البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط دار الكتاب الإسلامي

[كِتَابُ الرَّضَاعِ]

(3/237)


بِمَعْنَى أَنْ يَرْضَعَ مَعَهُ آخَرُ كَالْمُرَاضَعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا أَفَادَهُ (قَوْلُهُ: هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْآتِيَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِإِيجَارِ هَذَا اللَّبَنِ صَبِيًّا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَصُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصِّ، وَالصَّبِّ، وَالسَّعُوطِ، وَالْوَجُورِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَجَ بِالْآدَمِيَّةِ الرَّجُلُ، وَالْبَهِيمَةُ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْبِكْرَ، وَالثَّيِّبَ، وَالْحَيَّةَ، وَالْمَيِّتَةَ وَقَيَّدْنَا بِالْفَمِ، وَالْأَنْفِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا وَصَلَ بِالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ، وَالْإِحْلِيلِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْآمَّةِ وَبِالْحُقْنَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْوُصُولِ لَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعٍ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
وَفِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ تَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَدْيِي لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَقَلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ أَرْضَعَهَا وَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ وَلَا يَشْهَدْ لَهُ بِذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا اهـ
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا فَعَلْنَ فَلْيَحْفَظْنَ أَوْ لِيَكْتُبْنَ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ صَبِيًّا مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَتْ هَلَاكَ الرَّضِيعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهَا عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ إحْيَاءً لِلنَّفْسِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُدْخِلَ وَلَدَهُ إلَى الْحَمْقَاءِ لِتُرْضِعَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لَبَنِ الْحَمْقَاءِ» ، وَقَالَ: «اللَّبَنُ يُعْدِي» وَإِنَّمَا نَهَى لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْحَمْقَاءِ يُعَرِّضُ وَلَدَهُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ قِلَّةِ حِفْظِهَا لَهُ وَتَعَهُّدِهَا أَوْ لِسُوءِ الْأَدَبِ فَإِنَّهَا لَا تُحْسِنُ تَأْدِيبَهُ فَيَنْشَأُ الْوَلَدُ سَيِّئَ الْأَدَبِ وَقَوْلُهُ: «اللَّبَنُ يُعْدِي» يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْقَاءَ لَا تَحْتَمِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ لِلْوَلَدِ فَيُؤَثِّرُ فِي لَبَنِهَا فَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْمُرْضِعَةَ بِالِاحْتِمَاءِ عَنْ أَشْيَاءَ تُورِثُ بِالصَّبِيِّ عِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا اتَّفَقَ اتِّفَاقٌ لَا يُضَافُ إلَى الْعَدْوَى كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُسَافِرُوا، وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ فَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ فَإِنَّمَا نَهْي عَنْهُ لِئَلَّا يَتَّفِقَ اتِّفَاقٌ فَيُنْسَبَ إلَى كَوْنِ الْقَمَرِ فِي الْعَقْرَبِ فَيَكُونُ إيمَانًا بِالنُّجُومِ وَتَكْذِيبًا لِلْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي النَّهْيِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ مُنْتَقِضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمَصُّ وَلَا رَضَاعَ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ وَيَنْتَفِي الْمَصُّ فِي الْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ وَلَمْ يَنْتِفْ الرَّضَاعُ، وَالثَّدْيُ مُذَكَّرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ هُوَ الثَّدْيُ وَهِيَ الثَّدْيُ، وَالْجَمْعُ أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَأَصْلُهَا أَفْعَلُ وَفُعُولُ مِثْلُ أَفْلُسَ وَفُلُوسٍ وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى ثِدَاءٍ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَحُرِّمَ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا مَا حُرِّمَ مِنْهُ بِالنَّسَبِ) أَيْ حُرِّمَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا حُرِّمَ بِسَبَبِ النَّسَبِ قَرَابَةً وَصِهْرِيَّةً فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ تُعْتَبَرُ بِحُرْمَةِ النَّسَبِ فَشَمِلَ حَلِيلَةَ الِابْنِ، وَالْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا حَرَامٌ بِسَبَبِ النَّسَبِ فَكَذَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ زَنَى بِامْرَأَةٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ اهـ.
وَلِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» وَمَا دَلَّ عَلَى التَّقْدِيرِ فَمَنْسُوخٌ صَرَّحَ بِنَسْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ) أَيْ ذَكَرَ الْمَصَّ (قَوْلُهُ: لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ) أَمَّا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصِّ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْمَنْفَذَيْنِ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ فَلَا نَقْضَ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ مَصِّ اللَّبَنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوَصَلَ أَمْ لَا لِلتَّلَازُمِ الْعَادِيِّ بَيْنَ الْمَصِّ، وَالْوُصُولِ لُغَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ وَمَصَصْته كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْته شُرْبًا رَفِيقًا كَامْتَصَصْتُهُ اهـ.
وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ وَأَمَّا الْوَجُورُ، وَالسَّعُوطُ فَمُلْحَقَانِ بِالْمَصِّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ خَصَّهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ.

(3/238)


الرَّضْعَةُ لَا تُحَرِّمُ فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ، وَالرَّضَاعُ، وَإِنْ قَلَّ يَحْصُلُ بِهِ نَشْوٌ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الرَّضَاعُ مُطْلَقًا مَظِنَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّغِيرِ وَفَسَّرَ الْقَلِيلَ فِي الْيَنَابِيعِ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِينَ لِأَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَهَا لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ بِالطَّعَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا بَعْدَهُ فَخِلَافُ الْمُعْتَمَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ بِجَعْلِ الْمُدَّةِ ظَرْفًا لِلْمُحَرَّمَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَبِ بَلْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ دِيَانَةً بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَهُمَا مَحْمَلُ ذِكْرِ الْحَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ: مَا مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَمُرَادُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُقَلِّدِ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي الدَّلِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْخَانِيَّةِ وَلَكِنْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ: فَإِنْ خَالَفَاهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ التَّمَامِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] فَإِنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِالتَّرَاضِي، وَالتَّشَاوُرِ وَبَعْدَهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ ضَيَاعِ الْقَيْدَيْنِ حِينَئِذٍ
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَامَ الْمُنْقَصُ فِي الْحَمْلِ فَبَقِيَ الْفِصَالُ عَلَى حَالِهِ فَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثِينَ لَهُمَا لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْعَامَانِ لِلْفِصَالِ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَتِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي، قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ لِلَّبَنِ الْبِنْتُ أَيْ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِ بِنْتٍ مُرْضَعَةٍ نَفْعًا لِوَجَعِ الْعَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مُتَعَذِّرٌ فَالْمُرَادُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الْمَنْعِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَصْلُهُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَتِهِ عَلَى فِطَامِ وَلَدِهَا مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ الْفِطَامُ كَمَا لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ عَلَى الْفِطَامِ قَبْلَهُمَا لِأَنَّ لَهَا حَقَّ التَّرْبِيَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ هِيَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالرَّضَاعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ حَتَّى إذَا أُرْضِعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى دَارِنَا ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ فِيمَا بَيْنَهُمْ اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ) يَعْنِي فَإِنَّهُمَا يَحِلَّانِ مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ النَّسَبِ أَطْلَقَ الْمُضَافَ، وَالْمُضَافَ إلَيْهِ فَفِي أُمِّ أُخْتِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى الْأُمُّ رَضَاعًا، وَالْأُخْتُ نَسَبًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أُخْتَهُ نَسَبًا وَلَمْ تُرْضِعْهُ، الثَّانِيَةُ: عَكْسُهُ أَنْ يَكُونَ لِأُخْتِهِ رَضَاعًا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَا رَضَاعًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا وَصَبِيَّةً وَلِهَذِهِ الصَّبِيَّةُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ تُرْضِعْ الصَّبِيَّ، وَفِي أُخْتِ ابْنِهِ ثَلَاثٌ أَيْضًا فَالْأُولَى أَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ رَضَاعًا فَقَطْ بِأَنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا الِابْنِ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ ارْتَضَعَا عَلَى غَيْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ رَضَاعًا فَقَطْ وَلَهُ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3/239)


وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَا رَضَاعًا وَمُرَادُهُ مِنْ الِابْنِ الْوَلَدُ فَيَشْمَلُ الْبِنْتَ، وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إنْ أُرِيدَ بِالْأُمِّ الْأُمُّ رَضَاعًا وَبِالْأُخْتِ الْأُخْتُ رَضَاعًا لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ بِطَرِيقِ الرَّضَاعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأُمِّ الْأُمُّ نَسَبًا وَبِالْأُخْتِ الْأُخْتُ رَضَاعًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قُلْنَا الْمُرَادُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِطَرِيقِ الرَّضَاعِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّبَبَ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهَا فِي التَّحْرِيمِ مِنْ الرَّضَاعِ وُجُودُ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمِ فِي النَّسَبِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي هَذَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ أُخْتَ ابْنِهِ نَسَبًا إنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا بِنْتَه أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الرَّضَاعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ الِانْتِفَاءُ فِي صُوَرٍ أُخْرَى فَزَادَ عَلَى الصُّورَتَيْنِ فِي الْوِقَايَةِ أَرْبَعَةٌ: أُمُّ عَمِّهِ، وَعَمَّتُهُ، وَأُمُّ خَالِهِ، وَخَالَتُهُ لِأَنَّ أُمَّ هَؤُلَاءِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ، وَفِي شَرْحِهَا وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا اهـ.
يَعْنِي: مِنْ اعْتِبَارِ الرَّضَاعِ فِي الْمُضَافِ فَقَطْ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا وَزَادَ الشَّارِحُونَ صُوَرًا أُخْرَى الْأُولَى أُمُّ حَفَدَتِهِ رَضَاعًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ حَفَدَ حَفَدًا خَدَمَ فَهُوَ حَافِدٌ، وَالْجَمْعُ حَفَدَةٌ مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَعْوَانِ حَفَدَةٌ وَقِيلَ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَفَدَةٌ لِأَنَّهُمْ كَالْخُدَّامِ فِي الصِّغَرِ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ
، وَالثَّانِيَةُ جَدَّةُ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَذِهِ الْأُمِّ بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ أُمُّ امْرَأَتِهِ، الثَّالِثَةُ: عَمَّةُ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ كَانَ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أُخْتٌ فَلِأَبِ الرَّضِيعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا خَالَةَ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا لِأَنَّهَا أُخْتُ زَوْجَتِهِ الرَّابِعَةُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِأَبِي أَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ بِأَخِي وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَبِي حَفَدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِخَالِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الرَّضَاعِ فِي الْمُضَافِ فَقَطْ أَوْ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَأَفَادَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نَيِّفًا وَسِتِّينَ مَسْأَلَةً لَيْسَ هَذَا الْمُخْتَصَرُ مَوْضِعُ ذِكْرِهَا وَأَحَالَ إلَى الذِّهْنِ فِي حِلِّ بَعْضِهَا وَتَبِعَهُ فِي الْإِضْرَابِ عَنْ حِلِّهَا الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ وَأَقُولُ: فِي بَيَانِ حِلِّهَا إنَّ مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً لِأَنَّ لِأُمِّ أَخِيهِ بِتَذْكِيرِ الْأَخِ وَبِتَأْنِيثِ الْأُخْتِ صُورَتَيْنِ لِجَوَازِ إضَافَةِ الْأُمِّ إلَى الْأَخِ، وَالْأُخْتِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَلِأُخْتِ ابْنِهِ بِتَذْكِيرِ الِابْنِ وَتَأْنِيثِ الْبِنْتِ صُورَتَيْنِ لِجَوَازِ إضَافَةِ الْأُخْتِ إلَى الِابْنِ، وَالْبِنْتِ وَبِالِاعْتِبَارَاتِ سِتَّةٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ صُورَتَانِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَوْ مَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ أَخِيهِ يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِأَبِي أَخِيهَا فِيهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي أُمَّ عَمِّهِ وَعَمَّتَهُ وَأُمَّ خَالِهِ وَخَالَتَهُ فَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً أَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ اثْنَا عَشَرَ وَلِكُلٍّ مِنْهَا صُورَتَانِ
أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ عَمِّ وَلَدِهِ رَضَاعًا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِأَبِي عَمِّ وَلَدِهَا رَضَاعًا إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ أَعْنِي أُمَّ حَفَدَتِهِ وَجَدَّةَ وَلَدِهِ وَعَمَّةَ وَلَدِهِ فَهِيَ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ تِسْعَةٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا صُورَتَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ حَفَدَتِهِ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِأَبِي حَفَدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهَا عَمُّ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا لَهَا لِأَنَّهُ أَخُو زَوْجِهَا وَلَكِنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ لِأَنَّ بَدَلَهُ خَالُ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ جَائِزٌ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3/240)


مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَخُوهَا فَصَارَتْ الثَّلَاثَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَصَارَ الْكُلُّ سِتًّا وَسِتِّينَ صُورَةً فَالْمُرَادُ بِالنَّيِّفِ فِي كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ سِتٌّ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ تَأَمَّلْت بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ إذَا عَرَفْت مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى فَفَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْمِيَةِ صُورَتَيْنِ الْأُولَى بِنْتُ أُخْتِ وَلَدِهِ حَلَالٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا إمَّا بِنْتُ بِنْتِهِ أَوْ بِنْتُ رَبِيبَتِهِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ مُضَافَةً إلَى الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبِنْتِ أُخْتٍ، وَالِدِهِ رَضَاعًا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتٍ وَلَدِهَا رَضَاعًا فَصَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ الثَّانِيَةُ بِنْتُ عَمَّةِ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ
وَفِيهَا الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ عَمَّةِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ بِنْتِهَا أَوْ ابْنَ بِنْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِحَلِيلَةِ جَدِّهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا فَصَارَتْ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ إحْدَى وَثَمَانِينَ مَسْأَلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَكِنْ صِحَّةُ اتِّصَالٍ مِنْ الرَّضَاعِ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ وَحْدَهُ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَحْدَهُ وَبِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ حَالًا مِنْهُ لِأَنَّ الْأُمَّ مَعْرِفَةٌ فَيَجِيءُ الْمَجْرُورُ حَالًا مِنْهُ لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ أَعْنِي أُمَّ أُخْتِهِ بِخِلَافِ أُخْتِهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مُسَوِّغَاتِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي أُخْتِ ابْنِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ حَكَى الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ جَوَازَ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِلَا مُسَوِّغٍ مِنْ الْمُسَوِّغَاتِ الثَّلَاثَةِ نَحْوُ ضَرَبْت غُلَامَ هِنْدٍ جَالِسَةً وَنُوزِعَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ فِي دَعْوَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ، وَالظَّرْفَ إذَا وَقَعَا بَعْدَ نَكِرَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا صِفَتَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت طَائِرًا فَوْقَ غُصْنٍ أَوْ عَلَى غُصْنٍ وَإِذَا وَقَعَا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا حَالَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت الْهِلَالَ بَيْنَ السَّحَابِ أَوْ فِي الْأُفُقِ وَمُحْتَمِلَانِ فِي نَحْوِ يُعْجِبُنِي الزَّهْرُ فِي أَكْمَامِهِ، وَالثَّمَرُ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْجِنْسِيَّ كَالنَّكِرَةِ، وَفِي نَحْوِ: هَذَا ثَمَرٌ يَانِعٌ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ كَالْمَعْرِفَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ هُنَا كَالتَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ فَيَجُوزُ إعْرَابُهُ صِفَةً وَحَالًا وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ لَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الظَّرْفَ، وَالْمَجْرُورَ يَجِبُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَحْذُوفٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا وُقُوعُهُمَا حَالًا أَوْ صِفَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ كَائِنَةً مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْخَالِ لَا تَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَقَالَ الشَّارِحُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ اهـ.
وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ بَلْ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ أَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ الرَّضَاعِ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمُّ نَسَبٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَ بَدَلَهُ ابْنَ خَالَةِ وَلَدِهَا حَتَّى لَا يُنْتَقَصَ الْعَدَدُ كَمَا فَرَضَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي عَمَّ وَلَدِهَا حَيْثُ فَرَضَ بَدَلَهُ خَالَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُ وَصْفًا لَهُ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ يَعْنِي لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ هُوَ صَاحِبُ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْحَالِ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يُحَرَّمُ إذْ لَا مُحْوِجَ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ قَدْ خَفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ

(3/241)


لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَغَفَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ فَقَطْ أَعْنِي الْأُمَّ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ نَسَبًا فَأَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جَدَّتُهُ وَلَا مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَفَلَ عَنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ يَتَّصِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمٌّ رَضَاعًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا لِمَا قُلْنَاهُ وَهَاهُنَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ رَضَاعًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ رَضَاعًا وَلَا شَكَّ فِي حِلِّ أُمِّهِمَا لِمَا قُلْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْأَبِ بِإِرْضَاعٍ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِلَّا لَا تَحِلُّ أُمُّهُمَا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ كَلَامَ الْغَايَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَخَلَّ بِهَذَا الْقَيْدِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ نَسَبًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ نَسَبًا لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَرَّرَتْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِ شَارِحِ الْوِقَايَةِ وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَعَدَمُ صِحَّةِ تَقْسِيمِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ لِإِسْقَاطِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ
قُلْت لَمْ يَلْزَمَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ عَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِاتِّصَالِهِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ صُورَتَانِ فِي صُورَةٍ لَا تَحِلُّ الْأُمُّ، وَفِي صُورَةٍ تَحِلُّ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تَحِلُّ تَصْحِيحًا وَتَوْفِيقًا وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا الْإِخْرَاجُ تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ أَعْنِي «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ أَحَالَ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ تَحْرِيمِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتِ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ فَمَا كَانَ مِنْ مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَحَقِّقًا مِنْ الرَّضَاعِ حَرُمَ فِيهِ، وَالْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مُسَمَّى تِلْكَ فَكَيْفَ تَكُونُ مُخَصَّصَةً وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاوَلَةٍ وَلِذَا إذَا خَلَا تَنَاوَلَ الِاسْمُ فِي النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقَتْ مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا أَعْنِي قَوْلَهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إلَى آخِرِهِ اهـ.
وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاسْتِثْنَاءُ أُخْتِ ابْنِ الرَّجُلِ وَأُمِّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ اهـ. لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعِ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ.

(قَوْلُهُ: زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) بَيَانٌ لِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَبًا لَهُ لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْطُوءَةُ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْ رَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَلَيْسَ الزَّوْجُ قَيْدًا فِي كَلَامِهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ فَمِنْهَا أَوْلَى فَلَا تَتَزَوَّجُ الصَّغِيرَةُ أَبَا الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُ جَدُّهَا لِأُمِّهَا وَلَا أَخَاهَا لِأَنَّهُ خَالُهَا وَلَا عَمَّهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أَخِيهِ وَلَا خَالَهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أُخْتِهِ وَلَا أَبْنَاءَهَا، وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهُمْ إخْوَتُهَا لِأُمِّهَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ رَضَاعًا مِنْ الْأَبِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَبَنُهَا مِنْهُ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ لِآخَرَ قَبْلَهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّهَا رَبِيبَةٌ لِلثَّانِي بِنْتٌ لِلْأَوَّلِ فَيَحِلُّ تَزَوُّجُهَا بِأَبْنَاءِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ صَبِيًّا حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبَنَاتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرْضِعَةَ إنْ كَانَتْ أُمَّ الْعَمِّ أَوْ الْخَالِ فَعَدَمُ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِالْأُمِّ النَّسَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ هُنَا لِكَوْنِهَا جَدَّتَهُ رَضَاعًا وَمَوْطُوءَةَ جَدِّهِ أَيْ جَدِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَجْنَبِيَّةً فَالْأُمُّ النَّسَبِيَّةُ لَيْسَتْ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَعَلَى كُلٍّ فَالتَّرْدِيدُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُرْمَتَهُمَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ) فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أُخْتَ ابْنِ الرَّجُلِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَتْ أُخْتًا لِأُمٍّ فَتَكُونُ رَبِيبَتَهُ بِخِلَافِهَا شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ وَأُمُّ أَخِيهِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأَبٍ فَإِنَّ أُمَّهُ حِينَئِذٍ امْرَأَةُ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّهِ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمٌّ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.

(3/242)


مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا كَانَ وَلَدًا لِلثَّانِي اتِّفَاقًا وَإِذَا حَبَلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَزَلَ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ وَأَرْضَعَتْ بِهِ وَلَدًا لَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَبًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنُهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّ لِابْنِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا كَانَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَوْلَادِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ لَبَنَ الزِّنَا لَيْسَ كَالْحَلَالِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً يَجُوزُ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ فُرُوعَ الْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ عَلَى الزَّانِي وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُرْمَتَهَا عَلَى الزَّانِي: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا مِنْ النَّسَبِ عَلَيْهِ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ) قَدْ قَدَّمَ أَنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَيْسَ قَيْدًا فَلَا يُفِيدُ مَا ذُكِرَ فَالْأَوْلَى التَّنْبِيهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةَ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ كَذَا فِي الشرنبلالية، وَقَدْ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا نُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا) فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَنَصُّهُ: لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ اهـ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ اهـ.
بَلْ كَلَامُ الْوَبَرِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ الْآتِي وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَعَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْوَبَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ الْوَجْهُ لِإِحْدَاهُمَا لَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْجَهُ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَظُهُورِ الْوَجْهِ لِإِحْدَاهُمَا وَكَأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ لَوْ أَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي يَقْتَضِي خِلَافَ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. . . إلَخْ) أَيْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْيِيدِ السَّابِقِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ لِلْحُرْمَةِ بِالْبَعْضِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي

(3/243)


فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمِ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَالْخَالِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمِرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ قَالَ: وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ بِالزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَثْبُتُ فِي الزِّنَا، وَالْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَبَرِيُّ والإسبيجابي وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَتَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: رَجُلٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَغِيرَةً لَا يَجُوزُ لَهَا الزَّانِي وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ نِكَاحُ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَذَكَر فِي الدَّعْوَى رَجُلٌ قَالَ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ أُمِّهِ عَتَقَ الْمَمْلُوكُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ.
وَإِنَّمَا تَمَسَّك بِمَسْأَلَةِ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبَلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ يَثْبُتُ مِنْ الرَّضَاعِ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الزِّنَا كَالْحَلَالِ لَبَنٌ حَدَثَ مِنْ حَمْلِ رَجُلٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ يُقَالُ لَا مِنْ زِنًا
(قَوْلُهُ: وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا) يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا الْأَخِ أُخْتٌ رَضَاعِيَّةٌ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ أُخْتٌ نَسَبِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَنَسَبًا) أَيْ تَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ نَسَبًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَقَوْلُهُ: نَسَبًا مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَتَّصِلُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ فِيمَا قَبْلَهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ) أَيْ بَيْنَ مَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الِارْتِضَاعِ مِنْ ثَدْيِ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَهُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَبِيَّةً فَهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ رَضَاعًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ مُرْضَعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا) ، وَالْمُرْضَعَةُ الْأُولَى بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَالثَّانِيَةُ بِكَسْرِهَا أَيْ لَا حِلَّ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ الْمُرْضَعَةِ، وَوَلَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُمَا لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا مَعَ الْمُرْضَعَةِ أَوْ كَانَ سَابِقًا لِسِنٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا بِأَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ بِسِنِينَ وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَ الْمُرْضَعَةِ لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَلَا وَلَدَ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْأَخِ، وَفِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ كَانَتْ أُمُّ الْبَنَاتِ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنِينَ وَأُمُّ الْبَنِينَ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ الْمُرْتَضَعِ مِنْ أُمِّ الْبَنَاتِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَكَانَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بَنَاتِ الْأُخْرَى إلَّا الِابْنَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُمْ وَحْدَهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ عَمَّا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا اهـ.
قُلْت وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: إنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ) أَيْ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ أَمَّا حُرْمَةُ تِلْكَ الرَّضِيعَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ بَلْ لِكَوْنِهَا بِنْتَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلِمْت مَا فِيهِ، وَجَعْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ مُفِيدٌ لِحَمْلِهِ الْأَوْجَهِيَّةَ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى الرِّوَايَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ) أَيْ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ.

(قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) قَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِمَا يَأْتِي مَعَ مَا فِيهِ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا اتِّحَادَ لِلْوَقْتِ ضَرُورَةً فَكَانَ الصَّوَابُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا) اسْمُ الْكَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَرَضِيعًا خَبَرُهُ وَمَفْعُولُ أَرْضَعَتْ مَحْذُوفٌ أَيْ أَرْضَعَتْ الْمُرْضِعَةُ وَقَوْلُهُ: مَعَ الْمُرْضِعَةِ مُتَعَلِّقٌ ب رَضِيعًا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ أَصْلًا لِئَلَّا يُوهِمَ اشْتِرَاطُ رَضَاعِهَا وَلَدَهَا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مِنْ أَيْنَ يُوهِمُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ

(3/244)


الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَذَكَرَ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَهُوَ الثَّدْيُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ لَوْ انْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يُحَرِّمُ) أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّبَنِ غَالِبًا بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مَطْبُوخًا أَوْ لَا لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ، وَاللَّبَنَ تَابِعٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّغَذِّي وَهُوَ مَنَاطُ التَّحْرِيمِ وَلِأَنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ وَقَالَا إنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا اتِّفَاقًا وَيَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ الْخُبْزُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِذَا حَسَاهُ حَسْوًا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَالْحَقُّ أَنَّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَى الْأُولَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَوَضْعُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَكْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ: حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوطًا لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ إذَا جُبِّنَ وَأُطْعِمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ وَلَفْظُهُ وَلَوْ جَعَلَ اللَّبَنَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَلِذَا لَا يَنْبُتُ اللَّحْمُ وَلَا يَنْشُرُ الْعَظْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِمَا ذُكِرَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ كَذَا فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الدَّوَاءُ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ رَضَاعًا اهـ.
وَمِثْلُ الدَّوَاءِ الدُّهْنُ أَوْ النَّبِيذُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ أُسْعِطَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الشَّاةِ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَانَ كَالْمَاءِ وَلَوْ اسْتَوَيَا وَجَبَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلِكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعَلَّقَ بِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَغْلُوبٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ غَالِبًا حَنِثَ اتِّفَاقًا وَلَوْ اسْتَوَيَا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا.

(قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ، وَالْمَيِّتَةِ يُحَرَّمُ) أَيْ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَمَّا لَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الْبِكْرُ صَبِيًّا صَارَتْ أُمًّا لِلصَّبِيِّ وَتَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ الْبِكْرُ رَجُلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّبِيَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا وَأَطْلَقَ فِي لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِبَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَيَشْرَبَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ حَلَبَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حَلَّ لِزَوْجِ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْآنَ دَفْنُ الْمَيِّتَةِ وَتَيَمُّمُهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرَّضِيعَةِ وَبِنْتِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ
وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَوَلَدِهَا إذْ الْمُرْضَعَةُ أُخْتٌ لِوَلَدِهَا رَضَاعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَا وَبِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى بِالثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقُ وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ خَلْطٌ فَاجْتَنِبْهُ اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ.

(3/245)


فَتْحِ الْقَدِيرِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لَمَّا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ وَهُمَا، وَإِنْ قَالَا بِنَجَاسَتِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ تَثْبُتُ وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي، وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَا الِاحْتِقَانُ) أَيْ الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ، وَالْأُذُنِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْآمَّةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الصَّوَابُ حُقِنَ إذَا عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كردن فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالنِّهَايَةِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ تَعْدِيَةَ الِافْتِعَالِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ إذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ، وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ، وَالظَّرْفِ كَجُلِسَ فِي الدَّارِ وَمُرَّ بِزَيْدٍ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ، وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ حَقَنْت الْمَرِيضَ إذَا أَوْصَلْت الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بِالْمِحْقَنَةِ وَاحْتَقَنَ هُوَ، وَالِاسْمُ الْحُقْنَةُ مِثْلُ الْغُرْفَةِ مِنْ الِاغْتِرَافِ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُتَدَاوَى بِهِ، وَالْجَمْعُ حُقَنٌ مِثْلُ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الرَّجُلِ) أَيْ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ تُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِلْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ:، وَالشَّاةُ) أَيْ لَبَنُ الشَّاةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ حَتَّى لَوْ ارْتَضَعَ صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ عَلَى لَبَنِ شَاةٍ فَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْوَجُورَ، وَالسَّعُوطَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِمَا ذُكِرَ مَا عَدَا الْإِقْطَارَ فِي الْإِحْلِيلِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَالْوَجُورُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ وَيُقَالُ: أَوْجَرْته وَوَجَرْته، وَالسَّعُوطُ: صَبُّهُ فِي الْأَنْفِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ، وَالسَّعُوطُ مِثَالُ رَسُولٍ دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَالسَّعُوطُ مِثْلُ قُعُودٍ مَصْدَرٌ وَأَسْعَطَهُ الدَّوَاءُ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَاسْتَعَطَ زَيْدٌ، وَالْمُسْعَطُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْوِعَاءُ يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ وَإِنَّمَا ضُمَّتْ الْمِيمُ لِيُوَافِقَ الْأَبْنِيَةَ الْغَالِبَةَ مِثْلُ فَعْلَلٌّ وَلَوْ كُسِّرَتْ أَدَّى إلَى بِنَاءٍ مَفْقُودٍ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعَلُ وَلَا فَعْلَلٌّ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ وَضَمِّ الثَّالِثِ اهـ.
وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نَصِيحَتَهُ حَتَّى اسْتَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ ثَدْيِ لَبَنِ شَاةٍ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ حُرِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ» ، وَقَدْ أَخْطَأَ لِفَوَاتِ الرَّأْيِ وَهَوَائِهِ لَمْ يَتَأَمَّلْ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَمَنْ لَمْ يَدُقَّ نَظَرُهُ فِي مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَحُكْمِهَا كَثُرَ خَطَؤُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَمَوْلِدُهُ مَوْلِدُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا مَعًا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: حَقَنَهُ كردن) أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فكردن مَصْدَرٌ مَاضِيه كرد وَمُضَارِعُهُ كند وَاسْمُ فَاعِلِهِ كرده وَاسْمُ الْمَفْعُولِ كننده فَالْأَوَّلُ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَالرَّابِعُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وكردن بِمَعْنَى فِعْلًا فَحَقَنَهُ كردن بِمَعْنَى فَعَلَ الْحُقْنَةَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ مَقْلُوبَةٌ كَذَا أَفَادَنِيهِ بَعْضُ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ مِحْقَنَةٌ كردن وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نُسْخَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَقَنَهُ كردن كَمَا مَرَّ أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فَفِي كَوْنِهِ غَلَطًا نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الِاحْتِقَانِ بِفِعْلِ الْحُقْنَةِ تَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَمَا لَوْ فَسَّرْت الِاغْتِسَالَ بِفِعْلِ الْغُسْلِ.

[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ) أَيْ بِالِاحْتِقَانِ وَلَبَنِ الرَّجُلِ، وَالشَّاةِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا الِاحْتِقَانُ فَيَقُولُ قَيَّدَ بِهِ. . إلَخْ إذْ لَا مَدْخَلَ فِي ذَلِكَ

(3/246)


لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ زَوْجِهَا حَرُمَتَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَفَسَدَ نِكَاحُهُمَا وَلَمْ يَنْفَسِخْ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ أَنَّ الِانْفِسَاخَ غَيْرُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا النِّكَاحُ حَتَّى لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّزَوُّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ إلَّا بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْفَاسِدِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ الْمُتَارَكَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْمَدْخُولَةِ، وَفِي غَيْرِهَا يَكْتَفِي بِالْمُفَارَقَةِ بِالْأَبْدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا يُحَدُّ وَيَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَارَكَةٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ أُخْتَ الْكَبِيرَةِ وَأُمَّهَا وَبِنْتَهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ كَهِيَ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الثَّانِي وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ بِنْتِهَا فِي الثَّالِثِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا الْمُرْضِعَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْمُرْضِعَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ قَطُّ لِكَوْنِهَا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلَا الْكَبِيرَةُ لِكَوْنِهَا أُمَّ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَتَحِلُّ الصَّغِيرَةُ لِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا عَمَّةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ خَالَتُهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتَ خَالَتِهَا قَالَ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتِ خَالَتِهَا فِي النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبِينُ الْكَبِيرَةُ، وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أَوَّلًا لِكَوْنِهِمَا صَارَ أُمًّا وَبِنْتًا وَلَا تَبِينُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا آخِرًا لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا وَلَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أُمًّا وَبِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكَبِيرَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّ الصَّغِيرَتَيْنِ شَاءَ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ بِنَّ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا قَطُّ وَإِلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ، وَالْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ حَرُمَتَا عَلَيْهِ لِلْأُخْتِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِرْضَاعُ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ أَرْضَعَتْ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ
وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِأَنْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ وَأَلْقَمَتْ إحْدَى ثَدْيَيْهَا إحْدَاهُنَّ، وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى وَأَوْجَرَتْ الثَّلَاثَةَ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أَخَوَاتٍ مَعًا، وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ كُنَّ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ لِلُزُومِ الْجَمْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
اللَّبَنِ الرَّجُلُ، وَالشَّاةُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشُّرْبِ، وَالْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ تَأَمَّلْ.

[أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا]
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يُخَالِفُهُ بِدُونِ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ، وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي إمْكَانَ انْفِرَادِ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ عَنْ كَوْنِهَا مَدْخُولَةً وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مَدْخُولَةً اللَّهُمَّ إلَّا إنْ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِالزِّنَا بِهَا فَهُوَ مِنْهُ بِغَيْرِ دُخُولٍ فِي هَذَا النِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَبَنُهَا مِنْهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنَاهُ وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا. . . إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِنَا وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَبَنُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ اهـ. وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَبَنُهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا

(3/247)


بَيْنَ الْأُمَّيْنِ وَابْنَتَيْهِمَا وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَتَيْنِ فَالْكُبْرَى الْأُولَى مَعَ الصُّغْرَى الْأُولَى بَانَتَا مِنْهُ، وَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ لَمْ تَبِنْ بِإِرْضَاعِ الْكُبْرَى الْأُولَى، وَالْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ إنْ ابْتَدَأَتْ بِإِرْضَاعِ الصُّغْرَى الثَّانِيَةِ بَانَتَا مِنْهُ أَوْ بِالصُّغْرَى الْأُولَى فَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى صَارَتْ أُمًّا لَهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الصُّغْرَى الْأُولَى فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَلِابْنِهِ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ امْرَأَةُ الْأَبِ امْرَأَةَ الِابْنِ وَامْرَأَةُ الِابْنِ امْرَأَةَ الْأَبِ، وَاللَّبَنُ مِنْهُمَا فَقَدْ بَانَتْ الصَّغِيرَتَانِ وَنِكَاحُ الْكَبِيرَتَيْنِ ثَابِتٌ لِأَنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ صَارَتَا بِنْتَيْنِ لَهُمَا، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهِمَا فَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ دُونَ أُمِّهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُمَا أَخَوَيْنِ وَلَوْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَمْ تَبِنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَعَمُّهُ فَنِكَاحُ امْرَأَةِ الِابْنِ ثَابِتٌ وَتَبِينُ امْرَأَةُ الْعَمِّ الصَّغِيرَةُ مِنْهُ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الضَّرَّتَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُعْتَدَّتَهُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ طَلَقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْمُطْلَقَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتًا لَهَا فَحَصَلَ الْجَمْعُ فِي حَالِ الْعِدَّةِ، وَالْجَمْعُ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَالْجَمْعِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَلَقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَنَّ أُخْتَ الْمُعْتَدَّةِ أَرْضَعَتْ امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُطْلَقَةِ بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ حَالَةَ الْعِدَّةِ كَالْحُرْمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ اهـ.
وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَقْتَ إرْضَاعِهَا بَلْ وُجُودُهُ فِيمَا مَضَى كَافٍ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ مَنْكُوحَةٍ كَانَتْ لَهُ فَتُحَرَّمُ بِنِكَاحِ الْبِنْتِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْنُونَتَهُمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الِارْتِضَاعِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وُصُولُ لَبَنِ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ الصَّغِيرَةَ بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ وَيَغْرَمُ الرَّجُلُ لِلزَّوْجِ نِصْفَ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالتَّعَمُّدُ أَنْ يَرْضِعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الِارْتِضَاعِ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَاءَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ اهـ.
وَهَاهُنَا فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأُولَى فِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ صَبِيٍّ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَوَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَتْ إلَى الصَّبِيِّ فَأَرْضَعَتْهُ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ امْرَأَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لِهَذَا الزَّوْجِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ لَصَارَ الزَّوْجُ مُتَزَوِّجًا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
الثَّانِي فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ السَّيِّدِ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى مَوْلَاهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ ابْنًا لِلْمَوْلَى فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ وَحُرِّمَتْ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِهِ الثُّلُثُ فِي الْبَدَائِعِ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً كَبِيرَةً فَارْتَدَّتْ وَبَانَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَحَبَلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَ الَّذِي كَانَ تَزَوَّجَهَا حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَنْكُوحَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الرَّضَاعَ الطَّارِئَ عَلَى النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ وَضَرَّةُ الْمَرْأَةِ امْرَأَةُ زَوْجِهَا، وَالْجَمْعُ ضِرَّاتٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَسُمِعَ ضَرَائِرُ وَكَأَنَّهَا جَمْعُ ضَرِيرَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمُ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهَا نَظِيرٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ وَطِئَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بَانَتْ الصَّبِيَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَ الْمَوْطُوءَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَرِدَّتِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً كَانَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
لَكَانَ أَصْوَبَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ صَارَتَا بِنْتَيْنِ لَهُمَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ زَوْجَةُ الْأَبِ صَارَتْ بِنْتًا لِلِابْنِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ صَارَتْ بِنْتًا لِلْأَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَتَا رَبِيبَةً لَهُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبِيبَتَيْنِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُمَا أَخَوَيْنِ) أَيْ مَكَانَ الْأَبِ، وَالِابْنِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ إذْ الْكَلَامُ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْجَمْعِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تُحَرَّمُ هُنَا بَلْ الْكَبِيرَةُ فَقَطْ نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ لَا لِأَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَلْ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَقَدْ وُجِدَ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْنُونَتَهُمَا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَصَّ عَلَى الْوُصُولِ فَهَلَّا حَمَلَهُ هُنَا عَلَيْهِ أَيْضًا

(3/248)


نِصْفُ الْمَهْرِ لِانْتِفَاءِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا كَانَ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ إنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ
(قَوْلُهُ: وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا مِنْ قِبَلِهَا وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ ارْتَدَّ أَبَوَا صَغِيرَةٍ مَنْكُوحَةٍ وَلَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهَا أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وَجَدَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ مَحْظُورَةٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا وَإِضَافَةُ الْحُرْمَةِ إلَى رِدَّتِهَا التَّابِعَةِ لِرِدَّةِ أَبَوَيْهَا بِخِلَافِ الِارْتِضَاعِ لَا حَاظِرَ لَهُ فَيَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَبِينُ بِرِدَّةِ أَبَوَيْهَا وَإِنَّمَا بَانَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ بِشَرْطِ تَعَمُّدِهَا فَسَادَ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي كَحَافِرِ الْبِئْرِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا لَزِمَ الزَّوْجَ لِأَنَّ الزَّوْجَ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَلَا يُضَاعَفُ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ فِيمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَغِيرَتَيْنِ تَحْتَ رَجُلٍ، وَإِنْ تَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ لِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يُضَافُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ هُنَا لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ وَهُوَ يَقُومُ بِالْكَبِيرَةِ كَالْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَرْضَعَتَاهَا لِأَنَّ كُلًّا أَفْسَدَتْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ
وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِهِمْ الثَّانِيَةُ بِالْأُولَى وَحُرِّفَتْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَلْتُحْفَظْ وَتَعَمُّدُ الْفَاسِدِ لَهُ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ الثَّانِي أَنْ تُعْلَمَ بِالنِّكَاحِ الثَّالِثُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الرَّضَاعَ مُفْسِدٌ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَانَةً فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ مُتَيَقِّظَةً فَلَوْ ارْتَضَعَتْ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي بَاطِنِهَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا اهـ.
وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَاسِدِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِظُهُورِ كَذِبِهَا وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْجَهْلَ هُنَا لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ الَّذِي يَصِيرُ الْفِعْلُ بِهِ تَعَدِّيًا لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَكَمَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ عِنْدَ تَعَمُّدِهَا يَرْجِعُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَخَذَ ثَدْيَهَا وَجَعَلَهُ فِي فَمِ الصَّغِيرِ بِمَا لَزِمَ الزَّوْجَ وَهُوَ نِصْفُ صَدَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ) وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ حَيْثُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ حَيْثُ انْفَكَّتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْخَمْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْإِخْبَارَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي، وَالنِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الرَّضَاعِ وَكَمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ النِّكَاحِ وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِشَهَادَتِهِنَّ فَكَذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَكْذِيبِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ صَغِيرٌ وَصَغِيرَةٌ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ الرَّضَاعِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ حَقِيقَةً قَالُوا لَا بَأْسَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَإِنْ أَخْبَرَ عَدْلٌ ثِقَةٌ يُؤَثِّرُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَهُمَا كَبِيرَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَغِيرَتَيْنِ) أَيْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّتَيْنِ وَاحِدَةً مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ إذْ لَوْ أَرْضَعَتَا كُلًّا مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ كَانَ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّتَيْنِ، وَالْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَسَادِ (قَوْلُهُ: اللَّتَيْنِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَرْضَعَتَاهَا) صَوَابُهُ الصَّغِيرَتَيْنِ إذَا أَرْضَعَتَاهُمَا بِتَثْنِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ حُرِّفَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَوَقَعَ فِيهَا الْخَطَأُ وَذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتَانِ لَهُمَا مِنْهُ لَبَنٌ مَكَانَ قَوْلِنَا لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ) أَيْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ بِنْتًا لَهُ
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً) فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ، وَالشَّرْطِ الْخَامِسِ نَظَرٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا بِالْقَصْدِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ، وَالنَّائِمَةَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا تَعَمُّدُ

(3/249)


فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُفَارِقَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِالْمُفَارَقَةِ اهـ.
فَإِمَّا أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا رِوَايَةٌ وَإِمَّا يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ وَجَزَمَ الْبَزَّازِيُّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَوَّلِ وَقَعَ فِي الْجَوَازِ، وَفِي الثَّانِي فِي الْبُطْلَانِ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، وَفِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَتَشْهَدَ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْدَامَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى النِّكَاحِ صَارَ مُنَازِعًا لَهُمَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي حُدُوثَ الْمُفْسِدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُفْسِدِ فَصَارَ كَمَنْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادٍ مُقَارِنٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ
وَلَوْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادٍ طَارِئٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لِمَا قُلْنَا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي إخْبَارِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَكَذَا الْإِخْبَارُ بِرَضَاعٍ طَارٍ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ الطَّارِئِ بِأَنَّ هُنَا مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلزَّوْجِ فِيهَا ثَابِتٌ، وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لَا يَبْطُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ مِلْكَهُ فِيهَا وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْهُ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ عَلَى أُصُولِ الْمَنَارِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا أَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُعْطِيهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْأَفْضَلُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا كَمَالَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى
وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ الْمُسَمَّى وَلَا تَأْخُذُ النَّفَقَةَ وَلَا السُّكْنَى اهـ.
فَإِنْ قُلْت إذَا أَخْبَرَتْهُ بِالرَّضَاعِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يَتَنَزَّهُ يَعْنِي وَلَا تُحَرَّمُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الثُّبُوتِ لَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ أَنَا أَرْضَعْتهمَا فَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجَانِ أَوْ كَذَّبَاهَا أَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمَّا إذَا صَدَّقَاهَا ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَلَا مَهْرَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَذَّبَاهَا لَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ يُفَارِقُهَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ يُمْسِكُهَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَقِيَ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَحْلِفَ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنِّي أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ نَكَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَتْهَا الْمَرْأَةُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرٍ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى إقْرَارِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
وَإِنْ أَصَرَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَمْ تُصِرَّ عَلَى إقْرَارِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ وَلَمْ تُصِرَّ وَلَمْ تُكَذِّبْ نَفْسَهَا وَلَكِنَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ جَازَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ الْإِصْرَارِ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ إقْرَارِهَا، وَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ كُنْت أَقْرَرْت قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
الْفَسَادِ أَيْ قَصْدُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا يَحْمِلُ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ) وَفَّقَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَخْبَرَ ثِقَةٌ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مَعْنَاهُ يُفْتَى لَهُمْ بِذَلِكَ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَطَلَبُ الْحُكْمِ مِنْهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ النِّصَابِ التَّامِّ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَلَوْ قَامَتْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ دِينِيَّةٌ يُفْتَى لَهُ بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ تَرْكَ نِكَاحِ امْرَأَةٍ يَحِلُّ نِكَاحُهَا أَوْلَى مِنْ إنْكَاحِ امْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا (قَوْلُهُ: فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً قَالَ فِي كَرَاهِيَةِ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْكَارُ فَسَادِهِ فَثَبَتَ الْمُنَازِعُ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بَعْدُ وَهُوَ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَالطَّلَبَةُ عَنْهُ غَافِلُونَ لَكِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هُنَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ) أَيْ فِي بَحْثِ الْأَقْسَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالسِّنِينَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَنَارِ، وَالثُّلُثُ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا ثَابِتٌ بِالِاسْتِصْحَابِ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ

(3/250)


وَقَدْ قُلْت إنَّمَا أَقْرَرْت بِهِ حَقٌّ حِينَ أَقْرَرْت بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَقَالَ كُنْت أَقْرَرْت قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهَا أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَمَا قُلْته حَقٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَكَذَا هَذَا الْبَابُ فِي النَّسَبِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْغَلَطَ، وَالِاشْتِبَاهَ فِيهِ أَظْهَرُ فَإِنَّ سَبَبَ النَّسَبِ أَخْفَى مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا فِيمَنْ لَيْسَ لَهُمَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الْإِصْرَارِ هُنَا أَنْ يَقُولَ إنَّ مَا قُلْته حَقٌّ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْإِصْرَارِ، وَالثَّبَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ.
وَأَطْلَقْنَا الْمَرْأَتَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا هِيَ الْمُرْضِعَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي شَهَادَتِهِمَا كَوْنُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَةِ الْقَاسِمِ وَشَهَادَةِ الْوَزَّانِ، وَالْكَيَّالِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ حَاضِرًا كَمَا عُرِفَ فِي الْفَتَاوَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّضَاعَ إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ لِلْقَاضِي لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ هَذَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا اهـ.
وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَرْأَةِ الظَّاهِرُ عَدَمُهُ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِطَلَاقِهَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ الْفَرْجِ وَهِيَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلَانِ عَلَى إرْضَاعٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ مَعَهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا الثَّلَاثِ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(كِتَابُ الطَّلَاقِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا) تَمَامُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَتْ ذَلِكَ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ أَمَّا الزَّوْجُ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْتَفِي بِهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ، وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ مِنَحِ الْغَفَّارِ وَهَلْ يَكُونُ تَكْرَارُ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ثَبَاتًا كَانَتْ وَاقِعَةً الْفَتْوَى وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِيُّونَ فَمِنْ مُقْتَصِرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَنْقُولِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَلَا يَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَيَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَاتَّفَقَتْ فِي ذَلِكَ مَبَاحِثُ طَوِيلَةُ الذُّيُولِ وَآلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ عِبَارَاتِ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَرْضِهَا عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا الشَّافِعِيِّ إذْ ذَاكَ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَاهُ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَاهُ مَا نَصُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَمَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ، وَالدَّوَامِ، وَالْإِصْرَارِ وَاحِدٌ وَبِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَبِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولَ حَقٌّ حَقٌّ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ هُوَ صِدْقٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ صَحِيحٌ أَوْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ صِدْقٌ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا
قُلْت فَكَلَامُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هُوَ حَقٌّ وَكَمَا قُلْت كَمَا فَعَلَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَكَلَامُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ مُؤَوَّلٌ بِتَقْدِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِمَا قُلْنَا كَمَا أَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] .
وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الرَّبَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَلَيْسَ فِي مَنْطُوقِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالُوا بِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ السَّابِقِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إنَّهَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ بِهِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ.
كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا) أَيْ الْعَدْلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَوْ قَامَتْ عِنْدَ الْقَاضِي يَثْبُتُ الرَّضَاعُ فَكَذَا إذَا قَامَتْ عِنْدَهَا