تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف الياء
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " آل عمران ": (إِنَّ أَوْلَى
النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا
النَّبِيُّ) .
قرئ برفع الياء من (النَّبِيُّ) وبضمّها وجرها:
فأما قراءة الرفع فقرأ بها السبعة، ووجهها أن قوله تعالى
(وهذا)
معطوف على خبر (إنّ) ، وهو (لَلَّذِينَ) .
وقيل فيه: إنه مبتدأ (والذين آمنوا) معطوف عليه، والخبر محذوف،
تقديره هم المتّبعون.
و (النبيُّ) بدل من (هذا) أو عطف بيان، أو نعت.
وأما قراءة النصب فلم ينسبها الشيخ أبو حيَّان.
ووجهها أن قوله تعالى (وهذا) معطوف على الهاء في (اتَبعوه)
والتقدير: إن أحقّ الناس بإبراهيم من اتّبع إبراهيم ومحمّداً
صلّى الله عليهما وسلّم، ويكون
(والذين آمنوا) عطفا على خبر (إنّ) فهو في موضع رفع، و
(النبيُّ)
منصوب كما تقدّم على البدل من هذا، أو النعت، أو عطف البيان.
(1/192)
وأما قراءة الجر فلم ينسبها الشيخ أبو
حيَّان أيضاً.
ووجهها أنّ (هذا) معطوف على (إبراهيم) .
التقدير: إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبيّ.
و (النبى) مجرور على البدل من (هذا) أو النعت أو عطف البيان.
تتميم:
(أولى) " أفعل " من وَلِيَ يَلي، وألفه منقلبة عن ياء، لأنّ
فاءه واو، فلا
تكون لامه واواً، لأنه ليس في الكلام ما فاؤه واو ولامه واو
إلا كلمة
واحدة قد ذكرناها.
والباء في (بإبراهيم) تتعلّق بـ (أولى) . والله أعلم.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الفتح ": (وَصَدُّوكُمْ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ)
قرئ بالنصب والجرّ والرفع مع سكون الدال
وتخفيف الياء:
فأما قراءة النصب فقرأ بها السبعة، ووجهُها أنّه معطوف على
الضمير
في (وَصَدُّوكُمْ) .
وأما قراءة الجرّ فقرأ بها الجُعفي عن أبي عمرو، ووجهها أنّه
(1/193)
معطوف على (المسجد الحرام) على حذف مضاف،
أي: وعن نحر
الهدي.
وأما قراءة الرفع فقرأ بها طائفة، ووجهها أنه مفعول لم يسمّ
فاعله.
وفعله محذوف، أي: وصُدَّ الهديُ، ويحتمل أن يكون مبتدأ والخبر
محذوف، والتقدير: والهدي مصدود، وتكون الجملة في موضع الحال.
تتميم:
قرأ ابن هُرْمُز، والحسن، وعِصمة عن عاصم، واللُؤلؤي.
وخارجة، عن أبي عمرو (والهَدِيِّ) بكسر الدال وتشديد الياء،
وهي
لغة. وما قرأ به الجماعة المتقدّمة أفصح لكونها لغة قريش.
واختُلف في عدد الهدي:
فقيل: كان مائةَ بَدَنة، فيها جملُ أبي جهل الذي أُخذ منه يوم
بدر.
فكان الهدي بَدَنةً عن كل سبعة.
وقيل: كان الهدي سبعين، عن كل عشرة بَدَنة.
هذا بناء على أن عدد من كان معه صلّى الله عليه وسلم سبعمائة
رجل.
(1/194)
وقد اختُلف في عددهم: فمنهم من روى ما
قدّمناه.
وقيل: كانوا ألفاً وثلاثمائة، وقيل: ألفاً وأربعمائة، وهو
المشهور، قاله النووي.
وقيل: ألفاً وخمسمائة.
وقال الحاكم: القلبُ أمْيَلُ إلى هذه الرواية: لاشتهارها عن
جابر.
ومتابعة المسيّب بن حزن له على ذلك.
وقيل: ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين.
وقيل: ألفاً وستمائة. والله أعلم.
قد يكون: الإمام الحافظ المحدّث محمد بن عبد الله، الحاكم
النيسابوري.
صاحب المستدرك على الصحيحين وغيره. توفي سنة 455 هـ. وفيات
الأعيان
4/ 280، والسير 17/ 162.
ويحتمل أن يكون الحاكم النيسابوري الكبير، محمد بن أحمد، مؤلّف
" الكنى ". توقي سنة 378 هـ. السير 6 1/ 0 37.
هذه نهاية نسخة الظاهرية: ظ.
في الأصلين (ابن حرب) . والمسيب بن حزن - والد سعيد، صحابي.
ينظر أقوالط العلماء في: السيرة النبوئة لابن هشام 197/3،
والسيرة النبويّة
لابن كثير 313/3، وشرح النووي على مسلم 12/ 174، وفتح الباري
7/ 0 4 4، وتفسير القرطبي 16/ 274، 283، 284.
195
(1/195)
فهذه غاية ما انتهى إلينا ممّا قُرى مثلّثا
من حروف التنزيل، وقد
أوْضَحْنا جُمَلَه إيضاحَ " التكميل والتسهيل " فَلْيَرْتَشِفُ
الباحثُ من معانيه
ضَرَباً، وَلْيَعْجِمْ عُودَه فلا يَجده إلا نَبْعاً أو
غَرَبا.
والمسئول من الله تعالى أن يَرْزُقَنا مُنْصِفاً يَضَعُ كلّ
شيء على وَضعه.
وَيَسُدُّ الخَلَلَ بسلامة طَبعه.
وحَسْبُنا الله ونعمَ الوكيل، فعليه الاعتماد، وإليه الرغبة
والتأميل.
وصلّى الله على سيّدنا محمّدْ الناطقِ بأوضح دليل، وعلى آله
وأصحابه السالكين أقومَ سبيل.
تمّ الكتاب والحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاةُ والسلام على
سيدنا محمّدٍ خاتمِ النبيِّين.
***
وقد وقع الفراغ من تأليفه صبيحة يوم الإثنين، رابع جمادى
الأُولى سنة
خمس وأربعين وسبعمائة، وذلك بشاطىء - الفرات، بجامع البيرة
المحروسة.
(1/196)
|