الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الأحزاب
ثلاث وسبعون آية مدنية
وأدعياء: جمع دعي، فعيل بمعنى مفعول، جاء شاذاً، وقياسه فعلى،
كجريح وجرحى، وإنما هذا الجمع قياس فعيل المعتل اللام بمعنى
فاعل، نحو: تقي وأتقياء. شبهوا أدعياء بتقي، فجمعوه جمعه
شذوذاً، كما شذوا في جمع أسير وقتيل فقالوا: أسراء وقتلاء، وقد
سمع المقيس فيهما فقالوا: أسرى وقتلى.
أقسط {عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُمْ
مُّنتَظِرُونَ * يأَيُّهَا النَّبِىِّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ
تُطِعِ الْكَفِرِينَ وَالْمُنَفِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيماً حَكِيماً * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن
رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً *
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً * مَّا
جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ وَمَا
جَعَلَ أَزْوَجَكُمُ اللاَّئِى تُظَهِرُونَ مِنْهُنَّ
أُمَّهَتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ
ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ
وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لأًّبَآئِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْءَابَاءَهُمْ
فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَلِيكُمْ وَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً *
النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَجُهُ أُمَّهَتُهُمْ وَأُوْلُو الأٌّرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَبِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهَجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى
أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَبِ
مَسْطُوراً * وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ
مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقًا
غَلِيظاً * لِّيَسْأَلَ الصَّدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ
لِلْكَفِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً * يأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً
وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيراً * إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ
وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الأٌّبْصَرُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ
بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ
وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنَفِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً * وَإِذْ
قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يأَهْلَ.يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ
لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ
النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ
بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ
عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ
لأّتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً *
وَلَقَدْ كَانُواْ عَهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ
يُوَلُّونَ الأٌّدْبَرَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً *
قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ
الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ
قَلِيلاً * قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُمْ مِّنَ اللَّهِ
إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً
وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ
نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ
وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ
يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ
فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ
تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ
الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ
حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ
فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيراً * يَحْسَبُونَ الأٌّحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن
يَأْتِ الأٌّحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ
أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأٌّعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ
أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ
قَلِيلاً * لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأٌّخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ
الأٌّحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ
إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً *
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ
مَا عَهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ
تَبْدِيلاً * لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ
وَيُعَذِّبَ الْمُنَفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَرَدَّ اللَّهُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً
وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ
قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَهَرُوهُم مِّنْ
أَهْلِ الْكِتَبِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً *
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَرَهُمْ وَأَمْوَلَهُمْ
وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيراً * يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأٌّزْوَجِكَ إِن
كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً
جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالدَّارَ الأٌّخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِنَتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * ينِسَآءَ
النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَلِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * ينِسَآءَ
النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً *
وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَهِلِيَّةِ الاٍّولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَءَاتِينَ
الزَّكَوةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا
يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ
وَالْقَنِتِينَ وَالْقَنِتَتِ وَالصَّدِقِينَ وَالصَّدِقَتِ
وَالصَّبِرِينَ وَالصَّبِرَتِ وَالْخَشِعِينَ وَالْخَشِعَتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَتِ والصَّئِمِينَ
والصَّئِمَتِ وَالْحَفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَفِظَتِ
وَالذكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً * وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلاً مُّبِيناً *
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَهُ فَلَمَّا
قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَكَهَا لِكَىْ لاَ
يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ
أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ
حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِى
الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً
مَّقْدُوراً * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً * مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ
أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن
رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً * يأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى
عَلَيْكُمْ} : أفعل التفضيل.
{
مسطوراً} : أي مثبتاً بالأسطار، وهذه الجملة مستأنفة كالخاتمة.
واللام في {ليسأل} ، قيل: يحتمل أن تكون لام الصيرورة، أي أخذ
الميثاق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا. والظاهر أنها لام
كي، أي بعثنا الرسل وأخذنا عليهم المواثيق في التبليغ، لكي
يجعل الله خلقه فرقتين: فرقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة
الحجة، فتجيب بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها،
فيثيبها على ذلك؛ وفرقة كفرت، فينالها ما أعد لها من العذاب.
فالصادقون على هذا المسئولون هم: المؤمنون. والهاء في {صدقهم}
عائدة عليهم، ومفعول {صدقهم} محذوف تقديره: عن صدقهم عهده. أو
يكون {صدقهم} في معنى: تصديقهم، ومفعوله محذوف، أي عن تصديقهم
الأنبياء.
{وأعد} : معطوف على أخذنا.
وإذ معمولة لنعمة، أي إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود.
و {هنالك} : ظرف مكان للبعيد هذا أصله، فيحمل عليه، أي في ذلك
المكان الذي وقع فيه الحصار والقتال {ابتلي المؤمنون} ،
والعامل فيه ابتلي. وقال ابن عطية: {هنالك} ظرف زمان؛ قال: ومن
قال إن العامل فيه {وتظنون} ، فليس قوله بالقوي، لأن البداءة
ليست متمكنة.
وقرأ الجمهور: {زلزالاً} ، بكسر الزاي؛ والجحدري. وعيسى:
بفتحها، وكذا: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} ، ومصدر فعلل من
المضاعف يجوز فيه الكسر والفتح نحو: قلقل قلقالاً. وقد يراد
بالمفتوح معنى اسم الفاعل، فصلصال بمعنى مصلصل، فإن كان غير
مضاعف، فما سمع منه على فعلان، مكسور الفاء نحو: سرهفه
سرهافاً.
{لا مقام لكم} ، وقرأ السلمي والأعرج
واليماني وحفص: بضم الميم، فاحتمل أن يكون مكاناً، أي لا مكان
إقامة؛ واحتمل أن يكون مصدراً، أي لا إقامة. وقرأ أبو جعفر،
وشيبة، وأبو رجاء، والحسن، وقتادة، والنخعي، وعبد الله بن
مسلم، وطلحة، وباقي السبعة: بفتحها، واحتمل أيضاً المكان، أي
لا مكان قيام، واحتمل المصدر، أي لا قيام لكم.
و {يقولون} : حال، أي قائلين: {إن بيوتنا عورة} .
{لا يولون الأدبار} . وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على
المعنى: ولو جاء كما لفظوا به، لكان التركيب: لا نولي الأدبار.
قال الربيع بن خيثم: وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه،
أي: {إن فررتم من الموت} ، أو القتل، لا ينفعكم الفرار، وإذاً
هنا تقدّمها حرف عطف، فلا يتحتم إعمالها، بل يجوز، ولذلك قرأ
بعضهم: {وإذاً لا يلبثوا خلفك} في سورة الإسراء، بحذف النون. و
{قليلاً} : نعت لمصدر محذوف، أي تمتيعاً قليلاً، أو لزمان
محذوف، أي زماناً قليلاً.
و {من ذا} : استفهام، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي، أي لا
أحد يعصمكم من الله.
وقال الزمخشري: وهلموا إلينا، أي قربوا أنفسكم إلينا، قال: وهو
صوت سمي به فعل متعد مثل: احضر واقرب. انتهى.
والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتاً، وإنما هو مركب مختلف في
أصل تركيبه؛ فقيل: هو مركب من هاالتي للتنبيه ولم، وهو مذهب
البصريين. وقيل: من هل وأم، والكلام على ترجيح المختار منهما
مذكور في النحو. وأما قوله: سمي به فعل متعد، ولذلك قدر {هلم
إلينا} : أي قربوا أنفسكم إلينا؛ والنحويون: أنه متعد ولازم؛
فالمتعدي كقوله: {قل هلم شهداءكم} : أي احضروا شهداءكم،
واللازم كقوله: {هلم إلينا} ، وأقبلوا إلينا.
وقرأ الجمهور: {أشحة} ، بالنصب. قال
الفراء: على الذم، وأجاز نصبه على الحال، والعامل يعوقون. وقال
الطبري: حال من {هلم إلينا} . وقال الزجاج: حال من {ولا يأتون}
؛ وقيل: حال من {المعوقين} ؛ وقيل: من {القائلين} ، ورد
القولان بأن فيهما تفريقاً بين الموصول وما هو من تمام صلته.
وقرأ ابن أبي عبلة: أشحة، بالرفع على إضمار مبتدأ، أي هم أشحة.
و {تدور} : في موضع الحال، أي دائرة أعينهم. {كالذي} : في موضع
الصفة لمصدر محذوف، وهو مصدر مشبه، أي دوراناً كدوران عين الذي
يغشى عليه. فبعد الكاف محذوفان وهما: دوران وعين، ويجوز أن
يكون في موضع الصفة لمصدر من {ينظرون إليك} ، نظراً كنظر الذي
يغشى عليه.
وقرأ ابن أبي عبلة: أشحة بالرفع، أي هم أشحة؛ والجمهور: بالنصب
على الحال من {سلقوكم} ، وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله
أولاً: {أشحة عليكم} .
و {أسوة} : اسم كان، و {لكم} : الخبر، ويتعلق {في رسول الله}
بما يتعلق به {لكم} ، أو يكون في موضع الحال، لأنه لو تأخر جاز
أن يكون نعتاً لأسوة، أو يتعلق بكان على مذهب من أجاز في كان
وأخواتها الناقصة أن تعمل في الظرف والمجرور، ويجوز أن يكون
{في رسول الله} الخبر، ولكم تبيين، أي لكم، أعني: {لمن كان
يرجو الله} . قال الزمخشري: بدل من لكم، كقوله: {للذين
استضعفوا لمن آمن منهم} . انتهى. ولا يجوز على مذهب جمهور
البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم، ولا من ضمير المخاطب، اسم
ظاهر في بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، وأجاز ذلك
الكوفيون والأخفش، ويدل عليه قول الشاعر:
بكم قريش كفينا كل معضلةوأمّ نهج الهدى من كان ضليلاً
وتقول: صدقت زيداً الحديث، وصدقت زيداً في
الحديث. وقد عدت صدق هذه في ما يتعدى بحرف الجر، وأصله ذلك، ثم
يتسع فيه فيحذف الحرف ويصل الفعل إليه بنفسه، ومنه قولهم في
المثل: صدقني سن بكره، أي في سن بكره. فما عاهدوا، إما أن يكون
على إسقاط الحرف، أي فيما عاهدوا، والمفعول الأول محذوف،
والتقدير: صدقوا الله، وإما أن يكون صدق يتعدى إلى واحد، كما
تقول: صدقني أخوك إذا قال لك الصدق، وكذبك أخوك إذا قال لك
الكذب.
واللام في ليجزي {الأٌّحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا}
، قيل: لام الصيرورة؛ وقيل: لام التعليل، ويتعلق بقوله: {وما
بدلوا تبديلاً} .
{بغيظهم} : فهو حال، والباء للمصاحبة؛ و {لم ينالوا} : حال
ثانية، أو من الضمير في بغيظهم، فيكون حالاً متداخلة. وقال
الزمخشري: ويجوز أن تكون الثانية بياناً للأولى، أو استئنافاً.
انتهى. ولا يظهر كونها بياناً للأولى، ولا للاستئناف، لأنها
تبقى كالمفلتة مما قبلها.
وقراءة حميد الخراز: {أمتعكن وأسرحكن} ، بالرفع على الاستئناف؛
والجمهور: بالجزم على جواب الأمر، أو على جواب الشرط، ويكون
{فتعالين} جملة اعتراض بين الشرط وجزائه، ولا يضر دخول الفاء
على جملة الاعتراض، ومثل ذلك قول الشاعر:
واعلم فعلم المرء ينفعهإن سوف يأتي كل ما قدرا
وقرأ الجمهور: ومن يقنت بالمذكر، حملاً على
لفظ من، وتعمل بالتاء حملاً على المعنى. {نؤتها} : بنون
العظمة. وقرأ الجحدري، والأسواري، ويعقوب، في رواية: ومن تقنت
بتاء التأنيث، حملاً على المعنى، وبها قرأ ابن عامر في رواية،
ورواها أبو حاتم عن أبي جعفر وشيبة ونافع. وقال ابن خالويه: ما
سمعت أن أحداً قرأ: ومن يقنت، إلا بالتاء. وقرأ السلمي، وابن
وثاب، وحمزة، والكسائي: بياء من تحت في ثلاثتها. وذكر أبو
البقاء أن بعضهم قرأ: ومن يقنت بالياء، حملاً على المعنى،
ويعمل بالياء حملاً على لفظ من قال؛ فقال بعض النحويين: هذا
ضعيف، لأن التذكير أصل لا يجعل تبعاً للتأنيث، وما عللوه به قد
جاء مثله في القرآن، وهو قوله تعالى: {خالصة لذكورنا ومحرم على
أزواجنا} . انتهى.
وقال الزمخشري: أحد في الأصل بمعنى وحد، وهو الواحد؛ ثم وضع في
النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه.
أما قوله: أحد في الأصل بمعنى: وحد، وهو الواحد فصحيح. وأما
قوله: ثم وضع، إلى قوله: وما وراءه، فليس بصحيح، لأن الذي
يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحداً، لأن واحد
ينطلق على كل شيء اتصف بالوحدة، وأحد المستعمل في النفي العام
مخصوص بمن يعقل. وذكر النحويون أن مادته همزة وحاء ودال، ومادة
أحد بمعنى وحد أصله واو وحاء ودال، فقد اختلفا مادة ومدلولاً.
وأما قوله: لستن {رِزْقاً كَرِيماً *
ينِسَآءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِى} كجماعة واحدة، فقد قلنا: إن قوله {لستن} معناه: ليست
كل واحدة منكن، فهو حكم على كل واحدة واحدة، ليس حكماً على
المجموع من حيث هو مجموع. وقلنا: إن معنى كأحد: كشخص واحد،
فأبقينا أحداً على موضوعه من التذكير، ولم نتأوله بجماعة
واحدة. وأما {ولم يفرقوا بين أحد منهم} ، فاحتمل أن يكون الذي
للنفي العام، ولذلك جاء في سياق النفي، فعم وصلحت البينية
للعموم. واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد، ويكون قد حذف معطوف،
أي بين واحد وواحد من رسله، كما قال الشاعر:
فما كان بين الخير لوجا سالماًأبو حجر ألا ليال قلائل
أي: لستن مثلهن إن اتقيتن الله، وذلك لما انضاف مع تقوى الله
من صحبة الرسول وعظيم المحل منه، ونزول القرآن في بيتهن وفي
حقهن. وقال الزمخشري: {إن اتقيتن} : إن أردتن التقوى، وإن كن
متقيات. {فلا تخضعن بالقول} : فلا تجبن بقولكنّ خاضعاً، أي
ليناً خنثاً، مثل كلام المريبات والمومسات. {فيطمع الذي في
قلبه مرض} : أي ريبة وفجورا. انتهى. فعلى القول الأول يكون {إن
اتقيتن} قيداً في كونهن لسن كأحد من النساء، ويكون جواب الشرط
محذوفاً. وعلى ما قاله الزمخشري، يكون {إن تقيتن} ابتداء شرط،
وجوابه {فلا تخضعن} ، وكلا القولين فيهما حمل.
وقرأ الجمهور: {فيطمع} ، بفتح الميم ونصب العين، جواباً للنهي؛
والذي مفعول، أو الذي فاعل والمفعول محذوف، أي فيطمع نفسه.
{وقرن} : أمر من قار، كما تقول: خفن من خاف؛ أو من القرار،
تقول: قررت بالمكان، وأصله: واقررت، حذفت الراء الثانية
تخفيفاً، كما حذفوا لام ظللت، ثم نقلت حركتها إلى القاف فذهبت
ألف الوصل. وقال أبو علي: أبدلت الراء ونقلت حركتها إلى القاف،
ثم حذفت الياء لسكوتها وسكون الراء بعدها. انتهى.
وانتصب أهل على النداء، أو على المدح، أو
على الاختصاص، وهو قليل في المخاطب، ومنه.
بل الله نرجو الفضل
وأكثر ما يكون في المتكلم، وقوله:
نحن بنات طارقنمشي على النمارق وحذف من الحافظات والذاكرات
المفعول لدلالة ما تقدّم، والتقدير: والحافظاتها والذاكراته.
والخيرة {عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ
مِنْءَايَتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
لَطِيفاً خَبِيراً * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَتِ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ وَالْقَنِتِينَ
وَالْقَنِتَتِ وَالصَّدِقِينَ وَالصَّدِقَتِ وَالصَّبِرِينَ
وَالصَّبِرَتِ وَالْخَشِعِينَ وَالْخَشِعَتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَتِ والصَّئِمِينَ
والصَّئِمَتِ وَالْحَفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَفِظَتِ} :
مصدر من تخير على غير قياس، كالطيرة من تطير. وقرىء: بسكون
الياء، ذكره عيسى بن سليمان. وقرأ الحرميان، والعربيان، وأبو
جعفر، وشيبة، والأعرج، وعيسى: أن تكون، بتاء التأنيث؛
والكوفيون، والحسن، والأعمش، والسلمي: بالياء. ولما كان قوله:
{لمؤمن ولا مؤمنة} ، يعم في سياق النفي، جاء الضمير مجموعاً
على المعنى في قوله: {لهم} ، مغلباً فيه المذكر على المؤنث.
وقال الزمخشري: كان من حق الضمير أن يوحد، كما تقول: ما جاءني
من رجل ولا امرأة إلا كان من شأنه كذا. انتهى. ليس كما ذكر،
لأن هذا عطف بالواو، فلا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل
الحذف، أي: ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا، وتقول: ما
جاء زيد ولا عمرو إلا ضرباً خالداً، ولا يجوز إلا ضرب إلا على
الحذف، كما قلنا.
وقوله: {أمسك عليك} فيه وصول الفعل الرافع الضمير المتصل إلى
الضمير المجرور وهماً لشخص واحد، فهو كقوله:
هوّن عليك ودع عنك نهياً صيح في حجراته
وذكروا في مثل هذا التركيب أن على وعن
اسمان، ولا يجوز أن يكونا حرفين، لامتناع فكر فيك، وأعني بك،
بل هذا مما يكون فيه النفس، أي فكر في نفسك، وأعني بنفسك، وقد
تكلمنا على هذا في قوله: {وهزي إليك} ، {واضم إليك جناحك} .
وقال الحوفي: {وتخفي في نفسك} : مستأنف، {وتخشى} : معطوف على
وتخفي. وقال الزمخشري: واو الحال، أي تقول لزيد: {أمسك عليك
زوجك} ، مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها، وتخفي خاشياً قاله
الناس، أو واو العطف، كأنه قيل: وأن تجمع بين قولك: {أمسك} ،
وإخفاء قالة، وخشية الناس. انتهى. ولا يكون {وتخفي} حالاً على
إضمار مبتدأ، أي وأنت تخفي، لأنه مضارع مثبت، فلا يدخل عليه
الواو إلا على ذلك الإضمار، وهو مع ذلك قليل نادر، لا يبنى على
مثله القواعد؛ ومنه قولهم: قمت وأصك عينه، أي وأنا أصك عينه.
{والله أحق أن تخشاه} : تقدّم إعراب نظيره في التوبة.
وانتصب سنة الله {اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ
خَلَوْاْ} على أنه اسم موضوع موضع المصدر، قاله الزمخشري؛ أعلى
المصدر؛ أو على إضمار فعل تقديره: ألزم أو نحوه، أو على
الإغراء، كأنه قال: فعليه سنة الله. قال ابن عطية: وقوله: أو
على الإغراء، ليس بجيد، لأن عامل الاسم في الإغراء لا يجوز
حذفه، وأيضاً فتقديره: فعليه سنة الله بضمير الغيبة، ولا يجوز
ذلك في الإغراء، إذ لا يغرى غائب. وما جاء من قولهم: عليه
رجلاً، ليسنى له تأويل، وهو مع ذلك نادر.
و {الذين} : صفة للذين خلوا، أو مرفوع، أو منصوب على إضمارهم،
أو على أمدح.
وقرأ الجمهور؛ {ولكن رسول} ، بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار
كان، لدلالة كان المتقدّمة عليه؛ قىل: أو على العطف على {أبا
أحد} . وقرأ عبد الوارث، عن أبي عمرو: بالتشديد والنصب على أنه
خبر لكن، والخبر محذوف تقديره: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين}
هو، أي محمد صلى الله عليه وسلّم وحذف خبر لكن واخواتها جائز
إذا دل عليه الدليل. ومما جاء في ذلك قول الشاعر:
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتيولكنّ زنجياً
عظيم المشافر أي: أنت لا تعرف قرابتي. وقرأ زيد بن علي، وابن
أبي عبلة: بالتخفيف، ورفع ورسوله وخاتم، أي ولكن هو رسول الله،
كما قال الشاعر:
ولست الشاعر السقاف فيهمولكن مدرة الحرب العوال و {بكرة
وأصيلاً} : يقتضيهما اذكروا وسبحوا، والنصب بالثاني على طريق
الإعمال.
{وملائكته} : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في {يصلي} ،
فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد.
والتحية مصدر في هذه الأقوال أضيف إلى المفعول، إلا في قول من
قال إنه مصدر مضاف للمحيي والمحيا، لا على جهة العمل، لأن
الضمير الواحد لا يكون فاعلاً مفعولاً، وانتصب شاهداً
{بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} على
أنه حال مقدّرة، إذا كان قولك عند الله وقت الإرسال لم يكن
شاهداً عليهم، وإنما يكون شاهداً عند تحمل الشهادة وعند
أدائها، أو لأنه أقرب زمان البعثة.
وقال الزجاج: هو معطوف على {شاهداً} ، أي وذا سراج منير، أي
كتاب نير. وقال الفراء: إن شئت كان نصباً على معنى: وتالياً
سراجاً منيراً. وقال الزمخشري؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف
على كاف {أرسلناك} . انتهى. ولا يتضح هذا الذي قاله، إذ يصير
المعنى: أرسلنا ذا سراج منير، وهو القرآن. ولا يوصف بالإرسال
القرآن، إنما يوصف بالإنزال. وكذلك أيضاً إذا كان التقدير:
وتالياً، يصير المعنى: أرسلنا تالياً سراجاً منيراً، ففيه عطف
الصفة التي للذات على الذات، كقولك: رأيت زيداً والعالم. إذا
كان العالم صفة لزيد، والعطف مشعر بالتغاير، لا يحسن مثل هذا
التخريج في كلام الله، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة
والبلاغة.
{ودع أذاهم} : الظاهر إضافته إلى المفعول.
لما نهى عن طاعتهم، أمر بتركه إذا يتهم وعقوبتهم، ونسخ منه ما
يخص الكافرين بآية السيف. {وتوكل على الله} ، فإنه ينصرك
ويخذلهم. ويجوز أن يكون مصدراً مضافاً للفاعل، أي ودع إذايتهم
إياك، أي مجازاة الإذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر، وهذا تأويل
مجاهد.
فإن جعلت من الاعتداء الذي هو الظلم ضعف، لأن الاعتداء يتعدى
بعلى. انتهى. وإذا كان يتعدى بعلى، فيجوز أن لا يحذف على، ويصل
الفعل إلى الضمير، نحو قوله:
تحن فتبدى ما بها من صبابةوأخفى الذي لولا الأسى لقضاني
أي: لقضى علي. وقال الزمخشري: وقريء: تعتدونها مخففاً، أي
تعتدون فيها، كقوله: ويوماً شهدناه. والمراد بالاعتداء ما في
قوله: ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا. انتهى. ويعني أنه اتصل
بالفعل لما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدة، كقوله:
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً
أي: شهدنا فيه. وأما على تقدير على، فالمعنى: تعتدون عليهنّ
فيها.
وقرأ الجمهور: وامرأة {أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ} ، بالنصب؛ {إن وهبت} ، بكسر الهمزة: أي
أحللنا لك. {إن وهبت} ، {إن أراد} ، فهنا شرطان، والثاني في
معنى الحال، شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة
استنكاح النبي، كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت لك نفسها، وأنت
تريد أن تستنكحها، لأن إرادته هي قبوله الهبة وما به تتم،
وهذان الشرطان نظير الشرطين في قوله: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت
أن أنصح لكم، إن كان الله يريد أن يغويكم} .
وإذا اجتمع شرطان، فالثاني شرط في الأول،
متأخر في اللفظ، متقدم في الوقوع، ما لم تدل قرينة على
الترتيب، نحو: إن تزوجتك أو طلقتك فعبدي حر. واجتماع الشرطين
مسألة فيها خلاف وتفصيل، وقد استوفينا ذلك في (شرح التسهيل) ،
في باب الجوازم. وقرأ أبو حيوة: وامرأة مؤمنة، بالرفع على
الابتداء، والخبر محذوف: أي أحللناها لك. وقرأ أبي، والحسن،
والشعبي، وعيسى، وسلام: أن بفتح الهمزة، وتقديره: لأن وهبت،
وذلك حكم في امرأة بعينها، فهو فعل ماض، وقراءة الكسر استقبال
في كل امرأة كانت تهب نفسهما دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن
علي: اذ وهبت، إذ ظرف لما مضى، فهو في امرأة بعينها.
وقرأ الجمهور: {خالصة} ، بالنصب، وهو مصدر مؤكد، {كوعد الله} ،
و {صبغة الله} ، أي أخلص لك إخلاصاً. {أحللنا لك} ، {خالصة}
بمعنى خلوصاً، ويجىء المصدر على فاعل وعلى فاعلة. وقال
الزمخشري: والفاعل والفاعلة في المصادر على غير عزيزين،
كالخارج والقاعد والعاقبة والكاذبة. انتهى، وليس كما ذكر، بل
هما عزيزان، وتمثيله كالخارج يشير إلى قول الفرزدق:
ولا خارج من في زور كلام
والقاعد إلى أحد التأويلين في قوله:
أقاعداً وقد سار الركب
والكاذبة إلى قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة} . وقد تتأول هذه
الألفاظ على أنها ليست مصادر. وقرىء: خالصة، بالرفع، فمن جعله
مصدراً، قدره ذلك خلوص لك، وخلوص من دون المؤمنين. والظاهر أن
قوله: {خالصة لك} من صفة الواهبة نفسها لك، فقراءة النصب على
الحال، قاله الزجاج: أي أحللناها خالصة لك، والرفع خبر مبتدأ:
أي هي خالصة لك، أي هبة النساء أنفسهنّ مختص بك، لا يجوز أن
تهب المرأة نفسها لغيرك.
{من دون المؤمنين} ، وهي جملة اعتراضية.
وقرأ الجمهور: {كلهن} بالرفع، تأكيداً النون {يرضين} ؛ وأبو
إياس حوبة بن عائد: بالنصب تأكيداً لضمير النصب في {آتيتهن} .
والجملة، قال الزمخشري، في موضع الحال من
الفاعل، وهو الضمير في تبدل {مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ} ، لا من
المفعول الذي هو {من أزواج} ، لأنه موغل في التنكير، وتقديره:
مفروضاً إعجابك لهن؛ وتقدم لنا في مثل هذا التركيب أنه معطوف
على حال محذوفة، أي {ولا أن تبدل بهن من أزواج} على كل حال،
ولو في هذه الحال التي تقتضي التبدل، وهي حالة الإعجاب بالحسن.
{إلا ما ملكت يمينك} : أي فإنه يحل لك. وأما إن كانت موصولة
واقعة على الجنس، فهو استثناء من الجنس، يختار فيه الرفع على
البدل من النساء. ويجوز النصب على الاستثناء، وإن كانت مصدرية،
ففي موضع نصب، لأنه استثناء من غير جنس الأول، قاله ابن عطية،
وليس بجيد، لأنه قال: والتقدير: إلا، ملك اليمين، وملك بمعنى:
مملوك، فإذا كان بمعنى مملوك صار من حملة النساء لأنه لم يرد
حقيقة المصدر، فيكون الرفع هو أرجح، ولأنه قال: وهو في موضع
نصب، ولا يتحتم أن يكون في موضع نصب. ولو فرضنا أنه من غير
الجنس حقيقة، بل الحجاز تنصب وتميم تبدل، لأنه مستثنى، يمكن
توجه العامل عليه، وإنما يكون النصب متحتماً حيث كان المستثنى
لا يمكن توجه العامل عليه نحو: ما زاد المال إلا النقص، فلا
يمكن توجه الزيادة على النقص، ولأنه قال: استثناء من غير
الجنس. وقال مالك: بمعنى مملوك فناقض.
و {إلا أن يؤذن} ، قال الزمخشري: {إلا أن
يؤذن} في معنى الظرف تقديره: وقت أن يؤذن لكم، و {غير ناظرين}
: حال من {لا تدخلوا} ، أوقع الاستثناء على الوقت والحال معاً،
كأنه قيل: لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن، ولا تدخلوها
إلا غير ناظرين إناه. انتهى. فقوله: {إلا أن يؤذن} في معنى
الظرف وتقديره: وقت أن يؤذن لكم، وأنه أوقع الاستثناء على
الوقت فليس بصحيح، وقد نصوا على أن أنْ المصدرية لا تكون في
معنى الظرف. تقول: أجيئك صياح الديك وقدوم الحاج، ولا يجوز:
أجىئك أن يصيح الديك ولا أن يقدم الحاج. وأما أن الاستثناء وقع
على الوقت والحال معاً، فلا يجوز على مذهب الجمهور، ولا يقع
بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى، أو المستثنى منه، أو صفة
المستثنى منه: وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال، أجازا: ما
ذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا، فيجوز ما قاله الزمخشري
في الحال. وأما قوله: {إلا أن يؤذن لكم} ، فلا يتعين أن يكون
ظرفاً، لأنه يكون التقدير: إلا بأن يؤذن لكم، فتكون الباء
للسببية، كقوله: {فأخرجنا به من كل الثمرات} ، أو للحال، أي
مصحوبين بالإذن. وأما {غير ناظرين} ، كما قرر في قوله:
{بالبينات والزبر} . أرسلناهم بالبينات والزبر، دل علىه {لا
تدخلوا} ، كما دل عليه أرسلناهم قوله: {وما أرسلنا} . ومعنى
{غير ناظرين} فحال، والعامل فيه محذوف تقديره: ادخلوا بالإذن
غير ناظرين. كما قرر في قوله: {بالبينات والزبر} ، أي غير
منتظرين وقته، أي وقت استوائه وتهيئته. وقرأ الجمهور: {غير}
بالنصب على الحال؛ وابن أبي عبلة: بالكسر، صفة لطعام. قال
الزمخشري: وليس بالوجه، لأنه جرى على غير من هو له، فمن حق
ضمير ما هو له أن يبرز من إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين إناه
أنتم، كقوله: هند زيد ضاربته هي. انتهى. وحذف هذا الضمير جائزو
عند الكوفيين إذا لم يلبس وأنى الطعام إدراكه، يقال: أني
الطعام أنى، كقوله: قلاه قلى، وقيل: وقته، أي غير ناظرين ساعة
أكله.
{ولا مستأنسين لحديث} : معطوف على {ناظرين} ، فهو مجرور أو
معطوف على {غير} ، فهو منصوب، أي لا تدخلوها لا ناظرين ولا
مستأنسين. وقيل: ثم حال محذوفة، أي لا تدخلوها أجمعين ولا
مستأنسين، فيعطف عليه. واللام في {لحديث} إما لام العلة، نهوا
أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه، به أو
اللام المقوية لطلب اسم الفاعل للمفعول، فنهوا أن يستأنسوا
حديث أهل البيت.
وقرأت فرقة: فيستحيي بكسر الحاء، مضارع استحا، وهي لغة بني
تميم. واختلفوا ما المحذوف، أعين الكلمة أم لامها؟ فإن كان
العين فوزنها يستفل، وإن كان اللام فوزنها يستفع، والترجيح
مذكور في النحو.
وقرأ الجمهور: وملائكته {يُؤْذِى النَّبِىِّ} نصباً؛ وابن
عباس، وعبد الوارث عن أبي عمرو: رفعاً. فعند الكوفيين غير
الفراء هو عطف على موضع اسم إن، والفراء يشترط خفاء إعراب اسم
إن. وعند البصريين هو على حذف الخبر، أي يصلي على النبي،
وملائكته يصلون.
ومن في: {من جلابيبهن} للتبعيض.
و {ثم لا يجاورونك} معطوف على {لنغرينك} ، ولم يكن العطف
بالفاء، لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء، بل كونه جواباً
للقسم أبلغ. وكان العطف بثم، لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم
عليهم من جميع ما أصيبوا، به فتراخت حالة الجلاء عن حالة
الإغراء. {إلا قليلاً} : أي جواراً قليلاً، أو زماناً قليلاً،
أو عدداً قليلاً، وهذا الأخير استثناء من المنطوق، وهو ضمير
الرفع في {يجاورونك} ، أو ينتصب قليلاً على الحال، أي إلا
قليلين، والأول استثناء من المصدر الدال عليه {يجاورونك} ،
والثاني من الزمان الدال عليه {يجاورونك} .
وانتصب {ملعونين} على الذم، قاله الطبري؛
وأجاز ابن عطية أن يكون بدلاً من {قليلاً} ، قال: هو من إقلاء
الذي قدرناه؛ وأجاز هو أيضاً أن يكون حالاً من الضمير في
{يجاورونك} ، قال: كأنه قال: ينتفون من المدينة معلونين، فلا
يقدر {لا يجاورونك} ، فقدر ينتفون حسن هذا. انتهى. وقال
الزمخشري، والحوفي، وتبعهما أبو البقاء: يجوز أن يكون حالاً من
الضمير في {لا يجاورونك} ، كما قال ابن عطية. قال الزمخشري:
وهذا نصه معلونين، نصب على الشتم أو الحال، أي لا يجاورونك،
إلا ملعونين. دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معاً، كما مر
في قول: {إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} ، ولا يصح
أن ينتصب من أخذ، والأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها.
انتهى. وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعد
ما استثنى بإلا، فيكون الاستثناء منصباً عليهما، وأن جمهور
البصريين منعوا من ذلك. وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلاً،
فالبدل بالمشتق قليل. وأما قول الزمخشري: لأن ما بعد كلمة
الشرط لا يعمل فيما قبلها، فليس هذا مجمعاً عليه، لأن ما بعد
كلمة الشرط شيئان: فعل الشرط والجواب. فأما فعل الشرط، فأجاز
الكسائي تقديم معموله على الكلمة، أجاز زيد أن يضرب اضربه،
وأما الجواب فقد أجاز أيضاً تقديم معموله عليه نحو: إن يقم زيد
عمراً يضرب. وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال: المعنى: {أينما
ثقفوا} : أخذوا ملعونين، والصحيح أن ملعونين صفة لقليل، أي إلا
قليلين ملعونين، ويكون قليلاً مستثنى من الواو في لا يجاورونك،
والجملة الشرطية صفة أيضاً، أي مقهورين مغلوباً عليهم. {سنة
الله} : مصدر مؤكد، {وما يدريك} : ما استفهام في موضع رفع
بالابتداء، أي: وأي شيء يدريك بها؟ ومعناه النفي، أي ما يدريك
بها أحد. {لعل الساعة تكون قريباً} : بين قرب الساعة، وفي ذلك
تسلية للممتحن، وتهديد للمستعجل. وانتصب قريباً على الظرف، أي
في زمان قريب، إذ استعماله ظرفاً
كثير، ويستعمل أيضاً غير ظرف، تقول: إن قريباً منك زيد، فجاز
أن يكون التقدير شيئاً قريباً، أو تكون الساعة بمعنى الوقت،
فذكر قريباً على المعنى. أو يكون التقدير: لعل قيام الساعة،
فلوحظ الساعة في تكون فأنث، ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في
قريباً فذكر.
{يوم تقلب وجوههم في النار} : يجوز أن ينتصب يوم بقوله: {لا
يجدون} ، ويكون يقولون استئناف إخبار عنهم، أو تم الكلام عند
قولهم: {ولا نصيراً} . وينتصب يوم بقوله: {يقولون} ، أو
بمحذوف، أي اذكر ويقولون حال.
{مما قالوا} : أي من وصم ما قالوا، وما موصولة أو مصدرية. وقرأ
الجمهور: {وكان عند الله} : الظرف معمول لوجيهاً، أي ذا وجه
ومنزلة عند الله تعالى، تميط عنه الأذى وتدفع التهم. وقرأ عبد
الله، والأعمش، وأبو حيوة: عبد من العبودية، لله جر بلام الجر،
وعبداً خبر كان، ووجيهاً صفة له.
واللام في {ليعذب} لام الصيرورة، لأنه لم يحملها لأن يعذب،
لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك، ويتوب على من
آمن. وقال الزمخشري: لام التعليل على طريق المجاز، لأن نتيجة
حمل الأمانة العذاب، كما أن التأديب في: ضربته للتأديب، نتيجة
الضرب. |