وهو جبل مشهور بالمدينة على أقل من فرسخ منها.

وسمى بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، ويقال له: ذو عينين، قال فى القاموس: بكسر العين وبفتحها مثنى، جبل بأحد. انتهى.

وهو الذى قال فيه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أحد جبل يحبنا ونحبه) (١) .

وقيل: وفيه قبر هارون، أخى موسى، - عليهما السلام-.

وكانت عنده الوقعة المشهورة، فى شوال سنة ثلاث بالاتفاق، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه- وقيل لسبع ليال خلون منه، وقيل فى نصفه.

وعن مالك: بعد بدر بسنة، وعنه أيضا: كانت على أحد وثلاثين شهرا من الهجرة.

وكان سببها: كما ذكره ابن إسحاق عن شيوخه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة وابن سعد، قالوا- أو من قال منهم- ما حاصله.

إن قريشا لما رجعوا من بدر إلى مكة، وقد أصيب أصحاب القليب، ورجع أبو سفيان بعيره، قال عبد اللّه بن أبى ربيعة، وعكرمة بن أبى جهل، فى جماعة ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يوم بدر: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه- يعنون عير أبى سفيان، ومن كانت له فى تلك العير تجارة- لعلنا أن ندرك به ثأرنا.

فأجابوا لذلك، فباعوها وكانت ألف بعير، والمال خمسين ألف دينار.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٤٨٢) فى الزكاة، باب: خرص التمر، ومسلم (١٣٩٢) فى الحج، باب: أحد جبل يحبنا ونحبه، وفى الفضائل، باب: فى معجزات النبى صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث أبى حميد الساعدى- رضى اللّه عنه-، وهو فى الصحيحين أيضا من حديث أنس- رضى اللّه عنه-.

وفيهم- كما قال ابن إسحاق وغيره- أنزل اللّه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (١) .

واجتمعت قريش لحرب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. وكتب العباس بن عبد المطلب كتابا يخبر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بخبرهم، وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادى من قبل أحد مقابل المدينة.

وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر.

وأرى- صلى اللّه عليه وسلم- ليلة الجمعة رؤيا، فلما أصبح

قال: (إنى واللّه قد رأيت خيرا، رأيت بقرا تذبح، ورأيت فى ذباب سيفى ثلما، ورأيت أنى أدخلت يدى فى درع حصينة، فأما البقر فناس من أصحابى يقتلون، وأما الثلم الذى رأيت فى سيفى فهو رجل من أهل بيتى يقتل) (٢) .

وقال ابن عقبة، ويقول رجال: كان الذى بسيفه ما قد أصاب وجهه، فإن العدو أصابوا وجهه الشريف- صلى اللّه عليه وسلم- يومئذ، وكسروا رباعيته، وجرحوا شفته.

وفى رواية قال- عليه الصلاة والسلام-: (وأولت الدرع الحصينة بالمدينة فامكثوا فإن دخل القوم الأزفة قاتلناهم، ورموا من فوق البيوت) (٣) .

فقال أولئك القوم: يا رسول اللّه، كنا نتمنى هذا اليوم، أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم.

فصلى- صلى اللّه عليه وسلم- بالناس الجمعة، ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلك.

__________

(١) سورة الأنفال: ٣٦.

(٢) أخرجه ابن هشام فى (سيرته) (٢/ ٦٣ و ٦٦) عن ابن إسحاق عن الزهرى وغيره مرسلا، وبنحوه أخرجه أحمد (٣/ ٣٥١) ، والدارمى فى (سننه) (٢١٥٩) من حديث جابر رضى اللّه عنه-.

(٣) انظر ما قبله.

ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ثم دخل صلى اللّه عليه وسلم- بيته ومعه صاحباه أبو بكر وعمر- رضى اللّه عنهما-، فعمماه وألبساه.

وصف الناس ينتظرون خروجه- عليه السّلام-، فقال سعد بن معاذ وأسيد بن حضير: استكرهتم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- على الخروج، فردوا الأمر إليه، فخرج صلى اللّه عليه وسلم- وقد لبس لأمته- وهى بالهمزة وقد يترك تخفيفا: الدرع- وتقلد سيفه، فندموا جميعا على ما صنعوا، فقالوا: ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت. ف

قال: (ما ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللّه بينه وبين عدوه) (١) .

وفى حديث ابن عباس عند أحمد والنسائى والطبرانى، وصححه الحاكم: نحو حديث ابن إسحاق، وفيه إشارة النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إليهم أن لا يبرحوا من المدينة، وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة، ولبسه للأمته، وندامتهم على ذلك وقوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل) وفيه: (إنى رأيت أنى فى درع حصينة) الحديث (٢) .

وعقد- عليه السّلام- ثلاثة ألوية:

لواء بيد أسيد بن حضير.

ولواء للمهاجرين بيد على بن أبى طالب وقيل بيد مصعب بن عمير.

ولواء للخزرج بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة.

وفى المسلمين مائة دارع. وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، دارعين (٣) .

واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة.

__________

(١) هو قطعة من حديث جابر المتقدم.

(٢) أخرجه أحمد فى (مسنده) (١/ ٢٧١) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ١٤١) ، والبيهقى فى (الكبرى) (٧/ ٤١) ، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.

(٣) أى: مرتدين دروعهم.

وأدلج- عليه السّلام- فى السحر، وكان قد رد جماعة من المسلمين لصغرهم، منهم: أسامة، وابن عمر، وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدرى.

والنعمان بن بشير. قال مغلطاى: وفيه نظر.

وكان المسلمون ألف رجل، وي

قال: تسعمائة، والمشركون ثلاثة آلاف رجل فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس، وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة.

ونزل- عليه السّلام- بأحد ورجع عنه عبد اللّه بن أبى فى ثلاثمائة ممن تبعه من قومه من أهل النفاق. وي

قال: إن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط، وقيل بأحد.

ثم صف المسلمون بأصل أحد، وصف المشركون بالسبخة.

قال ابن عقبة: وكان على ميمنة خيل المشركين خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبى جهل.

وجعل- صلى اللّه عليه وسلم- على الرماة- وهم خمسون رجلا- عبد اللّه بن جبير، و

قال: (إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) (١) . كذا فى البخارى من حديث البراء.

وفى حديث ابن عباس عند أحمد والطبرانى والحاكم: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أقامه فى موضع ثم

قال: (احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا) (٢) .

قال ابن إسحاق: وقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (من يأخذ هذا السيف بحقه) . فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك، ف

قال: وما حقه يا رسول اللّه؟

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٠٣٩) فى الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف فى الحرب.

(٢) أخرجه أحمد فى (مسنده) (١/ ٢٨٧) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٣٢٤) ، والطبرانى فى (الكبير) (١٠/ ٣٠١) .

قال: (أن تضرب به فى وجه العدو حتى ينحنى) ،

قال: أنا آخذه بحقه يا رسول اللّه، فأعطاه إياه، وكان رجلا شجاعا يختال عند الحرب، فلما رآه- صلى اللّه عليه وسلم- يتبختر

قال: (إنها لمشية يبغضها اللّه إلا فى مثل هذا الموطن) .

قال الزبير بن العوام- فيما قاله ابن هشام- فقلت واللّه لأنظرن ما يصنع أبو دجانة.

فاتبعته فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار:

أخرج عصابة الموت فخرج وهو يقول:

أنا الذى عاهدنى خليلى ... ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر فى الكيّول ... أضرب بسيف اللّه والرسول

فجعل لا يلقى أحدا من المشركين إلا قتله (١) .

وقوله: فى الكيول- بفتح الكاف وتشديد المثناة التحتية- مؤخر الصفوف. وهو: فيعول من كال الزند يكيل كيلا إذا كبا ولم يخرج نارا، فشبه مؤخر الصفوف به لأن من كان فيه لا يقاتل. قال أبو عبيدة: ولم يسمع إلا فى هذا الحديث. وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف.

والتقى حنظلة الغسيل وأبو سفيان فضربه شداد بن أوس فقتله فقال صلى اللّه عليه وسلم-: (إن حنظلة لتغسله الملائكة) ، فسألوا امرأته جميلة أخت عبد اللّه ابن أبى

فقالت: خرج وهو جنب فقال- عليه السّلام-: (لذلك غسلته الملائكة) (٢) .

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٤٧٠) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبى دجانة سماك ابن خرشة- رضى اللّه عنه-، وأحمد فى (مسنده) (٣/ ١٢٣) ، والحاكم فى (مستدركه) (٣/ ٢٥٥) ، من حديث أنس- رضى اللّه عنه- مختصرا، وهو عند الحاكم (٣/ ٢٥٦) مطولا من حديث الزبير بن العوام- رضى اللّه عنه-.

(٢) أخرجه الحاكم فى (مستدركه) (٣/ ٢٢٥) ، والبيهقى فى (الكبرى) (٤/ ١٥) ، وفى (الدلائل) (٣/ ٢٤٦) من حديث عبد اللّه بن الزبير- رضى اللّه عنه-.

وبذلك تمسك من قال من العلماء: إن الشهيد يغسل إذا كان جنبا.

وقتل على طلحة بن أبى طلحة، صاحب لواء المشركين، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبى طلحة، فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه.

ثم أنزل اللّه نصره على المسلمين فحسوا الكفار بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة، فولى الكفار لا يلوون على شىء، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون حتى أجهضوهم. ووقعوا ينهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم.

وفى البخارى: قال البراء: فقال أصحاب عبد اللّه بن جبير: أى قوم، الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون، فقال عبد اللّه بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-؟ قالوا: واللّه لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين (١) .

وفى حديث عائشة عند البخارى أيضا: لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة، فصاح إبليس: أى عباد اللّه أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت مع أخراهم (٢) .

وعند أحمد والحاكم من حديث ابن عباس: أنهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا، فوقع القتل فى المسلمين بعضهم فى بعض (٣) .

وفى رواية غيرهما: ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل، وتبعه عكرمة بن أبى جهل فحملوا على من بقى من النفر الرماة فقتلوهم وأميرهم عبد اللّه بن جبير.

وفى البخارى: أنهم لما اصطفوا للقتال، خرج سباع ف

قال: هل من

__________

(١) هو الذى عند البخارى برقم (٣٠٣٩) وقد تقدم قريبا.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣٢٩٠) فى بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.

(٣) أخرجه أحمد فى (مسنده) (١/ ٢٨٧) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٣٢٤) ، وقد تقدم قريبا.

مبارز، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فشد عليه فكان كأمس الدابر، وكان وحشى كامنا تحت صخرة، فلما دنا منه رماه بحربته حتى خرجت من بين وركيه فكان آخر العهد به (١) . انتهى.

وكان مصعب بن عمير قاتل دون رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حتى قتل، وكان الذى قتله ابن قمئة، وهو يظنه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فصاح ابن قمئة إن محمدا قتل. ويقال كان ذلك إزب العقبة، وي

قال: بل هو إبليس- لعنه اللّه- تصور فى صورة جعال.

وقال قائل: أى عباد اللّه أخراكم، أى: احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون، وانهزمت طائفة منهم جهة المدينة، وتفرق سائرهم، ووقع فيهم القتل. قال موسى بن عقبة: ولما فقد- عليه السّلام-، قال رجل منهم: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قد قتل، فارجعوا إلى قومكم ليؤمنوكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فإنهم داخلوا البيوت. وقال رجال منهم: إن كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قتل أفلا تقاتلون على دينكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا اللّه عز وجل شهداء. منهم أنس بن مالك بن النضر شهد له بها عند رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- سعد بن معاذ.

قال فى (عيون الأثر) : كذا وقع فى هذا الخبر: أنس بن مالك، وإنما هو أنس بن النضر عم أنس بن مالك بن النضر. انتهى.

وثبت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حتى انكشفوا عنه، وثبت معه من أصحابه أربعة عشر رجلا، سبعة من المهاجرين، فيهم أبو بكر الصديق، وسبعة من الأنصار.

وفى البخارى: لم يبق معه- عليه الصلاة والسلام- إلا اثنا عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٤٠٧٢) فى المغازى، باب: قتل حمزة بن عبد المطلب رضى اللّه عنه-.

فقال أبو سفيان: أفى القوم محمد، ثلاث مرات، فنهاهم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أن يجيبوه، ثم

قال: أفى القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات، ثم

قال: أفى القوم ابن الخطاب ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه ف

قال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه ف

قال: كذبت يا عدو اللّه، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وبقى لك ما يسوؤك،

قال: يوم بيوم، والحرب سجال (١) .

وتوجه- صلى اللّه عليه وسلم- يلتمس أصحابه، فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته (٢) ، والذى جرح وجهه عبد اللّه بن قمئة، وعتبة بن أبى وقاص أخو سعد هو الذى كسر رباعيته، ومن ثم لم يولد من نسله ولد يبلغ الحنث إلا وهو أبخر أو أهتم- أى مكسور الثنايا من أصلها- يعرف ذلك فى عقبة.

وقال ابن هشام، فى حديث أبى سعيد الخدرى: إن عتبة بن أبى وقاص رمى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد اللّه بن هشام الزهرى شجه فى جبهته وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر فى وجنته، ووقع- صلى اللّه عليه وسلم- فى حفرة من الحفر التى كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين.

وفى رواية: وهشموا البيضة على رأسه (٣) - أي كسروا الخوذة- ورموه بالحجارة حتى سقط لشقه فى حفرة من الحفر التى حفرها أبو عامر، فأخذ على بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد اللّه حتى استوى قائما، ونشبت حلقتان من المغفر فى وجهه، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما فى وجهه.

وامتص مالك بن سنان- والد أبى سعيد الخدرى- الدم من وجنته ثم

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٠٣٩) فى الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف فى الحرب، من حديث البراء بن عازب- رضى اللّه عنه-.

(٢) الرباعية: هى السن التى بين مقدم الأسنان والناب، والحديث أخرجه مسلم (١٧٩٠) فى الجهاد والسير، باب: غزوة أحد من حديث سهل بن سعد- رضى اللّه عنه-.

(٣) انظر الحديث السابق.

ازدرده، فقال له- صلى اللّه عليه وسلم-: من مس دمى دمه لم تصبه النار، وسيأتى- إن شاء اللّه تعالى- حكم دمه- عليه السّلام-.

وفى الطبرانى من حديث أبى أمامة

قال: رمى عبد اللّه بن قمئة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته ف

قال: خذها وأنا ابن قميئة، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وهو يمسح الدم عن وجهه: (أقمأك اللّه) فسلط اللّه عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة (١) .

وروى ابن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس

قال: كسرت رباعيته صلى اللّه عليه وسلم- يوم أحد وشج وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسحه ويقول (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم) فأنزل اللّه تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (٢) (٣) . ورواه أحمد والترمذى والنسائى من طريق حميد به.

وعند ابن عائذ من طريق الأوزاعى: بلغنا أنه لما خرج- صلى اللّه عليه وسلم- يوم أحد، أخذ شيئا فجعل ينشف دمه و

قال: لو وقع منه شىء على الأرض لنزل عليهم العذاب من السماء، ثم

قال: (اللّهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون) (٤) .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى

قال: ضرب وجه النبى صلى اللّه عليه وسلم- يومئذ بالسيف سبعين ضربة، ووقاه اللّه شرها كلها. قال فى فتح البارى: وهذا مرسل قوى، ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة، انتهى.

وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد- فيما قاله ابن

__________

(١) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٨/ ١٣٠) ، وفى (مسند الشاميين) (٤٥٣) وانظر (الفتح) للحافظ ابن حجر (٧/ ٣٦٦- ٣٦٧) .

(٢) سورة آل عمران: ١٢٨.

(٣) صحيح: وهو عند البخارى (٧/ ٤٢٢) تعليقا فى المغازى، باب: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ..، ووصله مسلم (١٧٩١) فى الجهاد والسير،

(٤) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٦/ ١٢٠) ، من حديث سهل بن سعد الساعدى.