وَإِذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ
فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قَبَضَ الْوَلِيُّ
الْمَهْرَ، أَوْ جَهَّزَ بِهِ، أَوْ طَالَبَ بِالنَّفَقَةِ - فَقَدْ
رَضِيَ. وَإِنْ سَكَتَ لَا يَكُونُ رِضًى، وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ
الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ (س) لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ
أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ الِاعْتِرَاضُ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ
فَلَهُ ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ
بِالْإِسْلَامِ، وَالْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ - قِيلَ: لَا
تُعْتَبَرُ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ، فَلَا يَكُونُ الْمَجْنُونُ كُفْؤًا
لِلْعَاقِلَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ
يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ، وَالتَّفْرِيقُ
إِلَى الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ، وَمَا لَمْ
يُفَرِّقْ فَأَحْكَامُ النِّكَاحِ ثَابِتَةٌ، وَلَا يَكُونُ الْفَسْخُ
طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا
فَسْخٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ. وَلِأَنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ
طَلَاقًا إِذَا فَعَلَهُ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنِ الزَّوْجِ، وَهَذَا
لَيْسَ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ
إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ دَخَلَ بِهَا
فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا نَفَقَةُ
الْعِدَّةِ لِلدُّخُولِ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ.
قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ، أَوْ جَهَّزَ بِهِ، أَوْ
طَالَبَ بِالنَّفَقَةِ - فَقَدْ رَضِيَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ
لِلنِّكَاحِ، وَأَنَّهُ رَضِيَ كَمَا إِذَا زَوَّجَهَا فَمَكَّنَتِ
الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا.
(وَإِنْ سَكَتَ لَا يَكُونُ رِضًى) ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ مَا
لَمْ تَلِدْ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ الْمُتَأَكِّدِ لَا
يُبْطِلُهُ؛ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِهِ إِلَى وَقْتٍ يَخْتَارُ فِيهِ
الْخُصُومَةَ.
(وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ
هُوَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ كَانَ
أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِلْبَاقِينَ
حَقُّ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِجَمَاعَتِهِمْ، فَإِذَا
رَضِيَ أَحَدُهُمْ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَبَقِيَ حَقُّ
الْبَاقِينَ.
وَلَنَا: أَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَجَزَّأُ، وَهَذَا لَا يَتَجَزَّأُ،
وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ، فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
كَالْمُنْفَرِدِ كَمَا مَرَّ. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ الْإِسْقَاطُ
فِي حَقِّهِ، فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ
التَّجَزِّي كَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَصَارَ كَالْأَمَانِ،
بِخِلَافِ مَا إِذَا رَضِيَتْ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا غَيْرُ حَقِّهِمْ؛
لِأَنَّ حَقَّهَا صِيَانَةُ نَفْسِهَا عَنْ ذُلِّ الِاسْتِفْرَاشِ،
وَحَقَّهُمْ فِي دَفْعِ الْعَارِ، فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لَا يَقْتَضِي
سُقُوطَ الْآخَرِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ
كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ
أَحْوَطُ، فَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ إِلَى
الْقَاضِي، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، فَكَانَ الْأَحْوَطُ سَدَّ
هَذَا الْبَابِ.
وَلَوِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِ، فَتَزَوَّجَتْهُ إِنْ كَانَ
النَّسَبُ الْمَكْتُومُ أَفْضَلَ لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا
لِلْأَوْلِيَاءِ، كَمَا إِذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ
فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَهَا وَلَهُمُ
الْخِيَارُ، وَإِنْ رَضِيَتْ فَلَهُمُ الْخِيَارُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ كَانَ دُونَهُ إِلَّا أَنَّهُ كُفْءٌ بِالنَّسَبِ الْمَكْتُومِ
فَلَا خِيَارَ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ كُفْءٌ لَهُمْ، فَلَا عَارَ
عَلَيْهِمْ، وَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَهَا زِيَادَةُ
مَنْفَعَةٍ وَقَدْ فَاتَتْ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا إِذَا اشْتَرَى
عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ لَا
يُحْسِنُهُ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ ذُلٌّ
(3/100)
وَإِنْ نَقَصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا
فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا أَوْ يُتَمِّمَهُ.
[أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ] الْمَهْرُ أَقَلُّهُ عَشَرَةُ
دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ إِلَّا مَالًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي جَانِبِهَا، وَهِيَ إِنَّمَا رَضِيَتْ بِاسْتِفْرَاشِ مَنْ هُوَ
أَفْضَلُ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ فَلَا
خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَصَالِحِ.
وَالْكَفَاءَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مِنْ جَانِبِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ
عَلَى الطَّلَاقِ، وَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالرَّتْقِ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ
أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}
[الحجرات: 13] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا
بِالتَّقْوَى» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي
هُرَيْرَةَ: «لَوْ كَانَ لِي بِنْتٌ لَزَوَّجْتُكَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ
بِلَالًا خَطَبَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَبَوْا أَنْ
يُزَوِّجُوهُ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "
قُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي» ، وَجَوَابُهُ مَا
تَقَدَّمَ.
وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ حُكْمُ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا ;
لِأَنَّ التَّقْوَى لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا اللَّهُ
وَثَوَابَهَا فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - الْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وَهُوَ جَوَابُ الْحَدِيثِ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا
بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
قَالَ: (وَإِنْ نَقَصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ
يُفَرِّقُوا، أَوْ يُتَمِّمَهُ) . وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى
قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ
وَلِيِّهَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا
عَلَى رِوَايَةِ رُجُوعِهِ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى
قَوْلِ الْأَوَّلِ فِيهِ إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.
قَالُوا: صُورَتُهُ إِذَا أَكْرَهَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ عَلَى
النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ،
فَأَجَازَتِ النِّكَاحَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]
ُ] (الْمَهْرُ أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مَالًا) ،
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . عَلَّقَ
الْحِلَّ بِشَرْطِ الِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَلَا يَحِلُّ دُونَهُ،
وَسُقُوطُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ عَدَمِ
التَّسْمِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ
الْفَسْخَ، وَسُقُوطُ الْعِوَضِ عِنْدَ وُجُودِ الْفَسْخِ لَا يَدُلُّ
عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ سُقُوطَهُ يَدُلُّ عَلَى
ثُبُوتِهِ؛ إِذْ لَا يَسْقُطُ إِلَّا مَا ثَبَتَ وَلَزِمَ.
وَالتَّنْصِيفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَبَتَ نَصًّا عَلَى
خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقُ الْمَالِ
فَكَانَ مُجْمَلًا، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَسَّرَهُ بِالْعَشَرَةِ، فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ جَابِرٌ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ
دَرَاهِمَ» . وَلِأَنَّ الْمَهْرَ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى
حَتَّى لَا يَكُونَ النِّكَاحُ بِدُونِهِ. وَلَوْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ
عَنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْضِ
وَالتَّقْدِيرِ، وَأَنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى وُجُودِ الْأَصْلِ،
(3/101)
فَإِنْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ
فَلَهَا عَشَرَةٌ (ز) . وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ
وَالْمَوْتِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ نِصْفُهُ.
وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا
- فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ، وَالْمُتْعَةُ
بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِهَذِهِ،
وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ سِوَاهَا. وَالْمُتْعَةُ دِرْعٌ
وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِ، وَلَا تُزَادُ
عَلَى قَدْرِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَمَا ثَبَتَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُهُ التَّقْدِيرُ
كَالزَّكَاةِ.
قَالَ: (فَإِنْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَهَا عَشَرَةٌ) ،
وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا
يَصْلُحُ مَهْرًا، فَصَارَ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ. وَلَنَا: أَنَّ
الْعَشَرَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ، فَتَسْمِيَتُهُ
بَعْضُهُ كَتَسْمِيَتِهِ كُلِّهِ كَالطَّلْقَةِ. وَكَمَا إِذَا
تَزَوَّجَ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَهُ إِظْهَارًا
لِخَطَرِ النِّكَاحِ، وَلَا يَظْهَرُ بِأَصْلِ الْمَالِ؛ لِتَنَاوُلِهِ
الْحَقِيرَ مِنْهُ. وَمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ تَوَلَّى بَيَانَ
مِقْدَارِهِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهَا حَطَّتْ عَنْهُ مَا تَمْلِكُهُ
وَمَا لَا تَمْلِكُهُ، فَيَسْقُطُ مَا تَمْلِكُهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ
عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا لَا تَمْلِكُهُ وَهُوَ تَمَامُ
الْعَشَرَةِ، كَمَا إِذَا أَسْقَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الدَّيْنَ
الْمُشْتَرَكَ يَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً.
قَالَ: (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ) ،
أَمَّا الدُّخُولُ فَلِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ،
وَبِالْمَوْتِ يَتَقَرَّرُ النِّكَاحُ بِانْتِهَائِهِ، فَيَجِبُ
الْبَدَلُ.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ نِصْفُهُ) ؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] .
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا
مَهْرَ لَهَا - فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ،
وَالْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ
صَحَّ، فَيَجِبُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. وَالْمَهْرُ
وَجَبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَالْوَاجِبُ
الْأَصْلِيُّ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ، فَيُصَارُ
إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ حَالَةِ
التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِهِ. فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ
مَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ
أَكْثَرَ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «الْمَهْرُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» .
وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَضَى فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ بِمَهْرِ
الْمِثْلِ» ، وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَمَاتَ عَنْهَا
قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ
الدُّخُولِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] .
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِهَذِهِ) ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ
نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهِيَ خَلَفٌ عَنْهُ، فَلَا تَجْتَمِعُ مَعَ
الْأَصْلِ فِي حَقِّ غَيْرِهَا. وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا
أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَجَبَ نِصْفُ مَهْرِ
الْمِثْلِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ.
(وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ سِوَاهَا) ، قَالَ: (وَالْمُتْعَةُ
دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (يُعْتَبَرُ ذَلِكَ
بِحَالِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}
[البقرة: 236] (وَلَا تُزَادُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) ؛
لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ أَقْوَى، فَإِذَا لَمْ
يَجِبْ فِي الْأَقْوَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ لَا يَجِبُ فِي
الْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(3/102)
وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ لَزِمَتْهُ
الزِّيَادَةُ، وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (س) . وَإِنْ
حَطَّتْ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ
فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالدُّخُولِ. وَكَذَلِكَ الْعِنِّينُ
وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ (سم) ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ
لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ طَبْعًا وَشَرْعًا.
فَالْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنَ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ جِهَتِهَا
مَانِعٌ طَبْعًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقُ وَالْقَرْنُ وَالْحَيْضُ
وَالْإِحْرَامُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ) ؛
لِمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ
وَالْمُثَمَّنِ، (وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛
لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ.
وَعِنْدَهُمَا: التَّنْصِيفُ يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِيهِ.
وَأَصْلُهُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا،
ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى تَسْمِيَةٍ - فَهِيَ لَهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا،
أَوْ مَاتَ عَنْهَا. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ
فَالْمُتْعَةُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَصَّفُ مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] .
وَلَهُمَا: أَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ مِنْ
مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ، فَكَذَا مَا
يَقُومُ مَقَامَهُ. وَالْفَرْضُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي
الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّصِّ.
قَالَ: (وَإِنْ حَطَّتْ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ) ؛ لِأَنَّهُ
خَالِصُ حَقِّهَا بَقَاءً وَاسْتِيفَاءً، فَتَمْلِكُ حَطَّهُ كَسَائِرِ
الْحُقُوقِ.
قَالَ: (وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ
كَالدُّخُولِ) ؛ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا -
فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» .
وَرَوَى زُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ
الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُ إِذَا أَرْخَى
سِتْرًا، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ - فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا،
وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فِيهِ: مَا ذَنْبُهُنَّ إِذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ.
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، فَيَسْتَقِرُّ بِالتَّخْلِيَةِ
كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتِ الْمُبْدَلَ إِلَيْهِ،
فَيَجِبُ لَهَا الْبَدَلُ كَالْبَيْعِ.
(وَكَذَلِكَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. (وَ)
كَذَلِكَ (الْمَجْبُوبُ) ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ
الْمَهْرِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ قَطْعًا، وَهُوَ أَعْجَزُ مِنَ
الْمَرِيضِ. وَلَهُ: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ
إِنَّمَا هُوَ السَّحْقُ، وَقَدْ سَلَّمَتْ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
(وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ
الْوَطْءِ طَبْعًا وَشَرْعًا، فَالْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنَ الْوَطْءِ
مِنْ جِهَتِهِ أَوْ جِهَتِهَا مَانِعٌ طَبْعًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقُ
وَالْقَرْنُ) . وَكَذَا إِذَا كَانَ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ،
فَإِنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ فُتُورٍ. (وَالْحَيْضُ) مَانِعٌ
شَرْعًا وَطَبْعًا؛ إِذِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ مِنْهُ.
(وَالْإِحْرَامُ) بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا،
(وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ) مَانِعٌ شَرْعًا.
أَمَّا الْإِحْرَامُ
(3/103)
وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ
إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً،
وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ.
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى هَذَا
الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ (سم) فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا
الْعَبْدِ فَإِذَا حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً (س) ، أَوْ
تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ (م) ، وَلَهَا مَهْرُ
الْمِثْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الدَّمِ، وَفِي الصَّوْمِ؛ لِمَا يَلْزَمُهُ
مِنَ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ؛ فَإِنَّهُ
يَجُوزُ إِفْطَارُهُ بِعُذْرٍ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ
كَالضِّيَافَةِ. وَلَا كَذَلِكَ رَمَضَانُ وَالْمَنْذُورُ وَالْقَضَاءُ
فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: فِي صَوْمِ يَوْمِ التَّطَوُّعِ
رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ السُّنَنُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ لِشِدَّةِ تَأْكِيدِهِمَا
بِالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِمَا.
وَالْمَكَانُ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْخَلْوَةُ أَنْ يَأْمَنَا فِيهِ
اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ خَلَا بِهَا فِي
مَسْجِدٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ
لَهُ فَلَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَعْمَى
أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ
مَنْكُوحَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ. وَفِي الْأَمَةِ فِيهِ
رِوَايَتَانِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛
لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ.
قَالَ: (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إِلَّا مَهْرُ
الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً) ؛ لِأَنَّ
الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ شَرْعًا، فَلَا يَجِبُ
إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا
يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْمُسَمَّى صِرْنَا
إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ إِذْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِمَا
مَرَّ.
(وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ
بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ نَقَصَتْ
عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِعَدَمِ
التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ زَادَتْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ؛ لِفَسَادِ
التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ تَجِبُ
الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ،
فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ.
(وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي
إِثْبَاتِهِ، وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ وَقْتُ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛
لِأَنَّ الصَّحِيحَ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَأُقِيمَ الْعَقْدُ
مَقَامَهُ. وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ
الْحُرْمَةِ، فَلَا يُقَامُ الْعَقْدُ مَقَامَهُ. وَعَلَيْهَا
الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا وَتَحَرُّزًا عَنِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ،
وَأَوَّلُهَا يَوْمُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ؛ لِشُبْهَةِ
النِّكَاحِ، وَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا تَرْتَفِعُ بِالتَّفْرِيقِ.
[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]
فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى
هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا
الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ
تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) .
أَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ
فَيَلْغُو، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ،
بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَإِذَا بَطَلَتِ التَّسْمِيَةُ صَارَتْ
كَالْعَدَمِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا
الدَّنُّ فَكَذَلِكَ
(3/104)
وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ
مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَإِنْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا،
فَإِنْ وَفَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي
التَّعْرِيفِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا
عَلَى الْخَمْرِ، وَقَالَا: لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا. وَكَذَلِكَ
الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا مَرَّ. وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: يَجِبُ فِيهِ مِثْلُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ
أَطْمَعَهَا فِي مَالٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ، فَيَجِبُ
قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ
الْغَيْرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ
الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ
الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي
الْمُشَارِ إِلَيْهِ ذَاتًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى فَصًّا
عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ، فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ انْعَقَدَ
الْعَقْدُ؛ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ
خِلَافِ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ
بِالْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ لَا ذَاتًا وَلَا
صِفَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ
يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ؛ لِاخْتِلَافِ
الْجِنْسِ.
وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ،
فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا
عَلَى حُرٍّ فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. أَمَّا الْخَلُّ
وَالْخَمْرُ جِنْسَانِ؛ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا،
فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ الْخَلُّ فَيَلْزَمُهُ.
وَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ تَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ - فَمَذْهَبُهُمَا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، إِلَّا
أَنَّهُ عَجَزَ عَنِ التَّسْلِيمِ؛ لِلْمُنَاقَضَةِ، فَصَارَ كَمَا
إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ
الْقِيمَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ ;
لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِحَالٍ، فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ. فَإِذَا لَمْ
يَجِبْ تَسْلِيمُهَا فِيهِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهَا، فَيُصَارُ
إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: الْمَشْرُوعُ
الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ، وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَا
الْمَنَافِعُ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ
وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَتَعْلِيمِ
الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ
فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ
الزَّوْجَةِ خِدْمَةَ الزَّوْجِ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ ; لِأَنَّ
تَوْقِيرَ الزَّوْجِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَفِي اسْتِخْدَامِهِ
إِهَانَتُهُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى
خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ، وَلَهَا الْخِدْمَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ
عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَا مُنَاقَضَةَ؛ فَإِنَّهُ يَخْدِمُ
الْمَوْلَى مَعْنًى حَيْثُ كَانَ بِأَمْرِهِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا
عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ إِذْ لَا
مُنَاقَضَةَ. وَتَرْجِعُ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهَا، أَوْ يَزْرَعَ
أَرْضَهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْفَرْقُ عَلَى إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ
لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ
الزَّوْجِيَّةِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٌ وَمَا لَيْسَ
بِمَالٍ، فَإِنْ وَفَى الْمَالُ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ لَهَا لَا
غَيْرُ. وَإِنْ لَمْ يَفِ فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا، كَمَا
لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ -
فَلَهَا الْعَشَرَةُ، وَلَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ. وَلَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْبِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ
كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا يُكْمِلُ
عَشَرَةً.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ
عَلَيْهَا، فَإِنْ وَفَى فَلَهَا الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ
(3/105)
وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ
قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ
أَخْرَجَهَا؛ فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا
فَمَهْرُ مِثْلِهَا (سم ز) . وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا
الْعَبْدِ، أَوْ هَذَا فَلَهَا أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ (سم)
. وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ
(سم) .
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ، فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ
كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ
شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ
الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ
تَسْلِيمُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَصْلُحُ مَهْرًا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهِ.
(وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِالْأَلْفِ
إِلَّا مَعَ مَا ذَكَرَ لَهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَيُكْمِلُ لَهَا
مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهِ، فَكَأَنَّهُ مَا
سَمَّى. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا
مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا،
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ ;
لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُتْعَةِ.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ
أَخْرَجَهَا - فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا،
(وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ
وَلَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ. وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ،
وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي
الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى هَذَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ
عَلَيْهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ تَزَوَّجَ. لِزُفَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَكَانَ الْمَهْرُ مَجْهُولًا.
وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ
سَمَّى فِيهِ بَدَلًا مَعْلُومًا، فَصَارَ كَالْخِيَاطَةِ
الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحَّ وَمُوجِبُهُ
الْمُسَمَّى؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَالشَّرْطُ الثَّانِي يَنْفِي مُوجِبَ
الْأَوَّلِ، وَالتَّسْمِيَةُ مَتَى صَحَّتْ لَا يَجُوزُ نَفْيُ
مُوجِبِهَا، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الثَّانِي.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً،
وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً - صَحَّ الشَّرْطَانِ،
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى
صِفَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَجْهَلُهَا. وَفِي
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمُخَاطَرَةُ مَوْجُودَةٌ فِي التَّسْمِيَةِ
الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يَفِي
بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا فَلَهَا
أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ
بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) . وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ
بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ
الْأَوْكَسِ بِالْإِجْمَاعِ.
لَهُمَا أَنَّ الْأَوْكَسَ مُسَمًّى بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ،
وَلَا يُصَارُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى. وَلِأَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ
عِنْدَ صِحَّةِ الْمُسَمَّى، وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ لِدُخُولِ كَلِمَةِ
أَوْ فَيَكُونُ فَاسِدًا، إِلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إِذَا كَانَ
أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْفَعِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ. وَمَتَى جَهِلَ الْمُسَمَّى
تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إِلَّا أَنَّ
نَصِفَ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا عَادَةً فَيَجِبُ؛
لِاعْتِرَافِهِ بِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ؛ فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ
كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ
شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ
الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ
تَسْلِيمُهُ.
(3/106)
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي
الذِّمَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ
جَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي
إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ
كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنَ
الْجَهَالَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ
وَالْمُسَامَحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
مَعَ جَهَالَتِهِ؛ لِمَا أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ كَذَلِكَ
جَهَالَةُ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى
الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ.
ثُمَّ الْجَهَالَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا جَهَالَةُ النَّوْعِ
وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ: ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ دَارٌ - فَلَا
تَصِحُّ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لِتَفَاوُتِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي
الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَكَذَا
التَّسْمِيَةُ مَعَ الْخَطَرِ كَقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ
جَارِيَتِهِ أَوْ غَنَمِهِ أَوْ مَا يَحْمِلُهُ نَخْلُهُ هَذِهِ
السَّنَةَ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ مِثْلَ
قَوْلِهِ: عَبْدٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ
هَرَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ الْوَسَطُ
مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّوْعِ كَانَ لَهُ جَيِّدٌ
وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَالْوَسَطُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنَ
الطَّرَفَيْنِ.
وَعِنْدَ جَهَالَةِ النَّوْعِ لَا وَسَطَ؛ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي
الْأَنْوَاعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْفَرَسِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَمَلِ،
وَمَعْنَى الشَّاةِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَامُوسِ. وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ
أَنْوَاعِ الثِّيَابِ كَالْأَطْلَسِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إِنَّمَا يُعْرَفُ
بِالْقِيمَةِ، فَكَانَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَيْنُ
أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ، فَيَتَخَيَّرُ وَتُجْبَرُ
الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ.
وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَوْبًا مَوْصُوفًا لَا
تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الثَّوْبَ بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَا
تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ غَيْرِهِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَجَوَابُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فِي
الْجَهَالَةِ، فَتُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْحَيَوَانِ.
وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ زُفَرَ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛
لِأَنَّ الثَّوْبَ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا
كَالسَّلَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي
الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا فِي السَّلَمِ، فَكَذَا هُنَا.
ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ
دِينَارًا، وَإِنْ سَمَّى أَبْيَضَ فَخَمْسُونَ وَهُوَ قِيمَةُ
الْغُرَّةِ، وَالْمَهْرُ بِمَعْنَى الْغُرَّةِ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى
قَدْرِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا
بُرْهَانٍ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَهُوَ غَيْرُ
مُعَيَّنٍ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ
مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ
تَسْلِيمُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا
صَحِيحًا، فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَالنُّقُودِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَصِفْهُ
- يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ. وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ
الْكُرِّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفٍ قُسِّمَتِ
الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا رُجُوعًا إِلَى
الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِمَا فَقَدْ أَضَافَ إِلَى
كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا تَسْتَحِقُّهُ.
وَاسْتِحْقَاقُهُمَا فِي الْأَصْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَنْ دَفَعَ
إِلَى رَبَّيْ دَيْنٍ أَلْفًا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا
يَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ
طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا عَلَى
قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا
(3/107)
وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ
عَشِيرَةِ أَبِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا
فَمِنَ الْأَجَانِبِ، وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي
السِّنِّ وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ
وَالْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ
مِنْهُ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ
بِهَا حَتَى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ اخْتَصَّ بِهَا فَلَا
يَتَعَدَّاهَا، وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا.
وَقَالَا: يُقَسَّمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا كَالْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا كَهِيَ، فَمَا أَصَابَ
الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَهُوَ لَهَا، وَيَسْقُطُ الْبَاقِي.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِضَافَةَ النِّكَاحِ إِلَى مَنْ لَا
يَصِحُّ نِكَاحُهَا لَغْوٌ، فَصَارَ كَمَا إِذَا ضَمَّ إِلَيْهَا
أُسْطُوَانَةً أَوْ دَابَّةً.
وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَنْقَسِمُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ
وَالْمُسَاوَاةِ وَالدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي
الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ وَلَا دُخُولَ فِي الْعَقْدِ -
فَصَارَتْ عَدَمًا. وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى اثْنَيْنِ
وَاخْتِصَاصُهُ بِأَحَدِهِمَا جَائِزٌ، قَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ
الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:
130] أَضَافَ الرُّسُلَ إِلَيْهِمَا، وَالرُّسُلُ مُخْتَصَّةٌ
بِالْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ. فَإِنْ دَخَلَ بِالَّتِي لَمْ يَصِحَّ
نِكَاحُهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ؛
لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَعِنْدَهُمَا
الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِمَّا يَخُصُّهَا.
قَالَ: (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَشِيرَةِ أَبِيهَا)
كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا دُونَ أُمِّهَا
وَخَالَتِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا. هَكَذَا
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي بَرْوَعَ حِينَ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَالَ: «لَهَا
مَهْرٌ مِثْلُ نِسَائِهَا» ، وَنِسَاؤُهَا أَقَارِبُ الْأَبِ.
وَلِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ تُعْرَفُ بِقِيمَةِ جِنْسِهِ، وَجِنْسُهُ
قَوْمُ أَبِيهِ. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا فَمِنَ
الْأَجَانِبِ) تَحْصِيلًا؛ لِلْمَقْصُودِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ
وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْمَالِ) ؛
فَإِنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛
لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِهَا. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ
كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ
هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ
مِنْهَا ; لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ
الْجَمَالَ لَا يُعْتَبَرُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ وَشَرَفٍ،
وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ حِينَئِذٍ
فِي الْجَمَالِ.
قَالَ: (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ
بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ
فِي الْمُبْدَلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ
تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا
لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إِلَيْهِ،
فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ بَعْدَهُ كَالْبَائِعِ إِذَا سَلَّمَ
الْمَبِيعَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَهُ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْوَطَآتِ؛ لِئَلَّا
يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنِ الْعِوَضِ إِظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ،
إِلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ بِوَطْأَةِ الْأُولَى لِجَهَالَةِ مَا
وَرَاءَهَا. وَالْمَجْهُولُ لَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ، فَإِذَا
وُجِدَ بَعْدَهُ وَطْءٌ آخَرُ صَارَ مَعْلُومًا، فَتَحَقَّقَتِ
الْمُزَاحَمَةُ، فَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ.
(3/108)
فَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا
إِلَى حَيْثُ شَاءَ، وَقِيلَ: لَا يُسَافِرُ بِهَا، وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى.
فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى] وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ
الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إِلَّا
بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَيَمْلِكُ إِجْبَارَهُمْ عَلَى النِّكَاحِ.
وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْجَانِي إِذَا جَنَى جِنَايَةً يُدْفَعُ
بِهَا، فَإِنْ لَمْ يُدْفَعْ حَتَّى جَنَى أُخْرَى وَأُخْرَى دُفِعَ
بِالْكُلِّ.
قَالَ: (فَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ) ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
[الطلاق: 6] . (وَقِيلَ: لَا يُسَافِرُ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى)
؛ لِفَسَادِ أَهْلِ الزَّمَانِ، وَالْغَرِيبُ يُؤْذَى. وَقِيلَ:
يُسَافِرُ بِهَا إِلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ ; لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ.
وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ كَغَيْرِهِ مِنَ
الدُّيُونِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَتْ
كَسَائِرِ الْكَفَالَاتِ، وَحُكْمُهَا فِي الرُّجُوعِ كَغَيْرِهَا مِنَ
الْكَفَالَاتِ. وَلَوْ ضَمِنَ الْمَهْرَ عَنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ
صَحَّ؛ لِمَا قُلْنَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِذَا أَدَّى؛
لِأَنَّهُ صِلَةٌ عُرْفًا. فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ،
فَأَخَذَ مِنْ تَرَكِتِهِ - رَجَعَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى
الِابْنِ مِنْ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا عَنْهُ دَيْنًا
عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُونَ كَمَا إِذَا كَفَلَ عَنِ ابْنِهِ
الْكَبِيرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ. قُلْنَا:
الْكَفَالَةُ هُنَا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ حُكْمًا لِوِلَايَةِ
الْأَبِ، فَكَانَتْ كَفَالَتُهُ دَلِيلَ الْأَمْرِ مِنْ جِهَتِهِ؛
لِيَرْجِعَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا
وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا. وَبِخِلَافِ مَا إِذَا أَدَّى حَالَ
حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ
بِتَبَرُّعِ الْآبَاءِ بِمَهْرِ الْأَبْنَاءِ.
[فصل نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]
فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ] (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ
الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إِلَّا
بِإِذْنِ الْمَوْلَى) ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ
مَوْلَاهَا فَهِيَ عَاهِرَةٌ» ، وَقَوْلُهُ: «أَيُّمَا عَبْدٍ
تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» ، وَلِأَنَّ
النِّكَاحَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ؛ لِتَعَلُّقِ
النَّفَقَةِ بِكَسْبِهِمَا، وَالْمَهْرِ بِرَقَبَتِهِمَا، فَلَا
يَمْلِكُ غَيْرُ الْمَوْلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ،
وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لِلْمَوْلَى فَلَا يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ
بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
(وَيَمْلِكُ إِجْبَارَهُمْ عَلَى النِّكَاحِ) صِيَانَةً لِمِلْكِهِ،
وَتَحْصِينًا لَهُ عَنِ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ أَوْ
نُقْصَانِهِمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ،
وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ الْمُكَاتِبَ وَالْمُكَاتِبَةَ
بِغَيْرِ رِضَاهُمَا؛ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ يَدِهِ عَلَى مَا
نُبَيِّنُهُ فِي الْمُكَاتِبِ. وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمَا إِلَّا
بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِلرِّقِّ الثَّابِتِ فِيهِمَا بِالْحَدِيثِ.
وَيَمْلِكُ الْمُكَاتِبُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ
الِاكْتِسَابِ، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ
خُسْرَانٌ لَا اكْتِسَابٌ. وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ
بِغَيْرِ مَهْرٍ جَازَ وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ حَقًّا
لِلشَّرْعِ، ثُمَّ يَسْقُطُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ
(3/109)
مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي
رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ، وَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى. وَإِذَا أُعْتِقَتِ
الْأَمَةُ أَوِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَهَا زَوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ
فَلَهَا الْخِيَارُ، وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ
يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى،
وَيُقَالُ لَهُ: مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتَهَا. وَإِنْ تَزَوَّجَ
عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: طَلِّقْهَا
- فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً
رَجْعِيَّةً - فَهُوَ إِجَازَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) ؛
لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي
حَقِّ الْمَوْلَى حَيْثُ وَقَعَ بِإِذْنِهِ، فَيَتَعَلَّقُ
بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي دُيُونِ
الْمَأْذُونِ لِلتِّجَارَةِ. (وَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ أُمِّ
الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا.
قَالَ: (وَإِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ أَوِ الْمُكَاتِبَةُ، وَلَهَا
زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ - فَلَهَا الْخِيَارُ) ؛ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ:
«مَلَكْتِ بُضْعَكِ، فَاخْتَارِي» . جَعَلَ الْعِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ
لِلْخِيَارِ مَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ، فَيَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ؛ لِعُمُومِ
الْعِلَّةِ. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا،
وَهِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَلِأَنَّهُ ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا
فِي الْفَصْلَيْنِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِيهِمَا دَفْعًا
لِلضَّرَرِ عَنْهَا.
قَالَ: (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا
بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدِمُ الْمَوْلَى، وَيُقَالُ لَهُ:
مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتَهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي
الْخِدْمَةِ بَاقٍ، وَالتَّبْوِئَةُ إِبْطَالٌ لَهُ - فَلَا يَلْزَمُهُ
ذَلِكَ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهَا بَطَلَ
الشَّرْطُ، فَإِنْ بَوَّأَهَا بَيْتًا مَعَهُ فَلَهُ أَنْ
يَسْتَخْدِمَهَا وَتَبْطُلُ التَّبْوِئَةُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ
لِلْخِدْمَةِ الْمِلْكُ، وَهُوَ بَاقٍ؛ فَلَا تُبْطِلُهُ
التَّبْوِئَةُ.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ
لَهُ الْمَوْلَى: طَلِّقْهَا - فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ
يَحْتَمِلُ الرَّدَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا حَيْثُ تَزَوَّجَ
بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَافْتَاتَ عَلَيْهِ. وَرَدُّ هَذَا الْعَقْدِ
يُسَمَّى طَلَاقًا، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ:
فَارِقْهَا، وَبَلْ أَوْلَى.
(وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً - فَهُوَ
إِجَازَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ. وَلَوْ أَذِنَ الْعَبْدُ فِي
النِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. وَقَالَا: هُوَ عَلَى
الصَّحِيحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النِّكَاحِ
الْإِعْفَافُ، وَذَلِكَ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي
الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ. وَلِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْيَمِينِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّفْظَ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ كَمَا
مَرَّ فِي الْبَيْعِ. وَلَئِنْ قَالَ: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ
بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْمِلْكِ وَغَيْرِهِ - قُلْنَا:
وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَيْضًا يُفِيدُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ
كَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ. وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ
مَمْنُوعَةٌ، وَلَئِنْ سَلِمَتْ فَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى
الْعُرْفِ.
وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا
فَاسِدًا انْتَهَى الْأَمْرُ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ
أُخْرَى. وَعِنْدَهُمَا: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا نِكَاحًا
صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْأَمْرِ،
فَيَبْقَى الْأَمْرُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَّا امْرَأَةً
(3/110)
وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى
الْأَمَةِ (سم) . وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ
إِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ، وَلَا
خِيَارَ لِلْأَمَةِ.
فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ] تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ
ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، وَذَلِكَ
عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا (سم) . وَإِنْ
تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ (سم) كَافِرٍ آخَرَ -
جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضَي التَّكْرَارَ إِلَّا أَنْ
يَقُولَ لَهُ: تَزَوَّجْ مَا شِئْتَ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ
ثِنْتَيْنِ.
قَالَ: (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ) وَقَالَا:
إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا، وَالْعَزْلَ تَنْقِيصٌ لَهُ؛
فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَزْلَ يُخِلُّ
بِحَقِّ الْمَوْلَى وَهُوَ حُصُولُ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ،
فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ
وَالْوَطْءَ حَقُّهَا.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ
الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ
أَهْلِ الْعِبَارَةِ، وَالتَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ.
(وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَذَ بَعْدَ
الْعِتْقِ، فَصَارَ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَوْ
تَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى
- جَازَ النِّكَاحُ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى؛
لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى.
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ مَهْرٌ آخَرُ، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا
وَقُلْنَا: يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ اسْتَنَدَ إِلَى
أَصْلِ الْعَقْدِ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا -
فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً
لَهَا.
[فصل نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]
فَصْلٌ [زَوَاجُ الذِّمِّيِّ وَالْمَجُوسِيِّ] (تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ
ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ،
وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا) . وَقَالَا:
لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ دَخَلَ بِهَا. وَإِنْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُمُ
الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَصَارَ كَالرِّبَا.
وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اتْرُكُوهُمْ
وَمَا يَدِينُونَ» ، وَمَا الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا
يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَنَعَ إِلْزَامَهُمْ
بِالسَّيْفِ. وَالْحُجَّةُ بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى
مِنْ عَقْدِهِمْ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِلَّا
مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» ، وَكَذَلِكَ
الزِّنَا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ
آخَرَ - جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) .
وَقَالَا: إِذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ فَاسِدٌ. فَإِنْ
أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا - فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ،
وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُمُ
الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا، وَلَمْ يَلْتَزِمُوهَا بِجَمِيعِ
الِاخْتِلَافَاتِ. وَلَهُ: أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ
الشَّرِيعَةِ، فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَلَا
لِلْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهَا،
(3/111)
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ
خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ (سم)
إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ
الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ. وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ. وَالْوَلَدُ
يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ
الْمَجُوسِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا.
وَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ أَوِ الْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ،
وَالْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا
الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا حَالَةَ الْبَقَاءِ.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ
أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ،
وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَالَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِيمَةُ فِيهِمَا. لَهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ
يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ، فَأَشْبَهَ الْعَقْدَ. وَالْإِسْلَامُ
مَانِعٌ مِنْهُ، فَصَارَا كَمَا إِذَا كَانَا دِينَيْنِ.
وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ كَانَا
مُسْلِمَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَكَذَا
عِنْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ، وَعَجَزَ
عَنِ التَّسْلِيمِ بِالْإِسْلَامِ، فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا إِذَا
كَانَ عَبْدًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي
الْمُعَيَّنِ حَتَّى جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَبِالْقَبْضِ
يَنْتَقِلُ إِلَى ضَمَانِهَا مِنْ ضَمَانِهِ، وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ
مَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ، وَخَمْرِ
الْمُكَاتَبِ الذِّمِّيِّ إِذَا عَجَزَ، وَالْمَأْذُونِ إِذَا حُجِرَ
عَلَيْهِ. وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ،
وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ. وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ
فَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ
الْقِيَمِ، فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مَقَامَهُ فَلَا يَجِبُ، فَتَعَيَّنَ
مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخَمْرِ ; لِأَنَّهَا
تَقُومُ مَقَامَهَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ) ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ،
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ إِذَا
طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ تُبْطِلُهُ، وَلِأَنَّهَا
تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا
بَيَّنَّا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا
بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ
جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] ، وَلِأَنَّ مُرَافَعَةَ
أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اتَّفَقَا حَيْثُ يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمْ؛ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِنَا
فَيَلْزَمُهُمَا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ)
بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ مَصَالِحُهُ، وَلَا تُوجَدُ؛
لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ، وَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ. أَوْ
نَقُولُ: لَا مِلَّةَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا عَنِ
الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقَرَّانِ عَلَى مَا انْتَقَلَا إِلَيْهِ.
وَيَجُوزُ نِكَاحُ النَّصْرَانِيِّ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّةَ،
وَالْيَهُودِيِّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْمَجُوسِيِّ
الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ
مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، وَلَا كَفَاءَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ.
قَالَ: (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) نَظَرًا
لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا. وَلَوْ
أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ - صَارَ مُسْلِمًا.
(وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيِّ) حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ
ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ
(3/112)
وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ
عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ،
وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا (س) .
وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ؛ فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا
فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ.
وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ
الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ
إِسْلَامِ الْآخَرِ، وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا
مُسْلِمًا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ
أَحَدُهُمَا، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَمُنَاكَحَتُهُ دُونَ الْمَجُوسِيِّ.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ عُرِضَ عَلَيْهِ
الْإِسْلَامُ) تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِ النِّكَاحِ بِالْإِسْلَامِ؛
لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ بِإِسْلَامِهَا. (فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ
امْرَأَتُهُ) كَمَا إِذَا أَسْلَمَا مَعًا، (وَإِلَّا فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ
سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، فَيُجْعَلُ
إِبَاؤُهُ سَبَبًا لِفَوَاتِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ عُقُوبَةً.
(وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا
تَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ،
فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَمَا إِذَا مَلَكَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ.
وَلَهُمَا: أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَنُوبُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي التَّسْرِيحِ
بِالْإِحْسَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ، فَيَكُونُ
طَلَاقًا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ،
وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَنْتَقِلُ قَوْلُ
الْقَاضِي إِلَيْهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ
لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ
دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ.
(وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ
الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ
إِسْلَامِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْفُرْقَةِ
بَيْنَهُمَا، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْعَرْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ،
فَجَعَلْنَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ مَقَامَ
السَّبَبِ وَهُوَ الْعَرْضُ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ
إِذَا بَانَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ
أَنَّهُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ
طَلَاقٍ كَأَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ لَمْ تَبِنْ
مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَلَا عَرْضَ وَلَا
فُرْقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَلِأَنْ
يَبْقَى أَوْلَى. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَهُمَا
صَبِيَّانِ عَاقِلَانِ - عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ
الصَّبِيَّ يُخَاطَبُ بِالْإِسْلَامِ حَقًّا لِلْعِبَادِ حَتَّى
إِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ. فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا إِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِهِ، وَدَفْعًا
لِلضَّرَرِ عَنْهُ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسْلِمًا
وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ
أَحَدُهُمَا. وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) ، فَسَبَبُ
الْبَيْنُونَةِ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ
النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛
لِأَنَّ مَصَالِحَهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاجْتِمَاعِ،
وَالتَّبَايُنُ مَانِعٌ مِنْهُ. أَمَّا السَّبْيُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً
فَكَذَا بَقَاءً.
وَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ فَقَصْدُهُ الرُّجُوعُ
(3/113)
وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا
مُهَاجِرَةً لَا عِدَّةَ (سم) عَلَيْهَا. وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ
الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (م) ، ثُمَّ إِنْ
كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ،
وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَ
فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ. وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا،
ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلَمْ يُوجِدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً لَا
عِدَّةَ عَلَيْهَا) ، وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ. وَلَهُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ
نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ
إِظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ، وَلَا خَطَرَ لِنِكَاحِ الْحَرْبِيِّ.
وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ.
قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ
بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ
الزَّوْجَ فَهِيَ طَلَاقٌ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو
يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ،
وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ، فَتَعَذَّرَ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا،
وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِي الْفُرْقَةِ هُنَا إِلَى الْقَضَاءِ.
أَمَّا الْإِبَاءُ لَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَالنِّكَاحَ،
وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا
بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنِ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَنَابَ
الْقَاضِي مَنَابَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا
الْمَهْرُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ) وَقَدْ مَرَّ.
(وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ) ،
وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: لَوِ ارْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ قِيلَ: لَا
يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ زَجْرًا لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ،
وَتُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ زَجْرًا لَهَا أَيْضًا.
(وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى
نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا فِي زَمَنِ أَبِي
بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَأَقَرَّهُمْ
عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ،
وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا. فَإِنْ
أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَسَدَ النِّكَاحُ كَمَا فِي
الِابْتِدَاءِ.
وَلَوْ قَبَّلَهَا ابْنُ زَوْجِهَا أَوْ وَطِئَهَا حُرِّمَتْ عَلَى
أَبِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا إِذَا كَانَ قَبْلَ
الدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ
مِنْ قِبَلِهَا، فَقَدِ امْتَنَعَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ،
فَتُمْنَعُ الْبَدَلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً
لَا يَسْقُطُ. وَفِي الصَّغِيرَةِ لَا يَسْقُطُ فِي الْوَجْهَيْنِ
جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ
بِفِعْلِهَا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ،
فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ وَلَا غُسْلٌ وَلَا
مَأْثَمٌ؛ لِعَدَمِ الْخِطَابِ، فَكَذَا هَذَا.
وَإِنِ ارْتَدَّتِ الصَّغِيرَةُ سَقَطَ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا
حُكِمَ بِرِدَّتِهَا بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ، فَصَارَتْ
كَالْكَبِيرَةِ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِي الَّتِي تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ
وَالرِّدَّةَ عَلَى مَا يَأْتِيكَ.
(3/114)
وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ
عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلْآخَرِ (م) إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ
وَالْخَصْيِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل عيوب الزوجية]
فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ
لِلْآخَرِ إِلَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْخَصْيِ) ، أَمَّا
عُيُوبُ الْمَرْأَةِ فَبِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ
الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّمْكِينُ، وَإِنَّهُ مَوْجُودٌ.
وَالِاسْتِيفَاءُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَاخْتِلَالُهُ بِالْعُيُوبِ لَا
يُوجِبُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُهُ،
فَهَذَا أَوْلَى.
وَأَمَّا عُيُوبُ الرَّجُلِ وَهِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ
وَالْبَرَصُ فَكَذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْخِيَارُ؛
لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحُ، فَيَثْبُتُ لَهَا
الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجِ؛
لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالطَّلَاقِ، وَصَارَ كَالْجَبِّ
وَالْعُنَّةِ. وَلَهُمَا: أَنَّ الْخِيَارَ يُبْطِلُ حَقَّ الزَّوْجِ،
فَلَا يَثْبُتُ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ؛
لِإِخْلَالِهِمَا بِالْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، وَالْعُيُوبُ لَا
تُخِلُّ بِهِ.
وَالْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى النِّسَاءِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى
الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ، أَوْ يَصِلُ إِلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ
وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا. وَتَكُونُ الْعُنَّةُ لَمَرِضٍ أَوْ ضَعْفٍ
أَوْ كِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مِنْ أَخْذٍ بِسِحْرٍ ; فَإِذَا كَانَ
الزَّوْجُ عِنِّينًا، وَخَاصَمَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ -
أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا وَإِلَّا فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا إِنْ طَلَبَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا
فِي الْوَطْءِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ لِمَرَضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ،
فَجُعِلَتِ السَّنَةُ مُعَرِّفَةً لِذَلِكَ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى
الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ بُرُودَةٍ
أَزَالَهُ حَرُّ الصَّيْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ أَزَالُهُ
يُبْسُ الْخَرِيفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ أَزَالَهُ بَرْدُ
الشِّتَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُبْسٍ أَزَالَهُ رُطُوبَةُ الرَّبِيعِ
عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا - عُلِمَ أَنَّهُ
لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَتُخَيَّرُ؛ فَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: بَانَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَبِينُ إِلَّا
بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ. لَهُمَا:
أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ دَفْعًا
لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا
إِذَا خَيَّرَهَا الزَّوْجُ. وَلَهُ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ،
وَمِلْكُ الزَّوْجِ فِيهِ مَعْصُومٌ؛ فَلَا يَزُولُ إِلَّا
بِإِزَالَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. لَكِنْ لَمَّا وَجَبَ
عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحُ
بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنِ الْأَوَّلِ بِالْعُنَّةِ، وَلَا
يُمْكِنُ الْقَاضِيَ النِّيَابَةُ فِيهِ - فَوَجَبَ عَلَيْهِ
التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ نَابَ
الْقَاضِي مَنَابَهُ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، فَلَا
تَبِينُ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي. فَإِذَا فَرَّقَ يَصِيرُ
كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ، فَتَكُونُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً؛
لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهَا، وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا بِمِلْكِهَا
نَفْسَهَا. وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَقُّهَا.
وَالْمُرَادُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادُ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ. وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا سَنَةٌ
شَمْسِيَّةٌ، وَتُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَتَزِيدُ عَلَى
الْقَمَرِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَيُحْسَبُ مِنْهَا أَيَّامُ
الْحَيْضِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو
(3/115)
فَصْلٌ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ
بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ
وَالْجَدِيدَةُ وَالْعَتِيقَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ -
سَوَاءٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنْ ذَلِكَ، وَيُحْسَبُ مَرَضُهُ وَمَرَضُهَا إِنْ كَانَ نِصْفَ
شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَوَّضَهُ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ: إِنْ حَجَّتْ أَوْ هَرَبَتْ أَوْ غَابَتْ لَمْ تُحْتَسَبْ
تِلْكَ الْمُدَّةُ مِنَ السَّنَةِ، وَإِنْ حَجَّ هُوَ أَوْ هَرَبَ أَوْ
غَابَ احْتُسِبَ عَلَيْهِ مِنَ السَّنَةِ.
وَالتَّأْجِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ
الْقَاضِي؛ فَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ
ذَلِكَ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا. وَلَوْ
خَيَّرَهَا الْقَاضِي، فَقَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ
تَخْتَارَ - فَلَا خِيَارَ لَهَا كَالْمُخَيَّرَةِ مِنْ زَوْجِهَا.
فَإِنْ طَلَبَ الْعِنِّينُ أَنْ يُؤَجِّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً أُخْرَى
لَمْ يُؤَجِّلْهُ إِلَّا بِرِضَاهَا؛ فَإِنْ رَضِيَتْ جَازَ، وَلَهَا
أَنْ تَرْجِعَ وَتَخْتَارَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ الْأُخْرَى.
فَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - فَلَا
خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعُنَّةِ.
وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقَّ
التَّفْرِيقِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَالْعَيْبُ عَارِضٌ.
فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ حَقُّهَا، وَإِنْ نَكَلَ أُجِّلَ سَنَةً
كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَهَا النِّسَاءُ؛
فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ - أُجِّلَ سَنَةً، وَإِنْ قُلْنَ: هِيَ
ثَيِّبٌ - حَلَفَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَالْمَجْبُوبُ، وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ أَصْلًا - فَإِنَّهُ
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي
التَّأْجِيلِ. وَالْخَصِيُّ كَالْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ لَهُ آلَةً
تَنْتَصِبُ وَيُجَامِعُ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحْبِلُ، وَهُوَ
الَّذِي سُلَّتْ أُنْثَيَاهُ. وَإِذَا أُجِّلَ سَنَةً، وَادَّعَى
الْوُصُولَ إِلَيْهَا، وَأَنْكَرَتْ - فَالْحُكْمُ كَمَا إِذَا
اخْتَلَفَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ.
وَإِذَا كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى
كَالْعَزْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ
رَتْقَاءَ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا فِي الطَّلَبِ؛ إِذْ لَا حَقَّ لَهَا
فِي الْوَطْءِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ
عُنَّ، أَوْ جُبَّ - فَلَا طَلَبَ لَهَا، وَلَا خِيَارَ.
[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]
فَصْلٌ (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي
الْبَيْتُوتَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "
مَنْ «كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا - جَاءَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» .
(وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْعَتِيقَةُ
وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ سَوَاءٌ) ؛ لِإِطْلَاقِ مَا
رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَلَا تَفَاوُتَ
بَيْنَهُنَّ فِيهَا. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسَاوِي بَيْنَهُنَّ
فِي الْوَطْءِ وَالْمَحَبَّةِ؛ أَمَّا الْوَطْءُ فَلِأَنَّهُ يَنْبَنِي
عَلَى النَّشَاطِ، وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ فَلِأَنَّهَا فِعْلُ
الْقَلْبِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا
قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» ،
يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِنَّ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ
جَعَلَ الدَّوْرَ بَيْنَهُنَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ،
وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ؛
(3/116)
وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ. وَمَنْ وَهَبَتْ نَصِيبَهَا
لِصَاحِبَتِهَا جَازَ، وَلَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ. وَيُسَافِرُ
بِمَنْ شَاءَ، وَالْقُرْعَةُ أَوْلَى.