دلائل الإعجاز ت هنداوي [فصل: لا يكون لإحدى العبارتين مزيّة على
الأخرى حتى يكون لها في المعنى تأثير]
لا يكون لإحدى العبارتين مزيّة على الأخرى، حتّى يكون لها في
المعنى تأثير لا يكون لصاحبتها.
فإن قلت: فإذا أفادت هذه ما لا تفيد تلك، فليستا عبارتين عن
معنى واحد، بل هما عبارتان عن معنيين اثنين.
قيل لك: إن قولنا «المعنى» في مثل هذا، يراد به الغرض، والذي
أراد المتكلم أن يثبته أو ينفيه، نحو أن تقصد تشبيه الرجل
بالأسد فتقول «زيد كالأسد»، ثم تريد هذا المعنى بعينه فتقول:
«كأنّ زيدا الأسد»، فتفيد تشبيه أيضا بالأسد، إلّا أنك تزيد في
معنى تشبيهه به زيادة لم تكن في الأوّل، وهي أن تجعله من فرط
شجاعته وقوة قلبه، وأنه لا يروعه شيء، بحيث لا يتميز عن الأسد،
ولا يقصّر عنه، حتى يتوهّم أنّه أسد في صورة آدميّ.
وإذا كان هذا كذلك، فانظر هل كانت هذه الزيادة وهذا الفرق إلا
بما توخّي في نظم اللفظ وترتيبه، حيث قدّم «الكاف» إلى صدر
الكلام وركّبت مع «أن»؟ وإذا
(1/170)
لم يكن إلى الشك سبيل أن ذلك كان بالنّظم، فاجعله العبرة في
الكلام كلّه، ورض نفسك على تفهّم ذلك وتتبّعه، واجعل فيها أنك
تزاول منه أمرا عظيما لا يقادر قدره، وتدخل في بحر عميق لا
يدرك قعره. |