البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي

[بَابُ الْقَسْمِ]

(3/233)


بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] مَعْنَاهُ لَنْ تَسْتَطِيعُوا الْعَدْلَ، وَالتَّسْوِيَةَ فِي الْمَحَبَّةِ فَلَا تَمِيلُوا فِي الْقَسْمِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَغَايَتُهُ الْقَسْمُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتُ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ حَرُمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] فِي الْقَسْمِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْمَثْنَى، وَالثَّلَاثِ، وَالْأَرْبَعِ فَوَاحِدَةً نَدْبٌ إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، وَالنَّفَقَةِ وَاجِبٌ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَافَ الْجَوْرَ حَرُمَ التَّزَوُّجُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا قُلْت الْعَدْلُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْجَوْرِ لَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا التَّزَوُّجُ إذَا خَافَ عَدَمَهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَالْمَمْلُوكَاتِ أَقْرَبُ إلَى أَنْ لَا تَعُولُوا فَفَسَّرَ الْأَكْثَرُ الْعَوْلَ بِالْجَوْرِ يُقَالُ عَالَ الْمِيزَانُ إذَا مَالَ وَعَالَ الْحَاكِمُ إذَا جَارَ وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ أَنْ لَا تُعِيلُوا لِأَنَّهُ مِنْ أَعَالَ يُعِيلُ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لُغَوِيٌّ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ عَالَ الرَّجُلُ إذَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ فَتَفْسِيرُهُ بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ كَثْرَةُ الْمُؤَنِ وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدْلَ فِي الْكِتَابِ مُبْهَمٌ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَصَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا السُّنَّةُ جَاءَتْ مُجْمَلَةً فِيهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْمَرْوِيَّ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» يَعْنِي الْقَلْبَ أَيْ زِيَادَةُ الْمَحَبَّةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي التَّسْوِيَةِ، وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ، وَالْقُبُلَاتِ، وَالتَّسْوِيَةُ فِيهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ الْمُرَادَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْمَحَبَّةِ لَمَّا بَيَّنَ الشَّارِعُ سُقُوطَهَا بَقِيَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مُرَادًا وَهُوَ الْبَيْتُوتَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنْ لَا تَجِبَ التَّسْوِيَةُ فِيمَا عَدَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُرَّتَيْنِ أَوْ الْأَمَتَيْنِ فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالسُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ فِي النَّفَقَةِ فَالتَّسْوِيَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ أَيْضًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ اعْتِبَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَهُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَالْوَاجِبُ وَاحِدَةً أَوْ الْمَفْرُوضُ وَاحِدَةً أَوْ الْمَطْلُوبُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ صَرِيحًا بِفَرْضِيَّةِ تَزَوُّجِ الْوَاحِدَةِ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ فَرْضِيَّةُ الْقَسْمِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَالْأَمْرُ لَيْسَ نَصًّا فِي الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ بَلْ يَعُمُّ الظَّنِّيَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ النَّدْبَ، وَالْإِبَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا فَلَيْسَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَهَذَا إنْ أُخِذَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 3] عَلَى مَا يَأْتِي فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ. . . إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لَكِنْ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أَيْ الْزَمُوهَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لَا الْحَتْمِ اهـ.
وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ حَمْلِ النَّدْبِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ عَلَى اللُّغَوِيِّ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ وَتَرَكَهَا كَانَ جَوْرًا وَقَدْ قَالُوا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ وَتَخْصِيصُ مَا هُنَا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَعْدَ وُجُوبِهِ يُقَالُ فِي غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَوْرٍ وَجَوْرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا التَّزَوُّجُ إذَا خَافَ عَدَمَهُ) اُنْظُرْ مَا وَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ وَلَعَلَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَحْرُمُ تَرْكُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ تَرْكُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ قَبْلَ وُجُوبِهِ إذَا خَافَ عَدَمَهُ

(3/234)


حَالِهِمَا فَلَا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا قَدْ تَكُونُ غَنِيَّةً، وَالْأُخْرَى فَقِيرَةً فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا فِي النَّفَقَةِ، وَفِي الْغَايَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي النَّفَقَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ، وَالْجَدِيدَةُ كَالْقَدِيمَةِ، وَالْمُسْلِمَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» «وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لِنِسَائِي، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ لَك وَدُرْتُ» فَالْمُرَادُ التَّفْضِيلُ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْجَدِيدَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُحْتَمِلَةٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِتَرَدُّدِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْقَطْعِيَّةِ وَكَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَمُقَابِلَيْهِنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا، وَالْمَرِيضَةِ، وَالصَّحِيحَةِ، وَالرَّتْقَاءِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَالْمُحَرَّمَةِ، وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَمُقَابِلَاتِهِنَّ وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ رَجْعِيًّا فَإِنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا قَسَمَ لَهَا وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ بَابِ الرَّجْعَةِ وَأَمَّا النَّاشِزَةُ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْقَسْمِ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ إنَّمَا هُوَ لِلصِّحَّةِ، وَالْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجٍ وَزَوْجٍ فَالْمَجْبُوبُ، وَالْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ كَالْفَحْلِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ النِّسَاءِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَالَ مَالِكٌ وَيَدُورُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ عِنْدَنَا وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَتَرْكِهِ فَهَلْ يَأْثَمُ الْوَلِيُّ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْرِ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ
وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الصَّغِيرُ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْبَالِغِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا فَائِدَةً وَلِذَا إنَّمَا قَيَّدُوا بِالدُّخُولِ فِي امْرَأَةِ الصَّبِيِّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِاللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ اهـ.
وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالِاخْتِيَارْ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً سَنَةً مَا يَظُنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ لَهُ بَلْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأُظَنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِهِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ لَا مُضَارَّةَ حَيْثُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَسْمِ لِأَنَّهَا مُطْمَئِنَّةٌ بِمَجِيءِ نَوْبَتِهَا، وَالْحَقُّ لَهُ فِي الْبُدَاءَةِ بِمِنْ شَاءَ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَسْمِ فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلزَّوْجَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْوَطْءِ لِأَنَّ حَلَّهُ لَهَا حَقُّهَا كَمَا أَنَّ حَلَّهَا لَهُ حَقُّهُ وَإِذَا طَالَبَتْهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ حَدَّ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَرَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا طَلَبَتْ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَهْوَتِهِ لَهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا أَحْيَانَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا شَهْرًا فَخَاصَمَتْهُ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَدْلَ بَيْنَهُمَا وَمَا مَضَى هَدَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَثِمَ فِيهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ فِيهِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا نَهَاهُ الْقَاضِي أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ وَارْتَكَبَ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَوْرُ فَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِذَا عُزِّرَ فَتَعْزِيرُهُ بِالضَّرْبِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا يُعَزَّرُ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ اهـ. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ لِلْقَاضِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْبَالِغِ) الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْبَالِغِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ مُطْلَقًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ.
لَكِنْ نَقَلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ التَّقْيِيدَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَذَا قَالَ فِي الرَّمْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَدْرِ عَيْنٍ فِيهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَنَعَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إلَّا بِإِذْنِ الْأُخْرَى اهـ.
قُلْت لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَلَاثَةً أَوْ سَبْعَةً وَعِنْدَ أُخْرَى كَذَلِكَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ، وَالسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَلَ وَرُوِيَ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ دَخَلَ بِهَا إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لَهُنَّ» اهـ.

(3/235)


الْخِيَارَ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الضَّرْبِ، وَالْحَبْسِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُبَعَّضَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ فَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ اللَّازِمَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا فَلَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ أَقَامَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَوْمًا ثُمَّ أَعْتَقَتْ لَمْ يُقِمْ عِنْدَ الْحُرَّةِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتُجْعَلُ حُرِّيَّتُهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّتِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّوْبَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ حُرَّةٍ يَوْمًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ تَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى الْمُعْتَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَافِرُ بِمَا شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إحْدَاهُمَا كَثْرَةُ سِمَنِهَا فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْمُنَافِي لِلْحَرَجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ قُرْعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُنَّ إذَا أَرَادَ سَفَرًا فَكَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَاهُنَّ سَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ وَمِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ، وَالْبَاقِيَاتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ - قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] تُؤَخِّرُهَا وَتَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تَضُمُّ إلَيْك وَتُضَاجِعُهَا أَوْ تُطَلِّقُ مَنْ تَشَاءُ وَتُمْسِكُ مَنْ تَشَاءُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} [الأحزاب: 51] أَيْ طَلَبْت {مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51] طَلُقَتْ بِالرَّجْعَةِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
قَيَّدَ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ مَرَضَهُ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَذِنَّ لَهُ» وَلَمْ أَرَ كَيْفِيَّةَ قَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَوُّلَ إلَى بَيْتِ الْأُخْرَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَهَبَ إلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ لَا يَقْضِي لِلْمُقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِأُخْرَى) فَأَفَادَ جَوَازَ الْهِبَةِ، وَالرُّجُوعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَمَّا صِحَّةُ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَقَدْ فَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا تَفَارِيعَ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا، مِنْهَا أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ حَقَّهَا لِمُعَيَّنَةٍ وَرَضِيَ بَاتَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ كَرِهَتْ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ فِي نِكَاحِهِ وَلَوْ كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يُوَالِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلْجَمِيعِ جَعَلَهَا كَالْمَعْدُومَةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَخَصَّ بِهِ وَاحِدَةً جَازَ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَلَعَلَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطٌ عَنْهُ فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ سَوَاءٌ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ لِصَاحِبَتِهَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِصَّةَ الْوَاهِبَةِ لِمَنْ شَاءَ.
(تَتِمَّةٌ)
فِي حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ: الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ لِلْآيَةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ التَّفْصِيلُ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهَا قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا وَقِيلَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهَا كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ نَفْسِهِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمِنْهَا إذَا حَصَلَ نُشُوزٌ أَنْ يَبْدَأَهَا بِالْوَعْظِ ثُمَّ بِالْهَجْرِ ثُمَّ بِالضَّرْبِ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ عَلَى التَّوْزِيعِ وَاخْتُلِفَ فِي الْهَجْرِ فَقِيلَ يَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا وَقِيلَ يَتْرُكُ جِمَاعَهَا، وَالْأَظْهَرُ تَرْكُ كَلَامِهَا مَعَ الْمُضَاجَعَةِ، وَالْجِمَاعِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَلَا يُعَطِّلَهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَمِنْ كُلِّ سَبْعٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتَعَيَّنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فَإِنَّ مُقْتَضَى ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ بَعْدَ التَّثْلِيثِ أَنَّ لَهُ التَّسْبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ حَالَ صِحَّتِهِ فَفِي مَرَضِهِ أَوْلَى فَإِذَا مَكَثَ عِنْدَ الْأُولَى مُدَّةً أَقَامَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِهَا اهـ.
وَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ دَوْرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا فَطَلَبَتْ مِثْلَهَا الْأُخْرَى لَا يَفْعَلُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَأْنِفُ هُنَا بِالْأَوْلَى اهـ.
نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَلَوْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى ثَلَاثَةً فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُ الْحَقِّ لَهُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لِصَاحِبَتِهَا مَمْنُوعٌ فَفِي الْبَدَائِعِ فِي تَوْجِيهِ الْمَسْأَلَةِ

(3/236)


حَقُّهَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَصْحَبَهَا أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ
وَلَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَوْلَدَاتٌ وَإِمَاءٌ فَلَا يَقْسِمُ لَهُنَّ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمُضَاجَعَةِ وَلَوْ حَطَّتْ لِزَوْجِهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ يَزِيدَهَا فِي الْقَسْمِ فَهُوَ حَرَامٌ وَهُوَ رِشْوَةٌ وَتَرْجِعُ بِمَالِهَا وَكَذَا لَوْ جَعَلَتْ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا لِيَزِيدَهَا فِي الْقَسْمِ أَوْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا أَوْ جَعَلَ لَهَا شَيْئًا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا فَالْكُلُّ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الضِّرَّتَيْنِ أَوْ الضَّرَائِرِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ لِلُزُومِ الْوَحْشَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الضَّرَائِرُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ بِالرِّضَا يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَطْأَهَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ وَلَا تَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى التَّنْظِيفِ، وَالِاسْتِحْدَادِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ كُلِّ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْغَزْلِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَيُّنِ بِمَا يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ كَأَنْ يَتَأَذَّى بِرَائِحَةِ الْحِنَّاءِ الْمُخَضِّبِ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَضْرِبُهَا فِيهَا
وَفِي بَابِ النَّفَقَاتِ مَا يَجُوزُ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالُوا وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَ الزَّوْجَ فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ يَأْمُرُهَا بِهِ اهـ.
وَفِيهَا مِنْ آخِرِ الْجِنَايَاتِ: ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ يُعَزَّرُ الزَّوْجُ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِيهِ وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ حَدِيثًا «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ» وَحَدِيثًا آخَرَ «أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَشْكُوَ زَوْجَهَا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(كِتَابُ الرَّضَاعِ)
لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ أَيْ غَالِبًا وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ إجْمَالًا وَذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ ثُمَّ قِيلَ كِتَابُ الرَّضَاعِ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوِّجَهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَائِلِ مُصَنَّفَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَصُّ الثَّدْيِ مُطْلَقًا، وَفِي الْمِصْبَاحِ رَضِعَ الصَّبِيُّ رَضَعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَرَضَعَ رَضْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ لِأَهْلِ تِهَامَةَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَكَلَّمُونَ بِهَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَصْلُ الْمَصْدَرِ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِنَّمَا السُّكُونُ تَخْفِيفٌ مِثْلُ الْحَلِفِ، وَالْحَلْفِ وَرَضَعَ يَرْضَعُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَرْضَعْته أُمُّهُ فَارْتَضَعَ فَهِيَ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ أَيْضًا وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ إنْ قُصِدَ حَقِيقَةُ الْوَصْفِ بِالْإِرْضَاعِ فَمُرْضِعٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَإِنْ قُصِدَ مَجَازُ الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِرْضَاعِ فِيمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ فَبِالْهَاءِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وَنِسَاءٌ مَرَاضِعُ وَمَرَاضِيعُ وَرَاضَعَتْهُ مُرَاضَعَةً وَرِضَاعًا بِالْكَسْرِ وَهُوَ رَضَعِيٌّ بِالْكَسْرِ وَرَضِيعِيٌّ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ رَضِعَ مِنْ بَابِ سَمِعَ وَضَرَبَ وَكَرُمَ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الضَّادِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ كَمَا يَجُوزُ فِي الضَّادِ مِنْ مَصْدَرِهِ الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ، وَالسُّكُونُ وَكَمَا يَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ، وَالضَّمُّ لَكِنْ الضَّمُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
بِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: كَوْنُ الْحَقِّ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ أَمَّا بَعْدَهُ فَاعْتَبَرَهُ الْمَشَايِخُ إسْقَاطًا عَنْهُ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَقَّ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَأَسْقَطَتْهُ لِمُعَيَّنَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا. . . إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ حَقُّهَا فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ فِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ مِنْ تَعْلِيلِ صِحَّةِ رُجُوعِهَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِضَرَّتِهَا بِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَتَدَبَّرْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَالُوهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَمَنْ أَفْتَى بِجَوَازِ أَخْذِ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا عُرْفَ هُنَا وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا يَقُولُ بِالْمَنْعِ هُنَا بِالْأَوْلَى تَدَبَّرْ.