الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الإسراء
مائة واحدى عشر آية مكية
{سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأٌّقْصَى الَّذِى
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءْايَتِنَآ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ * وَءَاتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَبَ
وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ
مِن دُونِى وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ
إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}
{وأسرى} بمعنى سرى وليست الهمزة فيه للتعدية وعدّيا بالباء ولا
يلزم من تعديته بالباء المشاركة في الفعل، بل المعنى جعله يسرى
لأن السرى يدل على الانتقال كمشى وجرى وهو مستحيل على الله
تعالى، فهو كقوله: {لذهب بسمعهم} أي لأذهب سمعهم، فأسرى وسرى
على هذا كسقى وأسقى إذا كانا بمعنى واحد، ولذلك قال المفسرون
معناه سرى بعبده. وقال ابن عطية: ويظهران {أسرى} معداة بالهمزة
إلى مفعول محذوف تقديره أسرى الملائكة بعبده.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون أسرى بمعنى
سرى على حذف مضاف كنحو قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم} يعني أن
يكون التقدير لسرت ملائكته بعبده، فحذف المضاف وأقيم المضاف
إليه مقامه، وهذا مبني على اعتقاد أنه يلزم المشاركة والباء
للتعدية وأيضاً فموارد القرآن في فأسر بقطع الهمزة ووصلها
يقتضي أنهما بمعنى واحد، ألا ترى أن قوله: {فأسر بأهلك} {وأن
أسْرِ بعبادي} قرىء بالقطع والوصل، ويبعد مع القطع تقدير مفعول
محذوف إذ لم يصرح به في موضع، فيستدل بالمصرح على المحذوف.
انتصب ليلاً على الظرف
وقال ابن عطية: عطف قوله وآتينا على ما في قوله أسرى بعبده من
تقدير الخبر كأنه قال: أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا وآتينا.
وقال العكبري وآتينا معطوف على أسرى انتهى.
ويجوز أن تكون أن تفسيرية ولا نهي وأن تكون مصدرية تعليلاً أي
لأن لا يتخذوا ولا نفي، ولا يجوز أن تكون أن زائدة ويكون لا
تتخذوا معمولاً لقول محذوف خلافاً لمجوز ذلك إذ ليس من مواضع
زيادة أن.
وانتصب {ذرية} على النداء أي يا ذرّية أو على البدل من وكيلاً،
أو على المفعول الثاني ليتخذوا ووكيلاً وفي معنى الجمع أي لا
يتخذوا وكلاء ذرية، أو على إضمار أعني. وقرأت فرقة ذرية بالرفع
وخرج على أن يكون بدلاً من الضمير في يتخذوا على قراءة من قرأ
بياء الغيبة. وقال ابن عطية: ولا يجوز في القراءة بالتاء لأنك
لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت ضربتك زيداً على البدل لم يجز
انتهى. وما ذكره من إطلاق إنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى
تفصيل، وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا
خلاف، وإن كان في بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وإن كان يفيد
التوكيد جاز بلا خلاف، نحو: مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم
يفد التوكيد، فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش
والكوفيين الجواز وهو الصحيح لوجود ذلك في كلام العرب، وقد
استدللنا على صحية ذلك في شرح كتاب التسهيل.
{وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِى إِسْرَءِيلَ فِى
الْكِتَبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الأٌّرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ
أُولَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُوْلِى
بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا
مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ
نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأًّنفُسِكُمْ وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأٌّخِرَةِ
لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا
دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ
تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ
عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ
حَصِيرًا * إِنَّ}
{قضى} يتعدّى بنفسه إلى مفعول كقوله: {فلما قضى موسى الأجل}
ولما ضمن هنا معنى الإيحاء أو الإنفاذ تعدّى بإلى
واللام في {لتفسدن} جواب قسم، فإما أن يقدر محذوفاً ويكون
متعلق القضاء محذوفاً تقديره وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم
في الأرض وعلوهم، ثم أقسم على وقوع ذلك وأنه كائن لا محالة،
فحذف متعلق قضينا وأبقى منصوب القسم المحذوف. ويجوز أن يكون
قضينا أجري مجرى القسم ولتفسدنّ جوابه.
وقرأ زيد بن علي علياً كبيراً في الموضعين بكسر اللام والياء
المشدّدة. وقراءة الجمهور {علواً} والصحيح في فعول المصدر أكثر
كقوله: {وعتوا عتواً كبيراً} بخلاف الجمع، فإن الإعلال فيه هو
المقيس وشذ التصحيح نحو نهو ونهوّ خلافاً فاللفراء إذ جعل ذلك
قياساً.
جواب وإن أسأتم قوله: {فلها} على حذف مبتدأ
محذوف ولها خبره تقديره فالإساءة لها. قال الكرماني: جاء فلها
باللام ازدواجاً انتهى. يعني أنه قابل قوله لأنفسكم بقوله
فلها. وقال الطبري: اللام بمعنى إلى أي فإليها ترجع الإساءة.
وقيل اللام بمعنى على أي فعليها كما في قوله:
فخر صريعاً لليدين وللقم
واللام في {وليدخلوا} لام كي معطوفاً على ما قبلها من لام كي،
ومن قرأ بلام الأمر أو بلام القسم جاز أن يكون وليدخلوا وما
بعدها أمراً، وجاز أن تكون لام كي أي وبعثناهم ليدخلوا.
والظاهر أن {ما} مفعولة بيتبروا أي يهلكوا ما غلبوا عليه من
الأقطار، ويحتمل أن تكون ما ظرفية أي مدة استيلائهم.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وأَنَّ
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأٌّخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا * وَيَدْعُ الإِنْسَنُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ
بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَنُ عَجُولاً * وَجَعَلْنَا
الَّيْلَ وَالنَّهَارَءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَآءَايَةَ الَّيْلِ
وَجَعَلْنَآءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ
فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً *
وَكُلَّ إِنْسَنٍ أَلْزَمْنَهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ كِتَابًا يَلْقَهُ
مَنْشُوراً * اقْرَأْ كَتَبَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدى
لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * وَإِذَآ}
و {أقوم} هنا أفعل التفضيل على قول الزجاج
إذ قدر أقوم الحالات وقدره غيره أقوم مما عداها أو من كل حال،
والذي يظهر من حيث المعنى أن {أقوم} هنا لا يراد بها التفضيل
إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة
غيرها، وفضلت هذه عليها وإنما المعنى التي هي قيمة أي مستقيمة
كما قال: {وذلك دين القيمة} .
{وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة} عطف على قوله: {أن لهم أجراً
كبيراً} .
والظاهر أن {الليل والنهار} مفعول أول لجعل بمعنى صير، و
{آيتين} ثاني المفعولين.
وقيل: هو على حذف مضاف فقدره بعضهم وجعلنا نيري الليل والنهار
آيتين، وقدّره بعضهم و: جعلنا ذوي الليل والنهار أي صاحبي
الليل والنهار، وعلى كلا التقديرين يراد به الشمس والقمر،
ويظهر أن {آيتين} هو المفعول الأول، و {الليل والنهار} ظرفان
في موضع المفعول الثاني، أي وجعلنا في الليل والنهار آيتين.
وقال الكرماني: ليس جعل هنا بمعنى صير لأن ذلك يقتضي حالة
تقدّمت نقل الشيء عنها إلى حالة أخرى، ولا بمعنى سمى وحكم.
وقيل: معنى {مبصرة} مضيئة. وقيل: هو من باب أفعل، والمراد به
غير من أسند أفعل إليه كقولهم: أجبن الرجل إذا كان أهله جبناء،
وأضعف إذا كان دوابه ضعافاً فأبصرت الآية إذا كان أصحابها
بصراء.
والظاهر أن نصب {وكل شيء} على الاشتغال، وكان ذلك أرجح من
الرفع لسبق الجملة الفعلية في قوله: {وجعلنا الليل والنهار}
وأبعد من ذهب إلى أن {وكل شيء} معطوف على قوله: {والحساب} .
يلقاه و {منشوراً} صفتان لكتاب، ويجوز أن يكون {منشوراً} حالاً
من مفعول يلقاه {اقرأ كتابك} معمول لقول محذوف أي يقال له:
{اقرأ كتابك} .
و {بنفسيك} فاعل {كفى} انتهى. وهذا مذهب الجمهور والباء زائدة
على سبيل الجواز لا اللزوم، ويدل عليه أنه إذا حذفت ارتفع ذلك
الاسم بكفى. قال الشاعر.
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً
وقال الآخر:
ويخبرني عن غائب المرء هديهكفى الهدي عما
غيب المرء مخبرا وقيل: فاعل {كفى} ضمير يعود على الاكتفاء، أي
كفى هو أي الاكتفاء بنفسك. وقيل: {كفى} اسم فعل بمعنى اكتف،
والفاعل مضمر يعود على المخاطب، وعلى هذين القولين لا تكون
الباء زائدة. وإذا فرعنا على قول الجمهور أن {بنفسك} هو فاعل
{كفى} فكان القياس أن تدخل تاء التأنيث لتأنيث الفاعل، فكان
يكون التركيب كفت بنفسك كما تلحق مع زيادة من في الفاعل إذا
كان مؤنثاً، كقوله تعالى: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها}
وقوله: {وما تأتيهم من آية} ولا نحفظه جاء التأنيث في كفى إذا
كان الفاعل مؤنثاً مجروراً بالباء.
{واليوم} منصوب بكفى و {عليك} متعلق بحسيباً.
وقال الكلبي: محاسباً يعني فعيلاً بمعنى مفاعل كجليس وخليط.
وقيل: حاسباً كضريب القداح أي ضاربها، وصريم بمعنى صارم يعني
أنه بناء مبالغة كرحيم وحفيظ.
وقال الأنباري: وإنما قال {حسيباً} والنفس مؤنثة لأنه يعني
بالنفس الشخص، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس، فشبهت
بالسماء والأرض قال تعالى: {السماء منفطر به} . وقال الشاعر:
ولا أرض أبقل ابقالها
{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا
الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا
مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ
عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا * مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَجِلَةَ
عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ
جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا *
وَمَنْ أَرَادَ الأٌّخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ
نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا
كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلأٌّخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ
إِلَهًاءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً * وَقَضَى}
وقال الحوفي: {من بعد نوح} من الثانية بدل من الأولى انتهى.
وهذا ليس بجيد. وقال ابن عطية: هذه الباء يعني في {وكفى بربك}
إنما تجيء في الأغلب ف يمدح أو ذم انتهى.
و {جلعنا} بمعنى صيرنا، والمفعول الأول {جهنم} والثاني له لأنه
ينعقد منهما مبتدأ وخبر، فنقول: جهنم للكافرين كما قال هؤلاء
للنار وهؤلاء للجنة و {يصلاها} حال من جهنم. وقال أبو البقاء:
أو من الضمير الذي في {له} . وقال صاحب الغنيان: مفعول {جعلنا}
الثاني محذوف تقديره مصيراً أو جزاءً انتهى.
والظاهر أن {انظر} بصرته لأن التفاوت في الدنيا مشاهد {وكيف}
في موضع نصب بعد حذف حرف الجر، لأن نظر يتعدى به.
وانتصب {مذموماً مخذولاً} على الحال، وعند
الفراء والزمخشري على أنه خبر لتقعد كلا لمذكرين مثنى معنى
اتفاقاً مفرداً لفظاً عند البصريين على وزن فعل كمعي فلامه ألف
منقلبة عن واو عند الأكثر، مثنى لفظاً عند الكوفيين، وتبعهم
السهيلي فألفه للتثنية لا أصل ولامه لام محذوفة عند السهيلي
ولا نص عن الكوفيين فيها، ويحتمل أن تكون موضوعة على حرفين على
أصل مذهبهم، ولا تنفك عن الإضافة وإن أضيف إلى مظهر فألفه
ثابتة مطلقاً في مشهور اللغات، وكنانة تجعله كمشهور المثنى أو
إلى مضمر، فالمشهور قلب ألفه ياء نصباً وجراً، والذي يضاف إليه
مثنى أو ما في معناه. وجاء التفريق في الشعر مضافاً فالظاهر
وحفظ الكوفيون كلاي وكلاك قاماً ويستعمل تابعاً توكيداً ومبتدأ
ومنصوباً ومجروراً، ويخبر عنه إخبار المفرد فصيحاً، وربما وجب،
وإخبار المثنى قليلاً وربما وجب.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ إِيَّهُ وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَناً إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا
فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِى صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى
نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَلِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ
لِلأٌّوَّابِينَ غَفُوراً * وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ
وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا
* إِنَّ الْمُبَذرِينَ كَانُواْ إِخْوَنَ الشَّيَطِينِ وَكَانَ
الشَّيْطَنُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ
عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل
لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا * وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ
خَبِيرًا بَصِيرًا * وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ
كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً * وَلاَ تَقْتُلُواْ
النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن
قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَناً
فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا *
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ
إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا
كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً * وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً * وَلاَ تَمْشِ فِى
الأٌّرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأٌّرْضَ وَلَن
تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ
عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ
رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًاءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا
* أَفَأَصْفَكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ
الْمَلَئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً
عَظِيمًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَذَا الْقُرْءَانِ
لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * قُلْ
لَّوْ كَانَ مَعَهُءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا
لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَوَتُ السَّبْعُ وَالأٌّرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن
مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأٌّخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا
* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ
وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى
الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَرِهِمْ نُفُوراً
* نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ
الظَّلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا *
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأٌّمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ
يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً * وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَماً
وَرُفَتاً أَءِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}
{
أف} اسم فعل بمعنى أتضجر ولم يأت اسم فعل بمعنى المضارع إلاّ
قليلاً نحو: أف وأوه بمعنى أتوجع، وكان قياسه أن لا يبنى لأنه
لم يقع موقع المبني.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّهُ
وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ
أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا *
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل
رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَلِحِينَ
فَإِنَّهُ كَانَ لِلأٌّوَّابِينَ غَفُوراً}
وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل: وقضاء ربك مصدر {قضى} مرفوعاً على
الابتداء و {أن لا تعبدوا} الخبر.
قال الحوفي: الباء متعلقة بقضى، ويجوز أن تكون متعلقة بفعل
محذوف تقديره وأوصى {بالوالدين إحساناً} و {إحساناً} مصدر أي
تحسنوا إحساناً. وقال ابن عطية: قوله {وبالوالدين إحساناً} عطف
على أن الأولى أي أمر الله {أن لا تعبدوا إلا إياه} وأن تحسنوا
{بالوالدين إحساناً} .
وقال الزمخشري: لا يجوز أن تتعلق الباء في {بالوالدين}
بالإحسان لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته. وقال الواحدي في
البسيط: الباء في قوله {بالوالدين} من صلة الإحسان، وقدمت عليه
كما تقول: بزيد فامرر، انتهى. وأحسن وأساء يتعدى بإلى وبالباء
قال تعالى: {وقد أحسن بي} وقال الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
وكأنه تضمن أحسن معنى لطف، فعدّي بالباء و
{إحساناً} إن كان مصدراً ينحل لأن والفعل فلا يجوز تقديم
متعلقه به، وإن كان بمعنى أحسنوا فيكون بدلاً من اللفظ بالفعل
نحو ضربا زيداً، فيجوز تقديم معموله عليه، والذي نختاره أن
تكون {أن} حرف تفسير و {لا تعبدوا} نهي و {إحساناً} مصدر بمعنى
الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما عطف في:
يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وقال الزمخشري: {إما} هي الشرطية زيدت عليها ما توكيداً لها،
ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل، ولو أفردت لم يصح دخولها
لا تقول أن تكرمنّ زيداً يكرمك، ولكن إما تكرمنه انتهى. وهذا
الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه لأن مذهبه أنه يجوز أن يجمع بين
إما ونون التوكيد، وأن يأتي بأن وحدها ونون التوكيد، وأن يأتي
بإما وحدها دون نون التوكيد. وقال سيبويه في هذه المسألة: وإن
شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجيء بما يعني مع النون
وعدمها، وعندك ظرف معمول ليبلغن، ومعنى العندية هنا أنهما
يكونان عنده في بيته وفي كنفه لا كافل لهما غيره لكبرهما
وعجزهما، ولكونهما كلاً عليه وأحدهما فاعل {يبلغن} و {أو
كلاهما} معطوف على {أحدهما} .
وقرأ الأخوان: إما يبلغان بألف التثنية
ونون التوكيد المشدّدة وهي قراءة السلمي وابن وثاب وطلحة
والأعمش والجحدري. فقيل الألف علامة تثنية لا ضمير على لغة
أكلوني البراغيث، وأحدهما فاعل و {أو كلاهما} عطف عليه، وهذا
لا يجوز لأن شرط الفاعل في الفعل الذي لحقته علامة التثنية أن
يكون مسند المثنى أو معرف بالعطف بالواو، ونحو قاما أخواك أو
قاما زيد وعمرو على خلاف في هذا الأخير هل يجوز أو لا يجوز،
والصحيح جوازه و {أحدهما} ليس مثنى ولا هو معرف بالعطف بالواو
مع مفرد. وقيل: الألف ضمير الوالدين و {أحدهما} بدل من الضمير
و {كلاهما} عطف على {أحدهما} والمعطوف على البدل بدل. وقال
الزمخشري. فإن قلت: لو قيل إما يبلغان {كلاهما} كان {كلاهما}
توكيداً لا بدلاً، فمالك زعمت أنه بدل؟ قلت: لأنه معطوف على ما
لا يصح أن يكون توكيداً للأثنين فانتظم في حكمه فوجب أن يكون
مثله. فإن قلت: ما ضرك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه
بدلاً وعطفت التوكيد على البدل؟ قلت: لو أريد توكيد التثنية
لقيل {كلاهما} فحسب فلما قيل {أحدهما أو كلاهما} علم أن
التوكيد غير مراد فكان بدلاً مثل الأول. وقال ابن عطية: وعلى
هذه القراءة الثالثة يعني يبلغانّ يكون قوله {أحدهما} بدلاً من
الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم كقول الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحةوأخرى رمى فيها
الزمان فشلت انتهى. ويلزم من قوله أن يكون {كلاهما} معطوفاً
على {أحدهما} وهو بدل، والمعطوف على البدل بدل، والبدل مشكل
لأنه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه بدلاً، وإذا جعلت {أحدهما}
بدلاً من الضمير فلا يكون إلاّ بدل بعض من كل، وإذا عطفت عليه
{كلاهما} فلا جائز أن يكون بدل بعض من كل، لأن {كلاهما} مرادف
للضمير من حيث التثنية، فلا يكون بدل بعض من كل، ولا جائز أن
يكون بدل كل من كل لأن المستفاد من الضمير التثنية وهو
المستفاد من {كلاهما} فلم يفد البدل زيادة على المبدل منه.
وأما قول ابن عطية وهو بدل مقسم كقول الشاعر:
وكنت كذي رجلين البيت
فليس من بدل التقسيم لأن شرط ذلك العطف بالواو، وأيضاً فالبدل
المقسم لا يصدق المبدل فيه على أحد قسميه، و {كلاهما} يصدق
عليه الضمير وهو المبدل منه، فليس من المقسم. ونقل عن أبي علي
أن {كلاهما} توكيد وهذا لا يتم إلاّ بأن يعرب {أحدهما} بدل بعض
من كل، ويضمر بعده فعل رافع الضمير، ويكون {كلاهما} توكيداً
لذلك الضمير، والتقدير أو يبلغا {كلاهما} وفيه حذف المؤكد. وقد
أجازه سيبويه والخليل قال: مررت بزيد وإياي أخوه أنفسهما
بالرفع والنصب، الرفع على تقديرهما صاحباي أنفسهما، والنصف على
تقدير أعينهما أنفسهما، إلاّ أن المنقول عن أبي علي وابن جنيّ
والأخفش قبلهما أنه لا يجوز حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه،
والذي نختاره أن يكون {أحدهما} بدلاً من الضمير و {كلاهما}
مرفوع بفعل محذوف تقديره أو يبلغ {كلاهما} فيكون من عطف الجمل
لا من عطف المفردات، وصار المعنى أن يبلغ أحد الوالدين أو يبلغ
{كلاهما} {عندك الكبر} . وجواب الشرط {فلا تقل لهما أف} .
والظاهر أن الكاف في {كما} للتعليل أي {رب
ارحمهما} لتربيتهما لي وجزاء على إحسانهما إليّ حالة الصغر
والافتقار. وقال الحوفي: الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف
تقديره رحمة مثل تربيتي صغيراً.
وقال أبو البقاء: {كما} نعت لمصدر محذوف أي رحمة مثل رحمتهما.
{وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذرِينَ
كَانُواْ إِخْوَنَ الشَّيَطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَنُ لِرَبِّهِ
كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ
مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا *
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ
تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً
* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * وَلاَ}
وأجاز الزمخشري أن يكون {ابتغاء رحمة من ربك} علة لجواب الشرط
فهو يتعلق به، وقدم عليه.
وما أجازه لا يجوز لأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبله لا
يجوز في قولك أن يقم فاضرب خالداً أن تقول: إن يقم خالداً
فاضرب، وهذا منصوص عليه فإن حذفت الفاء في مثل إن يقم يضرب
خالداً فمذهب سيبويه والكسائي الجواز، فتقول: إن يقم خالداً
نضرب، ومذهب الفراء المنع فإن كان معمول الفعل مرفوعاً نحو إن
تفعل يفعل زيد فلا يجوز تقديم زيد على أن يكون مرفوعاً بيفعل،
هذا وأجاز سيبويه أن يكون مرفوعاً بفعل يفسره يفعل كأنك قلت:
إن تفعل يفعل زيد يفعل، ومنع ذلك الكسائي والفراء.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً * وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ
الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَناً فَلاَ
يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا * وَلاَ
تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ
الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا
كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}
وقال ابن عطية: و {سبيلاً} نصب على التمييز التقدير، وساء
سبيله انتهى. وإذا كان {سبيلاً} نصباً على التمييز فإنما هو
تمييز للمضمر المستكن في {ساء} ، وهو من المضمر الذي يفسره ما
بعده، والمخصوص بالذم محذوف، وإذا كان كذلك فلا يكون تقديره
وساء سبيله سبيلاً لأنه إذ ذاك لا يكون فاعله ضميراً يراد به
الجنس مفسراً بالتمييز، ويبقى التقدير أيضاً عارياً عن المخصوص
بالذم.
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً * وَلاَ تَمْشِ فِى الأٌّرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن
تَخْرِقَ الأٌّرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ
ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ
مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ
مَلُومًا مَّدْحُورًا}
{كل} مبتدأ والجملة خبره، واسم {كان} عائد على {كل} وكذا
الضمير في {مسؤولاً} . والضمير في {عنه} عائد على ما من قوله
{ما ليس لك به علم} .
وقال الزمخشري: و {عنه} في موضع الرفع
بالفاعلية، أي كل واحد منها كان مسؤولاً عنه، فمسؤول مسند إلى
الجار والمجرور كالمغضوب في قوله {غير المغضوب عليهم} يقال
للإنسان: لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ ولم نظرت ما لم يحل لك
النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ انتهى.
وهذا الذي ذهب إليه من أن {عنه} في موضع الرفع بالفاعلية،
ويعني به أنه مفعول لم يسم فاعله لا يجوز لأن الجار والمجرور
وما يقام مقام الفاعل من مفعول به ومصدر وظرف بشروطهما جار
مجرى الفاعل، فكما أن الفاعل لا يجوز تقديمه فكذلك ما جرى
مجراه وأقيم مقامه، فإذا قلت غضب على زيد فلا يجوز على زيد غضب
بخلاف غضبت على زيد فيجوز على زيد غضبت. وقد حكي الاتفاق من
النحويين على أنه لا يجوز تقديم الجار والمجرور الذي يقام مقام
الفاعل على الفعل أبو جعفر النحاس ذكر ذلك في المقنع من
تأليفه، فليس {عنه مسؤولاً} كالمغضوب عليهم لتقدّم الجار
والمجرور في {عنه مسؤولاً} وتأخيره في {المغضوب عليهم} وقول
الزمخشري: ولم نظرت ما لم يحل لك أسقط إلى، وهو لا يجوز إلاّ
إن جاء في ضرورة شعر لأن نظر يتعدّى بإلى فكان التركيب، ولم
نظرت إلى ما لم يحل لك كما قال النظر إليه فعداه بإلى.
وانتصب {مرحاً} على الحال أي {مرحاً} كما تقول: جاء زيد ركضاً
أي راكضاً أو على حذف مضاف أي ذا مرح، وأجاز بعضهم أن يكون
مفعولاً من أجله أي {ولا تمش في الأرض} للمرح ولا يظهر ذلك.
والأجود انتصاب قوله {طولاً} على التمييز، أي لن يبلغ طولك
الجبال. وقال الحوفي: {طولاً} نصب على الحال، والعامل في الحال
{تبلغ} ويجوز أن يكون العامل تخرق، و {طولاً} بمعنى متطاول
انتهى. وقال أبو البقاء: {طولاً} مصدر في موضع الحال من الفاعل
أو المفعول، ويجوز أن يكون تمييزاً ومفعولاً له ومصدراً من
معنى تبلغ انتهى.
وجوزوا في {مكروهاً} أن يكون خبراً ثانياً
لكان على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لكان، وأن يكون بدلاً من
سىئة والبد بالمشتق ضعيف، وأن يكون حالاً من الضمير المستكن في
الظرف قبله والظرف في موضع الصفة. قيل: ويجوز أن يكون نعتاً
لسيئة لما كان تأنيثها مجازياً جاز أن توصف بمذكر، وضعف هذا
بأن جواز ذلك إنما هو في الإسناد إلى المؤنث المجازي إذا تقدم،
أما إذا تأخر وأسند إلى ضميرها فهو قبيح، تقول: أبقل الأرض
إبقالها فصيحاً والأرض أبقل قبيح، وأما من قرأ {سيئة} بالتذكير
والإضافة فسىئه اسم {كان} و {مكروهاً} الخبر.
والكاف من كماأَفَأَصْفَكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ
مِنَ الْمَلَئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً
عَظِيمًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَذَا الْقُرْءَانِ
لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * قُلْ
لَّوْ كَانَ مَعَهُءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا
لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَوَتُ السَّبْعُ وَالأٌّرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن
مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *
وَإِذَا} في موضع نصب. وقال الحوفي: متعلقة بما تعلقت به مع
وهو الاستقرار و {معه} خبر كان.
(انتصب {علوّاً} على أنه مصدر على غير الصدر) .
قال الزمخشري: وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد
يعد وعداً وعدة ووحدهوَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءَانَ جَعَلْنَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأٌّخِرَةِ
حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا
ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى
أَدْبَرِهِمْ نُفُوراً * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ
بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ
يَقُولُ الظَّلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً
مَّسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأٌّمْثَالَ
فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً * وَقَالُواْ
أَءِذَا كُنَّا عِظَماً وَرُفَتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
خَلْقاً جَدِيداً} من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك
وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال، أصله يحد وحده بمعنى
واحداً انتهى. وما ذهب إليه من أن {وحده} مصد ساد مسد الحال
خلاف مذهب سيبويه و {وحده} عند سيبويه ليس مصدراً بل هو اسم
وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوحده عنده موضوع موضع
إيحاد، وإيحاد موضوع موضع موحد. وذهب يونس إلى أن {وحده} منصوب
على الظرف، وذهب قوم إلى أنه مصدر لا فعل له، وقوم إلى أنه
مصدر لأوحد على حذف الزيادة، وقوم إلى أنه مصدر لوحد كما ذهب
إليه الزمخشري وحجج هذه الأقوال مذكورة في كتب النحو. وإذا
ذكرت {وحده} بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيداً فمذهب سيبويه أنه
حال من الفاعل، أي موحداً له بالضرب، ومذهب المبرد أنه يجوز أن
يكون حالاً من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير {وإذا
ذكرت ربك} موحداً له بالذكر وعلى مذهب أبي العباس يجوز أن يكون
التقدير موحداً بالذكر.
و {نفوراً} حال جمع نافر كقاعد وقعود، أو مصدر.
وبما متعلق بأعلم، وما كان في معنى العلم
والجهل وإن كان متعدياً لمفعول بنفسه فإنه إذا كان في باب أفعل
في التعجب، وفي أفعل التفضيل تعدى بالباء تقول: ما أعلم زيداً
بكذا وما أجهله بكذا، وهو أعلم بكذا وأجهل بكذا بخلاف سائر
الأفعال المتعدية لمفعول بنفسه، فإنه يتعدى في أفعل في التعجب
وأفعل التفضيل باللام، تقول: ما أضرب زيداً لعمرو وزيد أضرب
لعمرو من بكر. وبه قال الزمخشري في موضع الحال كما تقول:
يستمعون بالهزء أي هازئين {وإذا يستمعون} نصب بأعلم أي أعلم
وقت استماعهم بما به ىستمعون وبما به يتناجون، إذ هم ذوو نجوى
{إذ يقول} بدل من {إذ هم} انتهى.u
وقال أبو البقاء: يستمعون به. قيل: الباء بمعنى اللام، لا وإذ
ظرف ليستمعون الأولى، والنجوى مصدر، ويجوز أن يكون جمع نجى
كقتيل وقتلى، وإذ بدل من {إذ} الأولى. وقيل: التقدير إذ كر إذ
تقول.
والذيقُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ
حَدِيداً * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ
فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ
وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا *
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ
إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً * وَقُل لِّعِبَادِى
يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَنَ كَانَ لِلإِنْسَنِ عَدُوًّا
مُّبِينًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ
يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ
أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ
فِى السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ
النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا *
قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ
يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً *
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
وَيَخَفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا
* وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ
يَوْمِ الْقِيَمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا
كَانَ ذلِك فِى الْكِتَبِ مَسْطُورًا * وَمَا مَنَعَنَآ أَن
نُّرْسِلَ بِالأٌّيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأٌّوَّلُونَ
وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا
وَمَا نُرْسِلُ بِالأٌّيَتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا * وَإِذْ
قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا
جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً
لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى القُرْءَانِ
وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ
طُغْيَانًا كَبِيرًا * وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ
إِبْلِيسَ قَالَ أَءَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ
أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورًا *
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى
الأٌّمْوَلِ وَالأٌّوْلَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ
الشَّيْطَنُ إِلاَّ غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطَنٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً * رَّبُّكُمُ
الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ
مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا
مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاّ
إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ
وَكَانَ الإِنْسَنُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ
بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا
ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن
يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ
لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} مبتدأ وخبره
محذوف التقدير {الذي فطركم أول مرة} يعيدكم فيطابق الجواب
السؤال، ويجوز أن يكون فاعلاً أي يعيدكم الذي فطركم، ويجوز أن
يكون خبر مبتدأ، أي معيدكم الذي فطركم و {أول مرة} ظرف العامل
فيه {فطركم} قاله الحوفي.
احتمل أن يكون في {عسى} إضمار أي {عسى} هو
أي العود، واحتمل أن يكون مرفوعها {أن يكون} فتكون تامة. و
{قريباً} يحتمل أن يكون خبر كان على أنه يكون العود متصفاً
بالقرب، ويحتمل أن يكون ظرفاً أي زماناً قريباً وعلى هذا
التقدير يوم ندعوكم بدلاً من قريباً.
وقال أبو البقاء: {يوم بدعوكم} ظرف ليكون، ولا يجوز أن يكون
ظرفاً لاسم كان وإن كان ضمير المصدر لأن الضمير لا يعمل انتهى.
أما كونه ظرفاً ليكون فهذا مبنيّ على جواز عمل كان الناقصة في
الظرف وفيه خلاف. وأما قوله لأن الضمير لا يعمل فهو مذهب
البصريين، وأما الكوفيون فيجيزون أن يعمل نحو مروري بزيد حسن
وهو بعمر وقبيح، يعلقون بعمرو بلفظ هو أي ومروي بعمرو قبيح.
والظاهر أن {وتظنون} معطوف على تستجيبون وقاله الحوفي. وقال
أبو البقاء: أي وأنتم {تظنون} والجملة حال انتهى. وأن هنا
نافية، {وتظنون} معلق عن العمل فالجملة بعده في موضع نصب،
وقلما ذكر النحويون في أدوات التعليق أن النافية، ويظهر أن
انتصاب قليلاً على أنه نعت لزمان محذوف أي إلاّ زمن قليلاً.
كقوله {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} ويجوز أن يكون نعتاً
لمصدر محذوف أي لبثاً قليلاً ودلالة الفعل على مصدره دلالة
قوية.
وقلوَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى
هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَنَ كَانَ لِلإِنْسَنِ عَدُوًّا مُّبِينًا *
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن
يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
* وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ
وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} خطاب للرسول صلى الله عليه
وسلّم وهو أمر، ومعمول القول محذوف تقديره قولوا {التي هي
أحسن} وانجزم {يقولوا} على أنه جواب للأمر الذي هو قل قاله
الأخفش، وهو صحيح المعنى على تقدير أن يكون عبادي يراد به
المؤمنون لأنهم لمسارعتهم لامتثال أمر الله تعالى بنفس ما يقول
لهم ذلك قالوا {التي هي أحسن} . وعن سيبويه إنه انجزم على جواب
لشرط محذوف، أي إن يقل لهم {يقولوا} فيكون في قوله حذف معمول
القول وحذف الشرط الذي {يقولوا} جوابه. وقال المبرد: انجزم
جواباً للأمر الذي هو معمول {قل} أي قولوا {التي هي أحسن}
{يقولوا} . وقيل معمول {قل} مذكور لا محذوف وهو {يقولوا} على
تقدير لام الأمر وهو مجزوم بها قاله الزجاج. وقيل: {يقولوا}
مبني وهو مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر فبني.
وقال ابن الأنباري: {أو} دخلت هنا لسعة الأمرين عند الله ولا
يراد عنهما، فكانت ملحقة بأو المبيحة في قولهم جالس الحسن أو
ابن سيرين يعنون قد وسعنا لك الأمر. وقال الكرماني: {أو}
للإضراب ولهذا كرر {إن} .
وفي قوله: زعمتمقُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ
زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ
عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا * وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ
مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا
عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذلِك فِى الْكِتَبِ مَسْطُورًا *
وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالأٌّيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ
بِهَا الأٌّوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ
مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالأٌّيَتِ
إِلاَّ تَخْوِيفًا} ضمير محذوف عائد على {الذين} وهو المفعول
الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله، و
{أولئك} مبتدأ و {الذين} صفته، والخبر {يبتغون} .
والعائد على {الذين} منصوب محذوف أي يدعونهم.
واختلفوا في إعراب {أيهم أقرب} وتقديره. فقال الحوفي: {أيهم
أقرب} ابتداء وخبر، والمعنى ينظرون {أيهم أقرب} فيتوسلون به
ويجوز أن يكون {أيهم أقرب} بدلاً من الواو في {يبتغون} انتهى.
ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق، و {أيهم أقرب} في موضع نصب
على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدّى بفي، وإن
كانت بصرية تعدّت بإلى، فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا
التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقوله {فلينظر
أيها أزكى طعاماً} وفي إضمار الفعل المعلق نظر، والوجه الثاني
قاله الزمخشري قال: وتكون أي موصولة، أي يبتغى من هو أقرب منهم
وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب انتهى. فعلى الوجه
يكون {أقرب} خبر مبتدأ محذوف، واحتمل {أيهم} أن يكون معرباً
وهو الوجه، وأن يكون مبنياً لوجود مسوغ البناء.
(قال ابن عطية: و {أيهم} ابتدأ و {أقرب} خبر) .
فإن جعلت {أيهم أقرب} في موضع نصب بنظرهم
المحذوف بقي المبتدأ الذي هو نظرهم بغير خبر محتاج إلى إضمار
الخبر، وإن جعلت {أيهم أقرب} هو الخبر فلا يصح لأن نظرهم ليس
هو {أيهم أقرب} وإن جعلت التقدير نظرهم في {أيهم أقرب} أي كائن
أو حاصل فلا يصح ذلك لأن كائناً وحاصلاً ليس مما تعلق.
وقال أبو البقاء: {أيهم} مبتدأ و {أقرب} خبره، وهو استفهام في
موضع نصب بيدعون، ويجوز أن يكون {أيهم} بمعنى الذي وهو بدل من
الضمير في {يدعون} والتقدير الذي هو أقرب انتهى. ففي الوجه
الأولى علق {يدعون} وهو ليس فعلاً قلبياً، وفي الثاني فصل بين
الصلة ومعمولها بالجملة الحالية، ولا يضر ذلك لأنها معمولة
للصلة.
و {إن من قرية} {إن} نافية و {من} زائدة في المبتدأ تدل على
استغراق الجنس، والجملة بعد {إلاّ} خبر المبتدأ.
وقرأ الجمهور {ثمود} ممنوع الصرف. وقال هارون: أهل الكوفة
ينونون {ثمود} في كل وجه. وقال أبو حاتم: لا تنون العامة
والعلماء بالقرآن {ثمود} في وجه من الوجوه.
وانتصب {مبصرة} على الحال وهي قراءة الجمهور. وقرأ زيد بن عليّ
{مبصرة} بالرفع على إضمار مبتدأ.
وقرأ زيد بن عليّ برفع والشجرة الملعونةوَإِذْ قُلْنَا لَكَ
إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا
الَّتِى أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِى القُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} على الابتداء، والخبر
محذوف تقديره كذلك.
{:60 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ
اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ
أَءَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا
الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً *
قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ
جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ
اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الأٌّمْوَلِ
وَالأٌّوْلَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَنُ إِلاَّ
غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَنٌ
وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً}
وقال أبو البقاء: والعامل فيه {خلقت} يعني إذا كان حالاً م
العائد المحذوف وأجاز الحوفي أن يكون نصباً على حذف من التقدير
من طين كما صرح به في قوله {وخلقته من طين} وأجاز الزجاج أيضاً
وتبعه ابن عطية أن يكون تمييزاً ولا يظهر كونه تمييز.
وقال ابن عطية: والكاف في {أرأيتك} حرف خطاب ومبالغة في
التنبيه لا موضع لها من الإعراب فهي زائدة.
ما ذهب إليه الحوفي والزمخشري في {أرأيتك} هنا هو الصحيح،
ولذلك قدر الاستفهام وهو لم كرمته عليّ فقد انعقد من قوله:
{هذا الذي كرمته عليّ} لم كرمته عليّ جملة من مبتدأ وخبر، وصار
مثل: زيد أيؤمن هو دخلت عليه {أرأيتك} فعملت في الأول، والجملة
الاستفهامية في موضع الثاني والمستقر في أرأيت بمعنى أخبرني أن
تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر استفهاماً، فإن صرح به فذلك
واضح وإلاّ قدر.
وقال الزمخشري: الكاف للخطاب وهذا مفعول به.
وقال الفراء: هناا للكاف محل من الإعراب
وهو النصب أي أرأيت نفسك قال: وهذا كما تقول أتدبرت آخر أمرك.
فإني صانع فيه كذا، ثم ابتدأ {هذا الذي كرمت عليّ} انتهى.
والرد عليه مذكور في علم النحو، ولو ذهب ذاهب إلى أن هذا مفعول
أول لقوله: {أرأيتك} بمعنى أخبرني والثاني الجملة القسمية بعده
لانعقادهما مبتدأ وخبراً قبل دخول {أرأيتك} لذهب مذهباً حسناً،
إذ لا يكون في الكلام إضمار، وتلخص من هذا كله الكاف إما في
موضع نصب وهذا مبتدأ، وإما حرف خطاب وهذا مفعول بأرأيت بمعنى
محذوف، وهو الجملة الاستفهامية أو مذكور وهو الجملة القسمية.
وانتصب {جزاء} على المصدر والعامل فيه {جزاؤكم} أو يجاوز مضمره
أو على الحال الموطئة. وقيل: تمييز ولا يتعقل {واستفزز} معطوف
على فاذهب وعطف عليه ما بعده من الأمر.
قال أبو البقاء: {من استطعت} من استفهام في موضع نصب باستطعت،
وهذا ليس بظاهر لأن {استفزز} ومفعول {استطعت} محذوف تقديره {من
استطعت} أن تستقزه.
وانتصب {غروراً} وهو مصدر على أنه وصف لمصدر محذوف أي وعداً
غروراً على الوجوه التي في رجل صوم، ويحتمل أن يكون مفعولاً من
أجله.
{رَّبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ
لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا *
وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن
تَدْعُونَ إِلاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّكُمْ إِلَى الْبَرِّ
أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَنُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ أَن
يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ
أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ
عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا
كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ
تَبِيعًا}
والظاهر أن {إلا إياه} استثناء منقطع لأنه
لم يندرج في قوله {من تدعون} وقيل هو استثناء متصل.
والهمزة في {أفأنتم} للإنكار. قال الزمخشري: والفاء للعطف على
محذوف تقديره أنجوتم فامنتم انتهى. وتقدم لنا الكلام معه في
دعواه أن الفاء والواو في مثل هذا التركيب للعطف على محذوف بين
الهمزة وحرف العطف، وأن مذهب الجماعة أن لا محذوف هناك، وأن
الفاء والواو للعطف على ما قبلها وأنه اعتنى بهمزة الاستفهام
لكونها لها صدر الكلام فقدمت والنية التأخير، وأن التقدير
فأمنتم. وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة.
وانتصب {جانب} على المفعول به بنخسف كقوله {فخسفنا به وبداره
الأرض} .
وقال الحوفي {جانب البد} منصوب على الظرف.
{أم} في {أم أمنتم} منقطعة تقدر ببل، والهمزة أي بل {أمنتم}
والضمير في {فيه} عائد على البحر، وانتصب تارة على الظرف أي
وقتاً غير الوقت الأول، والباء في {بما كفرتم} سببية وما
مصدرية.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ
وَحَمَلْنَهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُمْ مِّنَ
الطَّيِّبَتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلاً * يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ
بِإِمَمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ
فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَبَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ
فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى
الأٌّخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً * وَإِن كَادُواْ
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ
لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ
خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لأَذَقْنَكَ ضِعْفَ
الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ
عَلَيْنَا نَصِيرًا * وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ
الأٌّرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ
خِلَفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
* أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً
مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ
وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ
سُلْطَناً نَّصِيرًا * وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَلاَ يَزِيدُ الظَّلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا * وَإِذَآ
أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً * قُلْ كُلٌّ
يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ
هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً * وَيَسْئَلُونَكَ}
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِى
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَتِ
وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
* يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ
كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَبَهُمْ
وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى
فَهُوَ فِى الأٌّخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}
واختلفوا في العامل في {يوم} . فقيل: العامل فيه ما دل عليه
قوله متى هو. وقيل: فتستجيبون. وقيل: هو بدل من يوم يدعوكم
وهذه أقوال في غاية الضعف، ولولا أنهم ذكروها لضربت عن ذكرها
صفحاً وهي في هذه الأقوال ظرف. وقال الحوفي وابن عطية انتصب
على الظرف والعامل فيه اذكر وعلى تقدير اذكر لا يكون ظرفاً بل
هو مفعول. وقال ابن عطية أيضاً بعد قوله هو ظرف: والعامل فيه
أذكر أو فعل يدل عليه قوله {ولا يظلمون} ، وحكاه أبو البقاء
وقدره {ولا يظلمون} يوم ندعو. وقال ابن عطية أيضاً: ويصح أن
يعمل فيه {وفضلناهم} .
وقال ابن عطية أيضاً: ويصح أن يكون {يوم}
منصوباً على البناء لما أضيف إلى غير متمكن، ويكون موضعه رفعاً
بالابتداء، والخبر في التقسيم الذي أتى بعد في قوله: {فمن أوتي
كتابه} إلى قوله {ومن كان} انتهى. وقوله منصوباً على البناء
كان ينبغي أن يقول مبنياً على الفتح، وقوله: لما أضيف إلى غير
متمكن ليس بجيد لأن الذي ينقسم إلى متمكن وغير متمكن هو الاسم
لا الفعل، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ومذهب البصريين أنه إذا
أضيف إلى فعل مضارع معرب لا يجوز بناؤه، وهذا الوجه الذي ذكره
هو على رأي الكوفيين. وأما قوله: والخبر في التقسيم فالتقسيم
عار من رابط لهذه الجملة التقسيمية بالمبتدأ لا أن قدر
محذوفاً، فقد يمكن أي ممن {أوتي كتابه} فيه {بيمينه} وهو بعد
ذلك التخريج تخريج متكلف.
وقال بعض النحاة: العامل فيه {وفضلناهم} على تقدير {وفضلناهم}
بالثواب، وهذا القول قريب من قول ابن عطية الذي ذكرناه عنه
قبل. وقال الزجاج: هو ظرف لقوله ثم لا تجد. وقال الفراء: هو
معمول لقوله نعيدكم مضمرة أي نعيدكم {يوم ندعو} والأقرب من هذه
الأقوال أن يكون منصوباً على المفعول به بأذكر مضمرة.
والحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني يُدعى مبنياً للمفعول {كل}
مرفوع به، وفيما ذكر غيره يدعو بالواو وخرج على إبدال الألف
واواً على لغة من يقول: أفعو في الوقف على أفعى، وإجراء الوصل
مجرى الوقف وكل مرفوع به، وعلى أن تكون الواو ضميراً مفعولاً
لم يسم فاعله، وأصله يدعون فحذفت النون كما حذفت في قوله:
أبيت أسرى وتبيتى تدلكيوجهك بالعنبر والمسك الزكي أي تبيتين
تدلكين وكل بدل من واو الضمير. {وأناس} اسم جمع لا واحد له من
لفظه، والباء في {بإمامهم} الظاهر أنها تتعلق بندعو، أي باسم
إمامهم. وقيل: هي باء الحال أي مصحوبين {بإمامهم} .
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ
الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ
وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ
لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا
لأَذَقْنَكَ ضِعْفَ الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ
تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا * وَإِن كَادُواْ
لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأٌّرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا
وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ
مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ
لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً}
{أن} هذه هي المخففة من الثقيلة، وليتها الجملة الفعلية وهي
{كادوا} لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين
من الأفعال على النواسخ التي للإثبات على ما تقرر في علم
النحو، واللام في {ليفتنونك} هي الفارقة بين أن هذه وأن
النافية {وإذاً} حرف جواب وجزاء، ويقدر قسم هنا تكون {لا
تخذوك} جواباً له، والتقدير والله {إذاً} أي إن افتتنت وافتريت
{لا تخذوك} .
وجواب {لولا} يقتضي إذا كان مثبتاً امتناعه لوجود ما قبله،
فمقاربة الركون لم تقع منه فضلاً عن الركون والمانع من ذلك هو
وجود تثبيت الله. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق وابن مصرف: {تركن}
بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وانتصب {شيئاً} على المصدر.
واللام في {لأذقناك} جواب قسم محذوف قبل {إذاً} أي والله إن
حصل ركون ليكونن كذا، والقول في {لأذقناك} كالقول في {لا
تخذوك} من وقوع الماضي موضع المضارع الداخل عليه اللام والنون،
وممن نص على أن اللام في {لا تخذوك} و {لأذقناك} هي لام القسم
الحوفي.
{ولا يلبثون} جواب قسم محذوف أي والله إن
استفزوك فخرجت {لا يلبثون} ولذلك لم تعمل {إذاً} لأنها توسطت
بين قسم مقدر، والفعل فلا يلبثون ليست منصبة عليه من جهة
الإعراب، ويحتمل أن تكون {لا يلبثون} خبراً لمبتدأ محذوف يدل
عليه المعنى تقديره، وهم {إذاً لا يلبثون} فوقعت إذاً بين
المبتدأ وخبره فألغيت. وقرأ أبي وإذا لا يلبثوا بحذف النون
أعمل إذاً فنصب بها على قول الجمهور، وبأن مضمرة بعدها على قول
بعضهم وكذا هي في مصحف عبد الله محذوفة النون.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما وجه القراءتين؟ قلت: أما الشائعة
فقد عطف فيها الفعل على الفعل وهو مرفوع لوقوعه خبر كاد،
والفعل في خبر كاد واقع موقع الاسم. وأما قراءة أبيّ ففيها
الجملة برأسها التي هي وإذاً لا يلبثوا عطف على جملة قوله {وإن
كادوا ليستفزونك} انتهى.
وهذه الظروف التي هي قبل وبعد ونحوهما اطّرد إضافتها إلى أسماء
الأعيان على حذف مضاف يدل عليه ما قبله، في نحو خلفك أي خلف
إخراجك، وجاء زيد قبل عمرو أي قبل مجيء عمرو، وضحك بكر بعد
خالد أي بعد ضحك خالد. وانتصب {سنة} على المصدر المؤكد أي سنّ
الله سنة.
وقال الفراء: انتصب {سنة} على إسقاط الخافض لأن المعنى كسنة
فنصب بعد حذف الكاف، وعلى هذا لا يقف على قوله {إلاّ قليلاً} .
وقال أبو البقاء: {سنة} منصوب على المصدر أي سننا بك سنة من
تقدم من الأنبياء، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي اتبع {سنة من
قد أرسلنا} كما قال تعالى: {فبهداهم اقتده} انتهى.
{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَنِ
أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ
يَئُوساً * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً * وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم
مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً * وَلَئِن شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ
تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِّن
رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا * قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا
لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى
أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا * وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأٌّرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ
الأٌّنْهَرَ خِلَلَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ
كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءُهُ
قُلْ سُبْحَنَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً *
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَهُمُ
الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا
رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِى الأٌّرْضِ مَلَئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ
السَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا
بَصِيرًا * وَمَن
يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن
يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا
وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ
كَفَرُواْ بِئَايَتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا
وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا *
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ
وَالأٌّرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ
لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّلِمُونَ إَلاَّ
كُفُورًا * قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ
رَبِّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ
الإنْسَنُ قَتُورًا * وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَءَايَتٍ
بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِى إِسْرَءِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ
فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّى لأَظُنُّكَ يمُوسَى مَسْحُورًا
* قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ
السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّى لأَظُنُّكَ
يفِرْعَونُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ
الأٌّرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا
مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَءِيلَ اسْكُنُواْ الأٌّرْضَ
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأٌّخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا *
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْءانًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ
وَنَزَّلْنَهُ تَنْزِيلاً * قُلْءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ
تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ
إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأٌّذْقَانِ سُجَّدًا *
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا
لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأٌّذْقَانِ
يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا * قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ
أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ
الأٌّسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ
تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم
يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ
وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
{
أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ
وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ
مَشْهُودًا * وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً
لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا *
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى
مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَناً
نَّصِيرًا * وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ
الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا
هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ
الظَّلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا * وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى
الإنْسَنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى
سَبِيلاً * وَيَسْئَلُونَكَ}
وانتصب {وقرآن الفجر} عطفاً على {الصلاة} .
وقال الأخفش: انتصب بإضمار فعل تقديره وآثر {قرآن الفجر} أو
عليك {قرآن الفجر} انتهى.
وقال ابن عطية {ومن} للتبعيض التقدير وقتاً
من الليل أي وقم وقتاً من الليل. وقال الزمخشري: {ومن الليل}
وعليك بعض الليل {فتهجد به} والتهجد ترك الهجود للصلاة انتهى.
فإن كان تفسيره وعليك بعض الليل تفسير معنى فيقري، وإن كان
أراد صناعة النحو والإعراب فلا يصح لأن المغري به لا يكون
حرفاً، وتقدير من ببعض فيه مسامحة لأنه ليس بمرادفه البتة، إذ
لو كان مرادفه للزم أن يكون اسماً ولا قائل بذلك، ألا ترى
إجماع النحويين على أن واو مع حرف وإن قدّرت بمع.
وقال ابن عطية: والضمير في {به} عائد على وقت المقدر في وقم
وقتاً من الليل انتهى. فتكون الباء ظرفية أي {فتهجد} فيه
وانتصب {نافلة} . قال الحوفي: على المصدر أي نفلناك نافلة قال:
ويجوز أن ينتصب {نافلة} بتهجد إذا ذهبت بذلك إلى معنى صل به
نافلة أي صل نافلة لك.
وقال أبو البقاء: فيه وجهان أحدهما: هو مصدر بمعنى تهجد أي
تنفل نفلاً و {نافلة} هنا مصدر كالعاقبة والثاني هو حال أي
صلاة نافلة انتهى. وهو حال من الضمير في {به} .
{وعسى} هنا تامة وفاعلها {أن يبعثك} ، و {ربك} فاعل بيبعثك و
{مقاماً} الظاهر أنه معمول ليبعثك هو مصدر من غير لفظ الفعل
لأن يبعثك بمعنى يقيمك تقول أقيم من قبره وبعث من قبره. وقال
ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام محمود. وقيل: منصوب على
الحال أي ذا مقام. وقيل: هو مصدر لفعل محذوف التقدير فتقوم
{مقاماً} ولا يجوز أن تكون {عسى} هنا ناقصة، وتقدّم الخبر على
الاسم فيكون {ربك} مرفوعاً اسم {عسى} و {أن يبعثك} الخبر في
موضع نصب بها إلا في هذا الإعراب الأخير. وأما في قبله فلا
يجوز لأن {مقاماً} منصوب بيبعثك و {ربك} مرفوع بعسى فيلزم
الفصل بأجنبي بين ما هو موصول وبين معمول. وهو لا يجوز.
وقرأ الجمهور: {مدخل} و {مخرج} بضم ميمهما
وهو جار قياساً على أفعل مصدر، نحو أكرمته مكرماً أي إكراماً.
وقرأ قتادة وأبو حيوة وحميد وإبراهيم بن أبي عبلة بفتحهما.
وقال صاحب اللوامح: وهما مصدران من دخل وخرج لكنه جاء من معنى
{أدخلني} {وأخرجني} المتقدمين دون لفظهما ومثلهما {أنبتكم من
الأرض نباتاً} ويجوز أن يكونا اسم المكان وانتصابهما على
الظرف، وقال غيره: منصوبان مصدرين على تقدير فعل أي {أدخلني}
فأدخل {مدخل صدق} {وأخرجني} فأخرج {مخرج صدق} .
وقرأ زيد بن عليّ: {شفاءً ورحمةً} بنصبهما.
ويتخرج النصب على الحال وخبر هو قوله {للمؤمنين} والعامل فيه
ما في الجار والمجرور من الفعل، ونظيره قراءة من قرأ {والسموات
مطويات بيمينه} بنصب مطويات. وقول الشاعر:
رهط ابن كوز محقي أدراعهمفيهم ورهط ربيعة بن حذار
وتقديم الحال على العامل فيه من الظرفل أو المجرور لا يجوز
إلاّ عند الأخفش، ومن منع جعله منصوباً على إضمار أعني.
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن
يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا *
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن
كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا *
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ
الأٌّرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن
نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأٌّنْهَرَ خِلَلَهَا
تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ
عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ
قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ
تَرْقَى فِى السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى
تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءُهُ قُلْ سُبْحَنَ
رَبِّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}
{ولا يأتون} جواب القسم المحذوف قبل اللام
الموطئة في {لئن} وهي الداخلة على الشرط كقوله {لئن أخرجوا لا
يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} فالجواب في نحو هذا
للقسم المحذوف لا للشرط، ولذلك جاء مرفوعاً. فأما قول الأعشى:
لئن منيت بنا عن غب معركةلأتلفنا عن دماء القوم ننتفل فاللام
في {لئن} زائدة وليست موطئة لقسم قبلها. فلذلك جزم في قوله
لأتلفنا وقد احتج بهذا ونحوه الفراء في زعمه أنه إذا اجتمع
القسم والشرط وتقدم القسم ولم يسبقهما ذو خبر أنه يجوز أن يكون
الجواب للقسم وهو الأكثر وللشرط، ومذهب البصريين يحتم الجواب
للقسم خاصة.
وقال الزمخشري: {ولا يأتون} جواب قسم محذوف، ولولا اللام
الموطئة لجاز أن تكون جواباً للشرط. كقوله.
يقول لا غائب مالي ولا حرم
لأن الشرط وقع ماضياً انتهى. يعني بالشرط قوله وهو صدر البيت
وإن أتاه خليل يوم مسألة
فأتاه فعل ماض دخلت عليه أداة الشرط فخلصته للاستقبال، وأفهم
كلام الزمخشري أن يقول: وإن كان مرفوعاً هو جواب الشرط الذي هو
وإن أتاه، وهذا الذي ذهب إليه هو مخالف لمذهب سيبويه ولمذهب
الكوفيين والمبرد، لأن مذهب سيبويه في مثل هذا التركيب وهو أن
يكون فعل الشرط ماضياً وبعده مضارع مرفوع أن ذلك المضارع هو
على نية التقديم وجواب الشرط محذوف، ومذهب الكوفيين والمبرد
أنه الجواب لكنه على حذف الفاء، ومذهب ثالث وهو أنه هو جواب
الشرط وهو الذي قال به الزمخشري.
الظاهر أن مفعول {صرفنا} محذوف تقديره البينات والعبر و {من}
لابتداء الغاية. وقال ابن عطية: ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة
التقدير ولقد {صرفنا} {كل مثل} انتهى. يعني فيكون مفعول
{صرفنا} {كل مثل} وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش
لا على مذهب جمهور البصريين.
(أنتصب {خلالها} على الظرف) .
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ
إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ
بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِى الأٌّرْضِ مَلَئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ
السَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا
بَصِيرًا * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن
يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا
وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ
كَفَرُواْ بِئَايَتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا
وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا *
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ
وَالأٌّرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ
لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّلِمُونَ إَلاَّ
كُفُورًا}
و {أن يؤمنوا} في موضع نصب و {أن قالوا} : في موضع رفع، و
{إذا} ظرف العامل فيه منه.
{رسولاً} ظاهره أنه نعت، ويجوز أن يكون {رسولاً} مفعول بعث، و
{بشراً} حال متقدمة عليه أي {أبعث اللَّه رسولاً} في حال كونه
{بشراً} ، وكذلك يجوز في قوله {ملكاً رسولاً} أي {لنزلنا عليهم
من السماء} {رسولاً} في حال كونه {ملكاً} .
ومن مفعول بيهد وبيضلل.
وعطف قوله {وجعل لهم} على قوله {أو لم يروا} لأنه استفهام تضمن
التقرير.
{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ
رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ
وَكَانَ الإنْسَنُ قَتُورًا * وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى
تِسْعَءَايَتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِى إِسْرَءِيلَ إِذْ
جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّى لأَظُنُّكَ يمُوسَى
مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ
إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّى
لأَظُنُّكَ يفِرْعَونُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَن
يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأٌّرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ
جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَءِيلَ
اسْكُنُواْ الأٌّرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأٌّخِرَةِ
جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}
والمستقرأ في {لو} التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره أن
يليها الفعل إما ماضياً وإما مضارعاً. كقوله {لو نشاء لجعلناه
حطاماً} أو منفياً أو ان وهنا في قوله {قل لو أنتم تملكون}
وليها الاسم فاختلفوا في تخريجه، فذهب الحوفي والزمخشري وابن
عطية وأبو البقاء وغيرهم إلى أنه مرفوع بفعل محذوف يفسره الفعل
بعده، ولما حذف ذلك الفعل وهو تملك انفصل الضمير وهو الفاعل
بتملك كقوله:.
وإن هو لم يحمل على النفس ضميها.
التقدير وإن لم يحمل فحذف لم يحمل وانفصل الضمير المستكن في
يحمل فصار هو، وهنا انفصل الضمير المتصل البارز وهو الواو فصار
{أنتم} ، وهذا التخريج بناء على أن {لو} يليها الفعل ظاهراً
ومضمراً في فصيح الكلام، وهذا ليس بمذهب البصريين.
قال الاستاذ أبو الحسن بن عصفور: لا تلي لو إلاّ الفعل ظاهر أو
لا يليها مضمراً إلاّ في ضرورة أو نادر كلام مثل: ما جاء في
المثل من قولهم:
لو ذات سوار لطمتني
وقال شيخنا الاستاذ أبو الحسن بن الصائغ: البصريون يصرحون
بامتناع لو زيد قام لأكرمته على الفصيح، ويجيزونه شاذاً
كقولهم.
لو ذات سوار لطمتني
وهو عندهم على فعل مضمر كقوله تعالى {وإن
أحد من المشركين استجارك فأجره} فهو من باب الاشتغال انتهى.
وخرّج ذلك أبو الحسن عليّ بن فضال المجاشعي على إضمار كان،
والتقدير {قل لو} كنتم {أنتم} تملكون فظاهر هذا التخريج أنه
حذف كنتم برمته وبقي {أنتم} توكيداً لذلك الضمير المحذوف مع
الفعل، وذهب شيخنا الأستاذ أبو الحسن الصائغ إلى حذف كان
فانفصل اسمها الذي كان متصلاً بها، والتقدير {قل لو} كنتم
{تملكون} فلما حذف الفعل انفصل المرفوع، وهذا التخريج أحسن لأن
حذف كان بعد {لو} معهود في لسان العرب.
وفسل معمول لقول محذوف أي فقلنا سل.
والظاهر أن {إذ} معمولة لآتينا أي {آتينا} حين جاء أتاهم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: بم نعلق {إذ جاءهم} ؟ قلت: أما على
الوجه الأول فبالقول المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم، وأما
على الآخر فبآتينا أو بإضمار اذكر ويخبرونك انتهى. ولا يتأتى
تعلقه باذكر ولا بيخبرونك لأنه ظرف ماض. وقراءة فسأل مروية عن
ابن عباس. قال ابن عباس: كلام محذوف وتقديره فسأل موسى فرعون
بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب انتهى. وعلى قراءة فسل
يكون التقدير فقلنا له سل {بني إسرائيل} أي سل فرعون إطلاق بين
إسرائيل. وقال أبو عبد الله الرازي: فسل {بني إسرائيل} اعتراض
في الكلام والتقدير، {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} إذ جاء
{بني إسرائيل} فسلهم.
وعلى قراءة فسأل ماضياً وقدره فسأل فرعون {بني إسرائيل} يكون
المفعول الأول السأل مجذوفاً، والثاني هو {بني إسرائيل} .
والظاهر أن قوله {مسحوراً} اسم مفعول.
وقال الفراء والطبري: مفعول بمعنى فاعل أي ساحراً.
و {ما أنزل} جملة في موضع نصب علق عنها {علمت} .
وانتصب {بصائر} على الحال في قول ابن عطية
والحوفي وأبي البقاء، وقالا: حال من {هؤلاء} وهذا لا يصح إلاّ
على مذهب الكسائي والأخفش لأنهما يجيزان ما ضرب هنداً هذا إلاّ
زيد ضاحكة. ومذهب الجمهور أنه لا يجوز فإن ورد ما ظاهره ذلك
أول على إضمار فعل يدل عليه ما قبله التقدير ضربها ضاحكة،
وكذلك يقدرون هنا أنزلها {بصائر} وعند هؤلاء لا يعمل ما قبل
إلاّ فيما بعدها إلاّ أن يكون مستثنى منه أو تابعاً له.
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْءانًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ
وَنَزَّلْنَهُ تَنْزِيلاً * قُلْءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ
تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ
إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأٌّذْقَانِ سُجَّدًا *
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا
لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأٌّذْقَانِ يَبْكُونَ
وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}
والظاهر تعلق على مكث بقوله {لتقرأه} ولا يبالي بكون الفعل
يتعلق به حرفاً جر من جنس واحد لأنه اختلف معنى الحرفين الأول
في موضع المفعول به، والثاني في موضع الحال.
(وانتصب {سجداً} على الحال) .
{قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا
تَدْعُواْ فَلَهُ الأٌّسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلاً * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ
وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ
يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
ودعوت هذه من الأفعال التي تتعدّي إلى اثنين ثانيهما بحرف جر،
تقول: دعوت والدي بزيد ثم تتسع فتحذف الباء. وقال الشاعر في
دعا هذه:
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكنأخاها ولم أرضع لها بلبان وهي
أفعال تتعدى إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر، يحفظ
ويقتصر فيها على السماء وعلى ما قال الزمخشري يكون الثاني
لقوله {ادعوا} لفظ الجلالة، ولفظ {الرحمن} وهو الذي دخل عليه
الباء ثم حذف وكأن التقدير {ادعوا} معبودكم بالله أو ادعوه
بالرحمن ولهذا قال الزمخشري: المراد بهما اسم المسمى وأو
للتخيير، فمعنى {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} .
وأي هنا شرطية. والتنوين قيل عوض من المضاف و {ما} زائدة
مؤكدة. وقيل: {ما} شرط ودخل شرط على شرط. وقرأ طلحة بن مصروف.
{أياً} من {تدعوا} فاحتمل أن تكون من زائدة على مذهب الكسائي
إذ قد ادّعي زيادتها في قوله:
يا شاة من قنص لمن حلت له
واحتمل أن يكون جمع بين أداتي شرط على وجه الشذوذ كما جمع بين
حرفي جر نحو قول الشاعر:
فأصبحن لا يسألنني عن بما به
وذلك لاختلاف اللفظ. والضمير في {فله} عائد على مسمى الأسمين
وهو واحد، أي فلمسماهما {الأسماء الحسنى} ، وتقدم الكلام على
قوله {الأسماء الحسنى} في الأعراف.
وقوله: {فله} هو جواب الشرط.
أي {ولي من} أهل {الذل} ، فعلى هذا وما تقدّم يكون {من} في
معنى المفعول به أو للسبب أو للتبعيض. |