معترك الأقران في إعجاز القرآن

 (حَرف الدال المهمَلة)
(داود) هو ابن إيْشا - بكسر الهمزة وسكون التحتية وبالشين المعجمة -
ابن عَرْبد - بوزن جعفر بمهملة وموحدة ابن باعر بموحدة ومهملة مفتوحة ابن سلمون بن نحشون بن عمي بن يارب - بتحتية وآخره موحَّدة ابن رام بن
حضرون - بمهملة ثم معجمة - ابن فارص - بفاء وآخره مهملة ابن يهوذا بن يعقوب.
وفي الترمذي أنه كان أعْبَدَ البَشَر، ولهذا لا قال: يا رب، كن لسليمان كما
كنت لي.
فقال له: قل لسليمان يكون لي كما كنتَ لي أكن له كما كنت لك.
وكان يقول: يا رب، كيف تغفر لمن عصاك وقد تجرَّأ عليك، فلما وقع له من " الخصمان " ما أخْبَر اللَّهُ به قال: إلهي اغفر لمن عصاك لعلي أن ألحق بهم.
قال كعب: كان أحْمرَ اللَّوْن، سبْط الرأس، أبيض الجسم، طويل اللحية.
فيها جعودة، حسن الخلق والصوت، وجمع الله له النبوءة والملك، وكان يأمر أن تسْرَجَ فَرَسه فيوحَى له قراءة الزبور فيقرأه قبل أن يركب.
وقد قدمنا أن الله هيّأ لهذه الأمة المحمدية مثل ذلك في قراءة هذا القرآن
العظيم.
قال النوويّ: قال أهل التاريخ: عاش مائة سنةٍ، مدة ملْكه منها أربعون سنة.
وكان له اثنا عشر ابنا.
(دابَّة) : كل ما يَدِبّ على الأرض من حيوان وغيره.
وأما قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) ، فهي تقويةٌ لقلوب

(2/171)


المؤمنين إذا خافوا الجوع والفَقْرَ في الهجرة إلى بلاد الإسلام، أي كما يرزق اللَه الحيوانات الضعيفة كذلك يرزقكم إذا هاجرتم من بلادكم.
(دَأْب آل فرعون) : أي عادتهم.
وفي تشبيه الآية تهديد، أي دأب هؤلاء كدأب آل فرعون.
(دَرَجات عند الله) ، أي منازل بعضها فَوْقَ بعض.
والمعنى تفاوت ما بين منازِلِ أهْل الرضْوان وأهل السخط، أو التفاوت بين
درجات أهل الرضوان، فإنَّ بعضَهم فوق بعض، فكذلك درجات أهل السخط.
وكما أنَّ أهل الجنة على درجات فكذلك أهل النار على دركات بعضها أسفل من بعض.
ومنه: (إنَّ المنَافِقين في الدَّرْكِ الأسفَلِ من النار) ، وفي
الآية دليلٌ على أنهم أسفل من الكفار.
قال ابن عباس: الدرك الأسفل توابيت
من حديد مبْهَمة عليهم - يعني - أنها لا أبواب لها.
(دَابرَ القَوْم) ، أي آخرهم، وذلك عبارة عن استئصالهم
بالكلية.
(دارست) بالألف، أي دارست العلماء وتعلمت منهم ودَرَست، بفتح السين وإسكان التاء بمعنى قدمت هذه الآية ودثرت.
ومعناه قرأت بلغة اليهود، ومنه بيت المدارس، أي القراءة.
(دَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) ، أي أزلّهما إلى الأكل من الشجرة، وغَرَّهما بحلفه لهما وقَسَمه أنه من الناصحين، لأنهما ظنا أنه لا يحلف كاذباً، فلما
أكلا منها بدت لهما سَوْءَاتهما، أي زال عنهما اللباس، وظهرت عَوْراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا لأحدهما من الآخر.
وقيل: كان لباسهما نور يحول بينهما وبين النَظر.
(دكًّا) : مدكوكا من الأرض، فهو مصدر بمعنى
مفعول، كقولك: ضرب الأمير.
والدَّكُّ والدق: أخوان، وهو التفتّت.
وقرىء دَكَّاء - بالمد والهمز، أي أرْضاً دَكاء ملساء.
وناقة دكاء، وهي المفترشة السنام في
ظهرها، أو المجبوبة السنام.

(2/172)


(دَار السلام) : يعني الجنة، وسميت بذلك لأنها سالمةٌ من
الفناء والتعب.
وقيل السلام هو اسم الله، وأضافها إليه لأنها ملكه وخلقه.
ودوائر السلام التي تأتي مرةً بخير ومرة بشر.
يعني ما أحاط الإنسان منه.
وقوله: (عليهم دائرة السَّوْءِ) ، أي يدور عليهم من الدهر ما يَسوؤهم.
ويحتمل أن يكون خيراً أو دعاء.
(دَعْوَاهم فيها) : أي يكون دعاؤهم في الجنة سبحانك.
والدعاء الادّعاء أيضاً.
(أدْنى) له معنيان: أقرب فهو من الدنو، وأقَلّ فهو مِنَ الدنىء الحقير.
(دَأَبا) ، قد قدّمنا أن معناه عادة وجدّ.
ومعناه أيضاً الملاَزمة.
ومنه سبع سنين دَأَبا - بسكون الهمزة وفتحها، مصدر دأب على العمل
إذا داوم عليه.
(دَاخِرون) ، صاغرون أذِلاَّء، وجمِعَ بالواو لأن الدّخور من
أوصاف العقلاء.
(دَخَلا بينكم) ، أي دغلاً وخيانة، وهذه الآية فيمَنْ بايَع
النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن به، ثم رجع.
وفي قوله: (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) - استعارةٌ في الرجوع مِنَ الخيْرِ إلى الشر، وإنما أفرد القدم ونكَّرَها لاستعظام الزّلل في قدم واحدة فكيف في أقدام كثيرة؟!
(دَرَكا) : إلحاقاً، أي لا تخاف أنْ يُدْرِكَك فرعون وقومه، ولا تخشى الغَرق في البحر.
(داحِضَة) : باطلة زائلة، وكذلك: (ليدْحِضوا به الحقَّ) ، أي ليزيلوا به الحقّ، ويذهبوا به.
ويقال: مكان دحْض، أي مزل مزلق، ولا يثبت فيه قَدَمٌ ولا حافر.
(دهر) : مرور السنين والأيام.

(2/173)


(ديَّارا) : من الأسماء المستعملة في النفي، يقال: ما في الدار
ديَّار، أي ما بها أحد.
وزْنه فَيْعال، وكان أصله دَيوار، ثم قلبت الواو ياء
وأدغمت في الياء، وليس وزنه فعَّال، لأنه لو كان كذلك لقيل دوار، لأنه
مشتقّ من الدوَرَان.
وروي أن نوحاً عليه السلام لم يَدْع على قومه بهذا الدعاء إلا بعد أن يئس
من إيمانهم، وبعد أن أخرج الله كل مؤمِن من أصلابهم.
(أَدْبر) في قوله: (والليل إذا أدبر) .
وقرئ دَبر بغير ألف.
والمعنى واحد - يقال دبر الليل والنهار، أي جاء في دبره، وأدبر.
(دَحَاها) : بسطها، وبهذا استدلَّ مَنْ قال: إنَّ الأرض
بسيطة غير كروية، ولكن يفهم من هذه الآية أنَّ الأرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السماء.
وفي آية فصلت السماء قبْلها، والجمع بينهما أن الله خلقها قبل السماء، ثم دحاها بعد ذلك.
فإن قلت: لِمَ قال: أخرج - بغير حرف العطف؟
فالجواب: أن هذه الجملة في موضع الحال، أو تفسير لما قبلها، قاله
الزمخشري.
(دَسَّاها) : أي أخْفَاها بالفجور والمعاصي.
والأصل دسّسها فقُلِبَتْ إحدى
السينين ياء، كما قيل تظنّيت.
(دمْدمَ عليهم ربُّهم) : عبارة عن إنزال العذاب بقوم صالح.
وفيه تهويل عليهم وعلينا، إذ لا يؤَاخَذ أحَدٌ إلاَّ بسبب ذنبه، بل يؤخذ
به البريء والفاعل، كما قالت عائشة: أنهلك يا رسول الله وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث.
قوله: (فسَوَّاها) : قال ابن عطية: معناه فسوَّى القبيلة في الهلاك.

(2/174)


وقال الزمخشري والضمير للدمدمة، أي سواها بينهم.
اللهم لا تسو هذه الأمة بإنزال
العذاب عليها بحرمة نبيها وشفيعها - صلى الله عليه وسلم -.
(دَعا) ورد على أوجه: العبادة: (ولا تَدْع مِنْ دون اللَهِ ما لا يَنْفَعكَ ولا
يَضرّك) .
والاستعانة: (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) .
والسؤال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .
والقول: (دَعْواهم فيها سبحانَك اللهم) .
والنداء: (يوم يدعوكم) .
والتسمية: (لا تَجْعَلوا دعاءَ الرسولِ بينكم) .
(دلوك الشمس) : هو زَوَالها إلى أن تغيب، والإشارة بهذا لصلاة الظُّهْرِ
والعَصْر.
(دريّ) - بضم الدال وتشديد الياء من غير همز، ولهذه
القراءة وجهان: إما أن ينسب الكوكب إلى الدُّرِّ، لبياضه وصفائه، أو يكون مسهّلاً من الهمز.
وقرئ بالهمز وكسر الدال وبالضم والهمز، وهو مشتق من
الدَّرْء بمعنى الدّفع.
وشبه الزّجاجة في إنارتها بكوكب دري، لأنها تضيء
بالصباح الذي فيها.
وحكى أبو القاسم شَيْذلة أنَّ معنى الدّري المضيء بالحبشية.
(دحُوراً) : أي طَرْداً وإهانة وإبعاداً، لأن الدَّحْر الدفع بعُنْف.
وإعرابه مفعول من أجله، أو مصدر من (يقذفون) على المعنى، أو
مصدر في موضع الحال، تقديره مدحورين.
(دُخَان) ، روي أنه كان العرش علي الماء، فأخرج الله من
الماء دخانا، فَارْتفَع فَوْقَ الماء، فأيبس الماء، فصار أرضاً، واشْتَدَّ يَبس الأرضِ، فصار حجرا، ثم خلق الله السماء فجعلها سبعة أجزاء، جزءاً منها ماء، وجزءاً قطرا، وجزءا حديداً، وجزءاً فضة، وجزءاً ذهباً، وجزءا لؤلؤاً، وجزءاً ياقوتاً أحمر، فخلق سماء الدنيا من الماء، ومن القِطر الثانية، والثالثة من الحديد، والرابعة من الفضة، والخامسة من الذهب، والسادسة من اللؤلؤ، والسابعة من الياقوت، ثم فتقها فجعل بين كل واحد منها مسيرة خمسمائة عام (1) .
__________
(1) كلام يفتقر إلى سند صحيح.

(2/175)


نكتة:
خلق من دخان واحد سَبْعَ سموات لا تشْبِة إحداها الأخْرَى.
وأعجب من هذا أنه أنزل من السماء ماءً فأحْيَا به الأرْضَ بعد موتها
فأخرج من قطرة المطر أنواع النَّبَات، بعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها
أخضر، وبعضها أسود، وبعضها حُلْو، وبعضها مرّ، قال تعالى: (ونفَضِّل
بَعْضَها على بَعْضٍ في الأكل) .
وأعجب مِنْ هذا نطفة وقعَتْ في رَحِم امرأةٍ فصيَّرها عَلَقة، وصيّر العَلقة
مضْغَةً، وخلق المضْغة عِظاماً، وخلَق من نطفة ذَكَراً، ومن أخرَى أنثى، ومن
نطفة مؤمناً، ومن أخرى كافراً، ومن نطفة صالحاً، ومن أخرى طالحاً، ومن
نطفة موفّقاً، ومن أخرى منافقاً، ومن نطفة موحِّداً، ومن أخرى معانداً، ومن نطفة سعيداً، ومن أخرى شقِياً، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) .
وأما قوله تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) .
ففيه قولان: أحدهما قول عليٍّ بن أبي طالب وابن عباس رضي الله
عنهما، إنَّ الدّخَان يكون قبل يَوْم القيامة يصيب المؤمِنَ منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين، وهو من أشراط الساعة.
وروى حذَيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنَّ أَوَّلَ الآيات الدخان ".
والثاني قول ابن مسعود: إنَّ الدخان عبارة عما أصاب قريشاً حين دعا عليهم رسول الله بالجَدْبِ، فكان الرجل يرى دخاناً بينه وبين السماء من شدة الجوع.
قال ابن مسعود: خَمْسٌ قد مَضَيْنَ: الدخان، واللِّزام، والبَطْشَة، والقمر.
والرّوم.
وقيل: إنه يقال للجدب دخان ليبس الأرض وارتفاع الغبَار.
فشبه ذلك بالدخان.
وربما وضَعَتِ العَرب الدخان في موضع الشرِّ إذا علَا، فتقول
كان بيننا أمرٌ ارتفع له دخان.
(دُسر) : مسامير، واحدها دسار.
وقيل: مقادم السفينة.
وقيل أضلاعها، والأول أشهر.
والدسار: أيضاً الشرط التي تشد بها السفينة.
(دُولة) - بالضم والفتح: ما يدول الإنسان، أي يدور عليه.

(2/176)


ويحتمل أن يكون من المداولة، أي كي لا يتداول ذلك المالَ الأغنيا بينهم.
وهو الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى، ويبْقَى الفقراء بلا شيء، وذلك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسّم أمْوَال بني النَّضِير على المهاجرين، فإنهم كانوا حينئذ فقراء.
ولم يُعط الأنصارَ منها شيئاً، لأنه كانوا أغنياء، فقال بعض
الأنصار: لنا سَهْمنا مِنْ هذا الفَيْء، فأنزل الله الآية.
ويقال الدُّولة في المال بالضم.
والدَّولة في الحرب بالفتح.
ومنه الحديث: إنهم يدَالون كما تنصرون.
ويقال الدولة - بالضم: اسم الشَّيْءِ الذي يتَداول بعينه.
والدَّولة بالفتح: الفعل.
(دِين) : له خمسة معان: الملة، والعادة، والجزاء، والحساب، والقهر.
قال تعالى: (إنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإسلام) .
(مالك يوم الدين) .
(ما كان ليَأخذَ أخاه في دِين الملك) ، أي في حكم الملك.
(وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)
(يومئذ يُوَفّيهم الله دِينَهم الحقَ) ، أي الحساب.
والدّين بمعنى الدينونة والمذهب، يقال دين فلان.
قال عليه السلام: " كما تَدِين تُدَان ".
(دُكَّت الأرْض) : أي دقّت جِبَالها حتى استوت مع وجه
الأرض.
(دِفْء) ، ما استدفىء به من جلود الأنعام وأصوافها من
الثياب.
(دِهَان) : جمع دهن.
وأما قوله تعالى: (فكانَتْ وَرْدَةً كالدهان) ، - فإنما شبّه السماءَ يوم القيامة به لأنها تذوب من شدة الهول.
وقد شبّه لمعانها بلمعان الدُّهن.
وقيل: إن الدّهن هو الجلد الأحمر.
(دينار) ، حكى الجواليقي وغيره أنه فارسي.
(دِهَاقا) : أي ملأى.
وقيل صافية، والأول أشهر.

(2/177)


(دونَ) : ترد ظرفاً نقيض فَوْق فلا تنصرف على المشهور.
وقيل: تنصرف، وبالوجهين قرئ: ومنا دون ذلك بالرفع والنصب.
وتَرِد اسماً بمعنى غير، نحو: (اتخَذوا مِنْ دونِه آلهةً) ، أي غيره.
وقال الزمخشري: معناه أدْنى مكان من الشيء، وتستعمل للتفاوت في الحال، نحو: زيد دون عمر، أي في الشرف والعلم.
واتّسع فيه فاستعمل في تجاوز حدٍّ إلى حد.
نحو: (أولياء من دون المؤمنين) ، أي لا تجاوزوا ولاية
المؤمنين إلى ولاية الكافرين.

(2/178)