الاختيار لتعليل المختار

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي الْخِلَافِ وَالْحُكْمِ، وَفِي الشُّرُوطِ إِلَّا الْمُدَّةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بَقَاءَهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْعُذْرِ وَقَدْ زَالَ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا كَرَبَ، وَحَفَرَ - انْتَقَضَتْ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُدْرِكِ الزَّرْعُ - فَعَلَى الْمُزَارِعِ أُجْرَةُ نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ) ؛ لِأَنَّ إِبْقَاءَ الزَّرْعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ.
قَالَ: (وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُسْتَحْصَدَ) ؛ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ، فَصَارَ عَمَلًا فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ - فَالْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ بِبَقَاءِ مُدَّتِهِ.
1 -
فَصْلٌ [التَّعَدِّي بِالسَّقْيِ] وَمَنْ سَقَى أَرْضَهُ، فَسَالَ مِنْ مَائِهِ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَغَرَّقَهَا أَوْ نَزَّتْ إِلَيْهَا - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. مَعْنَاهُ: إِذَا سَقَاهُ سَقْيًا مُعْتَادًا، أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِتَغْرِيقِ أَرْضِ الْغَيْرِ غَالِبًا.
وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِهِ جُحْرُ فَأْرَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَغَرِقَتْ - إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَإِنْ عَلِمَ ضَمِنَ؛ لِلتَّعَدِّي. وَعَلَى هَذَا إِذَا فَتَحَ رَأْسَ نَهْرِهِ، فَسَالَ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَغَرِقَتْ - إِنْ كَانَ مُعْتَادًا لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا ضَمِنَ.
وَكَذَا لَوْ أَحْرَقَ الْكَلَأَ وَالْحَصَائِدَ فِي أَرْضِهِ، فَذَهَبَتِ النَّارُ، فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ - إِنْ كَانَ إِيقَادًا مُعْتَادًا لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ يَوْمَ رِيحٍ، وَعَلِمَ أَنَّ النَّارَ تَتَعَدَّى - ضَمِنَ.

[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]
وَتُسَمَّى مُعَامَلَةً، مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّقْيِ وَالْعَمَلِ، وَهِيَ أَنْ يَقُومَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الشَّجَرُ مِنْ تَلْقِيحٍ وَعَسْفٍ، وَتَنْظِيفِ السَّوَاقِي وَسَقْيٍ وَحِرَاسَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي الْخِلَافِ وَالْحُكْمِ) وَقَدْ مَرَّ. قَالَ: (وَفِي الشُّرُوطِ إِلَّا الْمُدَّةَ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُذْكَرَ الْمُدَّةُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِجَارَةِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا. وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ إِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ، وَالتَّفَاوُتَ فِيهِ قَلِيلٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَيَقَّنُ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، رَبِيعًا وَخَرِيفًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَفِي الرَّطْبَةِ إِدْرَاكُ بَذْرِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً، مَعْنَاهُ: إِذَا دَفَعَهَا بَعْدَ مَا تَنَاهَى نَبَاتُهَا، وَلَمْ تُخْرِجِ الْبَذْرَ فَيَقُومُ عَلَيْهَا؛ لِيَخْرُجَ الْبَذْرُ.

(3/79)


وَإِنْ سَمَّيَا مُدَّةً لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ فِي مِثْلِهَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا أَوْ أَصُولَ رَطْبَةٍ؛ لِيَقُومَ عَلَيْهَا، وَأَطْلَقَ - لَا يَجُوزُ فِي الرَّطْبَةِ إِلَّا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ إِذَا كَانَتْ تَزِيدُ بِالسَّقْيِ وَالْعَمَلِ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَمَّا إِذَا دَفَعَهَا وَقَدْ نَبَتَتْ، أَوْ دَفَعَ الْبَذْرَ؛ لِيَبْذُرَهُ - فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ جَزِّهَا مَعْلُومًا جَازَ. وَيَقَعُ عَلَى الْجِزَّةِ الْأُولَى كَالثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ. وَلَوْ دَفَعَ غَرْسَ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ قَدْ عَلِقَ، وَلَمْ تَبْلُغِ الثَّمَرَةُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ، وَالْخَارِجُ نِصْفَانِ - فَهِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ وَضَعْفِهَا، وَلَا يَدْرِي مَتَى تَحْمِلُ. فَإِنْ سَمَّيَا مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهَا تُثْمِرُ فِيهِ جَازَ.
قَالَ: (وَإِنْ سَمَّيَا مُدَّةً لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ فِي مِثْلِهَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ) ؛ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَهِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ. وَإِنَّ شَرَطَا وَقْتًا قَدْ تُدْرِكُ الثَّمَرَةُ فِيهِ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ عَنْهُ - فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ. فَإِنْ أَدْرَكَتْ فِيهِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً، وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ فَفَاسِدَةٌ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ أَخْرَجَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ، وَإِنْ أَحَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا - فَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ خُرُوجُ الثَّمَرَةِ مَوْهُومًا انْعَقَدَتْ مَوْقُوفَةً فَلَا تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً.
قَالَ: (وَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ؛ لِيَقُومَ عَلَيْهَا، وَأَطْلَقَ - لَا يَجُوزُ فِي الرَّطْبَةِ إِلَّا بِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ ; لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ فَجُهِلَتِ الْمُدَّةُ، وَمَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمُ وَقْتُ جَوَازِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) ؛ لِأَنَّ لِعَمَلِهِ تَأْثِيرًا فِي نَمَائِهِ وَجَوْدَتِهِ؛ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ فِي الْكُلِّ. وَأَهْلُ خَيْبَرَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ (إِذَا كَانَتْ تَزِيدُ بِالسَّقْيِ وَالْعَمَلِ) كَالطَّلْعِ وَالْبَلَحِ وَالْبُسْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا مِنَ الْخَارِجِ. حَتَّى لَوْ دَفَعَهَا، وَقَدِ انْتَهَتِ الثَّمَرَةُ فِي الْعَظْمِ، وَلَا تَزِيدُ بِعَمَلِهِ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ. وَمَتَى فَسَدَتِ الْمُسَاقَاةُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا الزَّرْعِ إِنْ دَفَعَهُ، وَهُوَ بَقْلٌ - جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَحْصَدَ لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ. فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ، وَالْخَارِجُ بُسْرٌ - فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى تُدْرِكَ الثَّمَرَةُ. وَإِنْ أَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ قَطْعَهُ، وَإِدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ - فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ؛ إِمَّا أَنْ يُقَسِّمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ، أَوْ يُعْطُوهُ قَيمَةَ نَصِيبِهِ بُسْرًا، أَوْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ، وَيَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ، وَدَفْعُهُ مُتَعَيِّنٌ بِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ، وَإِنْ كَرِهَ رَبُّ الْأَرْضِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَانِبَيْنِ. وَإِنْ أَرَادُوا قَطْعَهُ بُسْرًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَإِنْ مَاتَا فَوَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ كَالْمُوَرِّثِ. وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ إِذَا مَاتَ الْمُزَارِعُ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ

(3/80)