الاختيار لتعليل المختار

كِتَابُ النِّكَاحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ، وَإِنْ أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَهُ فَلِلْمَالِكِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ فَهُوَ كَالْمَوْتِ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْرِكَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ. وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ تَكُونُ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ هُنَا، فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ.
أَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِهَا مِنَ الْأَعْذَارِ كَوْنُ الْعَامِلِ سَارِقًا يَسْرِقُ السَّعَفَ وَالْخَشَبَ وَالثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ. وَمِنْهَا مَرَضُ الْعَامِلِ إِذَا أَعْجَزَهُ عَنِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ بِزِيَادَةِ أَجْرٍ، وَأَنَّهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْفَسْخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَلْزَمُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

[كِتَابُ النِّكَاحِ]
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَنَرَى: أَيْ جَمَعْنَا بَيْنَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالْأَتَانِ؛ لِنَنْظُرَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا، يُضْرَبُ مَثَلًا لِقَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَدْرُونَ مَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ. وَحَكَى الْمُبَرِّدُ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ وَغُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ النِّكَاحَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ وَالضَّمِّ.
وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمٍّ وَجَمْعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْوَطْءُ ; لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ حَالَةَ الْوَطْءِ يَجْتَمِعَانِ، وَيَنْضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ مَجَازًا؛ لِمَا أَنَّهُ يَئُولُ إِلَى الضَّمِّ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ.
فَمَتَى أُطْلِقَ النِّكَاحُ فِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ» أَيْ مِنْ وَطْءٍ حَلَالٍ، وَقَوْلِهِ: «يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ أَيْضًا. قَالَ الْأَعْشَى:
وَمَنْكُوحَةٍ غَيْرِ مَمْهُورَةٍ ... وَأُخْرَى يُقَالُ لَهُ فَادِهَا
يَعْنِي مَسْبِيَّةً مَوْطُوءَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مَهْرٍ.
وَقَالَ آخَرُ:
وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى عَمٍّ وَخَالٍ تَلَهَّفُ

(3/81)


النِّكَاحُ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرْغُوبَةٌ، وَحَالَةَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ، وَحَالَةَ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ. وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ، أَوْ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ. كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَعْنِي وَطْءَ الْمَسْبِيَّةِ بِالرِّمَاحِ. إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَشْعَارِ الْكَثِيرَةِ.
وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِ الْأَهْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْعَدَدِ دُونَ الْوَطْءِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَكُونُونَ عَلَى الْوَطْءِ، وَلِأَنَّهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ مُفْتَرِقَانِ.
وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ؛ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الضَّمِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] . وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] ، وَقَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] . وَبِالسُّنَّةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا؛ فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَقَالَ: «النِّكَاحُ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَالْآثَارُ فِيهِ غَزِيرَةٌ، وَعَلَى شَرْعِيَّتِهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
قَالَ: (النِّكَاحُ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرْغُوبَةٌ، وَحَالَةَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ، وَحَالَةَ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ) . أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ، فَبَعْضُهَا أَمْرٌ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرْغِيبَ وَالتَّأْكِيدَ عَلَى فِعْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي نَاطِقٌ بِكَوْنِهِ سُنَّةً، ثُمَّ أَكَّدَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِتَرْكِهِ أَمْرًا مَحْذُورًا، وَأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ وَأَنَّهُ آيَةُ التَّأْكِيدِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَالَةَ التَّوَقَانِ يُخَافُ عَلَيْهِ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهُ فِي مُحَرَّمِ الزِّنَا، وَالنِّكَاحُ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنِ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَاجِبٌ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ إِنَّمَا شُرِعَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَمَنْعِهَا عَنِ الزِّنَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ، وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ الْمُحْتَمَلِ بِالْوَلَدِ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُوَحِّدُهُ. وَالَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ وَالْمَيْلَ يَأْثَمُ بِالْجَوْرِ وَالْمَيْلِ، وَيَرْتَكِبُ الْمَنْهِيَّاتِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَيَنْعَدِمُ فِي حَقِّهِ الْمَصَالِحُ؛ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ عَلَيْهَا، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إِلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَا تُفَصِّلُ، فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.
(وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجَدُ بِهِمَا، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ) كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ، وَقَوْلِ الْآخَرِ: تَزَوَّجْتُ، أَوْ قَبِلْتُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا؛ لِلْحَاجَةِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. (أَوْ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَاضٍ، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ، كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي - تَوْكِيلٌ، وَالْوَكِيلُ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَرَوَى الْمُعَلَّى

(3/82)


وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (ف) .

وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِحُضُورِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الشُّهُودِ مِنْ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ (ف) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَ: جِئْتُكَ خَاطِبًا ابْنَتَكَ، أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ. فَقَالَ الْأَبُ: قَدْ زَوَّجْتُكَ - فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَلَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَالْبَيْعُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا أَتَزَوَّجُكِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ - جَازَ، وَلَزِمَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَتَزَوَّجُكِ، بِمَعْنَى تَزَوَّجْتُكِ عُرْفًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَتُزَوِّجُنِي؟ فَقَالَ الْآخَرُ: زَوَّجْتُكَ - لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ وَاسْتِيعَادٌ، لَا أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ. وَلَوْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ الِاسْتِخْبَارِ وَالسَّوْمِ يَنْعَقِدُ بِهِ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ. قَالَ: (وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّمْلِيكُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالسَّبَبِيَّةُ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ.
وَأَمَّا لَفْظُ الْإِجَارَةِ فَرَوَى ابْنُ رُسْتَمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ، وَلِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنِ التَّأْقِيتِ، وَلَا تَأْقِيتَ فِي النِّكَاحِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا، فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَالْإِجَارَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَكَ بِابْنَتِي - لِلْحَالِ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مُطْلَقًا لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا: كُلُّ لَفْظٍ يَصِحُّ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتَمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ لَفْظٍ يَكُونُ فِي الْأَمَةِ تَمْلِيكًا لِلرِّقِّ فَهُوَ نِكَاحٌ فِي الْحُرَّةِ.

[ما يشترط في الشهود في النكاح]
قَالَ: (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِحُضُورِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الشُّهُودِ مِنْ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ) فَالشُّهُودُ شَرْطٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الزَّانِيَةُ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» .
وَأَمَّا صِفَةُ الشُّهُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا: كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ، وَمَنْ لَا فَلَا. وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّهَادَةِ وَالْقَبُولِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَجَازَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَاتِ، وَلَا يَمْلِكُونَ الْقَبُولَ بِأَنْفُسِهِمْ.
وَلَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّهَادَاتِ.
وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَفْصِلُ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الْوِلَايَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُسْلَبُهَا عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ تَحَمَّلَ فَيَجُوزُ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ

(3/83)


وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعُمْيَانِ. وَإِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ (م) ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُحُودِهِ.

[مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ] وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّهِ، وَجَدَّاتِهِ، وَبِنْتِهِ، وَبَنَاتِ وَلَدِهِ، وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَبَنِيهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ النَّسَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِلتُّهْمَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْأَدَاءِ.
أَمَّا التَّحَمُّلُ فَأَمْرٌ مُشَاهَدٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. وَانْعِقَادُ النِّكَاحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ كَمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَلَا يُعْلَمُ بَاطِنُهُ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا وَابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا. وَلَا يَظْهَرُ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْقَرِيبِ؛ لِمَا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى الْحُضُورِ لَا عَلَى مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعُمْيَانِ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ؛ فَإِنَّ مَالِكًا يُجَوِّزُ شَهَادَتَهُ، وَأَبَا يُوسُفَ يُجِيزُهَا إِذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا. وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ صَارَ كَالْبَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ.
وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إِنْ تَابَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُحُودِهِ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالسَّمَاعُ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُمْ سَمِعُوا كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا لَوْ جَحَدَتْ.
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَأَنْ يَنْعَقِدَ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الِانْعِقَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِمَا مَرَّ. وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا سَمِعَا ذِمِّيَّيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي الِانْعِقَادِ؛ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ إِظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ لَا لِوُجُوبِ الْمَهْرِ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِكَلَامِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَقْدِ شَرْطٌ.

[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]
فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّهِ وَجَدَّاتِهِ، وَبِنْتِهِ، وَبَنَاتِ وَلَدِهِ، وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَعَمَّتِهِ، وَخَالَتِهِ، وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَبَنِيهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَنْ ذَكَرْنَا) مَا يَحْرُمُ (مِنَ النَّسَبِ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ: بِالْقَرَابَةِ، وَبِالصِّهْرِيَّةِ، وَبِالرَّضَاعِ، وَبِالْجَمْعِ، وَبِالتَّقْدِيمِ، وَبِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَبِالْمِلْكِ،

(3/84)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَبِالْكُفْرِ، وَبِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ.
فَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْقَرَابَةِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالْبَنَاتُ وَإِنْ سَفُلْنَ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كُنَّ، وَالْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ جَمِيعُهُنَّ. وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَإِنْ سَفُلْنَ فَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ نِكَاحًا وَوَطْئًا.
وَدَوَاعِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] . نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا، فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ فِي الْمَحَلِّ الْمُضَافِ إِلَيْهِ التَّحْرِيمُ إِلَّا فِعْلًا فِيهِ تَعْظِيمٌ وَتَكْرِيمٌ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْإِرَادَةِ؛ إِمَّا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِالنُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِحْسَانِ بِهِمَا. أَوْ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَقْلًا، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ. وَمَا عَدَاهُنَّ مِنَ الْقَرَابَاتِ مُحَلَّلَاتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: أُمُّ امْرَأَتِهِ وَبَنَاتُهَا، فَتَحْرُمُ أُمُّهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مُطْلَقًا. وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ، قَالَ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] الْآيَةَ.
وَتَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَذِكْرُ الْحِجْرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِلشَّرْطِ. وَكَذَا بَنَاتُ بِنْتِ الْمَرْأَةِ وَبَنَاتُ ابْنِهَا؛ لِدُخُولِهِنَّ تَحْتَ اسْمِ الرَّبِيبَةِ. وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفُلَ حَرَامٌ عَلَى الْأَبِ دَخَلَ الِابْنُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ حَلِيلَةُ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى.
وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَا حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ إِنَّمَا يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّكَاحِ وَالزَّوْجَةِ وَالْحَلِيلَةِ إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَاسْمُ الْحَلِيلَةِ يَتَنَاوَلُ الزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ، غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالْأَمَةَ لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ. وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إِذَا لَمْ يَطَأْهُمَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: وَطِئْتُهَا - حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي جَارِيَةِ الْغَيْرِ لَا تَحْرُمُ أَخْذًا بِالظَّاهِرِ فِيهِمَا. وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَسِعَهُ وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ وَطِئَهَا. وَلَوْ قَصَدَ امْرَأَتَهُ لِيُجَامِعَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ مَعَ بِنْتِهَا الْمُشْتَهَاةِ، فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى الْبِنْتِ، فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ - حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ.
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ كُلُّ مَنْ تَحْرُمُ بِالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْجَمْعِ: لَا يُحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] . نَصَّ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِنَّ.

(3/85)


وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا. وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرُوِيَ «أَنَّ غَيْلَانَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ، وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَيُفَارِقَ الْبَاقِيَ» . وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْإِمَاءِ مِلْكًا وَوَطْئًا حَلَالٌ وَإِنْ كَثُرْنَ، قَالَ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ خَرَجَ عَنْهُ الزَّوْجَاتُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَبَقِيَ الْإِمَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَلَا يَجْمَعُ الْعَبْدُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنْصِفٌ، فَيَنْتَصِفُ مِلْكُ النِّكَاحِ أَيْضًا إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ. وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا، وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهَ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» .
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ الْوَطْءِ إِجْمَاعًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ قَدْ وَطِئَهَا، فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا - جَازَ النِّكَاحُ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى مَحَلِّهِ. وَلَا يَطَأُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا. وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَرَّمَهَا وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ، وَحُرِّمَتِ الْمَمْلُوكَةُ حَتَّى يُفَارِقَ الْمَنْكُوحَةَ.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) ؛ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ جَوَازِ نِكَاحِ إِحْدَاهُمَا. (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى - فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إِحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَلَا وَجْهَ إِلَى التَّيَقُّنِ؛ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا؛ لِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ. فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَسَدَ نِكَاحُ الْأَخِيرَةِ وَيُفَارِقُهَا، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
(وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا رَابِعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِ الْأُولَى مِنْ وَجْهٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَالْفِرَاشِ الْقَائِمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالْمَنْعِ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالتَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ. وَالْمُعْتَدَّةُ إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً يَحِلُّ لِلزَّوْجِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا؛ لِسُقُوطِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَنْهَا.
وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا تَمْنَعُ نِكَاحَ أُخْتِهَا دُونَ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا قَائِمٌ، فَيَكُونُ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْحَدِيثِ.
وَحُرْمَةُ الْأَرْبَعَةِ وَرَدَ فِي النِّكَاحِ، وَقَالَا: لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَا بَعْدَهُ. لَكِنْ إِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ فِرَاشَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ النَّقْلَ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ، وَبَعْدَهُ لَا، فَافْتَرَقَا. وَالْعَقْدُ قَائِمٌ

(3/86)


وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَا مَعَهَا وَلَا فِي عِدَّتِهَا (سم) .
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا وَفِي عِدَّتِهَا، وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ الْغَيْرِ وَلَا مُعْتَدَّتَهُ. وَلَا يَتَزَوَّجُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا الزَّانِيَةَ (س ف) ، فَإِنْ فَعَلَ لَا يَطَؤُهَا حَتَى تَضَعَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةَ عَبْدَهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى يَثْبُتَ النِّسَبُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا) ؛ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» . وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالتَّقْدِيمِ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا مَعَهَا وَلَا فِي عِدَّتِهَا، وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا فِي عِدَّتِهَا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَيْهَا» ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ بِهَذَا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْيَمِينُ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُزَاحَمَةِ فِي الْقَسْمِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ، وَخَمْسًا مِنَ الْحَرَائِرِ - جَازَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَرَائِرِ؛ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَيَبْطُلُ نِكَاحُهُنَّ، فَلَمْ تُوجَدِ الْمُزَاحَمَةُ.
(وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَرُبَاعَ} [النساء: 3] لَا يُفَصِّلُ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ لَا تُفَصِّلُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فَـ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ الْغَيْرِ وَلَا مُعْتَدَّتَهُ) ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَلْعُونٌ مَنْ سَقَى مَاءَهَ زَرْعَ غَيْرِهِ» ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ. وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ.
قَالَ: (وَلَا يَتَزَوَّجُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا (إِلَّا الزَّانِيَةَ، فَإِنْ فَعَلَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حَمْلٌ مُحْتَرَمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ إِسْقَاطُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ؛ لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ، وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي، فَدَخَلَتْ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ كَالْحَامِلِ مِنَ السَّبْيِ، وَحِمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا وَنَحْوِهِ - فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمِلْكِ فَـ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) . وَمِلْكُ بَعْضِ الْعَبْدِ فِي هَذَا كَمِلْكِ كُلِّهِ، وَكَذَا حَقُّ الْمِلْكِ

(3/87)


وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ وَالصَّابِئِيَّاتِ (سم) . وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
كَمَمْلُوكِ الْمُكَاتِبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِثْبَاتِ الْأَضْعَفِ مَعَ ثُبُوتِ الْأَقْوَى. وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حُقُوقًا، وَالرِّقُّ يُنَافِي ذَلِكَ.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالْكُفْرِ فَـ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ، وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ) ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» .
(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ، وَالذِّمِّيَّةُ وَالْحَرْبِيَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَالْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى.
(وَ) يَجُوزُ نِكَاحُ (الصَّابِئِيَّاتِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا حَلَّ ذَبَائِحَهُمْ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَعِنْدَهُ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ، وَلَا يَعْبُدُونَهَا، فَصَارُوا كَالْكِتَابِيَّاتِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ.
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا، وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أُصُولِ الْوَاطِئِ وَفُرُوعِهِ. (وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا) ، وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ إِجْمَاعَ السَّلَفِ فِي أَنَّ التَّقْبِيلَ وَاللَّمْسَ عَنْ شَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً هُوَ الْوَطْءُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَعَمَّ فَائِدَةً، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: وَلَا تَطَئُوا مَا وَطِئَ آبَاؤُكُمْ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالسِّفَاحُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ» .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مَوْطُوءَةِ الْأَبِ ثَبَتَ فِي مَوْطُوءَةِ الِابْنِ، وَفِي وَطْءِ أُمِّ امْرَأَتِهِ، وَسَائِرِ مَا يَثْبُتُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا. وَلِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ. وَالْمَسُّ وَالنَّظَرُ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَيُقَامُ مَقَامَهُ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ.
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَقْدَ؛ لِاسْتِحَالَةِ

(3/88)


وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ.

وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ (ز) بَاطِلٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
كَوْنِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالتَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ ثَبَتَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ بِالنَّظَرِ وَالْمَسِّ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً فَتَزْدَادُ شِدَّةً، وَالْمَجْبُوبُ وَالْعَنِّينُ يَتَحَرَّكُ قَلْبُهُ بِالِاشْتِهَاءِ، أَوْ يَزْدَادُ اشْتِهَاءً. وَلَوْ مَسَّهَا، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ - إِنْ مَنَعَ وُصُولَ حَرَارَتِهَا إِلَى يَدِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ تَثْبُتُ. وَلَوْ أَخَذَ يَدَهَا؛ لِيُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ - حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ. وَلَوْ مَسَّ شَعْرَ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِهَا.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا جَامَعَ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، فَأَفْضَاهَا - لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَحْرُمُ. وَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا بِالْإِجْمَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ وَطِئَ فِي قُبُلٍ فَتَحْرُمُ كَوَطْءِ الْكَبِيرَةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْوَلَدِ، فَصَارَ كَاللِّوَاطَةِ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ يُحْتَمَلُ الْعُلُوقُ.
قَالَ: (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا - صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى) مَعْنَاهُ: إِذَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نِكَاحِ الْأُخْرَى؛ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطِلِ بِتِلْكَ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُحْرِمَ حَالَةَ الْإِحْرَامِ) ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَالْمَحْظُورُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ، لَا الْعَقْدُ. وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ - الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ» .

[فصل نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ]
قَالَ: (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ) ، أَمَّا الْمُتْعَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً وَلَا زَوْجَةً. أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِعَدَمِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْإِرْثِ، وَانْقِطَاعِ الْحِلِّ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مَانِعٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ، وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» . وَمَا رُوِيَ فِي إِبَاحَتِهَا ثَبَتَ نَسْخُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي، وَسَوَاءٌ طَالَتِ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُبْطِلُ، وَهُوَ الْمُغَلِّبُ؛ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ.
وَصُورَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ: مَتِّعِينِي نَفْسَكِ بِكَذَا مِنَ الدَّرَاهِمِ مُدَّةَ كَذَا، فَتَقُولُ لَهُ: مَتَّعْتُكَ نَفْسِي. أَوْ يَقُولَ: أَتَمَتَّعُ بِكِ. وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ التَّمَتُّعِ فِيهِ.
وَأَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَقَالَ زُفَرُ: النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ التَّأْقِيتُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ.

(3/89)


وَعِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا إِذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ (م) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]
فَصْلٌ (وَعِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْوِكَالَةِ، وَكَذَا إِذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ) . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ. فَإِنْ مَاتَا قَبْلَهَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا ظِهَارُهُ، وَوَطْؤُهُ حَرَامٌ.
فَإِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنَ الْإِجَازَةِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ يُجَدِّدُ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ أُجِيزُهُ أَنَا، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَاضِيًا، فَصَارَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ.
وَحَكَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَتْ: إِنَّ لِي وَلِيًّا وَهُوَ لَا يُزَوِّجُنِي إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهَا مُحَمَّدٌ: اذْهَبِي، فَزَوِّجِي نَفْسَكِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَا يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ.
وَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مُوَلَّيًا عَلَيْهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْعَقْدِ وَالنَّفَاذِ؛ لِعَدَمِ رَأْيِهَا. فَلَوْ زَالَ إِنَّمَا يَزُولُ بِمَا حَدَثَ لَهَا مِنَ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ بِالْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ لَهَا رَأْيٌ وَعَقْلٌ نَاقِصٌ.
وَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ رَأْيٌ أَصْلًا كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا لَا تَزُولُ عَنْهُ الْوِلَايَةُ أَصْلًا. وَمَنْ حَدَثَ لَهُ عَقْلٌ كَامِلٌ وَرَأْيٌ وَافِرٌ كَالرَّجُلِ تَزُولُ وِلَايَتُهُ أَصْلًا، فَإِذَا حَدَثَ النَّاقِصُ فَكَأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَثَبَتَتْ بِهَا إِحْدَى الْوِلَايَتَيْنِ، وَهُوَ الِانْعِقَادُ دُونَ النَّفَاذِ؛ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.
وَوَجْهُ الْفَسْخِ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَلِيُّ أَنَّ النِّكَاحَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ بِالْحَدِيثِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَمَا إِذَا عَقَدَ وَتَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَتِهَا، فَإِذَا بَطَلَ يُجَدِّدُ الْقَاضِي النِّكَاحَ.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ هِشَامٍ أَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنَ الْمَالِكِ، وَتَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ - فَلَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ كَالرَّاهِنِ إِذَا بَاعَ الرَّهْنَ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ صَبَرَ الْمُشْتَرِي إِلَى حِينِ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ نَفَذَ. وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ أَجَازَهُ الْقَاضِي إِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ؛ لِظُلْمِهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمَالِكَةُ، فَتَبْطُلُ بِرَدِّهَا كَمَا إِذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ

(3/90)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرَدَّ الرَّاهِنُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240] أَضَافَ النِّكَاحَ وَالْفِعْلَ إِلَيْهِنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهِنَّ وَنَفَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا غَيْرَهَا. وَهِيَ إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ فَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ فَتَاةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخٍ لَهُ؛ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ، وَأَنَا لَهُ كَارِهَةٌ! فَقَالَ لَهَا: أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ، فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي فِيمَا صَنَعَ أَبِي! قَالَ: فَاذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ! فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي عَمَّا صَنَعَ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ» .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» . الثَّانِي: قَوْلُهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: «أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ» - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذََامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» .
وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا، فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَجَازَ النِّكَاحَ. وَهَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا، فَيَنْفُذُ كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا. وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْهَا فِي الْمَالِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِي الْمَالِ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَبَذْلِهِ لَهَا، وَهِيَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا، إِلَّا أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِمْ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ فَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ - وَهُوَ لَنَا - عَلَى الْمَالِ وَالرَّجُلِ، أَوْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَيُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَى الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ، وَمَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى الْأَمَةِ تَوْفِيقًا.
كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَيُّمَا أَمَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا» ؟ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَوْ يُرَجَّحُ، وَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ سَالِمٌ عَنِ الطَّعْنِ، وَمَا رَوَاهُ مَطْعُونٌ فِيهِ؛ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، «وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، «وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا، فَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِلَا وَلِيٍّ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ وَلِيًّا؟ وَلَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ

(3/91)


وَلَا إِجْبَارَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ، وَالسُّنَّةُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَيَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ فَيَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُكِ أَوْ يَذْكُرُكِ، فَإِذَا سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ، وَلَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إِذْنٌ، وَلَوْ بَكَتْ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَسْقَطَ رِوَايَتَهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَا الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَالرَّاوِي إِذَا أَنْكَرَ الْخَبَرَ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ كَالْأُصُولِ مَعَ الْفُرُوعِ. وَلِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَوَازَ النِّكَاحِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ غَابَ بِالشَّامِ. دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَرِوَايَتِهَا لَهُ، أَوْ عَلَى نَسْخِهِ، أَوْ عَلَى رُجْحَانِ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُهُ: الْحَادِثُ لَهَا رَأْيٌ نَاقِصٌ، قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْوِلَايَةِ مُطْلَقُ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي بَابِ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ كَامِلَ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ وِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ كَوِلَايَةِ نَاقِصِهِمَا. وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ أَوْفَرَ عَقْلًا وَأَشَدَّ رَأْيًا مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ حَرَجًا عَظِيمًا، وَهُوَ حَرَجُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ وُجِدَا فِي الْمَرْأَةِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا فِي الرَّجُلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ.
قَالَ: (وَلَا إِجْبَارَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا. وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «شَاوِرُوا النِّسَاءَ فِي أَبْضَاعِهِنَّ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ لَتَسْتَحِي! قَالَ: " إِذْنُهَا صُمَاتُهَا» .
(وَالسُّنَّةُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَيَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ فَيَقُولَ: إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُكِ أَوْ يَذْكُرُكِ، فَإِذَا سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ) ؛ لِمَا رَوَيْنَا. فَإِذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دَنَا إِلَى خِدْرِهَا، فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُكِ، ثُمَّ خَرَجَ فَزَوَّجَهَا» .
(وَلَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إِذْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا، إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ. (وَلَوْ بَكَتْ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ عَنْ سُرُورٍ وَعَنْ حُزْنٍ، وَالْمُخْتَارُ (إِنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا) ، وَيَكُونُ بُكَاءً عَلَى فِرَاقِ الْأَهْلِ. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا ثُمَّ بَلَغَهَا - يُعْتَبَرُ السُّكُوتُ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَالْبُلُوغُ إِلَيْهَا أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا وَلِيُّهَا رَسُولًا يُخْبِرُهَا بِذَلِكَ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهَا فُضُولِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَدَدِ أَوِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ مِنْ وَجْهٍ، فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ وَصْفَيِ الشَّهَادَةِ. وَعِنْدَهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ.
وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ: أُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، فَسَكَتَتْ - فَأَيَّهُمَا زَوَّجَهَا جَازَ. وَلَوْ سَمَّى جَمَاعَةً إِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا، وَإِلَّا لَا يَكُونُ رِضًا. وَلَوِ اسْتَأْمَرَهَا، فَقَالَتْ: غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ - لَا يَكُونُ إِذْنًا. وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ إِذْنًا

(3/92)


وَلَوِ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ.
وَإِذْنُ الثَّيِّبِ بِالْقَوْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ لَهَا الزَّوْجُ بِمَا تَعْرِفُهُ. فَإِنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ جِرَاحَةِ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ حَيْضٍ فَهِيَ بِكْرٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ زَالَتْ بِزِنًا (سم) . وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ، فَقَالَتْ: بَلْ رَدَدْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا (سم) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ، فَلَا نُثْبِتُ الْإِذْنَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالشَّكِّ، وَلَا نُبْطِلُ الْعَقْدَ بِالشَّكِّ.
(وَلَوِ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إِنَّمَا جُعِلَ رِضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهُوَ اسْتِئْمَارُ الْوَلِيِّ وَعَجْزُهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى كَلَامِهِ.
قَالَ: (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ بِالْقَوْلِ) ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الثَّيِّبُ تُسْتَأْمَرُ» ، أَيْ يُطْلَبُ أَمْرُهَا، وَالْأَمْرُ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ: «تُسْتَأْذَنُ» أَيْ يَطْلُبُ الْإِذْنَ مِنْهَا، وَالْإِذْنُ وَالرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَالثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» ، وَلِأَنَّ السُّكُوتَ إِنَّمَا جُعِلَ إِذْنًا لِمَكَانِ الْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنَ النُّطْقِ الْمُخْتَصِّ بِالْأَبْكَارِ، وَيَكُونُ فِيهِنَّ أَكْثَرَ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا الثَّيِّبُ.
قَالَ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ بِمَا تَعْرِفُهُ) ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ قَدْرِ الصَّدَاقِ أَيْضًا؛ لِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ بِاخْتِلَافِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ حَيْضٍ فَهِيَ بِكْرٌ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ حَتَّى تَدْخُلَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُصِيبُهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ. (وَكَذَلِكَ إِنَّ زَالَتْ بِزِنًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إِلَيْهَا؛ إِذْ هُوَ مِنَ التَّثْوِيبِ وَهُوَ الْعَوْدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَلَهُ: أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ نُطْقَهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ تَفُوتُهَا مَصْلَحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ نَطَقَتْ وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَهَا بِكْرًا، فَتَتَضَرَّرُ بِاشْتِهَارِ الزِّنَا عَنْهَا، فَيَكُونُ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ، فَتَتَضَرَّرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُشْتَهِرَةً بِذَلِكَ، بِأَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، أَوِ اعْتَادَتْهُ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا. أَوْ قَضَى عَلَيْهَا بِالْعِدَّةِ تُسْتَنْطَقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِزَوَالِ الْحَيَاءِ، وَعَدَمِ التَّضَرُّرِ بِالنُّطْقِ. وَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْبِكْرِ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ؛ لِبَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَالْحَيَاءِ.
(وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ، فَقَالَتْ: بَلْ رَدَدْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ تَمْلِكُ بُضْعَهَا، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ. (وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي الدَّعْوَى. وَلَوِ ادَّعَتْ رَدَّ النِّكَاحِ حِينَ أَدْرَكَتْ، وَادَّعَى الزَّوْجُ السُّكُوتَ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْهَا.
وَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِرِضَاهَا؛ فَأَيُّهُمَا قَالَتْ: هُوَ الْأَوَّلُ - صَحَّ؛ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ إِقْرَارِ الْأَبِ. وَإِنْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي - لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا - يَجِبُ جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالنِّكَاحِ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا

(3/93)


وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. ثُمَ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ (س) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَبَلَغَهَا فَرَدَّتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنَّ جَمَاعَةً يَخْطُبُونَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ، فَزَوَّجَهَا الْأَوَّلَ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ - يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ دَلَالَةً، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: كَرِهْتُ صُحْبَةَ فُلَانَةَ، فَطَلَّقْتُهَا، فَزَوِّجْنِي امْرَأَةً، فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ - لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَمَرَ إِنْسَانًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، فَاشْتَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ - لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَا، لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَاتِ» ، وَالْبَالِغَاتُ خَرَجْنَ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَبَقِيَ الصِّغَارُ ".
«وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ» ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ، وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصِّغَارِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ وَإِعْدَادًا لِلْكُفْءِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْقَرَابَةُ مُوجِبَةٌ لِلنَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، فَيَنْتَظِمُ الْجَمِيعُ، إِلَّا أَنَّ شَفَقَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ عَقْدُهُمَا مِمَّا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَشَفَقَةَ غَيْرِهِمَا لَمَّا قَصَّرَتْ عَنْهُمَا قُلْنَا بِالِانْعِقَادِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ رَآهُ غَيْرَ مَصْلَحَةٍ فَسَخَهُ.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ) ؛ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَشِدَّةِ حِرْصِهِمَا عَلَى نَفْعِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ بَاشَرُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَيَّرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ بَلَغَتْ.
(وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ) ؛ إِنْ شَاءَا أَقَامَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَا فَسَخَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قُصُورِ شَفَقَتِهِمْ عَنْ شَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ؛ لِدَفْعِ الْخَلَلِ لَوْ كَانَ. ثُمَّ سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ بُلُوغِهَا رِضًا إِذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.
وَلَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ وَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا أَوْ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا الْغُلَامُ.
وَلَا بُدَّ فِي الْفَسْخِ مِنَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ، وَثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ إِلَّا بِرَفْعِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لِرَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَهُوَ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ إِلْزَامًا، فَاحْتَاجَ إِلَى الْقَضَاءِ. وَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِشُمُولِ الْمَعْنَى لَهُمَا.
وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِالنِّكَاحِ دُونَ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَلِيُّ فَيُعْذَرَانِ فِي الْجَهْلِ. أَمَّا الْحَكَمُ فَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا عُذْرَ فِي الْجَهْلِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِلْكِ فِي حَقِّهَا دُونَهُ، وَيَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ التَّمْلِيكِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

(3/94)


وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي عَيْبٍ إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخِصَاءِ.

[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ] وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ. وَلِلْأُمِّ وَأَقَارِبِهَا التَّزْوِيجُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، ثُمَّ الْقَاضِي (سم) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
«مَلَكْتِ بُضْعَكِ، فَاخْتَارِي» . وَتَعَذَّرَ فِي الْجَهْلِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ.
وَإِذَا اخْتَارَتِ الْفَسْخَ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ، فَفَرَّقَ الْقَاضِي - فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ ثَبَتَ ضَرُورَةَ دَفْعِ اللُّزُومِ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهَا. وَلَا مَهْرَ لَهَا إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَسْخِ رَفْعُ مَئُونَاتِ الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ.
وَكَذَا لَوِ اخْتَارَ الْغُلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إِلَّا هَذِهِ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْمَهْرُ لَمَا كَانَ فِي الْخِيَارِ فَائِدَةٌ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ، فَلَمَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلِمْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ؛ لِفَائِدَةٍ وَهِيَ سُقُوطُ الْمَهْرِ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ، وَقَدِ انْتَهَى بِالْمَوْتِ.
(وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي عَيْبٍ إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخِصَاءِ) عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ]
قَالَ: (وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَاتِ» .
وَهُمْ (عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَرَائِضِ.
قَالَ: (وَلِلْأُمِّ وَأَقَارِبِهَا التَّزْوِيجُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، ثُمَّ الْقَاضِي) ؛ أَمَّا الْأُمُّ وَأَقَارِبُهَا فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُهُمَا - لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ دَفْعًا لِلْعَارِ بِعَدَمِ الْكُفْءِ. وَذَلِكَ إِلَى الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُعَيِّرُونَ بِذَلِكَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ إِنَّمَا هُوَ الْقَرَابَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي كُلٍّ مَنْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقَرَابَةِ.
وَشَفَقَةُ الْأُمِّ أَكْثَرُ مِنْ شَفَقَةِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَبَاعِدِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ، وَكَذَلِكَ شَفَقَةُ الْجَدِّ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهَا كَالْآخَرِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ

(3/95)


وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ. وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهَا (م) ، وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَنْتَظِرُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ (ز) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قَرَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَارِثُ يَتَعَلَّقُ بِهَا ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ كَالْعَصَبَاتِ، إِلَّا أَنَّهُمْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْعَصَبَاتِ؛ لِضَعْفِ الرَّأْيِ وَبُعْدِ الْقَرَابَةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي النِّكَاحَ إِلَى الْعَصَبَاتِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ، أَمَّا عِنْدَ عَدِمِهِمْ فَالْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَنْهُ، فَنَقُولُ: يَنْتَقِلُ إِلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْعَصَبَاتِ فِي الشَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْنَا بَلْ لَنَا. وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي الْفَرَائِضِ فِي فَصْلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ
وَأَمَّا مَوْلَى الْعَتَاقةِِ فَلِأَنَّهُ وَارِثٌ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَكَذَا فِي الْوِلَايَةِ، وَلِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَرَائِضِ.
وَأَمَّا الْقَاضِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» .
قَالَ: (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) ; أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَلِي غَيْرَهُ؟ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا نَظَرَ لَهُمَا وَلَا خِبْرَةَ، وَهَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَقْتَضِي نُفُوذَ قَوْلِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا نَفَاذَ لِقَوْلِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . وَثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ: (وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهَا) فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَدَّمُ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ. وَلَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا بِالْعُصُوبَةِ، وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ.
قَالَ: (وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَنْتَظِرُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ) . وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الرَّيِّ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً. وَعَنْهُ: مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الرَّيِّ، عِشْرُونَ مَرْحَلَةً.
وَفَصَّلَ ابْنُ شُجَاعٍ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْقَوَافِلُ وَالرُّسُلُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَهِيَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ لَا يَنْتَظِرُ سَنَةً، وَلَا يَعْلَمُ هَلْ يُجِيبُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا؟ وَقَدْ يَنْتَظِرُ بَعْضَ السَّنَةِ، فَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ بِهَذَا. وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لَا يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ وَانْتِظَارِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ.
وَلَنَا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْتَقَلْ إِلَى الْأَبْعَدِ تَتَضَرَّرُ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْكُفْءَ الْحَاضِرَ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ دَفْعًا لِهَذَا الضَّرَرِ. وَلِأَنَّ الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ تَدْبِيرِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ ; لِأَنَّهَا نَظَرِيَّةٌ

(3/96)


وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَا مَعًا بَطَلَا. وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَابْنَتَهُ بِأَقَلَّ (سم) ، وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا. وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ وَكِيلًا، أَوْ وَلِيًّا وَوَكِيلًا، أَوْ أَصِيلًا وَوَكِيلًا، أَوْ وَلِيًّا وَأَصِيلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا إِذَا زَوَّجَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِظُهُورِ الِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ. وَلِأَنَّا إِنَّمَا أَسْقَطْنَا وِلَايَتَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الصَّغِيرَةِ. فَإِذَا زَوَّجَهَا ارْتَفَعَ الضَّرَرُ، فَعَادَتِ الْوِلَايَةُ بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا. وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ. وَهَذِهِ لَهَا أَوْلِيَاءُ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِيهِ.
قَالَ: (وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى» ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَبَقَ فَقَدْ صَحَّ، فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الثَّانِي. وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ. وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ أَيْضًا لَا يَتَجَزَّأُ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُنْفَرِدِ، فَأَيُّهُمَا عَقَدَ جَازَ كَالْأَمَانِ.
(وَإِنْ كَانَا مَعًا بَطَلَا) ؛ لَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَابْنَتَهُ بِأَقَلَّ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا) . وَقَالَا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْضًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نُقْصَانًا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ. وَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ عُمْرٍ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَقَاصِدَ وَأَغْرَاضٍ وَمَصَالِحَ بَاطِنَةٍ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ وَكَمَالِ رَأْيِهِ مَا أَقْدَمَ عَلَى هَذَا النَّقْصِ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَرْبُو وَتَزِيدُ عَلَيْهِ هِيَ أَنْفَعُ مِنَ الْقَدْرِ الْفَائِتِ مِنَ الْمَالِ وَالْكَفَاءَةِ، بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالِيَّةُ لَا غَيْرُ. وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَنْقَصُ شَفَقَةً. وَبِخِلَافِ مَا إِذَا زَوَّجَ أَمَةَ الصَّغِيرِ؛ لِعَدَمِ الْجَابِرِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ لَمْ تَحْصُلْ لِلصَّغِيرِ.
وَبِخِلَافِ مَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ، وَقَصَّرَتْ فِي مَهْرِهَا حَيْثُ لِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، أَوْ يُفَارِقَهَا؛ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ ضَعِيفَةُ الرَّأْيِ، فَتَفْعَلُ ذَلِكَ مُتَابَعَةً لِلْهَوَى لَا لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَلَّمَا يَنْظُرْنَ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تَهَبَهُ، فَلِأَنْ تَنْقُصَهُ أَوْلَى.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ إِلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَقُّ الشَّرْعِ، فَلَا يَجُوزُ التَّنْقِيصُ مِنْهُ شَرْعًا حَتَّى لَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا عَشَرَةٌ، وَإِلَى مَهْرِ مِثْلِهَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ، فَلَهُمْ مُخَاصَمَتُهَا إِلَى تَمَامِهِ. وَالِاسْتِيفَاءُ حَقُّهَا؛ فَإِنْ شَاءَتْ قَبَضَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ وَهَبَتْهُ.
قَالَ: (وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ وَكِيلًا، أَوْ وَلِيًّا وَوَكِيلًا، أَوْ أَصِيلًا وَوَكِيلًا، أَوْ وَلِيًّا وَأَصِيلًا) . أَمَّا الْوَلِيُّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَ ابْنِهِ بِنْتَ ابْنٍ لَهُ آخَرَ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ ابْنَ أَخٍ لَهُ آخَرَ، أَوْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالْوَكِيلُ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالْوَكِيلُ بِأَنْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ

(3/97)


وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ إِذَا كَانَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. أَمَّا مِنْ جَانِبَيْنِ (س) ، أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ - فَلَا.

وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ فِي النَّسَبِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ، أَوْ وَكَّلَتْهُ امْرَأَةٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْأَصِيلُ بِأَنْ وَكَّلَتْهُ امْرَأَةٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالْأَصِيلُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانَةَ مِنِّي، أَوْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ الشَّطْرَيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مُمَلِّكًا مُمْتَلِكًا كَالْبَيْعِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ مَعْبَرٌ وَسَفِيرٌ، وَالْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إِلَى الْعَاقِدِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مُطَالِبًا وَمُطَالَبًا فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، وَهُنَا الْحُقُوقُ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَلَا تَمَانُعَ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ إِذَا كَانَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. أَمَّا مِنْ جَانِبَيْنِ، أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ - فَلَا) . أَمَّا الْفُضُولِيُّ مِنْ جَانِبٍ بِأَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا رَجُلًا، وَقَبِلَ الرَّجُلُ. أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ امْرَأَةً، فَقَبِلَتْ - فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْغَائِبِ.
وَأَمَّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَهُمَا غَائِبَانِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا، فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَتِهِمَا. وَالْفُضُولِيُّ مِنْ جَانِبٍ أَصِيلٌ مِنْ جَانِبٍ بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ، وَهِيَ غَائِبَةٌ، وَلَمْ يَقْبَلْ عَنْهَا أَحَدٌ. فَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ. وَلَوْ جَرَى بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ جَازَ بِاتِّفَاقِنَا. وَذَكَرْنَا فِي الْبُيُوعِ الدَّلِيلَ عَلَى انْعِقَادِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ.
لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا انْعَقَدَ وَنَفَذَ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَنْعَقِدُ وَيَقِفُ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا شَطْرُ الْعَقْدِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا إِذَا كَانَ أَصِيلًا، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ، فَيَنْقُلُ كَلَامَهُ إِلَيْهِمَا. وَكَلَامُ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ، فَجُنَّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَأَجَازَهُ الْأَبُ - جَازَ وَنَفَذَ؛ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ.

[فصل الكفاءة في النكاح]
ِ] (وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ) ، وَتُعْتَبَرُ فِي الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ؛ لِلُزُومِهِ فِي حَقِّهِنَّ، وَلِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تُعَيَّرُ وَيَغِيظُهَا كَوْنُهَا مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَفْرِشُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَا، لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ» ، وَلِأَنَّ الْمَصَالِحَ إِنَّمَا تَتِمُّ بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ غَالِبًا فَيُشْتَرَطُ؛ لِيَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْهُ.
قَالَ: وَتُعْتَبَرُ (فِي النَّسَبِ) فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، لَا يُكَافِئُهُمْ غَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ. وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ

(3/98)


وَفِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى، وَفِي الصَّنَائِعِ، وَفِي الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْمَالِ. وَمَنْ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوِ الْحُرِّيَّةِ لَا يُكَافِئُ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ. وَالْأَبَوَانِ (س) وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِبَعْضٍ، لَا يُكَافِئُهُمُ الْمَوَالِي، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» .
وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِي قُرَيْشٍ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ؛ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ عُثْمَانَ وَكَانَ عَبْشَمِيًّا أُمَوِيًّا، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ عَدَوِيًّا. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبَيْتِ الْخِلَافَةِ تَعْظِيمًا لَهَا.
قَالَ: (وَفِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى) حَتَّى إِنَّ بِنْتَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لَوْ تَزَوَّجَتْ فَاسِقًا كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْجَرِ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» - إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا، كَمَنْ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ، أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا. وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ النَّسِيبَ كُفْءٌ لِلدَّنِيَّةِ، إِنْ كَانَ لَا يُبَالِي بِمَا يَقُولُونَ فِيهِ، وَلَا يَلْحَقُهَا بِهِ شَيْنٌ، بِخِلَافِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا بِهِ شَيْنٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إِذَا كَانَ الْفَاسِقُ ذَا مُرُوءَةٍ فَهُوَ كُفْءٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُتَسَتِّرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ، فَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا الشَّيْنُ.
قَالَ: (وَفِي الصَّنَائِعِ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيَّرُونَ بِالدَّنِيءِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِقَالُ عَنْهَا، فَلَيْسَتْ وَصْفًا لَازِمًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ، إِلَّا أَنْ يُفْحِشَ كَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ وَالدَّبَّاغِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كُفْؤًا لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ.
قَالَ: (وَفِي الْحُرِّيَّةِ) فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ كُفْؤًا لِلْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ نَقْصٌ وَشَيْنٌ.
قَالَ: (وَفِي الْمَالِ) وَهُوَ مِلْكُ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَكُونُ كُفْؤًا ; لَأَنَّ بِالنَّفَقَةِ تَقُومُ مَصَالِحُ النِّكَاحِ، وَيَدُومُ الِازْدِوَاجُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَالْمَهْرُ بَدَلُ الْبُضْعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِيفَائِهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَعَارَفَ النَّاسُ تَعْجِيلَهُ حَتَّى يُسَمُّونَهُ نَقْدًا، وَالْبَاقِي بَعْدَهُ تَعَارَفُوهُ مُؤَجَّلًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْمَهْرَ دُونَ النَّفَقَةِ لَيْسَ بِكُفْءٍ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ النَّفَقَةَ دُونَ الْمَهْرِ فَهُوَ كُفْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَجْرِي فِيهِ الْمُسَاهَلَةُ، وَيُعَدُّ الرَّجُلُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِقُدْرَةِ أَبِيهِ. أَمَّا النَّفَقَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَوْمٍ.
وَفِي النَّوَادِرِ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: امْرَأَةٌ فَائِقَةٌ فِي الْيَسَارِ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ رُدَّ عَقْدُهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ، وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ - كَانَ كْفُؤًا لَهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ.
قَالَ: (وَمَنْ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوِ الْحُرِّيَّةِ لَا يُكَافِئُ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ بِالْأَبِ وَتَمَامَهُ بِالْجَدِّ. (وَالْأَبَوَانِ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَاحِدُ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الدَّعْوَى. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْؤًا

(3/99)


وَإِذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ، أَوْ جَهَّزَ بِهِ، أَوْ طَالَبَ بِالنَّفَقَةِ - فَقَدْ رَضِيَ. وَإِنْ سَكَتَ لَا يَكُونُ رِضًى، وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ (س) لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ الِاعْتِرَاضُ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْإِسْلَامِ، وَالْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ - قِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ، فَلَا يَكُونُ الْمَجْنُونُ كُفْؤًا لِلْعَاقِلَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ، وَالتَّفْرِيقُ إِلَى الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ، وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ فَأَحْكَامُ النِّكَاحِ ثَابِتَةٌ، وَلَا يَكُونُ الْفَسْخُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا فَسْخٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ. وَلِأَنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ طَلَاقًا إِذَا فَعَلَهُ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنِ الزَّوْجِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لِلدُّخُولِ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ.
قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ، أَوْ جَهَّزَ بِهِ، أَوْ طَالَبَ بِالنَّفَقَةِ - فَقَدْ رَضِيَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِلنِّكَاحِ، وَأَنَّهُ رَضِيَ كَمَا إِذَا زَوَّجَهَا فَمَكَّنَتِ الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا.
(وَإِنْ سَكَتَ لَا يَكُونُ رِضًى) ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ مَا لَمْ تَلِدْ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ الْمُتَأَكِّدِ لَا يُبْطِلُهُ؛ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِهِ إِلَى وَقْتٍ يَخْتَارُ فِيهِ الْخُصُومَةَ.
(وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِلْبَاقِينَ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِجَمَاعَتِهِمْ، فَإِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمْ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَبَقِيَ حَقُّ الْبَاقِينَ.
وَلَنَا: أَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَجَزَّأُ، وَهَذَا لَا يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ، فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُنْفَرِدِ كَمَا مَرَّ. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ الْإِسْقَاطُ فِي حَقِّهِ، فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي كَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَصَارَ كَالْأَمَانِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا رَضِيَتْ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا غَيْرُ حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا صِيَانَةُ نَفْسِهَا عَنْ ذُلِّ الِاسْتِفْرَاشِ، وَحَقَّهُمْ فِي دَفْعِ الْعَارِ، فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ الْآخَرِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ أَحْوَطُ، فَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ إِلَى الْقَاضِي، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، فَكَانَ الْأَحْوَطُ سَدَّ هَذَا الْبَابِ.
وَلَوِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِ، فَتَزَوَّجَتْهُ إِنْ كَانَ النَّسَبُ الْمَكْتُومُ أَفْضَلَ لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا لِلْأَوْلِيَاءِ، كَمَا إِذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَهَا وَلَهُمُ الْخِيَارُ، وَإِنْ رَضِيَتْ فَلَهُمُ الْخِيَارُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ إِلَّا أَنَّهُ كُفْءٌ بِالنَّسَبِ الْمَكْتُومِ فَلَا خِيَارَ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ كُفْءٌ لَهُمْ، فَلَا عَارَ عَلَيْهِمْ، وَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ وَقَدْ فَاتَتْ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُهُ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ ذُلٌّ

(3/100)


وَإِنْ نَقَصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا أَوْ يُتَمِّمَهُ.

[أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ] الْمَهْرُ أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مَالًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي جَانِبِهَا، وَهِيَ إِنَّمَا رَضِيَتْ بِاسْتِفْرَاشِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَصَالِحِ. وَالْكَفَاءَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مِنْ جَانِبِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَاقِ، وَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالرَّتْقِ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «لَوْ كَانَ لِي بِنْتٌ لَزَوَّجْتُكَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ بِلَالًا خَطَبَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " قُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي» ، وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ.
وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ حُكْمُ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا ; لِأَنَّ التَّقْوَى لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا اللَّهُ وَثَوَابَهَا فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ جَوَابُ الْحَدِيثِ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
قَالَ: (وَإِنْ نَقَصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا، أَوْ يُتَمِّمَهُ) . وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ رُجُوعِهِ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِ فِيهِ إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.
قَالُوا: صُورَتُهُ إِذَا أَكْرَهَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ، فَأَجَازَتِ النِّكَاحَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]
ُ] (الْمَهْرُ أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مَالًا) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . عَلَّقَ الْحِلَّ بِشَرْطِ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَلَا يَحِلُّ دُونَهُ، وَسُقُوطُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْفَسْخَ، وَسُقُوطُ الْعِوَضِ عِنْدَ وُجُودِ الْفَسْخِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ سُقُوطَهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ؛ إِذْ لَا يَسْقُطُ إِلَّا مَا ثَبَتَ وَلَزِمَ. وَالتَّنْصِيفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَبَتَ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقُ الْمَالِ فَكَانَ مُجْمَلًا، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَهُ بِالْعَشَرَةِ، فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ جَابِرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَلِأَنَّ الْمَهْرَ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَكُونَ النِّكَاحُ بِدُونِهِ. وَلَوْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَأَنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى وُجُودِ الْأَصْلِ،

(3/101)


فَإِنْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا عَشَرَةٌ (ز) . وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ نِصْفُهُ. وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا - فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ، وَالْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِهَذِهِ، وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ سِوَاهَا. وَالْمُتْعَةُ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِ، وَلَا تُزَادُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَمَا ثَبَتَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُهُ التَّقْدِيرُ كَالزَّكَاةِ.
قَالَ: (فَإِنْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا عَشَرَةٌ) ، وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا، فَصَارَ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ. وَلَنَا: أَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ، فَتَسْمِيَتُهُ بَعْضُهُ كَتَسْمِيَتِهِ كُلِّهِ كَالطَّلْقَةِ. وَكَمَا إِذَا تَزَوَّجَ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَهُ إِظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ، وَلَا يَظْهَرُ بِأَصْلِ الْمَالِ؛ لِتَنَاوُلِهِ الْحَقِيرَ مِنْهُ. وَمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ تَوَلَّى بَيَانَ مِقْدَارِهِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهَا حَطَّتْ عَنْهُ مَا تَمْلِكُهُ وَمَا لَا تَمْلِكُهُ، فَيَسْقُطُ مَا تَمْلِكُهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا لَا تَمْلِكُهُ وَهُوَ تَمَامُ الْعَشَرَةِ، كَمَا إِذَا أَسْقَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ يَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً.
قَالَ: (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ) ، أَمَّا الدُّخُولُ فَلِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ، وَبِالْمَوْتِ يَتَقَرَّرُ النِّكَاحُ بِانْتِهَائِهِ، فَيَجِبُ الْبَدَلُ.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ نِصْفُهُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] .
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا - فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ، وَالْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحَّ، فَيَجِبُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. وَالْمَهْرُ وَجَبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَالْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ، فَيُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ حَالَةِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِهِ. فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمَهْرُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» .
وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ» ، وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] .
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِهَذِهِ) ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهِيَ خَلَفٌ عَنْهُ، فَلَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْأَصْلِ فِي حَقِّ غَيْرِهَا. وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَجَبَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ.
(وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ سِوَاهَا) ، قَالَ: (وَالْمُتْعَةُ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] (وَلَا تُزَادُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ أَقْوَى، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَقْوَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ لَا يَجِبُ فِي الْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

(3/102)


وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ، وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (س) . وَإِنْ حَطَّتْ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالدُّخُولِ. وَكَذَلِكَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ (سم) ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ طَبْعًا وَشَرْعًا. فَالْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنَ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ جِهَتِهَا مَانِعٌ طَبْعًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقُ وَالْقَرْنُ وَالْحَيْضُ وَالْإِحْرَامُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ) ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، (وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) . وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ. وَعِنْدَهُمَا: التَّنْصِيفُ يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِيهِ. وَأَصْلُهُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى تَسْمِيَةٍ - فَهِيَ لَهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُتْعَةُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَصَّفُ مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . وَلَهُمَا: أَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ، فَكَذَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَالْفَرْضُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّصِّ.
قَالَ: (وَإِنْ حَطَّتْ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ) ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا بَقَاءً وَاسْتِيفَاءً، فَتَمْلِكُ حَطَّهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
قَالَ: (وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالدُّخُولِ) ؛ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا - فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» .
وَرَوَى زُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُ إِذَا أَرْخَى سِتْرًا، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ - فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: مَا ذَنْبُهُنَّ إِذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، فَيَسْتَقِرُّ بِالتَّخْلِيَةِ كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتِ الْمُبْدَلَ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ لَهَا الْبَدَلُ كَالْبَيْعِ.
(وَكَذَلِكَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. (وَ) كَذَلِكَ (الْمَجْبُوبُ) ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ قَطْعًا، وَهُوَ أَعْجَزُ مِنَ الْمَرِيضِ. وَلَهُ: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ إِنَّمَا هُوَ السَّحْقُ، وَقَدْ سَلَّمَتْ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
(وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ طَبْعًا وَشَرْعًا، فَالْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنَ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ جِهَتِهَا مَانِعٌ طَبْعًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقُ وَالْقَرْنُ) . وَكَذَا إِذَا كَانَ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ فُتُورٍ. (وَالْحَيْضُ) مَانِعٌ شَرْعًا وَطَبْعًا؛ إِذِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ مِنْهُ. (وَالْإِحْرَامُ) بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، (وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ) مَانِعٌ شَرْعًا.
أَمَّا الْإِحْرَامُ

(3/103)


وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً، وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ.

وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ (سم) فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً (س) ، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ (م) ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الدَّمِ، وَفِي الصَّوْمِ؛ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِفْطَارُهُ بِعُذْرٍ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَالضِّيَافَةِ. وَلَا كَذَلِكَ رَمَضَانُ وَالْمَنْذُورُ وَالْقَضَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: فِي صَوْمِ يَوْمِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ السُّنَنُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ لِشِدَّةِ تَأْكِيدِهِمَا بِالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِمَا.
وَالْمَكَانُ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْخَلْوَةُ أَنْ يَأْمَنَا فِيهِ اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ خَلَا بِهَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ لَهُ فَلَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَعْمَى أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ. وَفِي الْأَمَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ.
قَالَ: (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً) ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ شَرْعًا، فَلَا يَجِبُ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْمُسَمَّى صِرْنَا إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ إِذْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِمَا مَرَّ.
(وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ زَادَتْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ؛ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ.
(وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إِثْبَاتِهِ، وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ وَقْتُ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَأُقِيمَ الْعَقْدُ مَقَامَهُ. وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْحُرْمَةِ، فَلَا يُقَامُ الْعَقْدُ مَقَامَهُ. وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا وَتَحَرُّزًا عَنِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَأَوَّلُهَا يَوْمُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ؛ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا تَرْتَفِعُ بِالتَّفْرِيقِ.

[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]
فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) . أَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَلْغُو، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَإِذَا بَطَلَتِ التَّسْمِيَةُ صَارَتْ كَالْعَدَمِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الدَّنُّ فَكَذَلِكَ

(3/104)


وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَفَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْخَمْرِ، وَقَالَا: لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا مَرَّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ فِيهِ مِثْلُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا فِي مَالٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ، فَيَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ ذَاتًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ، فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ انْعَقَدَ الْعَقْدُ؛ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ لَا ذَاتًا وَلَا صِفَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرٍّ فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. أَمَّا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ جِنْسَانِ؛ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ الْخَلُّ فَيَلْزَمُهُ. وَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - فَمَذْهَبُهُمَا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، إِلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنِ التَّسْلِيمِ؛ لِلْمُنَاقَضَةِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ ; لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِحَالٍ، فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ. فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا فِيهِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهَا، فَيُصَارُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: الْمَشْرُوعُ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ، وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَا الْمَنَافِعُ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَتَعْلِيمِ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَةِ خِدْمَةَ الزَّوْجِ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ ; لِأَنَّ تَوْقِيرَ الزَّوْجِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَفِي اسْتِخْدَامِهِ إِهَانَتُهُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ، وَلَهَا الْخِدْمَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَا مُنَاقَضَةَ؛ فَإِنَّهُ يَخْدِمُ الْمَوْلَى مَعْنًى حَيْثُ كَانَ بِأَمْرِهِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ إِذْ لَا مُنَاقَضَةَ. وَتَرْجِعُ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهَا، أَوْ يَزْرَعَ أَرْضَهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْفَرْقُ عَلَى إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّوْجِيَّةِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٌ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ وَفَى الْمَالُ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ لَهَا لَا غَيْرُ. وَإِنْ لَمْ يَفِ فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ - فَلَهَا الْعَشَرَةُ، وَلَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْبِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا يُكْمِلُ عَشَرَةً.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَفَى فَلَهَا الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ

(3/105)


وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا؛ فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَمَهْرُ مِثْلِهَا (سم ز) . وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ هَذَا فَلَهَا أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ (سم) . وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ (سم) .
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ، فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَصْلُحُ مَهْرًا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهِ.
(وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِالْأَلْفِ إِلَّا مَعَ مَا ذَكَرَ لَهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَيُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهِ، فَكَأَنَّهُ مَا سَمَّى. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُتْعَةِ.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا - فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا، (وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ. وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى هَذَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ تَزَوَّجَ. لِزُفَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَكَانَ الْمَهْرُ مَجْهُولًا. وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى فِيهِ بَدَلًا مَعْلُومًا، فَصَارَ كَالْخِيَاطَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحَّ وَمُوجِبُهُ الْمُسَمَّى؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَالشَّرْطُ الثَّانِي يَنْفِي مُوجِبَ الْأَوَّلِ، وَالتَّسْمِيَةُ مَتَى صَحَّتْ لَا يَجُوزُ نَفْيُ مُوجِبِهَا، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الثَّانِي.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً - صَحَّ الشَّرْطَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَجْهَلُهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمُخَاطَرَةُ مَوْجُودَةٌ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يَفِي بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا فَلَهَا أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) . وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ بِالْإِجْمَاعِ.
لَهُمَا أَنَّ الْأَوْكَسَ مُسَمًّى بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَلَا يُصَارُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ عِنْدَ صِحَّةِ الْمُسَمَّى، وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ فَاسِدًا، إِلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْفَعِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ. وَمَتَى جَهِلَ الْمُسَمَّى تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إِلَّا أَنَّ نَصِفَ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا عَادَةً فَيَجِبُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ؛ فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ.

(3/106)


وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنَ الْجَهَالَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ جَهَالَتِهِ؛ لِمَا أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ كَذَلِكَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ.
ثُمَّ الْجَهَالَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا جَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ: ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ دَارٌ - فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لِتَفَاوُتِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَكَذَا التَّسْمِيَةُ مَعَ الْخَطَرِ كَقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ غَنَمِهِ أَوْ مَا يَحْمِلُهُ نَخْلُهُ هَذِهِ السَّنَةَ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ: عَبْدٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ الْوَسَطُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّوْعِ كَانَ لَهُ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَالْوَسَطُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَعِنْدَ جَهَالَةِ النَّوْعِ لَا وَسَطَ؛ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَنْوَاعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْفَرَسِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَمَلِ، وَمَعْنَى الشَّاةِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَامُوسِ. وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ كَالْأَطْلَسِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ، فَكَانَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَيْنُ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ، فَيَتَخَيَّرُ وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ.
وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَوْبًا مَوْصُوفًا لَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الثَّوْبَ بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ غَيْرِهِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَجَوَابُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فِي الْجَهَالَةِ، فَتُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْحَيَوَانِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ زُفَرَ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا كَالسَّلَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا فِي السَّلَمِ، فَكَذَا هُنَا.
ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَإِنْ سَمَّى أَبْيَضَ فَخَمْسُونَ وَهُوَ قِيمَةُ الْغُرَّةِ، وَالْمَهْرُ بِمَعْنَى الْغُرَّةِ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَالنُّقُودِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَصِفْهُ - يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْكُرِّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفٍ قُسِّمَتِ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا رُجُوعًا إِلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِمَا فَقَدْ أَضَافَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا تَسْتَحِقُّهُ.
وَاسْتِحْقَاقُهُمَا فِي الْأَصْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَنْ دَفَعَ إِلَى رَبَّيْ دَيْنٍ أَلْفًا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا

(3/107)


وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَشِيرَةِ أَبِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا فَمِنَ الْأَجَانِبِ، وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ اخْتَصَّ بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا، وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا.
وَقَالَا: يُقَسَّمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا كَهِيَ، فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَهُوَ لَهَا، وَيَسْقُطُ الْبَاقِي. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِضَافَةَ النِّكَاحِ إِلَى مَنْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لَغْوٌ، فَصَارَ كَمَا إِذَا ضَمَّ إِلَيْهَا أُسْطُوَانَةً أَوْ دَابَّةً.
وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَنْقَسِمُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ وَلَا دُخُولَ فِي الْعَقْدِ - فَصَارَتْ عَدَمًا. وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى اثْنَيْنِ وَاخْتِصَاصُهُ بِأَحَدِهِمَا جَائِزٌ، قَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] أَضَافَ الرُّسُلَ إِلَيْهِمَا، وَالرُّسُلُ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ. فَإِنْ دَخَلَ بِالَّتِي لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَعِنْدَهُمَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِمَّا يَخُصُّهَا.
قَالَ: (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَشِيرَةِ أَبِيهَا) كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا دُونَ أُمِّهَا وَخَالَتِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَرْوَعَ حِينَ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَالَ: «لَهَا مَهْرٌ مِثْلُ نِسَائِهَا» ، وَنِسَاؤُهَا أَقَارِبُ الْأَبِ. وَلِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ تُعْرَفُ بِقِيمَةِ جِنْسِهِ، وَجِنْسُهُ قَوْمُ أَبِيهِ. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا فَمِنَ الْأَجَانِبِ) تَحْصِيلًا؛ لِلْمَقْصُودِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْمَالِ) ؛ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِهَا. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْجَمَالَ لَا يُعْتَبَرُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ وَشَرَفٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ حِينَئِذٍ فِي الْجَمَالِ.
قَالَ: (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمُبْدَلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ بَعْدَهُ كَالْبَائِعِ إِذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَهُ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْوَطَآتِ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنِ الْعِوَضِ إِظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ بِوَطْأَةِ الْأُولَى لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا. وَالْمَجْهُولُ لَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَهُ وَطْءٌ آخَرُ صَارَ مَعْلُومًا، فَتَحَقَّقَتِ الْمُزَاحَمَةُ، فَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ.

(3/108)


فَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ، وَقِيلَ: لَا يُسَافِرُ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى] وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَيَمْلِكُ إِجْبَارَهُمْ عَلَى النِّكَاحِ. وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْجَانِي إِذَا جَنَى جِنَايَةً يُدْفَعُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يُدْفَعْ حَتَّى جَنَى أُخْرَى وَأُخْرَى دُفِعَ بِالْكُلِّ.
قَالَ: (فَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] . (وَقِيلَ: لَا يُسَافِرُ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ؛ لِفَسَادِ أَهْلِ الزَّمَانِ، وَالْغَرِيبُ يُؤْذَى. وَقِيلَ: يُسَافِرُ بِهَا إِلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ.
وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَتْ كَسَائِرِ الْكَفَالَاتِ، وَحُكْمُهَا فِي الرُّجُوعِ كَغَيْرِهَا مِنَ الْكَفَالَاتِ. وَلَوْ ضَمِنَ الْمَهْرَ عَنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ صَحَّ؛ لِمَا قُلْنَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِذَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ عُرْفًا. فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَأَخَذَ مِنْ تَرَكِتِهِ - رَجَعَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى الِابْنِ مِنْ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا عَنْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُونَ كَمَا إِذَا كَفَلَ عَنِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ. قُلْنَا: الْكَفَالَةُ هُنَا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ حُكْمًا لِوِلَايَةِ الْأَبِ، فَكَانَتْ كَفَالَتُهُ دَلِيلَ الْأَمْرِ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِيَرْجِعَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا. وَبِخِلَافِ مَا إِذَا أَدَّى حَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَبَرُّعِ الْآبَاءِ بِمَهْرِ الْأَبْنَاءِ.

[فصل نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]
فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ] (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى) ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهَا فَهِيَ عَاهِرَةٌ» ، وَقَوْلُهُ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ؛ لِتَعَلُّقِ النَّفَقَةِ بِكَسْبِهِمَا، وَالْمَهْرِ بِرَقَبَتِهِمَا، فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُ الْمَوْلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لِلْمَوْلَى فَلَا يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
(وَيَمْلِكُ إِجْبَارَهُمْ عَلَى النِّكَاحِ) صِيَانَةً لِمِلْكِهِ، وَتَحْصِينًا لَهُ عَنِ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ أَوْ نُقْصَانِهِمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ الْمُكَاتِبَ وَالْمُكَاتِبَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا؛ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ يَدِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْمُكَاتِبِ. وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِلرِّقِّ الثَّابِتِ فِيهِمَا بِالْحَدِيثِ.
وَيَمْلِكُ الْمُكَاتِبُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الِاكْتِسَابِ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ خُسْرَانٌ لَا اكْتِسَابٌ. وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ بِغَيْرِ مَهْرٍ جَازَ وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، ثُمَّ يَسْقُطُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ

(3/109)


مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ، وَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى. وَإِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ أَوِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَهَا زَوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى، وَيُقَالُ لَهُ: مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتَهَا. وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: طَلِّقْهَا - فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً - فَهُوَ إِجَازَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى حَيْثُ وَقَعَ بِإِذْنِهِ، فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي دُيُونِ الْمَأْذُونِ لِلتِّجَارَةِ. (وَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا.
قَالَ: (وَإِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ أَوِ الْمُكَاتِبَةُ، وَلَهَا زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ - فَلَهَا الْخِيَارُ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ: «مَلَكْتِ بُضْعَكِ، فَاخْتَارِي» . جَعَلَ الْعِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْخِيَارِ مَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ؛ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا، وَهِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَلِأَنَّهُ ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا فِي الْفَصْلَيْنِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِيهِمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا.
قَالَ: (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدِمُ الْمَوْلَى، وَيُقَالُ لَهُ: مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتَهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ بَاقٍ، وَالتَّبْوِئَةُ إِبْطَالٌ لَهُ - فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهَا بَطَلَ الشَّرْطُ، فَإِنْ بَوَّأَهَا بَيْتًا مَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا وَتَبْطُلُ التَّبْوِئَةُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْخِدْمَةِ الْمِلْكُ، وَهُوَ بَاقٍ؛ فَلَا تُبْطِلُهُ التَّبْوِئَةُ.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: طَلِّقْهَا - فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا حَيْثُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَافْتَاتَ عَلَيْهِ. وَرَدُّ هَذَا الْعَقْدِ يُسَمَّى طَلَاقًا، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: فَارِقْهَا، وَبَلْ أَوْلَى.
(وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً - فَهُوَ إِجَازَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ. وَلَوْ أَذِنَ الْعَبْدُ فِي النِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. وَقَالَا: هُوَ عَلَى الصَّحِيحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النِّكَاحِ الْإِعْفَافُ، وَذَلِكَ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ. وَلِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْيَمِينِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّفْظَ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ. وَلَئِنْ قَالَ: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْمِلْكِ وَغَيْرِهِ - قُلْنَا: وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَيْضًا يُفِيدُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ كَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ. وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَئِنْ سَلِمَتْ فَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ.
وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا انْتَهَى الْأَمْرُ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى. وَعِنْدَهُمَا: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْأَمْرِ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَّا امْرَأَةً

(3/110)


وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ (سم) . وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ، وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ.

فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ] تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا (سم) . وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ (سم) كَافِرٍ آخَرَ - جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضَي التَّكْرَارَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَزَوَّجْ مَا شِئْتَ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ.
قَالَ: (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ) وَقَالَا: إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا، وَالْعَزْلَ تَنْقِيصٌ لَهُ؛ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَزْلَ يُخِلُّ بِحَقِّ الْمَوْلَى وَهُوَ حُصُولُ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ، فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَالْوَطْءَ حَقُّهَا.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، وَالتَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ. (وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَذَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَصَارَ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى - جَازَ النِّكَاحُ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ مَهْرٌ آخَرُ، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا: يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ اسْتَنَدَ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا - فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهَا.

[فصل نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]
فَصْلٌ [زَوَاجُ الذِّمِّيِّ وَالْمَجُوسِيِّ] (تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا) . وَقَالَا: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ دَخَلَ بِهَا. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُمُ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَصَارَ كَالرِّبَا. وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» ، وَمَا الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَنَعَ إِلْزَامَهُمْ بِالسَّيْفِ. وَالْحُجَّةُ بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِهِمْ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ آخَرَ - جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) . وَقَالَا: إِذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ فَاسِدٌ. فَإِنْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا - فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُمُ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا، وَلَمْ يَلْتَزِمُوهَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ. وَلَهُ: أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَلَا لِلْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهَا،

(3/111)


وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ (سم) إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ. وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ. وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا. وَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ أَوِ الْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا حَالَةَ الْبَقَاءِ.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِيمَةُ فِيهِمَا. لَهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ، فَأَشْبَهَ الْعَقْدَ. وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ، فَصَارَا كَمَا إِذَا كَانَا دِينَيْنِ.
وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَكَذَا عِنْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ، وَعَجَزَ عَنِ التَّسْلِيمِ بِالْإِسْلَامِ، فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا إِذَا كَانَ عَبْدًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي الْمُعَيَّنِ حَتَّى جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ إِلَى ضَمَانِهَا مِنْ ضَمَانِهِ، وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ، وَخَمْرِ الْمُكَاتَبِ الذِّمِّيِّ إِذَا عَجَزَ، وَالْمَأْذُونِ إِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ. وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ. وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ فَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مَقَامَهُ فَلَا يَجِبُ، فَتَعَيَّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخَمْرِ ; لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ) ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ إِذَا طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ تُبْطِلُهُ، وَلِأَنَّهَا تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] ، وَلِأَنَّ مُرَافَعَةَ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اتَّفَقَا حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ؛ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِنَا فَيَلْزَمُهُمَا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ مَصَالِحُهُ، وَلَا تُوجَدُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ، وَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ. أَوْ نَقُولُ: لَا مِلَّةَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقَرَّانِ عَلَى مَا انْتَقَلَا إِلَيْهِ.
وَيَجُوزُ نِكَاحُ النَّصْرَانِيِّ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّةَ، وَالْيَهُودِيِّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْمَجُوسِيِّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا كَفَاءَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ.
قَالَ: (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) نَظَرًا لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ - صَارَ مُسْلِمًا. (وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيِّ) حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ

(3/112)


وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا (س) . وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ؛ فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ.
وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ، وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَمُنَاكَحَتُهُ دُونَ الْمَجُوسِيِّ.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِ النِّكَاحِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ بِإِسْلَامِهَا. (فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ) كَمَا إِذَا أَسْلَمَا مَعًا، (وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، فَيُجْعَلُ إِبَاؤُهُ سَبَبًا لِفَوَاتِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ عُقُوبَةً. (وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَمَا إِذَا مَلَكَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ. وَلَهُمَا: أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَنُوبُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ، فَيَكُونُ طَلَاقًا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَنْتَقِلُ قَوْلُ الْقَاضِي إِلَيْهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ.
(وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْعَرْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَجَعَلْنَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ مَقَامَ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَرْضُ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ إِذَا بَانَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَأَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَلَا عَرْضَ وَلَا فُرْقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَلِأَنْ يَبْقَى أَوْلَى. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَهُمَا صَبِيَّانِ عَاقِلَانِ - عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُخَاطَبُ بِالْإِسْلَامِ حَقًّا لِلْعِبَادِ حَتَّى إِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ. فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا إِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِهِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا. وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) ، فَسَبَبُ الْبَيْنُونَةِ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ مَصَالِحَهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاجْتِمَاعِ، وَالتَّبَايُنُ مَانِعٌ مِنْهُ. أَمَّا السَّبْيُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً.
وَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ فَقَصْدُهُ الرُّجُوعُ

(3/113)


وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً لَا عِدَّةَ (سم) عَلَيْهَا. وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (م) ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَ فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ. وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلَمْ يُوجِدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) ، وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَهُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ إِظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ، وَلَا خَطَرَ لِنِكَاحِ الْحَرْبِيِّ. وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ.
قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَ فَهِيَ طَلَاقٌ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ، فَتَعَذَّرَ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا، وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِي الْفُرْقَةِ هُنَا إِلَى الْقَضَاءِ. أَمَّا الْإِبَاءُ لَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَالنِّكَاحَ، وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنِ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَنَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ) وَقَدْ مَرَّ. (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ) ، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: لَوِ ارْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ قِيلَ: لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ زَجْرًا لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَتُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ زَجْرًا لَهَا أَيْضًا.
(وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا. فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَسَدَ النِّكَاحُ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.
وَلَوْ قَبَّلَهَا ابْنُ زَوْجِهَا أَوْ وَطِئَهَا حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَدِ امْتَنَعَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ، فَتُمْنَعُ الْبَدَلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا يَسْقُطُ. وَفِي الصَّغِيرَةِ لَا يَسْقُطُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهَا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ وَلَا غُسْلٌ وَلَا مَأْثَمٌ؛ لِعَدَمِ الْخِطَابِ، فَكَذَا هَذَا.
وَإِنِ ارْتَدَّتِ الصَّغِيرَةُ سَقَطَ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُكِمَ بِرِدَّتِهَا بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ، فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِي الَّتِي تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَالرِّدَّةَ عَلَى مَا يَأْتِيكَ.

(3/114)


وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلْآخَرِ (م) إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخَصْيِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل عيوب الزوجية]
فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلْآخَرِ إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخَصْيِ) ، أَمَّا عُيُوبُ الْمَرْأَةِ فَبِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّمْكِينُ، وَإِنَّهُ مَوْجُودٌ. وَالِاسْتِيفَاءُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَاخْتِلَالُهُ بِالْعُيُوبِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُهُ، فَهَذَا أَوْلَى.
وَأَمَّا عُيُوبُ الرَّجُلِ وَهِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَكَذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحُ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالطَّلَاقِ، وَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَهُمَا: أَنَّ الْخِيَارَ يُبْطِلُ حَقَّ الزَّوْجِ، فَلَا يَثْبُتُ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ؛ لِإِخْلَالِهِمَا بِالْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، وَالْعُيُوبُ لَا تُخِلُّ بِهِ.
وَالْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى النِّسَاءِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا. وَتَكُونُ الْعُنَّةُ لَمَرِضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مِنْ أَخْذٍ بِسِحْرٍ ; فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا، وَخَاصَمَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ - أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِنْ طَلَبَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَجُعِلَتِ السَّنَةُ مُعَرِّفَةً لِذَلِكَ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ بُرُودَةٍ أَزَالَهُ حَرُّ الصَّيْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ أَزَالُهُ يُبْسُ الْخَرِيفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ أَزَالَهُ بَرْدُ الشِّتَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُبْسٍ أَزَالَهُ رُطُوبَةُ الرَّبِيعِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا - عُلِمَ أَنَّهُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَتُخَيَّرُ؛ فَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: بَانَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَبِينُ إِلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ. لَهُمَا: أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا إِذَا خَيَّرَهَا الزَّوْجُ. وَلَهُ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَمِلْكُ الزَّوْجِ فِيهِ مَعْصُومٌ؛ فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِإِزَالَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. لَكِنْ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنِ الْأَوَّلِ بِالْعُنَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ النِّيَابَةُ فِيهِ - فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، فَلَا تَبِينُ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي. فَإِذَا فَرَّقَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ، فَتَكُونُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً؛ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهَا، وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا بِمِلْكِهَا نَفْسَهَا. وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَقُّهَا.
وَالْمُرَادُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا سَنَةٌ شَمْسِيَّةٌ، وَتُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَتَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَيُحْسَبُ مِنْهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو

(3/115)


فَصْلٌ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْعَتِيقَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ - سَوَاءٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنْ ذَلِكَ، وَيُحْسَبُ مَرَضُهُ وَمَرَضُهَا إِنْ كَانَ نِصْفَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَوَّضَهُ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إِنْ حَجَّتْ أَوْ هَرَبَتْ أَوْ غَابَتْ لَمْ تُحْتَسَبْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِنَ السَّنَةِ، وَإِنْ حَجَّ هُوَ أَوْ هَرَبَ أَوْ غَابَ احْتُسِبَ عَلَيْهِ مِنَ السَّنَةِ.
وَالتَّأْجِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ فَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا. وَلَوْ خَيَّرَهَا الْقَاضِي، فَقَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ - فَلَا خِيَارَ لَهَا كَالْمُخَيَّرَةِ مِنْ زَوْجِهَا. فَإِنْ طَلَبَ الْعِنِّينُ أَنْ يُؤَجِّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً أُخْرَى لَمْ يُؤَجِّلْهُ إِلَّا بِرِضَاهَا؛ فَإِنْ رَضِيَتْ جَازَ، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَخْتَارَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ الْأُخْرَى. فَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعُنَّةِ.
وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقَّ التَّفْرِيقِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَالْعَيْبُ عَارِضٌ. فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ حَقُّهَا، وَإِنْ نَكَلَ أُجِّلَ سَنَةً كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَهَا النِّسَاءُ؛ فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ - أُجِّلَ سَنَةً، وَإِنْ قُلْنَ: هِيَ ثَيِّبٌ - حَلَفَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَالْمَجْبُوبُ، وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ أَصْلًا - فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ. وَالْخَصِيُّ كَالْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ لَهُ آلَةً تَنْتَصِبُ وَيُجَامِعُ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحْبِلُ، وَهُوَ الَّذِي سُلَّتْ أُنْثَيَاهُ. وَإِذَا أُجِّلَ سَنَةً، وَادَّعَى الْوُصُولَ إِلَيْهَا، وَأَنْكَرَتْ - فَالْحُكْمُ كَمَا إِذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ.
وَإِذَا كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى كَالْعَزْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا فِي الطَّلَبِ؛ إِذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عُنَّ، أَوْ جُبَّ - فَلَا طَلَبَ لَهَا، وَلَا خِيَارَ.

[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]
فَصْلٌ (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْبَيْتُوتَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " مَنْ «كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا - جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» .
(وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْعَتِيقَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ سَوَاءٌ) ؛ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُنَّ فِيهَا. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسَاوِي بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ وَالْمَحَبَّةِ؛ أَمَّا الْوَطْءُ فَلِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى النَّشَاطِ، وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ فَلِأَنَّهَا فِعْلُ الْقَلْبِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» ، يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِنَّ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ جَعَلَ الدَّوْرَ بَيْنَهُنَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ؛

(3/116)


وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ. وَمَنْ وَهَبَتْ نَصِيبَهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ، وَلَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ. وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ، وَالْقُرْعَةُ أَوْلَى.