وفاة أمه صلى اللّه عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم -
مع أمه آمنة بنت وهب ، وجدِّه عبد المطلب بن هاشم في كلاءة اللّه وحفظه ، ينبته اللّه نباتا حسناً، لما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ستَّ سنين ، تُوفيت أمه آمنة بنت وهب.
عمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين وفاة أمه
قال ابن إسحاق : حدثنى عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم :
أن أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- آمنة تُوفيت ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم – ابنُ ستِّ سنين بالأبواء، بين مكة، والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله ، من بني عدي بن النجار تُزيره إياهم ، فماتت ، وهى راجعة به إلى مكة.
قال ابن هشام : أم عبد المطلب بن هاشم : سَلْمى بنت عَمرو النَّجَّارية، فهذه الخئولة التى ذكرها ابن إسحاق لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيهم.
إجلال عبد المطلب له (صلى اللّه عليه وسلم)
قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - مع جده عبد المطلب بن هاشم ، وكان يُوضعَ لعبد المطلب فِراش في ظلِّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فِراشه ذلك ، حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له ،
قال : فكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يأتى، وهو غلام جَفْر، حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ، ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب - إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني ، فواللّه إن له لشأنا، ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ، ويسره ما يراه يصنع.
فلما بلغ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثمانى سنين هلك عبد
المطلب بن هاشم ، وذلك بعد الفيل بثمانى سنين.
قال ابن
إسحاق : وحدثني العباس بن عبد اللّه بن مَعْبد بن عباس ، عن بعض
أهله : أن عبد المطلب توفي ورسول اللّه
- صلى اللّه عليه وسلم - ابن ثمانى
سنين.
عبد المطلب
يطلب من بناته أن يرثينه
قال ابن
إسحاق : حدثنى محمد بن سعيد بن المسيب : أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة، وعرف أنه ميت جمع بناته ، وكُنَّ ستَّ
نسوة : صَفية، وبَرَّة، وعاتكة، وأم حكيم البيضاء، وأمَيْمة، وأرْوَى، فقال
لهن : ابكين علىَّ حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت.
قال ابن
هشام : ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرف هذا
الشعر، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب ، كتبناه :
رثاء صفية بنت عبد
المطلب لأبيها : فقالت صفية بنت عبد المطلب تبكى أباها :
أرِقتُ لصوتِ نائحةٍ بليــلٍ على رَجلٍ بقارعة الصَّعيدِ
ففاضت عندَ ذلكُمُ دموعـي على خذي
كَمُنْحَدِر الفريدِ
على رجلٍ كريمٍ غيرِ وَغْلٍ له الفضلُ
المُبينُ على العبيدِ
على الفيَّاض شَيْبَةَ ذي المعالي أبيكِ
الخيرِ وارثِ كلَّ جودِ
صدوقٍ في المواطِن غير نِكْسٍ ولا سَخْت
المقامِ ولا سَنيد
طويلِ الباع ، أرْوَعِ شَيْظَمِىٍّ مُطَاعٍ
في عشيرته حميدِ
رفيعِ البيت أبلَج ذي فُضول وغيثِ الناس
في الزمن الحَرودِ
ر كريمِ الجدِّ ليس بذي وُصُومٍ يروقُ على
المُسوَّد والْمَسُودِ
عظيم الحِلمِ من نفرٍ كــــــــرام خَضَارِمة
مَلَاوِثَةٍ أسودِ
فلو خَلَد امرؤ لقديم مجــــــــــد ولكن
لا سبيل إلى الخلودِ
لكان مُخَلَّداً أخرى الليالــــــــى لفضلِ
المجدِ والحسبِ التليدِ
رثاء بَرَّة
بنت عبد
المطلب لأبيها : وقالت بَرَّة بنت عبد
المطلب تبكى أباها :
أعَيْنيَّ جودا بدمـــــــــعٍ
درر على طَيِّب الخِيم والمعتصرْ
على ماجد الجَدِّ واري الزنادِ جميل
المُحَيَّا عظيم الخطرْ
على شَيْبةِ الحمدِ ذي المَكْرُمات وذي
المجد والعزِّ والمفتخرْ
وذي الحلمِ والفصْلِ في النائبات كثيرِ
المكارَمِ ، جَمِّ الفَخَرْ
له فَضْلُ مجدٍ على قومِه مُنير،يلوحُ
كضوءِ القمرْ
أتته المنايا، فلم تُشـــــْوِه بصرْفِ
الليالى، ورَيْب القدَرْ
رثاء عاتكة
بنت عبد
المطلب لأبيها : وقالت عاتكة بنت عبد
المطلب تبكى أباها :
أعَيْنيَّ جودَا، ولا
تَبْخَــــــلا بدمعِكما بعدَ نَوْم
النيام
أعَيْنيَّ واسحَنْفرا واسكُبـــــا وشوبا
بكاءَكما بالْتِدام
أعَيْنىَّ، واستخرطا واسجُمـــا على
رَجُلٍ غير نِكْس كَهام
على الجَحْفَل الغَمْر في النائباتِ كريم
المساعى، وفيّ الذمام
على شَيْبةِ الحمد، واري الزناد وذي
مَصْدَق بعدُ ثَبْت المُقام
وسيْفٍ لدى الحرب صَمْصامة ومُرْدِي
المخاصمَ عند الخصام
وسهل الخليقة طَلْق اليديْـــن وفٍ عُدْمِلىٍّ
صميم لُهَام
تَبَنَّك في باذخ بيتــــــــه رفيع الذؤابةِ
صَعْب المرام
رثاء أم حكيم بنت عبد المطلب لأبيها : وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد
المطلب تبكى أباها :
ألا يا عينُ جودي واستهلِّي وبَكِّي ذا النَّدَى والمَكْرُماتِ
ألا يا عينُ ويْحَك أسعفيني بدمعٍ من
دموعٍ هاطلاتِ
وبَكِّي خَيرَ من رَكبَ المطايا أباكِ
الخيرَ تيَّار الفُراتِ
طويلَ الباع شَيْبة ذا المعالىٍ كريمَ
الْخَيم محمودَ الهِباتِ
وَصُولاً للقرابة هِبْرِزِيــّا وغَيْثا
في السنين المُمْحِلاتِ
ولَيْثاً حين تَشْتجرُ العَوالـى تروق له
عيونُ الناظرات
عَقيلَ بني كِنانةَ والمُرَجَّـى إذا ما
الدهرُ أقبلَ بالهِناتِ
ومَفْزَعَها إذا ما هاج هَيــْج بِداهيةٍ
، وخَصْمَ المُعْضِلاتِ
فبكِّيه ولا تَسَمِي بحُـــزْنٍ وبكِّي
-ما بقيتِ –الباكياتِ
رثاء أميمة
بنت عبد
المطلب لأبيها : وقالت أميمة بنت عبد
المطلب تبكي أباها :
ألا هلك
الراعي العشيرةَ ذو الفَقْدِ
وساقي
الحجيجَ ، والمحامى عن المجدِ
ومن
يُؤْلف الضيفَ الغريبَ بيوتَه
إذا ما
سماءُ الناسِ تبخلُ بالرعدِ
كسبتَ
وليداً خير ما يكسبُ الفتى
فلم
تَنْفكك تزدادُ يا شَيْبةَ الحمدِ
أبو
الحارث الفياض ، خلَّى مكانَه
فلا
تبعدنْ ، فكلُّ حى إلى بُعْدِ
فإني
لباك - ما بقيتُ - ومُوجع
وكان له
أهلاً لما كان من وَجْدِي
سقاك
وليّ الناس في القبر مُمطراً
فسوف
أبَكِّيه ، وإن كان في اللحْدِ
فقد كان
زَيْنا للعشيرةِ كلِّها
وكان
حميداً حيثُ ما كان مِنْ حَمْدِ
رثاء أروى بنت عبد
المطلب لأبيها : وقالت أروى بنت عبد المطلب تبكي أباها :
بكت
عيني ،وحُقَّ لها البكاءُ على سَمْحٍ ،
سجيتُه الحياءُ
على سَهلِ الخليقةِ أبطَحـــــى كريم
الخيم ، نيته العَلاءُ
على الفياضِ شيبةَ ذي المعالى أبيك الخير
ليس له كِفاء
طويلِ الباع أمْلس ، شَيْظمىّ أغرّ كأن
غرتَه ضياءُ
أقب الكَشْحِ ، أروعَ ذي فُضولٍ له المجدُ
المقدَّمُ والسناءُ
أبيِّ الضيْمِ ، أبلج هِبْــــــــــرِزيّ قديم المجد ليس له خَفاءُ
ومَعْقَلِ مالكٍ ، وربيعِ فِهْـــــــــرٍ وفاصِلِها إذا التُمِس القَضَاءُ
وكان هو الفتى كرماً وجــــــودا وبأساً
حين تنسَكب الدماءُ
إذا هاب الكُماةُ الموتَ حتــــــــى كأن
قلوبَ أكثرهم هواءُ
مضى قُدُماً بذي رُبَدٍ خَشيـــــــب عليه
-حين تُبْصره –البهاءُ
إعجاب عبد
المطلب بالرثاء :
قال ابن إسحاق
: فزعم لي محمد بن سعيد بن
المسيَّب أنه أشار برأسه، وقد أصمت : أن هكذا فابكيننى.
نسب المسيِّب بن حَزْن :
قال ابن
هشام : المسيِّب بن حَزْن بن أبى وَهْب بن عمرو بن
عائذ بن عمران بن مخزوم.
رثاء حذيفة بن غانم لعبد المطلب :
قال ابن
إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤيّ يبكي عبد
المطلب ابن هاشم بن عبد مناف ، ويذكر فضله ، وفضل
قُصى على قريش، وفضل ولده من بعده عليهم ، وذلك أنه أخذ بغرم أربعة آلاف درهم
بمكة، فوقف بها فمر به أبو لهب : عبد العزى بن عبد
المطلب ، فافتكه :
أعينيّ جودا بالدموع على الصدر
ولا تسأما أسْقِيتُما سَبَل القَطر
وجودا بدمع ، واسفحا كل شارق
بكاء امرئ لم يُشْوِه نائب الدهر
وسُحَّا، وجُمَّا، واسجما ما بقيتما
على ذي حياء من قريش ، وذي سِتر
على رجل جَلْدِ القُوى، ذي حفيظة
جميل المحيَّا غير نِكْس ولا هذْرِ
على الماجدِ البُهلول ذي الباع واللّهى
ربيع لُؤيّ في القُحُوط وفي العُسْر
على خير حافٍ من مَعَد وناعل
كريم المساعى، طيّب الخِيم والنحْرِ
وخيرهمُ أصلا وفرعاً ومعدنا
وأحظاهم بالمُكرمات وبالذكر
وأولاهمُ بالمجدِ والحلمِ والنُّهى
وبالفضْل عند المُجْحِفات من الغُبْر
على شيبةِ الحمدِ الذي كان وجهُه
يضيءُ سوادَ الليل كالقمر البدْرِ
وساقي الحجيجَ ثم للخُبز هاشمٌ
وعبد مناف ، ذلك السيد الفِهْري
طوى زمزماً عند المقام ، فأصبحتْ
سقايتُه فخراً على كلِّ ذي فَخْر
لِيَبْكِ عليه كلُّ عانٍ بكرُبةٍ
آل قُصى من مُقلّ وذي وَفْرِ
بنوه سَراة، كهلُهم وشبابُهم
تفيَّق عنهمْ بيضةُ الطائر الصقر
قُصَي الذي عادى كنانةَ كلَّها
ورابط بيتَ اللّه في العُسر واليسر
فإن تكُ غالته المنايا وصرفُها
فقد عاش ميمونَ النقيبةِ والأمرِ
وأبقى رجالاً سادةً غيرَ عُزَّلٍ
مصاليتَ ، أمثالَ الرُّدَيْنيَّة السُّمْرِ
أبو عتبة الملقَى إلىَّ حباؤه
أغرُّ، هِجانُ اللونِ من نَفر غُرِّ
وحمزةُ مثلُ البدرِ، يهتز للنَّدَى
نقيُّ الثيابِ والذّمامِ من الغَدْرِ
وعبدُ منافٍ ماجذ ذو حَفيظةٍ
وَصولٌ لذي القربى رحيم بذي الصهرِ
كهولُهم خيرُ الكهولِ ، ونسلُهم
كنسلِ الملوكِ ، لا تبورُ ولا تحرى
متى ما تُلاقي منهمُ الدهرَ ناشئاً
تجدْه بإجْريَّا أوائله يَجْري
هُمُ ملئوا البطحَاء مجداً وعزَّةً
إذا استُبق الخيراتُ في سالف العصر
وفيهم بناة للعُلا وعِمارة
وعبدُ مناف جَدُّهمْ ، جابرُ الكسر
بإنكاحِ عوفي بنتَه ليجيرَنا
من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فِهر
فسرنا تِهامِي البلادِ ونجدَها
بأمنِه حتى خاضت العيرُ في البحر
وهم حضروا والناسُ بادٍ فريقُهم
وليس بها إلا شيوخ بنى عمرو
بنوْها دياراً جَمةً، وطَوَوْا بها
بئاراً تسُحُّ الماءَ من ثَبَجِ البحرِ
لكي يشربُ الحجاجُ منها، وغيرُهم
إذا ابتدروها صُبح تابعة النحر
ثلاثة أيام تظلُّ ركابهُمُ
مُخيسةً بين الأخاشبِ والحِجْرِ
وقِدْما غَنِينا قبلَ ذلك حِقبةً
ولا نستَقى إلا بخُمَّ أو الحَفْرِ
وهم يغفرون الذنبَ يُنقَم دونَه
ويعفون عن قولِ السفاهةِ والهُجْرِ
وهم جمعوا حلفَ الأحابيش كلِّها
وهم نكَّلوا عنا غُواةَ بني بكرِ
فخارجَ إما أهلكنَّ ، فلا تزل
لهم شاكراً حتى تُغيَّب في القبرِ
ولا تنس ما أسدَى ابنُ لُبنى؛ فإنه
قد اسدى يداً محقوقةً منك بالشكرِ
وأنت ابن لبنى من قصى إذا انتموا
بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر
وأنت تناولت العُلا، فجمعتها
إلى مَحتدٍ للمجدِ ذي ثَبَج جَسْرِ
سبقتَ وفُتَّ القومَ بَذْلاً ونائلاً
وسُدْتَ وليداً كلَّ ذي سؤددٍ غَمْرِ
وأمُّك سِر من خُزاعة جوهرٌ
إذا حَصَّل الأنسابَ يوما ذوو الخُبْرِ
إلى سبأ الأبطال تُنْمَى، وتنتمى
فأكرمْ بها منسوبةً في ذُرا الزُّهرِ
أبو شَمِر منهم ، وعمرُو بنُ مالك
وذو جَدَنٍ من قومها وأبو الجبر
وأسعدُ قادَ الناسَ عشرين حِجةً
يؤيدُ في تلك المواطنِ بالنصر
قال ابن
هشام : " أمك سِرٌّ من خُزاعة "، يعنى أبا لهب ، أمه : لبنى بنت هاجر الخزاعي ، وقوله
: " بإجريا أوائله " عن غير ابن إسحاق.
رثاء مطرود الخزاعي لعبد المطلب :
قال ابن
إسحاق : وقال مطرود بن كعب الخزاعى يبكى عبد
المطلب وبنى عبد مناف :
يا
أيها الرجلُ المُحَوِّل رحلَه هلا سألتَ
عن آلِ عبد منافِ
هَبَلَتْكَ
أمُّك ، لو حَللتَ بدارِهم ضَمِنُوك من
جُرْم ومن إقْرافِ
الخالطين
غنيَّهم بفقيرِهمً حتى يعودَ فقيرُهم
كالكافي
المنعِمين إذا
النجوم تغيَّرت والظاعنين لرحلةِ
الِإيلافِ
والمطعمينَ إذا
الرياحُ تناوحتْ حتى تغيبَ الشمسُ في
الرّجَّاف
إمَّا هَلَكْتَ أبا الفِعالِ فما
جرى من فوقِ مثلك عَقْد ذاتِ نطافِ
إلا أبيك أخي
المكارم وحدَه وَالفيض مُطَّلب أبي
الأضيافِ
قال ابن
إسحاق : فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليها بعده العباس بن عبد
المطلب ، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه
، حتى قام الإسلام وهي بيده. فأقرها رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم له على ما مضى من ولايته ، فهي إلى آل العباس
، بولاية العباس إياها، إلى اليوم.