رد
المحتار على الدر المختار بَابُ الْكَفَاءَةِ
مِنْ: كَافَأَهُ؛ إذَا سَاوَاهُ. وَالْمُرَادُ هُنَا مُسَاوَاةٌ
مَخْصُوصَةٌ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى (الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ)
فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لِلُزُومِهِ أَوْ لِصِحَّتِهِ (مِنْ جَانِبِهِ)
أَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ فِرَاشًا
لِلدَّنِيءِ وَلِذَا (لَا) تُعْتَبَرُ (مِنْ جَانِبِهَا) لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِالْقَبُولِ هُنَا كَمَا فِي إقْرَارِهِ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ، وَوَجْهُ
قَوْلِ الْإِمَامِ حَدِيثُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأَنَّهُ
إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَتَمَامُهُ فِي
الْبَدَائِعِ وَعَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ فِي مَسْأَلَةِ
الصَّغِيرَيْنِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْقَاعِدَةِ، عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ حَالَ بُلُوغِهِمَا فَلَا
يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ
الْقَاعِدَةِ (قَوْلُهُ مَلَكَ الْإِقْرَارِ بِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ
لِعَدَمِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ الْمَقَامِ لِأَنَّ
الْمَعْنَى مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ ط
(قَوْلُهُ وَلَهَا نَظَائِرُ) كَإِقْرَارِ الْوَصِيِّ بِالِاسْتِدَانَةِ
عَلَى الْيَتِيمِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ مَلَكَ إنْشَاءَ الِاسْتِدَانَةِ
بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ
بِعَيْنِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: أَعْتَقْته أَمْسِ وَقَدْ وَكَّلَهُ قَبْلَ
الْأَمْسِ لَا يَصْدُقُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِي
الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ مِنْ الْإِقْرَارِ
[فَرْعٌ هَلْ لِوَلِيِّ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ
وَاحِدَةٍ]
(قَوْلُهُ هَلْ لِوَلِيِّ مَجْنُونٍ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّبِيَّ فِي حُكْمِ مَنْ ذَكَرَ ط (قَوْلُهُ
وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْوَاحِدَةِ
نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ) أَيْ تَزْوِيجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ
[بَابُ الْكَفَاءَةِ]
لَمَّا كَانَتْ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ
الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا،
كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ
فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ
فِي الْكَفَاءَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى)
اعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَ
الْمَرْأَةِ أَدْنَى لَيْسَ بِكَفَاءَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مِنْ
جَانِبِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ (قَوْلُهُ الْكَفَاءَةُ
مُعْتَبَرَةٌ) قَالُوا مَعْنَاهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اللُّزُومِ عَلَى
الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى أَنَّ عِنْدَ عَدَمِهَا جَازَ لِلْوَلِيِّ
الْفَسْخُ. اهـ. فَتْحٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ
أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ، أَمَّا عَلَى
رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
فَالْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ فِي الصِّحَّةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ
الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً، وَالْعَاقِدُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَقَدْ
مَرَّ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ)
يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَاعْتِبَارُهَا عِنْدَ
ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إلَخْ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى
ذِكْرُهُ هُنَا (قَوْلُهُ لِلُزُومِهِ أَوْ لِصِحَّتِهِ) الْأَوَّلُ
بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ
الْحَسَنِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ اخْتِلَافَ
الْإِفْتَاءِ فِيهِمَا، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ
مِنْ جَانِبِهِ إلَخْ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُكَافِئًا
لَهَا فِي الْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ دُونَهَا فِيهَا،
وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِهَا بِأَنْ تَكُونَ مُكَافِئَةً لَهُ فِيهَا
بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دُونَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلِذَا لَا
تُعْتَبَرُ) تَعْلِيلٌ لِلْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيفَ لَا يَأْبَى
أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْرِشًا لِلدَّنِيئَةِ كَالْأَمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ
لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ عَارًا فِي حَقِّهِ بَلْ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ
النِّكَاحَ رِقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالزَّوْجُ مَالِكٌ.
[تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَوْ زَوَّجَ
الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ، وَمُقْتَضَاهُ
أَنَّ الْكَفَاءَةَ لِلزَّوْجِ مُعْتَبَرَةٌ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا أَنَّ
هَذَا فِي الزَّوْجِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَمَا
هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَبِيرِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ
آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ
اعْتِبَارُهَا فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ.
فَإِنَّ حَاصِلَهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ
كُفْءٍ لَزِمَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْ زَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ
لَا يَلْزَمُ
(3/84)
الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا تَغِيظُهُ
دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ وَهَذَا عِنْدَ الْكُلِّ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا فِي
الْخَبَّازِيَّةِ لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا هَذَا عِنْدَهُ
وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ فِي جَانِبِهَا أَيْضًا (وَ) الْكَفَاءَةُ (هِيَ
حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا) فَلَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا وَلَمْ تَعْلَمْ
فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ لَا خِيَارَ لَهَا بَلْ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَوْ
زَوَّجُوهَا بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ثُمَّ
عَلِمُوا لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ إلَّا إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَوْ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ جَانِبِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ
بِنَفْسِهِ مُكَافِئَةً لَهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَقَالَ
الْقُهُسْتَانِيُّ: الْكَفَاءَةُ لُغَةً: الْمُسَاوَاةُ وَشَرْعًا:
مُسَاوَاةُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِي الْأُمُورِ الْآتِيَةِ وَفِيهِ
إشْعَارٌ: بِأَنَّ نِكَاحَ الشَّرِيفِ الْوَضِيعَةَ لَازِمٌ فَلَا
اعْتِرَاضَ لِلْوَلِيِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ
لُزُومَهُ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ كَبِيرًا لَا إذَا
زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ صَغِيرًا، كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّوْجَةِ
إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَبِيرَةً فَثَبَتَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّغِيرَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَمَا
حَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ
لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ
ذِكْرِهِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ كَانَ حَقُّ
التَّرْكِيبِ تَقْدِيمُ الضَّعِيفِ وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَيْهِ
بِالصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ أَنَّ مَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ غَرِيبٌ وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا
بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ هِيَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا)
كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ حَقٌّ لَهَا أَيْضًا
بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا
يَصِحُّ، مَا لَمْ يَكُنْ أَبًا أَوْ جَدًّا غَيْرَ ظَاهِرِ الْفِسْقِ
وَلِمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ، مِنْ أَنَّ
الْحَقَّ فِي إتْمَامِ الْمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لِلْمَرْأَةِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْكَفَاءَةِ وَعِنْدَهُمَا
لِلْمَرْأَةِ لَا غَيْرُ. اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كَحَقِّ الْكَفَاءَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ
لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، لَوْ
انْتَسَبَ الزَّوْجُ لَهَا نَسَبًا غَيْرَ نَسَبِهِ؛ فَإِنْ ظَهَرَ دُونَهُ
وَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَ
كُفُؤًا فَحَقُّ الْفَسْخِ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا
ظَهَرَ فَوْقَ مَا أَخْبَرَ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ
لَهَا الْفَسْخَ لِأَنَّهَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْ الْمُقَامِ مَعَهُ اهـ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ
الْعِدَّةِ لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ سُنِّيٌّ أَوْ
قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ أَوْ عَلَى
أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَإِذَا هُوَ لَقِيطٌ أَوْ ابْنُ زِنًا
لَهَا الْخِيَارُ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ
زَادَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ
فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا
أَظْهَرَتْ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ، سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حُرَّةٌ
أَوْ أَمَةٌ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ
مُعْتَبَرَةٍ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا مَرَّ فِيمَا
إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ
لَهَا حَقٌّ فِي الْكَفَاءَةِ لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِهَا فَبَقِيَ الْحَقُّ
لِلْوَلِيِّ فَقَطْ فَلَهُ الْفَسْخُ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَتْ إلَخْ)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا حَقُّهَا وَفِيهِ أَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ
مِنْ قِبَلِهَا حَيْثُ لَمْ تَبْحَثْ عَنْ حَالِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ
قِبَلهَا وَقِبَلِ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا لَوْ زَوَّجُوهَا بِرِضَاهَا،
وَلَمْ يَعْلَمُوا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ.
ثُمَّ عَلِمُوا رَحْمَتِيٌّ وَفِي كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا
يُفِيدُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَوَابِ
فَالتَّفْرِيعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهَا إذَا رَضِيَتْ وَلَوْ
مِنْ وَجْهٍ وَهُنَا كَذَلِكَ وَلِذَا لَوْ شَرَطَتْ الْكَفَاءَةَ بَقِيَ
حَقُّهَا (قَوْلُهُ لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ) هَذَا فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا
هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: نَكَحَتْ رَجُلًا
وَقَوْلُهُ: بِرِضًا فَلَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ
الْمَارِّ عَنْ النَّوَازِلِ لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ
يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ
وَقَالَتْ بَعْدَمَا كَبِرَتْ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ
يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ
صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ
أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ إثْبَاتِ
الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ
الرَّمْلِيُّ،
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَبَ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ
الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهِ وَأَنَّهُ
إنَّمَا فَوَّتَ الْكَفَاءَةَ لِمَصْلَحَةٍ تَزِيدُ عَلَيْهَا وَهَذَا
إنَّمَا يَصِحُّ إذَا عَلِمَهُ غَيْرَ كُفْءٍ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ
فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَنَّهُ زَوَّجَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ
(3/85)
شَرَطُوا الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُمْ
بِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَزَوَّجُوهَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ
غَيْرُ كُفْءٍ كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَلْوَالِجِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ.
(وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ لِلُزُومِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَالِكٍ
(نَسَبًا فَقُرَيْشٌ) بَعْضُهُمْ (أَكْفَاءُ) بَعْضٍ (وَ) بَقِيَّةُ
(الْعَرَبِ) بَعْضُهُمْ (أَكْفَاءُ) بَعْضٍ وَاسْتَثْنَى فِي الْمُلْتَقَى
تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ بَنِي بَاهِلَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَاجِنًا أَوْ سَكْرَانَ، لَكِنْ كَانَ
الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا كَمَا فِي الْأَبِ
الْمَاجِنِ وَالسَّكْرَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرِّحَ بِهِ أَنَّ لَهَا
إبْطَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ فَرْعُ صِحَّتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ
الْكَفَاءَةَ كَانَ عَدَمُ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْوَلِيِّ
وَمِنْهَا ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ
الزَّوْجِ مُحْتَمَلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا وَأَنْ لَا يَكُونَ،
وَالنَّصُّ إنَّمَا أَثْبَتَ حَقَّ الْفَسْخِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ
حَالَ عَدَمِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا
يَثْبُتُ حَالَ وُجُودِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ
عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ
(قَوْلُهُ لِلُزُومِ النِّكَاحِ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَلِصِحَّتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ خِلَافَ
مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا، كَذَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ الْكَرْخِيِّ وَفِي
حَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا
الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ وَالْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ الْجَصَّاصَ وَهُمَا
مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الْعِرَاقِ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ مَشَايِخِ
الْعِرَاقِ لَمْ يَعْتَبِرُوا الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ لَمْ
تَثْبُتْ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَا
اخْتَارُوهَا وَذَهَبَ جُمْهُورُ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ
فِيهِ وَلِقَاضِي الْقُضَاةِ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ مُؤَلَّفٌ
مُسْتَقِلٌّ فِي الْكَفَاءَةِ ذَكَرَ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى
التَّفْصِيلِ وَبَيَّنَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ السَّنَدِ
وَالدَّلِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَسَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ
وَنَظَمَ الْعَلَّامَةُ الْحَمَوِيُّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَاءَةُ
فَقَالَ:
إنَّ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ تَكُونُ فِي ... سِتٍّ لَهَا بَيْتٌ
بَدِيعٌ قَدْ ضُبِطْ
نَسَبٌ وَإِسْلَامٌ كَذَلِكَ حِرْفَةٌ ... حُرِّيَّةٌ وَدِيَانَةٌ مَالٌ
فَقَطْ
قُلْت: وَفِي الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ عَنْ وَاقِعَاتِ قَدْرِي
أَفَنْدِي عَنْ الْقَاعِدِيَّةِ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ
الْأَوْلِيَاءِ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ عِنِّينٍ مَعْرُوفٍ لَمْ
يَجُزْ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجِمَاعِ شَرْطُ الْكَفَاءَةِ
كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بَلْ أَوْلَى اهـ وَأَمَّا
الْكَبِيرَةُ فَسَنَذْكُرُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا
الْوَكِيلُ عِنِّينًا مَجْبُوبًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَهَا التَّفْرِيقُ
بَعْدَ.
(قَوْلِهِ فَقُرَيْشٌ إلَخْ) الْقُرَشِيَّانِ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ
النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْتَسِبْ إلَّا
لِأَبٍ فَوْقَهُ فَهُوُّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَالنَّضْرُ هُوَ الْجَدُّ
الثَّانِيَ عَشَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ
بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ
بْنِ نَزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، عَلَى هَذَا اقْتَصَرَ
الْبُخَارِيُّ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ) أَشَارَ
بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْهَاشِمِيِّ
وَالنَّوْفَلِيِّ وَالتَّيْمِيِّ وَالْعَدَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا
زَوَّجَ عَلِيٌّ وَهُوَ هَاشِمِيٌّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ فَاطِمَةَ
لِعُمَرَ وَهُوَ عَدَوِيٌّ قُهُسْتَانِيٌّ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ
قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ
عَرَبِيًّا غَيْرَ قُرَشِيٍّ لَهُمْ رَدُّهُ كَتَزْوِيجِ الْعَرَبِيَّةِ
أَعْجَمِيًّا بَحْرٌ وَقَوْلُهُ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا ذُكِرَ مِثْلُهُ
فِي التَّبْيِينِ، وَكَثِيرُ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ،
وَغَالِبِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَقَوْلُهُ فِي الْفَيْضِ الْقُرَشِيُّ لَا
يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيِّ كَلِمَةُ لَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيفِ
النُّسَّاخِ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ) الْعَرَبُ صِنْفَانِ: عَرَبٌ
عَارِبَةٌ: وَهُمْ أَوْلَادُ قَحْطَانَ وَمُسْتَعْرِبَةٌ: وَهُمْ أَوْلَادُ
إسْمَاعِيلَ وَالْعَجَمُ أَوْلَادُ فَرُّوخَ أَخِي إسْمَاعِيلَ، وَهُمْ
الْمَوَالِي وَالْعُتَقَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِمْ غَيْرُ الْعَرَبِ وَإِنْ
لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ سُمُّوا بِذَلِكَ إمَّا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمَّا
افْتَتَحَتْ بِلَادَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ أَحْرَارًا بَعْدَ أَنْ كَانَ
لِهَؤُلَاءِ الِاسْتِرْقَاقُ، فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ، أَوْ
لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ وَالنَّاصِرُ
يُسَمَّى مَوْلًى نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ بَنِي بَاهِلَةَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
(3/86)
لِخِسَّتِهِمْ، وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ
قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ
وَالشُّرْنُبَلاليّ وَيُعَضِّدُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِينَ كَالْكَنْزِ
وَالدُّرَرِ وَهَذَا فِي الْعَرَبِ
(وَ) أَمَّا فِي الْعَجَمِ فَتُعْتَبَرُ (حُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا)
فَمُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مُعْتَقٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِمَنْ أَبُوهَا
مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ وَأُمُّهَا حَرَّةُ الْأَصْلِ وَمَنْ
أَبُوهُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ غَيْرُ كُفْءٍ لِذَاتِ أَبَوَيْنِ
(وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ) لِتَمَامِ النَّسَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بَاهِلَةٌ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ
مَعْنِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَنُسِبَ وَلَدَهُ
إلَيْهَا وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ قِيلَ كَانُوا يَأْكُلُونَ
بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَكَانُوا يَأْخُذُونَ عِظَامَ
الْمَيْتَةِ يَطْحَنُونَهَا وَيَأْخُذُونَ دُسُومَتَهَا وَلِذَا قِيلَ:
وَلَا يَنْفَعُ الْأَصْلُ مِنْ هَاشِمٍ ... إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ
بَاهِلَهْ
وَقِيلَ:
إذَا قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ شُؤْمِ
هَذَا النَّسَبْ
(قَوْلُهُ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ) فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ مَعَ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ
الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ
كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ
بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَيُعَضِّدُهُ) أَيْ يُقَوِّيهِ.
قُلْت: يُعَضِّدُهُ أَيْضًا إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ
قُرَيْشٌ بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ
لِبَعْضٍ، وَلَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِقُرَيْشٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ
الْمَوَالِي أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ فَبَعْضُهُمْ
أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِلْعَرَبِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِي قُرَيْشٍ
حَتَّى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ بَنِي هَاشِمٍ أَكْفَاءٌ لِغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ،
فَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْعَرَبِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ
هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ أُمُّهَا عَلَوِيَّةً مَثَلًا وَأَبُوهَا
عَجَمِيٌّ يَكُونُ الْعَجَمِيُّ كُفُؤًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا شَرَفٌ
مَا لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَلِهَذَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ
إلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ شَرَفِ
الْأُمِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الْعَرَبِ) أَيْ اعْتِبَارُ النَّسَبِ إنَّمَا
يَكُونُ فِي الْعَرَبِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي
الْمُحِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا الدِّيَانَةُ كَمَا فِي
النَّظْمِ وَلَا الْحِرْفَةُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ لِأَنَّ الْعَرَبَ
لَا يَتَّخِذُونَ هَذِهِ الصَّنَائِعَ حِرَفًا، وَأَمَّا الْبَاقِي أَيْ
الْحُرِّيَّةُ وَالْمَالُ فَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُ
مُعْتَبَرٌ قُهُسْتَانِيٌّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ فِي
مَوَاضِعِهِ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْعَجَمِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يُنْتَسَبْ
إلَى إحْدَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَيُسَمَّوْنَ الْمَوَالِيَ
وَالْعُتَقَاءَ كَمَا مَرَّ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى فِي
زَمَانِنَا مِنْهُمْ، سَوَاءٌ تَكَلَّمُوا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا
إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ كَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى
أَحَدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ إلَى الْأَنْصَارِ وَنَحْوِهِمْ
(قَوْلُهُ فَتُعْتَبَرُ حُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا) أَفَادَ أَنَّ
الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ كَمَا اتَّفَقَ
عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاخَرُونَ
بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ فَعَرَبِيٌّ لَهُ أَبٌ
كَافِرٌ يَكُونُ كُفُؤًا لِعَرَبِيَّةٍ لَهَا آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ،
وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
اسْتِرْقَاقُهُمْ، نَعَمْ الْإِسْلَامُ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ
بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الزَّوْجِ لَا إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَعَلَى
هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ فَقَطْ وَإِسْلَامُ الْأَبِ
وَالْجَدِّ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ وَكَذَا إسْلَامُ نَفْسِ الزَّوْجِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ
مُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ ح (قَوْلُهُ أَوْ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ) كُلٌّ
مِنْهُمَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مُعْتَقٌ ح (قَوْلُهُ وَأُمُّهَا
حُرَّةُ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْتَقَ فِيهِ أَثَرُ الرِّقِّ
وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ
الْأَصْلِ، كَانَتْ هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ بَحْرٌ عَنْ التَّجْنِيسِ،
أَمَّا لَوْ كَانَتْ أُمُّهَا رَقِيقَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِأُمِّهَا فِي
الرِّقِّ فَيَكُونُ الْمُعْتَقُ كُفُؤًا لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ
أُمُّهَا مُعْتَقَةً لِأَنَّ لَهَا أَبًا فِي الْحُرِّيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي
الْبَحْرِ وَالْحُرِّيَّةُ نَظِيرُ الْإِسْلَامِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ
لِذَاتِ أَبَوَيْنِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ
وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ) أَيْ فَمَنْ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ فِي
الْإِسْلَامِ أَوْ الْحُرِّيَّةِ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ
(3/87)
بِالْجَدِّ، وَفِي الْفَتْحِ وَلَا
يَبْعُدُ مُكَافَأَةُ مُسْلِمٍ بِنَفْسِهِ لِمُعْتَقٍ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا
مُعْتَقُ الْوَضِيعِ، فَلَا يُكَافِئُ مُعْتَقَةَ الشَّرِيفَ. وَأَمَّا
مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ فَكُفْءٌ لِمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ
بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا لِفِتْنَةٍ
(وَ) تُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (دِيَانَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ الْوَاحِدَ
بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ أَيْ فِي
الشَّهَادَاتِ وَالدَّعْوَى قِيلَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا قَالَ
ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرَ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ
كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا،
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ،
هَذَا حَسَنٌ وَبِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا،
وَقَدْ رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي
الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ مُعْتَقَةٌ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا. اهـ.
وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَهُوَ حُرٌّ وَعَتَقَتْ وَهِيَ
مُسْلِمَةٌ يَكُونُ فِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهَا أَثَرُ الرِّقِّ
وَهُمَا مُنْقِصَانِ وَفِيهِ شَرَفُ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَفِيهَا شَرَفُ
إسْلَامِ الْأَصْلِ وَهُمَا مُكَمِّلَانِ فَتَسَاوَيَا بَقِيَ مَا لَوْ
كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الرَّجُلُ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ
إسْلَامُهُ طَارِئًا وَإِلَّا فَفِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ، وَأَثَرُ الرِّقِّ
مَعًا فَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ فِيهَا أَثَرُ الْكُفْرِ فَقَطْ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي
الْبَحْرِ إلَى الْمُجْتَبِي وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ حَتَّى لَا
يَكُونَ مَوْلَى الْعَرَبِ كُفُؤًا لِمَوْلَاةِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى لَوْ
زَوَّجَتْ مَوْلَاةُ بَنِي هَاشِمٍ نَفْسَهَا مِنْ مَوْلَى الْعَرَبِ كَانَ
لِمُعْتِقِهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ
النَّسَبِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» اهـ وَمِثْلُهُ فِي
الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ الْكَفَاءَةُ
تُعْتَبَرُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَمُعْتَقَة التَّاجِرِ كُفْءٌ
لِمُعْتَقِ الْعَطَّارِ دُونَ الدَّبَّاغِ اهـ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا
ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا قَبْلَ مَا قَدَّمْنَاهُ، حَيْثُ قَالَ:
وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ
لِبَعْضٍ» اهـ فَتَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ] مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لَا يُكَافِئُ مَوْلَاةَ الْعَتَاقَةِ
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ
أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ إنْسَانٍ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَوَالِي
الْعَتَاقَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مُعْتَقَةُ أَشْرَفِ الْقَوْمِ
تَكُونُ كُفُؤًا لِلْمَوَالِي لِأَنَّ لَهَا شَرَفَ الْوَلَاءِ
وَلِلْمَوَالِي شَرَفُ إسْلَامِ الْآبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا
مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ،
وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُرْتَدٍّ لَمْ يَطُلْ
زَمَنُ رِدَّتِهِ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ
لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ،
أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ وَطَالَ زَمَنُ رِدَّتِهِ حَتَّى اشْتَهَرَ بِذَلِكَ
وَلَحِقَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفُؤًا
لِمَنْ لَمْ تَرْتَدَّ فَإِنَّ الْعَارَ الَّذِي يَلْحَقُهَا بِهَذَا
أَعْظَمُ مِنْ الْعَارِ بِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا لِفِتْنَةٍ) أَيْ لِدَفْعِهَا قَالَ فِي
الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ
مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ
الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إلَخْ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّقْوَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ
الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَا يَكُونُ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِقُ كُفُؤًا
لِصَالِحَةٍ عَرَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَجَمِيَّةً هـ قَالَ فِي النَّهْرِ:
وَصَرَّحَ بِهَذَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ اهـ
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ
الْكَفَاءَةِ مَا لَا فِيهِمَا أَيْضًا.
قُلْت وَكَذَا حِرْفَةٌ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا نَذْكُرُهُ عَنْ
الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ دِيَانَةً) أَيْ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ يَصْفَعُ وَيَسْخَرُ
مِنْهُ، أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ، وَيَلْعَبُ بِهِ
الصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ هِدَايَةٌ، وَنُقِلَ فِي
الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
لَكِنَّ الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ قِيلَ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ
وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا
صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَتَصْحِيحُ
(3/88)
أَيْ تَقْوَى فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا
لِصَالِحَةٍ أَوْ فَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ مُعْلَنًا كَانَ أَوْ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْهِدَايَةِ مُعَارِضٌ لَهُ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْمُتُونِ أَوْلَى.
اهـ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْبَحْرِ: وَوَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً دُونَ
أَبِيهَا أَوْ كَانَ أَبُوهَا صَالِحًا دُونَهَا هَلْ يَكُونُ الْفَاسِقُ
كُفُؤًا لَهَا أَوْ لَا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ أَنَّ
الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا
يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الصَّالِحِينَ، وَاعْتُبِرَ فِي
الْمَجْمَعِ صَلَاحُهَا فَقَالَ: فَلَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا
لِلصَّالِحَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا
لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ فَاعْتُبِرَ صَلَاحُ الْكُلِّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ آبَائِهَا كَافٍ لِعَدَمِ
كَوْنِ الْفَاسِقِ كُفُؤًا لَهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ وَنَازَعَهُ
فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْفَاسِقُ
مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ يَكُونُ
كُفُؤًا لِبَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا
يَكُونُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْفَضْلِ اهـ
يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ الْآبَاءُ فَقَطْ وَهَذَا
هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِفِسْقِهَا اهـ أَيْ إذَا
كَانَتْ فَاسِقَةً بِنْتَ صَالِحٍ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا
لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ الْأَبِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِسْقُهَا،
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إذَا أَسْقَطَتْهَا
هِيَ لِأَنَّ الصَّالِحَ يُعَيَّرُ بِمُصَاهَرَةِ الْفَاسِقِ، لَكِنَّ مَا
نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ
صَلَاحِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ
الْخَانِيَّةِ الثَّانِي عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ
صَالِحَةٌ غَالِبًا قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ قَوْلُهُ
فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ بِنْتِ صَالِحٍ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ
بِنْتَ الصَّالِحِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَاسِقَةً فَيَكُونُ كُفُؤًا
كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ أَنَّ
الْفَاسِقَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَالِبُ
أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى
الْغَالِبِ. اهـ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْ وَهِيَ
صَالِحَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ
الْبِنْتُ صَالِحَةً بِصَلَاحِهِ اهـ وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ.
قُلْت: اقْتِصَارُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاحَهَا يُعْرَفُ
بِصَلَاحِهِمْ، لِخَفَاءِ حَالِ الْمَرْأَةِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا
الْأَبْكَارُ وَالصَّغَائِرُ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَدْلِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الَّذِي يُسْكِرُ
إنْ كَانَ يُسِرُّ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ سَكْرَانَ كَانَ كُفُؤًا
لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلِنُ
ذَلِكَ فَلَا، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ
صَلَاحِ الْكُلِّ، وَإِنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاحِهَا أَوْ صَلَاحِ
آبَائِهَا نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ صَلَاحَ الْوَلَدِ
وَالْوَالِدِ مُتَلَازِمَانِ، فَعَلَى هَذَا فَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ
كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ بَلْ يَكُونُ كُفُؤًا لِفَاسِقَةٍ
بِنْتِ فَاسِقٍ، وَكَذَا لِفَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي
الْيَعْقُوبِيَّةِ، فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَا
يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ بِبِنْتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَارِ بِصِهْرِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً بِنْتَ فَاسِقٍ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا
مِنْ فَاسِقٍ فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ
وَهِيَ قَدْ رَضِيَتْ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَزَوَّجَهَا
أَبُوهَا مِنْ فَاسِقٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِفِسْقِهِ صَحَّ الْعَقْدُ،
وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَبِرَتْ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ
يَكُنْ مَاجِنًا كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
الْأَبُ صَالِحًا وَظَنَّ الزَّوْجَ صَالِحًا فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ: زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ مُصْلِحًا لَا
يَشْرَبُ مُسْكِرًا فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ فَقَالَتْ بَعْدَ الْكِبَرِ: لَا
أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهَا يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ،
وَلَا عُرِفَ بِهِ وَغَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهَا مُصْلِحُونَ فَالنِّكَاحُ
بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ
مُفْرَدٌ.
(قَوْلُهُ بِنْتِ صَالِحٍ) نَعْتٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ صَالِحَةٍ
وَفَاسِقَةٍ وَأَفْرَدَهُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ فَرَجَعَ إلَى أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ صَلَاحُ الْآبَاءِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ
بِفِسْقِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَهَذَا هُوَ
الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فَافْهَمْ نَعَمْ هُوَ خِلَافُ مَا
نَقَلْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ (قَوْلُهُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا)
أَمَّا إذَا كَانَ مُعْلِنًا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْلِنِ فَهُوَ
بِأَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا مِنْ الْمُفَسِّقَاتِ
وَهُوَ لَا يَجْهَرُ بِهِ
(3/89)
عَلَى الظَّاهِرِ نَهْرٌ (وَمَالًا) بِأَنْ
يَقْدِرَ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَنَفَقَةِ شَهْرٍ لَوْ غَيْرَ مُحْتَرِفٍ،
وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهَا لَوْ تُطِيقُ
الْجِمَاعَ (وَحِرْفَةً) فَمِثْلُ حَائِكٍ غَيْرُ كُفْءٍ لِمِثْلِ خَيَّاطٍ
وَلَا خَيَّاطٍ لِبَزَّازٍ وَتَاجِرٍ وَلَا هُمَا لِعَالِمٍ وَقَاضٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْأَوْلِيَاءِ ط (قَوْلُهُ عَلَى
الظَّاهِرِ) هَذَا اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ النَّهْرِ لَا كَمَا
يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي
الْخَانِيَّةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا شَيْءٌ وَالصَّحِيحُ
عِنْدَهُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ اهـ وَقَدَّمْنَا
أَنَّ تَصْحِيحَ الْهِدَايَةِ مُعَارِضٌ لِهَذَا التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ
وَمَالًا) أَيْ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ كَمَا مَرَّ عَنْ
الْبَحْرِ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاخُرِ
بِغَيْرِهِ عَادَةً وَخُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمُعَجَّلِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا
تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ حَالًّا
فَتْحٌ فَلَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا أَنْ
يُسَاوِيَهَا فِي الْغِنَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
زَيْلَعِيٌّ، وَلَوْ صَبِيًّا فَهُوَ غَنِيٌّ بِغِنَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ
أَوْ جَدِّهِ كَمَا يَأْتِي وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
بِقَدْرِ الْمَهْرِ، فَإِنَّهُ كُفْءٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ أَيَّ
الدَّيْنَيْنِ شَاءَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمَا لَوْ كَانَتْ
فَقِيرَةً بِنْتَ فُقَرَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاقِعَاتِ
مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا
الْوَصْفُ فِي حَقِّهِ وَمَا لَوْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ
وَالْعَالِمِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقِيلَ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ
يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ
ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ كُفْءٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ
(قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ شَهْرٍ) صَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَصَحَّحَ فِي
الْمُجْتَبَى الِاكْتِفَاءَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْكَسْبِ فَقَدْ
اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ الثَّانِي وَوَفَّقَ
فِي النَّهْرِ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَقَالَ إنَّهُ
أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَوْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ)
فَلَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُهُ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتْحٌ وَمِثْلُهُ فِي
الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ وَحِرْفَةً) ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِيهَا
مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ بَنَى
الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّ مَوَالِيَهُمْ يَعْمَلُونَ
هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْحِرَفَ، فَلَا يُعَيَّرُونَ
بِهَا وَأَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبِلَادِ
وَأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ حِرْفَةً، فَيُعَيَّرُونَ بِالدَّنِيِّ
مِنْهَا فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ بَدَائِعُ
فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ مَنْ
يَحْتَرِفُ بِنَفْسِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْكَفَاءَةُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ
فَتَكُونُ مُعْتَبَرَةً بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (قَوْلُهُ فَمِثْلُ
حَائِكٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ: فَحَائِكٌ أَوْ
حَجَّامٌ أَوْ كَنَّاسٌ أَوْ دَبَّاغٌ أَوْ حَلَّاقٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ
حَدَّادٌ أَوْ صَفَّارٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِسَائِرِ الْحِرَفِ كَعَطَّارٍ أَوْ
بَزَّازٍ أَوْ صَوَّافٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِرَفَ جِنْسَانِ
لَيْسَ أَحَدُهُمَا كُفُؤًا لِلْآخَرِ. لَكِنَّ أَفْرَادَ كُلٍّ مِنْهَا
كُفْءٌ لِجِنْسِهَا وَبِهِ يُفْتِي زَاهِدِيٌّ اهـ أَيْ أَنَّ الْحِرَفَ
إذَا تَبَاعَدَتْ لَا يَكُونُ أَفْرَادُ إحْدَاهَا كُفُؤًا لِأَفْرَادِ
الْأُخْرَى، بَلْ أَفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ، وَأَفَادَ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
اتِّحَادُهُمَا فِي الْحِرْفَةِ، بَلْ التَّقَارُبُ كَافٍ فَالْحَائِكُ
كُفْءٌ لِحَجَّامٍ وَالدَّبَّاغُ كُفْءٌ لِكَنَّاسٍ وَالصَّفَّارُ كُفْءٌ
لِحَدَّادٍ وَالْعَطَّارُ كُفْءٌ لِبَزَّازٍ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ:
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ
اسْتِنْقَاصُ أَهْلِ الْعُرْفِ فَيَدُورُ مَعَهُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ الْحَائِكُ كُفُؤًا لِلْعَطَّارِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
لِمَا هُنَاكَ مِنْ حُسْنِ اعْتِبَارِهَا وَعَدَمِ عَدِّهَا نَقْصًا
أَلْبَتَّةَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا خَسَاسَةُ غَيْرِهَا.
اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْحِرَفَ إذَا تَقَارَبَتْ أَوْ اتَّحَدَتْ يَجِبُ
اعْتِبَارُ التَّكَافُؤِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ فَالْعَطَّارُ
الْعَجَمِيُّ غَيْرُ كُفْءٍ لِعَطَّارٍ أَوْ بَزَّازٍ عَرَبِيٍّ أَوْ
عَالِمٍ تَقِيٍّ، النَّظَرُ فِي نَحْوِ دَبَّاغٍ أَوْ حَلَّاقٍ عَرَبِيٍّ،
هَلْ يَكُونُ كُفُؤًا لِعَطَّارٍ أَوْ بَزَّازٍ عَجَمِيٍّ. وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ لِي أَنَّ شَرَفَ النَّسَبِ أَوْ الْعِلْمِ يُجْبِرُ نَقْصَ
الْحِرْفَةِ بَلْ يَفُوقُ سَائِرَ الْحِرَفِ، فَلَا يَكُونُ نَحْوُ
الْعَطَّارِ الْعَجَمِيِّ الْجَاهِلِ كُفُؤًا لِنَحْوِ حَلَّاقٍ عَرَبِيٍّ
أَوْ عَالِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ عَتَقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ
الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفُؤًا لَهُ اهـ
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِبَزَّازٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَزُّ
الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا
وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ وَحِرْفَتُهُ الْبِزَازَةُ. اهـ. ط (قَوْلُهُ
وَلَا هُمَا لِعَالِمٍ وَقَاضٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْبِنَايَةِ
عَنْ الْغَايَةِ
(3/90)
وَأَمَّا أَتْبَاعُ الظَّلَمَةِ فَأَخَسُّ
مِنْ الْكُلِّ وَأَمَّا الْوَظَائِفُ فَمِنْ الْحِرَفِ فَصَاحِبُهَا كُفْءٌ
لِلتَّاجِرِ لَوْ غَيْرَ دَنِيئَةٍ كَبَوَّابَةٍ وَذُو تَدْرِيسٍ أَوْ
نَظَرٍ كُفْءٌ لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرَ بَحْرٌ
(وَ) الْكَفَاءَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْكَنَّاسُ وَالْحَجَّامُ وَالدَّبَّاغُ وَالْحَارِسُ وَالسَّائِسُ
وَالرَّاعِي وَالْقَيِّمُ أَيْ الْبَلَّانُ فِي الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفُؤًا
لِبِنْتِ الْخَيَّاطِ وَلَا الْخَيَّاطُ لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالتَّاجِرِ
وَلَا هُمَا لِبِنْتِ عَالِمٍ وَقَاضٍ وَالْحَائِكُ لَيْسَ كُفُؤًا
لِبِنْتِ الدِّهْقَانِ وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَقِيلَ هُوَ كُفْءٌ اهـ
وَقَدْ غَلَبَ اسْمُ الدِّهْقَانِ عَلَى ذِي الْعَقَارِ الْكَثِيرِ كَمَا
فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. .
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَحْوَ الْخَيَّاطِ إذَا كَانَ أُسْتَاذًا
يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ وَلَهُ أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ لَهُ يَكُونُ
كُفُؤًا لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالتَّاجِرِ فِي زَمَانِنَا كَمَا يُعْلَمُ
مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ إذْ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ ذَلِكَ
نَقْصًا تَأَمَّلْ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْكَافِي مِنْ
أَنَّ الْخَفَّافَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْأَخْفَافَ أَوْ
النِّعَالِ بِيَدِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ أُسْتَاذًا لَهُ أُجَرَاءُ أَوْ
يَشْتَرِيهَا مَخِيطَةً وَيَبِيعُهَا فِي حَانُوتِهِ فَلَيْسَ فِي
زَمَانِنَا أَنْقَصَ مِنْ الْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ قَالَ ط: وَأَطْلَقُوا
فِي الْعَالِمِ وَالْقَاضِي وَلَمْ يُقَيِّدُوا الْعَالِمَ بِذِي
الْعَمَلِ، وَلَا الْقَاضِيَ بِمَنْ لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ وَالظَّاهِرُ
التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ ظَالِمٌ وَنَحْوُهُ الْعَالِمُ
غَيْرُ الْعَالِمِ وَلْيُحَرَّرْ اهـ.
قُلْت: لَعَلَّهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ لِعِلْمِهِ مِنْ ذِكْرِهِمْ
الْكَفَاءَةَ فِي الدِّيَانَةِ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَالِمَ
وَالْقَاضِيَ الْفَاسِقَيْنِ لَا يَكُونَانِ كُفْأَيْنِ لِصَالِحَةٍ بِنْتِ
صَالِحَيْنِ لِأَنَّ شَرَفَ الصَّلَاحِ فَوْقَ شَرَفِ الْعِلْمِ
وَالْقَضَاءِ مَعَ الْفِسْقِ (قَوْلُهُ فَأَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ) أَيْ
وَإِنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ آكِلِي
دِمَاءِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ نَعَمْ بَعْضُهُمْ
أَكْفَاءُ بَعْضٌ شَرْحُ الْمُلْتَقَى وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ
فِي مِصْرٍ جِنْسٌ هُوَ أَخَسُّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَهُمْ الطَّائِفَةُ
الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ بالسراباتية. اهـ.
قُلْت: مَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِالْإِتْبَاعِ أَنَّ الْمَتْبُوعَ
كَأَمِيرٍ وَسُلْطَانٍ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ التَّاجِرِ
عُرْفًا كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ عَنْ الْبَحْرِ وَقَدْ
عَلِمْت أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اسْتِنْقَاصُ أَهْلِ الْعُرْفِ فَيَدُورُ
مَعَهُ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ تَابِعًا لَهُ وَكَانَ ذَا
مَالٍ وَمُرُوءَةٍ وَحِشْمَةٍ بَيْنَ النَّاسِ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ
لَا تَتَعَيَّرُ بِهِ فِي الْعُرْفِ كَتَعَيُّرِهَا بِدَبَّاغٍ وَحَائِكٍ
وَنَحْوِهِمَا فَضْلًا عَنْ سَرَابَاتِيٍّ يَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى
الْكَنِيفِ، وَيَنْقُلُ نَجَاسَتَهُ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَإِنْ
كَانَ قَاصِدًا بِذَلِكَ تَنْظِيفَ النَّاسِ أَوْ الْمَسَاجِدِ مِنْ
النَّجَاسَاتِ وَكَانَ الْأَمِيرُ أَوْ تَابِعُهُ آكِلًا أَمْوَالَ
النَّاسِ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى النَّقْصِ وَالرِّفْعَةِ فِي
الدُّنْيَا وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ
فِي الدِّيَانَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، فَلَا تُبْنَى
عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا قَالُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ إنَّ
الْمُعْتَبَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ
الْبِنَاءِ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَدَمِهِ، بَلْ اعْتِبَارُ
الدِّيَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ تَعْيِيرُ بِنْتِ
الصَّالِحِينَ بِفِسْقِ الزَّوْجِ.
قُلْت: وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ تَابِعَ
الظَّالِمِ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ الَّذِي الْغَالِبُ
فِيهِ التَّفَاخُرُ بِالدِّينِ وَالتَّقْوَى، دُونَ زَمَانِنَا الْغَالِبُ
فِيهِ التَّفَاخُرُ بِالدُّنْيَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَظَائِفُ) أَيْ فِي الْأَوْقَافِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ
فَمِنْ الْحِرَفِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ طَرِيقًا لِلِاكْتِسَابِ فِي مِصْرَ
كَالصَّنَائِعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ غَيْرَ دَنِيئَةٍ) أَيْ عُرْفًا
كَبِوَابَةٍ وَسِوَاقَةٍ وَفِرَاشَةٍ وَوَقَّادَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَذُو
تَدْرِيسٍ) أَيْ فِي عِلْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ أَوْ نَظَرٍ) هُوَ بَحْثٌ
لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيفٍ، بَلْ هُوَ كَآحَادِ
النَّاسِ وَقَدْ يَكُونُ عَتِيقًا زِنْجِيًّا وَرُبَّمَا أَكَلَ مَالَ
الْوَقْفِ وَصَرَفَهُ فِي الْمُنْكَرَاتِ فَكَيْفَ يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ
ذَكَرَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالنَّاظِرِ ذِي الْمُرُوءَةِ
وَبِنَاظِرٍ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِخِلَافِ نَاظِرِ وَقْفٍ أَهْلِيٍّ بِشَرْطِ
الْوَاقِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ رِفْعَةً بِذَلِكَ ط (قَوْلُهُ كُفْءٌ
لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ بِنْتِ
الْأَمِيرِ بِالذِّكْرِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ فَيَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ
التَّاجِرِ بِالْأَوْلَى، فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمِيرَ أَشْرَفُ مِنْ
التَّاجِرِ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ، وَهَذَا مُؤَيَّدٌ
(3/91)
(اعْتِبَارُهَا عِنْدَ) ابْتِدَاءِ
(الْعَقْدِ فَلَا يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ) فَلَوْ كَانَ وَقْتَهُ
كُفُؤًا ثُمَّ فَجَرَ لَمْ يَفْسَخْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَبَّاغًا
فَصَارَ تَاجِرًا فَإِنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِلَّا
لَا. نَهْرٌ بَحْثًا
(الْعَجَمِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ) كَانَ
الْعَجَمِيُّ (عَالِمًا) أَوْ سُلْطَانًا (وَهُوَ الْأَصَحُّ) فَتْحٌ عَنْ
الْيَنَابِيعِ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ
وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ فَسَّرَ الْحَسِيبَ بِذِي
الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ فَغَيْرُ كُفْءٍ لِلْعَلَوِيَّةِ كَمَا فِي
الْيَنَابِيعِ وَإِنْ بِالْعَالِمِ فَكُفْءٌ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ
فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَالْمَالِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ
وَارْتَضَاهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِبَحْثِنَا السَّابِقِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ
(وَقَوْلُهُ اعْتِبَارُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) قُلْت: يُرَدُّ
عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَجَّامٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَجْهُولَةَ
النَّسَبِ ادَّعَاهَا قُرَشِيٌّ وَأَثْبَتَ أَنَّهَا بِنْتَه لَهُ أَنْ
يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ لَمْ
يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ النِّكَاحِ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَ
النَّسَبِ لَمَّا وَقَعَ، مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ كَانَ عَدَمُ
الْكَفَاءَةِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا أَنَّهَا كَانَتْ
مَوْجُودَةً ثُمَّ زَالَتْ حَتَّى يُنَافِيَ كَوْنَ الْعِبْرَةِ لِوَقْتِ
الْعَقْدِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّ إقْرَارَهَا
يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجُ بِمُوجِبِهِ لِمَا
تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ
(قَوْلُهُ ثُمَّ فَجَرَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ زَالَتْ
كَفَاءَتُهُ لِأَنَّ الْفُجُورَ يُقَابِلُ الدِّيَانَةَ وَهِيَ إحْدَى مَا
يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَبَّاغًا
إلَخْ) هَذَا فَرَّعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ
بِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الصَّنْعَةَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا
يَبْقَى عَارُهَا وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ
إنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِنْ تَنَاسَى أَمْرَهَا
لِتَقَادُمِ زَمَانِهَا كَانَ كُفُؤًا لَكَانَ حَسَنًا اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَدَلَّ كَلَامُهُ
عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ لَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّ، وَإِنْ كَانَ
حَسِيبًا لَكِنْ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ قَالُوا الْحَسِيبُ يَكُونُ
كُفُؤًا لِلنَّسِيبِ، فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا
لِلْجَاهِلِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَلَوِيَّةِ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ
فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ
الْبَزَّازِيُّ وَزَادَ وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ يَكُونُ كُفُؤًا
لِلْغَنِيِّ الْجَاهِلِ وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ شَرَفَ
الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ فَشَرَفُ الْمَالِ أَوْلَى. نَعَمْ
الْحَسَبُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَنْصِبُ وَالْجَاهُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ
فِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا لَيْسَ كُفُؤًا
لِلْعَرَبِيَّةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ
مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: حَيْثُ كَانَ مَا فِي الْيَنَابِيعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ
كَفَاءَةِ الْحَسِيبِ لِلْعَرَبِيَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِ
الْحَسِيبِ بِذِي الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي الْعَالِمِ،
وَعَزْوِهِ فِي شَرْحِهِ إلَى الْيَنَابِيعِ، وَذَكَرَ الْخَيْرُ
الرَّمْلِيُّ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: الْعَالِمُ يَكُونُ كُفُؤًا
لِلْعَلَوِيَّةِ لِأَنَّ شَرَفَ الْحَسَبِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ
وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ
لِعَائِشَةَ شَرَفُ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ أَيْضًا
أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَيْضِ
وَجَامِعِ الْفَتَاوَى وَصَاحِبِ الدُّرَرِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ
الْمُصَنِّفِ هُنَا ثُمَّ قَالَ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا
وَلَكِنْ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا
يُكَافِئُهَا، فَهُوَ الْمَذْهَبُ خُصُوصًا وَقَدْ نَصَّ فِي الْيَنَابِيعِ
أَنَّهُ الْأَصَحُّ. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ غَيْرُ مَا
مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْبَحْرَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ
وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ كَوْنَهُ ظَاهِرَ
الرِّوَايَةِ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا سِوَى قَوْلِهِمْ
فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ أَيْ فَلَا
يُكَافِئُهُمْ غَيْرُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ
ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقَ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَشَايِخُ بِغَيْرِ
الْعَالِمِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ فَإِنَّ شَأْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ
إفَادَةُ قُيُودٍ وَشَرَائِطَ لِعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ اسْتِنْبَاطًا مِنْ
قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ أَوْ مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ أَوْ أَدِلَّةٍ
نَقْلِيَّةٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي آخِرِ الْفَتَاوَى
الْخَيْرِيَّةِ فِي قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ تَقَدَّمَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى
عَالِمٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ الْعُلَمَاءُ طَافِحَةً
بِتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْقُرَشِيِّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ سُبْحَانَهُ
بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] إلَى آخِرِ مَا
أَطَالَ بِهِ فَرَاجِعْهُ فَحَيْثُ كَانَ شَرَفُ الْعِلْمِ
(3/92)
وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَلِذَا قِيلَ:
إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ
وَالْحَنَفِيُّ كُفْءٌ لِبِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمَتَى سَأَلْنَا عَنْ
مَذْهَبِهِ أَجَبْنَا بِمَذْهَبِنَا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ
مَعْزِيًّا لِجَوَاهِرِ الْفَتَاوَى
(الْقَرَوِيُّ كُفْءُ لِلْمَدَنِيِّ) فَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ كَمَا لَا
عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ الْخَانِيَّةِ، وَلَا بِالْعَقْلِ وَلَا بِعُيُوبٍ
يَفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ
عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ الْمَجْنُونُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَاقِلَةِ
(وَكَذَا الصَّبِيُّ كُفْءٌ بِغِنَى أَبِيهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ وَتَسْرِيحِهِمْ
بِذَلِكَ اقْتَضَى تَقْيِيدَ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى
فَهْمِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ
مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ
يَقُولَ إنَّ مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا
لِبِنْتِ قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ، أَوْ لِبِنْتِ عَرَبِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى
عَقِبَيْهِ، فَلَا جَرَمَ إنَّهُ جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ
صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَغَيْرُهُ كَمَا عَلِمْت وَارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُ
ابْنُ الْهُمَامِ، وَصَاحِبُ النَّهْرِ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ فَافْهَمْ
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَلِذَا قِيلَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ شَرَفِ الْعِلْمِ أَقْوَى
قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ عِلْمِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لَا يُقَالُ إنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ
الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِبَيَانِ أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ
النَّسَبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ بِإِخْرَاجِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - مِنْ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْبُضْعِيَّةِ فِيهَا بِلَا وَاسِطَةٍ،
وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: إنَّهَا بُضْعَةٌ مِنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أُفَضِّلُ عَلَى بُضْعَةٍ مِنْهُ
أَحَدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إطْلَاقُ أَنَّهَا أَفْضَلُ، وَإِلَّا
لَزِمَ تَفْضِيلُ سَائِرِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى عَائِشَةَ بَلْ عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ خِلَافُ
الْإِجْمَاعِ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثَةِ
وَحِينَئِذٍ فَمَا نُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَفْضِيلِ
عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْجِهَاتِ كَالْعِلْمِ، وَكَوْنُهَا فِي
الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَفَاطِمَةُ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِهَذَا قَالَ
فِي بَدْءِ الْأَمَالِي:
وَلِلصِّدِّيقَةِ الرُّجْحَانُ فَاعْلَمْ ... عَلَى الزَّهْرَاءِ فِي
بَعْضِ الْخِلَالِ
وَقِيلَ إنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَى الْأَوَّلِ
وَقِيلَ بِالتَّوَقُّفِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاخْتَارَهُ
الْأُسْرُوشَنِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا
أَوْضَحَهُ مُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ
وَشَرْحِ بَدْءِ الْأَمَالِي
(قَوْلُهُ وَالْحَنَفِيُّ كُفْءٌ لِبِنْتِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ
بِالْكَفَاءَةِ هُنَا صِحَّةُ الْعَقْدِ يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ حَنَفِيٌّ
بِنْتَ شَافِعِيٍّ نَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ فِي
مَذْهَبِ أَبِيهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا
إلَّا بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهَا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِمَا نَعْتَقِدُ
صِحَّتَهُ فِي مَذْهَبِنَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَسُئِلَ أَيْ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ بِكْرٍ بَالِغَةٍ شَافِعِيَّةٍ زَوَّجَتْ
نَفْسَهَا مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ شَافِعِيٍّ، بِلَا رِضَا الْأَبِ هَلْ
يَصِحُّ؟ أَجَابَ نَعَمْ وَإِنْ كَانَا يَعْتَقِدَانِ عَدَمَ الصِّحَّةِ
لِأَنَّا نُجِيبُ بِمَذْهَبِنَا لَا بِمَذْهَبِ الْخَصْمِ لِاعْتِقَادِنَا
أَنَّهُ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ سُئِلْنَا كَيْفَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ فِيهِ لَا نُجِيبُ بِمَذْهَبِهِ اهـ وَقَوْلُهُ:
لِاعْتِقَادِنَا إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَلَّدَ
يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ لِيَعْتَقِدَ أَرْجَحِيَّةَ مَذْهَبِهِ
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافُهُ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي
صَدْرِ الْكِتَابِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا
مُنَاسَبَةَ لِذِكْرِ هَذَا الْفَرْعِ فِي الْكَفَاءَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ نِسْبَةٌ إلَى الْقَرْيَةِ
(قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ مَا مَرَّ مِنْ
أَنْوَاعِ الْكَفَاءَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالتَّاجِرُ فِي الْقُرَى
كُفْءٌ لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي الْمِصْرِ لِلتَّقَارُبِ (قَوْلُهُ كَمَا
لَا عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ) لَكِنَّ النَّصِيحَةَ أَنْ يُرَاعِي
الْأَوْلِيَاءُ الْمُجَانِسَةَ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ هِنْدِيَّةٌ
عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة ط (قَوْلُهُ وَلَا بِالْعَقْلِ) قَالَ قَاضِي
خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ
عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ
اهـ أَيْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ
وَلَا بِعُيُوبٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ
السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ
كَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ وَالدَّفَرِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَكَذَا لِمُحَمَّدٍ فِي الثَّلَاثَةِ
الْأُوَلِ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ إلَّا أَنَّ
التَّفْرِيقَ أَوْ الْفَسْخَ لِلزَّوْجَةِ لَا لِلْوَلِيِّ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَاقِلَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ
يُفَوِّتُ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ فَكَانَ أَشَدُّ مِنْ الْفَقْرِ دَنَاءَةَ
الْحِرْفَةِ، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَ
(3/93)
أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ نَهْرٌ عَنْ
الْمُحِيطِ (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَهْرِ) يَعْنِي الْمُعَجَّلِ كَمَا
مَرَّ (لَا) بِالنِّسْبَةِ إلَى (النَّفَقَةِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ
الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ عَنْ الْأَبْنَاءِ الْمَهْرَ لَا النَّفَقَةَ
ذَخِيرَةٌ
(وَلَوْ نُكِحَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا فَلِلْوَلِيِّ) الْعَصَبَةِ
(الِاعْتِرَاضُ حَتَّى يَتِمَّ) مَهْرُ مِثْلِهَا (أَوْ يُفَرِّقَ)
الْقَاضِي بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا) الزَّوْجُ
(قَبْلَ تَفْرِيقِ الْوَلِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ
الْمُسَمَّى) فَلَوْ فَرَّقَ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ
فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ
مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ
الْمُطَالَبَةُ بِالْإِتْمَامِ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ
جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِتَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ أَكْثَرَ مِنْ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ
(قَوْلُهُ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى
الْمُحِيطِ، وَزَادَ فِي الْفَتْحِ الْجَدَّةَ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ
اعْتِبَارَهُ كُفُؤًا بِغِنَى أَبِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ
الْعَادَةِ بِتَحَمُّلِ الْمَهْرِ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْأُمِّ
وَالْجَدِّ أَمَّا الْجَدَّةُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَحَمُّلِهَا
وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ)
أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَالًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ
إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَحَمُّلِ
النَّفَقَةِ أَيْضًا عَنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي زَمَانِنَا
أَنَّهُ يَكُونُ كُفُؤًا بَلْ فِي زَمَانِنَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ ابْنِهِ
الْكَبِيرِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ كُفُؤًا
بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ
بِمِلْكٍ أَوْ كَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ
مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ
الزَّوْجِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَإِنَّهُ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ
لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ
قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ اهـ. نَعَمْ زَادَ فِي الْبَدَائِعِ
أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّفَقَةِ
وَالْمَهْرِ، لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ
تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَمُقْتَضَى تَخْصِيصِهِ، بِالصَّبِيِّ
أَنَّ الْكَبِيرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ غَنِيٌّ
بِغِنَى أَبِيهِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ لَكِنْ إذَا
كَانَ الْمَنَاطُ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِتَحَمُّلِ الْأَبِ لَا يَظْهَرُ
الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْنَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةُ فِيهِمَا
حَيْثُ تُعُورِفَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ بِأَقَلَّ إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ
وَقَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ فَلِلْوَلِيِّ
الْعَصَبَةِ) أَيْ لَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ وَلَا الْقَاضِي لَوْ
كَانَتْ سَفِيهَةً، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ نَهْرٌ. وَاَلَّذِي فِي
الذَّخِيرَةِ مِنْ الْحَجْرِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ
بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي الِاعْتِرَاضُ
عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْمَالِ لَا فِي النَّفْسِ. اهـ. بَحْرٌ.
قُلْت: لَكِنْ فِي حَجْرِ الظَّهِيرِيَّةِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا
الزَّوْجُ قِيلَ لَهُ أَتِمَّ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَلَا يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ كَانَ لِلنُّقْصَانِ عَنْ مَهْرِ
الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَدَمَ حِينَ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا
بِالدُّخُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ الِاعْتِرَاضُ) أَفَادَ أَنَّ الْعَقْدَ
صَحِيحٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ.
فَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
الْعَقْدُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُنَا،
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَعَلَّ
وَجْهَهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِدْرَاكُ هُنَا بِإِتْمَامِ مَهْرِ
الْمِثْلِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ أَوْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي) فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ،
وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي، وَمَا لَمْ
يَقْضِ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُ الطَّلَاقِ
وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ بَاقٍ اهـ (قَوْلُهُ دَفْعًا
لِلْعَارِ) أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ
الِاعْتِرَاضُ. لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَقُّهَا
وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمُهُورِ وَيَتَعَيَّرُونَ
بِنُقْصَانِهَا فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ بَحْرٌ وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) أَيْ وَلَيْسَ لَهُمْ
طَلَبُ التَّكْمِيلِ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ
(قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ
مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهِيَ فَسْخٌ ط عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ
فَلَهَا الْمُسَمَّى) هَذَا فِي غَيْرِ السَّفِيهَةِ وَفِيهَا لَا
تَفْرِيقَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا عَلِمْته
(قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ) فَلَا يُمْكِنُ الْوَلِيُّ
طَلَبَ الْفَسْخِ، فَلَا يَلْزَمُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ إنَّمَا
يَلْتَزِمُهُ الزَّوْجُ لِخَوْفِ الْفَسْخِ وَقَدْ زَالَ النِّكَاحُ
بِالْمَوْتِ ط.
(3/94)
(أَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ
فَزَوَّجَهُ أَمَةً جَازَ وَقَالَا: لَا يَصِحُّ) وَهُوَ اسْتِحْسَانُ
مُلْتَقًى تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلُهُمَا
أَحْسَنُ لِلْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَأَقَرَّهُ
الْمُصَنِّفُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ
أَوْ مَوْلِيَّتَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِمُعَيَّنَةٍ أَوْ
بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، فَخَالَفَ أَوْ أَمَرَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا وَلَمْ
تُعَيِّنْ فَزَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
[مَطْلَبٌ فِي الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ]
(قَوْلُهُ أَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ
الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ وَذَكَرَهَا فِي بَابِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ
الْوَكَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى
الْمُوَكِّلِ وَنَفَاذِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ بِالْإِجَازَةِ يَجْعَلُهُ
فِي حُكْمِ الْوَكِيلِ، وَعَقَدَ ذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَصْلًا
عَلَى حِدَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ
بِالنِّكَاحِ بَلْ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ
يَشْهَدَ عَلَى الْوَكَالَةِ إذَا خِيفَ جَحْدُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهَا
فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) أَيْ مُنْكَرَةٍ وَيَأْتِي
مُحْتَرَزُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ
الْوَلَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْوَكِيلِ لِلتُّهْمَةِ، وَمَا لَوْ
كَانَتْ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ
مَجْنُونَةً خِلَافًا لَهُمَا أَوْ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ اتِّفَاقًا،
وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَتْحٌ زَادَ فِي الْبَحْرِ: أَوْ كِتَابِيَّةً
أَوْ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ فِي عِدَّةِ
الْمُوَكِّلِ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِنَفْيِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ جَازَ)
فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَفَذَ وَهِيَ أَنْسَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي
النَّفَاذِ لَا فِي الْجَوَازِ ح (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ) أَيْ
إذَا رَدَّهُ الْآمِرُ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِلَا يَنْفُذُ لِيُفِيدَ
أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ إلَى
إطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَعَدَمُ التُّهْمَةِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ
الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ
بِالْإِكْفَاءِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فِي تَزَوُّجِ
الْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِهِنَّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ
اسْتِحْسَانٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ
اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ
أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطَلِّقُ الزَّوْجَةِ فَكَانَتْ
الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ
مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَعْلُومَةِ
وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَيْسَ قِيَاسًا لِأَنَّهُ أَخَذَ
بِنَفْسِ اللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ فَكَانَ النَّظَرُ فِي أَيِّ
الِاسْتِحْسَانَيْنِ أَوْلَى. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ
بِنْتَه الصَّغِيرَةَ) فَلَوْ كَبِيرَةً بِرِضَاهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ
خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ بِرِضَاهَا جَازَ
اتِّفَاقًا بَحْرٌ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ
مَوْلِيَّتَهُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَرْمِيَّةٍ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ
الَّتِي هِيَ مُوَلًّى عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ أَيْ لَهُ عَلَيْهَا
الْوِلَايَةُ وَهَذَا عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَذَلِكَ كَبِنْتِ
أَخِيهِ الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِمُعَيَّنَةٍ)
مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ امْرَأَةٌ بِالتَّنْكِيرِ، وَمِثْلُهُ مَا
لَوْ عَيَّنَ الْمَهْرَ كَأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ فَإِنْ دَخَلَ
بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا فَلَهَا
الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ هِيَ
الْمُوَكِّلَةُ وَسَمَّتْ لَهُ أَلْفًا فَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ
وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ: تَزَوَّجْتُك بِدِينَارٍ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ
إنْ أَقَرَّ الزَّوْجَ أَنَّهَا لَمْ تُوَكِّلْ بِدِينَارٍ فَهِيَ
بِالْخِيَارِ، فَإِنْ رَدَّتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا
بَلَغَ، وَلَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا بِالرَّدِّ تَبَيَّنَ أَنَّ
الدُّخُولَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ
نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ
يَمِينِهَا، فَإِنْ رُدَّتْ فَبَاقِي الْجَوَابِ بِحَالِهِ وَيَجِبُ
الِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ
أَوْلَادٌ ثُمَّ تُنْكِرُ قَدْرَ مَا زَوَّجَهَا بِهِ الْوَكِيلُ،
وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرُدُّ النِّكَاحَ فَتْحٌ مُلَخَّصًا
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَذَا إنْ ذَكَرَ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ
يَذْكُرْ فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا
يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ أَوْ زَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ كَذَلِكَ
صَحَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لَكِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ
الِاعْتِرَاضِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ. اهـ.
وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ
اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّهَا فَلَوْ كَانَ
كُفُؤًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ،
فَهُوَ جَائِزٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، وَإِنْ كَانَ
لَهَا التَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَهَا
مِنْ
(3/95)
(وَلَوْ) زَوَّجَهُ الْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ
امْرَأَةٍ (امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا) يَنْفُذُ
لِلْمُخَالَفَةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا وَلَوْ فِي
عَقْدَيْنِ لَزِمَ الْأَوَّلُ وَتَوَقَّفَ الثَّانِي؛ وَلَوْ أَمَرَهُ
بِامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي
عُقْدَتَانِ جَازَ إلَّا إذَا قَالَ: لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ
فِي عَقْدَةٍ أَوْ فِي عُقْدَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمُخَالَفَةُ
(وَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِيجَابُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ عَنْ الْمَجْلِسِ
فِي سَائِرِ الْعُقُودِ) مِنْ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ
يَبْطُلُ الْإِيجَابُ، وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ اتِّفَاقًا
(وَيَتَوَلَّى طَرْفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ) بِإِيجَابٍ يَقُومُ مَقَامَ
الْقَبُولِ فِي خَمْسِ صُوَرٍ كَأَنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا مِنْ
الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا
يَنْفُذُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ
الْمُوَكِّلِ وَحُكْمُ الرَّسُولِ كَحُكْمِ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ مَا
ذَكَرْنَاهُ وَتَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالتَّزْوِيجِ إذَا
طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا صَحِيحٌ كَتَوْكِيلِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ
الْمُتَزَوِّجَةَ. فَطَلُقَتْ وَحَلَّتْ فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ
(قَوْلُهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ) نَكَّرَهَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَوْ
عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى، لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بَلْ
يَنْفُذُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَكَّلَهُ
بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ أَوْ فُلَانَةَ فَأَيَّهُمَا زَوَّجَهُ جَازَ
وَلَا يَبْطُلُ التَّوْكِيلُ بِهَذِهِ الْجَهَالَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ
لِلْمُخَالَفَةِ) تَعْلِيلٌ قَاصِرٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ
لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ
فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ
لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ
أَنْ يُجِيزَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا) اعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ بِهَذَا
عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ، وَأَجَابَ فِي
الْبَحْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَ
نِكَاحَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا نَفَذَ.
(قَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِ ط (قَوْلُهُ
إلَّا إذَا قَالَ إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَمْرُهُ بِامْرَأَتَيْنِ
فِي عُقْدَةٍ، فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ إلَّا إذَا قَالَ لَا
تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَلَا يَجُوزُ اهـ أَيْ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَاحِدَةً فَلَوْ زَوَّجَهُ ثِنْتَيْنِ فِي
عُقْدَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي
عُقْدَةٍ دَاخِلٌ تَحْتَ الْحَصْرِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ
الشَّارِحِ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَمْرُهُ بِامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُمَا
فِي عُقْدَتَيْنِ جَازَ وَفِي لَا تُزَوِّجْنِي امْرَأَتَيْنِ إلَّا فِي
عُقْدَتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ لَا يَجُوزُ. وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَثْبَتَ الْوَكَالَةَ حَالَةَ الْجَمْعِ، وَلَمْ
يَنْفِهَا حَالَةَ التَّفَرُّدِ نَصًّا، بَلْ سَكَتَ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى
الْجَمْعِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ وَفِي الثَّانِي نَفَاهَا حَالَةَ
التَّفَرُّدِ وَالنَّفْيُ مُفِيدٌ لِمَا فِي الْجَمْعِ مِنْ تَعْجِيلِ
مَقْصُودِهِ فَلَمْ يَصِرْ وَكِيلًا حَالَةَ الِانْفِرَادِ اهـ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي صُورَةِ النَّفْيِ هَذِهِ لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً
يَصِحُّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَزْوِيجِ الثَّانِيَةِ فِي عَقْدٍ
آخَرَ، وَكَذَا فِي صُورَةِ النَّفْيِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهِيَ لَا
تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ
الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ) أَيْ شَخْصٍ غَائِبٍ فَإِذَا أَوْجَبَ
الْحَاضِرُ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ، بَلْ يَبْطُلُ وَإِنْ قَبِلَ
الْعَاقِدُ الْحَاضِرَ بِأَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي
وَقَيَّدَ بِالْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَتَارَةً
يَتَوَقَّفُ كَالْفُضُولِيِّينَ، وَتَارَةً يَنْفُذُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ
فُضُولِيًّا وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْآتِيَةِ
(قَوْلُهُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: هُوَ
أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ
غَائِبٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْهَمَ الِاخْتِصَاصَ بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ (قَوْلُهُ بَلْ يَبْطُلُ) لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ
التَّوَقُّفِ أَنَّهُ تَامٌّ اكْتِفَاءٌ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ دَفَعَ
هَذَا الْإِيهَامَ بِالْإِضْرَابِ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ
يَقْبَلْ فُضُولِيٌّ عَنْ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا قِيلَ عَنْهُ تَوَقُّفٌ
عَلَى الْإِجَازَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) يَعْنِي
أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْآخَرَ الْإِيجَابُ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ
لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُجَازُ ط
(قَوْلُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ) كَقَوْلِهِ مَثَلًا: زَوَّجْت
فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ، فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ لَفْظٍ هُوَ
أَصِيلٌ فِيهِ كَتَزَوَّجْت فُلَانَةَ بِخِلَافِ مَا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ
كَزَوَّجْتُهَا مِنْ نَفْسِي وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ
كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا مِنْ
الْجَانِبَيْنِ) كَزَوَّجْت ابْنِي بِنْتَ أَخِي أَوْ زَوَّجْت مُوَكِّلِي
فُلَانًا مُوَكِّلَتِي فُلَانَةَ قَالَ ط: وَيَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى
وَكَالَتِهِ، وَوَكَالَتِهَا وَعَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ
(3/96)
وَوَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ، أَوْ
وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ آخَرَ كَزَوَّجْت بِنْتِي مِنْ
مُوَكِّلِي (لَيْسَ) ذَلِكَ الْوَاحِدُ (بِفُضُولِيٍّ) وَلَوْ (مِنْ
جَانِبٍ) وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ
قَبُولَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِيجَابَ
لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ
(وَنِكَاحُ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ) عَلَى
الْإِجَازَةِ (كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) سَيَجِيءُ فِي الْبُيُوعِ تُوقَفُ
عُقُودُهُ كُلُّهَا إنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَا تَبْطُلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الشَّاهِدَ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَاتِ الْعَدِيدَةِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا
أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا تَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ
الْجُحُودِ (قَوْلُهُ وَوَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ) كَمَا لَوْ
وَكَّلَتْهُ امْرَأَةً أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ
بِنْتُ عَمٍّ صَغِيرَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا أَقْرَبُ مِنْهُ فَقَالَ
تَزَوَّجْت مُوَكِّلَتِي أَوْ بِنْتَ عَمِّي (قَوْلُهُ كَزَوَّجْت بِنْتِي
مِنْ مُوَكِّلِي) مِثَالٌ لِلصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ
التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ
مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ) أَيْ الْمُتَوَلِّي
لِلطَّرَفَيْنِ بِفُضُولِيٍّ كَمَا فِي الْخَمْسِ الْمَارَّةِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ
جَانِبٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ أَيْ جَانِبِ الزَّوْجِ
وَالزَّوْجَةِ فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا مِنْهُمَا أَوْ كَانَ فُضُولِيًّا
مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَانَ مِنْ الْآخَرِ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ
وَلِيًّا فَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَبْطُلُ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي، حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى
قَبُولِ الْغَائِبِ، كَمَا يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا لَوْ قَبِلَ عَنْهُ
فُضُولِيٌّ آخَرُ وَالْخَمْسَةُ السَّابِقَةُ نَافِذَةٌ اتِّفَاقًا،
وَبَقِيَ صُورَةٌ عَاشِرَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ الْأَصِيلُ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهَا لِاسْتِحَالَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ
تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ كَزَوَّجْت فُلَانًا
وَقَبِلْت عَنْهُ، وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّ
الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ
فُضُولِيًّا، وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ
أَوْ بِكَلَامَيْنِ، خِلَافًا لِمَا فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ
الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ
وَاحِدٍ أَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، بَلْ
يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ اتِّفَاقًا وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ
بِأَنَّ الْحَقَّ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِي
كَلَامِ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ أَنَّ
الْفُضُولِيَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ عِنْدَهُمَا،
وَهُوَ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَبُولَهُ) أَيْ الْفُضُولِيِّ
الْمُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ:
أَنَّ الْإِيجَابَ لَمَّا صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَيْسَ لَهُ قَابِلٌ
فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ فُضُولِيًّا آخَرَ صَدَرَ بَاطِلًا غَيْرَ
مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ، فَلَا يُفِيدُ قَبُولَ الْعَاقِدِ
بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ فُضُولِيًّا مِنْ
الْجَانِبَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ كَوْنَ كَلَامِي الْوَاحِدِ
عَقْدًا تَامًّا هُوَ أَثَرُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ
مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ وِلَايَةُ الطَّرَفِ الْآخَرِ
(قَوْلُهُ وَنِكَاحُ عَبْدٍ) أَيْ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا
نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَمَةٍ) أَيْ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ
عَلَى الْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ السَّيِّدِ أَوْ إجَازَةِ الْعَبْدِ
بَعْدَ الْإِذْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
التَّجْنِيسِ: لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ أَذِنَ لَا
يَنْفُذُ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ
الْعَبْدِ الْعَاقِدِ وَإِنْ صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ
كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) أَيْ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ آخَرَ أَصِيلٍ أَوْ
وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ فُضُولِيٍّ أَمَّا لَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ
الْعَقْدِ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا،
فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْفُضُولِيُّ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ
وِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ أَهْلًا وَإِنَّمَا
زِدْنَاهُ أَيْ قَوْلُهُ أَوْ لِنَفْسِهِ لِيَدْخُلَ نِكَاحُ الْعَبْدِ
بِلَا إذْنٍ إنْ قُلْنَا إنَّهُ فُضُولِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ
فِي أَحْكَامِهِ اهـ وَالصَّبِيُّ كَالْعَبْدِ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ
يَتَصَرَّفُ لَا مَنْ يَعْقِدُ لِيَدْخُلَ الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ
طَلَاقَ زَوْجَةِ غَيْرِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ
يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ،
فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا مَا لَمْ
يَقُلْ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ، وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذَا
الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا
لَمْ تَدْخُلْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ
وَالْمُنْتَفَى (قَوْلُهُ إنْ لَهَا مُجِيزٌ إلَخْ) فَسَّرَ الْمُجِيزَ فِي
النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ، سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا
أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا، وَقَالَ فِيهَا فِي فَصْلِ بَيْعِ
الْفُضُولِيِّ لَوْ بَاعَ الصَّبِيَّ مَا لَهُ أَوْ اشْتَرَى أَوْ
تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَةً أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَنَحْوَهُ تَوَقَّفَ
عَلَى إجَازَةٍ
(3/97)
(وَلِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ
عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ) فَلَوْ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ،
حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَسَكَتَتْ أَوْ أَفْصَحَتْ
بِالرِّضَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ
وَكَذَا الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَالْحَاكِمُ وَالسُّلْطَانُ جَوْهَرَةٌ
بِهِ يُفْتِي بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ كَمَا مَرَّ فَلْيُحَرَّرْ (مِنْ
نَفْسِهِ) فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ (كَمَا
لِلْوَكِيلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْوَلِيِّ، فَلَوْ بَلَغَ هُوَ فَأَجَازَ نَفَذَ وَلَوْ طَلَّقَ أَوْ
خَلَعَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ وَهَبَ
أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَا لَهُ بِمُحَابَاةٍ
فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ
فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمُجِيزِ
وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ
لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَأَنْ
يَقُولَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ
الْعَتَاقَ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُجِيزَ هُنَا
بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا
وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ
قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى
إمْضَائِهَا فَعَلَى هَذَا فَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ
مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ
حُرَّةٌ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ
خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يَتِيمَةً فِي
دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ، وَلَا قَاضٍ لِعَدَمِ
مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، فَوَقَعَ
بَاطِلًا حَتَّى زَوَالِ الْمَانِعِ بِمَوْتِ امْرَأَتِهِ السَّابِقَةِ،
وَانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُعْتَدَّةِ فَأَجَازَ لَا يَنْفُذُ وَأَمَّا إذَا
كَانَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ لِوُجُودِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى
الْإِمْضَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَيْ وُجِدَ
سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فِي مَكَانِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ عَلَى
الْمَجْنُونَةِ أَوْ الْيَتِيمَةِ، فَيَتَوَقَّفُ أَيْ يَنْفُذُ
بِإِجَازَتِهَا بِغَيْرِ عَقْلِهَا أَوْ بُلُوغِهَا لِأَنَّ وُجُودَ
الْمُجِيزِ حَالَةَ الْعَقْدِ، لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ
النَّسَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ قَبْلَ قَوْلِهِ
وَلِلْوَلِيِّ إلَّا بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ
(قَوْلُهُ وَلِابْنِ الْعَمِّ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ:
وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ
جَانِبٍ فَيَتَوَلَّاهُ هُنَا بِالْأَصَالَةِ مِنْ جَانِبِهِ
وَالْوِلَايَةِ مِنْ جَانِبِهَا وَمِثْلُ الصَّغِيرَةِ الْمَعْتُوهَةُ
وَالْمَجْنُونَةُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ لَا وَلِيَّ
أَقْرَبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ) أَيْ إذَا
زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ تَوَلَّى طَرَفَيْ
النِّكَاحِ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ
عِنْدَهُمَا بَلْ بَطَلَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ لَا
يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَهُ بِالسُّكُوتِ أَوْ الْإِيضَاحِ، وَهَذَا
إذَا زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا أَمَّا لَوْ زَوَّجَهَا
لِغَيْرِهِ، وَبِلَا اسْتِئْذَانٍ سَابِقٍ، فَسَكَتَتْ بِكْرًا أَوْ
أَفْصَحَتْ بِالرِّضَا ثَيِّبًا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّهُ انْعَقَدَ
مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ بِنَفْسِهِ، بَلْ
بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَصِيلٍ، أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ
أَوْ فُضُولِيٍّ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ
كَنِكَاحِ فُضُولِيٍّ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
قَوْلِهِ وَلِابْنِ الْعَمِّ إلَى قَوْلِهِ السُّلْطَانُ عِبَارَةُ
الْجَوْهَرَةِ ح (قَوْلُهُ يَعْنِي بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ إلَخْ)
تَوْضِيحُهُ أَنَّ قَوْلَ الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا الْمَوْلَى إلَخْ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ الْعَمِّ أَوَّلًا غَيْرُ قَيْدٍ: بَلْ
الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ،
وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ جَارٍ فِي الصَّغِيرَةِ
وَالْكَبِيرَةِ أَيْ يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الصَّغِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ،
وَكَذَا الْكَبِيرَةَ لَكِنْ بِالِاسْتِئْذَانِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي
الْكَبِيرَةِ أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ
وَالسُّلْطَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَا صَغِيرَةً لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُهُمَا
لِأَنَّ فِعْلَهُمَا حُكْمٌ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ
الْجَوْهَرَةِ وَكَذَا إلَخْ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: فَلَوْ كَبِيرَةً
لِبَيَانِ تَعْمِيمِ الْوَلِيِّ فِيهَا فَقَطْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
الشَّارِحِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ كَمَا مَرَّ أَيْ فِي الْفُرُوعِ مِنْ
الْبَابِ السَّابِقِ، فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ
الصَّغِيرَةِ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ لَكِنْ بَعْدَ حَمْلِ كَلَامِ
الْجَوْهَرَةِ عَلَى هَذَا يَبْقَى فِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ
الْحَاكِمَ وَالسُّلْطَانُ لَا يُزَوِّجَانِ الصَّغِيرَةَ لِنَفْسِهِمَا
لِأَنَّ فِعْلَهُمَا حُكْمٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي
الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ فَقِرَانُهُ مَعَهُمَا فِي الذِّكْرِ، وَإِنْ
ظَهَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبِيرَةِ لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّغِيرَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ
بِالْكَبِيرَةِ، فَلِذَا قَالَ فَلْيُحَرَّرْ فَافْهَمْ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَزَوُّجِ الْمَوْلَى
الْمُعْتِقِ مُعْتَقَتَهُ الصَّغِيرَةَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ الْأَوْلَى
أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ
(3/98)
الَّذِي وَكَّلْته أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى
نَفْسِهِ فَإِنَّ لَهُ (ذَلِكَ) فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا
مِنْ آخَرَ (بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ رَجُلٍ
فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهَا نَصَّبَتْهُ مُزَوِّجًا لَا
مُتَزَوِّجًا (أَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِهَا أَوْ
قَالَتْ لَهُ زَوِّجْ نَفْسِي مِمَّنْ شِئْت) لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا
مِنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
هُوَ الْوَلِيُّ الْمُجْبَرُ فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبِهِ وَلِيًّا
مِنْ جَانِبِهَا كَابْنِ الْعَمِّ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ:
وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ
جَانِبٍ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ الَّتِي هِيَ
غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ إذْ لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ فِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ
أَنَّ فِعْلَهُ حُكْمٌ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَا
مَانِعَ فِي الْمَوْلَى، فَيَبْقَى دَاخِلًا تَحْتَهَا وَأَيْضًا لَوْ
كَانَ الْمَوْلَى كَالْحَاكِمِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا
مِنْ ابْنِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ،
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي
الصَّغِيرَةَ الَّتِي هُوَ وَلِيُّهَا مِنْ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ
كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ
الْقَاضِي حُكْمٌ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ
الْوَلِيِّ اهـ. فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ يَشْمَلُ
الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ كَالْقَاضِي.
[تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَأَنَّ لَهُ
وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ
سَفَلُوا ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ كَمَا فِي
الْفَتْحِ، وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ لَهُ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ
لِنَفْسِهِ، فَكَذَا بَنُوهُ وَعَصَبَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ امْرَأَةً
تُزَوِّجُ مُعْتَقَهَا الصَّغِيرَ لِنَفْسِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ) فِي الْمُغْرِبِ زَوَّجَتْهُ امْرَأَةً
وَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ،
وَلَا زَوَّجْت مِنْهُ امْرَأَةً (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ
تَزْوِيجَهَا لِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعَرِّفَهَا الشُّهُودَ، أَوْ
يَذْكُرَ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَجَدِّهَا أَوْ تَكُونُ حَاضِرَةً
مُنْتَقِبَةً، فَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَعِنْدَ الْخَصَّافِ لَا
يُشْتَرَطُ كُلُّ ذَلِكَ: بَلْ يَكْفِي قَوْلُهُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ
مُوَكِّلَتِي كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا
الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَرْطِ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ
إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: فَإِنَّ لَهُ إخْرَاجَ إعْرَابِ الْمَتْنِ عَنْ
أَصْلِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ اللَّفْظَ،
وَإِنَّمَا زَادَهُ لِإِصْلَاحِ الْمَتْنِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ
كَمَا لِلْوَكِيلِ الْكَافُ فِيهِ لِلتَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ ابْنِ
الْعَمِّ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ كَافَّةٌ وَلِلْوَكِيلِ خَبَرٌ
مُقَدَّمٌ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ أَنَّ وَصِلَتِهَا مُبْتَدَأٌ
مُؤَخَّرٌ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ بَدَلٌ مِنْهُ وَفِيهِ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الْوَكِيلِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَكِيلٌ
مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَالثَّانِي: إنَّهُ لَا
حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَأَصْلَحَ الشَّارِحُ
الْأَوَّلَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ الَّذِي وَكَّلْته، وَالثَّانِي
بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فَإِنَّ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لِلْوَكِيلِ
خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ نَفْسِهِ،
وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِدَلَالَةِ التَّشْبِيهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ
الَّذِي وَكَّلْته إلَخْ نَعْتٌ لِلْوَكِيلِ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا
السَّبْكِ. نَعَمْ يُمْكِنُ إصْلَاحُ كَلَامِ الْمَتْنِ بِدُونِهِ بِجَعْلِ
اسْمِ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأً، وَلِلْوَكِيلِ خَبَرَهُ وَقَوْلُهُ أَنْ
يُزَوِّجَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ مُتَعَلِّقٌ
بِالْوَكِيلِ، وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ
هَذَا اللَّفْظِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا خَلَلَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ رَجُلٍ) أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا
الْمُعَيَّنُ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: رَجُلٌ
وَكَّلَ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوَّجْت نَفْسَهَا مِنْهُ لَا
يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ) وَكَذَا لَوْ
زَوَّجَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ
لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إلَخْ)
يُوهِمُ الْجَوَازَ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، وَقَدْ
عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ أَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ
فِي أَمْرِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا لَا يَمْلِكُ
أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَهَذَا أَوْلَى هِنْدِيَّةٌ عَنْ
التَّجْنِيسِ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ صِحَّةُ تَزْوِيجِهَا: مِنْ غَيْرِهِ
وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْقَرِينَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ
قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ تَزْوِيجِهَا مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ
خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ: أَنْتَ وَكِيلٌ فِي أُمُورِي (قَوْلُهُ
أَوْ قَالَتْ لَهُ) فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا
بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ
فَهِيَ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ
جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى
(3/99)
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعْرِفَةٌ بِالْخِطَابِ فَلَا يَدْخُلُ
تَحْتَ النَّكِرَةِ
(وَلَوْ أَجَازَ) مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ (نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ
مَوْتِهِ صَحَّ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُ وَأَحَدُ
الْعَاقِدَيْنِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ (بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِهِ) فَإِنَّهُ
يَشْتَرِطُ قِيَامَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا سَيَجِيءُ.
[فُرُوعٌ] الْفُضُولِيُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ
النِّكَاحِ
بِخِلَافِ الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ عَقْدِ الْوَكِيلِ مُوَافَقَتُهُ
فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَحُكْمُ رَسُولٍ كَوَكِيلٍ. |