غريب القرآن لابن قتيبة ت سعيد اللحام أَتَى أَمْرُ اللَّهِ
فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا
هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ
فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ
فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا
بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ
شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ
تُسِيمُونَ (10)
سورة النحل
مكية كلها
1- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ يعني القيامة. أي
هي قريب فلا تستعجلوا. وأتي بمعنى يأتي. وهذا كما يقال: أتاك
الخير فأبشر. أي سيأتيك.
2- يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى
مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أي:
بالوحي.
5- لَكُمْ فِيها دِفْءٌ (الدّفء) : ما استدفأت به. يريد ما
يتخذ من اوبارها من الأكسية والأخبية وغير ذلك.
6- وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ إذ راحت عظام
الضروع والأسنمة، فقيل: هذا مال فلان.
وَحِينَ تَسْرَحُونَ بالغداة. ويقال: سرحت الإبل بالغداة
وسرّحتها.
7- بِشِقِّ الْأَنْفُسِ أي بمشقة. يقال: نحن بشق من العيش، أي
بجهد. وفي حديث أم زرع: «وجدني في اهل غنيمة بشقّ» .
9- وَمِنْها جائِرٌ أي: من الطرق جائر لا يهتدون فيه. والجائر:
العادل عن القصد.
(1/205)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ
مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ
إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ
الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ
قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ
أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ
وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ
لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ
حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ
وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ
اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ
(20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا
أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ
الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا
يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى
اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ
السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ
وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ
فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ
الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا
مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ
الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي
اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ
يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا
عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
(34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا
وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ
أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ
تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ
يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ
يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا
لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا
ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ
الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ
بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ
فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى
تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ
يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ
ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ
وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
10- ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ
شَجَرٌ يعني المرعى. قال عكرمة:
لا تأكل ثمر الشجر فإنه سحت. يعني الكلأ.
فِيهِ تُسِيمُونَ أي ترعون. يقال: أسمت إبلى فسامت. ومنه قيل
لكل ما رعي من الأنعام: سائمة، كما يقال: راعية.
4- وَتَرَى الْفُلْكَ: السفن.
مَواخِرَ فِيهِ أي: جواري تشقّ الماء. يقال: مخرت السفينة.
ومنه مخر الأرض إنما هو شقّ الماء لها.
15- وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جبالا ثوابت لا تبرح.
وكل شيء ثبت فقد رسا.
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي لئلا تميد بكم الأرض. والميد: الحركة
والميل.
ومنه يقال: فلان يميد في مشيته: إذا تكفّأ.
21- وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ اي متى يبعثون.
26- فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ أي من
الأساس. وهذا مثل.
أي اهلكهم كما أهلك من هدم مسكنه من أسفله فخرّ عليه.
28- فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أي انقادوا واستسلموا والسلّم:
الاستسلام.
44- بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ: الكتب. جمع زبور.
47- أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أي: على تنقص ومثله
الثخون يقال: تخوفته الدهور وتخونثه إذا نقصته وأخذت من ماله
أو جسمه.
تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفى: الرجوع. ومنه قيل
للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق.
48- يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ أي
تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفيء: الرجوع. ومنه قيل
للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق.
(1/206)
وَلَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ
نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ
فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ
عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ
نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا
كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ
سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ
كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي
التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ
عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا
يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ
الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ
مُفْرَطُونَ (62)
سُجَّداً لِلَّهِ أي مستسلمة منقادة. وقد
بينت هذا في كتاب «المشكل» وَهُمْ داخِرُونَ أي صاغرون. يقال:
دخر الله.
52- وَلَهُ الدِّينُ واصِباً اي دائما. والدين: الطاعة. يريد:
أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال او
هلكة، غير الله.
فإن الطاعة تدوم له.
53- ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أي
تضجون بالدعاء وبالمسألة. يقال: جأر الثور يجأر.
والضُّرُّ: البلاء والمصيبة.
56- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا
رَزَقْناهُمْ، هذا ما كانوا يجعلونه لآلتهم من الحظ في زروعهم
وأنعامهم. وقد ذكرناه في سورة الأنعام.
57- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ أي تنزيها له
عن ذلك. وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني البنين.
58- وَهُوَ كَظِيمٌ أي حزين قد كظم فلا يشكو ما به.
59- أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أي على هوان.
أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ اي يئده.
60- وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى: شهادة أن لا إله إلا هو.
62- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ من البنات.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى اي
الجنة. ويقال:
البنين.
وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي معجلون إلى النار. يقال: فرط مني
ما لم أحسبه. أي سبق. والفارط: المتقدّم إلى الماء لإصلاح
الأرشية والدّلاء حتى يرد القوم. وأفرطته: أي قدمته.
(1/207)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا
لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ
وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ
بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ
كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ
ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ
يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا
بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ
فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)
66- نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ ذهب
إلى النّعم. والنّعم تؤنث وتذكر والفرث: ما في الكرش.
وقوله: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً لأن اللبن كان طعاما
فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فرث في الكرش، وخلص من الدم
لبن.
سائِغاً لِلشَّارِبِينَ أي سهلا في الشراب لا يشجي به شاربه
ولا يغص.
67- تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً أي خمرا. ونزل هذا قبل تحريم
الخمر.
وَرِزْقاً حَسَناً يعني التمر والزبيب. وقال ابو عبيدة:
السّكر: الطّعم.
ولست اعرف هذا في التفسير.
68- وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [أي ألهمها. وقيل:]
سخّرها.
وقد بينت في كتاب «المشكل» انه قد يكون كلاما وإشارة وتسخيرا.
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ كل شيء عرش من كرم او نبات او سقف: فهو
عرش ومعروش.
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي من الثمرات. وكل هاهنا
ليس على العموم. ومثل هذا قوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ
بِأَمْرِ رَبِّها [سورة الأحقاف آية: 25] .
69- فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا أي منقادة بالتّسخير.
وذل: جمع ذلول.
70- وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وهو
الهرم، لأن الهرم أسوأ العمر وشرّه.
لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي حتى لا يعلم بعد
علمه بالأمور شيئا لشدة هرمه.
(1/208)
ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ
رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ
سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا
يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ
غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ
إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ
فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ
ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا
وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى
حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ
سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ
بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
71- وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى
بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ يعني فضل السادة على المماليك.
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا يعني السادة بِرَادِّي رِزْقِهِمْ
عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أي لا
يجعلون أموالهم لعبيدهم حتى يكونوا والعبيد فيها سواء. وهذا
مثل ضربه الله لمن جعل له شركاء من خلقه.
72- بَنِينَ وَحَفَدَةً الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم
بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في
المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد،
مثل كافر وكفرة. ومنه يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد.
73- وقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ
لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً نصب شيئا
بإيقاع رزق عليه. أي يعبدون مالا يملك أن يرزقهم شيئا. كما
تقول: هو يخدم من لا يستطيع إعطاءه درهما.
75- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أي ثقل
على مولاه. أي على وليه وقرابته. مثل ضربه لمن جعل شريكا له من
خلقه.
76- هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ. وَهُوَ
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مثل ضربه لنفسه.
80- وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعني
قباب الأدم وغيرها تَسْتَخِفُّونَها في الحمل.
يَوْمَ ظَعْنِكُمْ: يوم سفركم وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ.
(1/209)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ
اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ
(83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا
يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ
أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ
شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ
الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ
فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا
تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ
أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ
اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا
بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا
السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ
ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا
عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا
آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ
رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ
يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ
مُبِينٌ (103)
والأثاث: متاع البيت من الفرش والأكسية.
قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثاثة.
81- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا أي ظلال
الشجر والجبال.
والسرابيل: القمص.
تَقِيكُمُ الْحَرَّ أراد تقيكم الحر والبرد. فاكتفى بذكر
أحدهما إذا كان يدل على الآخر. كذلك قال الفراء.
وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ يعني الدّروع تقيكم بأس
الحرب.
83- يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ أي يعلمون أن هذا كله من
عنده، ثم ينكرون ذلك، بأن يقولون: هو شفاعة آلهتنا.
92- الأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره. واحدها نكث، يقول: لا
تؤكدوا على أنفسكم الإيمان والعهود ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا
فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسخ فجعلته أنكاثا.
تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دخلا وخيانة.
أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أي فريق منكم.
أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ أي أغنى من فريق.
110- إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ لم يرد إنهم بإبليس كافرون.
ولو كان هذا كذا كانوا مؤمنين. وإنما أراد الذين هم من أجله
مشركون بالله. وهذا كما يقال: سار فلان بك عالما، أي سار من
أجلك.
101- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ أي نسخنا آية بآية.
103- يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلّمك.
وأصل الإلحاد: الميل.
(1/210)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ
صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ
اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ
فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ
لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ
جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ
نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ
آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا
اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا
يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا
وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا
حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى
الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ
قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
(119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ
حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا
لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا
كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ
عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
106- وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ
صَدْراً أي فتح له صدرا بالقبول.
111- يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها أي
يأتي كل إنسان يجادل عن نفسه [غدا] .
112- رَغَداً: كثيرا واسعا.
118- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود.
120- كانَ أُمَّةً أي معلما للخير. يقال: فلان أمة. وقد بينت
هذا في كتاب «المشكل» .
قانِتاً لِلَّهِ أي مطيعا.
121- شاكِراً لِأَنْعُمِهِ جمع نعم. يقال: يوم نعم ويوم بؤس
ويجمع أنعم وأبؤس. وليس قول من قال: إنه جمع نعمة، بشيء. لأن
فعلة لا يجمع على أفعل.
127- وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ تخفيف ضيّق. مثل: هين ولين. وهو إذا
كان على التأويل صفة. كأنه قال: لا تك في أمر ضيق من مكرهم.
ويقال: إن «ضيق» و «ضيق» بمعنى واحد. كما يقال: رطل ورطل.
ويقال: أنا قي ضيق وضيقة. وهو أعجب إليّ.
(1/211)
وَقَضَيْنَا إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي
الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ
عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ
الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا
لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ
أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ
فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا
وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا
وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
سورة بني إسرائيل
مكية كلها «1»
4- وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ: أخبرناهم.
5- فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي عاثوا بين الديار وأفسدوا،
يقال:
جاسوا وحاسوا. فهم يجوسون ويحوسون.
6- ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدّولة.
أَكْثَرَ نَفِيراً أي أكثر عددا. وأصله: من ينفر مع الرجل من
عشيرته وأهل بيته. والنّفير والنّافر واحد. كما يقال: قدير
وقادر.
7- فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعني من المرّتين.
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ من السّوء.
وَلِيُتَبِّرُوا أي ليدمّروا ويخرّبوا.
8- وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي محبسا. من
حصرت الشيء: إذا حبسته. فعيل بمعنى فاعل «2» .
__________
(1) هي سورة الإسراء وهي مكية إلّا الآيات 26/ 32/ 57، ومن
الآية 73 إلى غاية الآية 80- فهي مدنية ونزلت بعد سورة القصص.
(2) قال الطبري: حصيرا أي فراشا ومهادا.
(1/213)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ
بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ
عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ
فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ
طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى
بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
11- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ
دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى ماله،
بما لو استجيب له فيه، هلك.
وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا أي يعجل عند الغضب. والله لا يعجل
بإجابته.
12- فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ يعني محو القمر.
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أي مبصرا بها. وقد ذكرت
هذا وأمثاله في «المشكل» .
13- وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال
أبو عيدة: حظّه. وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه
عنقه.
وهذان التفسيران بحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى- والله
أعلم-:
أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه الله عليه. فهو لازم
عنقه.
والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم غنقه. وهو لازم صليف
عنقه «1» .
وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير
والشر:
طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له
الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطّيرة، وعلى مذهبهم في
تسمية الشيء بما كان له سببا. فخاطبهم الله بما يستعملون،
وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمه أعناقهم.
ونحوه قوله: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [سورة
الأعراف آية 131] : وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون:
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ بلا ألف.
والمعنيان جميعا سواء، لأن العرب تقول:
جرت له طير الشمال. فالطّير الجماعة، والطائر واحد.
وقوله: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ
مَنْشُوراً أراد يخرج بذلك
__________
(1) أي جانب عنقه.
(1/214)
وَإِذَا أَرَدْنَا
أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا
فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا
تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ
بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا
لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ
جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ
أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ
هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ
عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ
فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ
كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ
رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا
مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى
عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ
مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا
بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ
كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ
كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ
الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ
لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا
(37)
العمل كتابا. ومن قرأ: وَنُخْرِجُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً، أراد: ويخرج ذلك العمل كتابا.
14- كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي كافيا.
ويقال: حاسبا ومحاسبا.
16- وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا
مُتْرَفِيها
أي أكثرنا مترفيها.
يقال: أمرت الشيء وأمرته، أي كثرته. تقدير فعّلت وأفعلت، ومنه
قولهم:
مهرة مأمورة، أي كثيرة النّتاج. ويقال: أمر بنو فلان يأمرون
أمرا، إذا كثروا.
ورعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمر. يقول: نأمرهم بالطاعة
ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقّ عليهم القول، أي وجب.
ومن قرأ: أَمَرْنا
فهو من الإمارة. أي جعلناهم أمراء.
وقرأ أقوام: آمرنا بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي
كثّرنا.
23- وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي أمر
ربك.
25- الأواب التائب مرة بعد مرة. وكذلك ألت 1 واب، وهو من آب
يؤوب، أي رجع.
28- قَوْلًا مَيْسُوراً أي ليّنا.
29- مَحْسُوراً أي تحسرك العطية وتقطعك. كما يحسر السفر البعير
فيبقى منقطعا. يقال: حسرت الرجل فأنا أحسره، وحسر فهو يحسر.
30- يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يوسّع عليه.
وَيَقْدِرُ أي يضيّق عليه.
33- فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أي: لا تمثّل إذا قتلت
بالقود، ولا تقتل غير قاتلك.
(1/215)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى
إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا
مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ
وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ
لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي
هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا
نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا
يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
(42)
34- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أي:
يتناهى في الثّبات إلى حدّ الرجال. ويقال: ذلك ثمانية عشرة
سنة. وأشدّ اليتيم غير أشدّ الرجل في قول الله عز وجل: حَتَّى
إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [سورة
الأحقاف آية 15] : وإن كان اللفظان واحدا، لأن أشدّ الرجل:
الاكتهال والحنكة وأن يشتد رأيه وعقله. وذلك ثلاثون سنة.
ويقال:
ثمان وثلاثون سنة. وأشدّ الغلام: أن يشتد خلقه، ويتناهى ثباته.
35- بِالْقِسْطاسِ: الميزان. يقال: هو بلسان الروم. وفيه لغة
أخرى: بِالْقِسْطاسِ بضم القاف. وقد قرىء باللغتين جميعا.
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي أحسن عاقبة.
36- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: لا تتبعه
الحدس والظّنون ثم تقول: رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت
ولم تعلم. وهو مأخوذ من القفاء كأنك تقفو الأمور، أي تكون في
أقفائها وأواخرها تتعقبها. يقال:
قفوت أثره. والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها. وكأنه مقلوب عن
القافي.
37- وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي: بالكبر والفخر.
إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ أي: لا تقدر أن تقطعها حتى
تبلغ آخرها يقال: فلان أخرق للأرض من فلان، إذا كان أكثر
أسفارا وغزوا.
وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا يريد: أنه ليس للفاجر أن
يبذخ ويستكبر.
39- مَدْحُوراً مقصيا مبعدا. يقال: اللهم ادحر الشيطان عني.
40- وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً كانوا يقولون:
الملائكة بنات الله.
42- قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً
لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا يقول: لو كان الأمر
كما تقولون لابتغى من تدعونه إلها، التقرّب إلى
(1/216)
وَجَعَلْنَا عَلَى
قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ
وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ
وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ
بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ
هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
الله، لأنه ربّ كل مدعوّ. ويقال: لابتغوا
سبيلا، أي طريقا للوصول إليه.
46- أَكِنَّةً جمع كنان. مثل غطاء وأغطية.
47- وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي متناجون: يسار بعضهم بعضا.
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً. قال أبوة عبيدة:
يريدون بشرا ذا سحر، ذا رئة. ولست أدري ما اضطره إلى هذا
التفسير المستكره؟. وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه
فيه. قال مجاهد في قوله: إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً أي مخدوعا،
لأن السحر حيلة وخديعة. وقالوا في قوله: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ
[سورة المؤمنون آية 29] : أي من أين تخدعون؟ إِنَّما أَنْتَ
مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي من المعلّلين. وقال امرؤ القيس:
ونسحر بالطّعام وبالشراب أي نعلّل، فكأنا نخدع. وقال لبيد:
فإن تسألينا: فيم نحن؟ فإنّنا ... عصافير من هذا الأنام
المسحّر
أي المعلّل. والناس يقولون: سحرتني بكلامك. يريدون خدعتني.
وقوله: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ [سورة
الإسراء آية 48] :
يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رئة، لم يكن في
ذلك مثل ضربوه. ولكنهم لما أرادوا رجلا مخدوعا- كأنه بالخديعة
سحر- كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبهوه. وكأن المشركين ذهبوا إلى
أن قوما يعلّمونه ويخدعونه.
وقال الله في موضع آخر حكاية عنهم: وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ. وقول فرعون:
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً، [سورة الإسراء آية
101] : لا يجوز أن يكون أراد به: إني لأظنك إنسانا ذا رئة،
وإنما أراد:
إني لأظنك مخدوعا.
(1/217)
أَوْ خَلْقًا مِمَّا
يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ
الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ
رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ
قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ
وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ
يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ
وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ
عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا
نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ
بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ
رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا
الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ
أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً
مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ
بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ
وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ
وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
والرفات ما رفت. وهو مثل الفتات.
51- فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي يحركونها كما يحرك
اليائس من الشيء المستبعد له رأسه. يقال: نغصت سنّه، إذا
تحركت. ويقال للظليم:
نغص، لأنه يحرّك رأسه إذا عدا.
57- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني الذين يعبدون من دونه
ويدعونهم آلهة، يعني الملائكة، وكانوا يعبدونها.
يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أي القلابة و.
58- مَسْطُوراً أي مكتوبا. يقال: سطر، أي كتب.
59- وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً أي آتينا ثمود
آية- وهي الناقة- مبصرة، أي بينة، يريد مبصرا بها. كما قال:
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [سورة الإسراء آية 12]
: فَظَلَمُوا بِها، أي كذبوا بها، وقد بينت الظلم ووجوهه في
كتاب «المشكل» .
وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ أي وما نرسل الرسل بالآيات.
60- وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ يعني ما رآه
ليلة الإسراء.
إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ يقول: فتن أقوام بها، فقالوا: كيف
يكون يذهب هذا إلى بيت المقدس ويرجع في ليلة؟ فأرتدوا، وزاد
الله في بصائر قوم منهم أبو بكر رحمه الله، وبه سمّي صدّيقا.
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني شجرة
الزّقوم.
62- هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي فضلت.
لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ: لأستأصلنّهم. يقال: احتنك
الجراد ما على الأرض كلّه، إذا أكله كلّه. واحتنك فلان ما عند
فلان من العلم: إذا استقصاه. ويقال: هو من حنك دابّته يحنكها
حنكا: إذا شد في حنكها
(1/218)
رَبُّكُمُ الَّذِي
يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا
إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ
وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ
يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ
أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ
عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا
كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا
(69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
(70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ
كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي
هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ
سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا
لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
الأسفل حبلا يقودها به. أي لأقودنهم كيف
شئت.
63- جَزاءً مَوْفُوراً أي موفّرا. يقال: وفّرت عليه ماله
ووفرته:
بالتخفيف والتشديد.
64- وَاسْتَفْزِزْ أي استخفّ. ومنه يقال: استفزّني فلان.
والرجل: لرّجّالة. يقال: راجل ورجل. مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب.
وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ: بالنفقة في المعاصي، وَفي
الْأَوْلادِ بالزنا.
66- يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ أي يسيرها. قال الشاعر:
فتى يزجي المطيّ على وجاها (الحاصب) : الريح. سميت بذلك: لأنها
تحصب، أي ترمي بالحصباء، وهي: الحصى الصغار.
والقاصف: الريح التي تقصف الشجر، أي تكسره.
69- ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً أي من
يتبعنا بدمائكم، أي يطالبنا.
ومنه قوله: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ [سورة البقرة آية: 178]
أي مطالبة جميلة.
71- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أي بكتابهم
الذي فيه أعمالهم، على قول الحسن. وقال ابن عباس- في رواية أبي
صالح-: برئيسهم.
وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا والفتيل: ما في شق النواة.
73- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يستزلّونك.
(1/219)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ
ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ
عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ
مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ
خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا
(77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ
مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً
لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ لتختلق
غيره.
وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي لو فعلت ذاك لودّوك.
75- ضِعْفَ الْحَياةِ أي ضعف عذاب الحياة.
وَضِعْفَ الْمَماتِ أي ضعف عذاب الممات.
76- وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ أي بعدك.
78- لِدُلُوكِ الشَّمْسِ: غروبها. ويقال: زوالها. والأول أحب
إليّ، لأن العرب تقول: دلك النجم، إذا غاب. قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ... نجوم ولا بالآفلات الدّوالك
وتقول في الشمس: دلكت «1» براح يريدون غربت. والناظر قد وضع
كفه على حاجبه ينظر إليها. قال الشاعر:
والشمس قد كادت دنفا ... أدفعها بالراح كي تزحلفا
فشبهها بالمريض في الدّنف، لأنها قد همّت بالغروب. كما قارب
الدّنف الموت. وإنما ينظر إليها من تحت الكف، ليعلم كم بقي لها
إلى أن تغيب ويتوقي الشعاع بكفه.
وغَسَقِ اللَّيْلِ: ظلامه.
وقُرْآنَ الْفَجْرِ أي قراءة الفجر.
79- فَتَهَجَّدْ بِهِ أي اسهر به. يقال: تهجدت: إذا سهرت.
وهجدت: إذا نمت.
__________
(1) دلك الشيء من باب نصر، ودلكت الشمس زالت وبابه دخل ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أقم الصلاة لدلوك الشمس»
وقيل دلوكها غروبها.
(1/220)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا
عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ
عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى
سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا
وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ
كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي
هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ
إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ
لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ
خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا
زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا
(93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ
الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا
رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ
السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ
شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ
خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ
الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا
عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
(98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ
مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى
الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ
خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ
مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ
الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا
الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ
لَفِيفًا (104)
نافِلَةً لَكَ أي تطوعا.
83- وَنَأى بِجانِبِهِ أي تباعد.
كانَ يَؤُساً أي قانطا يائسا.
84- كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على خليقته وطبيعته.
وهو من الشّكل، يقال: لست على شكلي ولا شاكلتي.
88- وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً أي عونا.
89- وَلَقَدْ صَرَّفْنا أي وجهنا القول فيه بكل مثل. وهو من
قولك: صرفت إليك كذا، أي عدلت به إليك. وشدد ذلك للتكثير. كما
يقال: فتّحت الأبواب.
90- يَنْبُوعاً أي عينا. وهو مفعول من نبع ينبع. ومنه يقال
لمال على رحمه الله: ينبع.
92- كِسَفاً أي قطعا. الواحد: كسفة.
أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أي ضمينا.
يقال: قبلت به، أي كفلت به. وقال ابو عبيدة: معاينة. ذهب إلى
المقابلة.
93- بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي من ذهب.
97- كُلَّما خَبَتْ أي سكنت. يقال: خبت النار- إذا سكن لهبها-
تخبو. فإن سكن اللهب ولم يطفأ الجمر. قلت: خمدت تخمد خمودا.
فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: همدت تهمد همودا.
زِدْناهُمْ سَعِيراً أي نارا تتسعّر، أي تتلهب.
100- وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي ضيّقا بخيلا.
102- وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أي مهلكا.
والثّبور:
الهلكة.
(1/221)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا
تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
وفي رواية الكلبي: إني لأعلمك يا فرعون
ملعونا.
103- فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي
يستخفّهم حتى يخرجوا.
104- جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي جميعا.
110- وَلا تُخافِتْ بِها أي لا تخفها.
وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي بين الجهر وبين الإخفاء
طريقا قصدا وسطا.
والترتيل في القراءة: التّبيين لها. كأنه يفصل بين الحرف
والحرف ومنه قيل: ثغر رتل ورتل، إذا كان مفلّجا. يقال: كلام
رتل، أي مرتل، وثغر رتل، يعني إذا كان مستوي النبات، ورجل رتل-
بالكسر- بيّن الرّتل: إذا كان مفلّج الأسنان.
(1/222)
الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ
لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ
لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ
فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا
لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا
الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ
زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا
مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
سورة الكهف
مكية كلها
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ
الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً مقدّم
ومؤخّر. أراد: انزل الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا.
2- لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً أي لينذر ببأس شديد، أي عذاب.
6- باخِعٌ نَفْسَكَ أي قاتل نفسك ومهلك نفسك. قال ذو الرّمّة:
إلا أيها الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر
أَسَفاً: حزنا.
الصعيد: المستوي. ويقال: وجه الأرض. ومنه قيل للتراب:
صعيد، لأنه وجه الأرض.
و (الجزر) : التي لا تنبت شيئا. يقال: أرض جزر وأرضون أجراز.
9- أَمْ حَسِبْتَ أي أحسبت «1» .
__________
(1)
أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة
عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعتبة بن أي معيط
إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا
لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس
عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة
(1/223)
فَضَرَبْنَا عَلَى
آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ
بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا
لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ
بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا
شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ
ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ
الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
والرَّقِيمِ: لوح «1» كتب فيه خبر اصحاب
الكهف، ونصب على باب الكهف والرّقيم: الكتاب. وهو فعيل بمعنى
مفعول. ومنه: كِتابٌ مَرْقُومٌ [سورة المطففين آية: 9] أي
مكتوب.
11- فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي أنمناهم. ومثله قول أبي
ذرّ: قد ضرب الله على أصمختهم «2» .
والْأَمَدُ: الغاية.
14- رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي ألهمناهم الصبر وثبّتنا
قلوبهم.
شَطَطاً أي غلوا. يقال: قد أشطّ عليّ: إذا غلا في القول.
16- مِرفَقاً: ما يرتفق به.
17- تَتَزاوَرُ: تميل.
تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ تعدل عنهم وتجاوزهم «3» . قال ذو
الرّمّة:
__________
فسألوا أحبار اليهود وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، فقالوا لهم:
سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل
مقتول، سلوه عن فتية في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه كان لهم
أمر عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان
بنؤه، وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبلا حتى قدما على قريش فقالا:
قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فجاؤوا رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم فسألوه، فقال: أخبركم غدا بما سألتم عنه ولم
يستثن، فانصرفوا وسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس عشرة
ليلة لا يحدث الله في ذلك إليه وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف
أهل مكة وحتى أحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث الوحي
عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة
أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه
عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله، وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ.
(1) الرقيم الكتاب قاله البخاري. وقال سعيد وابن عباس: الرقيم
اللوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثم طرحه خزانته فضرب الله
على آذانهم فناموا.
(2) الصماخ بالكسر: خرق الأذن، وقيل هو الأذن نفسها والسين لغة
نية.
(3) قال مجاهد: تقرضهم: تتركهم.
(1/224)
وَكَذَلِكَ
بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا
يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ
وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا
عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ
أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ
أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ
ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ
سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ
سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ
بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ
فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ
مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف ... شمالا وعن
أيمانهن الفوارس
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ أي متسع وجمعها فجوات وفجاء. ويقال: في
مقنأة والتفسير الأول أشبه بكلام العرب.
وبِالْوَصِيدِ: الفناء «1» . ويقال: عتبة الباب. وهذا اعجب
إليّ، لأنهم يقولون: أوصد بابك. أي أغلقه. ومنه إِنَّها
عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [سورة الهمزة آية: 8] أي مطبقة مغلقة.
وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته. ومما يوضح هذا: أنك
إن جعلت الكلب بالفناء كان خارجا من الكهف. وإن جعلته بعتبة
الباب أمكن ان يكون داخل الكهف. والكهف وإن لم يكن له باب
وعتبة- فإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت.
فأستعير على ما أعلمتك من مذاهب العرب في كتاب «المشكل» .
وقد يكون الوصيد الباب نفسه. فهو على هذا كأنه قال: وكلبهم
باسط ذراعيه بالباب. قال الشاعر «2» :
بأرض فضاء لا يسد وصيدها ... عليّ ومعروفي بها غير منكر
19- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أحييناهم من هذه النّومة التي تشبه
الموت.
(الورق) الفضة دراهم كانت او غير دراهم. يدلك على ذلك أن عرفجة
بن اسعد أصيبت أنفه يوم الكلاب فأتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه-
أي من فضة- فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم ان يتخذ أنفا من
ذهب.
19- أَيُّها أَزْكى طَعاماً يجوز أن يكون أكثر، ويجوز أن يكون
أجود، ويجوز أن يكون أرخص. والله اعلم. وأصل الزكاء: النّماء
والزيادة.
وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أي لا يعلمن. ومنه يقال: ما
أشعر بكذا.
__________
(1) الوصيد: الفناء جمعه وصائد، ويقال: الوصيد: الباب قاله
البخاري.
(2) البيت لعبيد بن وهب العبسي، قاله ابن هشام.
(1/225)
وَلَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ
أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ
رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ
دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
(28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ
يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
وليت شعري. ومنه قيل: شاعر، لفطنته.
20- يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم. وقد تقدم هذا.
21- أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي أظهرنا عليهم وأطلعنا، ومنه
يقال: ما عثرت على فلان بسوء قط.
قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ يعني المطاعين
والرؤساء.
22- رَجْماً بِالْغَيْبِ أي ظنا غير يقين.
25- وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ولم
يقل: سنة. كأنه قال:
ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة. ثم قال: سنين «1» . أي ليست شهورا
ولا أياما. ولم يخرج مخرج ثلاثمائة درهم.
وروي ابن فضيل عن الأجلح، عن الضحاك، قال: نزلت ولبثوا في
كهفهم ثلاثمائة. فقالوا: أيام أو أشهر أو سنين؟ فنزلت:
سِنِينَ. وَازْدَادُوا تِسْعاً.
26- ثم قال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقد بيّن لنا
قبل هذا كم لبثوا. والمعنى انهم اختلفوا في مدة لبثهم. فقال
الله عز وجل: ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا.
وأنا اعلم بما لبثوا من المختلفين.
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أي ما أبصره وأسمعه!.
27- مُلْتَحَداً أي معدلا. وهو من ألحدت ولحدت: إذا عدلت.
28- وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ أي لا تتجاوزهم إلى زينة
الحياة الدنيا.
وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي ندما. [هذا] قول أبي عبيدة: وقول
__________
(1)
أخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال: أنزلت: وَلَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقيل:
يا رسول الله، سنين أو شهورا، فأنزل الله: سِنِينَ
وَازْدَادُوا تِسْعاً.
[.....]
(1/226)
أُولَئِكَ لَهُمْ
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ
ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ
فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ
مُرْتَفَقًا (31) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ
وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا
(32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ
مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ
تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ
قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا
مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ
اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ
لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ
مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ
خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ
السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ
مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى
مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
المفسرين: سرفا. وأصله العجلة والسّبق.
يقال: فرط مني قول قبيح: أي سبق. وفرس فرط: أي متقدم.
و (السّرادق) الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وهو دخان يحيط
بالكفار يوم القيامة. وهو الظل ذو الثلاث شعب، الذي ذكره الله
في سورة والمرسلات عرفا.
29- (والمهل) دردي الزيت «1» . ويقال: ما أذيب من النّحاس
والرّصاص.
وَساءَتْ مُرْتَفَقاً أي مجلسا. وأصل الارتفاق: الاتكاء على
المرفق.
31- أَساوِرَ جمع: إسوار.
و (السّندس) رقيق الديباج.
و (الإستبرق) ثخينه. ويقول قوم: فارسي معرب، أصله: استبره، وهو
الشديد.
و (الأرائك) السّرر في الحجال، واحدها اريكة.
33- وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي لم تنقص منه.
40- حُسْباناً مِنَ السَّماءِ أي مرامي. واحدها: حسبانة.
(الصّعيد) الأملس المستوي.
و (الزّلق) الذي تزل عنه الأقدام.
41- أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أي غائرا. فجعل المصدر صفة.
كما يقال: رجل نوم ورجل صوم ورجل فطر، ويقال للنساء: نوح: إذا
نحن.
__________
(1) قاله أبو عمرو والمهل أيضا القيح والصديد، وفي حديث أبي
بكر رضي الله عنه ادفنوني في ثوبي هذين فإنما هما للمهل
والتراب.
(1/227)
هُنَالِكَ
الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ
نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ
وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ
بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا
(47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا
كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ
نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى
الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا
وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا
حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي
وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا
أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ
أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
(51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ
النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا
عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
42- وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ أي أهلك.
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أي نادما. وهذا مما يوصف [به]
النادم.
خاوِيَةٌ خربة.
(العروش) السّقوف.
44- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ يريد: يومئذ [يتولون الله
ويؤمنون ويتبرءون مما أكانوا يعبدون] .
وَخَيْرٌ عُقْباً أي عاقبة.
و (الهشيم) من النبت المتفتت. وأصله: من هشمت الشيء إذا كسرته
ومنه سمي الرجل: هاشما.
45- تَذْرُوهُ الرِّياحُ أي تنسفه.
مُقْتَدِراً مفتعل من قدرت.
46- وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يقال: الصلوات الخمس. ويقال:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وَخَيْرٌ أَمَلًا أي خير ما تؤمّلون.
47- فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لم نخلّف. يقال:
غادرت كذا وأغدرته: إذا خلفته. ومنه سمي الغدير، لأنه ماء
تخلّفه السيول.
50- فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أي خرج عن طاعته. يقال: فسقت
الرّطبة إذا خرجت من قشرها.
52- وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً أي مهلكا بينهم وبين
آلهتهم في جهنم.
ومنه يقال: اوبقته ذنوبه. وقوله: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما
كَسَبُوا [سورة الشورى آية: 42] . ويقال: موعدا.
(1/228)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ
أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا
رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا
وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى
قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ
وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا
إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ
يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا
(58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) وَإِذْ قَالَ
مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ
الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا
مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ
آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى
الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا
مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ
رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا
(68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا
أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا
تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
(70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ
خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ
جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا
نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ
شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ
لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ
يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ
يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ
صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ
وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ
فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ
زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
53- فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي
علموا.
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي معدلا.
55- إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي سنتنا
في إهلاكهم.
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا وقبلا أي مقابلة وعيانا.
ومن قرأ بفتح القاف والباء أراد استئنافا.
58- لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا أي ملجأ. يقال: وأل
فلان [إلى كذا وكذا] ، إذا [لجأ] . ويقال: لا وألت نفسك، أي لا
نجت. وفلان يوائل، أي يسابق لينجو.
60- حُقُباً أي زمانا ودهرا. ويقال الحقب: ثمانون سنة «1» .
61- فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ أي فاتخذ الحوت طريقه في البحر.
سَرَباً أي مذهبا ومسلكا.
63- وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سبيلا عَجَباً.
64- قَصَصاً أي يقتصّان الأثر الذي جاء فيه.
71- شَيْئاً إِمْراً أي عجبا.
73- وَلا تُرْهِقْنِي أي لا تغشني عُسْراً.
74- وشَيْئاً نُكْراً أي منكرا.
77- يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي ينكسر ويسقط.
79- وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ أمامهم.
81- وَأَقْرَبَ رُحْماً أي رحمة وعطفا.
__________
(1) والحقب وهي السنون والحقب بضمتين الدهر وجمعه أحقاب.
(1/229)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ
عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى
إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا
لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي
مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا
غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً
بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ
أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ
اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ
هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ
مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي
الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ
مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا
الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ
يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ
يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ
رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا
أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ
رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا
لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي
الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا
بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ
حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ
فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ
نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ
عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا
يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ
مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ
نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ
أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا
(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ
دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى
أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا
مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ
أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ
الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي
أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ
يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا
رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ
دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا
بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا
أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ
الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ
عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا
لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ
كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
فَأَتْبَعَ سَبَباً أي طريقا.
68- تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ذات حمأة. ومن قرأ: حامية،
أراد حارة قال الشاعر يذكر ذا القرنين:
فأتي مغيب الشمس عند مآبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد «1»
والخلب: الطين في بعض اللغات. والثّأط: الحمأة. والحرمد:
الأسود.
93- بَيْنَ السَّدَّيْنِ أي بين الجبلين. ويقال للجبل: سدّ.
96- زُبَرَ الْحَدِيدِ قطعه. واحدها: زبرة. والزّبر: القطع.
والْقِطْرِ النّحاس.
97- فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي يعلوه. يقال: ظهر
فلان السّطح، أي علاه.
98- جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي ألصقه بالأرض. يقال: ناقة دكاء: إذا
لم يكن لها سنام.
102- إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا
والنزل ما يقدم للضيف ولأهل العسكر.
108- لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أي تحوّلا.
110- فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ أي يخاف لقاء ربه.
قال الهذلي:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عوامل
«2»
أي لم يخف لسعها.
__________
(1) ينسب هذا البيت لتبع اليماني.
(2) ينسب هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي.
(1/230)
|