك عن خلف وخلّاد عنه بالهمز، وخيّرني في ذلك أبو عبد الله اللالكائي في حال الوقف.
ووقفت عن الضّبي عنه على قوله تعالى: يشاء* (البقرة 90 وغيرها) وهوا* (إبراهيم 43)، من السماء* (البقرة 19 وغيرها)، من ما* (البقرة 164 وغيرها) ونحو ذلك، بإشمام الضّم من غير همز ولا يظهر الواو والياء في شيء من ذلك.
فإذا وقف على كلّ همزة متطرفة مرفوعة، قبلها مفتوح، بألف ساكنة من غير همز مثل قوله تعالى: يعبا (الفرقان 77) ويتفيا (النحل 48)، وتفتا (يوسف 85)، وو يدرا (النور 8) ونحوهن.
وكان يقف على قوله تعالى: شيّا (آل عمران 120 وغيرها) بالتشديد من غير همز، حيث كانت ويقف على قوله تعالى: النشاة (العنكبوت 20 وغيرها)، وشَطْأَهُ (الفتح 29) بألف من غير همز.
خلف، وخلّاد يقفان على يَتَفَيَّؤُا (النحل 48)، وتَفْتَؤُا (يوسف 85) وبابه بواو، وعلى شَيْئاً* (البقرة 48 وغيرها) بالتخفيف حيث كان، وعلى شَطْأَهُ (الفتح 29)، والنَّشْأَةَ* (العنكبوت 20 وغيرها) بغير ألف.
قال أبو عليّ: وأصل حمزة أن يقف على كلّ كلمة فيها همزة متوسطة أو متطرفة بغير همز، وله في ذلك شرط وشرح يطول ذكره قد ذكرناه في كتاب «الإيضاح» و «الاتّضاح» مشروحا فمن أراد ذلك فليطلبه هناك ويجده على المراد إن شاء الله.
وكلّهم إذا وقفوا على ما لا يحسن الابتداء بما بعده ابتدءوا كإعراب الوصل في جميع

(1/119)


القرآن مثل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ (الفاتحة 1) ابتدءوا رَبِّ الْعالَمِينَ (الفاتحة 1) بكسر الباء ونحو ذلك في القرآن كثير إلّا أنّ يعقوب في رواية رويس عنه إذا وصل خفض الهاء في قوله: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي في سورة إبراهيم (1، 2). وإذا ابتدأ رفع الهاء. وقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ في سورة المؤمنين (92) إذا وصل كسر الميم، وإذا ابتدأ رفعها. وقوله تعالى: إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا في سورة عبس (24، 25) إذا وصل فتح الهمزة وإذا ابتدأ كسرها.
وليس جميع ذلك وقفا مختارا، وإنّما الغرض معرفة ذلك.
عن هشام عن ابن عامر: ترك الهمز في حال الوقف في كلمات معدودة، وعنه في ذلك خلاف إلّا أنّي قرأت على السّلمي عن ابن الأخرم عن الأخفش عنه بالهمز في الحالين في كلّ كلمة مهموزة من غير استثناء شيء منه.
قال أبو عليّ: والوقف عند أبي عمرو، حيث يتم الكلام وهو الذي يقال له: الوقف الحسن. وعند عاصم حيث يحسن الابتداء وهو الذي يقال له: وقف غير تام.
وعند حمزة حيث ينقطع نفس القارئ وهو الذي يقال له: وقف الضّرورة. وعند الباقين حيث يحسن الوقف ويحسن الابتداء بما بعده، وهو الذي يقال له: وقف تام.
ونصّ قنبل عن ابن كثير: الوقف في ثلاثة مواضع، فقال: ونحن نقف على وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ (آل عمران 7)، وَما يُشْعِرُكُمْ (الأنعام 109)، إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ (النحل 103).
ونصّ حفص عن عاصم الوقوف على قوله: عِوَجاً في سورة الكهف (1) ويبتدئ قَيِّماً. وليس هو وقفا مختارا «1».
قال أبو عليّ: وروى خلف عن سليم عن حمزة، وابن سعدان عن المسيّبي عن نافع، والحلواني عن هشام عن ابن عامر أنّهم كانوا يتبعون رسم المصحف في حال الوقف يلزمهم حينئذ أن يقفوا على ما كان محذوفا بالحذف، وما كان مثبتا بالإثبات، وما كان بالتاء وبالهاء وقفوا عليه كما في الكتاب، إلا أنّ أحمد بن فرج روى عن أبي عمر الدّوري أنّ أبا عمرو والكسائي كانا يقفان على جميع ما كتب في المصحف بالتاء وبالهاء من غير استثناء شيء من ذلك. ومذاهب الباقين كما تقدّم ذكره من اتباع الخطّ إن شاء الله.
إلّا أنّ يعقوب وحده يخالف الخطّ في أشياء كثيرة، ليس بالخلاف البائن العظيم، وذلك لكثرة ما يخالف الكتاب في حرف واحد، وعلى مخالفة الكتاب في حرف واحد الجماعة في مواضع شتّى، وهو على نوعين: منه ما لا يمكن متابعة الكتاب عليه مثل قوله تعالى: الرَّحْمنِ (الفاتحة 1 وغيرها) لا يمكن حذف الألف منه في القراءة.
__________
(1) التيسير 142.

(1/120)


وكذلك اللَّهُ* (البقرة 7 وغيرها)، وإِلهَ* (البقرة 133 وغيرها) وإِلهُكُمْ* (البقرة 163 وغيرها)، وسُلَيْمانَ* (البقرة 102 وغيرها)، وإِسْحاقَ* (البقرة 133 وغيرها)، وإِسْماعِيلَ* (البقرة 125 وغيرها)، والسَّماواتِ* (البقرة 29 وغيرها) ونحو ذلك مما كتب في الكتاب بغير ألف والقراءة بألف لا يمكن غير ذلك.
والنوع الآخر هو مما يمكن حذفه وإثباته، واختلف فيه كالياءات المحذوفات في وسط الآي والياءات المحذوفات في أواخر الآي فمن أثبتها لا يقال أنّه خالف الكتاب بشيء عظيم، وكذلك ابن كثير يثبت الياء في «فيهي» وبابه والواو في «منهو»، و «عنهو»، و «هداهو» (النحل 121)، و «يدعوهو» (الجن 19) ونحوهن، و «عليهمو» و «بهمو»، و «فيهمو» ونحو ذلك «1».
وقد جاء أيضا في الكتاب ما لا تجوز القراءة به كألف الوصل ولام التعريف عند التّاء والثّاء والدّال والذّال والرّاء والزّاي والسّين والشّين والصّاد والضّاد والطّاء
والظّاء واللام والنون أربعة عشر حرفا تدغم لام التعريف عندها في اللفظ وهي ثابته في الخط لا تجوز القراءة به، فلأجل هذا وأشباهه قلنا: إنّ مخالفة الكتاب بحرف واحد ليس بالخلاف البائن العظيم.
فمما خالف به يعقوب الكتاب أنّه يصل ويقف على كلّ ياء محذوفة من وسط الآي وهي في واحد «2» وثلاثين موضعا. وكل ياء محذوفة في أواخر الآي وهي في ستة وثمانين موضعا.
ففي وسط الآي مثل قوله تعالى: «دعوة الداعي إذا دعاني» (البقرة 186)، «واتقوني يا أولي الألباب» (البقرة 197) ونحوهن.
وفي أواخر الآي مثل قوله تعالى: «فاتقوني» (البقرة 41 وغيرها)، «فارهبوني» (البقرة 40، والنحل 51)، «ولا تكفروني» (البقرة 152) ونحوهن. جميع هذا الباب بياء في الحالين.
وكذلك يقف على كلّ ياء محذوفة عند ساكن بياء مثل قوله تعالى: «وسوف يؤتي الله المؤمنين» (النساء 146)، «واخشوني اليوم» (المائدة 3)، و «يقضي الحق» «3» (الأنعام 57)، «وننجي المؤمنين» (يونس 103)، و «بالوادي المقدس» (طه 12 والنازعات 16) ونحوه حيث كان. «وأوفي الكيل» (يوسف 59)، و «الجواري الكنّس» (التكوير 16)، «فما
__________
(1) ينظر النشر 1/ 305 من باب هاء الكناية.
(2) في الأصل (إحدى وثلاثين).
(3) على قراءة أبي عمرو وحمزة وابن عامر والكسائي، وقرأها الباقون ومنهم حفص (يقصّ الحقّ) بالصاد المهملة.

(1/121)


تغني النّذر» (القمر 5)، و «لهادي الذين آمنوا» (الحج 54)، و «بهادي العمي» في سورة الروم (53) فقط. و «يا عبادي الذين آمنوا» في سورة الزمر (10)، وفيها «فبشّر عبادي الذين» (17، 18) و «الجواري المنشآت» (الرحمن 24) ونحو ذلك حيث كان «1».
وكان يقف بهاء على قوله تعالى: «وهوه»، «فهوه»، «لهوه»، و «هيه»، «فهيه»، «لهيه» حيث كان ذلك «2».
وكان روح يقف على قوله تعالى: «عليّه»، و «إليّه»، و «لديّه»، و «عمّه»، و «لمه»، و «بمه»، و «فيمه» بهاء حيث كنّ.
رويس يقف عليهن بغير هاء كالجماعة حيث كان ذلك «3».
الباقون: ربما خالفوا الخطّ من الكتاب في شيء يسير من ذلك نذكره مستقصى في مواضعه إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله.