حجة القراءات
12 - سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
{إِذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْت}
قَرَأَ ابْن عَامر {يَا أَبَت} بِفَتْح التَّاء فِي جَمِيع
الْقُرْآن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر التَّاء على الْإِضَافَة إِلَى
نَفسه الأَصْل يَا أبي فحذفت الْيَاء لِأَن يَاء الْإِضَافَة
تحذف فِي النداء كَمَا يحذف التَّنْوِين
(1/353)
وَتبقى الكسرة تدل على الْيَاء كَمَا تَقول
رب اغْفِر لي وَفِي التَّنْزِيل {رب قد آتيتني من الْملك} و
{يَا قوم} وَالْأَصْل يَا قومِي فحذفت الْيَاء وَإِنَّمَا تحذف
فِي النداء لِأَن بَاب النداء بَاب التَّغْيِير والحذف وَأما
إِدْخَال تَاء التَّأْنِيث فِي الْأَب فَقَالَ قوم إِنَّمَا
دخلت للْمُبَالَغَة كَمَا تَقول عَلامَة ونسابة فَاجْتمع يَاء
الْمُتَكَلّم وَالتَّاء الَّتِي للْمُبَالَغَة فحذفوا الْيَاء
لِأَن الكسرة تدل عَلَيْهَا
وَقَالَ الزّجاج إِن التَّاء كثرت ولزمت فِي الْأَب عوضا عَن
يَاء الْإِضَافَة فَلهَذَا كسرت التَّاء لِأَن الكسرة أُخْت
الْيَاء وَمن فتح فَلهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون أَرَادَ
يَا أبتا فأبدل من يَاء الْإِضَافَة ألفا ثمَّ حذف الْألف
كَمَا تحذف الْيَاء وَتبقى الفتحة دَالَّة على الْألف كَمَا
أَن الكسرة تدل على الْيَاء وَالْوَجْه الآخر أَنه إِنَّمَا
فتح التَّاء لِأَن هَذِه التَّاء بدل من يَاء الْمُتَكَلّم
وَاصل يَاء الْمُتَكَلّم الْفَتْح فَتَقول يَا غلامي
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْيَاء هُوَ اسْم وَالِاسْم
إِذا كَانَ على حرف وَاحِد فأصله الْحَرَكَة فَتكون الْحَرَكَة
تَقْوِيَة للاسم فَلَمَّا كَانَ أصل هَذِه الْيَاء الفتحة
كَانَ الْوَاجِب أَن تفتح لِأَنَّهَا بدل من الْحَرْف الَّذِي
هُوَ أَصله ليدل على الْمُبدل
وقف ابْن كثير وَابْن عَامر / يَا أبه / على الْهَاء وحجتهما
أَن التغييرات تكون فِي حَال الْوَقْف دون الإدراج فَتَقول
رايت زيدا فتقف عَلَيْهِ بِالْألف ووقف الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ
وحجتهم أَن هَذِه التَّاء بدل من الْيَاء فَكَمَا أَن الْيَاء
على صُورَة وَاحِدَة فِي الْوَصْل وَالْوَقْف فَكَذَلِك
الْبَدَل يجب أَن يكون مثل الْمُبدل مِنْهُ على صُورَة
وَاحِدَة
(1/354)
{لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات
للسائلين}
قَرَأَ ابْن كثير / آيَة للسائلين / أَي عِبْرَة وحجته قَوْله
{لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة} وَلم يقل عبر كَأَنَّهُ جلّ
شَأْنه كُله آيَة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وَجَعَلنَا ابْن
مَرْيَم وَأمه آيَة} فأفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا آيَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آيَات للسائلين} على الْجمع أَي عبر
جعلُوا كل حَال من أَحْوَال يُوسُف آيَة وعبرة وحجتهم فِي
ذَلِك أَنَّهَا كتبت فِي الْمُصحف بِالتَّاءِ
{وألقوه فِي غيابة الْجب}
قَرَأَ نَافِع فِي / غيابات الْجب / بِالْألف أَرَادَ ظلم
الْبِئْر ونواحيها لِأَن الْبِئْر لَهَا غيابات فَجعل كل جُزْء
مِنْهَا غيابة فَجمع على ذَلِك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غيابة} وحجتهم أَنهم ألقوه فِي بِئْر
وَاحِدَة فِي مَكَان وَاحِد لَا فِي أمكنة
{أرْسلهُ مَعنا غَدا يرتع ويلعب}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / نرتع
وَنَلْعَب / بالنُّون أخبر الْإِخْوَة عَن أنفسهم وحجتهم
ذكرهَا الزيدي قَالَ وتصديقها قَوْله بعْدهَا {إِنَّا
ذَهَبْنَا نَسْتَبِق} فَكَأَن اليزيدي ذهب إِلَى أَنهم أسندوا
جَمِيع ذَلِك إِلَى جَمَاعَتهمْ إِذْ أسندوا الاستباق قيل لأبي
عَمْرو
(1/355)
فَكيف يَلْعَبُونَ وهم أَنْبيَاء الله
فَقَالَ إِذْ ذَاك لم يَكُونُوا أَنْبيَاء الله
وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة والكوفة {يرتع ويلعب} بِالْيَاءِ
إِخْبَارًا عَن يُوسُف وَبِذَلِك جَاءَ تَأْوِيل أهل
التَّأْوِيل فِي ذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس {يرتع ويلعب} أَي
يلهو وينشط وَيسْعَى وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْقَوْم إِنَّمَا
كَانَ قَوْلهم ذَلِك ليعقوب اختداعا مِنْهُم إِيَّاه عَن
يُوسُف إِذْ سَأَلُوهُ أَن يُرْسِلهُ مَعَهم لينشط يُوسُف
لِخُرُوجِهِ إِلَى الصَّحرَاء ويلعب هُنَاكَ لَا أَنهم
أَرَادوا إِعْلَامه بِمَا لَهُم من الرِّفْق والفائدة
لِخُرُوجِهِ
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير / نرتع / بِكَسْر الْعين أَي يرْعَى
مَاشِيَته ويرعى المَال كَمَا يرعاه الرَّاعِي وَهُوَ يفتعل من
الرِّعَايَة تَقول ارتعى الْقَوْم إِذا تحارسوا ورعى بَعضهم
بَعْضًا وَحفظ بَعضهم بَعْضًا وَيُقَال رعاك الله أَي حفظك
وَالْأَصْل نرتعي فَسَقَطت الْيَاء للجزم لِأَنَّهُ جَوَاب
الْأَمر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يرتع} بجزم الْعين أَي يَأْكُل يُقَال
رتعت الْإِبِل وَأَنا أرتعتها إِذا تركتهَا ترعى كَيفَ شَاءَت
قَالَ الشَّاعِر ... ترتع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ...
فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار ...
وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان يُقَال رتع يرتع رتعا فَهُوَ راتع
وعلامة الْجَزْم سُكُون الْعين فِي هَذِه الْقِرَاءَة
وَإِنَّمَا انجزم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر الْمَعْنى أرْسلهُ
إِن ترسله يرتع ويلعب
{وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب وَأَنْتُم عَنهُ غافلون}
(1/356)
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وورش
عَن نَافِع / الذيب / بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالْهَمْز وَهُوَ الأَصْل لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من تذاء بت
الرّيح إِذا أَتَت من كل نَاحيَة فَكَأَنَّهُ شبه من خفته
وَسُرْعَة حركته بِالرِّيحِ
{قَالَ يَا بشرى هَذَا غُلَام}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يَا بشرى} بترك
الْإِضَافَة فِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم جَعَلُوهُ اسْم
رجل فَيكون دَعَا إنْسَانا اسْمه بشرى وحجتهم مَا قد رُوِيَ
عَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين أَنهم قَالُوا كَانَ اسْمه بشرى
فَدَعَاهُ المستقي باسمه كَمَا يُقَال يَا زيد فَيكون بشرى فِي
مَوضِع رفع بالنداء وَالْوَجْه الآخر أَن يكون أضَاف
الْبُشْرَى إِلَى نَفسه ثمَّ حذف الْيَاء وَهُوَ يريدها كَمَا
تَقول يَا غُلَام لَا تفعل يكون مُفردا بِمَعْنى الْإِضَافَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يَا بشراي / بِإِثْبَات يَاء
الْإِضَافَة وَفتحهَا أضَاف الْبُشْرَى إِلَى نَفسه وَإِنَّمَا
فتحُوا الْيَاء على اصلها لِئَلَّا يلتقي ساكنان فجرت مجْرى
عصاي و / بشراي / فِي مَوضِع نصب كَمَا تَقول يَا غُلَام زيد
{وَقَالَت هيت لَك}
قَرَأَ أهل الْعرَاق هيت لَك بِفَتْح الْهَاء وَالتَّاء أَي
هَلُمَّ وتعال وَأَقْبل إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ وحجتهم
قَول الشَّاعِر
ابلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ
أَخا الْعرَاق إِذا أتيتا ... أَن الْعرَاق وَأَهله
عنق إِلَيْك فهيت هيتا
(1/357)
قَالَ الزّجاج أما فتح التَّاء فِي هيت
فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة أصوات لَيْسَ مِنْهَا فعل يتَصَرَّف
ففتحت التَّاء لسكونها وَسُكُون الْيَاء واختير الْفَتْح لِأَن
قبل التَّاء يَاء كَمَا قَالُوا كَيفَ وَأَيْنَ
وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالشَّام {هيت} وَهِي لُغَة
وَقَرَأَ ابْن كثير {هيت} بِفَتْح الْهَاء وَضم التَّاء وحجته
قَول الشَّاعِر
لَيْسَ قومِي بالأبعدين إِذا مَا
قَالَ دَاع من الْعَشِيرَة هيت ... هم يجيبون ذَا هَلُمَّ
سرَاعًا
كالأبابيل لَا يُغَادر بَيت
فَأَما الضَّم من {هيت} فَلِأَنَّهَا بِمَعْنى الغايات
كَأَنَّهَا قَالَت دعائي لَك فَلَمَّا حذفت الْإِضَافَة وتضمنت
هيت مَعْنَاهَا بنيت على الضَّم كَمَا بنيت حَيْثُ
وَقَرَأَ هِشَام / هئت / بِالْهَمْز من الْهَيْئَة كَأَنَّهَا
قَالَت تهيأت لَك
{إِنَّه من عبادنَا المخلصين}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {المخلصين}
بِكَسْر اللَّام فِي جَمِيع الْقُرْآن أَي أَخْلصُوا دينهم
وأعمالهم من الرِّيَاء وحجتهم قَوْله {وَأَخْلصُوا دينهم}
وَقَوله {مخلصا لَهُ ديني} فَإِذا
(1/358)
أَخْلصُوا فهم مخلصون تَقول رجل مخلص مُؤمن
فترى الْفِعْل فِي اللَّفْظ لَهُ
وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة والكوفة {المخلصين} بِفَتْح اللَّام
أَي الله أخلصهم من الأسواء وَالْفَوَاحِش فصاروا مُخلصين
وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار}
فصاروا مُخلصين بإخلاص الله إيَّاهُم
{وقلن حاش لله}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / وقلن حاشا لله / بِالْألف وحجته ذكرهَا
اليزيدي فَقَالَ يُقَال حاشاك وحاشالك وَلَيْسَ أحد من
الْعَرَب يَقُول حاشك وَلَا حاش لَك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حاش لله} وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة
فِي الْمَصَاحِف بِغَيْر ألف حكى أَبُو عبيد عَن الْكسَائي
أَنَّهَا فِي مصحف عبد الله كَذَلِك وأصل الْكَلِمَة التبرئة
وَالِاسْتِثْنَاء وَاخْتلف النحويون فِي حاشا مِنْهُم من قَالَ
إِنَّه فعل وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه حرف
{قَالَ تزرعون سبع سِنِين دأبا} {وَفِيه يعصرون} 47 و 49
قَرَأَ حَفْص {سبع سِنِين دأبا} بِفَتْح الْهمزَة وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ سَاكِنة الْهمزَة وهما لُغَتَانِ مثل النَّهر
وَالنّهر والظعن والظعن وكل اسْم كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف
الْحلق جَازَ حركته وإسكانه
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَفِيه تعصرون / بِالتَّاءِ
أَي تنجون من
(1/359)
الْبلَاء وتعتصمون بِالْخصْبِ قَالَ عدي بن
زيد ... لَو بِغَيْر المَاء حلقي شَرق ... كنت كالغصان
بِالْمَاءِ اعتصاري ...
وَقَالَ مؤرج الْعَصْر الملجأ فعنى / تعصرون / أَي تلجؤون
إِلَى الْعَصْر وحجتهما قَوْله {تزرعون سبع سِنِين} و
{تَأْكُلُونَ} و {مِمَّا تحصنون} كَأَنَّمَا وَجه الْخطاب
إِلَى المستفتين الَّذين قَالُوا أَفْتِنَا فِي كَذَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يعصرون} بِالْيَاءِ أَي يعصرون الزَّيْت
وَالْعِنَب وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يَعْنِي النَّاس ذهب
اليزيدي إِلَى أَنه لما قرب الْفِعْل من النَّاس جعله لَهُم
{يتبوأ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا
نضيع أجر الْمُحْسِنِينَ}
قَرَأَ ابْن كثير {حَيْثُ نشَاء} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه
وحجته مَا بعده وَهُوَ {نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا نضيع}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حَيْثُ يَشَاء أَي يُوسُف كَأَنَّهُ
قَالَ يتبوأ يُوسُف
{وَقَالَ لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فِي رحالهم}
(1/360)
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص
{وَقَالَ لفتيانه} بِالْألف مثل جَار وجيران وتاج وتيجان
والفتيان للكثير من الْعدَد وحجتهم قَوْله {اجعلوا بضاعتهم فِي
رحالهم} فَكَمَا أَن الرّحال للعدد الْكثير فَكَذَلِك المتولون
ذَلِك لِأَن الْجمع الْقَلِيل أرحل وَيُقَوِّي هَذِه قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَقد مر بِقوم يربعون حجرا فَقَالَ
فتيَان الله أَشد من هَؤُلَاءِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لفتيته / جمع فَتى فِي الْعدَد
الْقَلِيل مثل أَخ وإخوة وقاع وقيعة وحجتهم قَوْله جلّ وَعز
{إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} وَقَوله {إِنَّهُم فتية
آمنُوا برَبهمْ} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل إخْوَان
وإخوة وصبيان وصبية وغلمان
وغلمة {منع منا الْكَيْل فَأرْسل مَعنا أخانا نكتل وَإِنَّا
لَهُ لحافظون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أخانا يكتل / بِالْيَاءِ أَي
أخونا يكتال قَالَ الْفراء من قَالَ / يكتل / بِالْيَاءِ قَالَ
يُصِيبهُ كيل لنَفسِهِ فَجعل الْفِعْل لَهُ خَاصَّة لأَنهم
يزدادون بِحُضُورِهِ كيل بعير وحجتهما أَنه قرب من الْفِعْل
فأسند إِلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نكتل} بالنُّون وحجتهم قَوْله {منع منا
الْكَيْل} أَي لغيبة أخينا فَأرْسلهُ مَعنا نكتل مَا منعنَا
لغيبته فَإِذا كَانَ مَعنا اكتلنا
(1/361)
نَحن وَهُوَ وَالنُّون أولى وَذَلِكَ أَنا
إِذا قَرَأنَا {نكتل} بالنُّون جَازَ أَن يكون أخوهم دَاخِلا
مَعَهم وَإِذا كَانَ / يكتل / بِالْيَاءِ لم يدخلهم فِي هَذِه
الْجُمْلَة
{فَالله خير حَافِظًا وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} {ونحفظ
أخانا} 64 و 65
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فَالله خير حَافِظًا}
بِالْألف وحجتهم قَوْله جلّ وَعز حِكَايَة عَن إخْوَة يُوسُف
{وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَقَالَ يَعْقُوب حِين قَالُوا
{وَإِنَّا لَهُ لحافظون} {فَالله خير حَافِظًا} وَأُخْرَى
وَهِي أَن فِي حرف عبد الله بن مَسْعُود / فَالله خير الحافظين
/ جمع حَافظ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فَالله خير حفظا / وحجتهم قَوْله
{ونحفظ أخانا} فَلَمَّا أضافوا إِلَى أنفسهم قَالَ يَعْقُوب /
فَالله خير حفظا / من حفظكم الَّذِي نسبتموه إِلَى أَنفسكُم
قَالَ الْفراء / حفظا / تجْعَل مَا بعد خير مصدرا وتنصب على
التَّفْسِير وتضمر بعد خير اسْم المخاطبين فَكَأَن تَقْدِيره
فَالله خَيركُمْ حفظا ويجرى مجْرى قَوْلك فلَان أحسن وَجها
تُرِيدُ أحسن النَّاس وَجها ثمَّ تحذف الْقَوْم فَكَذَلِك
خَيركُمْ حفظا ثمَّ تحذف الْكَاف وَالْمِيم
قَالَ الزّجاج / حفظا / مَنْصُوب على التَّمْيِيز و {حَافِظًا}
مَنْصُوب
(1/362)
على الْحَال وَيجوز أَن يكون {حَافِظًا}
على التَّمْيِيز أَيْضا
{نرفع دَرَجَات من نشَاء}
قَرَأَ أهل الْكُوفَة نرفع دَرَجَات من نشَاء بِالتَّنْوِينِ
الْمَعْنى نرفع من نشَاء دَرَجَات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دَرَجَات} بِغَيْر تَنْوِين وَقد بيّنت
الْحجَّة فِي سُورَة الْأَنْعَام
{قَالُوا أئنك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد
من الله علينا إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر
الْمُحْسِنِينَ}
قَرَأَ ابْن كثير وورش / قَالُوا إِنَّك لأَنْت يُوسُف /
بِكَسْر الْألف على الْخَبَر كَا تَقول إِنَّك فِي الدَّار
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / قَالُوا آنك / بالاستفهام
بِهَمْزَة مُطَوَّلَة وحجتهم قَوْله {أَنا يُوسُف} فَإِنَّمَا
أجابهم عَمَّا استفهموا عَنهُ الأَصْل أإنك بهمزتين ثمَّ
أدخلُوا بَينهمَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل ثمَّ لينوا
الثَّانِيَة فَصَارَت آنك بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة
وَقَرَأَ القَاضِي عَن قالون {إِنَّك} بِهَمْزَة وَاحِدَة من
غير مد وَإِنَّمَا لين الثَّانِيَة وَلم يدْخل بَينهمَا ألفا
كَمَا فعل من تقدم ذكره
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {أئنك} بهمزتين على الأَصْل وَقد
(1/363)
ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة
قَرَأَ ابْن كثير / إِنَّه من يتقى ويصبر / بِإِثْبَات الْيَاء
وحجته أَن من الْعَرَب من يجْرِي المعتل مجْرى الصَّحِيح
فَيَقُول زيد لم يقْضِي وَيقدر فِي الْيَاء الْحَرَكَة فيحذفها
مِنْهَا فَتبقى الْيَاء سَاكِنة للجزم قَالَ الشَّاعِر ... ألم
يأتك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد ...
وَلم يقل ألم يأتك وَقَالَ آخر ... هزي إِلَيْكُم الْجذع يجنيك
الجنى ...
وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول يجنك الجنى لِأَنَّهُ جَوَاب
الْجَزَاء وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة حَمْزَة فِي قَوْله /
فَلَا تخف دركا وَلَا تخشى / وَلم يقل تخش قَالَ الْفراء
{تخشى} فِي مَوضِع جزم لِأَن من الْعَرَب من يفعل ذَلِك قَالَ
وَإِن شِئْت استأنفت {وَلَا تخشى} وَقَالَ
وَقَالَ نحويو الْبَصْرَة يجوز أَن يَجْعَل / من يَتَّقِي /
بِمَنْزِلَة الَّذِي
(1/364)
يَتَّقِي كَمَا تَقول الَّذِي يأتيني
وَتحمل الْمَعْطُوف على الْمَعْنى لِأَن من إِذا كَانَت
بِمَنْزِلَة الَّذِي فَكَأَنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الْجَزَاء
الْجَازِم بِدلَالَة أَن كل وَاحِد يصلح دُخُول الْفَاء فِي
جَوَابه فَتَقول الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم كَمَا تَقول من
يأتني فَلهُ دِرْهَم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّه من يتق} بِغَيْر يَاء مَجْزُومًا
بِالشّرطِ
{وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل
الْقرى أفلم يَسِيرُوا} {أَفلا تعقلون}
قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {نوحي إِلَيْهِم} بالنُّون وَكسر
الْحَاء الله يخبر عَن نَفسه لِأَنَّهُ قَالَ {وَمَا أرسلنَا
من قبلك} فَكَذَلِك {نوحي} وحجته قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا
إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوحى} بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء على
مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح} وَقَوله
{قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {أَفلا تعقلون}
بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ
وحجتهم قَوْله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض}
{حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا جَاءَهُم
نصرنَا فنجي من نشَاء وَلَا يرد بأسنا عَن الْقَوْم
الْمُجْرمين}
(1/365)
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة البزي
فَلَمَّا / استايسوا مِنْهُ / / حَتَّى إِذا استايس / بِغَيْر
همز وَتَقْدِيم الْألف وَالْأَصْل الْهَمْز لِأَنَّهُ من
الْيَأْس وَالْعرب تَقول يئست وأيست لُغَتَانِ فَمن قَالَ
استايس بِغَيْر همز فَهِيَ على لُغَة من يَقُول أَيِست نقل
الْعين إِلَى مَوضِع الْفَاء فَصَارَ استعفل استأيس ثمَّ خففت
الْهمزَة فَصَارَت ألفا لسكونها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت
استايس وَهُوَ من الأياس
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى إِذا استيأس} بِالْهَمْز من
الْيَأْس على لُغَة من يَقُول يئست فالياء فَاء الْفِعْل
والهمز عينه وَالْعرب تَقول يئس واستيأس وَعجب واستعجب وسخر
واستسخر وَفِي التَّنْزِيل {وَإِذا رَأَوْا آيَة يستسخرون}
قَرَأَ أهل الْكُوفَة {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} بِالتَّخْفِيفِ
من قَوْلك كذبتك الحَدِيث أَي لم أصدقك وَفِي التَّنْزِيل
{وَقعد الَّذين كذبُوا الله وَرَسُوله} وفيهَا وَجْهَان من
التَّفْسِير أَحدهمَا حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان
قَومهمْ وَظن قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبُوا بِمَعْنى
أخْلفُوا مَا وعدوه ن النَّصْر جَاءَ الرُّسُل نصرنَا فَجعل
الضَّمِير فِي قَوْله {ظنُّوا} للْقَوْم وَجعل الظَّن مُوَافقا
لَفظه مَعْنَاهُ فَإِن قيل كَيفَ يجوز أَن يحمل الضَّمِير فِي
{ظنُّوا} على الْقَوْم وَالَّذِي تقدم ذكره الرُّسُل قيل إِن
ذَلِك لَا يمْتَنع لِأَن ذكر الرُّسُل يدل على الْمُرْسل
إِلَيْهِم فَلهَذَا جَازَ أَن يحمل الضَّمِير على الْمُرْسل
إِلَيْهِم وَالْوَجْه الآخر حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من
إِيمَان قَومهمْ وَظن
(1/366)
قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبتهم فِيمَا
أخبروهم بِهِ من أَنهم إِن لم يُؤمنُوا بهم نزل بهم الْعَذَاب
ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله فَقيل إِنَّهُم كِنَايَة عَن
الْقَوْم
قَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة وَالشَّام {كذبُوا}
بِالتَّشْدِيدِ وَفِي التَّنْزِيل {وَلَقَد كذبت رسل} وَقَوله
{فكذبوا رُسُلِي} وَجعلُوا الضَّمِير فِي ظنُّوا للرسل
وَالظَّن بِمَعْنى الْيَقِين وحجتهم فِي ذَلِك أَن ذكر
الرُّسُل قد تقدم وَلم يتَقَدَّم ذكر الْمُرْسل إِلَيْهِم
فَيجْعَل الضَّمِير لَهُم وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك
فَالْأولى أَن يَجْعَل الضَّمِير للرسل فَيكون الفعلان للرسل
وَيصير كلَاما وَاحِدًا وَمعنى الْآيَة حَتَّى إِذا استيأس
الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ وظنوا أَي أيقنوا أَن قَومهمْ قد
كذبوهم جَاءَهُم نصرنَا أَي جَاءَ الرُّسُل نصرنَا وَقَالَ قوم
لَيْسَ الظَّن بِمَعْنى الْيَقِين بل لَفظه مَعْنَاهُ قَالُوا
وَمعنى الْآيَة حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل مِمَّن كذبهمْ من
قَومهمْ أَن يصدقوهم وظنت الرُّسُل بِأَن من قد آمن بهم من
قَومهمْ قد كذبوهم جَاءَهُم نصر الله عِنْد ذَلِك قَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يزل الْبلَاء بالرسل حَتَّى
خَافُوا أَن يكون من مَعَهم من الْمُؤمنِينَ قد كذبوهم
قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {فنجي من نشَاء} بنُون وَاحِدَة
وَتَشْديد الْجِيم وَفتح الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله
وحجتهما أَن الْقِصَّة مَاضِيَة فَأتيَا ب نجي على لفظ
الْمَاضِي وَيُقَوِّي هَذَا أَنه قد عطف عَلَيْهِ فعل لم يسم
فَاعله وَهُوَ قَوْله {وَلَا يرد بأسنا} وَلَو كَانَ ننجي
مُسْندًا إِلَى الْفَاعِل كَقَوْل من خَالفه لَكَانَ لَا نرد
ليَكُون مثل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ
(1/367)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فننجي من نشَاء / بنونين وحجتهم قَوْله
{إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا} وَقَوله / فننجي من نشَاء / حِكَايَة حَال الْأَمر
من الْقِصَّة فِيمَا مضى كَمَا أَن قَوْله {هَذَا من شيعته
وَهَذَا من عدوه} إِشَارَة إِلَى الْحَاضِر والقصة مَاضِيَة
لِأَنَّهُ حكى الْحَال |