تأويل مشكل القرآن

تقديم
تاويل مشكل القران بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الكرام المنتجبين.
وبعد، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) [الإسراء: 9] ، ويقول تعالى:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) [الإسراء: 82] ، ويقول تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) [الإسراء: 88] ، ويقول تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) [القمر: 17، 22، 32، 40] .
للقرآن الكريم أكبر شأن في أمر الإسلام والمسلمين، فهو هديهم في شريعتهم، وهو المنار الذي يستضاء به في أساليب البلاغة العربية، بل هو المنبع الصافي الذي ينهلون منه فلسفتهم الروحية والخلقية، وهو بالجملة الموجّه لهم في الحياة والمعاملات وشتى مظاهر الحياة.
فلا عجب أن يكون القرآن الكريم موضع عناية المسلمين منذ القدم، فقد تتابعت أنواع التآليف في أحكامه وفي تفسيره وفي بلاغته وفي لغته وفي إعرابه، حتى لقد ازدهرت في الثقافة الإسلامية ضروب من العلوم والفنون حول القرآن الكريم وتحت رايته.
هذا كتاب «تأويل مشكل القرآن» للإمام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة 276 هـ. وهو كتاب فريد في بابه ويعتبر من أوائل الكتب

(1/3)


التي بحثت في مشكل القرآن الكريم، والشكوك التي تثار حوله، والمطاعن التي تسدد نحوه.
يقول ابن قتيبة: «قد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون، ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض، والاستحالة في اللحن، وفساد النظم، والاختلاف، وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغمر، والحدث الغر، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور ... فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة، وأكشف للناس ما يلبسون، فألّفت هذا الكتاب جامعا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملا ما أعلم فيه مقالا لإمام مطلع على لغات العرب، لأري المعاند موضع المجاز، وطريق الإمكان، من غير أن أحكم فيه برأي، أو أقضي عليه بتأويل، ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير، إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته. وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وزدت في الألفاظ ونقصت، وقدّمت وأخّرت، وضربت لذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون» .
أما عملنا في هذا الكتاب فهو:
أولا: وضع ترجمة وافية للمؤلف.
ثانيا: حرصنا بقدر الطاقة على تنقية النص من الأخطاء المطبعية.
ثالثا: شرحنا في حواشي الكتاب ما في متنه من غريب اللغة أو صعب المتناول منها، وذلك استنادا إلى المعاجم اللغوية المشهورة.
رابعا: وضعنا في حواشي الكتاب تعريفا وافيا- مع ذكر المراجع- لجميع الأعلام، وما أهملناه من ذلك إما معروف مشهور، ولم نجد ضرورة لنافل القول فيه، وإما لم نهتد إليه فيما بين أيدينا من المصادر والمراجع. وقد أشرنا إلى ذلك أيضا.
خامسا: خرّجنا جميع الأحاديث النبوية والآثار تخريجا وافيا، وضبطنا نص الحديث استنادا إلى كتب الحديث المعتبرة.
سادسا: خرّجنا جميع الشواهد الشعرية في مظانها.

(1/4)


سابعا: خرّجنا جميع الأمثال في مظانها.
ثامنا: خرّجنا جميع الآيات القرآنية الكريمة على المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
وأخيرا، نرجو أن يكون عملنا هذا خالصا لوجهه تعالى، ولله الكمال وحده، وهو ولي التوفيق.
إبراهيم شمس الدين

(1/5)