قال ابن
إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتْرةً من ذلك ، حتى شقَّ ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريلُ بسورة الضحى، يُقسم له رُّبه ، وهو الذي أكرمه بما أكرمه
به ، ما ودَّعه وما قَلاَه ، فقال تعالى : { وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.[الضحى:١ـ٣] يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك. {
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الْأُولَى}.[الضحى:٤] أي لمَا عندي من مرجعك إلىَّ، خيرٌ لك مما عَجَّلْت لك من
الكرامة في الدنيا. { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:٥] من الفُلح في الدنيا، والثواب في الآخرة. {
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ
عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:٦ـ٨] يعرفه اللّه ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ،
ومَنِّه عليه في يتمه وعَيْلَته وضلالته ، واستنقاذه من ذلك كلِّه برحمته.
قال ابن
هشام : سَجَى : سكن. قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
إذ
أتى مَوْهِناً وقد نام صحبي وسجا الليلُ
بالظلامِ البهيمِ
وهذا البيت في قصيدة له ، ويقال للعَيْن إذا سكن طرفُها: ساجية، وسجا
طرفُها.
قال جرير:
ولقد
رَمَيْنَك حين رُحْن بأعين يَقْتُلْنَ
مِن خَلَلِ الستور سَواجِىٍ
وهذا البيت في قصيدة له. والعائل : الفقير. قال أبو خِرَاش الهُذلى: إلى
بيته يَأوَي الضّريكُ إذا شَتا ومُستَنبح بالِى الدَّرِيسيْنِ عائلُ وجمعه : عالة
وعيل. وهذا البيت في قصيدة له ، سأذكرها في موضعها
إن شاء اللّه: والعائل أيضا: الذي يعول العيال. والعائل أيضا: الخائف. وفي
كتاب اللّه تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}.[النساء: ٣] وقال أبو طالب :
بميزانِ
قِسطٍ لا يُخِسُّ شَعيرةً له شاهد من
نفسِه غيرُ عائل
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها - إن شاء اللّه في موضعها. والعائل أيضا
الشيء المُثْقِل المعيى يقول الرجل : قد عالني هذا الأمر: أي أثقلنى وأعياني. قال الفرزدق :
ترى الغرَّ الجَحَاجِحَ من قريشٍ إذا ما الأمرُ في الحَدَثانِ عَالاَ
وهذا البيت في قصيدة له.
{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)
وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} :[الضحى:٩،١٠] أي لا تكن جباراً ولا متكبراً، ولا فحَّاشا فَظا على الضعفاء من عباد اللّه. {
وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:
١١] : أي بما جاءك من اللّه من نعمته وكرامته من النبوة فحدثْ ، أي اذكرْها وادْعُ إليها، فجعل رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم يذكرُ ما أنعم اللّه به
عليه وعلى العبادِ به من النبوةِ سرّاً إلى من يطمئن إليه من أهله.