معاني القرآن للفراء ومن سورة السجدة
قوله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [7] يقول: أحسنه
فجعله حسنًا. ويقرأ «2» (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)
قرأها «3» أَبُو جَعْفَر المدني كأنه قَالَ: ألهم خَلْقه كل ما
يحتاجون إِلَيْهِ فالخلق، منصوبون
__________
(1) ا: «وظلمات» .
(2، 3) القراءة الأولى لنافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم
الحسن والأعمش. والقراءة الأخيرة بسكون اللام للباقين، هذا وفى
ش: «فقرأها» .
(2/330)
وَقَالُوا أَإِذَا
ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ
هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
بالفعل الَّذِي وقع عَلَى (كلّ) كأنك قلت
أعلمهم كل شيء وأحسنهم. وقد يكون الخلق منصوبًا كما نُصب «1»
قوله (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا «2» ) فِي أشباه لَهُ كثيرة من
القرآن كأنك قغت: كلَّ شيء خَلْقًا منه وابتداء بالنعم.
وقوله: ضَلَلْنا [10] و (ضَلِلْنا «3» ) لغتان. وقد ذكر عَن
الْحَسَن وغيره أَنَّهُ قرأ (إِذَا صَلِلنا) حَتَّى لقد رُفعت
«4» إلى عليّ (صَلِلنا) بالصاد ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً
لَمْ نسمعها إنما تَقُولُ العرب: قد صَلّ «5» اللحمُ فهو
يَصِلّ، وأصلّ يُصِلّ، وخَمّ يَخِمّ وأخمّ يُخمُّ. قَالَ
الفراء: لو كانت:
صللنا بفتح اللام لكان صوابًا، ولكني لا أعرفها بالكسر.
والمعنى فِي (إذا ضللنا فى الأرض «6» ) يقول: إِذَا صارت
لحومنا وعظامنا ترابًا كالأرض. وأنت تَقُولُ: قد ضلّ الماء فِي
اللبن، وضلّ الشيء فِي الشيء إِذَا أخفاهُ وغلبه.
وقوله: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا
بِها خَرُّوا سُجَّداً [15] كَانَ المنافقونَ إِذَا نودي
بالصلاة فإنْ خَفُوا عَن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله.
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها)
إِذَا نودوا إلى الصلاة أتوها فركعوا وسَجدوا غير مستكبرين..
وقوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [16] يُقال:
هُوَ النوم قبل العشاء. كانوا لا يضعون جنوبَهم بين المغرب
والعِشَاء حَتَّى يُصلّوها. ويُقال: إنَّهم كانوا فِي ليلهم
كلِّه (تَتَجافى «7» ) : تقلق (عَنِ الْمَضاجِعِ) عَن النوم
فِي الليل/ 146 اكلّه (خَوْفاً وَطَمَعاً) .
__________
(1) ا: «نصبت» .
(2) الآية 5 سورة الدخان.
(3) كسر اللام قراءة يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبى رجاء وطلحة
وابن وثاب كما فى البحر 7/ 200 وهى قراءة شاذة.
(4) أي نسبت إليه.
(5) أي أنتن. وسقط (قد) فى ب
(6) هذه قراءة ابن عامر وأبى جعفر فى قوله تعالى: «إذا» وفى
قراءة غيرهما. «أئذا» .
(7) أي جنوبهم.
(2/331)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ
مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
وقوله: ما أُخْفِيَ [17] وكلّ ينصب بالياء
لأنه فعل ماض كما تَقُولُ: أُهلِكَ الظالِمون.
وقرأها حَمْزَةُ (ما أُخْفِيَ لَهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ)
بإرسال «1» الياء. وَفِي قراءة عبد الله (ما نُخْفِي لَهُمْ من
قُرَّةِ أَعْيُنٍ) فهذا اعتبار وقوّة لِحمزة. وكل صواب. وإذا
قلت (أخفى لهم) وجعلت (ما) فِي مذهب «2» (أي) كانت (ما) رفعًا
بِمَا لَمْ تُسَمّ فاعله. ومن قرأ (أُخْفِيَ لَهم) بإرسال
الياء وجعل (ما) فِي مذهب (أيّ) كانت نصبًا فِي (أُخْفِيَ) و
(نُخْفِي) ومن جعلها بمنزلة الشيء أوقعَ عليها (تَعْلَمُ)
فكانت نصبًا فِي كل الوجوه. وقد قرئت (قُرَّاتِ أَعْيُنٍ)
ذُكرت عَن أبي هريرة.
وقوله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا
يَسْتَوُونَ [18] ولم يقل: يستويان لأنها عام، وإذا كان
الاثنان غير مصمود «3» لهما ذَهَبَا مذهب الجمع تَقُولُ فِي
الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تسوّينّ بينهم،
وبينما. وكل صواب.
[قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [21]]
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ
عَبْدِ الله عَن منصور عَن إِبْرَاهِيم أو عَن مجاهد- شك
الفراء- فِي قوله (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ
الْأَدْنى) قَالَ مصائبُ تصيبهم فِي الدُّنْيَا دون عذاب الله
يوم القيامة.
[قوله: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
لَمَّا صَبَرُوا [24]] القراء جَميعًا عَلَى (لَمَّا صَبَرُوا)
بتشديد الميم ونصب اللام. وهي فِي قراءة عبد الله (بِما
صَبَروا) وقرأها الْكِسَائي وَحَمْزَة (لِمَا صَبروا) عَلَى
ذَلِكَ. وموضع (ما) خَفض إِذَا كسرت اللام. وإذا فتحت وشدَّدت
فلا موضع لَهَا إنما هى أداة.
__________
(1) أي إطلاقها وإسكانها.
(2) أي جعلتها استفهامية. [.....]
(3) أي غير مقصودين، يقال: صمده وصمد إليه: قصده.
(2/332)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ
وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) [26] (كم)
فِي موضع رفع ب (يَهْدِ) كأنك قلت:
أولم تهدهم القرون الْهَالِكة. وَفِي قراءة عبد الله فى سورة
طه (أولم يَهْد لَهم من أهلكنا) وقد يكون (كَمْ) فِي موضع نصب
بأهلكنا وَفِيهِ تأويل الرفع فيكون بمنزلة قولك: سواء عليّ
أزيدًا ضربتَ أم عمرًا، فترفع (سواء) بالتأويل.
وتقول: قد تبيّن لي أقام زيد أم عَمْرو، فتكون الجملة مرفوعة
فِي المعنى كأنك قلت:
تبيَّن لي ذاك.
وقوله: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ [27] والجُرُز: التي لا
نباتَ فيها: ويُقال للناقة: إنها لَجُرَاز إِذَا كانت تأكل كل
شيء، وللإنسان: إنه لَجرُوز إِذَا كَانَ أكولًا، وسيف جُرَاز
إِذَا كَانَ لا يُبقي شيئًا إلا قطَعَهُ. ويُقال «1» : أرضُ
جُرُز وجُرْز، وأرْض جَرَز وَجَرْزٌ، لبني تَميم، كل لو قرئ
بِهِ لكان حَسَنًا. وهو مثل الْبُخُل والبُخْل والبَخُل
والبَخْل والرُغب والرهب والشغل فِيهِ أربع مثل ذلك.
وقوله: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ [29] يعني فتح مكة (لا يَنْفَعُ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) فذكر ذَلِكَ لمن قتله خالد بن
الوليد من بني كنانة يومئذ، قالوا: قد أسلمنا، فقال خالد: إن
كنتم أسلمتم فضَعُوا السلاح ففعلوا، فلمّا وضعوهُ أثْخَنَ «2»
فيهم لأنهم كانوا قتلوا عوفًا أبا عبد الرحمن بن عوف وجدًّا
لِخالد قبل ذَلِكَ: المغيرة. ولو رفع (يَوْمَ الْفَتْحِ) عَلَى
أول الكلام لأن قوله (مَتى هذَا الْفَتْحُ) (مَتَى) فِي موضع
رفع ووجه الكلام أن يكون (متى) فِي موضع نصب وهو أكثر. |