معترك الأقران في إعجاز القرآن

 (حرف الهاء)
(هارون) :
شقيق موسى - عليهما السلام.
وقيل لأمه فقط، حكاهما الكرماني في عجائبه.
كان أطول منه، فصيحاً جدًّا، مات قبل موسى، وكان وُلد قبله بسنة.
وفي بعض أحاديث الإسراء:
" صعدت فيه إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون ونصفُ لحيته بيضاء ونصفها أسود، تكاد لحيته تضرب سُرَّته من طولها.
فقلت: يا جبريل، مَنْ هذا، قال: المحب في قومه هارون بن عمران ".
وذكر ابن مسكويه أن معنى هارون بالعبرانية المحب.
وقال ابن عباس: إنما سمي موسى لأنه ألقي بين شجر وماء، فالماء بالقبطية
مُو، والشجر سا.
وفي الصحيح أنه وصفه بآدم طوال.
فإن قلت: ما فائدة لُقْيَاه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهل كان لقاؤه
لأرواحهم، أو للأجساد مع الأرواح؟
فالجواب أن الله أسرى بأجسادهم ليراهُم - صلى الله عليه وسلم -، ويؤم بهم، ويتشرفون برؤيته.
ولما رأوا فَضْلَه وتَعْظيمَه في كتبهم طلبوا من الله أنْ يُريهم وجهه الكريم.
ولذا طلب موسى وعيسى أن يكونا من أمته.
(هود) :
له معنيان: بمعنى اليهود، ومنه: (كانوا هُودا) .
وهاد يهود في اللغة إذا تاب.
(والَّذِين هَادُوا) ، أي تهودوا، وصاروا يهوداً، من قوله: (هُدْنَا إليكَ) .
وهود: اسْمُ في قَوْم عاد، كان أشبهَ الناس بآدم.
وقال ابن مسعود: كان

(3/241)


رجلاً جَلْداً.
أخرجه في المستدرك.
وقال ابن هشام: اسمه عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح.
وقال غيره: الراجح أنه هود بن عبد اللَه بن رباح بن داود بن عاد
ابن عوص بن آدم بن سام بن نوح.
قال الجواليقي: هود: اليهود، أعجمي.
وحكى شيذلة وغيره أن معنى (هدْنا إليْك) تبْنَا إليك - بالعبرانية.
(هَدْي) :
بالهاء مفتوحة وإسكان الدال: ما يُهْدَى إلى الكعبة من البهائم، واحدته هَدْي وهَدْية.
(هاجروا) :
تركوا بلادهم وأموالهم حبًّا للَه ورسوله.
وفي الحديث: "المهاجِرُ مَنْ هجر ما نهى الله عنه".
(هار) :
مقلوب من هائر، أي ساقط، يقال هار البناء
وانْهَار وتَهَوَّر: سقط.
(هَمّت طائفةٌ منهم أنْ يُضِلُّوك) :
هم الذين جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُبَرئوا ابْنَ الأبَيْرق من السرقة، وهذه الآيات وإن كانت إنما نزلت بسبب سرقة لبعض الأنصار فهيَ أيضاً تتضمن أحكاماً غيرها.
(هَيْتَ لَكَ) :
أي هَلمَّ بالنبطية.
وقال الحسن: هي بالسريانية.
وقال عكرمة: بالحورانية.
وقال أبو زيد الأنصاري: هي بالعبرانية، وأصلها هيتلح، أي تعاله.
وقرئ بفتح الهاء وضمها وكسرها.
والمعنى في ذلك كلّه واحد، وحركة التاء للبناء.
وأما من قرأه بالهمز فهو فعل من تهيّأت، كقولك: جئْت.
لَمَّا قالت له هلم أَنا لكَ وأنت لي، فقال لها يوسف: أنت لزوجك وأنا لربي.
وكذلك أنت يا محمديّ يَدَّعِي إبليس أنكَ له ليدخلك معه في النار، فيقول:
تعال، أنت للنار وهو للعزيز الجبار، فعليك بشُكرِ مولاك، والرجوع إليه.
ليكون لك، ألا تَرى زليخا غلقت الأبواب كلَّها عليه لتصيب الخلوة معه.
فكذلك أنت غلق العلائق كلها من قلبك لتكونَ له خاصة، ولا يقدر إبليس

(3/242)


على الدخول فيه، لأنه لا يدخل إلا بيتاً ليس فيه حب المولى، وأما البيت الذي هو مشغوف بخالقه، فكيف يدخل فيه، والله يقول: (إنَّ عِبَادِي ليس لكَ عَليهم سُلْطان) .
وقال: (لا تدخلوا بيوتاً غَيْرَ بيوتكم حتى تَسْتَأنِسوا) .
ولا تغتر بحبّ وَليّ أو عالم، وتطمع أنْ يَشْفعَ فيك أَحد، فإن سَيِّدَ الأولين والآخرين لم يقدر على هداية أعمامه أو أحد من خَلْقه.
فكيف بغيره؟
وإذا كنت معه سبحانه فلا يقدر إبليس على إغوائك.
(وهَمَّ بها) :
الضمير لزليخا، وقد أكثر الناسُ الكلامَ في هذه الآية وألَّفوا
فيها تواليف، فلا تأخذ منها ما ذكره بعضهم من حل تكته وقعوده بين رِجليْها وغيره، بل هَمَّ بها إنما كانت خطرة له ولم يعزم، بل أقلع في الحال حتى محاها من قلبه لَمّا رأى برْهَانَ ربه.
وقد قدمنا أنَّ البرهان كان أنه رأى في الحائط مكتوب: (ولا تقْرَبوا
الزنى) .
وقيل تكلم صبي في المهد: يا يوسف، إن الله مطَّلِع عليك وإن لم تره.
وقيل: رأى صورةَ يعقوب على الجدار عاضًّا على أنامله من الغضب.
وقيل: إن زليخا ستَرَتْ صنما لها بديباج، فقال لها يوسف: لِمَ فعلت
هذا، فقالت: أنا أستحي منه.
فقال: أنت تستحين من صنم لا عَقْل له، فكيف لا أستحي أنا ممن خلقني! وقيل غير هذا.
والصحيح أن اللَهَ عصمه من المخالفة، واستغفر مما خطر له من الهم، فكتبت له حسنة.
ويقال: إن ثلاثة من الأنبياء رأوا ثلاثةَ أشياء، فازداد لهم بها ثلاثة: أولهم
إبراهيم رأى ملكوتَ السماوات والأرض فازداد له يقيناً.
ويوسف رأى برهان ربه فازداد عصمة.
ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أراه الله الإسراءَ فازداد به رؤية المولى.
قال تعالى: (ما كذبَ الفؤَاد ما رأى) .
(هذا للَه بِزَعْمِهم) .
أي بدَعْوَاهم وقولهم من غير دليل ولا شَرع.
وأكْثَر ما يقال الزَّعْم في الكذب.
وقرئ بضم الزاي وفتحها، وهما لغتان.

(3/243)


قال السهيلي: هم حيٌّ من خَوْلان يقال لهم الأديم كانوا يجعلون من
زروعهم وثمارهم ومن أنعامهم نصيباً لله ونصيباً لأصنامهم.
(هَوَاء) - بالمد: منخرمة لا تعِي شيئاً من شدة الجزَع.
فشبهها بالهواء في تفرغه من الأشياء.
ويحتمل أن يريد مضطربة في صدورهم، وقد قدمنا قول الزمخشري إن البيانيين يجعلونه استعارة، وإنه إشارة إلى ذهاب أفئدتهم وعدم انتفاعهم بها.
وهوى النفس - بالقصر: ما تحبه وتميل إليه.
ومنه: (ونَهَى النَّفْسَ عن الهوَى) .
والفعل منه بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع.
وهَوَى يَهْوي، بالفتح في الماضي والكسر في المضارع: وقع من علو.
ويقال أيضاً بمعنى الميل.
ومنه: (أفئدَة من الناسِ تَهْوِي إليهم) .
والهواء، بالمد والهمز: ما بين السماء والأرض.
(هؤلاء وهؤلاء من عَطَاءِ رَبِّكَ) :
الإشارة إلى الفريقين المتقدمين.
والعطاء: هو رزق الدنيا.
وقيل: من الطاعات لمن أراد الآخرة، ومن المعاصي لمن أراد الدنيا.
والأول أظهر.
(هَشِيماً) :
متفتّتا، ومنه سمي الرجل هاشماً.
(هَدًّا) ، أي انهداماً وسقوطاً إلى أسفل، وهو قَعْر جهنم.
(هَدَى) ، أي هدَى خَلْقَه إلى التوصل إلى العلم والهداية، فضلاً منه وإحساناً.
(همْسًا) :
هو الصوت الخفي، ويعني به صوت الأقدام إلى المحشر.
(هَضمًا) ، أي بَخْساً ونَقْصاً لحسناته، يقال هضمه
واهتضمه، إذا نقصه حقه.

(3/244)


(هاتوا بُرْهَانكم) :
تعجيز لهم، وهو من هاتَى يُهاتي، ولم يُنطق به.
وقيل: أصله أتوا، وأبدل من الهمزة هاء.
(هذا ذِكْر مَنْ مَعِيَ وذِكْر مَنْ قَبْلي) :
رد على المشركين.
والمعنى هذا الكتابُ الذي مَعِي والكتب التي من قبلي ليس فيها ما
يقتضي الإشراكَ بالله تعالى، بل كلّها متفقة على التوحيد.
(أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) :
لما كان الذكر بمدح وبذم ذكروا أن إبراهيم يذكر آلهتكم بالذم، دلت
على ذلك قرينة الحال، وهم بذكر الرحمن في موضع الحال.
أي كَيف ينكرون ذمّك لآلهتهم وهم يكفرون بالرحمن، فهو أحقّ بالملامة.
وقيل: معنى بِذِكْر الرحمن تسمية بهذا الاسم، لأنهم أنكروها، والأول أغرق في ضلالهم.
(هذه أُمَّتكم) .
أي مِلَّتكم ملةٌ واحدة، وهذا خطاب للناس كافة أو المعاصرين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
(هامِدَة) : يعني لا ثبات معها.
(همزَاتِ الشيَاطِين) :
يعني حركاتهم ونزغاتهم.
وقيل جنونهم، والأول أعم.
(هبَاءً) :
هي الأجرام التي لا تظهر إلا حين تدخل الشمس على وضع ضَيّق كالكوة.
وقد قدمنا أنه النور المتفرق، ومنه: (هَبَاءً مُنْبَثًّا) ، وهو ما سطع بيْن سنابك الخيل، من الْهَبْوَة، وهي الغبار.
(هَوناً) :
رُوَيداً، يعني أنهم يمشون بحلم ووَقار.
ويحتمل أن يكون وصف أخلاقهم في جميع أحوالهم، وعَبَّر بالمشي على الأرض عن جميع تصرفهم وحياتهم.

(3/245)


(هَضِيم) ، أي ليّن رطب.
يعني أن طَلْعها يثمر ويرطب.
(هؤلاء الذين أغْوَيْنَا) :
الإشارة إلى أتباعهم من الضعفاء.
فإن قلت: كيف الجمع بِين قولهم: (أغويناهم) وبين قولهم: (تَبَرّأنَا
إليك) ، فإنهم اعترفوا بإغوائهم وتبرءوا مع ذلك منهم؟
فالجواب أن إغواءهم لهم هو قولهم لهم بالشرك.
والمعنى أنَّا حملناهم على الشرْك كما حملنا أنْفسنا عليه، ولكن لم يكونوا يعبدونهم، وإنما كانوا يعبدون غيرهم من الأصنام وغيرها، فتبرأنَا إليكَ عن عبادتهم لها، فتحصّل من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم أغْوَوا الضعفاء وتبرَّءُوا من أن يكونوا هم آلهتهم، فلا تناقض في الكلام.
وقد قيل في الآية غير هذا مما هو تكلّف بعيد.
(هل لكم مِمَّا ملكت أيْمانُكم) :
هذا مثل مضروب، معناه أنكم أيها الناس لا يشارِككم عبيدكم في أموالكم، ولا يَسْعَوْنَ معكم في أحوالكم، فكذلك الله لا يشارِكه عَبِيده في ملكه، ولا يُمَاثِلُه أحد في ربوبيته.
فذكر حرف الاستفهام، ومعناه التقرير على النفي، ودخل فيه قوله: (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، أي لستم فيه سواء مع
عبيدكم، ولستم تخافونهم كما تَخَافون الأحرار مثلكم، لأن العبيد عندكم أقل من ذلك.
(هَلمَّ إلينا) .
هذا من قول المنافقين الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد، كانوا يقولون لقرابتهم وأخِلاّئهم من المنافقين: هَلمَّ إلى الجلوس معنا بالمدينة وتَرْك القِتال.
(هل يَنْظرونَ إلاَّ تَأوِيله) .
أي عاقبة أمره وما يؤول إليه من ظهور ما نطق من الوَعْد والوعيد.

(3/246)


(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) :
جاءت هذه القصة بلفظ الاستفهام تنبيهاً للمخاطب ودلالة على أنها من الأخبار العجيبة التي ينبغي أنْ يلقى البال لها.
(هذا أَخي له تسْع وتسعون نَعْجَةً) :
هذا من حكاية كلاَم أحَدِ الخصمين.
والأخوة هنا أخوة الدين.
ومنه الحديث: "إذا ضرب أحدكم أخاهَ فليجتنب الوَجْه".
والنّعجَة تقَعُ في اللغة على أنثى بَقر الوحش، وعلى أنثى الضأن، وهي هنا
عبارة عن المرأة (1) ، وكأنه لم يرِد الإفصاح بقصة داود مع امرأة أوريا، وإنما ضرب له المثل لينتبه.
(هذا ذكر)
الإشارة إلى ما تقدم في هذه السورة من ذِكرِ الأنبياء وقيل الإشارة إلى القرآن بجملته.
والأول أظهر، فكأن قوله (هذا ذكر) ختام للكلام المتقدم، ثم شرع
بعده في كلامٍ آخر كما يتم المؤلف باباً ثم يقول هذا باب، ثم يشرع في آخر.
(هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) ، تقديره: الأمْر هذا.
لما تمِ ذِكْر أهل الجنة ختمه بقوله: (هذا) ، ثم ابتدأ وَصْف أهل النار، ويعني بالطَاغِين الكفار.
(هذا فلْيَذُوقوه حَمِيمٌ) :
(هذا) مبتدأ وخبره (حميم) ، و (فليذوقوه) اعتراض بينهما.
(هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) :
هذه الآية تدل على رحمانية الله وتَرد على المشركين في عبادتهم الأَصنام.
وسبَبها أنهم خوَّفوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - منها فنزلت الآية مبينةً أنهم لا قدرة لهم.
فإن قلت: كيف قال كاشفات وممْسكات بالتأنيث؟
فالجواب: أنها لا تعقل فعامَلَها معاملةَ المؤنث.
وأيضاً ففي تأنيثها تحقير لها وتهكم بمن عَبدها.
__________
(1) كلام لا يصح، ولا يصح ما ترتَّب عليه من قصص وأباطيل وإسرائيليات منكرة ذُكرت في شأن نبيِّ الله داوود - عليه السلام.

(3/247)


(هَذه أبداً) :
هو قَوْلُ الوليد بن المغيرة، وأنكر بقوله أنْ يكونَ الله تفضَّل عليه.
وهذا إنكار للبعث، لقوله بعده: (وما أظنّ الساعةَ قائمة) .
ومعناه إن بعثت على زعمكم فلي الجنة، وهذا تَخَرّص
وتكبر من الوليد.
(هذه الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) :
هذا من قول فرعون، ويعني بالأنهار الخلجان الكبار الخارجة من تحت النيل، وكانت تجري تحت قصوره.
وقد قدمنا أنها أنهار الإسكندرية ودمياط وتنيس، وطولون.
(هذا إِفْكٌ قَدِيم) :
هذا من قول مَنْ لم يَهْتَدِ بالقرآن، ووصفوه بالقِدَم لأنه قد قيل قديماً.
فإن قلت: كيف عَمِل (فسيقُولون) في (إذ) وهي للماضي، والعامل
مستقبل؟
فالجواب أنَّ العامل في إذ محذوف تقديره إذ لم يهتدوا به من عنادهم
فسيقولون، قال ذلك الزمخشري.
ويظهر لي أنَّ إذْ هنا بمعنى التعليل في القرآن وفي كلام العرب، ومنه: (ولن يَنْفَعكم اليومَ إذْ ظَلمتم) .
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) :
خاطب بها المنافقين المذكورين، وخرج من الغيبة إلى الخطاب، ليكون أَبلغ في التوبيخ، ومعناها هل يُتَوقَّع منكم إلا فساد في الأرض، وقَطْعُ
الأرحام.
(إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أي صرتم ولاةً على الناس، وصار الأمْر لكم، وعلى هذا
قيل: إنها نزلت في بني أمية.
وقيل معناه: أعرضتم عن الإسلام.
(ها أنتم هؤلاء) :
منصوب على التخصيص، أَو منادى: ناداهم إلى الإيمان بالله والإنفاق في سبيله.
(هذَا ما لدَيَّ عَتِيد) :
قد قدمنا أنه مِنْ قول القَرِين، ومعناه هذا الإنسان حاضر لدي قد أَعْتَدْتُه ويسَّرْته لجهنم.

(3/248)


(هل مِنْ مزيد) :
اختلف هل تتككم جهنم بهذا، أو مجاز بلسان الحال.
والأظهر أَنه حقيقة، وذلك على الله يسير، ومَعْنى طلب زيادنها أنها لم
تمتَلئ.
وقيل معناه لا مزيد، أَي ليس عندي موضع للزيادة، فهي على هذا قد
امتلأت.
والأول أظهر وأرجح، لما ورد في الحديث:
" لا تزال جهنّم يُلْقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يضع الجبَّار فيها قَدَمه ".
أي خَلْقاً سماه القَدم، أو قدرته، لأن الجارحة تستحيل في حق الله سبحانه.
وقيل: إن الخطاب من خزَنتها.
والمزيدُ يحتمل أن يكون مصدراً كالمحيض، أو اسم مفعول، فإن كان
مصدراً فوَزْنُه مفعل، وإن كان اسم مفعول فوزنه مفعول.
(هذا ما تُوعدون لكل أوابٍ حفيظ) :
هذا من كلام الله يحتمل أن يقوله لأهل الجنة عند إزْلاَفِها، كما قال في الآية الأخرى: (هذا يومكم الذي كنْتم توعَدون) .
ويحتمل أن يكون خطاباً لهذه الأمة.
والأوَّاب الحفيظ: هو الذي يمتثل أمْرَ الله، ويترك نَوَاهيه.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) :
المراد بهذا الاستفهام التفخيم والتهويل، ووصفَهم بالْمكْرَمين لأن الملائكة مكرمون، أو لأنه خدمهم بنفسه أَو أخْدَمهم امرأته.
(هذا نَذِير من النّذُر الأولى) :
قد قدمنا أنَّ الإشارةَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرف النون.
(هَمًاز) :
هو الذي يعيبُ الناسَ.
وأصل الهمْز الغَمْز.
وقيل لبعض العرب: الفأرة تهمز، فقال: السنور يهمزها.
(هل ترى لهم مِنْ باقِيَة) ، أي من بقية.
وقيل: من فئة باقية.
وقيل: إنه مصدر بمعنى البقاء.
(هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) :
هاؤم اسم فعل.

(3/249)


قال ابن عطية: تعالوا.
وقال الزمخشري: هو صوت يُفْهم منه معنى خذْ.
و (كتابيه) مفعول يطلبه (هاؤم) ، و (اقرَءُوا) من طريق المعنى، تقديره هاؤم كتابي اقرءوا كتابي، ثم حذف الأول لدلالة الأخير عليه، وعمل فيه العامل الثاني، وهو (اقرَءُوا) عند البصريين.
والعامل الأول وهو (هاؤم) عند الكوفيين.
والدليلُ على صحة قول البصريين أنه لو أعمل الأول لقال اقرءوه.
والهاء في (كتابيه للوقف) ، وكذلك في (حسابيه) ، و (ماليه) .
و (سلطانيه) ، وكان الأصل أنْ تسقط في الوصل لكنها ثبتت فيه مراعاة لخط
المصحف.
وقد أسقطها في الوصل بعضُهم.
ومعنى الآية أن العبد الذي يُعطَى كتابه بيمينه يقول للناس: اقْرَءُوا كتابيه على وجه الاستبشار والسرور بكتابه.
(هلك عني سلطانيه) :
هذا مِنْ قول الشقيّ، يقول: زال عني ملكي وقدْرتي حين يعاين العذابَ.
وقيل: ذهبت عني حجّتي.
ومنه قوله: (ما أنْزَلَ الله بها مِنْ سُلْطان) .
(هَلُوعًا) :
قد فسره، وهو قوله: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) .
وذكر الله ذلك على وَجْه الذم لهذا الخلق، ولذلك استثنى منه الْمصَلِّين، لأن صلاتهم تَخضُّهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شَرّها ولا يبخلون بخيرها.
(هَزْل) :
لعب ولهو، يعني أن هذا القرآن جدّ كله لا هَزْل فيه.
(هُدًى) :
بضم الهاء: له سبعة وعشرون وجهاً:
بمعنى الثبات: (اهْدِنا الصر اطَ المستقيم) .
والبيان: (أولئك على هدًى من ربهم) .
والدين: (إنَّ الْهدَى هُدَى الله) .
والإيمان: (ويزيد اللَّهُ الذين اهتدوا هدى) .
والدعاء: (ولكل قومٍ هاد) ، (وجعلناهم أئمةً يَهْدون بأمرنا) .
وبمعنى الرسل والكتاب: (فإمَّا يأتِيَنَّكم مني هُدًى) .
والمعرفة: (وبالنجم هم يَهتَدون) ا.
والنبي - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) .

(3/250)


وبمعنى القرآن: (ولقد جاءهم من رَبِّهم الهدَى) .
والتوراة: (ولقد آتينا موسى الهدى) .
والاسترجاع: (وأولئك هم الْمهْتَدون) .
والحجة: (ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ) .
ثم قال بعده: (والله لا يَهْدي القوم الظالمين) ، أي لا يهديهم حجة.
والتوحيد: (نتبع الْهدَى معك نتَخَطّف من أرضنا) .
والسنة: (فبِهدَاهم اقْتَدِه) .
(وإنا على آثارهم مهْتَدون) .
والإصلاح (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) .
والإلهام: (أَعطى كل شيء خَلْقَة ثم هَدى) ، أي ألْهم المعايش.
والتوبة: (إنا هُدْنا إليك) .
والإرشاد: (أنْ يَهْديني سواءَ السبيل) .
(هُون) :
هَوَان وذِلة.
(هجر) :
من الهجران.
وبمعنى الْفجر أيضاً، وهو فحش الكلام، وقد يقال في هذا أهجر بالألف.
(همْ نَجْوى) :
الإشارة إلى الذين لا يؤمنون بالآخرة، يعني أنهم جماعة يتناجَوْنَ، فأخبر الله أنه يعلم ما يتناجون به.
(هنالك الوَلاَيةِ للَهِ الحقِّ) :
ظرف يحتمل أن يكون العامل فيه منتصراً، أو يكون في موضع خبر الولاية، وهي بكسر الواو بمعنى الرياسة والملك، وبفتحها من الموالاة والمودة.
(هُدُوا إلى الطيِّبِ من القولِ) :
هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، واللفظ أعمَّ من ذلك، (وصراط الحميد) : صر اط الله، فالحميد: اسْم الله.
ويحتمل ان يريد الصراط الحميد، وأضاف الصفة إلى الموصوف، كقوله: مسجد الجامع.
(هو أُذُن) .
أي يسمع كلّ ما يقال له ويصدّقه، وكانوا يؤْذون بهذا القول سيدنا ومولانا محمداً - صلى الله عليه وسلم.

(3/251)


(هُمزَة) :
هو على الجملة الذي يَعِيبُ الناس ويأكل أَعراضهم، واشتقاقه من الهمْز واللّمْز، وصيغة فُعَلَة للمبالغة.
واختلف في الفرق بين الكلمتين، فقيل: الْهَمْز في الحضور، واللمز في الغيبة، وقيل بالعكس.
وقيل الهمز بالعين واليد، واللمز باللسان.
وقيل هما سواء.
ونزلت السورةُ في الأخنس بن شَرِيق، لأنه كان كثير الوقيعة في الناس.
ولَفْظُها مع ذلك على العموم في كلّ مَنِ اتّصف بهذه الصفات.
(الهاء) :
اسم ضمير غائب يستعمل في الجر والنصب، نحو: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) .
وحرف للغيبة، وهو اللاحق لإيَّا.
وللسكت، نحو: (ماهِيَهْ) ، (كِتَابيهْ) ، (حِسَابيه) ، (ماليه) ، (سُلْطَانِيَه) .
(لم يَتَسَنّهْ) .
وقرئ بها في أواخرها آي الجمع، كما تقدم وَقْفا.
(ها)
ترِد اسْمَ فعل بمعنى خذ، ويجوز مَدُّ ألفه فيتصرف حينئذ للمثنى
والجمع، نحو: (هاؤُم اقرءوا كتابيه) .
وَاسْماً ضميراً للمؤنث، نحو (فأَلْهَمَهَا فجورَها وتَقْواها) .
وحرف تنبيه، فتدخل على الإشارة، نحو هؤلاء، (هذان خَصْمَان) .
ها هنا.
وعلى ضمير الرفع، نحو: (ها أنتم أُوْلاء) .
وعلى نعت أي في النداء، نحو: (يا أيها الناس) .
ويجوز في لغة أسد حذف ألف هذه وضمها إتباعاً، وعليه قراءة:
(أَيُّهُ الثقلان) (1) .
(هات) :
فعل أمْر لا يتصرف، ومِنْ ثم ادَّعَى بعضهم أنه اسم فعل.
(هل) :
حرف استفهام يُطلب به التصديق دون التصور، ولا يدخل على
مَنْفِيّ ولا شرط، ولا أَن، ولا اسم بعده فعل غالباً، ولا عاطف.
__________
(1) بضم الهاء من (أَيُّهُ) وَصْلاً، وهي قراءة ابن عامر. انظر (إتحاف فضلاء البشر. ص: 527)

(3/252)


قال ابن سيده: ولا يكون الفعل معها إلا مستقبلا، ورُدَّ بقوله: (فهَلْ
وجدْتُم ما وَعَد رَبُّكم حَقَّا) .
وترد بمعنى " قد "، وبه فُسر: (هَلْ أتى على الإنسان) .
وبمعنى النفي، نحو: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) .
وقد قدمنا في معاني الاستفهام مباحث غير هذَا.
(هَلُمَّ) :
دعاء إلى الشيء، وفيه قولان:
أحدهما أن أصله " ها ولمّ " من قولك: لممتُ الشيء، أي أصلحته.
فحذفت الألف وركب.
وقيل أصله هل أم، كأنه قيل: هل لك في كذا، أمَّه.
أي اقصده فركَّبا.
ولغة الحجاز تركه على حاله في التثنية والجمع، وبها ورد
القرآن، ولغة تميم إلحاقه العلامة.
(هنا) :
اسم ئشار به للمكان القريب، نحو: (إنا ها هنا قَاعِدون) .
وتدخل عليه اللام والكاف فيكون للبعيد، نحو: (هنالِكَ ابْتُلِي المؤمنون) ، وقد يُشارُ به للزمان اتساعاً، وخُرِّج عليه: (هنَالكَ تبْلو كلَّ نفس ما أسلفَتْ) .
(هنالك دَعَا زَكَريا رَبَّه) .
(هَيت) :
اسم فعل بمعنى أسرع وبادِرْ، قاله في المحتسب.
(هيهات) :
اسم فعل بمعنى بَعُد، قال تعالى: (هيهات هيهات لما توعَدون) ، البعْد لما توعدون، قاله الزجاج.
وقيل: وهذا غلط أوقعه فيه اللام، فإن تقديره بَعد الأمر لما توعدون، أي لأجله.
وأحسن منه أن اللام لتبيين الفاعل، وفيها لغات، قرئ منها بالفتح، وبالضم
وبالخفض مع التنوين في الثلاثة وعدمه.

(3/253)