قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصةَ الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية، فقال { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} :[الكهف: ٩] أي قد كان من آياتى فيما وضعت على العباد من حُججي ما هو أعجب من ذلك.
قال ابن هشام : والرقيم ٠ الكتاب الذي رُقِمَ فيه بخبرِهم ، وجمعُه : رُقُم. قال العَجَّاج :
ومُسْتَقر المصحفِ المرَقَّم
وهذا البيت فى أرجوزة له.
قال ابن إسحاق :
ثم قال تعالى : { إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا } [الكهف: ١٠،١١] عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}.[الكهف: ١١،١٢]
ثم قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} : أي بصدق الخبر عنهم { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} :[الكهف: ١٣،١٤] أي لم يشركوا بى كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم.
قال ابن هشام : والشطط : الغُلو ومجاوزة الحق. قال أعْشَى بنى
قَيْس بن ثَعْلبة :
لا يَنْتهون ولا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ كالطَّعْنِ يذهبُ فيه الزيتُ والفُتُلُ
وهذا البيت في قصيدة له.
{ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}[الكهف: ١٥ ]
قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة.
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه كَذِبًا (١٥) وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللّه فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}.[الكهف: ١٥ـ١٧]
قال ابن هشام : تَزَاور: تميلُ ، وهو من الزور. وقال امرؤ القيس ابن جُحْر.
وإنى زعيم إن رجعتُ مُملكاً بسَيْر ترى منه الفُرانِق أزْوَرَا
وهذا البيت فى قصيدة له. وقال أبو الزحف الكلبى يصف بلداً:
جَابُ المُندَّى عن هَوانا أزورُ يُنْضِى المطايا خِمْسُه العَشَنْزرُ
وهذان البيتان في أرجوزة له.و { تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ } [الكهف: ١٧] : تجاوزهم وتتركهم عن شمالها. قال ذو الرِّمة :
إلى ظُعْنٍ يَقْرِضن أقْواز مُشرِف شمالاً وعن أيمانِهن الفوارسُ
وهذا البيت في قصيدة له. والفجوة: السِّعة، وجمعها: الفِجاء. قال الشاعر :
ألبسْتَ قومَك مَخْزاةً ومَنْقَصةً حتى أبيحوا وخَلَّوْا فجوةَ الدار
{ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّه } [الكهف: ١٧] أ ي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم فى صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم : { مَنْ يَهْدِ اللّه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: ١٧، ١٨]
قال ابن هشام : الوصيد: الباب. قال العَبْسى، واسمه عُبَيْد بن وهب :
بأرضٍ فَلاة لا يُسَدّ ؤَصيدُها علىَّ ومعروفي بها غَيرُ مُنْكَرِ
وهذا البيت فى أبيات له. والوصيد ( أيضاً ) الفناء، وجمعه : وصائد، ووُصُد، ووصْدان وأصُد، وأصْذَان.
{ لوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:١٨] إلى قوله : {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} [الكهف٢١] أهل السلطان والملك منهم : {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (٢١) سيقولون} [الكهف:٢١،٢٢] يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم : { ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: ٢٢]: أي لا علم لهم. { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا } : أي لا تكابرهم ، {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٢٢] فإنهم لا علم لهم بهم.
{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللّه وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: ٢٣،٢٤]: أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت فى هذا: إنى مخبركم غداً. واستثن مشيئة اللّه ، واذكر ربك إذا نسيت ، وقل عسى أن يهدين ربى لخير مما سألتمونى عنه رشداً، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك. { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: ٢٥] : أي سيقولون ذلك. { قُلْ اللّه أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: ٢٦] أي لم يخف عليه شىء مما سألوك عنه.
وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطوَّاف :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ
سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٣،٨٤] حتى انتهى إلى آخر قصة خبره.
خبر ذي القرنين : وكان من خبر ذىِ القرنين أنه أوتي ما لم يؤتَ أحدٌ غيره ،
فمُدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضاً إلا
سُلط على أهلِها، حتى انتهى من المشرقِ والمغربِ إلى ما ليس وراءَه شئ من الخلق.
قال
ابن إسحاق : فحدثنى من يسوق الأحاديثَ عن الأعاجم فيما
توارثوا من علمه : أن ذا القرنين كان رجلاً من أهلِ مصر.
اسمُه مُرْزُبان بن مَرْذبة اليونانى، من ولد يونان بن يافث بن نوح.
قال
ابن هشام : واسمه الِإسكندر، وهو الذي بنى الِإسكندرية
فنسبت إليه.
قال
ابن إسحاق : وقد حدثني ثَوْر بن يزيد عن خالد بن مَعْدان الكَلاعيِّ ،
وكان رجلا قد أدرك : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سُئل عن ذي القرنين
فقال
: مَلِك مسح الأرضَ من تحتِها بالأسبابِ.
وقال خالد: سمع عمرُ بن الخطاب رضى اللّه عنه رجلاً يقول :
يا ذا القرنين ، فقال عمر: اللّهم غُفْراً، أما رَضَيْتم أن تَسَمَّوْا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكةِ.
قال
ابن إسحاق : اللّه أعلم أي ذلك كان ، أقال ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أم لا؟ فإن كان قاله ، فالحق ما قال.
أمر الروح : وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ
الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ
إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:
٨٥]
قال
ابن إسحاق : وحُدثت عن ابن عباس ، أنه
قال
: لما قدم رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم المدينة، قالت أحبارُ
يهود: يا محمدُ، أرأيت قولك : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أيانا تريد، أم قومَك ؟
قال
: كُلاًّ؟
قالوا: فإنك تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراةَ فيها بيانُ
كل شىء. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنها في علم اللّه قليل ، وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه.
قال
:
فأنزل
اللّه تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك {
وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ
مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّه إِنَّ اللّه
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الكهف:
٢٧] : أي أن التوراة فى هذا من علم اللّه قليل.
تسيير الجبال وبعْث الموتى : قال وأنزل اللّه تعالى عليه فيما سأله قومُه لأنفسِهم من تسيير الجبال ، وتقطيع
الأرض ، وبعث من مضى من آبائهم من الموتى: { وَلَوْ
أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للّه الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٣١]: أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت.
خذ لنفسك : وأنزل عليه فيٍ قولهم : خذ لنفسك ، ما سألوه أن يأخذ لنفسه
، أن يجعل له جنانا وقصوراً وكنوزاً، ويبعث معه ملكا يصدقه بما يقول ، ويرد عنه : {
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧)
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ
الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)
انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
سَبِيلًا (٩) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ
لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } [الفرقان:
٧ـ٩]: أي من أن تمشي فى الأسواق وتلتمس المعاش {جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: ١٠]
لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي لفعلت
: وأنزل عليه فى ذلك من قولهم {
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ
فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.[الفرقان: ٢٠] أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا، ولو شئتُ أن أجعل الدنيا مع
رسلي فلا يُخَالفوا لفعلتُ.
القرآن يرد على ابن أبي أمية : وأنزل اللّه عليه فيما قال عبدُاللّه ابن أبي أمية : {
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)
تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّه
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ
نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ
سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٠ـ٩٣]
قال
ابن هشام : الينبوع : ما نبع من الماء من الأرض وغيرها،
وجمعه ينابيع. قال ابن هَرْمة واسمه إبراهيم بن على الفِهري :
وإذا
هَرقتَ بكل دارٍ عَبْرةً نُزِفَ الشئونُ
ودَمْعُك اليَنْبوعُ
وهذا البيت فى قصيدة له. والكِسَف : القِطَع من العذاب ،
وواحدته : كِسْفة، مثل سِدْرة وسِدَر. وهى أيضاً : واحدة الكِسْف. والقبيل : يكون
مقابلة ومعاينة، وهو كقوله تعالىِ : { أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: ٥٥]: أي عيانا. وأنشدنى أبو عُبَيْدة لأعشى بنى قَيْس بن ثَعْلبة :
أصالحكم
حتى تَبوءُوا بمثلِهَا كصرخةِ حُبْلَى
يسَّرتها قبيلُها
يعنى القابلة، لأنها تقابلها وتَقبل ولدها. وهذا البيت في قصيدة
له.
ويقال
: القبيل جمعه قُبُل ، وهى الجماعات ، وفى كتاب
اللّه تعالى: { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [الأنعام: ١١١] فقُبل : جمع قبيل مثل سُبل : جمعٍ سبيل ، وسُرر: جمع سرير،
وقُمص : جمع قميص ، والقبيل أيضا: فى مَثَل من الأمثال ، وهو قولهم : ما يَعرف
قبيلاً من دبير: أي لا
يعرف ما أقبل مما أدبر، قال الكُميْت بن زيد:
تفرقَت
الأمورُ بوَجْهَتَيْهم فما عَرَفوا
الدبيرَ من القبيلِ
وهذا البيت في قصيدة له ،
ويقال
: إنما أريد بهذا القبيل : الفَتل ،
فما فُتل إلى الذراع فهو القبيل ، وما فُتل إلى أطراف
الأصابع فهو الدبير، وهو من الِإقبال والإدبار الذي ذكرت.
ويقال
: فَتْل المِغْزَل. فإذا فُتل المِغْزل إلىِ
الركبة فهو القبيل ، وإذا فُتل إلى الوَرِك فهو الدَّبير. والقبيل أيضاَ: قوم
الرجل. والزُّخرف : الذهب. والمزخْرَف : المزيَّن بالذهب. قال العجاج :
مِن
طللٍ أمسى تخال المصْحَفا رسومه والمذهَب
المزخْرَفا
وهذان البيتان فى أرجوزة له ، ويقال أيضاً لكل مُزَيَّن :
مُزَخْرَف.
قال ابن إسحاق :
وأنزل فى قولهم : إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجلٌ باليمامة، يقال
له الرحمنُ ، ولن نؤمن به أبداً: { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَانِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: ٣٠].
ما نزل في أبي جهل :
وأنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام ،وما هم به {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّه يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } [العلق:٩ـ١٩]
قال ابن هشام : لنسفعاً: لنجذبن ولنأخذن. قال الشاعر:
قومٌ إذا سَمِعوا الصراخَ رأيتَهم من بين مُلْجِمِ مُهْرِه أو سافِع
والنادي : المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورَهم ، وفى كتاب اللّه تعالى : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ} [العنكبوت: ٢٩] وهو النديُّ.
قال عَبيد بن الأبرص :
أذهبْ إليك فإنى من بني أسَدٍ أهل النديِّ وأهل الجودِ والنادي
وفى كتاب اللّه تعالى : { وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: ٧٣] وجمعه : أندية. فليدع
أهل ناديه. كما قال تعالى: { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] يريد أهل القرية.
قال سلامة بن جَنْدَل ، أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم :
يومان يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ويومُ سَيْر إلى الأعداءِ تأويبِ
وهذا البيت في قصيدة له. وقال الكُمَيْت بن زيد:
لا مهاذيرَ في النديّ مكاثيـ ر ولا مُصْمتين بالِإفحامِ
وهذا البيت فى قصيدة له. ويقال النادي : الجلساء. الزبانية: الغلاظ الشداد، وهم في هذا الموضع خزنة النار. والزبانية أيضاً في الدنيا أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه ، والواحد: زِبْنِيَة. قال ابن الزبَعْرَى فى ذلك :
مطاعيمُ فى المَقْرَى مطاعينُ فى الوَغَى زبانية غُلْت عظامٌ حلومُها
يقول : شداد. وهذا البيت فى أبيات له. وقال صخر بن عبداللّه الهذلى، وهو صخر الغى :
ومن كبير نفرٌ زبانيهْ
وهذا البيت فى أبيات له.
قال ابن إسحاق : وأنزل اللّه تعالى عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللّه وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.[سبأ: ٤٧]
فلما جاء رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقَه فيما حدَّث ، وموقع
نبوتِه فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه ، حال الحسدُ منهم له
بينَهم وبين اتِّباعه وتصديقه : فعَتَوْا على اللّه وتركوا أمرَه عياناً، ولجُّوا
فيما هم عليه من الكفر، فقال قائلهم : { لَا
تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: ٢٦] أي اجعلوه لغوا وباطلا، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك. فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوماً غلبكم.
فقال أبو جهل يوماً يهزأ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما جاء من الحق : يا معشر قريش يزعم محمدٌ أنما جنود اللّه
الذين يعذبونكم فى النار يحبسونكم فيها تسعةَ عشرَ، وأنتم أكثر الناس عدداً،
وكثرة، أفيعجز كلُّ مائة رجل منكم عن رجل منهم ؟
فأنزل
اللّه تعالى عليه في ذلك من قوله : { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ
إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا} [المدثر:
٣١] إلى آخر القصة، فلما قال
ذلك بعضهم لبعض ، جعلوا إذا جهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالقرآن وهو يصلى، يتفرقون عنه ، ويأبون أن يستمعوا له ،
فكان الرجلُ منهم إذا أراد أن يستمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم بعضَ ما يتلُو من القرآن وهو يصلي ، استرق
السمعَ دونَهم فَرَقاً منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشيةَ
أذاهم فلم يستمعْ ، وإن خفض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه وآله وسلم صوتَه فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون
شيئاً من قراءته وسمع هو شيئاً دونهم أصاخ له يستمعُ منه.
قال
ابن إسحاق : حدثني داود بن الحُصَيْن ، مولى عُمر بن عثمان ، أن عِكْرِمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبداللّه بن عباس رضي اللّه عنهما حدثهم : إنما أنزلت هذه الآية : {
وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلًا} [الإسراء:
١١٠] من أجل أولئك
النفر يقول : لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك ، ولا تخافتْ بها فلا يسمعها من يحب أن
يسمعَها ممن يسترق ذلك دونَهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع
فينتفع به.