ابن إسحاق يحدد الميلاد : قال حدثنا أبو محمد عبد الملك ابن هشام

قال : حدثنا زياد بن عبد اللّه البكَّائى عن محمد بن إسحاق

قال : وُلد رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يوم الاثنين ، لاثنتيْ عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول ، عامَ الفيل.

قال ابن إسحاق : وحدثنى المطَّلب بن عبد اللّه بن قيس بن مَخْرَمة عن أبيه عن جَده قَيْس بن مَخْرمة.

قال :

وُلدت أنا ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عام الفيل : فنحن لِدَتَانِ.

قال ابن إسحاق : وحدثني صالحُ بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة الأنصاري.

قال : حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ،

قال : واللّه إنى لغلام يفعَة، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديّاً يصرخ بأعلى صوته على أطَمَة بيثْرب : يا معشرَ يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له : ويلك ما لك ؟!

قال : طلع الليلةُ نَجمُ أحمد الذي وُلد به.

قال ابن إسحاق : فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ،

فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مَقْدَم رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم -

المدينة ؟

فقال : ابن ستين ، وقدمها رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع ، وهو ابن سبع سنين.

إعلام جده لولادته وما فعله به :

قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه - صلى اللّه عليه وسلم - أرسلت إلى جَدِّه عبد المطلب : أنه قد وُلد لك غلام ، فأته فانظرْ إليه ، فأتاه فنظر إليه ، وحَدَّثَتْه بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه ، وما أمرت به أن تسمِّيَه.

فيزعمون أن عبد المطلب أخذه ، فدخل به الكعبة فقام يدعو اللّه ، ويشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتُمس لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - الرُّضعاءُ.

قال ابن هشام : المراضع. وفي كتاب اللّه تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام : {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ}  [القصص:١٢].

مرضعته حليمة

قال ابن إسحاق : فاسترضع له امرأة من بنى سعد بن بكر. يقال لها : حليمة ابنة أبى ذُؤيْب.

نسب مرضعته : وأبو ذُؤيْب : عبد اللّه بن الحارث بن شِجْنَة بن جابر بن رِزام بن ناصرة بن فُصَيَّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قَيْس بن عَيْلان.

زوج حليمة ونسبه

واسم أبيه الذي أرضعه - صلى اللّه عليه وسلم – الحارث ابن عبد العُزَّى بن رفاعة بن مَلان بن ناصرة بن فُصَيَّة بن نصر بن سعد ابن بكر بن هوازن.

قال ابن هشام

ويقال : هلال بن ناصرة.

أولاد حليمة

قال ابن إسحاق : وإخوته من الرضاعة : عبد اللّه ابن الحارث ، وأنَيْسة بنت الحارث ، وخِذامة بنت الحارث ، وهي الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تُعرف في قومها إلا به. وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ، عبد اللّه بن الحارث ، أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذْ كان عندهم.

قال ابن إسحاق : وحدثني جَهْم بن أبي جَهْم مولى الحارث بن حاطب الجُمحى، عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، أو عمن حدثه عنه

قال :

حديث حليمة : كانت حليمة بنت أبي ذُؤيب السَّعْدية، أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - التي أرضعته، تُحدِّث : أنها خرجت من بلدها مع زوجها، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء،

قالت : وذلك في سنة شهباء، لم تُبقِ لنا شيئاً :

قالت : فخرجت على أتان لي قمْراء، معنا شارف لنا، واللّه ما تَبِضُّ بقطرة، وما ننام لَيلَنا أجمعَ من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، وما في شارفنا ما يغدِّيه -

قال ابن هشام :

ويقال : يغذِّيه - ولكنا كنا نرجو الغَيْث والفرج ، فخرجت على أتانى تلك ، فلقد أدَمْتُ بالرَّكْب ، حتى شقَّ ذلك عليهم ضعفاً وعَجَفاً، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك : أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ؟! وما عسى أن تصنع أمه وجَدُّه ؟ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلتُ لصاحبى : واللّه إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، واللّه لأذهبن إلى ذلك اليتيم ، فلآخذتَّه ،

قال : لا عليكِ أن تفعلي، عسى اللّه أن يجعلَ لنا فيه بركةً.

قالت : فذهبتُ إليه فأخذتُه ، وما حملنى على أخذِه إلا أنى لم أجد غيرَه.

الخير الذي أصاب حليمة

قالت : فلما أخذتُه ، رجعتُ به إلى رحلي فلما وضعته في حِجْري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجى إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شَرِب ، وشربتُ معه حتى انتهينا رِيّاً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة.

قالت : يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلَّمي واللّه يا حليمةُ، لقد أخذتِ نَسمةً مباركة،

قالت :

فقلت : واللّه إني لأرجو ذلك.

قالت : ثم خرجنا وركبتُ أتانى، وحملته عليها معي ، فواللّه لقطعتْ بالرَّكْبِ ما يقدر عليها شىء من حُمُرِهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبى ذُؤيْب ، ويحكِ ! أربعي علينا، أليستْ هذه أتانَك التي كنتِ خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى واللّه. إنها لهي هي فيقلْنَ : واللّه إن لها لشأَناً.

قالت : ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد. وما أعلم أرضاً من أرض اللّه أجدبَ منها، فكانت غنمي تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شِبَاعا لُبَّنا. فنحلب ونشرب. وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضَرْع. حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم أسرحوا حيث يسرحُ راعي بنت أبي ذُؤيب فتروح أغنامُهم جياعا ما تَبِضُّ بقطرة لبن ، وتروح غنمي شِباعا لُبَّناً، فلم نزل نتعرف من اللّه الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلتُه ؛ وكان يشِبُّ شبابا لا يشبُّه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جَفراً.

رجوع حليمة به إلى مكة أول مرة

قالت : فقدمنا به على أمه ونحن أحرصُ شيء على مكثه فينا ؛ لما كنا نرى من بركته ؛ فكلمنا أمَّه ، وقلتُ لها : لو تركت بُنَيَّ عندي حتى يغلُظَ ، فإني أخشى عليه وباء مكة

قالت : فلم نزل بها حتى ردته معنا.

حديث الملكين اللذين شقا بطنه :

قالت : فرجعنا به ، فواللّه إنه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفى بَهْم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه : ذاك أخى القرشى قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فهما يَسُوطانه،

قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجْهُه.

قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له : ما لك يا بُنَيّ ،

قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعانى وشقَّا بطني ، فالتمسا شيئا لا أدري ما هو.

قالت : فرجعنا إلى خِبائنا.

حليمة ترد محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - إلى أمه

قالت : وقال لي أبوه : يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ،

قالت : فاحتملناه ، فقدمنا به على أمّه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظِئْرُ، وقد كنتِ حريصة عليه ، وعلى مكثه عندك ؟

قالت :

فقلت : فقد بلغ اللّه بابني وقضيت الذي عليَّ ، وتخوفتُ الأحداث عليه ، فأديته إليك كما تحبين.

قالت : ما هذا شأنك ، فأصدُقيني خبرك.

قالت : فلم تَدَعْني حتى أخبرتُها.

قالت : أفتخوفتِ عليه الشيطانَ ؟

قالت : قلت : نعم ،

قالت : كلا. واللّه ما للشيطان عليه من سبيل ، وإن لِبُنَىّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره.

قالت : قلت : بلى.

قالت : رأيت حين حملتُ به : أنه خرج مني نور أضاء قصور بُصْرَى من أرض الشام. ثم حملت به ، فواللّه ما رأيت : من حمل قطُّ كان أخفَّ ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرضِ ، رافع رأسه إلى السماء. دعيه عنك ، وانطلقي راشد ة.

الرسول يُسأل عن نفسه وإجابته – صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق : وحدثني ثَوْر بن يزيد عن بعض أهل العلم ، ولا أحسبه إلا عن خالد بن مَعْدان الكَلاعي : أن نفراً من أصحاب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قالوا له : يا رسول اللّه ، أخبرنا عن نفسك ؟

قال : نعم ، أنا دعوةُ أبى إبراهيم ، وبُشْرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصورَ الشام، واسْتُرضِعْتُ في بني سعد بن بكر. فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْما لنا : إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطَسْت من ذهب مملوءة ثلجا. ثم أخذاني فشقا بطنى، واستخرجا قلبي ، فشقَّاه فاستخرجا منه عَلَقَةً سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه،

ثم قال أحدُهُما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتُهم ،

ثم قال : زنه بمائة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم ،

ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزننى بهم فوزنتهم.

فقال : دعه عنك ، فواللّه لو وزنته بأمته لوزنها.

رعيه - صلى اللّه عليه وسلم - الغنم وافتخاره بقرشيته

قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : " ما من نبي إلا وقد رعَى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول اللّه ؟

قال : وأنا ".

قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- يقول لأصحابه :

" أنا أعربكم ، أنا قرشي ، واستُرضعت في بنى سعد بن بكر ".

افتقاد حليمة له صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق : وزعم الناس فيما يتحدثون - واللّه أعلم - أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلَّها في الناس ، وهي مُقبلة به نحو أهله ، فالتمسته فلم تجده ، فأتت عبد المطلب ، فقالت له : إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة، فلما كنت بأعلى مكة أضلَّنى، فواللّه ما أدري أين هو، فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو اللّه أن يرده ، فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد، ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب ، فقالا له : هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة، فأخذه عبد المطلب ، فجعله على عنقه ، وهو يطوف بالكعبة يُعَوِّذه ويدعو له ، ثم أرسل به إلى أمه آمنة.

سبب آخر لرجوع حليمة به صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة

قال ابن إسحاق : وحدثنى بعضُ أهل العلم ، أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه ، مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه ، أن نفراً من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه ، فنظروا إليه ، وسألوها عنه وقلبوه ،

ثم قالوا لها : لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى مَلِكنا وبلدنا؛ فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره ، فزعم الذي حدثنى أنها لم تكد تنفلت به منهم.