غريب القرآن لابن قتيبة ت سعيد اللحام الر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ
مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)
سورة هود
مكية كلها
1- أُحْكِمَتْ آياتُهُ فلم تنسخ.
ثُمَّ فُصِّلَتْ بالحلال والحرام. ويقال: فصّلت: أنزلت شيئا
بعد شيء ولم تنزل جملة.
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أي من عند حكيم خبير.
3- يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً أي يعمّركم. وأصل الإمتاع:
الإطالة.
يقال: أمتع الله بك، ومتّع الله بك إمتاعا ومتاعا. والشيء
الطويل: ماتع.
ويقال: جبل ماتع. وقد متع النّهار: إذا تطاول.
5- يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ أي يطوون ما فيها ويسترونه «1»
لِيَسْتَخْفُوا بذلك من الله.
أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ أي يستترون بها
ويتغشّونها.
__________
(1)
أخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله بن شداد قال: كان أحدهم إذا
مر بالنبي صلّى الله عليه وسلم ثنى صدره لكي لا يراه فنزلت.
(1/175)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ
مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا
عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ
نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ
أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ
ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ
بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ
يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ
مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا
أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ
وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى
إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ
يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا
تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ
يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي
الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ
مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي
الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ
وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
(24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي
لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا
اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
(26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا
نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ
إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا
نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ
كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا
كَارِهُونَ (28)
6- وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها
وَمُسْتَوْدَعَها قال ابن مسعود: مستقرها:
الأرحام. ومستودعها: الأرض التي تموت فيها.
8- إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ «1» : أي إلى حين بغير توقيت.
فأما قوله:
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ فيقال: بعد سبع سنين.
9- لَيَؤُسٌ فعول من يئست. أي قنوط.
10- ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي أي البلايا.
15- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها أي نؤتهم ثواب أعمالهم
لها فيها.
وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أي لا ينقصون.
17- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شاهِدٌ مِنْهُ مفسر في كتاب «المشكل» .
22- لا جَرَمَ حقا.
23- وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أي تواضعوا لربهم. والإخبات:
التواضع والوقار.
27- أَراذِلُنا شرارنا. جمع أرذل. يقال: رجل رذل وقد رذل رذالة
ورذولة.
بادِيَ الرَّأْيِ أي ظاهر الرأي. بغير همز. من قولك: بدا لي ما
كان خفيّا: أي ظهر. ومن همزه جعله: أوّل الرأي. من بدأت في
الأمر فأنا أبدأ.
__________
(1) أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما نزل: اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ قال ناس:
إن الساعة قد اقتربت فتناهوا، فتناهي القوم قليلا ثم عادوا إلى
مكرهم مكر السوء، فأنزل الله: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ
الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ الآية.
(1/176)
أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى
نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ
آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
(37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ
مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ
عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا
وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
(40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا
وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ
تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ
ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا
وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى
جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا
الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا
أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ
الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ
وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ
رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ
يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي
أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
28- أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي على يقين وبيان.
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي عميتم عن ذلك. يقال: عمي عليّ هذا
الأمر. إذا لم أفهمه، وعميت عنه، بمعنى.
أَنُلْزِمُكُمُوها أي نوجبها عليكم ونأخذكم بفهمها وأنتم
تكرهون ذلك؟!.
35- قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ أي اختلقته.
فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي جرم ذلك الاختلاق- إن كنت فعلت.
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ في التكذيب.
37- والْفُلْكَ السفينة. وجمعها فلك، مثل الواحد.
40- مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي من كلّ ذكر وأنثى
اثنين.
وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أي سبق
القول بهلكته.
41- مَجْراها: مسيرها.
وَمُرْساها حيث ترسي وترسو أيضا. أي تقف.
43- يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ أي يمنعني منه.
قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ لا معصوم اليوم مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
إِلَّا مَنْ رَحِمَ ومثله مِنْ ماءٍ دافِقٍ [سورة الطارق آية:
6] بمعنى مدفوق.
44- وَغِيضَ الْماءُ أي نقص. يقال: غاض الماء وغضته. أي نقض
ونقصته.
وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ منه فغرق من غرق، ونجا من نجا.
والْجُودِيِّ: جبل بالجزيرة.
46- إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لمخالفته إياك. وهذا كما
يقول الرجل لابنه إذا خالفه: اذهب فلست منك ولست مني. لا يريد
به دفع نسبه. أي قد فارقتك.
(1/177)
وَإِلَى عَادٍ
أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ
(50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ
وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا
نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ
دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ
رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ
رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا
رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا
بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ
صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا
صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا
أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا
لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ
يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ
اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
(63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً
فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا
فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ
وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا
رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ
سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا
أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ
فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
50- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً جعله
أخاهم: لأنه منهم.
54- إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ
أي أصابك بخبل يقال: عراني كذا وكذا واعتراني: إذا ألم بي.
ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عار. ومنه قول النباغة:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظنّ بي الظنون
59- (عنيد) العنيد والعنود والعاند: المعارض لك بالخلاف عليك.
60- وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً أي ألحقوا.
63- فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ أي غير نقصان.
69- بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي مشويّ. يقال: حنذت الجمل: إذا شويته
في خدّ من الأرض بالرّضف، وهي الحجارة المحماة. وفي الحديث: أن
خالد بن الوليد أكل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتي بضب
محنوذ.
70- فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ أي إلى
العجل، يريد رآهم لا يأكلون.
نَكِرَهُمْ أنكرهم. يقال: نكرتك، وأنكرتك، واستنكرتك.
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً أي أضمر في نفسه خوفا.
71- فَضَحِكَتْ قال عكرمة: حاضت، من قولهم: ضحكت الأرنب: إذا
حاضت.
وغيره من المفسرين يجعله الضحك بعينه. وكذلك هو في التوراة،
وقرأت فيها: «أنها حين بشّرت بالغلام ضحكت في نفسها وقالت: من
بعد ما بليت أعود شابة، وسيدي إبراهيم قد شاخ؟ فقال الله
لإبراهيم عليه السلام: لم ضحكت سرا- وسرا اسمها في التوراة.
يعني سارة- وقالت أحقّ
(1/178)
وَلَمَّا جَاءَتْ
رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ
هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ
إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ
مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا
لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا
نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي
إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ
رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ
مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا
امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ
مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ
(82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
أن ألد وقد كبرت؟ فجحدت سرّا وقالت: لم
أضحك. من أجل أنها خشيت. فقال: بلى لقد ضحكت» .
وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ أي بعد إسحاق. قال أبو
عبيدة:
الوراء: ولد الولد.
سِيءَ بِهِمْ فعل، من السوء.
77- وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد. يقال: يوم عصيب
وعصبصب.
78- وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أي يسرعون إليه.
يقال: أهرع الرجل: إذا أسرع على لفظ ما لم يسيّم فاعله، كما
يقال: أرعد. ويقال:
جاء القوم: يهرعون، وهي رعدة تحلّ بهم حتى تذهب عندها عقولهم
من الفزع والخوف إذا أسرعوا.
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أي تزوجوهن فهنّ أطهر
لكم.
فِي ضَيْفِي أي في أضيافي. والواحد يدل على الجمع. كما يقال:
هؤلاء رسولي ووكيلي قبل، فنستحقّهن.
«قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق» أي: لم تتزوجهن قبل
فنستحقّهن.
80- أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي عشيرة.
81- فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ أي سر بهم ليلا.
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أي ببقية تبقى من آخره. والقطع
والقطعة: شيء واحد.
82- حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ يذهب بعض المفسرين إلى أنها «سنك
وكل» بالفارسية ويعتيره بقوله عز وجل: حِجارَةً مِنْ طِينٍ
[سورة
(1/179)
بَقِيَّتُ اللَّهِ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا
عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ
نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ
الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ
رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا
أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ
قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ
وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا
مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا
رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى
مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ
يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ
وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
الذاريات آية: 33] يعني الآجرّ. كذلك قال
ابن عباس.
وقال أبو عبيدة: السجيل: الشديد. وأنشد لابن مقبل.
ضربا تواصى به الأبطال سجّينا وقال: يريد ضربا شديدا.
ولست أدري ما سجيل من سجين. وذاك باللام وهذا بالنون. وإنما
سجين في بيت ابن مقبل «فعّيل» من سجنت. أي حبست. كأنه قال:
ضرب يثبت صاحبه بمكانه. أي يحبسه مقتولا أو مقاربا للقتل. و
«فغّيل» لما دام منه العمل. كقولك: رجل فسّيق وسكّير وسكّيت:
إذا أدام منه الفسق والسكر والسكوت. وكذلك «سجّين» . هو ضرب
يدوم منه الإثبات والحبس.
وبعض الرواة يرويه «سخّين» - من السّخونة- أي ضربا سخنا.
مَنْضُودٍ بعضه على بعض كما تنضد الثياب، وكما نضد اللبن.
83- مُسَوَّمَةً معلمة بمثل الخواتيم. والسّومة: العلامة.
86- بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ أي ما أبقى الله لكم من
حلال الرزق خير من التّطفيف.
87- أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ؟ أي دينك. ويقال: قراءتك.
89- لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أي لا يكسبّنكم ويجرّ عليكم
شقاقي أي عداوتي، أن تهلكوا.
91- وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ أي قتلناك. وكانوا يقتلون
رجما.
فسمّي القتل رجما. ومثله قوله: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا
لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ
[سورة يس آية: 13] .
92- وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أي لم تلتفتوا
إلى ما جئتكم به
(1/180)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا
فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ
(96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ
فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ
قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ
وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ
لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ
(99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ
مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ
الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا
جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ
ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ
مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ
يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي
النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ
فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ
فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلَا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا
كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا
لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ
بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ
اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)
عند، تقول العرب: جعلتني ضهريّا وجعلت
حاجتي منك بظهر، إذا أعرضت عنه وعن حاجته.
93- وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أي انتظروا إني
معكم منتظر.
95- أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ يقال: بعد
يبعد، إذا كان بعد هلكة. وبعد يبعد: إذا نأى
99- الرِّفْدُ: العطية. يقال: رفدته أرفده، إذا أعطيته وأعنته.
والْمَرْفُودُ المعطي. كما تقول: بئس العطاء والمعطي.
100- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى أي من أخبار الأمم.
مِنْها قائِمٌ أي ظاهر للعين.
وَحَصِيدٌ قد أبيد وحصد.
101- وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ أي غير تخسير. ومنه قوله
عز وجل: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [سورة المسد آية: 1] أي
خسرت.
107- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ مبين في كتاب «المشكل» .
108- غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع. يقال: جذذت وجددت وجذفت
وجدفت، إذا قطعت.
110- وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي نظرة لهم إلى
يوم الدين.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ في الدنيا.
112- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي أمض على ما أمرت به.
114- وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ أي ساعة بعد ساعة. واحدتها
زلفة. ومنه يقال: أزلفني كذا عندك، أي أدناني. والمزدلف:
المنازل والدّرج.
وكذلك الزّلف. قال العجّاج.
(1/181)
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ
الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا
مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ
وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ
الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ
رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ
خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ
وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ
إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
(122)
طيّ الليالي زلفا فزلفا ... سماوة الهلال
حتّى احقوقفا
116- فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أي فهلا.
أُولُوا بَقِيَّةٍ أي أولوا بقيّة من دين. يقال: [قوم] لهم
بقية وفيهم بقيّة. إذا كانت بهم مسكة وفيهم خير.
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ما أعطوا
من الأموال، أي آثروه واتبعوه ففتنوا به.
118- وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في دينهم.
119- إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فإن دينهم واحد لا يختلفون.
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني لرحمته خلق الذين لا يختلفون في
دينهم.
وقد ذهب قوم إلى أنه للاختلاف خلقهم الله. والله أعلم بما
أراد.
120- وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أي في هذه السورة.
121- اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي على مواضعكم واثبتوا
إِنَّا عامِلُونَ.
122- وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ تهديد ووعيد.
(1/182)
|