تحبير التيسير في القراءات العشر

 (بَاب ذكر التَّكْبِير فِي قِرَاءَة ابْن كثير)
قَالَ أَبُو عَمْرو الداني رَحمَه اللَّهِ.
اعْلَم أيدك اللَّهِ تَعَالَى أَن البزي روى عَن ابْن كثير بِإِسْنَادِهِ أَنه كَانَ يكبر من آخر (وَالضُّحَى) مَعَ فَرَاغه من قِرَاءَة كل سُورَة إِلَى آخر (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) ويصل التَّكْبِير بآخر السُّورَة، وَإِن شَاءَ القارىء قطع عَلَيْهِ، وابتدأ بِالتَّسْمِيَةِ مَوْصُولَة بِأول السُّورَة [الَّتِي بعْدهَا وَإِن شَاءَ وصل التَّكْبِير بِالتَّسْمِيَةِ وَوصل التَّسْمِيَة بِأول السُّورَة] وَلَا يجوز الْقطع على التَّسْمِيَة إِذا وصلت بِالتَّكْبِيرِ. وَقد كَانَ بعض أهل الْأَدَاء يقطع على أَوَاخِر السُّور ثمَّ يبتدىء بِالتَّكْبِيرِ مَوْصُولا بِالتَّسْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ روى النقاش عَن أبي ربيعَة عَن البزي وَبِذَلِك قَرَأت على الْفَارِسِي عَنهُ، وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة عَن المكيين بِالتَّكْبِيرِ دَالَّة على مَا ابتدأنا بِهِ لِأَن فِيهَا (مَعَ) وَهِي تدل على الصُّحْبَة والاجتماع، فَإِذا / كبر فِي آخر سُورَة النَّاس قَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب وَخمْس آيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة على عدد الْكُوفِيّين إِلَى قَوْله: (وَأُولَئِكَ هم المفلحون) ثمَّ دَعَا بِدُعَاء الختمة وَهَذَا يُسمى الْحَال المرتحل. وَفِي جَمِيع مَا قدمْنَاهُ أَحَادِيث مَشْهُورَة يَرْوِيهَا الْعلمَاء يُؤَيّد بَعْضهَا بَعْضًا تدل على صِحَة مَا فعله ابْن كثير، وَلها مَوضِع غير هَذَا قد ذَكرنَاهَا فِيهِ.
وَاخْتلف أهل الْأَدَاء فِي لفظ التَّكْبِير فَكَانَ بَعضهم يَقُول: (اللَّهِ أكبر) لَا غير، ودليلهم على صِحَة ذَلِك جَمِيع الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بذلك من غير زِيَادَة كَمَا حَدثنَا أَبُو الْفَتْح شَيخنَا.
قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن الْمقري [قَالَ حَدثنَا] أَحْمد بن مُسلم الْخُتلِي قَالَ أخبرنَا

(1/621)


الْحسن بن مخلد [قَالَ أخبرنَا] البزي قَالَ: قَرَأت على عِكْرِمَة بن سُلَيْمَان وَقَالَ قَرَأت على إِسْمَاعِيل بن عبد اللَّهِ بن قسطنطين فَلَمَّا بلغت (وَالضُّحَى) قَالَ: كبر حَتَّى تختم مَعَ خَاتِمَة كل سُورَة فَإِنِّي قَرَأت على عبد اللَّهِ بن كثير فَأمرنِي بذلك وَأَخْبرنِي ابْن كثير أَنه قَرَأَ على مُجَاهِد فَأمره بذلك [وَأخْبرهُ مُجَاهِد أَنه قَرَأَ على عبد اللَّهِ بن عَبَّاس فَأمره بذلك] وَأخْبرهُ ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ على أبي بن كَعْب فَأمره بذلك وَأخْبرهُ أبي أَنه قَرَأَ على رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمره بذلك.
وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ: (لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَالله أكبر) فيهللون قبل التَّكْبِير، وَاسْتَدَلُّوا على صِحَة ذَلِك بِمَا حدّثنَاهُ فَارس بن أَحْمد الْمقري قَالَ أخبرنَا عبد الْبَاقِي بن الْحسن قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سلم الْخُتلِي وَأحمد بن صَالح قَالَا حَدثنَا الْحسن بن الْحباب قَالَ:
سَأَلت البزي عَن التَّكْبِير كَيفَ هُوَ؟ فَقَالَ لي لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَالله أكبر

(1/622)


قَالَ أَبُو عَمْرو الداني رَحمَه اللَّهِ: وَابْن الْحباب هَذَا من الاتقان والضبط وَصدق اللهجة بمَكَان لَا يجهله أحد من عُلَمَاء هَذِه الصَّنْعَة وَبِهَذَا قَرَأت على أبي الْفَتْح، وقرأت على غَيره بِمَا تقدم.

(فصل)
وَاعْلَم أَن القارىء / إِذا وصل التَّكْبِير بآخر السُّورَة. فَإِن كَانَ [آخر السُّورَة سَاكِنا] كَسره لالتقاء الساكنين نَحْو: فَحدث اللَّهِ أكبر، فارغب اللَّهِ أكبر) وَإِن كَانَ منونا كَسره أَيْضا لذَلِك. وَسَوَاء كَانَ الْحَرْف الْمنون مَفْتُوحًا أَو مضموما أَو مكسورا، نَحْو قَوْله: (تَوَّابًا اللَّهِ أكبر) و (لخبير اللَّهِ أكبر) و (من مسد اللَّهِ أكبر) وَشبهه، وَإِن كَانَ آخر السُّورَة مَفْتُوحًا فَتحه، وَإِن كَانَ مضموما ضمه، وَإِن كَانَ مكسورا كَسره نَحْو قَوْله: (إِذا حسد اللَّهِ أكبر) [وَالنَّاس اللَّهِ أكبر] والأبتر اللَّهِ أكبر) وَشبهه، وَإِن كَانَ آخر السُّورَة هَاء كِنَايَة مَوْصُولَة بواو حذفت صلتها للساكنين نَحْو: (ربه اللَّهِ أكبر) و (شرا يره اللَّهِ أكبر) وأسقطت ألف الْوَصْل الَّتِي فِي أول اسْم اللَّهِ عز وَجل فِي جَمِيع ذَلِك اسْتغْنَاء عَنْهَا.
فَاعْلَم ذَلِك موفقا لطريق الْحق ومنهاج الصَّوَاب.
وَبِاللَّهِ سُبْحَانَهُ التَّوْفِيق. وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا، وظاهرا وَبَاطنا، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.

(1/623)