غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر سورة الأنعام
مكية كلها: إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة
من قوله: {قُلْ تَعَالَوْا} إلى قوله: {تَتَّقُونَ}
2- {ثُمَّ قَضَى أَجَلا} بالموت.
{وَأَجَلٌ مُسَمًّى} عنده للدنيا إذا فَنِيت.
6- و (القَرْنُ) يقال: هو ثمانون سنة. قال أبو عبيدة (1) يروون
أن أقل ما بين القرنين ثلاثون سنة.
{مِدْرَارًا} بالمطر. أي غزيرًا. من دَرَّ يَدِرّ.
* * *
7- {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} أي
صحيفة. وكذلك قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} (2) أي صحفا.
قال المَرَّار:
عَفَتِ المَنَازِلُ غَيْرَ مِثلا ِلأَنْقُسِ ... بَعْدَ الزمان
عَرَفْتَهُ بالقِرْطَسِ (3)
فوقفت تَعتَرِف الصحيفة بعدما ... عَمَسَ الكتاب وقد يرى لم
يَعْمسِ
والأَنقسُ: جمع نِقس مثل قِدْح وأقْدُح وأقْدَاح. أراد: غير
مثل النِّقْس
__________
(1) في مجاز القرآن 1/185.
(2) سورة الأنعام 91.
(3) البيت الأول غير منسوب في اللسان 8/55 وللمرار فيه 126.
(1/150)
عرفته بالقرطاس. ثم قال: "فَوَقَفَت تعترفُ
الصحيفة" فأعلمك أن القرطاس هو الصحيفة. ومنه يقال للرامي إذا
أصاب: قَرْطَسَ. إنما يراد أصاب الصحيفة.
8- {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا
يُنْظَرُونَ} يريد: لو أنزلنا ملكا فكذبوه أهلكناهم.
9- {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا} أي: لو جعلنا الرسول إليهم
ملكا.
{لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا} أي في صورة رجل. لأنه لا يصلح أن
يخاطبهم بالرسالة ويرشدهم إلا مَن يرونه.
{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} أي: أضللناهم بما
ضَلُّوا به قبل أن يبعث الملك.
12- {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: أوجبها على نفسه
لخلقه.
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} هذا مردود إلى قوله: {قُلْ
سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ} (1) {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ
لا يُؤْمِنُونَ}
14- {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: مبتدئهما. ومنه
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة" (2)
أي على ابتداء الخلقة. يعني الإقرار بالله حين أخذ العهد عليهم
في أصلاب آبائهم.
__________
(1) سورة الأنعام 11 ويوضح هذا: أن العلماء قد اختلفوا في
إعراب "الذين" فقال الأخفش هو بدل من ضمير الخطاب في
"ليجمعنكم" ورده المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز، كما
لا يجوز مررت بك زيد. وقال الزجاج: "الذين" مرفوع على
الابتداء، والخبر قوله "فهم لا يؤمنون" ودخلت الفاء لما تضمن
المبتدأ من معنى الشرط، كأنه قيل: من يخسر نفسه فهو لا يؤمن.
وجاء في تفسير القرطبي 6/396 أن الذي قاله "الزجاج أجود ما قيل
فيه ... قال القتيبي: يجوز أن يكون "الذين" خبرا، أو على البدل
من "المكذبين" الذين تقدم ذكرهم، أو على النعت لهم" وقال
الطبري 7/101 "وموضع "الذين" نصب على الرد على الكاف والميم في
قوله: "ليجمعنكم" على وجه البيان عنها، وذلك أن الذين خسروا
أنفسهم هم الذين خوطبوا بقوله: "ليجمعنكم".
(2) راجع الحديث وتأويله في اللسان 6/363.
(1/151)
22- {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي أين آلهتكم
التي جعلتموها لي شركاء. فنسبها إليهم لِمَا ادّعَوْا لها من
شَرِكته جلّ وعز.
23- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أي مقالتهم. ويقال
حُجَّتُهم. وقد ذكرت هذا في كتاب "تأويل المشكل" (1) في باب
الفتنة. وبينت كيف هو.
24- {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي ذهب عنهم
ما كانوا يدعون ويختلقون.
25- (الوَقْرُ) الصَّمَم. والوِقر: الحمل على الظهر. (2) .
26- {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} أي عن محمد (3) .
{وَيَنْأَوْنَ} أي يبعدون.
* * *
31- {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} أي آثامهم.
وأصل الوِزْر: الحمل على الظهر. قال الله سبحانه: {وَوَضَعْنَا
عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (4) أي أثْقَلَه
حتى سُمِعَ نَقِيضُه.
__________
(1) راجع صفحة 362.
(2) في تفسير الطبري 7/108 "والعرب تفتح الواو من "الوقر" في
الأذن، وهو الثقل فيها، وتكسرها في الحمل".
(3) وقيل عن القرآن، وقيل عن أذى محمد، والقول الأول هو أولى
الأقوال بالصواب؛ لأن ما قبل الآية وما بعدها يدل عليه. راجع
تفسير الطبري 7/110.
(4) سورة الشرح 2، 3.
(1/152)
33- {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} أي لا
يَنْسِبُونَكَ إلى الكذب. ومن قرأ "لا يُكَذِّبُونَكَ" أراد:
لا يُلْفُونَكَ كاذبا (1) .
{وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}
والجحود [الإنكار] على ما بيناه (2) .
35- (النَّفَقُ) في الأرض: المَدْخَل. وهو السَّرَب. و
(السُّلَّم في السماء) : المَصْعَد.
* * *
36- {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} أي يجيبك من
يسمع. فأما الموتى فالله يبعثهم. شبههم بالموتى.
38- {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي ما تركنا
شيئا ولا أغفلناه ولا ضيعناه.
42- {بِالْبَأْسَاءِ} الفقر. وهو البؤس.
{وَالضَّرَّاءِ} البلاء.
43- {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} أي فهَلا
إذ جاءهم بأسنا.
44- {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فجأة وجهرة مُعَاينة.
{فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (3) يائِسون مُلْقُونَ بأيديهم (4)
.
__________
(1) راجع تأويل مشكل القرآن 93، 247 وفي تفسير الطبري 7/115
"والصواب من القول في ذلك عندي: أن يقال: إنهما قراءتان
مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء، ولكل واحدة
منهما في الصحة مخرج مفهوم".
(2) راجع ص 27، 28.
(3) راجع ص 23.
(4) قال الطبري في تفسيره 7/124 "وأصل الإبلاس في كلام العرب
عند بعضهم-: الحزن على الشيء والندم عليه، وعند بعضهم: انقطاع
الحجة والسكوت عند انقطاع الحجة. وعند بعضهم: الخشوع. وقالوا:
هو المخذول المتروك".
(1/153)
45- {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ} أي
آخرهم. كما يقال: اجْتُثَّ أصْلُهم.
46- {يَصْدِفُونَ} يُعْرِضُون. يقال: صَدَفَ عني وصد أي:
أعْرَضَ (1) .
53- {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أي: ابتلينا
بعضا ببعض.
55- {نُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي: نأتي بها مُتَفَرِّقَة شيئًا بعد
شيء، ولا ننزلها جملة (2) .
58- {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من
عقوبة الله.
{لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي: لَعَجَّلته لكم
فانقضى ما بيننا.
60- {جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أي كسَبتم.
{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي: يبعثكم في النهار من نومكم.
{لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} الموت.
65- {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} الحجارة والطوفان.
{أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الخسف.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} من الالتباس عليكم حتى تكونوا
شِيَعًا أي فرقا مختلفين.
{وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بالقتال والحرب.
* * *
67- {لِكُلِّ نَبَإٍ} أي: خبر.
{مُسْتَقَرٌّ} أي: غاية.
__________
(1) قارن هذا بكلام الطبري 7/125.
(2) قال الطبري 7/134 "يعني تعالى ذكره: وكما فصلنا لك في هذه
السورة من ابتدائها وفاتحتها، يا محمد، إلى هذا الموضع- حجتنا
على المشركين من عبدة الأوثان، وأدلتنا، وميزناها لك وبيناها.
كذلك نفصل لك أعلامنا وأدلتنا في كل حق ينكره أهل الباطل من
سائر أهل الملل غيرهم، فنبينها لك حتى تبين حقه من باطله،
وصحيحه من سقيمه".
(1/154)
68- {يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا}
بالاستهزاء.
70- {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} أي: تسلم للهلكة. قال الشاعر:
وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ ولا
بِدَم مُرَاقِ (1)
أي بغير جرم أَجْرَمْنَاه. والبَعْوُ: الجناية.
{لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} وهو الماء الحار. ومنه سمي
الحمام.
71- {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ} أي:
هوت به وذهبت (2) .
{حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى
ائْتِنَا} يقولون له: ائتنا (3) . نزلت في عبد الرحمن بن أبي
بكر (4) . وأصحابه: أبوه وأمّه.
__________
(1) البيت لعوف بن الأحوص، كما قال ابن قتيبة في المعاني
الكبير 2/1114، وهو له في نوادر أبي زيد 151 ومجاز القرآن
1/194 واللسان 13/57، 18/80 وتفسير الطبري 7/151 وتفسير
القرطبي 7/16 وفي اللسان 18/80 "وقال ابن برى: إنه لعبد الرحمن
بن الأحوص" وهو غير منسوب في الكشاف 2/21 والبحر المحيط 4/144
والإبسال: تسليم المرء نفسه للهلاك. ويقال: أبسلت ولدي:
أرهنته. وبعوناه: جنيناه. وكان الشاعر قد حمل عن "غنى" لبني
قشير- دم "ابني السجفية" فقالوا: لا نرضى بك، فرهنهم بنيه.
(2) قال الطبري 7/152 "واستهوته: "استفعلته" من قول القائل:
"هوى فلان إلى كذا يهوي إليه" ومن قول الله تعالى ذكره: (فاجعل
أفئدة من الناس تهوي إليهم) بمعنى تنزع إليهم وتريدهم".
(3) قال الطبري 7/153 "وهذا مثل ضربه الله لمن كفر بالله بعد
إيمانه فاتبع الشياطين من أهل الشرك بالله، وأصحابه الذين
كانوا في حال إسلامه، المقيمون على الدين الحق يدعونه إلى
الهدى الذي هم عليه مقيمون، والصواب الذي هم به متمسكون، وهو
له مفارق وعنه زائل. يقولون له: ائتنا فكن معنا على استقامة
وهدى، وهو يأبى ذلك ويتبع دواعي الشيطان ويعبد الآلهة
والأوثان".
(4) وهي رواية رواها أبو صالح عن ابن عباس. كما في تفسير
القرطبي 7/18. قال: "كان يدعو أباه إلى الكفر ويدعوانه إلى
الإسلام فيأبى" وأمه: أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية؛
فهو شقيق عائشة. وشهد عبد الرحمن بدرا وأحدا مع قومه كافرا،
ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه، فذكر أن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم. قال: "متعني بنفسك" ثم أسلم وحسن إسلامه.
وصحب النبي في هدنة "الحديبية".
(1/155)
* * *
74- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} قد ذكرته في
كتاب "تأويل المشكل" (1)
75- {مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ملكهما. زيدت فيه
الواو والتاء وبنى بناء جَبَرُوت ورَهَبُوت (2) .
76- {جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} أظلم. يقال جَنَّ جَنَانًا
وجُنُونًا وأجَنَّه الليل إجنَانًا.
77- {بَازِغًا} طالعا. يقال: بزغت الشمس تَبْزُغُ.
78- {أَفَلَتْ} غابت.
82- {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ} أي: لم يخلطوه بشرك (3) . ومنه قول لقمان: {إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (4) .
91- {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما وصفوه (5)
حَقَّ صفتِه ولا عرفوه حقَّ معرفته. يقال: قَدَرْت الشيء
وقَدَّرْته. وقدرت فيك كذا وكذا، وقدرته.
92- {أُمَّ الْقُرَى} مكة لأنها أقدمها.
93- {عَذَابَ الْهُونِ} أي الهَوَان (6) .
__________
(1) راجع تأويل مشكل القرآن 260.
(2) راجع ص19.
(3) وهو الذي ارتضاه الطبري في تفسيره 7/171.
(4) سورة لقمان 13.
(5) أي مشركو قريش، كما رجحه الطبري 7/178.
(6) في تفسير الطبري 7/183 "والعرب إذا أرادت بالهون معنى
الهوان، ضمت الهاء؛ وإذا أرادت به الرفق والدعة وخفة المؤنة
فتحت الهاء".
(1/156)
94- {فُرَادَى} جمع فَرْد. وكأنه جمع
فَرْدَان. كما قيل: كَسْلان وكُسَالَى وسَكْرَان وسُكَارَى.
{وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} أي:
مَلَّكناكم.
{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} أي زعمتم
أنهم لي في خلقكم شركاء.
{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} أي تقطعت الوُصَلُ التي كانت
بينكم في الدنيا من القرابة والحِلْف والمَوَدَّة.
96- و (الحُسْبَانُ) الحساب. يقال: خذ كل شيء بحسبانه [أي
بحسابه] .
98- {فَمُسْتَقَرٌّ} في الصلب.
{وَمُسْتَوْدَعٌ} في الرحم.
99- (القِنْوَانُ) عُذُوقُ النَّخْل. واحدها قِنْوٌ. جمع على
لفظ تَثْنِيَتِهِ غير أن الحركات تلزم نونه في الجمع وهي في
الاثنين مكسورة، مثل: صِنْو وصِنْوان في التَّثنية. وصِنْوانٌ
في الجمع (1) .
{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} وهو غضّ.
{وَيَنْعِهِ} أي إدراكه ونُضْجه. يقال: يَنَعَت الثَّمَرَة
وأيْعَنَت: إذا أدْرَكَت. وهو اليَنَع واليَنِع واليُنُوع.
100- {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} يعني
الزَّنادقة، جعلوا إبليسَ يخلق الشرَّ، والله يخلق الخير.
{وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} أي اخْتَلَقُوا وخَلَقوا
ذلك بمعنى واحد كذِبا وإفْكًا.
105- {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أي قرأْت الكتب. و"دَارَسْتَ":
__________
(1) مجاز القرآن 1/202.
(1/157)
أي دَارَسْتَ أهل الكتاب. و"دَرَسَتْ":
انمحَت (1) .
111- {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ (2) كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا} جماعة
قبيل (3) أي أصناما، ويقال: القَبيل: الكَفيل كقوله تعالى:
{أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} أي
ضُمَنَاء. ومن قرأها "قِبَلا" أراد: معاينة (4) .
112- {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما زُيِّن منه وحُسِّنَ ومُوِّه.
وأصل الزخرف: الذهب.
113- {وَلِيَقْتَرِفُوا} أي: ليكتسبوا وليدّعوا ما هم
مُدَّعون.
116- {يَخْرُصُونَ} يَحْدِسُون ويوقِعون (5) . ومنه قيل
للحازر: خَارِصٌ.
__________
(1) وهي قراءات ثلاث، وهناك قراءات أخرى مفصلة في البحر المحيط
4/197.
(2) معناه: وجمعنا عليهم وسقنا إليهم.
(3) وهذا هو الذي جعله الطبري الوجه الثالث من أوجه تأويل هذه
القراءة 8/3 قال: "والوجه الثالث أن يكون معناه: وحشرنا عليهم
كل شيء قبيلة قبيلة، صنفا صنفا، وجماعة جماعة، فيكون "القبل"
حينئذ جمع "قبيل" الذي هو جمع "قبيلة" فيكون "القبل" جمع
الجمع.
(4) في تفسير الطبري 8/3 "فقرأته قراء أهل المدينة "قبلا" بكسر
القاف وفتح الباء، بمعنى معاينة، من قول القائل: لقيته قبلا،
أي معاينة".
(5) في تفسير الطبري 8/8 "يقول: ما هم إلا متخرصون، يظنون
ويوقعون حزرا، لا يقين علم. يقال منه: خرص يخرص خرصا وخرصا: أي
كذب، وتخرص بظن وتخرص بكذب".
(1/158)
120- {ظَاهِرَ الإِثْمِ} الزنا.
{وَبَاطِنَهُ} المُخَالَّة (1) .
121- {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ} أي: يقذفون في قلوبهم أن يجادلوكم.
122- {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: كان كافرا
فهديناه.
{وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} إيمانا.
{يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي يهتدي به.
{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أي: في الكفر.
123- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ
مُجْرِمِيهَا} أي: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر. وأكابر لا
ينصرف. وهم العظماء.
124- {صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ذلة.
125- {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} أي: يفتحه. ومنه يقال:
شرحت الأمر. وشرحت اللحم: إذا فتحته.
__________
(1) قال الطبري 8/12 "والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال:
إن الله تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سره
وعلانيته، والإثم: كل ما عصى الله به من محارمه، وقد يدخل في
ذلك سر الزنا وعلانيته، ومعاهرة أهل الرايات، وأولات الأخدان
منهن، ونكاح حلائل الآباء، والأمهات والبنات، والطواف بالبيت
عريانا؛ وكل معصية لله ظهرت أو بطنت. وإذا كان ذلك كذلك، وكان
جميع ذلك إثما، وكان الله عم بقوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)
جميع ما ظهر من الإثم، وجميع ما بطن - لم يكن لأحد أن يخص من
ذلك شيئا دون شيء إلا بحجة للعذر قاطعة، غير أنه لو جاز أن
يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان- كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر
الإثم وباطنه في هذا الموضع: ما حرم الله من المطاعم والمآكل:
من الميتة، والدم وما بين الله تحريمه في قوله: (حرمت عليكم
الميتة) إلى آخر الآية- أولى؛ إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر
تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى
بها ذلك وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله.
فخرج الأمر عاما بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم".
(1/159)
(الحَرِجُ) الذي ضاق فلم يجد منفذا إلا أن
(يَصَّعَّد فِي السَّمَاءِ) وليس يقدر على ذلك.
* * *
127- {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: الجنة.
ويقال: السلام الله ويقال: السلام السلامة.
128- {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ
الإِنْسِ} أي: أضللتم كثيرا منهم.
{وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أي: أخذ كل من كل نصيبا (1) .
{وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا} أي الموت.
135- {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على
موضعكم. يقال: مكان ومكانة. ومنزل ومنزلة. وتسع وتسعة. ومتن
ومتنة. وعماد وعمادة.
136- {مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ} أي: مما
خلق من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم.
{نَصِيبًا} أي حظا. وكانوا (2) إذا زرعوا خَطُّوا خطا فقالوا:
هذا لله وهذا لآلهتنا. فإذا حصدوا ما جعلوا لله فوقع منه شيء
فيما جعلوا لآلهتهم تركوه. وقالوا: هي إليه محتاجة.
__________
(1) تفسير الطبري 8/25 "فأما استمتاع الإنس بالجن فكان الرجل
في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي.. وأما
استمتاع الجن بالإنس فإنه كان - فيما ذكر- ما يناله الجن من
الإنس من تعظيمهم إياها في استعاذتهم بهم فيقولون: قد سدنا
الجن والإنس.
(2) راجع الروايات في ذلك في الدر المنثور 3/47 وتفسير الطبري
8/30.
(1/160)
وإذا حصدوا ما جعلوا لآلهتهم فوقع منه شيء
فيما جعلوه لله أعادوه إلى موضعه.
وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله. فإذا ولدت إناثها ميتا
أكلوه. وإذا جعلوا لآلهتهم شيئا من الأنعام فولد ميتا عظموه
ولم يأكلوه. فقال الله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ
مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا
لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ
لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ
لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ}
* * *
137- {لِيُرْدُوهُمْ} أي ليهلكوهم. والرّدى: الهلاك.
138- وقوله: {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (1) أي زرع حرام. وإنما قيل
للحرام: حِجْر لأنه حُجِرَ على الناس أن يصيبوه. يقال: حَجرْت
على فلان كذا حَجرا. ولما حجرْتَه وحَرَّمْتَهُ: حِجرا.
{وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} يعني "الحامي".
{وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} يعني
"البحيرة": لأنها لا تركب ولا يحمل عليها شيء، ولا يذكر اسم
الله عليها.
139- {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ
لِذُكُورِنَا} يعني "الوصيلة" من الغنم، و"البحيرة" من الإبل.
__________
(1) قال الطبري في تفسيره 8/34 "ففي "الحجر" إذا لغات ثلاث:
حجر، بكسر الحاء، والجيم قبل الراء، وحجر، بضم الحاء، والجيم
قبل الراء. وحرج، بكسر الحاء، والراء قبل الجيم".
(1/161)
{وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} يعني
الإناث.
{سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أي: بِكَذِبِهم (1) .
140- {قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا} أي جهلا.
141- و {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} أي: ثمره. سماه أُكُلا لأنه
يُؤْكل.
{مُتَشَابِهًا} في المنظر.
{وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} في الطعم.
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} أي: تصدّقوا منهُ (2) .
{وَلا تُسْرِفُوا} في ذلك.
142- و (الحَمُولَةُ) : كبار الإبل التي يحمل عليها.
و (الفَرْشُ) : صغارها التي لم تُدْرِك. أي لم يحمل عليها (3)
وهي ما دون الحِقَاق. والحِقَاقُ: هي التي صَلُح أن تُرْكَب أي
حق ذلك.
* * *
143- {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي: ثمانية أفراد. والفرد يقال
له: زوج. والاثنان يقال لهما: زوجان وزوج. وقد بينت تأويل هذه
الآية في كتاب "المشكل" (4) .
145- {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} أي سائلا.
__________
(1) يعني بوصفهم الكذب على الله، في تحريمهم ما لم يحرمه،
وتحليلهم ما لم يحلله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إليه، سبحانه،
راجع تفسير الطبري 8/37.
(2) يرى الطبري أن ذلك كان فرضا فرضه الله على المؤمنين في
طعامهم وثمارهم التي تخرجها زروعهم وغروسهم ثم نسخه الله
بالصدقة المفروضة والوظيفة المعلومة من العشر ونصف العشر. راجع
تفصيل كلامه في 8/44.
(3) مجاز القرآن 1/207.
(4) راجع تأويل مشكل القرآن 263-265.
(1/162)
{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ} أي: ما ذُبِح لغيره وذُكر عليه غير اسمه.
146- {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كُلَّ ذي مِخْلب من
الطير وكلَّ ذي ظِلْفٍ ليس بمشقوق. يعني الحافر.
{شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} يقال:
الألْيَةَ.
{أَوِ الْحَوَايَا} المَبَاعِر؛ واحدها حَاوِية وحَوِيّة (1) .
151- (الإمْلاقُ) الفقر (2) . يقال: أملق الرجل فهو مملق: إذا
افتقر.
153- {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} يريد السبل التي تعدل عنه يمينا
وشمالا. والعرب تقول: الزم الطريق ودع البُنيات (3) .
154- {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى
الَّذِي أَحْسَنَ} مفسر في كتاب "المشكل" (4) .
156- {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى
طَائِفَتَيْنِ} يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل
الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا. فحذف "لا" (5) .
{وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ} أي قراءتهم الكتب وعلمهم
بها (غافلين)
__________
(1) قال الطبري 8/55 "والحوايا: واحدها: حاوياء، وحاوية،
وحوية، وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن،
وهي المباعر، وتسمى المرابض، وفيها الأمعاء. ومعنى الكلام: ومن
البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو ما
حملت الحوايا فالحوايا رفع عطفًا على الظهور، و"ما" التي بعد
"إلا" نصب على الاستثناء من الشحوم".
(2) في تفسير الطبري 8/60 "والإملاق: مصدر، من قول القائل:
أملقت من الزاد، فأنا أملق إملاقا، وذلك إذا فنى زاده وذهب
ماله وأفلس".
(3) في اللسان 12/90 "بنات الطريق: التي تفترق وتختلف فتأخذ في
كل ناحية".
(4) راجع تأويل مشكل القرآن 309.
(5) راجع معاني القرآن للفراء 1/366.
(1/163)
157- {أَوْ} لئلا {تَقُولُوا لَوْ أَنَّا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} (1)
.
{وَصَدَفَ عَنْهَا} أعرض.
* * *
158- {هَلْ يَنْظُرُونَ} أي هل ينتظرون.
{إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} عند الموت.
{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوعُ الشمس من مغربها.
159- {وَكَانُوا شِيَعًا} أي فرقا وأحزابا.
{لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} أي ليس إليك شيء من أمرهم.
162- {وَنُسُكِي} ذبائحي. جمع نَسِيكةٍ. وأصل النُّسُك: ما
تقربت به إلى الله (2) .
165- {خَلائِفَ الأَرْضِ} أي سكان الأرض يخلف بعضكم بعضا:
واحدهم خليفة.
{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} أي فضَّل في المال والشرف
(3) .
{لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} أي يختبركم فيعلم كيف
شكركم.
__________
(1) في تفسير الطبري 8/69 "أو لئلا يقولوا: لو أنزل علينا
الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه
ونهينا، وبين لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه- لكنا أهدى
منهم، أي لكنا أشد استقامة على طريق الحق، واتباعا للكتاب،
وأحسن عملا بما فيه من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من
قبلنا".
(2) راجع ص 64.
(3) في تفسير الطبري 8/84 "وخالف بين أحوالكم فجعل بعضكم فوق
بعض، بأن رفع هذا على هذا بما بسط لهذا من الرزق، ففضله بما
أعطاه من المال والغنى، على هذا الفقير فيما خوله من أسباب
الدنيا. وهذا على هذا بما أعطاه من الأَيْد والقوة، على هذا
الضعيف الواهن القوى، فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على
درجة هذا وخفض من درجة هذا عن درجة هذا ... ليختبركم فيما
خولكم من فضله ومنحكم من رزقه، فيعلم المطيع له منكم فيما أمره
به ونهاه عنه، والعاصي، ومن المؤدي مما أتاه الحق الذي أمره
بأدائه منه، والمفرط في أدائه".
(1/164)
|