الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الحج
سبع وسبعون آية مدنية
{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ
شَدِيدٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَنٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ
أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى
عَذَابِ السَّعِيرِ * يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى
رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَكُمْ مِّن تُرَابٍ
ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ
مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ
وَنُقِرُّ فِى الأٌّرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ
أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ
إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ
عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأٌّرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ
أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ
هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَءَاتِيَةٌ لاَّ
رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ}
والمصدر مضاف للفاعل فالمفعول المحذوف وهو الأرض يدل عليه {إذا
زلزلت الأرض زلزالها} والناس ونسبة الزلزلة إلى {الساعة} مجاز،
ويجوز أن يضاف إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف،
فتكون {الساعة} مفعولاً بها.
والناصب ليوم {تذهل} والظاهر أن الضمير المنصوب في {ترونها}
عائداً على الزلزلة لأنها المحدث عنها.
والظاهر أن ما في قوله {عما أرضعت} بمعنى
الذي، والعائد محذوف أي أرضعته، ويقويه تعدي وضع إلى المفعول
به في قوله {حملها} لا إلى المصدر. وقيل: ما مصدرية أي عن
إرضاعها. وقال الزمخشري: المرضعة هي التي في حال الإرضاع تلقم
ثديها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع
في حال وصفها به. فقيل {مرضعة} ليدل على أن ذلك الهول إذا
فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها
من الدهشة، وخص بعض نحاة الكوفة أم الصبيّ بمرضعة والمستأجرة
بمرضع وهذا باطل بقول الشاعر:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت
البيت فهذه {مرضعة} بالتاء وليست أمَّا للذي ترضع. وقول
الكوفيين إن الوصف الذي يختص بالمؤنث لا يحتاج فيه إلى التاء
لأنها إنما جيء بها للفرق مردود بقول العرب مرضعة وحائضة
وطالقة.
وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو نهيك كذلك إلا
أنهم نصبوا {الناس} دّى {ترى} إلى مفاعيل ثلاثة أحدها الضمير
المستكن في {ترى} وهو ضمير المخاطب مفعول لم يسم فاعله،
والثاني والثالث {الناس سكارى} أثبت أنهم {سكارى} .
والظاهر أن الضمير في {عليه} عائد على {من} لأنه المحدث عنه،
وفي {أنه} و {تولاه} وفي {فإنه} عائد عليه أيضاً، والفاعل
يتولى ضمير {من} وكذلك الهاء في {يضله} ويجوز أن تكون الهاء في
هذا الوجه أنه ضمير الشأن.
وقرأ الجمهور: {أنه} بفتح الهمزة في موضع المفعول الذي لم يسم
فاعله، {فأنه} بفتحها أيضاً، والفاء جواب {من} الشرطية أو
الداخلة في خبر {من} إن كانت موصولة. و {فأنه} على تقدير فشأنه
أنه {يضله} أي إضلاله أو فله أن يضله.
وقال الزمخشري: فمن فتح فلأن الأول فاعل
{كتب} بعني به مفعولاً لم يسم فاعله، قال: والثاني عطف عليه
انتهى. وهذا لا يجوز لأنك إذا جعلت {فأنه} عطفاً على {أنه}
بقيت بلا استيفاء خبر لأن {من تولاه} من، فيه مبتدأة، فإن
قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى يستقل خبراً لأنه وإن جعلتها
شرطية فلا جواب لها إذ جعلت {فأنه} عطفاً على {أنه} ومثل قول
الزمخشري قال ابن عطية قال {وأنه} في موضع رفع على المفعول
الذي لم يسم فاعله، وأنه الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها،
وخطا خطأ لما بيناه. وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمر و {إنه
فإنه} بكسر الهمزتين. وقال ابن عطية: وقرأ أبو عمرو {إنه من
تولاه فإنه يضله} بالكسر فيهما انتهى، وليس مشهوراً عن أبي
عمرو. والظاهر أن ذلك من إسناد {كتب} إلى الجملة إسناداً
لفظياً أي {كتب} عليه هذا الكلام كما تقول: كتب أن الله يأمر
بالعدل. وقال الزمخشري: أو عن تقدير قبل أو على المفعول الذي
لم يسم فاعله الكتب، والجملة من {أنه من تولاه} في موضع
المفعول الذي لم يسم فاعله لقيل المقدرة، وهذا لا يجوز عند
البصريين لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة فلا يكون ذلك مفعولاً
لم يسم فاعله، وأما الثاني فلا يجوز أيضاً على مذهب البصريين
لأنه لا تكسر أن بعد ما هو بمعنى القول، بل بعد القول صريحة.
وقرأ ابن أبي عبلة {مخلقة} بالنصب وغير بالنصب أيضاً نصباً على
الحال من النكرة المتقدمة، وهو قليل وقاسه سيبويه.
وقرأ يعقوب وعاصم في رواية {ونقر} بالنصب عطفاً على {لنبين} .
وعن عاصم أيضاً ثم يخرجكم بنصب الجيم عطفاً على {ونقر} إذا
نصب.
والظاهر أن قوله {وأن الساعة آتية} ليس داخلاً في سبب ما تقدم
ذكره، فليس معطوفاً على أنه الذي يليه، فيكون على تقدير.
والأمر {أن الساعة} وذلك مبتدأ وبأن الخبر. وقيل ذلك منصوب
بمضمر أي فعلنا ذلك.
{ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَبٍ مُّنِيرٍ * ثَانِىَ
عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِى الدُّنْيَا
خِزْىٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ *
ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ
بِظَلَّمٍ لِّلعَبِيدِ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ
عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ
الدُّنْيَا وَالأٌّخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَنُ الْمُبِينُ *
يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ
يَنفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلَلُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ
ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى
وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ
الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ جَنَتٍ تَجْرِى
مِن تَحْتِهَا الأٌّنْهَرُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
* مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِى
الدُّنْيَا وَالأٌّخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى
السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ
كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ * وَكَذلِكَ أَنزَلْنَهُءَايَتٍ
بَيِّنَتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ * إِنَّ}
{ومن الناس} مع ذلك {من يجادل} فكان الواو واو الحال، والآية
المتقدمة الواو فيها واو العطف عطفت جملة الكلام على ما قبلها،
والآية على معنى الإخبار وهي ههنا مكررة للتوبيخ انتهى. ولا
يتخيل أن الواو في {ومن الناس من يجادل} واو حال، وعلى تقدير
الجملة التي قدّرها قبله لو كان مصرحاً بها لم يتقدّر بإذ فلا
تكون للحال، وإنما هي للعطف.
وانتصب {ثاني عطفه} على الحال من الضمير المستكن في {يجادل} .
وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من
طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وابن مقسم خاسر الدنيا اسم فاعل
نصباً على الحال. وقرىء خاسر اسم فاعل مرفوعاً على تقدير وهو
خاسر. وقال الزمخشري: والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع
الضمير وهو وجه حسن انتهى. وقرأ الجمهور: {خسر} فعلاً ماضياً
وهو استئناف إخبار، ويجوز أن يكون في موضع الحال ولا يحتاج إلى
إضمار قد لأنه كثر وقوع الماضي حالاً في لسان العرب بغير قد
فساغ القياس عليه، وأجاز أبو الفضل الرازي أن يكون بدلاً من
قوله: {انقلب على وجهه} كما كان يضاعف بدلاً من يلق.
وتكلف المعربون وجوهاً فقالوا {يدعو} إما أن يكون لها يضاعف
بدلاً من يلق.
وتكلف المعربون وجوهاً فقالوا {يدعو} إما أن يكون لها تعلق
بقوله {لمن ضره} أولاً إن لم يكن لها تعلق فوجوه.
أحدها: أن يكون توكيداً لفظياً ليدعو الأولى، فلا يكون لها
معمول.
الثاني: أن تكون عاملة في ذلك من قوله: {ذلك هو الضلال} وقدم
المفعول الذي هو {ذلك} وجعل موصولاً بمعنى الذي قاله أبو علي
الفارسي، وهذا لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم
الإشارة أن يكون موصولاً، والبصريون لا يجيزون ذلك إلاّ في ذا
بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أو من.
الثالث: أن يكون {يدعو} في موضع الحال، {وذلك} مبتدأ وهو فضل
أو مبتدأ وحذف الضمير من {يدعو} أي يدعوه وقدره مدعواً وهذا
ضعيف، لأن يدعوه لا يقدر مدعواً إنما يقدر داعياً، فلو كان
يدعى مبنياً للمفعول لكان تقديره مدعواً جارباً على القياس.
وقال نحوه الزجاج وإن كان له تعلق بقوله: {لمن ضره} فوجوه.
أحدها: ما قاله الأخفش وهو أن {يدعو} بمعنى
يقول و {من} مبتدأ موصول صلته الجملة بعده. وهي {ضره أقرب من
نفعه} وخبر المبتدأ محذوف، تقديره إله وإلهي والجملة في موضع
نصب محكية بيدعو التي هي بمعنى يقول، قيل: هو فاسد المعنى لأن
الكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها. وقيل: في
هذا القول يكون {لبئس} مستأنفاً لأنه لا يصح دخوله في الحكاية
لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم {لبئس المولى} .
الثاني: أن {يدعو} بمعنى يسمي، والمحذوف آخراً هو المفعول
الثاني ليسمى تقديره إلهاً وهذا لا يتم إلاّ بتقدير زيادة
اللام أي يدعو من ضره.
الثالث: أن يدعو شبه بأفعال القلوب لأن الدعاء لا يصدر إلاّ عن
اعتقاد، والأحسن أن يضمن معنى يزعم ويقدر لمن خبره، والجملة في
موضع نصب ليدعو أشار إلى هذا الوجه الفارسي.
الرابع: ما قاله الفراء وهو أن اللام دخلت في غير موضعها
والتقدير {يدعو} من لضره أقرب من نفعه، وهذا بعيد لأن ما كان
في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول.
الخامس: أن تكون اللام زائدة للتوكيد، و {من} مفعول بيدعو وهو
ضعيف لأنه ليس من مواضع زيادة اللام، لكن يقويه قراءة عبد الله
يدعو من ضره بإسقاط اللام، وأقرب التوجيهات أن يكون {يدعو}
توكيداً ليدعو الأول؛ واللام في {لمن} لام الابتداء، والخبر
الجملة التي هي قسم محذوف، وجوابه {لبئس المولى} .
{إِنَّ الَّذِينَءَامَنُواْ وَالَّذِينَ
هَادُواْ وَالصَّبِئِينَ وَالنَّصَرَى وَالْمَجُوسَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ *
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ
وَمَن فِى الأٌّرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ
النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
يَشَآءُ * هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ
يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ
مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ
حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ
غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ *
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّلِحَتِ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأٌّنْهَرُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ
مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُواْ إِلَى صِرَطِ الْحَمِيدِ}
قال الزمخشري: ودخلت {إن} على كل واحد جزأي الجملة لزيادة
التأكيد، ونحوه قول جرير:
إنّ الخليفة إن اللَّه سربلهسربال ملك به
ترجى الخواتيم وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية، وكذلك قرنه
الزجاج بالآية ولا يتعين أن يكون البيت كالآية لأن البيت يحتمل
أن يكون خبر إن الخليفة قوله: به ترجى الخواتيم، ويكون إن الله
سربله سربال ملك جملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها بخلاف الآية
فإنه يتعين قوله: {إن الله يفصل} وحسن دخول {إن} على الجملة
الواقعة خبراً طول الفصل بينهما بالمعاطيف، ولا تعارض بين
قوله: {ومن في الأرض} لعمومه وبين قوله: {وكثير من الناس}
لخصوصه لأنه لا يتعين عطف {وكثير} على ما قبله من المفردات
المعطوفة الداخلة تحت يسجد إذ يجوز إضمار {يسجد له} كثير من
الناس سجود عبادة دل عليه المعنى لا أنه يفسره {يسجد} الأول
لاختلاف الاستعمالين، ومن يرى الجمع بين المشركين وبين الحقيقة
والمجاز يجيز عطف {وكثير من الناس} على المفردات قبله، وإن
اختلف السجود عنده بنسبته لما لا يعقل ولم يعقل ويجوز أن يرتفع
على الابتداء، والخبر محذوف يدل على مقابلة الذين في الجملة
بعده أي {وكثير من الناس} مثاب.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون {من الناس} خبراً له.
قال ابن عطية: {وكثير حق عليه العذاب} يحتمل أن يكون معطوفاً
على ما تقدم أي {وكثير حق عليه العذاب} .
الظاهر عطف {والجلود} على {ما} من قوله: {يصهر به ما في
بطونهم} وأن {الجلود} تذاب كما تذاب الأحشاء. وقيل: التقدير
وتخرق {الجلود} لأن الجلود لا تذاب إنما تجتمع على النار
وتنكمش وهذا كقوله:
علفتها تبناً وماء بارداً
أي وسقيتها ماء. والظاهر أن الضمير في {ولهم} عائد على الكفار،
واللام للاستحقاق.
{ومن غم} بدل من منها بدل اشتمال، أعيد معه الجار وحذف الضمير
لفهم المعنى أي من غمها، ويحتمل أن تكون من للسبب أي لأجل الغم
الذي يلحقهم.
وقرأ ابن عباس {يحلون} بفتح الياء واللام
وسكون الحاء من قولهم: حلى الرجل وحليت المرأة إذا صارت ذات
حلي والمرأة ذات حلي والمرأة حال. وقال أبو الفضل الرازي: يجوز
أن يكون من حلي بعيني يحلى إذا استحسنته، قال فتكون {من} زائدة
فيكون المعنى يستحسنون فيها الأساورة الملبوسة انتهى. وهذا ليس
بجيد لأنه جعل حلى فعلاً متعدياً ولذلك حكم بزيادة {من} في
الواجب وليس مذهب البصريين، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز
لأنه لا يحفظ لازماً فإن كان بهذا المعنى كانت {من} للسبب أي
بلباس أساور الذهب يحلون بعين من يراهم أي يحلى بعضهم بعين
بعض. قال أبو لافضل الرازي: ويجوز أن تكون {من} حليت به إذا
ظفرت به، فيكون المعنى {يحلون فيها} بأساور فتكون {من} بدلاً
من الباء، والحلبة من ذلك فإما إذا أخذته من حليت به فإنه من
الحلية، وهو من الياء وإن أخذته من حلي بعيني فإنه من الحلاوة
من الواو انتهى. ومن معنى الظفر قولهم: لم يحل فلان بطائل، أي
لم يطفر. والظاهر أن {من} في {من أساور} للتبعيض وفي {من ذهب}
لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب.
وقال ابن عطية: {من} في {من أساور} لبيان
الجنس، ويحتمل أن تكون للتبيعض. وتقدم الكلام على نظير هذه
الجملة في الكهف. وقرأ ابن عباس من أسور بفتح الراء من غير ألف
ولا هاء، وكان قياسه أن يصرفه لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه
قدر المحذوف موجوداً فمنعه الصرف. وقرأ عاصم ونافع والحسن
والجحدري والأعرج وأبو جعفر وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب
{ولؤلؤاً} هنا وفي فاطر بالنصب وحمله أبو الفتح على إضمار فعل
وقدره الزمخشري ويؤتون {لؤلؤاً} ومن جعل {من} في {من أساور}
زائدة جاز أن يعطف {ولؤلؤاً} على موضع {أساور} وقيل يعطف على
موضع {من أساور} لأنه يقدر و {يحلون} حلياً {من أساور} . وقرأ
باقي السبعة والحسن أيضاً وطلحة وابن وثاب والأعمش. وأهل مكة
ولؤلؤ بالخفض عطفاً على {أساور} أو على {ذهب} لأن السوار يكون
من ذهب ولؤلؤ، يجمع بعضه إلى بعض.
قال الجحدري: الألف ثابتة بعد الواو في الإمام. وقال الأصمعي:
ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر همز الأخير وإبدال الأولى.
وروى المعلى بن منصور عنه ضد ذلك. وقرأ الفياض: ولولياً قلب
الهمزتين واواً صارت الثانية واواً قبلها ضمة، عمل فيها ما عمل
في أدل من قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة. وقرأ ابن عباس
وليلياً أبدل الهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين اتبع الأولى
للثانية. وقرأ طلحة ولول مجروراً عطفاً على ما عطف عليه
المهموز.
{إِنَّ الَّذِينَءَامَنُواْ وَالَّذِينَ
هَادُواْ وَالصَّبِئِينَ وَالنَّصَرَى وَالْمَجُوسَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ *
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ
وَمَن فِى الأٌّرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ
النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
يَشَآءُ * هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ
يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ
مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ
حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ
غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ *
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّلِحَتِ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأٌّنْهَرُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ
مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُواْ إِلَى صِرَطِ الْحَمِيدِ * إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ
سَوَآءً الْعَكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ
بَوَّأْنَا لإِبْرَهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ
بِى شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ
وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِى
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَميِقٍ * لِّيَشْهَدُواْ مَنَفِعَ لَهُمْ
وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَتٍ عَلَى
مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأٌّنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا
وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُواْ
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَتِ
اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ
الأٌّنْعَمُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُواْ
الرِّجْسَ مِنَ الأٌّوْثَنِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ *
حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ
الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ}
المضارع قد لا يلحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ
ذاك على الاستمرار، ومنه {ويصدون على سبيل اللَّه} كقوله:
{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللَّه} وقيل: هو مضارع أريد
به الماضي عطفاً على {كفروا} وقيل: هو على إضمار مبتدأ أي وهم
{يصدون} وخبر إن محذوف قدره ابن عطية بعد {والباد} خسروا أو
هلكوا وقدره الزمخشري بعد قوله: {الحرام} نذيقهم {من عذاب
أليم} ولا يصح تقديره بعده لأن الذي صفة {المسجد الحرام} فموضع
التقدير هو بعد {والباد} لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن
عطية لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ، وابن
عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك. وقيل:
الواو في {ويصدون} زائدة وهو خبر إن تقديره إن الذين كفروا
يصدون. قال ابن عطية: وهذا مفسد للمعنى المقصود انتهى. ولا
يجيز البصريون زيادة الواو ولما وأما هو قول كوفي مرغوب عنه.
وقرأ الجمهور {سواء} بالرفع على أن الجملة
من مبتدأ وخبر في موضع المفعول الثاني، والأحسن أن يكون
{العاكف والبادي} هو المبتدأ و {سواء} الخبر، وقد أجيز العكس.
وقال ابن عطية: والمعنى {الذي جعلناه للناس} قبلة أو متعبداً
انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلاّ إن كان أراد تفسير
المعنى لا الإعراب فيسوغ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني،
فلا يحتاج إلى هذا التقدير. وقرأ حفص والأعمش {سواء} بالنصب
وارتفع به {العاكف} لأنه مصدر في معنى مستو اسم الفاعل. ومن
كلامهم: مررت برجل سواء هو والعدم، فإن كانت جعل تتعدى إلى
اثنين فسواء الثاني أو إلى واحد فسواء حال من الهاء. وقرأت
فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي {سواء} بالنصب {العاكف فيه}
بالجر. قال ابن عطية: عطفاً على الناس انتهى. وكأنه يريد عطف
البيان والأولى أن يكون بدل تفصيل.
ومفعول {برد} قال أبو عبيدة هو {بإلحاد} والباء زائدة في
المفعول. قال الأعمش:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
أي رزق وكذا قراءة الحسن منصوباً قرأ {ومن يرد} إلحاده بظلم أي
إلحاداً فيه فتوسع. وقال ابن عطية: يجوز أن يكون التقدير {ومن
يرد فيه} الناس {بإلحاد} . وقال الزمخشري: {بإلحاد بظلم} حالان
مترادفتان ومفعول {يرد} متروك ليتناول كل متناول.
قيل: واللام زائدة أي بوّأنا إبراهيم مكان البيت أي جعلنا يبوء
إليه كقوله: {لتبوأنهم من الجنة غرفاً} وقال الشاعر:
كم صاحب لي صالحبوّأته بيدي لحدا
وقيل: مفعول {بوأنا} محذوف تقديره بوّأنا الناس، واللام في
{لإبراهيم} لام العلة أي لأجل إبراهيم كرامة له وعلى يديه.
{وأن} مخففة من الثقيلة قاله ابن عطية،
والأصل أن يليها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة أو
حرف تفسير. قاله الزمخشري وابن عطية وشرطها أن يتقدمها جملة في
معنى القول و {بوّأنا} ليس فيه معنى القول، والأولى عندي أن
تكون {أن} الناصبة للمضارع إذ يليها الفعل المتصرف من ما ض
ومضارع وأمر النهي كالأمر.
وقرأ عكرمة وأبو نهيك: أن لايشرك بالياء على معنى أن يقول معنى
القول الذي قيل له. قال أبو حاتم: ولا بد من نصب الكاف على هذه
القراءة بمعنى أن {لا تشرك} .
وقرأ الحسن وابن محيصن وآذن بمدة وتخفيف الذال. قال ابن عطية:
وتصحف هذا على ابن جني فإنه حكى عهما {وأذن} على فعل ماض،
وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على {بوّأنا} انتهى. وليس بتصحيف
بل قد حكى أبو عبد الله الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من
جمعه. وصاحب اللوامح أبو الفضل الرازي ذلك عن الحسن وأبن
محيصن. قال صاحب اللوامح: وهو عطف على {وإذ بوّأنا} فيصير في
الكلام تقديم وتأخير، ويصير {يأتوك} جزماً على جواب الأمر الذي
هو {وطهر} انتهى.
{ذلك} خبر مبتدأ محذوف قدّره ابن عطية فرضكم {ذلك} أو الواجب
{ذلك} وقدّره الزمخشري الأمر أو الشأن {ذلك} قال كما يقدم
الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في
معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا انتهى. وقيل: مبتدأ محذوف الخبر
أي {ذلك} الأمر الذي ذكرته. وقيل في موضع نصب تقديره امتثلوا
{ذلك} ونظير هذه الإشارة البليغة قول زهير وقد تقدم له جمل في
وصف هرم:
هذا وليس كمن يعيا بخطبتهوسط الندى إذا ما ناطق نطقا وكان وصفه
قبل هذا بالكرم والشجاعة، ثم وصفه في هذا البيت بالبلاغة فكأنه
قال: هذا خلقه وليس كمن يعيا بخطبته.
والظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
و {من} في {من الأوثان} لبيان الجنس، ويقدر
بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان، ومن أنكر أن تكون
{من} لبيان الجنس جعل {من} لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن
الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن
جامعة لكل فساد ورجس، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر
الأرجاس من موضع غير هذا.
قال ابن عطية: ومن قال أن {من} للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده
انتهى.
{ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن
تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ إِلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ *
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ
اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأٌّنْعَمِ
فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ
الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ وَالصَّبِرِينَ عَلَى مَآ أَصَابَهُمْ
وَالْمُقِيمِى الصَّلَوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ *
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَهَا لَكُمْ مِّن شَعَئِرِ اللَّهِ لَكُمْ
فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ
الْقَنِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا
وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ
كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}
وقال الزمخشري: فإن تعظيمها {من} أفعال ذوي {تقوى القلوب}
فحذفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلاّ بتقديرها لأنه لا
بد من راجع من الجزاء إلى {من} ليتربط به، وإنما ذكرت {القلوب}
لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في
سائر الأعضاء انتهى.
وما قدره عار من راجع إلى الجزاء إلى {من}
ألا ترى أن قوله فإن تعظيمها من أفعال القلوب ليس في شيء منه
ضمير يعود إلى {من} يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أدانه
{من} وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فأي تعظيمها منه، فيكون
الضمير في منه عائداً على من فيرتبط الجزاء بالشرط.
وقرىء {القلوب} بالرفع على الفاعلية بالمصدر الذي هو {تقوى}
والضمير في {فيها} عائد على البدن على قول الجمهور.
ثم للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال.
وقياس بناء مفعل مما مضارعه يفعل يضم العين مفعل بفتحها في
المصدر والزمان والمكان، وبالفتح قرأ الجمهور. وقرأ بكسرها
الأخوان وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو ويونس ومحبوب وعبد
الوارث إلا القصبي عنه. قال ابن عطية: والكسر في هذا من الشاذ
ولا يسوغ فيه القياس، ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من العرب.
وقال الأزهري: منسك ومنسك لغتان.
وقرأ الجمهور {والمقيمي الصلاة} بالخفض على الإضافة وحذفت
النون لأجلها. وقرأ ابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو في رواية
{الصلاة} بالنصب وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن مسعود والأعمش
والمقيمين بالنون {الصلاة} بالنصب.
والجمهور على نصب {والبدن} على الاشتغال أي وجعلنا {البدن}
وقرىء بالرفع على الابتداء و {لكم} أي لأجلكم و {من شعائر} في
موضع المفعول الثاني.
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ
الَّذِينَءَامَنُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ
كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *
الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ
أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَمِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَتٌ وَمَسَجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ
عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّهُمْ فِى الأٌّرْضِ
أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَآتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَقِبَةُ الاٍّمُورِ * وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ
إِبْرَهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَبُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ
مُوسَى فَأمْلَيْتُ لِلْكَفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ
كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا
وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ
مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى
الأٌّرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ
أَوْءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى
الأٌّبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى
الصُّدُورِ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ
سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ
أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَىَّ
الْمَصِيرُ * قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ
نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَالَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّلِحَتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْاْ
فِىءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ *
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ
إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ
اللَّهُءَايَتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِّيَجْعَلَ مَا
يُلْقِى الشَّيْطَنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى
قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ *
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَءَامَنُواْ إِلَى صِرَطٍ
مُّسْتَقِيمٍ * وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى
مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً
أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ
يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ فِى جَنَّتِ النَّعِيمِ * وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِئَايتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ
اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ
اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ
الرزِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ
وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ * ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ
بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ *
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ * ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأٌّرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ
اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَّهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا
فِى الأٌّرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ *
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الأٌّرْضِ
وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ
السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى
الأٌّرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ
بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَنَ
لَكَفُورٌ * لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ
نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى الأٌّمْرِ وَادْعُ إِلَى
رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ * وَإِن جَدَلُوكَ
فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
فِى السَّمَآءِ وَالأٌّرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِى كِتَبٍ إِنَّ
ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ
لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ *
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْءَايَتُنَا بَيِّنَتٍ تَعْرِفُ فِى
وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ يَكَدُونَ يَسْطُونَ
بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْءَايَتُنَا قُلْ
أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا
اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يأَيُّهَا
النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ
اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ
يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا
قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ
عَزِيزٌ * اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلاً
وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الاٍّمُورُ * يأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ ارْكَعُواْ
وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَهِدُوا فِى
اللَّهِ حَقَّ جِهَدِهِ هُوَ اجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَهِيمَ هُوَ سَمَّكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى
هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ
شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ
الزَّكَوةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
{
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَءَامَنُواْ إِنَّ
اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ
عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن
دِيَرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا
اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَتٌ
وَمَسَجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ
عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّهُمْ فِى الأٌّرْضِ
أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَآتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَقِبَةُ الاٍّمُورِ * وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ
إِبْرَهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَبُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ
مُوسَى فَأمْلَيْتُ لِلْكَفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ
كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا
وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ
مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ}
{الذين أخرجوا} في موضع جر نعت للذين، أو
بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع على إضمارهم. و {إلا
أن يقولواد استثناء منقطع فإن يقولوا} في موضع نصب لأنه منقطع
لا يمكن توجه العامل عليه، فهو مقدر بلكن من حيث المعنى لأنك
لو قلت {الذين أخرجوا من ديارهم} {إلا أن يقولوا ربنا الله} لم
يصح بخلاف ما في الدار أحد إلاّ حمار، فإن الاستثناء منقطع
ويمكن أن يتوجه عليه العامل فتقول: ما في الدار إلاّ حمار فهذا
يجوز فيه النصب والرفع النصب للحجاز والرفع لتميم بخلاف مثل
هذا فالعرب مجمعون على نصبه. وأجاز أبو إسحاق فيه الجر على
البدل واتّبعه الزمخشري فقال {أن يقولوا} في محل الجر على
الإبدال من {حق} أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون
موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتبشير، ومثله {هل
تنقمون منا إلاّ أن آمنا} انتهى.
وما أجازاه من البدل لا يجوز لأن البدل لا
يكون إلاّ إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي، نحو:
ما قام أحد إلاّ زيد، ولا يضرب أحد إلاّ زيد، وهل يضرب أحد
إلاّ زيد، وأما إذا كان الكلام موجباً أو أمراً فلا يجوز
البدل: لا يقال قام القوم إلاّ زيد على البدل، ولا يضرب القوم
إلاّ زيد على البدل، لأن البدل لا يكون إلاّ حيث يكون العامل
يتسلط عليه، ولو قلت قام إلاّ زيد، وليضرب إلاّ عمر ولم يجز.
ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلاّ بأن يقولوا
لا إله إلاّ الله لم يكن كلاماً هذا إذا تخيل أن يكون {إلاّ أن
يقولوا} في موضع جر بدلاً من غير المضاف إلى {حق} وإما أن يكون
بدلاً من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه
يلزم منه أن يكون البدل يلي غيراً فيصير التركيب بغير {إلاّ أن
يقولوا} وهذا لا يصح، ولو قدرت {إلاّ} بغير كما يقدر في النفي
في ما مررت بأحد إلاّ زيد فتجعله بدلاً لم يصح، لأنه يصير
التركيب بغير غير قولهم {ربنا الله} فتكون قد أضفت غيراً إلى
غير وهي هي فصار بغير غير، ويصح في ما مررت بأحد إلاّ زيد أن
تقول: ما مررت بغير زيد، ثم إن الزمخشري حين مثل البدل قدره
بغير موجب سوى التوحيد، وهذا تمثيل للصفة جعل إلاّ بمعنى سوى،
ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل، ويجوز أن
تقول: مررت بالقوم إلاّ زيد على الصفة لا على البدل.
والظاهر أنه يجوز في إعراب {الذين إن مكناهم في الأرض} ما جاز
في إعراب {الذين أخرجوا} وقال الزجاج: هو منصوب بدل ممن ينصره.
{فكأين} للتكثير، واحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء وفي
موضع نصب على الاشتغال.
{وهي ظالمة} جملة حالية {فهي خاوية على
عروشها} تقدم تفسير هذه الجملة في البقرة في قوله {أو كالذي مر
على قرية} وقال الزمخشري: فإن قلت: ما محل الجملتين من
الإعراب؟ أعني {وهي ظالمة فهي خاوية} قلت: الأولى في محل نصب
على الحال، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على {هلكناها}
وهذا الفعل ليس له محل انتهى.
وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن {فكأين} الأجود في إعرابها أن
تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله {أهلكناها} فهي في موضع رفع
والمعطوف على الخبر خبر، فيكون قوله {فهي خاوية} في موضع رفع،
لكن يتجه قول الزّمخشري على الوجه القليل وهو إعراب {فكأين}
منصوباً بإضمار فعل على الاشتغال، فتكون الجملة من قوله
{وأهلكناها} مفسرة لذلك الفعل، وعلى هذا لا محل لهذه الجملة
المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له.
{وبئر} {وقصر} معطوفان على {من قرية} {ومن قرية} تمييز لكأين.
وجعل {وبئر معطلة وقصر مشيد} معطوفين على {عروشها} جهل
بالفصاحة.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأٌّرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا
لاَ تَعْمَى الأٌّبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى
فِى الصُّدُورِ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن
يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّن مِّن
قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا
وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ * قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ
أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَالَّذِينَءَامَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
* وَالَّذِينَ سَعَوْاْ فِىءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ
أَصْحَبُ الْجَحِيمِ}
{فتكون} منصوب على جواب الاستفهام قاله ابن
عطية، وعلى جواب التقرير قاله الحوفي. وقيل: على جواب النفي،
ومذهب البصريين أن النصب بإضمار إن وينسبك منها ومن الفعل مصدر
يعطف على مصدر متوهم، ومذهب الكوفيين أنه منصوب على الصرف إذ
معنى الكلام الخبر صرفوه عن الجزم على العطف على {يسير} ،
وموردوه إلى أخي الجزم وهو النصب هذا معنى الصرف عندهم، ومذهب
الجرمي أن النصب بالفاء نفسها.
ومتعلق {يعقلون بها} محذوف أي ما حل بالأمم السابقة حين كذبوا
أنبياءهم و {يعقلون} ما يجب من التوحيد، وكذلك مفعول {يسمعون}
أي يسمعون أخبار تلك الأمم أو ما يجب سماعه من الوحي. والضمير
في {فإنها} ضمير القصة وحسن التأنيث هنا ورجحه كون الضمير وليه
فعل بعلامة التأنيث وهي التاء في {لا تعمى} ويجوز في الكلام
التذكير وقرأ به عبد الله فإنه لا تعمى.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً يفسره {الأبصار}
وفي {تعمى} راجع إليه انتهى. وما ذكره لا يجوز لأن الذي يفسره
ما بعده محصور، وليس هذا واحداً منها وهو في باب رب وفي باب
نعم. وبئس، وفي باب الأعمال، وفي باب البدل، وفي باب المتبدأ
والخبر على خلاف في هذه الأربعة على ما قرر ذلك في أبوابه.
وعطفت {فكأين} الأولى بالفاء وهذه الثانية بالواو. وقال
الزمخشري: الأولى وقعت بدلاً عن قوله {فكيف كان نكير} وما هذه
فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو أعني قوله
{لن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة} .
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن
رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى
الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى
الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُءَايَتِهِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ
فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ *
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَءَامَنُواْ إِلَى صِرَطٍ
مُّسْتَقِيمٍ * وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى
مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً
أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ
يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ فِى جَنَّتِ النَّعِيمِ * وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِئَايتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ
اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ
اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ
الرزِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ
وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ * ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ
بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ *
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ * ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ}
ومفعول ألقى محذوف لفهم المعنى وهو الشر والكفر.
{من} فيه لابتداء الغاية و {من} في {من
رسول} زائدة تفيد استغراق الجنس. وعطف {ولا نبي} على {من رسول}
دليل على المغايرة. وقد تقدم لنا الكلام على مدلوليهما فأغنى
عن إعادته هنا، وجاء بعد {إلا} جملة ظاهرها الشرط وهو {إذا
تمنى ألقى الشيطان} وقاله الحوفي، ونصوا على أنه يليها في
النفي مضارع لا يشترط فيه شرط، فتقول: ما زيد إلاّ بفعل كذا،
وما رأيت زيداً إلاّ بفعل كذا، وماض بشرط أن يتقدمه فعل كقوله
{وما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا} أو يكون الماضي مصحوباً بقدر
نحو: ما زيد إلاّ قد قام، وما جاء بعد {إلاّ} في الآية جملة
شرطية ولم يلها مرض مصحوب بقد ولا عار منها، فإن صح ما نصوا
عليه تؤول على أن إذا جردت للظرفية ولا شرط فيها وفصل بها بين
{إلاّ} والفعل الذي هو {ألقي} وهو فصل جائز فتكون إلاّ قد
وليها ماض في التقدير ووجد شرطه وهو تقدم فعل قبل {إلاّ} وهو
{وما أرسلنا} وعاد الضمير في {تمني} مفرداً وذكروا أنه إذا كان
العطف بالواو عاد الضمير مطابقاً للمتعاطفين، وهذا عطف بالواو
وما جاء غير مطابق أولوه على الحذف فيكون تأويل هذا {وما
أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}
{ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} فحذف من الأول
لدلالة الثاني عليه و {تمنى} تفعل من المنية.
والجملة بعد {إلاّ} في موضع الحال أي {وما أرسلناه} إلاّ،
وحاله هذه. وقيل: الجملة في موضع الصفة وهو قول الزمخشري في
نحو: ما مررتَ بأحد إلاّ زيد خير منه، والصحيح أن الجملة حالية
لا صفة لقبولها واو الحال، واللام في {ليجعل} متعلقة بيحكم
قاله الحوفي. وقال ابن عطية: بينسخ. وقال غيرهما: ألقى،
والظاهر أنها للتعليل. وقيل: هي لام العاقبة و {ما} في {يلقي}
الظاهر أنها بمعنى الذي، وجوز أن تكون مصدرية.
والتنوين في {يومئذ} تنوين العوض، والجملة
المعوض منها هذا التنوين هو الذي حذف بعد الغاية أي {الملك}
يوم تزول مريتهم وقدره الزمخشري أولاً يوم يؤمنون وهو لازم
لزوال المرية.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً
فَتُصْبِحُ الأٌّرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ * لَّهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الأٌّرْضِ
وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الأٌّرْضِ وَالْفُلْكَ
تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن
تَقَعَ عَلَى الأٌّرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ
بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَنَ
لَكَفُورٌ * لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ
نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى الأٌّمْرِ وَادْعُ إِلَى
رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ * وَإِن جَدَلُوكَ
فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ}
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل فأصبحت ولم صرف إلى لفظ
المضارع؟ قلت: لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثرر المطر زماناً بعد
مان. كما تقول أنعم عليّ فلان عام كذا، فأروح وأغذو شاكراً له.
ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع.
فإن قلت: فما باله رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام؟ قلت: لو نصب
لأعطى ما هو عكس الغرض، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب
بالنصب إلى نفي الاخضرار مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أني
أنعمت عليك فتشكر إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه، وإن
رفعته فأنتم ثبت للشكر هذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم
بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله.
ووقع قوله {فتصبح} من حيث الآية خبراً،
والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله {ألم تر فاسد
المعنى انتهى. ولم يبين هو ولا الزمخشري كيف يكون النصب نافياً
للاخضرار، ولا كون المعنى فاسداً. وقال سيبويه: وسألته يعني
الخليل عن ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض
مخضرة} فقال: هذا واجب وهو تنبيه. كأنك قلت: أتسمع {أنزل الله
من السماء ماء} فكان كذا وكذا. قال ابن خروف، وقوله فقال هذا
واجب، وقوله فكان كذا يريد أنهما ماضيان، وفسر الكلام بأتسمع
ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه، ووقع في
الشرقية عوض أتسمع انتبه انتهى. ومعنى في الشرقية في النسخة
الشرقية من كتاب سيبويه.
وقال بعض شراح الكتاب {فتصبح} لا يمكن نصبه لأن الكلام واجب
ألا ترى أن المعنى {أن الله أنزل} فالأرض هذا حالها. وقال
الفراء {ألم تر} خبر كما تقول في الكلام اعلم أن الله يفعل كذا
فيكون كذا انتهى. ويقول إنما امتنع النصب جواباً للاستفهام هنا
لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وإن كان يقتضي تقريراً في
بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى إلى
قوله {ألست بربكم قالوا بلى} وكذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت
النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب، فإذا قلت: ما
تأتينا فتحدثنا بالنصب، فالمعنى ما تأتينا محمداً إنما يأتي
ولا يحدث، ويجوز أن يكون المعنى إنك لا تأتي فكيف تحدث،
فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي
المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة، وينتفي الجواب فيلزم من
هذا الذي قررناه إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار وهو خلاف
المقصود. وأيضاً فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام
السابق شرط وجزاء فقوله:
ألم تسأل فتخبرك الرسوم
يتقدر أن تسأل فتخبرك الرسوم، وهنا لا
يتقدر أن ترى إنزال المطر تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس
مترتباً على علمك أو رؤيتك، إنما هو مترتب على الإنزال، وإنما
عبر بالمضارع لأن فيه تصويراً للهيئة التي الأرض عليها،
والحالة التي لابست الأرض، والماضي يفيد انقطاع الشيء.
وقرأ الجمهور {والفلك} بالنصب وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن
الحسن، وانتصب عطفاً على {ما} ونبه عليها وإن كانت مندرجة في
عموم ما تنبيهاً على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها، وهذا هو
الظاهر. وجوز أن يكون معطوفاً على الجلالة بتقدير وأن {الفلك}
وهو إعراب بعيد عن الفصاحة و {تجري} حال على الإعراب الظاهر.
وفي موضع الجر على الإعراب الثاني. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة
وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وخبر، ومن أجاز العطف
على موضع اسم إن أجازه هنا فيكون {تجري} حالاً. والظاهر أن
{أن} تقع في موضع نصب بدل اشتمال، أي ويمنع وقوع السماء على
الأرض. وقيل هو مفعول من أجله يقدره البصريون كراهة {أن تقع}
والكوفيون لأن لا تقع.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَآءِ
وَالأٌّرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِى كِتَبٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ * وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا
لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ * وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْءَايَتُنَا بَيِّنَتٍ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ
الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ يَكَدُونَ يَسْطُونَ
بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْءَايَتُنَا قُلْ
أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا
اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
وقرأ الجمهور {النار} رفعاً على إضمارمبتدأ
كأن قائلاً يقول قال: وما هو؟ قال: النار، أي نار جهنم. وأجاز
الزمخشري أن تكون {النار} مبتدأ و {وعدها} الخبر وأن يكون
{وعدها} حالاً على الإعراب الأول، وأن تكون جملة إخبار مستأنفة
وأجيز أن تكون خبراً بعد خبر، وذلك في الإعراب الأول، وروي
أنهم قالوا: محمد وأصحابه شر خلق فقال الله قل لهم يا محمد
{أفأنبئكم بشر} ممن ذكرتم على زعمكم أهل النار فهم أنتم خشر
خلق الله. وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن يوسف عن الأعشى وزيد
بن علي {النار} بالنصب. قال الزمخشري: على الاختصاص ومن أجاز
في الرفع أن تكون {النار} مبتدأ فقياسه أن يجيز في النصب أن
يكون من باب الاشتغال. وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح عن
قتيبة {النار} بالجر على البدل من {شر} والظاهر أن الضمير في
{وعدها} هو المفعول الأول على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن
يطعمها إياهم، ألا ترى إلى قولها هل من مريد، ويجوز أن يكون
الضمير هو المفعول الثاني {والذين كفروا} هو الأول كما قال {عد
الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم} .
{يأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ
فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ
وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُواْ
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ *
اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الاٍّمُورُ * يأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ ارْكَعُواْ
وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ
جِهَدِهِ هُوَ اجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَهِيمَ هُوَ
سَمَّكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ
الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى
النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ
وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى
وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
وقال الزمخشري {لن} أخت لا في نفي المستقبل إلاّ أن تنفيه
نفياً مؤكداً، وتأكيده هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم
مستحيل مناف لأحوالهم كأنه قال: محال أن يخلقوا انتهى. وهذا
القول الذي قاله في {لن} هو المنقول عنه أن {لن} للنفي على
التأييد، ألا تراه فسر ذلك بالاستحالة وغيره من النحاة يجعل
{لن} مثل لا في النفي ألا ترى إلى قوله {أفمن يخلق كمن لا
يخلق} كيف جاء النفي بلا وهو الصحيح، والاستدلال عليه مذكور في
النحو.
وموضع {ولو اجتمعوا له} قال الزمخشري: نصب على الحال كأنه قال
مستحيل: أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم جميعاً
لخلقه، وتعاونهم عليه انتهى.
وتقدم لنا الكلام على نظير {ولو} هذه،
وتقرر أن الواو فيه للعطف على حال محذوفة، كأنه قيل {لن يخلقوا
ذباباً} على كل حال ولو في هذه الحال التي كانت تقتضي أن
يخلقوا لأجل اجتماعهم، ولكنه ليس في مقدورهم ذلك.
قال الزمخشري: ويجوز أن يتسع
ويوم شهدناه سليماً وعامراً
انتهى. يعني بالظرف الجار والمجرور، كأنه كان الأصل حق جهاد
فيه فاتسع بأن حذف حرف الجر وأضيف جهاد إلى الضمير.
وانتصب {ملة أبيكم} بفعل محذوف. وقدره ابن عطية جعلها {ملة}
وقال الزمخشري: نصب الملة بمضمون ما تقدّمها كأنه قيل وسع
دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه
أو على الاختصاص أي أعني بالدين {ملة أبيكم} كقوله: الحمد لله
الحميد، وقال الحوفي وأبو البقاء: اتبعوا ملة إبراهيم. وقال
الفراء: هو نصب على تقدير حذف الكاف، كأنه قيل كلمة {أبيكم}
بالإضافة إلى أبيه الرسول.
|