رد
المحتار على الدر المختار بَابُ الْمَهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ ذَهَبَ
إلَى أَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْ الْوَكِيلِ أَنَّهُ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا
فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ بَلْ
يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا لِأَنَّهُ صَارَ فُضُولِيًّا مِنْ
جَانِبِهَا (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهَا
وَكَّلْتُك أَنْ تُزَوِّجَنِي مِنْ رَجُلٍ؛ الْكَافُ فِيهِ لِلْخِطَابِ،
فَصَارَ الْوَكِيلُ مَعْرِفَةً وَقَدْ ذَكَرَتْ رَجُلًا مُنَكَّرًا
وَالْمُعَرَّفُ غَيْرُهُ، وَكَذَا قَوْلُهَا مِمَّنْ شِئْت فَإِنَّهُ
بِمَعْنَى أَيَّ رَجُلٍ شِئْته
(قَوْلُهُ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ) هُوَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصِيلًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا
فَإِنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ فُضُولِيٍّ
تَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ فُضُولِيًّا بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ
الْعَاقِدَيْنِ فُضُولِيَّيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ
الْمَعْقُودِ لَهُمَا فَقَطْ (قَوْلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) وَهُمْ
الْعَاقِدَانِ، وَالْمَبِيعُ وَصَاحِبُهُ، وَيُزَادُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ
عَرَضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ
فِي الْبُيُوعِ
[فُرُوعٌ الْفُضُولِيُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ
النِّكَاحِ]
(قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ النِّكَاحِ) أَيْ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: الْعَاقِدُونَ فِي الْفَسْخِ أَرْبَعَةٌ عَاقِدٌ
لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهُوَ الْفُضُولِيُّ حَتَّى
لَوْ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِلَا إذْنِهِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ
إجَازَتِهِ فَسَخْت لَا يَنْفَسِخُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا
يَتَوَقَّفُ الثَّانِي، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ، وَعَاقِدٌ
يَفْسَخُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْوَكِيلُ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ إذَا
خَاطَبَ عَنْهَا فُضُولِيٌّ، فَهَذَا الْوَكِيلُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ
يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا لَا يَنْفَسِخُ
الْأَوَّلُ وَعَاقِدٌ يَفْسَخُ بِالْفِعْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْفُضُولِيُّ
إذَا زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِلَا إذْنِهِ ثُمَّ وَكَّلَهُ الرَّجُلُ
أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهُ أُخْتَ
الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى، وَلَوْ فَسَخَهُ بِالْقَوْلِ لَا
يَصِحُّ، وَعَاقِدٌ يَفْسَخُ بِهِمَا وَهُوَ الْوَكِيلُ بِتَزْوِيجِ
امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً خَاطَبَ عَنْهَا
فُضُولِيٌّ فَإِنَّ فَسَخَهُ الْوَكِيلُ أَوْ زَوَّجَهُ أُخْتِهَا
انْفَسَخَ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيْعِ
تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرُ،
بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ لَهُ
عِمَادِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى)
قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ
وَحُكْمُ رَسُولٍ كَوَكِيلٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ذَكَرَ فِي الرَّسُولِ
مِنْ مَسَائِلِ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ قَالَ إذَا أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ
رَسُولًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَقَالَ إنَّ
فُلَانًا يَسْأَلُك أَنْ تُزَوِّجِيهِ نَفْسَك، فَأَشْهَدَتْ أَنَّهَا
زَوَّجَتْهُ وَسَمِعَ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا أَيْ كَلَامَهَا وَكَلَامَ
الرَّسُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالرِّسَالَةِ
أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا، فَلَا
نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الرِّسَالَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَانَ
الْآخَرُ فُضُولِيًّا، وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِصُنْعِهِ. وَلَا يَخْفَى
أَنَّ مِثْلَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَكِيلِ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعًا
كُلُّهَا تَجْرِي فِي الْوَكِيلِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ النِّكَاحِ
أَحْكَامَ التَّزَوُّجِ بِإِرْسَالِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمَهْرِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ رُكْنِ النِّكَاحِ وَشَرْطِهِ شَرَعَ فِي
بَيَانِ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمَهْرُ فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ،
فَكَانَ حُكْمًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ
بِأَنَّ الْمُسَمَّى مِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ
بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ هُوَ
أَثَرُهُ الثَّابِتُ بِهِ وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ مَهْرُ
الْمِثْلِ، وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ
النِّكَاحِ وَأَمَّا الْمُسَمَّى، فَإِنَّمَا قَامَ مَقَامَهُ لِلتَّرَاضِي
بِهِ ثُمَّ عَرَّفَ الْمَهْرَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَالِ
الَّذِي يَجِبُ
(3/100)
وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الصَّدَاقُ
وَالصَّدَقَةُ، وَالنِّحْلَةُ، وَالْعَطِيَّةُ، وَالْعُقْرُ. وَفِي
اسْتِيلَادِ الْجَوْهَرَةِ الْعُقْرُ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ
وَفِي الْإِمَاءِ عُشْرُ قِيمَةِ الْبِكْرِ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ
الثَّيِّبِ.
(أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «لَا
مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَرِوَايَةُ الْأَقَلِّ تُحْمَلُ
عَلَى الْمُعَجَّلِ (فِضَّةً وَزْنُ سَبْعَةٍ) مَثَاقِيلَ كَمَا فِي
الزَّكَاةِ (مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ لَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ إمَّا
بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْعَقْدِ، وَاعْتُرِضَ بِعَدَمِ شُمُولِهِ
لِلْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَمِنْ ثَمَّ عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ
بِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ
الْوَطْءِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مَهْرٌ هُوَ
حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْعَقْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ
إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً غَيْرَهَا كَالْأَجْرِ وَالْعَلَائِقِ
وَالْحِبَاءِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي
قَوْلِهِ:
صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ
عَلَائِقُ
لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَطِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ (قَوْلُهُ وَفِي
اسْتِيلَادٍ مِنْ الْجَوْهَرَةِ) أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ
الْجَوْهَرَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فِي
الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَتَفْصِيلُهُ
(قَوْلُهُ وَفِي الْإِمَاءِ إلَخْ) أَيْ عُشْرُ قِيمَةِ الْأَمَةِ إنْ
كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ نُقْصَانِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ
عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ نَقَصَ وَجَبَ تَكْمِيلُهُ إلَى
الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ
مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ مُسَمًّى ح قُلْت: وَقَالَ فِي الْقَبْضِ بَعْدَ
نَقْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ، وَقِيلَ
فِي الْجَوَارِي يُنْظَرُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ جَمَالًا
وَمَوْلًى بِكَمْ تَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي
عِنْدَ ذِكْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ بِقَدْرِ
الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَفِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ مِنْ الْفَتْحِ
الْعُقْرُ هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ أَيْ مَا يُرْغَبُ بِهِ
فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ
مِثْلُهَا لِلزِّنَى لَوْ جَازَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ بَلْ الْعَادَةُ أَنَّ
مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا لِأَنَّ الثَّانِيَ
لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ
حَجَرٍ: إنَّهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَسَنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ وَرِوَايَةُ الْأَقَلِّ إلَخْ) أَيْ مَا
يَدُلُّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَلَى
مَجَازِ التَّقْدِيرِ بِأَقَلَّ عَلَى عَشَرَةٍ وَكُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ
إلَّا حَدِيثَ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» يَجِبُ حَمْلُهَا
عَلَى أَنَّهُ الْمُعَجَّلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَهُمْ
تَعْجِيلُ بَعْضِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ شَيْئًا
لَهَا تَمَسُّكًا «بِمَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلِيًّا أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى
يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ
فَقَالَ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّدَاقَ كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ
دِرْهَمٍ وَهِيَ فِضَّةٌ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا
رَوَتْ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ أَمَرَنِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ
امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ؛ أَيْ نَدْبِ
تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا
لِقَلْبِهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ
مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَهَذَا وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي حَدِيثِ «الْتَمِسْ
وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ
قَالَ فِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ
حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ
بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى
- {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]- فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ
بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ
لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا
يَنْسَخُ الْقَطْعِيَّ فِي الدَّلَالَةِ وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِضَّةً) تَمْيِيزٌ مَنْصُوبٌ أَوْ مَجْرُورٌ
فَدَرَاهِمُ تَمْيِيزٌ لِعَشَرَةٍ وَفِضَّةٌ تَمْيِيزٌ لِدِرْهَمٍ عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آلَةُ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ وَزْنٌ) بِالرَّفْعِ
صِفَةُ عَشَرَةٍ وَبِالنَّصْبِ حَالٌ عَلَى تَقْدِيرِ ذَاتِ وَزْنٍ ط
(لِدَرَاهِمَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) هُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دِرْهَمٍ
أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا شُرُنْبُلَالِيَّةً (قَوْلُهُ مَضْرُوبَةً
كَانَتْ أَوْ لَا) فَلَوْ سَمَّى
(3/101)
وَلَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قِيمَتُهُ
عَشَرَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَمَّا فِي ضَمَانِهَا بِطَلَاقٍ قَبْلَ
الْوَطْءِ فَيَوْمَ الْقَبْضِ (وَتَجِبُ) الْعَشَرَةُ (إنْ سَمَّاهَا أَوْ
دُونَهَا وَ) يَجِبُ (الْأَكْثَرُ مِنْهَا إنْ سَمَّى) الْأَكْثَرَ
وَيَتَأَكَّدُ (عِنْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ صَحَّتْ) مِنْ الزَّوْجِ (أَوْ
مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَوْ تَزَوَّجَ ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَشَرَةً تِبْرًا أَوْ عَرْضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ تِبْرًا لَا مَضْرُوبَةً
صَحَّ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْمَصْكُوكَةُ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ
لِلْقَطْعِ تَقْلِيلًا لِوُجُودِ الْحَدِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ
دَيْنًا) أَيْ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا أَمَّا
الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
عَشَرَةٍ لَهُ عَلَى زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَأْخُذُهَا مِنْ
أَيِّهِمَا شَاءَتْ فَإِنْ اتَّبَعَتْ الْمَدْيُونَ أُجْبِرَ الزَّوْجُ
عَلَى أَنْ يُوَكِّلَهَا بِالْقَبْضِ مِنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ: أَيْ
لِئَلَّا يَلْزَمَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ
الدَّيْنُ. اهـ. ح لَكِنْ إذَا أُضِيفَ النِّكَاحُ إلَى دَرَاهِمَ فِي
ذِمَّتِهَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ لَا بِالْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمِثْلِ لِئَلَّا
يَكُونَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَرْضًا) وَكَذَا لَوْ
مَنْفَعَةً كَسُكْنَى دَارِهِ، وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ
حَيْثُ عُلِمَتْ الْمُدَّةُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ.
قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ
بِمُقَابَلَتِهَا لِيَخْرُجَ مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ
التَّسْمِيَةِ فِي خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحَرِّ لَهَا وَتَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ) أَيْ وَإِنْ
صَارَتْ يَوْمَ التَّسْلِيمِ ثَمَانِيَةً، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا هُوَ
وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَهَا الْعَرْضُ الْمُسَمَّى وَدِرْهَمَانِ،
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ
لِأَنَّ مَا جُعِلَ مَهْرًا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا
التَّغَيُّرُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ
أَمَّا فِي ضَمَانِهَا إلَخْ) : يَعْنِي أَمَّا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِهَا
إلَخْ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ وَقِيمَتُهُ
عَشَرَةٌ فَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ وَالثَّوْبُ مُسْتَهْلَكٌ رَدَّتْ عَشَرَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا
دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ
الْقَبْضِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَالْهَلَاكُ كَالِاسْتِهْلَاكِ
لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَاخَذْ بِمَا زَادَ فِي قِيمَتِهِ بَعْدَ
الْقَبْضِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، فَفِي الْهَلَاكِ بِالْأَوْلَى، وَأَفَادَ
أَنَّهُ لَوْ قَائِمًا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الطَّلَاقِ لَا يَوْمَ
الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا لِيُعْطِيَهَا نِصْفَ
قِيمَتِهِ، بَلْ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّبُ بِالْقِسْمَةِ كَمَكِيلٍ
وَمَوْزُونٍ أَخَذَ نِصْفَهُ، وَإِلَّا بَقِيَ مُشْتَرَكًا بَعْدَ
الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ
مُسَلِّمًا لَهَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهَا، وَيَتَوَقَّفُ عَوْدُهُ، إلَى
مِلْكِهِ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهَا
فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَصَرُّفُهُ كَذَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ
أَبُو السُّعُودِ، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ
تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى
الْقَبُولِ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لَا
وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ الْمُطَالَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ
وَكَذَا بَعْدَهُ إذَا صَارَ مُشْتَرَكًا لَا وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ عَلَى
قَبُولِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعَشَرَةُ إنْ
سَمَّاهَا إلَخْ) هَذَا إنْ لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ،
فَلَوْ كَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ
كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ
بِكَسَادِ الثَّمَنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْأَكْثَرُ) أَيْ بَالِغًا
مَا بَلَغَ فَالتَّقْدِيرُ بِالْعَشَرَةِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ (قَوْلُهُ
وَيَتَأَكَّدُ) أَيْ الْوَاجِبُ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ الْأَكْثَرَ
وَأَفَادَ أَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنْ مَعَ
احْتِمَالِ سُقُوطِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ
تَنَصُّفِهِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ
لُزُومُ تَمَامِهِ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ
مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ وَطْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْوُجُوبِ غَيْرُ
مُسَلَّمٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ: وَإِذَا تَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَسْقُطُ
بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا لِأَنَّ
الْبَدَلَ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ إلَّا
بِالْإِبْرَاءِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ صَحَّتْ) احْتِرَازٌ عَنْ الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا
سَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ عَلَى الزَّوْجِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ
وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ عَلَى التَّنَازُعِ لَا بِقَوْلِهِ صَحَّتْ حَتَّى
يُرَدَّ أَنَّ شُرُوطَ الصِّحَّةِ لَيْسَتْ مِنْ جَانِبِهِ فَقَطْ
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ ثَانِيًا) هَذَا مُؤَكِّدٌ رَابِعٌ زَادَهُ فِي
الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ رَابِعٌ،
وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا
بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَبَ
(3/102)
أَوْ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِنَحْوِ
حَجَرٍ بِخِلَافِ إزَالَتِهَا بِدَفْعَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ
بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ وَلَوْ الدَّفْعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَعَلَى
الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ
الدُّخُولِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ نَهْرٌ بَحْثًا -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَالُ الْمَهْرِ الثَّانِي بِدُونِ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ لِأَنَّ
وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَوْقَ الْخَلْوَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي
النَّهْرِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِيمَا قَبْلَهُ،
وَهُوَ الْوَطْءُ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّهُ فِي
هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَامٌّ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ
مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ
لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ
الْعَشَرَةِ الْمُبَيَّنَةِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ
الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ إزَالَةُ بَكَارَتِهَا
إلَخْ) هَذَا مُؤَكِّدٌ خَامِسٌ زَادَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ خَامِسٌ، وَهُوَ مَا لَوْ أَزَالَ
بَكَارَتَهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهَا كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا
صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهَا بِدَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ
النِّصْفُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ
فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ
الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ، وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ
مِثْلِهَا. اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَفِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي
يَظْهَرُ لِي دُخُولُ هَذَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْخَلْوَةُ لِأَنَّ
الْعَادَةَ أَنَّ إزَالَةَ الْبَكَارَةِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ كَإِصْبَعٍ
إنَّمَا تَكُونُ فِي الْخَلْوَةِ، فَلِذَا وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ،
بِخِلَافِ إزَالَتِهَا بِدَفْعَةٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ حُصُولُهَا فِي
غَيْرِ خَلْوَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي جِنَايَاتِ
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ دَفَعَ
امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا، ثُمَّ
طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ
وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ وَجَبَ لَهَا
مَهْرَانِ اهـ أَيْ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَمَهْرٌ
بِإِزَالَةِ الْعُذْرَةِ بِالدَّفْعِ كَمَا فِي جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ
فَقَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ذَكَرَ
مِثْلَهُ فِي جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَا
وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ وَمُشِيرٌ إلَى
أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَجَرِ فِي الْخَلْوَةِ إذْ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ
بَيْنَ مُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِحَجَرٍ أَوْ دَفْعَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
أَنَّ الْمُفَادَ مِنْ إيجَابِ نِصْفِ الْمَهْرِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ
أَنَّ الزَّوْجَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي إزَالَةِ بَكَارَةِ
الزَّوْجِيَّةِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لِأَنَّ وُجُوبَ نِصْفِ الْمَهْرِ
عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِلَّا
لَوَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرٌ آخَرُ لِإِزَالَتِهَا بِالدَّفْعِ كَمَا فِي
مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْغَيْرِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لُزُومَ كَمَالِ
الْمَهْرِ فِيمَا لَوْ أَزَالَهَا بِحَجَرٍ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ
الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ لَا بِسَبَبِ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ،
وَإِلَّا لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ
ضَرَبَهَا بِحَجَرٍ بِدُونِ خَلْوَةٍ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ
الْخَلْوَةِ أَيْضًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ
كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ
إزَالَتِهَا بِحَجَرٍ أَوْ دَفْعٍ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ
بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ بِكْرًا أَجْنَبِيَّةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً
فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِيمَا لَوْ
أَزَالَهَا بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الدَّفْعِ
وَالْحَجَرِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا
فِي الزَّوْجَةِ مِنْ حَيْثُ الْخَلْوَةُ وَعَدَمُهَا إذْ لَا شَيْءَ عَلَى
الزَّوْجِ فِي مُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِالدَّفْعِ لِمِلْكِهِ ذَلِكَ
بِالْعَقْدِ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ بِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ
وَحَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ لَا يَلْزَمُهُ
شَيْءٌ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا
فَرْقَ بَيْنَ آلَةٍ وَآلَةٍ فِي هَذِهِ الْإِزَالَةِ فَالدَّفْعُ غَيْرُ
قَيْدٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي جِنَايَاتِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ صَرَّحَ
بِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَزَالَ عُذْرَتَهَا بِالْأُصْبُعِ لَا يَضْمَنُ
وَيُعَزَّرُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَهَلْ
تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا
بِكْرًا؟ الظَّاهِرُ لَا فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنِّينًا بِذَلِكَ، وَيَكُونُ
لَهَا حَقُّ التَّفْرِيقِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِمَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ
بِذَلِكَ الْعَجْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ عَلَى
الزَّوْجِ نِصْفَ الْمُسَمَّى كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ
طَلُقَتْ) أَيْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) رَاجِعٌ
إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا
وَجَبَ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ.
وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُعْلَمُ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَدْفُوعَةُ
مُتَزَوِّجَةً فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ
كَامِلًا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ
فَتَدَبَّرْهُ انْتَهَى كَلَامُ النَّهْرِ وَفِيهِ: أَنَّ عِبَارَةَ
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ
مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا كَمَا
(3/103)
(وَ) يَجِبُ (نِصْفُهُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ
وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ) فَلَوْ كَانَ نِكَاحٌ عَلَى مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ
كَانَ لَهَا نِصْفُهُ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ (وَعَادَ النِّصْفُ إلَى
مِلْكِ الزَّوْجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَا يَخْفَى، وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ إيجَابَهُمْ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ
عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ
اهـ ح. وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي
الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْوَجْهُ لِمَا
عَلِمْت مِنْ أَنَّ إزَالَةَ الْبَكَارَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ
الزَّوْجِ تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُزِيلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ
بِدَفْعٍ أَوْ حَجَرٍ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ نِصْفِ الْمُسَمَّى
عَلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ
فَإِنَّ سَبَبَ إيجَابِ الْمَهْرِ كَامِلًا عَلَى الدَّافِعِ الْجِنَايَةُ
وَسَبَبُ إيجَابِ النِّصْفِ عَلَى الزَّوْجِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَا
وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ مُنْقِصًا لِلْجِنَايَةِ، حَتَّى أَوْجَبَ
النِّصْفَ عَلَى الْجَانِي لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ
إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لِوُجُوبِ
الْمَهْرِ كَامِلًا عَلَى الزَّوْجِ. هَذَا، وَفِي الْمِنَحِ عَنْ
جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى:
وَلَوْ افْتَضَّ مَجْنُونٌ بَكَارَةَ امْرَأَةٍ بِإِصْبَعٍ، فَقَدْ أَشَارَ
فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا افْتَضَّهَا كَرْهًا
بِإِصْبَعٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَتَّى أَفْضَاهَا
فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُونَ أَنَّ هَذَا
وَقَعَ سَهْوًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْآلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِقَضَاءِ
الشَّهْوَةِ وَالْوَطْءِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِافْتِضَاضَ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ،
وَالْإِفْضَاءُ خَلْطُ مَسْلَكَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَشْهُورُ
فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَنَّ مُوجَبَ الْأَوَّلِ
مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةِ الْوَطْءِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا
قَدَّمْنَاهُ، وَمُوجِبُ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً إنْ لَمْ
تَسْتَمْسِكْ الْبَوْلَ وَإِلَّا فَثُلُثُهَا لِأَنَّهَا جِرَاحَةُ
جَائِفَةٍ، وَهَذَا لَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ
يَجِبْ فِي الْأَوَّلِ ضَمَانٌ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا فِي الثَّانِي
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ جَعَلَ الزَّوْجَ فِيهِ
كَأَجْنَبِيٍّ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ وَهْبَانَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِي سَلَسِ الْبَوْلِ الدِّيَةُ وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ
فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، بِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الزَّوْجِ،
وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ
الْعَشَرَةُ إنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْهَا إنْ
سَمَّاهُ، وَالْمُتَبَادِرُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَخَرَجَ مَا
فُرِضَ أَوْ زِيدَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يُنَصَّفُ كَالْمُتْعَةِ
كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ
بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ
امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا
ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَسَقَطَ
الشَّرْطُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ
وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَسَقَطَ
اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ
إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا
هَدِيَّةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْهَدِيَّةِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا
مَدْخَلَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَسْقُطُ
اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ
عَلَى أَلْفَيْنِ حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ
بِطَلَاقٍ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ لِمَا مَرَّ مِنْ
أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْعَقْدِ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَوْ
قَالَ بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهِ لَشَمِلَ مِثْلَ رِدَّتِهِ وَزِنَاهُ
وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا قَبْلَ
الْخَلْوَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ النَّظْمِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ
خَلْوَةٍ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ
الدُّخُولَ يَشْمَلُ الْخَلْوَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا دُخُولٌ حُكْمًا كَمَا
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّ الْقَوْلَ
لَهَا لَوْ ادَّعَتْ الدُّخُولَ وَأَنْكَرَهُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ سُقُوطَ
النِّصْفِ (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ نَكَحَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى
قَوْلِهِ وَيَجِبُ نِصْفُهُ الشَّامِلُ لِلْعَشْرِ فِيمَا لَوْ سَمَّى مَا
دُونَهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى مَا قِيمَتُهُ
دُونَ الْعَشَرَةِ لَزِمَ خَمْسَةٌ أُخْرَى تَكْمِلَةَ الْعَشَرَةِ لَمَّا
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَنِصْفُ
التَّكْمِلَةِ (قَوْلُهُ وَعَادَ النِّصْفُ مِلْكَ الزَّوْجِ) أَيْ وَلَوْ
كَانَ تَبَرَّعَ بِهِ عَنْهُ آخَرُ، وَإِذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ
الدُّخُولِ مِنْ قِبَلِهَا عَادَ إلَيْهِ الْكُلُّ:
(3/104)
بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ
مُسَلَّمًا لَهَا، وَإِنْ) كَانَ (مُسَلَّمًا) لَهَا لَمْ يَبْطُلْ
مِلْكُهَا مِنْهُ بَلْ (تَوَقَّفَ) عَوْدُهُ إلَى مِلْكِهِ (عَلَى
الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) فَلِهَذَا (لَا نَفَاذَ لِعِتْقِهِ) أَيْ
الزَّوْجِ (عِيدَ الْمَهْرُ بَعْدَ طَلَاقِهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ
الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ قَبْلَهُ (وَنَفَذَ تَصَرُّفُ
الْمَرْأَةِ) قَبْلَهُ (فِي الْكُلِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا) وَعَلَيْهَا
نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ
الْمُنْفَصِلَةَ تَنْتَصِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ تَبَرَّعَ بِالْمَهْرِ عَنْ
الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ
مِنْ قِبَلِهَا يَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْكُلُّ فِي
الثَّانِي إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ بِقَضَاءِ
الدَّيْنِ إذَا ارْتَفَعَ السَّبَبُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْقَاضِي إنْ
كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ) أَيْ
بِالطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا (قَوْلُهُ إذَا لَمْ
يَكُنْ مُسَلَّمًا لَهَا) وَكَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا لَمْ تَقْبِضْهُ،
فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ، وَيَبْقَى النِّصْفُ
كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ بَلْ تَوَقَّفَ عَوْدُهُ) أَيْ عَوْدُ
النِّصْفِ إلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ
فَقَدْ بَقِيَ الْقَبْضُ بِالتَّسْلِيطِ الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ، وَأَنَّهُ
مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْفَسْخِ مِنْ
الْقَاضِي لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ بِتَسْلِيمِهَا
لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً بَدَائِعُ (قَوْلُهُ عَبْدَ
الْمَهْرِ) مَفْعُولٌ لِعِتْقِ وَالْمُرَادُ نِصْفُهُ وَكَذَا كُلُّهُ
بِالْأَوْلَى إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ بَعْدَ
طَلَاقِهَا قَبْلَهُ) الظَّرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِعِتْقٍ (قَوْلُهُ
وَنَحْوِهِ) الْمُرَادُ بِهِ الرِّضَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ
قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي
بَعْدَ الْعِتْقِ بِالنِّصْفِ لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ
لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا
أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ
الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُ الْمَرْأَةِ) مِنْ جُمْلَةِ الْمُفَرَّعِ
عَلَى قَوْلِهِ بَلْ تَوَقَّفَ إلَخْ ط، وَشَمِلَ التَّصَرُّفُ الْعِتْقَ
وَالْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ
وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ إلَخْ)
لِأَنَّهُ إذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ
النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلزَّوْجِ يَوْمَ
قَبَضَتْ بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا
(قَوْلُهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ
التَّقْيِيدِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ لَوْ زَادَ بَعْدَ
الْقَبْضِ لَا تُضْمَنُ الزِّيَادَةُ، لَكِنْ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ
لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ إمَّا مُتَّصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ
الْأَصْلِ كَسِمَنِ الْجَارِيَةِ وَجَمَالِهَا وَإِثْمَارِ الشَّجَرِ أَوْ
غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ أَوْ
مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ إذَا جُذَّ أَوْ
غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَكُونَ
قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَنَصَّفُ إلَّا الْغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ
بِقِسْمَيْهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَتَنَصَّفُ، فَالْأَقْسَامُ
ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الزِّيَادَةَ لَا تَنْتَصِفُ بَلْ تُسَلَّمُ لِلزَّوْجَةِ إذَا حَدَثَتْ
بَعْدَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ
مُتَوَلِّدَةٍ مُتَّصِلَةً وَمُنْفَصِلَةً فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ
أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ
تَتَنَصَّفُ دُونَ غَيْرِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ هَذَا إذَا
حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ
قَبْلَ الْقَبْضِ تَنَصَّفَتْ كَالْأَصْلِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ.
فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِلزَّوْجِ بِالنِّصْفِ فَكَذَلِكَ،
وَإِلَّا فَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ
لِأَنَّهُ فَسَدَ مِلْكُهَا النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ، وَبَقِيَ مَسَائِلُ نُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَهِيَ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ صُورَةً مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ
قَبْلَ الْقَبْضِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ تَتَنَصَّفُ، وَالْوَاقِعُ فِي
النَّهْرِ وَغَيْرِهِ جَعْلُهُ ظَرْفًا لِلزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْمُؤَدَّى
وَاحِدٌ ط
قُلْت: وَيَصِحُّ جَعْلُ الظَّرْفِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ
زِيَادَةٍ فَتَتَّحِدُ الْعِبَارَتَانِ
[مَطْلَبٌ نِكَاحُ الشِّغَارِ]
ِ (قَوْلُهُ فِي الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ مَصْدَرُ شَاغَرَ اهـ ح
(قَوْلُهُ هُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَنْ
يُشَاغِرَ الرَّجُلَ: أَيْ يُزَوِّجَهُ حَرِيمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ
الْآخَرُ حَرِيمَتَهُ وَلَا مَهْرَ إلَّا هَذَا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ:
أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعَ كُلٍّ صَدَاقًا عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا
الْمُقَيَّدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مُسَمَّى الشِّغَارِ، حَتَّى لَوْ لَمْ
يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ
تُزَوِّجَنِي بِنْتَك فَقَبِلَ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي
صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه
وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا لَمْ يَكُنْ شِغَارًا بَلْ نِكَاحًا صَحِيحًا
اتِّفَاقًا وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ، لِمَا أَنَّهُ
سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا، وَأَصْلُ الشُّغُورِ: الْخُلُوُّ،
يُقَالُ بَلْدَةٌ شَاغِرَةٌ إذَا خَلَتْ عَنْ السُّكَّانِ، وَالْمُرَادُ
هُنَا الْخُلُوُّ عَنْ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ
كَأَنَّهُمَا أَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مُعَاوَضَةً
بِالْعَقْدَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ
الْبُضْعُ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ
كُلُّ بُضْعٍ عِوَضَ الْآخَرِ مَعَ الْقَبُولِ مِنْ الْعَاقِدِ الْآخَرِ
كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ، فَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا
لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِ كُلِّ بُضْعٍ عِوَضَ الْبُضْعِ لِلْآخَرِ أَوْ
صَرَّحَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ زَوَّجْتُك بِنْتِي كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ إلَخْ)
جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْكُتُبِ
السِّتَّةِ مَرْفُوعًا مِنْ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَالنَّهْيُ
يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ
النَّهْيِ مُسَمَّى الشِّغَارِ الْمَأْخُوذِ فِي مَفْهُومِهِ خُلُوُّهُ
عَنْ الْمَهْرِ وَكَوْنُ الْبُضْعِ صَدَاقًا، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِنَفْيِ
هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا شَرْعًا، فَلَا نُثْبِتُ
النِّكَاحَ كَذَلِكَ بَلْ نُبْطِلُهُ، فَيَبْقَى نِكَاحًا مُسَمًّى فِيهِ
مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ
كَالْمُسَمَّى فِيهِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ
النَّهْيِ لَمْ نُثْبِتْهُ، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ
بَلْ اقْتَضَتْ الْعُمُومَاتُ صِحَّتَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ زَادَ
الزَّيْلَعِيُّ: أَوْ هُوَ أَيْ النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ
اهـ أَيْ وَالْكَرَاهَةُ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَعَ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَبْقَ شِغَارًا
حَقِيقَةً، وَإِنْ سَلَّمَ فَالنَّهْيُ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ،
فَيَكُونُ الشَّرْعُ أَوْجَبَ فِيهِ أَمْرَيْنِ الْكَرَاهَةَ وَمَهْرَ
الْمِثْلِ، فَالْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْيِ، وَالثَّانِي مِنْ
الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَا سُمِّيَ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ
مَهْرًا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا الثَّانِي
دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ دُونَ الْفَسَادِ،
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى
الْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الشِّغَارَ الْآنَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ
لِإِيجَابِنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ.
وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ النَّهْيُ عَلَى مَعْنَى
الْفَسَادِ فَكَوْنُهُ غَيْرَ مَنْهِيٍّ الْآنَ. أَيْ بَعْدَ إيجَابِ
مَهْرِ الْمِثْلِ مُسَلَّمٌ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ
فَالنَّهْيُ بَاقٍ فَافْهَمْ
(3/105)
(وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي
الشِّغَارِ) هُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ
الْآخَرُ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ مَثَلًا مُعَاوَضَةً بِالْعَقْدَيْنِ
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، فَأَوْجَبْنَا فِيهِ
مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَمْ يَبْقَ شِغَارًا
(وَ) فِي (خِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ) سَنَةً (لِلْإِمْهَارِ) لِحُرَّةٍ أَوْ
أَمَةٍ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَفِي خِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
عِنْدَهُمَا فِي جَعْلِهِ الْمَهْرَ خِدْمَتَهُ إيَّاهَا سَنَةً. وَقَالَ
مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ الْخِدْمَةِ، قَيَّدَ بِالْخِدْمَةِ لِأَنَّهُ
لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى سُكْنَى دَارِهِ أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ أَوْ
الْحَمْلِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ أَرْضُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ
لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِهِ لِلْحَاجَةِ
نَهْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَاحْتَرَزَ بِالْحُرِّ عَنْ الْعَبْدِ كَمَا
يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا، وَزَادَ قَوْلُهُ
أَوْ أَمَةً لِقَوْلِ النَّهْرِ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ، بَلْ التَّنَافِي الْمُعَلَّلُ
بِهِ أَقْوَى فِي الْأَمَةِ مِنْهُ فِي الْحُرَّةِ (قَوْلُهُ سَنَةً)
إنَّمَا ذَكَرَهُ لِتَوَهُّمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِتَعْيِينِ
الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَفِي الْمَجْهُولَةِ
بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ) لِأَنَّ
مَوْضُوعَ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ تَكُونَ هِيَ خَادِمَةٌ لَا بِالْعَكْسِ
فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ كَمَا
يَأْتِي، فَقَدْ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّ الْعَقْدُ
وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ.
(3/106)
كَذَا قَالُوا وَمَفَادُهُ صِحَّةُ
تَزَوُّجِهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَ سَيِّدَهَا أَوْ وَلِيَّهَا كَقِصَّةِ
شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى كَصِحَّتِهِ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ
أَوْ عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ أَوْ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ
(وَ) فِي (تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) لِلنَّصِّ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ،
وَبَاءُ «زَوَّجْتُك بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا
وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِتَرَدُّدٍ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ،
فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ. أَنَّهُ يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ
لَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ
لِلرَّعْيِ وَالزِّرَاعَةِ يَصِحُّ هَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَهَذَا شَاهِدٌ
قَوِيٌّ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ
رِوَايَةِ الْأَصْلِ الصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا إجْمَاعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ كَذَا قَالُوا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ فِي
مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ وَالتَّبَرِّي عَنْهُ،
وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ إلَخْ)
الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ
وَلِيَّهَا يَضْمَنُ لَهَا حِينَئِذٍ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ، بِخِلَافِ
سَيِّدِهَا لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِمَهْرِ أَمَتِهِ. وَالظَّاهِرُ
هُنَا الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ التَّزْوِيجِ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ
لَهَا. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا
عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ
وَهَبَ لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ وَهَبَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي
هِبَتِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي خِدْمَةِ
وَلِيِّهَا وَعَدَمِ لُزُومِ الْخِدْمَةِ، وَكَذَا فِي مِثْلِ قِصَّةِ
شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ فَعَلَ الزَّوْجُ مَا سَمَّى
يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى وَلِيِّهَا؛ كَمَا
قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ مَعِي فِي كَرْمِي لِأُزَوِّجَك
ابْنَتِي فَعَمِلَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ كَقِصَّةِ شُعَيْبٍ) فَإِنَّهُ زَوَّجَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ - بِنْتَه عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ ثَمَانِي سِنِينَ،
وَقَدْ قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِلَا إنْكَارٍ، فَكَانَ
شَرْعًا لَنَا وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ مَا
مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ الْجَوَازِ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَرَدَّهُ فِي
الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ
الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ.
وَمَفَادُهُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ فِي
رَعْيِ غَنَمِ الْأَبِ (قَوْلُهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ
الزَّوْجِ أَيْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ إيَّاهَا، فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ
لِفَاعِلِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ)
فِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ
آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ
خِدْمَتِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا
يَخْدُمُهَا، فَإِمَّا لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يُؤْمَنُ، الِانْكِشَافُ
عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ
كَلَامٍ وَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَمْ
يُجِزْهُ وَجَبَ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ
خِدْمَةً مُعَيَّنَةً تَسْتَدْعِي مُخَالَطَةً لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا
الِانْكِشَافُ وَالْفِتْنَةُ وَجَبَ أَنْ تُمْنَعَ وَتُعْطِيَ هِيَ
قِيمَتَهَا، أَوْ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا وَإِنْ
كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ ذَلِكَ
الْحُرَّ حَتَّى تَصِيرَ أَحَقَّ بِهَا لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ
صَرَفَتْهُ فِي الْأَوَّلِ فَكَالْأَوَّلِ أَوْ فِي الثَّانِي
فَكَالثَّانِي اهـ أَيْ إنْ صَرَفَتْهُ وَاسْتَخْدَمَهُ فِي النَّوْعِ
الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَسْتَدْعِي الْمُخَالَطَةَ فَكَالْأَوَّلِ مِنْ
الْمَنْعِ وَإِعْطَاءُ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَتْهُ بِمَا
لَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ فَحُكْمُهُ كَالثَّانِي مِنْ وُجُوبِ تَسْلِيمِ
الْخِدْمَةِ
(قَوْلُهُ وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْلَمَهَا الْقُرْآنَ أَوْ نَحْوَهُ
مِنْ الطَّاعَاتِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ بَدَائِعُ أَيْ
لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا
الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَبَاءُ «زَوَّجْتُك بِمَا مَعَك» ) أَيْ
الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ،
فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: هَلْ مَعَك
(3/107)
لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ،
لَكِنْ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ
الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (عَبْدًا)
مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ، أَمَا الْحُرُّ فَخِدْمَتُهُ لَهَا حَرَامٌ لِمَا
فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَكَذَا اسْتِخْدَامُهُ عَنْ
نَهْرِ الْبَدَائِعِ
(وَكَذَا يَجِبُ) مَهْرُ الْمِثْلِ (فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ) مَهْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ نَعَمْ سِوَى سُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا
سَمَّاهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قَدْ
مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا
وَزَوَّجْتُكهَا» ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، (قَوْلُهُ لِلسَّبِيَّةِ أَوْ
لِلتَّعْلِيلِ) أَيْ بِسَبَبٍ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ
فَلَيْسَتْ الْبَاءُ مُتَعَيِّنَةً لِلْعِوَضِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي
النَّهْرِ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَسَيَأْتِي إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى
جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، فَيَنْبَغِي
أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا، لِأَنَّ مَا جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ
فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ جَازَ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا كَمَا
قَدَّمْنَا، نَقَلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْأَجْرِ
عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَحَّحَ تَسْمِيَتَهُ مَهْرًا فَكَذَا نَقُولُ
يَلْزَمُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ صَدَاقًا، وَلَمْ
أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى
صِحَّةِ تَسْمِيَتِهِ بَلْ تَسْمِيَةُ غَيْرِهِ تُغْنِي، بِخِلَافِ
الْحَاجَةِ إلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا تَحَقَّقَتْ
لِلتَّكَاسُلِ عَنْ الْخَيْرَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ
الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ
لِلضَّرُورَةِ
كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا لَا ضَرُورَةَ
فِيهِ كَالتِّلَاوَةِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ الضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ
عِلَّةٌ لِأَصْلِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا فِي
كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَحَيْثُ جَازَ عَلَى التَّعْلِيمِ
لِلضَّرُورَةِ صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا لِأَنَّ مَنْفَعَةً تُقَابَلُ
بِالْمَالِ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ وُجُودَ
الضَّرُورَةِ فِي الْمُسَمَّى، إذْ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي
تَسْمِيَةِ السُّكْنَى مَثَلًا أَنَّ تَسْمِيَةَ غَيْرِهَا تُغْنِي عَنْهَا
مَعَ أَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَكُونُ مُحْتَاجَةً إلَى التَّعْلِيمِ دُونَ
السُّكْنَى وَالْمَالِ. وَاعْتِرَاضٌ أَيْضًا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة
بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ خِدْمَةٌ لَهَا
وَلَيْسَتْ مِنْ مُشْتَرَكِ مَصَالِحِهَا: أَيْ بِخِلَافِ رَعْيِ غَنَمِهَا
وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خِدْمَةً لَهَا لَكِنَّهُ
مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَأَجَابَ
تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَيِّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ
تَسْلِيمِ كَوْنِ التَّعْلِيمِ خِدْمَةً لَهَا، فَلَيْسَ كُلُّ خِدْمَةٍ
لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لَوْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ
لِلتَّرْذِيلِ. قَالَ ط: وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ مُعَلِّمَ الْقُرْآنِ لَا
يُعَدُّ خَادِمًا لِلْمُتَعَلِّمِ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ اسْتِئْجَارَ الِابْنِ
أَبَاهُ لِرَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ خِدْمَةً، وَلَوْ كَانَ رَعْيُ
الْغَنَمِ خِدْمَةً أَوْ رَذِيلَةً لَمْ يَفْعَلْهُ نَبِيُّنَا وَمُوسَى -
عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ هُوَ حِرْفَةٌ كَبَاقِي
الْحِرَفِ الْغَيْرِ الْمُسْتَرْذَلَةِ يُقْصَدُ بِهَا الِاكْتِسَابُ
فَكَذَا التَّعْلِيمُ لَا يُسَمَّى خِدْمَةً بِالْأَوْلَى.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
تَعْلِيمُ كُلِّ الْقُرْآنِ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ
الْبَعْضِ، وَالْحِفْظُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ:
أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ عَنْ ظَهْرِ
قَلْبِهَا (قَوْلُهُ وَلَهَا خِدْمَتُهُ) لِأَنَّ الْخِدْمَةَ إذَا كَانَتْ
بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّهُ يَخْدُمُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً
بَحْرٌ، فَلَيْسَ فِيهِ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ. اهـ. ح وَلِأَنَّ
اسْتِخْدَامَ زَوْجَتِهِ إيَّاهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ
لِلِاسْتِخْدَامِ وَالِابْتِذَالِ لِكَوْنِهِ مُمَلَّكًا مُلْحَقًا
بِالْبَهَائِمِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي
التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَتِهِ، فَلَوْ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِحَّ
الْعَقْدُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْحُرُّ) أَيْ الزَّوْجُ الْحُرُّ (قَوْلُهُ
فَخِدْمَتُهُ لَهَا حَرَامٌ) أَيْ إذَا خَدَمَهَا فِيمَا يَخُصُّهَا عَلَى
الظَّاهِرِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْدَامٍ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَطْفُ
الِاسْتِخْدَامِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا اسْتِخْدَامُهُ) صَرَّحَ
بِهِ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَقَالَ: وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ
أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ
أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاسْتِخْدَامُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ
الْخِدْمَةُ
(قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا) أَيْ لَمْ يُسَمِّهِ
تَسْمِيَةً أَوْ سَكَتَ عَنْهُ نَهْرٌ، فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ سَمَّى
غَيْرَ مَالٍ كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَدَابَّةٍ
وَثَوْبٍ.
(3/108)
(أَوْ نَفَى إنْ وَطِئَ) الزَّوْجُ (أَوْ
مَاتَ عَنْهَا إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ) يَصْلُحُ مَهْرًا
(وَإِلَّا فَذَلِكَ) الشَّيْءُ (هُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ
خِنْزِيرًا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ
حُرٌّ) لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (أَوْ دَابَّةً) أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا
و (لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهَا) لِفُحْشِ الْجَهْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى
أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ إلَيْهِ أَلْفًا، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
عَبْدِهَا أَوْ قَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا
وَأَبْرَأْتُك مِنْهَا فَقَبِلَ، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ
حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ رَجُلٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ
أَوْ أَغْنَامِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ،
أَوْ عَلَى تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْهَا سَنَةً وَالتَّأْخِيرُ بَاطِلٌ،
أَوْ عَلَى إبْرَاءِ فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا
أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا؛ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
عَبْدِ الْغَيْرِ لِوُجُوبِ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكُهُ، أَوْ
عَلَى حَجَّةٍ لِوُجُوبِ قِيمَةِ حَجَّةٍ وَسَطٍ، لَا مَهْرَ الْمِثْلِ
وَالْوَسَطُ بِرُكُوبِ الرَّاحِلَةِ، أَوْ عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا عَنْهَا
لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهَا فِي الْأَخِ اقْتِضَاءً، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ
بِمِثْلِ مَهْرِ أُمِّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِهِ،
وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ اهـ مُلَخَّصًا بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ أَوْ
نَفَى) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ط (قَوْلُهُ إنْ
وَطِئَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا نَهْرٌ أَيْ بِالْخَلْوَةِ
الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهَا كَالْوَطْءِ فِي تَأَكُّدِ الْمَهْرِ كَمَا
سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ
أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ
كَمَا فِي التَّبَيُّنِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَا جَمِيعًا فَعِنْدَهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ،
وَعِنْدَنَا لَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا
إذَا تَقَدَّمَ الْعَهْدُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ
عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ يُقْضَى بِمَهْرِ
الْمِثْلِ عِنْدَهُ أَيْضًا حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَبُو
السُّعُودِ.
[تَنْبِيهٌ] اسْتَفْتَى الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ الْمُصَنِّفِ مِنْ
الْخَيِّرِ الرَّمْلِيِّ عَمَّا لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَ
مِثْلِهَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ هَلْ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَهُ بِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ
بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ
الدُّخُولِ، فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ
بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.
اهـ. وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ
بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ
يَتَرَاضَيَا) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ
تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْوَاجِبُ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ
أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا
يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا
يَتَنَصَّفُ (قَوْلُهُ أَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا) أَيْ سَمَّى
الْمُسْلِمُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ
فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ بِالْأَوْلَى
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ
ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ وَخَرَجَ مَا لَوْ سَمَّى
عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَرِطْلَ خَمْرٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَلَا يُكَمِّلُ
مَهْرَ الْمِثْلِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ هَذَا الْخَلُّ وَهُوَ
خَمْرٌ إلَخْ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا سَمَّى حَلَالًا
وَأَشَارَ إلَى حَرَامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَوْ بِالْعَكْسِ
كَهَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ لَهَا الْعَبْدُ الْمُشَارُ إلَيْهِ
فِي الْأَصَحِّ، وَأَشَارَ إلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْأَوْلَى
لَوْ كَانَا حَرَامَيْنِ، وَلَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ وَقَدْ اخْتَلَفَا
جِنْسًا كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ هَذَا الدَّنُّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا
هُوَ زَيْتٌ وَعَلَيَّ هَذَا الْعَبْدُ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ كَانَ لَهَا
مِثْلُ الدَّنِّ خَلًّا وَعَبْدٌ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ كَمَا فِي
الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ لَهَا مِثْلَ
ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ
وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْقِسْمَةَ رُبَاعِيَّةٌ
لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَرَامَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ أَوْ
مُخْتَلِفَيْنِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ
أَوْ الْمُخْتَارُ إلَيْهِ حَرَامًا، وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي
الْبَاقِينَ قَالَ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ
عَيْنًا إلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا حَرْبِيًّا
فَاسْتَرَقَّ وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ. وَفِي
الْأَسْرَارِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخَمْرُ لَوْ
تَخَلَّلَتْ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَابَّةً أَوْ
ثَوْبًا) لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ،
فَلَيْسَ الْبَعْضُ
(3/109)
(وَ) تَجِبُ (مُتْعَةٌ لِمُفَوِّضَةٍ)
وَهِيَ مَنْ زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ (طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَهِيَ
دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ
مَهْرِ الْمِثْلِ لَوْ الزَّوْجُ غَنِيًّا (وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ
دَرَاهِمَ) لَوْ فَقِيرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بِالْإِرَادَةِ فَصَارَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً
بَحْرٌ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَسَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
فَرَسٍ فَالْوَاجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ.
[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ]
ِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ مُتْعَةٌ لِمُفَوِّضَةٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ
فَوَّضَتْ أَمْرَهَا لِوَلِيِّهَا وَزَوْجِهَا بِلَا مَهْرٍ، وَبِفَتْحِهَا
مِنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ مَا يَكُونُ
قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ سَوَاءٌ فَرَضَ
بَعْدَهُ أَوْ لَا أَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا لَمْ تَصِحَّ
فِيهِ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ صَحَّتْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ
وَجْهٍ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ
بِالدُّخُولِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ
وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً،
فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ لَا
الْمُتْعَةُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا
يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى
لَمْ يَفْسُدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَرَامَتِهَا
وَالْإِهْدَاءُ يَجِبُ الْأَلْفُ لَا مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَقَدَّمْنَا
عَنْ الْبَدَائِعِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِمَهْرِ
الْمِثْلِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ قَبْلَ
الْوَطْءِ) أَيْ وَالْخَلْوَةِ بَحْرٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا وَطْءٌ
حُكْمًا، وَالْمُرَادُ بِالطَّلَاقِ فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ
الزَّوْجِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ صَاحِبُ الْمَهْرِ فِي سَبَبِهَا طَلَاقًا
كَانَتْ أَوْ فَسْخًا: كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ
وَاللِّعَانِ، وَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ وَالرِّدَّةِ، وَإِبَائِهِ
الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ؛ فَلَوْ
جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا: كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ،
وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ، وَخِيَارِ الْبُلُوغِ
وَالْعِتْقِ، وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهَا، لَا
وُجُوبًا، وَلَا اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَجِبُ
نِصْفُ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ، وَخَرَجَ مَا لَوْ اشْتَرَى هُوَ أَوْ
وَكِيلُهُ مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنَّ مَالِكَ الْمَهْرِ
يُشَارِكُ الزَّوْجَ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلِذَا لَا تَجِبُ
الْمُتْعَةُ وَلَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا
الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ فَإِنَّهَا
وَاجِبَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ)
الدِّرْعُ: بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَا تَلْبِسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ
الْقَمِيصِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الذَّخِيرَةِ
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَحْرٌ.
وَأَقُولُ: دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا وَالْجَمْعُ أَدْرُعٌ،
وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ، وَعَزَاهُ فِي الْبِنَايَةِ لِابْنِ
الْأَثِيرِ، فَكَوْنُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى
تَفْسِيرِ الْمُغْرِبِ وَالْخِمَارُ: مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ
رَأْسَهَا. وَالْمِلْحَفَةُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ
الْمَرْأَةُ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ،
هَذَا فِي دِيَارِهِمْ، أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيُزَادُ عَلَى هَذَا
إزَارٌ وَمِكْعَبٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَخْفَى إغْنَاءُ
الْمِلْحَفَةِ عَنْ الْإِزَارِ، إذْ هِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إزَارٌ
إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ تَغَايُرُهُمَا كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ،
وَلَوْ دَفَعَ قِيمَتَهَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي
الْبَدَائِعِ نَهْرٌ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ أَدْنَى
الْمُتْعَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَمَالِ. وَفِي الْبَدَائِعِ
وَأَدْنَى مَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ وَتُسَرُّ بِهِ عِنْدَ
الْخُرُوجِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ
أَنَّ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ إلَخْ أَنْ يُعْتَبَرَ عُرْفُ كُلِّ بَلْدَةٍ
لِأَهْلِهَا فِيمَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ قَالَ: وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ
قَالُوا: هَذِهِ فِي دِيَارِهِمْ: أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ
يَجِبَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي دِيَارِنَا تَلْبَسُ
أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَيَزْدَادُ عَلَى ذَلِكَ إزَارٌ
وَمِكْعَبٌ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِكْعَبُ الْمُوَشَّى مِنْ
الْبُرُودِ وَالْأَثْوَابِ اهـ. أَيْ الْمَنْقُوشُ (قَوْلُهُ لَا تَزِيدُ
عَلَى نِصْفِهِ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ:
الْمُتْعَةُ لَا تَزِيدُ
(3/110)
(وَتُعْتَبَرُ) الْمُتْعَةُ (بِحَالِهِمَا)
كَالنَّفَقَةِ بِهِ يُفْتَى
(وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِمَنْ سِوَاهَا) أَيْ الْمُفَوِّضَةِ (إلَّا
مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ) فَلَا تُسْتَحَبُّ
لَهَا بَلْ لِلْمَوْطُوءَةِ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ أَوْ لَا
فَالْمُطَلَّقَاتُ أَرْبَعٌ (وَمَا فُرِضَ) بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ
قَاضٍ مَهْرُ الْمِثْلِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) الْخَالِي عَنْ الْمَهْرِ (أَوْ
زِيدَ) عَلَى مَا سُمِّيَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا خَلْفَهُ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً
فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ
الْعَزِيزِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ أَقَلَّ مِنْهَا فَالْوَاجِبُ
الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ خَمْسَةً فَيُكَمِّلَ لَهَا الْخَمْسَةَ.
اهـ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلًا: لَوْ الزَّوْجُ غَنِيًّا، وَثَانِيًا
لَوْ فَقِيرًا لَمْ يَظْهَرْ لِي مِنْ وَجْهِهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ
مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ فِي الْمُتْعَةِ،
وَهُوَ خِلَافُ مَا بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ
الْمُتْعَةُ بِحَالِهِمَا) أَيْ فَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ فَلَهَا
الْأَعْلَى مِنْ الثِّيَابِ، أَوْ فَقِيرَيْنِ فَالْأَدْنَى، أَوْ
مُخْتَلِفَيْنِ فَالْوَسَطُ وَمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ الْخَصَّافِ، وَفِي
الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ. وَالْكَرْخِيُّ: اعْتَبَرَ
حَالَهَا وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ
اعْتَبَرَ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، وَالْأَرْجَحُ قَوْلُ
الْخَصَّافِ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ صَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ
الْفَتْوَى كَمَا أَفْتَوْا بِهِ فِي النَّفَقَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
أَنَّ مُلَاحَظَةَ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ
مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مُعْتَبَرَةً
عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ كَمَا هُوَ صَرِيحِ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ.
اهـ.
وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ اعْتِبَارَ كَوْنِ الْمُتْعَةِ وَسَطًا لَا
بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي
الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ.
وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْكُلِّ، فَعَلَى الْقَوْلِ
بِاعْتِبَارِ حَالِهَا لَوْ فَقِيرَةً لَهَا كِرْبَاسٌ وَسَطٌ، وَلَوْ
مُتَوَسِّطَةً فَقَزٌّ وَسَطٌ، وَلَوْ مُرْتَفِعَةً فَإِبْرَيْسَمٌ وَسَطٌ،
وَكَذَا يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ، وَكَذَا عَلَى
قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا لَوْ فَقِيرَيْنِ فَلَهَا كِرْبَاسٌ
وَسَطٌ أَوْ غَنِيَّيْنِ فَإِبْرَيْسَمٌ وَسَطٌ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ
فَقَزٌّ وَسَطٌ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: إنَّ حَمْلَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ
عَلَى هَذَا مُمْكِنٌ. وَاعْتِرَاضُ الْفَتْحِ عَلَيْهِ وَارِدٌ مِنْ
حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْقَزِّ
أَبَدًا
(قَوْلُهُ أَيْ الْمُفَوِّضَةُ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي
سِوَاهَا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا لِأَنَّ مُتْعَتَهَا وَاجِبَةٌ كَمَا
عَلِمْت (قَوْلُهُ إلَّا مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا
فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ،
لَكِنْ مَشَى فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ
لَهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَهُوَ رِوَايَةُ
التَّأْوِيلَاتِ وَصَاحِبِ التَّيْسِيرِ وَالْكَشَّافِ وَالْمُخْتَلِفِ
كَمَا فِي الْبَحْرِ.
قُلْت: وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ، وَعَزَاهُ فِي
الْمِعْرَاجِ إلَى زَادِ الْفُقَهَاءِ وَجَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إنَّهُ مَشْهُورٌ. وَقَالَ
الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إنَّ مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ لَا
يُصَادِمُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ.
قُلْت: فَكَيْفَ مَعَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ. وَعَلَيْهِ فَكَانَ
يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ إسْقَاطُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ
قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ أَيْضًا
لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ (قَوْلُهُ بَلْ لِلْمَوْطُوءَةِ إلَخْ) أَيْ بَلْ
يُسْتَحَبُّ لَهَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ
قِبَلِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُسْتَحَبُّ فِيهَا الْمُتْعَةُ إلَّا
أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ يَأْبَى الْإِسْلَامَ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ طَلَبُ
الْفَضِيلَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ
فَالْمُطَلَّقَاتُ أَرْبَعٌ) أَيْ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ
بَعْدَهُ سُمِّيَ لَهَا أَوْ لَا، فَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ
يُسَمِّ لَهَا فَمُتْعَتُهَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ سَمَّى فَغَيْرُ وَاجِبَةٍ
وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ أَيْضًا عَلَى مَا هُنَا، وَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَهُ
مُتْعَتُهَا مُسْتَحَبَّةٌ، سَمَّى لَهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ أَوْ بِفَرْضِ
قَاضٍ مَهْرَ الْمِثْلِ) بِنَصْبِ مَهْرٍ مَفْعُولِ فَرْضٍ، قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَجَبَ
مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ
طَلَبَتْ الْفَرْضَ مِنْ الزَّوْجِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ، حَتَّى لَوْ
امْتَنَعَ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ
مَنَابَهُ فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ) أَيْ الزِّيَادَةُ إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ
عَنْهَا، وَهَذَا
(3/111)
بِشَرْطِ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ
قَبُولِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا وَبَقَاءِ
الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ نَهْرٌ.
وَفِي الْكَافِي: جُدِّدَ النِّكَاحُ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ لَزِمَهُ
أَلْفَانِ عَلَى الظَّاهِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
التَّفْرِيعُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ لَا يُنَصَّفُ. أَيْ
بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَيُفِيدُ لُزُومُهُ وَتَأَكُّدُهُ
بِالدُّخُولِ وَمِثْلُهُ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ قَبُولِهَا إلَخْ)
أَفَادَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ بَعْدَ هِبَةِ
الْمَهْرِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ أَوْ مِنْ
غَيْرِ جِنْسِهِ بَحْرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ وَلِيٍّ،
فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ ثُمَّ
زَادَ فِي الْمَهْرِ صَحَّ نَهْرٌ.
وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الزِّيَادَةِ
بَلْ تَصِحُّ بِلَفْظِهَا، وَبِقَوْلِهِ رَاجَعْتُك بِكَذَا إنْ قَبِلْت
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ زِدْتُك فِي مَهْرِك، وَكَذَا بِتَجْدِيدِ
النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ،
وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرٍ وَكَانَتْ قَدْ وَهَبَتْهُ
لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا) أَيْ
الزِّيَادَةِ، فَلَوْ قَالَتْ زِدْتُك فِي مَهْرِك وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ
تَصِحَّ الزِّيَادَةُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْوَقْعَانِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ وَبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي فِي الْبَحْرِ
أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا صَحِيحَةٌ إذَا قَبِلَتْ الْوَرَثَةُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ
الْبُيُوعِ اهـ وَعَزَاهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إلَى الْقُدُورِيِّ،
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ
وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ
عِنْدَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ
مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبِعِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ بَاقٍ، وَقَدْ
ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْمَوْتِ، فَفِي الطَّلَاقِ أَوْلَى.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَاطِلَةٌ يُحْمَلُ
عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَبَا
حَنِيفَةَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ قَدْ مَشَى عَلَى
أَصْلِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ
الْبَيْنُونَةِ شَيْءٌ، فَيُحْمَلُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى مَا نُقِلَ
عَنْهُ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ
الْجَوَازِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبَيْنُونَةِ، وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ
تَقْيِيدُ الْمُحِيطِ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، إذْ نَقَلُوا أَنَّ
ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا
تَصِحُّ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ: تَصِحُّ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي
الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ شَرْطَهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، حَتَّى
لَوْ زَادَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَصِحَّ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ
الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ
يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدَ، وَثُبُوتُهُ مُتَعَذِّرٌ
لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ
الْقُدُورِيُّ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ. اهـ. قَالَ ط:
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمِعْرَاجِ مُخَرَّجٌ
عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُنَافِي مَا فِي التَّبْيِينِ، وَكَوْنُ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا
يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُنَا لِفَرْقٍ بَيْنَ
الْفَصْلَيْنِ قَامَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ أَمَرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِعَدَمِ نِسْيَانِ الْفَضْلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْفَضْلِ، يُؤَيِّدُهُ
مَشْرُوعِيَّةُ الْمُتْعَةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي إلَخْ) حَاصِلُ عِبَارَةِ الْكَافِي:
تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ
ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَلْفَانِ
وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ
الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ. فَيَلْغُو مَا فِيهِ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ لَغَا لَا يَلْغُو مَا فِيهِ
مِنْ الزِّيَادَةِ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ
هَذَا ابْنِي لَمَّا لَغَا عِنْدَهُمَا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ.
وَعِنْدَهُ إنْ لَغَا فِي حُكْمِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ
كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا إذَا
لَمْ يَشْهَدَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هَزْلٌ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي
اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ ادَّعَى الْهَزْلَ لَمْ يُقْبَلْ بِلَا
بَيِّنَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ مَا فِي الْعَقْدِ
الثَّانِي فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَغْيِيرُ الْأَوَّلِ
إلَى الثَّانِي، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ كِلَا الْمَهْرَيْنِ لِأَنَّ
الْأَوَّلَ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ وَالثَّانِي زِيَادَةٌ
عَلَيْهِ فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قَاضِي خَانْ أَفْتَى
بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ
الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إطْلَاقِ
الْجُمْهُورِ اللُّزُومَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ
وَإِنْ لَزِمَ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُؤَاخِذُهُ بِظَاهِرِ
لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْهَزْلِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ
فَرَاجِعْهُ:
(3/112)
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ وَهَبَتْهُ
مَهْرَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِكَذَا مِنْ الْمَهْرِ وَقَبِلَتْ صَحَّ،
وَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا قَصْدِ
الزِّيَادَةِ (لَا يُنَصَّفُ) لِاخْتِصَاصِ التَّنْصِيفِ بِالْمَفْرُوضِ
فِي الْعَقْدِ بِالنَّصِّ، بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ
وَنِصْفُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِي.
(وَصَحَّ حَطُّهَا) لِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (عَنْهُ) قَبْلَ أَوْ لَا،
وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَبَقِيَ مَا إذَا جَدَّدَ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْأَوَّلِ،
وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ تَغْيِيرِ الْأَوَّلِ
إلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالثَّانِي شَيْءٌ هُنَا إذْ لَا
زِيَادَةَ فِيهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجِبُ الْمَهْرَانِ.
[تَنْبِيهٌ] فِي الْقُنْيَةِ: جَدَّدَ لِلْحَلَالِ نِكَاحًا بِمَهْرٍ
يَلْزَمُ إنْ جَدَّدَهُ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ لَا احْتِيَاطًا اهـ أَيْ
لَوْ جَدَّدَهُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِلَا
نِزَاعٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا
إذَا صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ فِي
إرَادَتِهِ الِاحْتِيَاطَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ، أَوْ يُحْمَلُ
عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى
مَسْأَلَةِ مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ
(قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ) لِوُجُوبِ تَصْحِيحِ
التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ، وَاشْتَرَطَ الْقَبُولَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ
فِي الْمَهْرِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ فَتْحٌ عَنْ التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ ارْتَضَى فِي الْفَتْحِ مَا فِي
الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ جَوَازُ
الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا بِقَرِينَةِ
الْهِبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كَانَ
عَلَيْهِ لِقَصْدِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ
يُرِدْ الزِّيَادَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يُنَصَّفُ) أَيْ بِالطَّلَاقِ
قَبْلَ الدُّخُولِ بَحْرٌ، وَهَذَا خَبَرُ قَوْلِهِ وَمَا فُرِضَ إلَخْ
(قَوْلُهُ بِالْمَفْرُوضِ) مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِصَاصٍ، وَقَوْلُهُ فِي
الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَفْرُوضِ، وَقَوْلُهُ بِالنَّصِّ: أَيْ قَوْله
تَعَالَى - {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]- مُتَعَلِّقٌ
بِاخْتِصَاصٍ: أَيْ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ بَعْدَهُ
لَيْسَ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي
الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا لَوْ فَرَضَ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ هَذَا
الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِوَاجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ
لَا يَنْتَصِفُ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ نَهْرٌ. وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ لَهَا نِصْفُ مَا فَرَضَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي شَرْحِ
الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَنِصْفُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا
لَوْ زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ
[مَطْلَبٌ فِي حَطِّ الْمَهْرِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ]
ُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ حَطُّهَا) الْحَطُّ: الْإِسْقَاطُ كَمَا فِي
الْمُغْرِبِ، وَقَيَّدَ بِحَطِّهَا لِأَنَّ حَطَّ أَبِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ
لَوْ صَغِيرَةً، وَلَوْ كَبِيرَةً تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهَا، وَلَا
بُدَّ مِنْ رِضَاهَا. فَفِي هِبَةِ الْخُلَاصَةِ خَوْفُهَا بِضَرْبٍ حَتَّى
وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ لَوْ قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ. اهـ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِكْرَاهِ وَلَوْ بَرْهَنَا
فَبَيِّنَةُ الطَّوْعِ أَوْلَى قُنْيَةٌ. وَأَنْ لَا تَكُونَ مَرِيضَةً
مَرَضَ الْمَوْتِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهَا فَالْقَوْلُ
لِلزَّوْجِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَهْرَ
خُلَاصَةٌ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ فِي مَرَضِهَا فَمَاتَ قَبْلَهَا فَلَا
دَعْوَى لَهَا بَلْ لِوَرَثَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ
فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) قَيَّدَهُ فِي
الْبَدَائِعِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ
دَنَانِيرَ لِأَنَّ الْحَطَّ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ بَحْرٌ.
وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْهُ مَا دَامَ
قَائِمًا، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الْمَهْرُ عَنْهُ لِمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ: أَبْرَأْتُك عَنْ هَذَا الْعَبْدِ يَبْقَى الْعَبْدُ
وَدِيعَةً عِنْدَهُ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) أَيْ
كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ
الْوَسَائِلِ بَحْثًا وَقَالَ لَمْ أَرَهُ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي
الْبَحْرِ بِمَا فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا
أَبْرَأْتُك وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت، أَوْ كَانَ غَائِبًا فَقَالَتْ
أَبْرَأْت زَوْجِي يُبَرَّأُ زَوْجِي إلَّا إذَا رَدَّهُ. اهـ. قَالَ فِي
النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا هُوَ رَدَّ الْحَطَّ
وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْحَطَّ إبْرَاءٌ مَعْنًى
(3/113)
(وَالْخَلْوَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ
قَوْلُهُ الْآتِي كَالْوَطْءِ (بِلَا مَانِعٍ حِسِّيٍّ) كَمَرَضٍ
لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ (وَطَبْعِيٍّ) كَوُجُودِ ثَالِثٍ عَاقِلٍ
ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَجَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ الْحِسِّيِّ،
وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلطَّبْعِيِّ مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ (وَشَرْعِيٍّ)
كَإِحْرَامٍ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ. (وَ) مِنْ الْحِسِّيِّ (رَتَقٌ)
بِفَتْحَتَيْنِ: التَّلَاحُمُ (وَقَرْنٌ) بِالسُّكُونِ: عَظْمٌ (وَعَفَلٌ)
بِفَتْحَتَيْنِ: غُدَّةٌ (وَصِغَرٌ) وَلَوْ بِزَوْجٍ (لَا يُطَاقُ مَعَهُ
الْجِمَاعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ) أَيْ أَوْ يَلْحَقُهُ
بِهِ ضَرَرٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي
مَرَضِهَا، وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى
عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي
الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
قُلْت: إنْ كَانَ التَّكَسُّرُ وَالْفُتُورُ مِنْهُ مَانِعًا مِنْ
الْوَطْءِ أَوْ مُضِرًّا لَهُ كَانَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فِي اشْتِرَاطِ
الْمَنْعِ أَوْ الضَّرَرِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، فَمَا وَجْهُ
كَوْنِ مَرَضِهِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْخُلُوِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ
الْمُرَادُ أَنَّ مَرَضَهُ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ وَطْئِهِ
فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ التَّفْصِيلِ فِيهِ بِخِلَافِ مَرَضِهَا
فَتَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ
مِنْ الْحِسِّيِّ) قُلْت: وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مَانِعًا لِتَحَقُّقِ
الْخَلْوَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ لِإِقَامَةِ الْخَلْوَةِ مَقَامَ
الْوَطْءِ شُرُوطًا أَرْبَعَةً: الْخَلْوَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَعَدَمُ
الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ أَوْ الطَّبَعِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ، فَالْأَوَّلُ
لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ثَالِثٌ فَلَيْسَتْ بِخَلْوَةٍ
وَعَنْ مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْخَلْوَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ
الْعَامِّ وَالْحَمَّامِ إلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْأَسْرَارِ أَنَّ
هَذَيْنِ مِنْ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ، وَعَلَيْهِ فَالْمَانِعُ
الْحِسِّيُّ مَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَصْلِهَا أَوْ مَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا
بَعْدَ تَحَقُّقِهَا كَالْمَرَضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ
لِلطَّبَعِيِّ مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ) فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوا لِلطَّبَعِيِّ
بِوُجُودِ ثَالِثٍ وَبِالْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى
مَنْهِيٌّ شَرْعًا وَيَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ فَهُوَ مَانِعٌ حِسِّيٌّ
طَبَعِيٌّ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي طَبَعِيٌّ شَرْعِيٌّ، نَعَمْ سَيَأْتِي
عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ جَارِيَةَ أَحَدِهِمَا تَمْنَعُ بِنَاءً عَلَى
أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِحَضْرَتِهَا طَبْعًا مَعَ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ شَرْعًا، فَهُوَ مَانِعٌ طَبَعِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ،
لَكِنَّهُ حِسِّيٌّ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَإِحْرَامٍ لِفَرْضٍ أَوْ
نَفْلٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَ وُقُوفِ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ
قَبْلَ طَوَافٍ. وَأَطْلَقَ فِي إحْرَامِ النَّفْلِ فَعَمَّ مَا إذَا كَانَ
بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ
يُحَلِّلَهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ط.
قُلْت: فَالظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ الْأَخِيرُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ
الْعِلَّةَ الْحُرْمَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْحِسِّيِّ
إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْعَطْفِ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّتْقَ وَمَا
عُطِفَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوَانِعِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهَا
مِنْ الْحِسِّيِّ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ ط (قَوْلُهُ بِالسُّكُونِ) نَقَلَ
الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا أَنَّ
الْقَرَنَ بِفَتْحِ رَائِهِ أَرْجَحُ مِنْ إسْكَانِهَا (قَوْلُهُ عَظْمٌ)
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ: الْقَرَنُ فِي الْفَرْجِ مَانِعٌ يَمْنَعُ
مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ فِيهِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ
عَظْمٌ وَامْرَأَةٌ رَتْقَاءُ بِهَا ذَلِكَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ تَرَادُفُ
الْقَرَنِ وَالرَّتْقِ (قَوْلُهُ وَعَفَلٌ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
وَالْفَاءِ، وَقَوْلُهُ غُدَّةٌ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ فِي
خَارِجِ الْفَرْجِ. فَفِي الْقَامُوسِ إنَّهُ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ
الْمَرْأَةِ شَبِيهٌ بِالْأُدْرَةِ لِلرِّجَالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِزَوْجٍ)
الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الصِّغَرُ مُصَاحِبَ
الزَّوْجِ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَوْ
الزَّوْجَةُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَغِيرًا. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَفِي خَلْوَةِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ
قَوْلَانِ وَجَزَمَ قَاضِي خَانْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَكَانَ هُوَ
الْمُعْتَمَدَ وَلِذَا قَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ بِالْمُرَاهِقِ اهـ
وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِخَلْوَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لِأَنَّ
تَصْرِيحَهُمْ بِوُجُوبِهَا بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ شَامِلٌ لِخَلْوَةِ
الصَّبِيِّ كَذَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ لَا
يُطَاقُ مَعَهُ الْجِمَاعُ) وَقَدَرَتْ الْإِطَاقَةَ بِالْبُلُوغِ، وَقِيلَ
بِالتِّسْعِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْدِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَلَوْ
قَالَ الزَّوْجُ تُطِيقُهُ وَأَرَادَ الدُّخُولَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ
(3/114)
وَ) بِلَا (وُجُودِ ثَالِثٍ مَعَهُمَا)
وَلَوْ نَائِمًا أَوْ أَعْمَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الثَّالِثُ (صَغِيرًا
لَا يَعْقِلُ) بِأَنْ لَا يُعَبِّرُ عَمَّا يَكُونُ بَيْنَهُمَا (أَوْ
مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) لَكِنْ فِي. الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ فِي
اللَّيْلِ صَحَّتْ لَا فِي النَّهَارِ، وَكَذَا الْأَعْمَى فِي الْأَصَحِّ
(أَوْ جَارِيَةَ أَحَدِهِمَا) فَلَا تَمْنَعُ بِهِ يُفْتَى مُبْتَغًى
(وَالْكَلْبُ يَمْنَعُ إنْ) كَانَ (عَقُورًا) مُطْلَقًا. وَفِي الْفَتْحِ:
وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا (أَوْ) كَانَ
(لِلزَّوْجَةِ وَإِلَّا) يَكُنْ عَقُورًا وَكَانَ لَهُ (لَا) يَمْنَعُ
وَبَقِيَ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَالْقَاضِي يُرِيهَا لِنِسَاءٍ وَلَمْ يَعْتَبِرْ السِّنَّ كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِلَا وُجُودِ ثَالِثٍ) قَدَّرَ قَوْلَهُ
بِلَا لِيَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِلَا مَانِعٍ حِسِّيٍّ بِنَاءً
عَلَى أَنَّهُ طَبْعِيٌّ فَقَطْ، لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ. قَالَ ط: وَلَا
يَتَكَرَّرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَاكَ تَمْثِيلٌ مِنْ الشَّارِحِ
وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ
أَعْمَى) لِأَنَّ الْأَعْمَى يُحِسُّ، وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ
وَيَتَنَاوَمُ فَتْحٌ، وَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجَةُ الْأُخْرَى وَهُوَ
الْمَذْهَبُ، بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ وَطْئِهَا بِحَضْرَةِ ضَرَّتِهَا
بَحْرٌ.
قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَلَا
بَأْسَ بِأَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ
إذَا كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ بِهِ، فَإِنْ عَلِمُوهُ كُرِهَ اهـ
وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْخَلْوَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّوْمِ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَفَصَّلَ فِي الْمُبْتَغَى فِي الْأَعْمَى، فَإِنْ لَمْ
يَقِفْ عَلَى حَالَةٍ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ إنْ كَانَ نَهَارًا
لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا تَصِحُّ اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَصَمِّ غَيْرَ الْأَعْمَى، أَمَّا
لَوْ كَانَ أَعْمَى أَيْضًا فَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ النَّهَارِ
وَاللَّيْلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ)
وَقِيلَ يَمْنَعَانِ فَتْحٌ قُلْت: يَظْهَرُ لِي الْمَنْعُ فِي
الْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَعْمَى) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ
أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي حَقِّهِ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ
أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ قَالَ: وَجَزَمَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ
فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ غِشْيَانِهَا بَيْنَ
يَدَيْ أَمَتِهِ طَبْعًا اهـ أَيْ وَكَذَا بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهَا
بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ. قُلْت: وَجَزَمَ
بِهِ أَيْضًا الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَفِي
الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَ الثَّالِثُ جَارِيَةً لَهُ، رُوِيَ أَنَّ
مُحَمَّدًا كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ ثُمَّ رَجَعَ
وَقَالَ لَا تَصِحُّ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ مَا صَرَّحُوا بِهِ
مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِمُعَايَنَةِ الْأَمَةِ
دُونَ عَكْسِهِ، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ فِي أَمَتِهِ دُونَ أَمَتِهَا،
عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْبَأْسِ شَرْعًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ نُفْرَةِ
الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ عَنْهُ، وَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ
أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ، وَعَزَاهُ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى
الْهِنْدِيَّةِ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيِّةِ: لَا
يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِمُوَافَقَتِهِ الدِّرَايَةَ وَالرِّوَايَةَ،
وَلِذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الْعَجَبُ كَيْفَ يُجْعَلُ الْمَذْهَبُ
الْمُفْتَى بِهِ مَا هُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ مَعَ
عَدَمِ اتِّجَاهِهِ فِي الْمَعْنَى
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَقُورًا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَلْبُهُ أَوْ
كَلْبُهَا (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا) أَيْ عَقُورًا أَوْ لَا،
وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا
يَعْتَدِي عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ سَيِّدِهِ
عَنْهُ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَوْ رَآهُ الْكَلْبُ فَوْقَهَا يَكُونُ
سَيِّدُهُ فِي صُورَةِ الْغَالِبِ لَهَا فَلَا يَعْدُو عَلَيْهِ، وَكَذَا
لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ
فِي صُورَةِ الْغَالِبَةِ لَهُ وَأَمْكَنَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهَا
الْكَلْبُ لَكِنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهَا فَتَصِحُّ الْخَلْوَةُ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لِلزَّوْجَةِ) أَيْ أَوْ كَانَ غَيْرَ
عَقُورٍ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَانِعًا لَكِنْ مُقْتَضَى
مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلْبِهِ
وَكَلْبِهَا لِأَنَّ كَلْبَهَا وَإِنْ رَآهَا تَحْتَ الزَّوْجِ يُمْكِنُ
أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْهُ فَلَا يَعْدُو عَلَيْهِ فَتَصِحُّ الْخَلْوَةُ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَانَ لَهُ) بِالْوَاوِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ
بِأَوْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: عَقُورٌ
لَهُ أَوْ لَهَا، وَغَيْرُ عَقُورٍ كَذَلِكَ، فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ
الْمَانِعَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: عَقُورٌ مُطْلَقًا، وَغَيْرُ عَقُورٍ هُوَ
لَهَا وَبَقِيَ غَيْرُ مَانِعٍ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ
غَيْرَ عَقُورٍ وَكَانَ لَهُ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ إلَخْ) وَبَقِيَ أَيْضًا
مِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا فَإِذَا خَلَا
بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَنْ
الْوَاقِعَاتِ
(3/115)
عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الْمَكَانِ كَمَسْجِدٍ
وَطَرِيقٍ وَحَمَّامٍ وَصَحْرَاءَ وَسَطْحِ وَبَيْتٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ،
وَمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا.
(وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ
غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّتِهَا) فِي الْأَصَحِّ، إذْ لَا كَفَّارَةَ
بِالْإِفْسَادِ وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَأَمْسَكَ
فَخَلَا بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَالَ: وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ
الْعِدَّةُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ
وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا فِي الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ
فَتَجِبُ الْعِدَّةُ هُنَا احْتِيَاطًا اهـ وَمَشَى الشَّارِحُ فِيمَا
سَيَأْتِي فِي صَفْحَةٍ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَأْتِي تَمَامُ
الْكَلَامِ فِيهِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَرَقَا
أَنَّ امْتِنَاعَهَا مِنْ تَمْكِينِهِ فِي الْخَلْوَةِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا
لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، لَا لَوْ بِكْرًا (قَوْلُهُ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ
الْمَكَانِ) أَيْ لِلْخَلْوَةِ وَصَلَاحِيَتِهِ، بِأَنْ يَأْمَنَا فِيهِ
اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ سَقْفٌ، وَكَذَا الْمَحَلُّ الَّذِي عَلَيْهِ قُبَّةٌ
مَضْرُوبَةٌ، وَالْبُسْتَانُ الَّذِي لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا
لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ بَحْرٌ؛ وَلَوْ
كَانَا فِي مَخْزَنٍ مِنْ خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ فَرَدَّ الْبَابَ
وَلَمْ يُغْلِقْ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي وَسَطِهِ غَيْرُ مُتَرَصِّدِينَ
لِنَظَرِهِمَا صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ فَلَا فَتْحٌ
(قَوْلُهُ كَمَسْجِدٍ وَطَرِيقٍ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَجْمَعُ النَّاسِ
فَلَا يَأْمَنُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَذَا الْوَطْءُ
فِيهِ حَرَامٌ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَالطَّرِيقُ مَمَرُّ النَّاسِ
عَادَةً وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْقِبَاضَ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ بَدَائِعُ.
قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِيهِ حَرَامٌ إلَخْ
أَنَّهُ مَانِعٌ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا وَبَابُهُ مُغْلَقٌ فَتَأَمَّلْ.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ سَافَرَ بِهَا فَعَدَلَ عَنْ الْجَادَّةِ بِهَا
إلَى مَكَان خَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) أَيْ بَابُهُ
مَفْتُوحٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَقْفُولًا عَلَيْهِمَا وَحْدَهُمَا فَلَا
مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَطْحٍ)
أَيْ لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتُرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ السِّتْرُ
رَقِيقًا أَوْ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ إنْسَانٌ يَطَّلِعُ
عَلَيْهِمَا فَتْحٌ. وَفِيهِ: وَلَا تَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ
وَالْحَمَّامِ. وَقَالَ شَدَّادٌ: إنْ كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ صَحَّتْ
لِأَنَّهَا كَالسَّاتِرِ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ تَصِحُّ عَلَى سَطْحٍ
لَا سَاتِرَ لَهُ إذَا كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا
تَصِحَّ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ؛
أَلَا تَرَى إلَى الِامْتِنَاعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَلَا إبْصَارَ
لِلْإِحْسَاسِ. اهـ.
قُلْت: الْإِحْسَاسُ إنَّمَا يُمْكِنُ إذَا كَانَ مَعَهُمَا أَحَدٌ عَلَى
السَّطْحِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فَوْقَهُ وَحْدَهُمَا وَأَمِنَا مِنْ صُعُودِ
أَحَدٍ إلَيْهِمَا لَمْ يَبْقَ الْإِحْسَاسُ إلَّا بِالْبَصَرِ
وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ تَمْنَعُهُ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَبَيْتٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ
رَآهُمَا، وَفِيهِ خِلَافٌ.
فَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: إنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ
إلَّا بِإِذْنٍ فَهِيَ خَلْوَةٌ. وَاخْتَارَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ
مَانِعٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَحْرٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ إمْكَانَ النَّظَرِ
مَانِعٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الدُّخُولِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِذْنِ
وَعَدَمِهِ (وَقَوْلُهُ وَمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا) لِأَنَّ التَّمَكُّنَ
لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْمَعْرِفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا إذَا عَرَفَهَا وَلَمْ
تَعْرِفْهُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذَا فِي
الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا
تَمْكِينُهُ مِنْهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا
بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَتَأَمَّلْ ح.
قُلْت: إنَّ هَذَا الْمَانِعَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ، بِأَنْ يُخْبِرَهَا
أَنَّهُ زَوْجُهَا فَلَمَّا جَاءَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ يُحْكَمُ
بِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ فَيَلْزَمُ الْمَهْرُ ط
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، لَكِنْ صَرَّحَ
شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَنْعِ فِي التَّطَوُّعِ
شَاذَّةٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَفِي صَوْمِ الْقَضَاءِ
وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يَمْنَعُ الْخُلُوَّ وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ لَا يَمْنَعُهَا فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ. اهـ.
(3/116)
أَنْ تَصِحَّ وَكَذَا كُلُّ مَا أَسْقَطَ
الْكَفَّارَةَ نَهْرٌ (بَلْ الْمَانِعُ صَوْمُ رَمَضَانَ) أَدَاءً
وَصَلَاةُ الْفَرْضِ فَقَطْ (كَالْوَطْءِ) فِيمَا يَجِيءُ (وَلَوْ) كَانَ
الزَّوْجُ (مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) أَوْ خُنْثَى إنْ
ظَهَرَ حَالُهُ وَإِلَّا فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ، وَمَا فِي الْبَحْرِ
وَالْأَشْبَاهِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقَوْلُ الْكَنْزِ وَصَوْمُ الْفَرْضِ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ
وَالْكَفَّارَاتُ وَالْمَنْذُورَاتُ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ
لِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ
بِغَيْرِ عُذْرٍ جَائِزٌ فِي رِوَايَةٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْكَنْزِ
تَعْبِيرُ الْخَانِيَّةِ بِالْأَصَحِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ
صَحِيحٌ، وَكَذَا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمُنْذَرِ
كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ رِوَايَةَ
كَوْنِهِمَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَقْوَى، وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا
بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُ
الْفَرْضِ وَلَوْ مَنْذُورًا مَانِعًا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ
إفْسَادُهُ وَإِنْ كَانَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَهُوَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ.
اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ تَصِحَّ) أَيْ الْخَلْوَةُ، لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ
بِشُبْهَةٍ خِلَافُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ
يَرَى الْفِطْرَ بِأَكْلِهِ نَاسِيًا وَلَا كَفَّارَةَ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا
كُلُّ مَا أَسْقَطَ الْكَفَّارَةَ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ نَاسِيًا وَنِيَّةٍ
نَهَارًا وَنِيَّةٍ نَفْلًا ط (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ فَقَطْ) قَالَ
فِي الْبَحْرِ: لَا شَكَّ أَنَّ إفْسَادَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ
حَرَامٌ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَيَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ
مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ لَا
تُمْنَعُ كَالنَّفْلِ مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا.
وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا
تُمْنَعُ إلَّا الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ اهـ
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ
وَأَنَّ الْوَاجِبَةَ تَمْنَعُ الْأُولَى. اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ
بَيْنَ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ
وَالدَّمِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. أَمَّا
الصَّوْمُ فَظَاهِرٌ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِي فَرْضِهِ،
بِخِلَافِ نَفْلِهِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهِ
بِالْفِطْرِ يَسِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ
كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
مُشْكِلٌ، إذْ لَيْسَ فِي فَرْضِهَا ضَرَرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِثْمِ
وَلُزُومِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي نَفْلِهَا وَوَاجِبِهَا،
نَعَمْ الْإِثْمُ فِي الْفَرْضِ أَعْظَمُ وَفِي كَوْنِهِ مَنَاطًا لِمَنْعِ
صِحَّةِ الْخُلُوِّ خَفَاءٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَضَاءُ
رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ
اخْتِيَارِ الْكَنْزِ إطْلَاقَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
فَكَذَا الصَّلَاةُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا كَفَرْضِ
الصَّوْمِ، بِخِلَافِ نَفْلِهِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يَجُوزُ إفْطَارُهُ بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ، وَنَفْلُ الصَّلَاةِ لَا
يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَكَانَ
كَفَرْضِهَا، وَلَعَلَّ الْمُجْتَهِدَ قَامَ عِنْدَهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا
لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِيمَا
يَجِيءُ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ مَجْبُوبًا) أَيْ
مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ، مِنْ الْجَبِّ: وَهُوَ الْقَطْعُ.
قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَطْعَ الْخُصْيَتَيْنِ لَيْسَ
بِشَرْطٍ فِي الْمَجْبُوبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى
قَطْعِ الذَّكَرِ ح عَنْ النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلٌ
بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، وَهُوَ مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ ح
(قَوْلُهُ إنْ ظَهَرَ حَالُهُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَنَّ
هَذَا الزَّوْجَ وَالْخُنْثَى رَجُلٌ وَظَهَرَ أَنَّ نِكَاحَهُ صَحِيحٌ
فَإِنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ فَتَكُونُ الْخَلْوَةُ كَالْوَطْءِ،
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ فَلَا
تَكُونُ خَلْوَتُهُ كَالْوَطْءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَحْرِ)
حَيْثُ أَطْلَقَ صِحَّةَ خَلْوَتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِظُهُورِ حَالِهِ،
وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ فِي النَّهْرِ)
عِبَارَتُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ ظَهَرَ حَالُهُ أَمَّا
الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ،
وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ مَنْ تَخْتِنُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ
الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ اهـ
أَيْ فَلَا يُبِيحُ الْوَطْءَ بِالْأَوْلَى فَلَا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ
كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّبْيِينِ
بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ فِي
الْمَبْسُوطِ أَنَّ يَتَبَيَّنُ بِالْبُلُوغِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ
عَلَامَةُ
(3/117)
وَفِيهِ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ
أَنَّ الْعُنَّةَ قَدْ تَكُونُ لِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفِ خِلْقَةٍ أَوْ كِبَرِ
سِنٍّ (فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ) وَلَوْ مِنْ الْمَجْبُوبِ (وَ) فِي
(تَأَكُّدِ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى (وَ) مَهْرِ الْمِثْلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ
وَ (النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا
وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا) فِي عِدَّتِهَا
(وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي
حَقِّهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الرَّجُلِ وَقَدْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ
مِنْ حِينِ عَقْدِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ
كَالْعِنِّينِ، وَإِنْ زَوَّجَ رَجُلًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، وَهَذَا
صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ خَلْوَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِهَذَا
التَّقْدِيرِ عَلِمْت أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْأَصْلِ:
لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا فَوَصَلَ إلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
عِلْمَ لِي بِذَلِكَ؛ أَوْ امْرَأَةً فَبَلَغَ فَوَصَلَ إلَيْهَا جَازَ
وَإِلَّا أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ. اهـ.
أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ
الرَّجُلِ إلَيْهِ أَيْ وَطْئِهِ لَهُ أَوْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَرْأَةِ
يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَظُهُورِ عَلَامَةٍ فِيهِ،
وَأَنَّ الْوَطْءَ يَحِلُّ قَبْلَ التَّبْيِينِ، وَأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهِ
صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ وَقَدْ لَا
يَتَبَيَّنُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ جَزَمَ بِتَبَيُّنِ حَالِهِ
بِالْبُلُوغِ، وَأَنَّهُ قَبْلَ التَّبَيُّنِ يَكُونُ نِكَاحُهُ مَوْقُوفًا
فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ قَبْلَ التَّبَيُّنِ
لِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ جَازَ
مَعْنَاهُ جَازَ الْعَقْدُ بَيَّنَ بِذَلِكَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ
ذَلِكَ رَافِعٌ لِإِشْكَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حِلُّ الْوَطْءِ،
وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ: أَيْ إنْ لَمْ تَظْهَرْ
فِيهِ هَذِهِ الْعَلَامَةُ لَا أَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَا
بِعَدَمِهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ظُهُورِ عَلَامَةٍ أُخْرَى
وَقَوْلُ الْمَبْسُوطِ إنَّ يَتَبَيَّنُ بِالْبُلُوغِ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْغَالِبِ؛ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ قَدْ يَبْقَى حَالُهُ
مُشْكِلًا بَعْدَهُ. كَمَا إذَا حَاضَ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَأَمْنَى
مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ؛ وَقَدْ يُتَبَيَّنُ حَالُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ
كَأَنْ يَبُولَ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَتَصِحُّ
خَلْوَتُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْيِيدَ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ بِتَبَيُّنِ حَالِهِ
ظَاهِرٌ لِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لِمَرَضٍ إلَخْ)
وَكَذَا السِّحْرُ، وَيُسَمَّى الْمَعْقُودُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ
عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَخْ) الَّذِي
حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا ثُمَّ رَآهُ مَنْقُولًا عَنْ الْخَصَّافِ
أَنَّ الْخَلْوَةَ لَمْ تَقُمْ مُقَامَ الْوَطْءِ إلَّا فِي حَقِّ
تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ. قَالَ: مَا سِوَاهُ فَهُوَ مِنْ
أَحْكَامِ الْعَقْدِ كَالنَّسَبِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ
تُوجَدْ خَلْوَةٌ أَصْلًا، كَمَا فِي تَزَوُّجِ مَشْرِقِيٍّ مَغْرِبِيَّةً
أَوْ مِنْ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ كَالْبَقِيَّةِ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ
النَّهْرِ حَيْثُ تَابَعَ أَخَاهُ فِي هَذَا التَّحْقِيقِ ثُمَّ خَالَفَهُ
النَّظْمُ الْآتِي.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي
عَقْدِ الْفَوَائِدِ. لَكِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ
الدُّخُولِ لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ
الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ قَبْلَ
الطَّلَاقِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَوْ وَلَدَتْهُ
لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَى بِهَا
فَطَلَّقَهَا يَثْبُتُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ. قَالَ: فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ
لِلْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ الْمَجْبُوبِ) لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ
بِالسِّحَاقِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِنِّينِ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ
إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ
لِسَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي تَأَكُّدِ الْمَهْرِ) أَيْ فِي خَلْوَةِ
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، أَمَّا الْفَاسِدُ فَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ
بِالْوَطْءِ لَا بِالْخَلْوَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا
الْبَابِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ، فَكَانَ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ
(قَوْلُهُ وَالْعِدَّةِ) وُجُوبُهَا مِنْ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ سَوَاءٌ
كَانَتْ صَحِيحَةً أَمْ لَا ط: أَيْ إذَا كَانَتْ فِيهِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ،
أَمَّا الْفَاسِدُ فَتَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ فِي عِدَّتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِنِكَاحٍ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ
بَعْدَ قَوْلِهِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ط
(قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ
بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ أَمَةً مَا دَامَتْ
الْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ الطَّلَاقُ بَائِنًا (قَوْلُهُ
وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا) بَيَانُهُ أَنَّ
الْمَوْطُوءَةَ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ فَلَا يَحِلُّ بَلْ
يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءٌ فِيهِ وَهُوَ أَحْسَنُ أَوْ
ثَلَاثَةً مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا وَطْءٌ فِيهَا وَهُوَ
حَسَنٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ فَإِنَّ طَلَاقَهَا وَاحِدَةً
وَلَوْ فِي الْحَيْضِ حَسَنٌ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُخْتَلَى بِهَا
(3/118)
وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ بَائِنٍ آخَرَ
عَلَى الْمُخْتَارِ (لَا) تَكُونُ كَالْوَطْءِ (فِي حَقِّ) بَقِيَّةِ
الْأَحْكَامِ كَالْغُسْلِ وَ (الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ
وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَالْمَوْطُوءَةِ تَوَقَّفَ طَلَاقُهَا بِالطُّهْرِ فَلَا يَحِلُّ فِي
مُدَّةِ الْحَيْضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ
بَائِنٍ آخَرَ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ
عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ، وَقِيلَ لَا اهـ وَفِي
الذَّخِيرَةِ: وَأَمَّا وُقُوعُ طَلَاقٍ آخَرَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ
فَقَدْ قِيلَ لَا يَقَعُ وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ
لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ
احْتِيَاطًا، ثُمَّ هَذَا الطَّلَاقُ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي
الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً ثُمَّ
طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَلَا شُبْهَةَ فِي وُقُوعِهَا، فَإِذَا
طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةً أُخْرَى فَمُقْتَضَى كَوْنِهَا
مُطَلَّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ،
لَكِنْ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي الْخَلْوَةِ فِي أَنَّهَا
تَارَةً تَكُونُ كَالْوَطْءِ وَتَارَةً لَا تَكُونُ جَعَلْنَاهَا
كَالْوَطْءِ فِي هَذَا فَقُلْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ احْتِيَاطًا
لِوُجُودِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا
يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ آخَرُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ هَذِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ كَوْنِ الطَّلَاقِ الثَّانِي بَائِنًا هُوَ
الِاحْتِيَاطُ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلطَّلَاقِ الْأَوَّلِ.
وَأَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّهُ بَائِنٌ أَيْضًا لِأَنَّ طَلَاقَ قَبْلِ
الدُّخُولِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا
وَجَبَتْ لِجَعْلِنَا الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ احْتِيَاطًا، فَإِنَّ
الظَّاهِرَ وُجُودُ الْوَطْءِ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّ
الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ
الْوَطْءِ يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَقَعُ بَائِنًا، وَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ
لَا تَعْقُبُهُ الرَّجْعَةُ يَلْزَمُ كَوْنُ الثَّانِي مِثْلَهُ. اهـ.
وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ طَلَاقٌ بَائِنٌ آخَرُ فَإِنَّهُ
يُفِيدُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي
قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ
بِهِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ
الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ
فَافْهَمْ. ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وُقُوعُ الْبَائِنِ أَوَّلًا
وَثَانِيًا وَإِنْ كَانَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ
لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُخَالِفُ الْخَلْوَةُ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ.
وَأَجَابَ ح: بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ
وَهُوَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُقُوعَ طَلَاقٍ بَعْدَ آخَرَ. اهـ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْبَائِنَ قَدْ يَلْحَقُ الْبَائِنَ فِي
الْمَوْطُوءِ فَلَا يَدْفَعُ الْمُخَالَفَةَ الْمَذْكُورَةَ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ كَالْغُسْلِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانِ)
فَلَوْ زَنَى بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لَا يَلْزَمُهُ الرَّجْمُ
لِفَقْدِ شَرْطِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الْوَطْءُ. قَالَ فِي عَقْدِ
الْفَرَائِدِ: وَهَذَا إنْ لَمْ يَفْهَمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ
فَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ ثُبُوتِ الْإِحْصَانِ لَهَا بِذَلِكَ. وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ
عَلَى نَقْلٍ فِيهِ صَرِيحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْت: وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ
الْإِحْصَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ، وَإِنْ أَقَرَّا
بِهِ لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ فِي
حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ
وَحُرْمَةُ الْبَنَاتِ) أَيْ لَمْ يُقِيمُوا الْخُلُوَّ مَقَامَ الْوَطْءِ
فِي ذَلِكَ، فَلَوْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ بِدُونِ وَطْءٍ وَلَا مَسٍّ
بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا، بِخِلَافِ الْوَطْءِ
وَالْكَلَامُ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، فَمَا حَرَّرَهُ فِي عَقْدِ
الْفَرَائِدِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَنَاتِ بِالْخَلْوَةِ
الصَّحِيحَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِي
الْفَاسِدَةِ. قَالَ الثَّانِي تَحْرُمُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَحْرُمُ
فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِمَّا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ مَمْنُوعٌ
كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ) أَيْ لَا
تَحِلُّ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ
خَلْوَةِ الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَطْئِهِ لِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ
(قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةِ) أَيْ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْخَلْوَةِ وَلَا
رَجْعَةَ لَهُ
(3/119)
وَالْمِيرَاثِ) وَتَزْوِيجُهَا
كَالْأَبْكَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا نَظَمَهُ صَاحِبُ
النَّهْرِ فَقَالَ:
وَخَلْوَةُ الزَّوْجِ مِثْلُ الْوَطْءِ ... فِي صُوَرٍ وَغَيْرُهُ
وَبِهَذَا الْعَقْدِ تَحْصِيلُ
تَكْمِيلُ مَهْرٍ وَإِعْدَادٍ كَذَا نَسَبٌ ... إنْفَاقٌ سُكْنَى وَمَنْعُ
الْأُخْتِ مَقْبُولُ
وَأَرْبَعٌ وَكَذَا قَالُوا الْإِمَا وَلَقَدْ ... رَاعَوْا زَمَانَ
فِرَاقٍ فِيهِ تَرْحِيلُ
وَأَوْقَعُوا فِيهِ تَطْلِيقًا إذَا لَحِقَا ... وَقِيلَ لَا وَالصَّوَابُ
الْأَوَّلُ الْقِيلُ
أَمَّا الْمَعَايِرُ فَالْإِحْصَانُ يَا أَمَلِي ... وَرَجْعَةٌ وَكَذَا
التَّوْرِيثُ مَعْقُولُ
سُقُوطُ وَطْءٍ وَإِحْلَالٍ لَهَا وَكَذَا ... تَحْرِيمُ بِنْتٍ نِكَاحُ
الْبِكْرِ مَبْذُولُ
كَذَلِكَ الْفَيْءُ وَالتَّكْفِيرُ مَا فَسَدَتْ ... عِبَادَةٌ وَكَذَا
بِالْغُسْلِ تَكْمِيلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بَحْرٌ: أَيْ لِوُقُوعِ
الطَّلَاقِ بَائِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْمِيرَاثِ) أَيْ
لَوْ طَلَّقَهَا وَمَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ لَا تَرِثُ
بَزَّازِيَّةٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى.
وَحَكَى ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا
تَرِثُ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ.
قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَعَلَى هَذَا أَيْ مَا فِي الشَّرْحِ لَوْ
طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ
وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ، وَبِهِ جَزَمَ الطَّوَّاقِيُّ فِيمَا
كَتَبَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ حَامِدْ
أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَزْوِيجِهَا
كَالْأَبْكَارِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ كَالثَّيِّبَاتِ لِيُوَافِقَ
مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ فَإِنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ الْوَطْءِ
دُونَ الْخَلْوَةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْوَطْءِ فِي
تَزْوِيجِهَا كَالثَّيِّبَاتِ بَلْ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ أَفَادَهُ ط
(قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهَا
تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ
زِيَادَةِ أَرْبَعَةٍ أُخْرَى فِي النَّظْمِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ: سُقُوطُ
الْوَطْءِ، وَالْفَيْءِ، وَالتَّكْفِيرِ، وَعَدَمِ فَسَادِ الْعِبَادَةِ.
وَبَقِيَ مَسْأَلَتَانِ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُمَا لِعَدَمِ
تَسْلِيمِهِمَا، وَهُمَا أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَكُونُ إجَازَةَ
النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا
تَمْنَعُ نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ بَعْدَهَا عِنْدَهُمَا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ فَلَهَا الْمَنْعُ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ كَمَا أَفَادَهُ
فِي الْبَحْرِ، وَزَادَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَيْضًا بَقَاءَ عُنَّةِ
الْعِنِّينِ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهَا فِي النَّظْمِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ
وَغَيْرُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مِثْلٍ وَالضَّمِيرُ لِلْوَطْءِ
أَيْ وَمُغَايَرَةٌ لِلْوَطْءِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً (قَوْلُهُ
وَبِهَذَا الْعَقْدِ تَحْصِيلٌ) جُمْلَةُ مَنْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ،
وَالْعِقْدُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ شُبِّهَ الشِّعْرُ الْمَنْظُومُ بِعِقْدِ
الدُّرِّ الْمَنْظُومِ (قَوْلُهُ تَكْمِيلُ مَهْرٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِصُوَرِ
الْمُمَاثَلَةِ (قَوْلُهُ وَإِعْدَادٌ) بِالْكَسْرِ، وَالْمُرَادُ
الْعِدَّةُ (قَوْلُهُ وَأَرْبَعٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْأُخْتِ
(قَوْلُهُ الْإِمَا) جَمْعُ أَمَةٍ، وَقَصَرَهُ لِلضَّرُورَةِ؛ وَلَوْ
أَسْقَطَ لَامَ وَلَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ قَصْرِهِ (قَوْلُهُ فِرَاقٍ فِيهِ
تَرْحِيلُ) الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ. اهـ. ح.
وَأَمَّا التَّرْحِيلُ، فَهُوَ مِنْ تَرَحَّلَ الْقَوْمُ عَنْ الْمَكَانِ:
انْتَقَلُوا: أَيْ طَلَاقٌ فِيهِ نَقْلُ الزَّوْجَةِ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ
مِنْ عِصْمَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَوْقَعُوا فِيهِ) أَيْ فِي
الْإِعْدَادِ بِمَعْنَى الْعِدَّةِ. اهـ. ح فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى
مَذْكُورٍ وَهُوَ الْإِعْدَادُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا لَحِقَا) الضَّمِيرُ لِلتَّطْلِيقِ وَالْأَلِفُ
لِلْإِطْلَاقِ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِلِحَاقِهِ وُقُوعُهُ فِي الْعِدَّةِ
بَعْدَ طَلَاقٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْقِيلُ) بَدَلٌ مِنْ
الْأَوَّلِ ح (قَوْلُهُ وَرَجْعَةٌ) أَيْ فِي صُورَتَيْنِ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَالرَّجْعَةُ (قَوْلُهُ سُقُوطُ وَطْءٍ) أَيْ
مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ بِالْوَطْءِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَلْوَةِ، فَحَقُّ
الزَّوْجَةِ فِي الْقَضَاءِ الْوَطْءُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَسْقُطُ
عَنْهُ بِالْخَلْوَةِ وَكَذَا الْعِنِّينُ إذَا اخْتَلَى بِهَا لَا
يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَطْءُ بِهَا، فَلِلزَّوْجَةِ طَلَبُ التَّفْرِيقِ،
وَعَلَى هَذَا الْحَلِّ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ بَقَاءِ الْعُنَّةِ
الْمَذْكُورِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، لَكِنْ يُسْتَغْنَى بِهِ أَيْضًا عَنْ
ذِكْرِ الْفَيْءِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُمَا مَعًا أَوْ إسْقَاطَهُمَا
مَعًا تَأَمَّلْ
(3/120)
(وَلَوْ افْتَرَقَا فَقَالَتْ بَعْدَ
الدُّخُولِ وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهَا)
لِإِنْكَارِهَا سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ
وَلَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ فِي الْخَلْوَةِ، فَإِنْ بِكْرًا صَحَّتْ وَإِلَّا
لَا لِأَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا تُوطَأُ كَرْهًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَذَلِكَ الْفَيْءُ) يَعْنِي إنْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ وَطِئَهَا
فِي الْمُدَّةِ كَانَ فَيْئًا، وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا اهـ ح (قَوْلُهُ
التَّكْفِيرُ) يَعْنِي إنْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا اهـ ح وَفِي النَّهْرِ: وَعَدُّ
التَّكْفِيرِ هُنَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَلْوَةِ
الصَّحِيحَةِ وَصَوْمُ الْأَدَاءِ يُفْسِدُهَا كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ مَا
فَسَدَتْ عِبَادَةٌ) مَا نَافِيَةٌ، يَعْنِي إنْ وَطِئَهَا فِي عِبَادَةٍ
يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ فَسَدَتْ وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا. اهـ. ح.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى سَابِقِهِ، فَإِنَّ مَا يَفْسُدُ
بِالْوَطْءِ كَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ
وَالْمَنْذُورُ يُفْسِدُ الْخَلْوَةَ وَالْكَلَامَ فِي الصَّحِيحَةِ، إلَّا
أَنْ يُمَثِّلَ بِمَا لَا يُفْسِدُ الْخَلْوَةَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
كَصَوْمِ غَيْرِ الْأَدَاءِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ تَأَمَّلْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي إسْقَاطُ التَّكْفِيرِ وَفَسَادِ
الْعِبَادَةِ وَزِيَادَةُ فَقْدِ الْعُنَّةِ، فَتَصِيرُ الْأَحْكَامُ
الَّتِي خَالَفَتْ الْخَلْوَةَ فِيهَا الْوَطْءَ عَشَرَةً، وَقَدْ
نَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَا
سِوَاهَا لَا يُخَالِفُ فِيهَا الْخَلْوَةُ الْوَطْءَ فَقُلْت
وَخَلْوَتُهُ كَالْوَطْءِ فِي غَيْرِ عَشَرَةٍ ... مُطَالَبَةٌ بِالْوَطْءِ
إحْصَانٌ تَحْلِيلٌ
وَفَيْءٌ وَإِرْثٌ رَجْعَةٌ فَقْدُ عُنَّةٍ ... وَتَحْرِيمُ بِنْتٍ عَقْدُ
بِكْرٍ وَتَغْسِيلٌ
(قَوْلُهُ فَقَالَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ) يُطْلَقُ الدُّخُولُ عَلَى
الْوَطْءِ وَعَلَى الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ
الْأَوَّلُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ
الْوَطْءِ، أَوْ فِي الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا فِي الْوَطْءِ مَعَ
الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مُؤَكِّدَةٌ لِتَمَامِ
الْمَهْرِ فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ مَعَ
الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَةٌ لِلِاخْتِلَافِ
(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا لِإِنْكَارِهَا سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ)
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لِلزَّاهِدِيِّ، وَنَظَمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَقَالَ
فِي شَرْحِهِ إنَّهُ تَتَبَّعَ هَذَا الْفَرْعَ فَمَا ظَفِرَ بِهِ وَلَا
وَجَدَ مَا يُنَاقِضُهُ وَوَجْهُهُ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ
الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ. اهـ.
قُلْت: رَأَيْته فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ أَيْضًا، وَحَكَى فِيهِ
قَوْلَيْنِ، فَذَكَرَ مَا مَرَّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَكِتَابٍ
آخَرَ، ثُمَّ عَزَا إلَى الْأَسْرَارِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ
يُنْكِرُ وُجُوبَ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ. اهـ. وَيَظْهَرُ لِي
أَرْجَحِيَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولُ أَوْ
الْمَوْتُ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَهُمَا مُنَصِّفٌ لَهُ
فَسَبَبُ وُجُوبِ الْكُلِّ مُتَحَقِّقٌ وَالْمُصَنَّفُ لَهُ عَارِضٌ،
وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الْعَارِضَ وَتَتَمَسَّكُ بِالسَّبَبِ الْمُحَقَّقِ
الْمُوجِبِ لِلْكُلِّ وَلِذَا تَثْبُتُ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ
الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ
إلَى مِلْكِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ
الرِّضَا وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفُذُ
تَصَرُّفُ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَالزَّوْجِ وَإِنْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ
عَلَى النِّصْفِ لَكِنَّهُ مُقِرٌّ بِسَبَبِهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ
بِالْغَصْبِ وَادَّعَى الرَّدَّ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَدَعْوَاهُ
الرَّدَّ إنْكَارٌ لِلضَّمَانِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِسَبَبِهِ فَلَا
يُقْبَلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ) كَذَا فِي
كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ
أَنْكَرَ الدُّخُولَ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ
بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي الْوَطْءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ،
لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ فِي الْأَسْرَارِ: أَيْ أَنَّ
إنْكَارَهُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُدَّعٍ لِسُقُوطِ
النِّصْفِ بِالْعَارِضِ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكُلِّ فَكَانَ
إنْكَارُهَا هُوَ الْمُعْتَبَرَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ أَنْكَرَتْ
بِالتَّاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ أَنَّهُ
لَمْ يَطَأْهَا فِي هَذَا الدُّخُولِ الَّذِي ادَّعَتْهُ، لَكِنَّ
الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ
لَمْ يَدَّعِ الْوَطْءَ حَتَّى يُقَابَلَ بِإِنْكَارِهَا لَهُ (قَوْلُهُ
إنَّمَا تُوطَأُ كَرْهًا) لِأَنَّهَا تَسْتَحِي بِالطَّبْعِ، فَلَمْ تَكُنْ
بِالِامْتِنَاعِ مُخْتَارَةً لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ
الثَّيِّبِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهَا لِعَدَمِ
تَأَكُّدِ الْمَهْرِ
(3/121)
كَمَا بَحَثَهُ الطَّرَسُوسِيُّ
وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَلَوْ قَالَ إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ)
بَائِنًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ) وَلَا عِدَّةَ
عَلَيْهَا بَزَّازِيَّةٌ
(وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْخَلْوَةِ
وَلَوْ فَاسِدًا (احْتِيَاطًا) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ
(وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ
وَقَاضِي خَانْ (إنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا) كَصَوْمٍ (وَتَجِبُ)
الْعِدَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
وَالْبَحْثُ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الطَّرَسُوسِيَّ
نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا خَلَا بِهَا وَلَمْ تُمَكِّنْهُ
مِنْ نَفْسِهَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ قَالَ: وَفِي طَلَاقِ
النَّوَازِلِ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ
وَقَالَ قُلْته عَلَى وَجْهِ التَّفَقُّهِ وَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِنَقْلٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ،
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إذَا صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ
كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ
(قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ صَاحِبِ
الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ فَخَلَا بِهَا) أَيْ خَلْوَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهَا
الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْخَلْوَةِ. اهـ. ح. أَيْ فِي قَوْلِ
الْحَالِفِ إنْ خَلَوْت بِك فَيُرَادُ بِهَا الْخَالِيَةُ عَمَّا
يَمْنَعُهَا أَوْ يُفْسِدُهَا مِمَّا مَرَّ، وَالْمُرَادُ مَا يُفْسِدُهَا
مِنْ غَيْرِ التَّعْلِيقِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا
التَّعْلِيقَ مُفْسِدٌ لَهَا، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ، الْخَلْوَةُ
الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَاسِدَةٌ
كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ فِيهِ
الْخَالِيَةُ عَمَّا يُفْسِدُهَا سِوَى فَسَادِ النِّكَاحِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَائِنًا) لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ بَعْدَ
الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ يَكُونُ بَائِنًا مِنَحٌ. أَيْ فَهُنَا أَوْلَى
لِعَدَمِ صِحَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْوَطْءَ إلَّا فِي وُجُوبِ
الْعِدَّةِ ط (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ) عِلَّةٌ لِطَلُقَتْ، وَأَمَّا
عِلَّةُ كَوْنِهِ بَائِنًا فَهِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ
أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ
بَعْدَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ لِعَدَمِ الْخَلْوَةِ الْمُمَكِّنَةِ
مِنْ الْوَطْءِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ
فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا (قَوْلُهُ وَلَا
عِدَّةَ عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا فِي
الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ احْتِيَاطًا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ
بِقَوْلِهِ كَيْفَ الْقَطْعُ بِوُجُوبِهَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِلنَّقْلِ،
عَلَى أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ
وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَيْسَتْ مِنْ
قِسْمِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا الْفَاسِدَةِ فَتَأَمَّلْ،
وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ إذَا
تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ. اهـ.
أَقُولُ: التَّسْلِيمُ مِنْهَا مَوْجُودٌ وَلَكِنْ عَاقَهُ مَانِعٌ مِنْ
جِهَتِهِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَالْعِنِّينِ، وَكَمَا لَوْ دَخَلَ
عَلَيْهَا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالصَّلَاةِ، وَكَوْنُهَا خَلْوَةً
بِأَجْنَبِيَّةٍ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ شَرْطُ الطَّلَاقِ،
وَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ
لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ
دَلِيلُ تَحَقُّقِ الْخَلْوَةِ، إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَقَعْ غَيْرَ أَنَّهُ
وُجِدَ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا مَانِعٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا،
وَتَصْرِيحُهُمْ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى
الصَّحِيحِ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ لَا
عِدَّةَ عَلَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ فَهُوَ مُصَادَمَةُ
نَقْلٍ بِنَقْلٍ أَصَحَّ مِنْهُ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ) ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ قَضَاءً وَدِيَانَةً.
وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي
الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ
ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً، فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ
بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً (قَوْلُهُ فِي
الْكُلِّ إلَخْ) هَذَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا النِّكَاحُ
الْفَاسِدُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ
الدُّخُولِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ) أَيْ شَغْلِ الرَّحِمِ
نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ
لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالسَّحْقِ وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ
وَحَقُّ الْوَلَدِ، وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا، وَلَا يَحِلُّ
لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ، وَتَتَدَاخَلُ
الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتْحٌ، وَتَمَامُهُ فِي
الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ إلَخْ) وَجَزَمَ
بِهِ فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ
الْعَتَّابِيُّ (قَوْلُهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ) لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ
(3/122)
(وَإِنْ) كَانَ (حِسِّيًّا) كَصِغَرٍ
وَمَرَضٍ مُدْنِفٍ (لَا) تَجِبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ نَصُّ
مُحَمَّدٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْمَوْتُ أَيْضًا
كَالْوَطْءِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ مَاتَتْ
الْأُمُّ قَبْلَ دُخُولِهِ لَهَا حَلَّتْ بِنْتُهَا
(قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ فَوَهَبَتْهُ لَهُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ
رَجَعَ) عَلَيْهَا (بِنِصْفِهِ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي
الْعُقُودِ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ فَوَهَبَتْهُ
الْكُلَّ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ مَا بَقِيَ) وَهُوَ النِّصْفُ
فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ) وَهَبَتْ (عَرْضَ الْمَهْرِ) كَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ
أَوْ فِي الذِّمَّةِ (قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَا) رُجُوعَ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا
يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ) نَكَحَهَا (عَلَى أَلْفِ إنْ أَقَامَ بِهَا
وَعَلَى أَلْفَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَقِيقَةً فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مُدْنِفٍ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ: الْأَوْجَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُخَصَّ الصِّغَرُ
بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضُ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ
حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. اهـ.
قُلْت: وَنَصَّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمُدْنِفِ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْقَامُوسِ: دَنِفَ الْمَرِيضُ كَفَرِحَ ثَقُلَ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ الَّذِي رَوَى مَسَائِلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ
صَاحِبِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا
لِشَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ
وَالشُّرُنْبُلالِيَّةِ (قَوْلُهُ الْمَوْتُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ
الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ الْمَوْتُ قَبْلَ
الدُّخُولِ: أَيْ مَوْتُ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ، وَمَوْتُ
أَيِّهِمَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَهْرِ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ
فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ) أَيْ إذَا مَاتَ عَنْهَا لَزِمَهَا
عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَاسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ كَالْمَوْطُوءَةِ
(قَوْلُهُ فَقَطْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُجْتَبَى وَفِيمَا سِوَاهُ
كَالْعَدَمِ.
قُلْت: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يُعْطَى حُكْمُهُ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ
لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَلِذَا تَحَقَّقَ قَبْلَ
الْخَلْوَةِ الْخَلْوَةُ الَّتِي هِيَ دُونَ الْوَطْءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ
حَلَّتْ بِبِنْتِهَا) أَيْ كَمَا تَحِلُّ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ،
فَلَا تَحْرُمُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ عَلَى مَا مَرَّ
(قَوْلُهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْأَلِفَ
مُذَكَّرٌ لَا يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ كَمَا فِي ط عَنْ الْمِصْبَاحِ، وَكَذَا
لَوْ وَهَبَتْ نِصْفَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ
وَخَلْوَةٍ نَهْرٌ، وَهِيَ وَطْءٌ حُكْمًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ
تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ) وَلِذَا لَوْ أَشَارَ فِي النِّكَاحِ
إلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ مِثْلَهَا جِنْسًا
وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً؛ وَلَوْ لَمْ تَهَبْ شَيْئًا وَطَلُقَتْ
قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا إمْسَاكُ الْمَقْبُوضِ وَدَفْعُ غَيْرِهِ
وَلِذَا تُزَكِّي الْكُلَّ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا
يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ
مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قَبَضَتْ
أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَإِنَّهُ تَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى
النِّصْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَتْ الْأَقَلَّ وَوَهَبَتْهُ الْبَاقِي
فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا
بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ
فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ الْبَاقِي إشَارَةً إلَى أَنَّ
هِبَةَ الْأَلْفِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَعْنَى هِبَةِ الْأَلْفِ بَعْدَ
قَبْضِ النِّصْفِ أَنَّهَا وَهَبَتْ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ
(قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَتْ عَرْضَ الْمَهْرِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَمْ
يَتَغَيَّبْ، إذْ لَوْ وَهَبَتْهُ بَعْدَمَا تَغَيَّبَ فَاحِشًا يَرْجِعُ
بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَتْ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ
عَيْنًا أُخْرَى، أَمَّا الْعَيْبُ الْيَسِيرُ فَكَالْعَدَمِ لِمَا
سَيَأْتِي أَنَّهُ فِي الْمَهْرِ مُتَحَمَّلٌ، وَقَيَّدَ بِالْهِبَةِ
لِأَنَّهَا لَوْ بَاعَتْهُ مِنْهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ: أَيْ نِصْفَ
قِيمَتِهِ لَا نِصْفَ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ
وَهَبَتْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ تَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ،
وَلَوْ وَهَبَتْهُ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ خُصُوصِ النِّكَاحِ،
فَإِنَّ الْعَرْضَ فِيهِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ
لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَيَتَسَامَحُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا
يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ
كَتَعَيُّنِهِ فِي الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
دَفْعُ بَدَلِهِ، حَتَّى لَوْ تَغَيَّبَ فَاحِشًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ رَجَعَ
بِنِصْفِ قِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ.
(3/123)
إنْ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ وَفَّى) بِمَا
شَرَطَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَأَقَامَ) بِهَا فِي الثَّانِيَةِ
(فَلَهَا الْأَلْفُ) لِرِضَاهَا بِهِ. فَهُنَا صُورَتَانِ: الْأُولَى
تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ مَعَ ذِكْرِ شَرْطٍ يَنْفَعُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
[تَتِمَّةٌ] حُكْمُ الْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ مَا كَانَ فِي
الذِّمَّةِ حُكْمُ النَّقْدِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ مِنْهُ فَكَالْعَرْضِ.
وَاخْتُلِفَ فِي التِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،
فَفِي رِوَايَةٍ كَالْعَرْضِ، وَفِي أُخْرَى كَالْمَضْرُوبِ، كَذَا فِي
الْبَدَائِعِ نَهْرٌ،
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ عَلَى سِتِّينَ وَجْهًا لِأَنَّ الْمَهْرَ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ
فِضَّةٌ أَوْ مِثْلِيٌّ غَيْرُهُمَا أَوْ قِيَمِيٌّ، فَالْأَوَّل عَلَى
عِشْرِينَ وَجْهًا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ،
وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ،
أَوْ بَعْدَ قَبْضِ النِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ فَهِيَ
عَشَرَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا
فَهِيَ عِشْرُونَ، وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى فِي الْمِثْلِيِّ، وَكُلٌّ
مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي
الْقِيَمِيِّ، وَالْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ.
قُلْت: وَيُزَادُ مِثْلُهَا فَتَصِيرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ، بِأَنْ يُقَالَ
إنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ
النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلُّ. فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْخَمْسَةِ
الْمَارَّةِ تَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ
مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ وَكَذَا فِي كُلٍّ مِنْ
الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُ هِبَةِ
الْأَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلِّ
(قَوْلُهُ فَإِنْ وَفَّى) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَاضِي يُوَفِّي تَوْفِيَةً
لَا بِالتَّخْفِيفِ مِنْ وَفَّى يَفِي وَفَاءً بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ
وَإِلَّا يُوَفِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَأَقَامَ بِهَا) إنَّمَا ذَكَرَ
التَّوْفِيَةَ فِي الْأُولَى دُونَ هَذِهِ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ
الْمُسَمَّى مَالًا وَغَيْرَ مَالٍ وَهُوَ مَا شَرَطَهُ لَهَا وَوَعَدَهَا
بِهِ مِنْ عَدَمِ إخْرَاجِهَا أَوْ عَدَمِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا، أَمَّا
هُنَا فَالْمُسَمَّى مَالٌ فَقَطْ رَدَّدَ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ عَلَى
تَقْدِيرٍ وَالْكَثِيرِ عَلَى تَقْدِيرٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ،
فَلَيْسَ هُنَا فِي الْمُسَمَّى وَعْدٌ بِشَيْءٍ لِيُنَاسِبَهُ
التَّعْبِيرُ بِالتَّوْفِيَةِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ يُرَدِّدُ فِيهِ
بَيْنَ كَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ
الْأُولَى إلَخْ) ضَابِطُهَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا قَدْرًا وَمَهْرَ
مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْهُ وَيَشْتَرِطُ مَنْفَعَةً لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا
أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةَ
الِانْتِفَاعِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى فِعْلِ الزَّوْجِ لَا حَاصِلَةً
بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا رَدَّ شَيْءٍ لَهُ،
وَذَلِكَ كَأَنْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ
الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُكْرِمَهَا أَوْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً،
أَوْ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَبَاهَا ابْنَتَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ
أَخَاهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا، فَلَوْ الْمَنْفَعَةُ
لِأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يُوَفِّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَمِثْلُهُ
الْأُولَى لَوْ شَرَطَ مَا يَضُرُّهَا كَالتَّزَوُّجِ عَلَيْهَا، وَكَذَا
لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ وَلَوْ
كَانَ الْمَشْرُوطُ غَيْرَ مُبَاحٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، فَلَوْ
الْمُسَمَّى عَشَرَةً فَأَكْثَرَ وَجَبَ لَهَا وَبَطَلَ الْمَشْرُوطُ وَلَا
يَكْمُلُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ
بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضٌ بِفَوَاتِهِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
أَلْفٍ وَعِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ
لَا الْمُضَارِعِ عَتَقَ الْأَخُ وَطَلُقَتْ الضَّرَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ
طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لِمُقَابَلَتِهَا بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ
الْبُضْعُ وَلِلزَّوْجَةِ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَالْوَلَاءُ لَهُ إلَّا إذَا
قَالَ وَعِتْقُ أَخِيهَا عَنْهَا فَهُوَ لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ، وَعَلَى أَنْ
تَرُدَّ. عَلَيْهِ عَبْدًا يَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا،
وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً صَارَ نِصْفُ الْأَلْفِ
ثَمَنًا لِلْعَبْدِ وَالنِّصْفُ صَدَاقًا فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ وَإِنْ بَعْدَهُ نُظِرَ، وَإِنْ كَانَ
مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ
وَإِنْ أَكْثَرَ فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَمَهْرُ
الْمِثْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ
وَفِي اشْتِرَاطِ الْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَلَامٌ سَيَأْتِي.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ إمَّا نَافِعٌ
لَهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ ضَارٌّ، وَكُلٌّ إمَّا حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ
النِّكَاحِ أَوْ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فِعْلِ الزَّوْجِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ
السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى
أَوْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ
الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يُبَاحَ الِانْتِفَاعُ
بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا
(3/124)
وَالثَّانِيَةُ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ عَلَى
تَقْدِيرٍ وَغَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرٍ (وَإِلَّا) يُوَفِّ وَلَمْ يَقُمْ
(فَمَهْرُ الْمِثْلِ) لِفَوْتِ رِضَاهَا بِفَوَاتِ النَّفْعِ (وَ) لَكِنْ
(لَا يُزَادُ) الْمَهْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ (عَلَى أَلْفَيْنِ
وَلَا يُنْقَصُ عَنْ أَلْفٍ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَصَّفَ الْمُسَمَّى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
لِسُقُوطِ الشَّرْطِ. وَقَالَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ (بِخِلَافِ مَا
لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ
إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطَانِ) اتِّفَاقًا فِي
الْأَصَحِّ لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
رَدَّ شَيْءٍ أَوْ لَا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ الْوَفَاءُ
بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، فَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ هَذَا
خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ
إنْ أَقَامَ بِهَا أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ
ضَرَّتَهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً
أَوْ ثَيِّبًا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ أَضْدَادَهَا (قَوْلُهُ
بِفَوَاتِ النَّفْعِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى
سَمَّى لَهَا مَالَهَا فِيهِ نَفْعٌ وَهُوَ عَدَمُ إخْرَاجِهَا وَعَدَمُ
التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا وَنَحْوُهُ، فَإِذَا وَفَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى
لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ
يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَيُكَمِّلُ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَفِي
الثَّانِيَةِ سَمَّى تَسْمِيَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ
لِلْجَهَالَةِ كَمَا يَأْتِي فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى
أَلْفَيْنِ فَقَطْ ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ
ذَاتِ التَّقْدِيرَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُنْقِصُ عَنْ أَلْفٍ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
(قَوْلُهُ لِإِنْفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ لَوْ زَادَ مَهْرُ
مِثْلِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى أَلْفَيْنِ لَيْسَ لَهَا
أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْنِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ مَعَهُ بِهِمَا لِتَرَدُّدِ
يَدِهِ لَهَا بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى أَلْفٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ
بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ بَلْ
مَعَ الْوَصْفِ النَّافِعِ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا، وَلَوْ نَقَصَ عَنْ
أَلْفٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ
(قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الشَّرْطِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ يَجِبُ تَمَامَ
مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ
الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى
فَيَنْتَصِفُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَقَالَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ) أَيْ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: حَتَّى كَانَ
لَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا.
وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا
يُنْقَصُ مِنْ الْأَلْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ. وَأَصْلُ
الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ
فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَطَّهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى خِلَافٍ، وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ حَيْثُ أَفْسَدَ الشَّرْطَ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ
بِهَا وَأَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحَّحَ
الشَّرْطَيْنِ مَعَ أَنَّ التَّرْدِيدَ مَوْجُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَأَجَابَ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّهُ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ دَخَلَتْ
الْمُخَاطَرَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا
يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا، أَمَّا هُنَا فَالْمَرْأَةُ عَلَى
صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحُسْنِ أَوْ الْقُبْحِ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ
بِصِفَتِهَا لَا تُوجِبُ خَطَرًا
وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ
حُرَّةً أَوْ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ
مَوْلَاةً أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ
وَلَكِنْ جَهِلَ الْحَالَ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ
وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكُلِّ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْجَهَالَةَ
قَوِيَّةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْرًا
مُشَاهَدًا، وَلِذَا لَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهَا
فَكَانَ فِيهَا مُخَاطَرَةٌ مَعْنًى، بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ
فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَجَهَالَتُهُ يَسِيرَةٌ لِزَوَالِهَا بِلَا
مَشَقَّةٍ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي الصِّحَّةُ
فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ
وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ
بِالتَّسَامُعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ إثْبَاتَهُ بِالتَّسَامُعِ
إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى إثْبَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ
تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ غَائِبَةٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِهَا
أَحَدٌ بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ. فَلِذَا اتَّبَعَ الشَّارِحُ مَا
فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِمَا فِي النَّهْرِ
(3/125)
بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّدَ فِي الْمَهْرِ
بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلثُّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ، فَإِنَّهَا
إنْ ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ
عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَقَلِّ فَتْحٌ، وَلَوْ شَرَطَ
الْبَكَارَةَ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ دُرَرٌ وَرَجَّحَهُ
فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ)
أَوْ الْأَلْفَيْنِ (أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهَذَا الْعَبْدِ) أَوْ
عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ (وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ حَكَمَ) الْقَاضِي (مَهْرَ
الْمِثْلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّدَ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ صُورَةِ
الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ
لِمَسْأَلَةِ التَّرْدِيدِ لِلْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى
إعَادَتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرْدِيدَ الْمَهْرِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ
إنْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْأَقَلِّ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَلَا
يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ، خِلَافًا لَهُمَا إلَّا فِي
مَسْأَلَةِ الْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي أَيَّ
شَرْطٍ وُجِدَ اتِّفَاقًا، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ
وَلَوْ شَرَطَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ
جِنْسِ مَا قَبْلَهَا، وَمُنَاسَبَتُهَا تَعْلِيقُ الْمُسَمَّى عَلَى
وَصْفٍ مَرْغُوبٍ لَهُ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ) لِأَنَّ الْمَهْرَ
إنَّمَا شُرِعَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ دُونَ الْبَكَارَةِ ح عَنْ
مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ)
أَقُولُ: عِبَارَتُهَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ
لَيْسَتْ كَذَلِكَ يَجِبُ الْمَهْرُ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ
بِأَنْ زَالَتْ بِوَثْبَةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِأَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ
مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ غَيْرُ بِكْرٍ لَا تَجِبُ
الزِّيَادَةُ، وَالتَّوْفِيقُ وَاضِحٌ لِلْمُتَأَمِّلِ. اهـ.
وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ
الْمُحِيطِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَابَلَ
الزِّيَادَةَ بِمَا هُوَ مَرْغُوبٌ وَقَدْ فَاتَ فَلَا يَجِبُ مَا قُوبِلَ
بِهِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ
تَرْجِيحٌ لِلُزُومِ الْكُلِّ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَرْجِيحٌ
لِلتَّفْصِيلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّزَوُّجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
وَبِأَزْيَدَ مِنْهُ، نَعَمْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ:
وَإِنْ أَعْطَاهَا زِيَادَةً عَلَى الْمُعَجَّلِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ
فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ قِيلَ تَرُدُّ الزَّائِدَ. وَعَلَى قِيَاسِ مُخْتَارِ
مَشَايِخِ بُخَارَى فِيمَا إذَا أَعْطَاهَا الْمَالَ الْكَثِيرَ بِجِهَةِ
الْمُعَجَّلِ عَلَى أَنْ يُجَهِّزُوهَا بِجِهَازٍ عَظِيمٍ وَلَمْ تَأْتِ
بِهِ رَجَعَ بِمَا زَادَ عَلَى مُعَجَّلِ مِثْلِهَا، وَكَذَا أَفْتَى
أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجِعَ الزِّيَادَةَ، وَلَكِنْ
صَرَّحَ فِي فَوَائِدِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ
فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ اهـ أَيْ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى
مَهْرِ الْمِثْلِ وَصُورَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُعَجَّلِ كَمَا
يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، فَقَوْلُ
الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْعِمَادِيَّةِ وَلَكِنْ صَرَّحَ إلَخْ يُفِيدُ
تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ كُلُّ الْمَهْرِ وَلِذَا
نَظَمَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ
الزِّيَادَةِ بِقِيلِ، فَأَفَادَ أَيْضًا تَرْجِيحَ لُزُومِ الْكُلِّ كَمَا
هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ
يُسَمِّيَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ
اخْتَلَفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الْأَلْفَيْنِ) لَا فَائِدَةَ فِي
ذِكْرِهِ بَعْدَ الْأَلْفِ لِلْعِلْمِ قَطْعًا بِأَنَّ الْأَلْفَ غَيْرُ
قَيْدٍ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْبَحْرِ: أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ
الْأَلْفَيْنِ، فَهُوَ مِثَالٌ آخَرُ مِثْلُ الَّذِي بَعْدَهُ مِمَّا
الِاخْتِلَافُ فِيهِ قِيمَةً مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيُمْكِنُ عَطْفُ
قَوْلِهِ أَوْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ عَلَى هَذَا
الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفَيْنِ بِأَنْ يَعْطِفَ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ كَأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا
الْعَبْدِ أَوْ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ أَوْ يَقُولَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ
أَوْ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَحَدِ
هَذَيْنِ) أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلِمَةِ أَوْ وَلَفْظِ
أَحَدِهِمَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمُحِيطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ) الْجُمْلَةُ فِي
مَوْضِعِ الْحَالِ فِي الْقَامُوسِ الْوَكْسُ كَالْوَعْدِ: النَّقْصُ
وَالتَّنْقِيصُ؛ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ اهـ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ
تَسَاوَيَا قِيمَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ
الْفَتْحِ. وَقَالَ قَبْلَهُ، لَوْ كَانَا سَوَاءً فَلَا تَحْكِيمَ وَلَهَا
الْخِيَارُ فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَتْ.
(قَوْلُهُ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ) هَذَا قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا
الْأَقَلُّ وَالْمُتُونُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ فِي التَّحْرِيرِ
قَوْلَهُمَا، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَصْلٌ
عِنْدَهُ
(3/126)
فَإِنْ مِثْلَ الْأَرْفَعِ أَوْ فَوْقَهُ
فَلَهَا الْأَرْفَعُ، وَإِنْ مِثْلَ الْأَوْكَسِ أَوْ دُونَهُ فَلَهَا
الْأَوْكَسُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ
الدُّخُولِ يَحْكُمُ بِمُتْعَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، حَتَّى
لَوْ كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ وَجَبَتْ
الْمُتْعَةُ فَتْحٌ.
(وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ) أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ
أَوْ فِرَاشِ بَيْتٍ أَوْ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ نَحْوِ إبِلٍ
(فَالْوَاجِبُ) فِي كُلِّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ (الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ)
وَكُلِّ مَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجِ وَإِلَّا
فَلِلْمَرْأَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْمُسَمَّى خَلَفٌ عَنْهُ إنْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَقَدْ فَسَدَتْ
هُنَا لِلْجَهَالَةِ فَيُصَارُ إلَى الْأَصْلِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ،
وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْخِيَارِ لَهَا أَوْ لَهُ، فَلَوْ
قَالَ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَتْ، أَوْ عَلَى
أَنِّي بِالْخِيَارِ أُعْطِيت أَيَّهمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ
اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ
الْخُلْعَ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ الْإِعْتَاقَ
عَلَيْهِ يُوجِبُ الْأَقَلَّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ
أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ
الْأَقَلُّ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَرْفَعُ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْحَطِّ هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَوْكَسُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ
هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْفَعِ
وَالْأَوْكَسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ
الدُّخُولِ، كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ
بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا
وَقَعَ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ
يَجِبُ نِصْفُ الْأَوْكَسِ اتِّفَاقًا مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ أَنَّ
الْمُتْعَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْأَوْكَسِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي
الْهِدَايَةِ، حَتَّى لَوْ زَادَتْ وَجَبَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْخَانِيَّةِ وَالدِّرَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ
الْمُحَكِّمَ الْمُتْعَةَ أَفَادَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ
نِصْفِ الْأَعْلَى لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ لِرِضَاهَا بِهِ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسْأَلَةٍ
أُخْرَى مَوْضُوعُهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومُ
الْجِنْسِ دُونَ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ
فَالْوَاجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ يُفِيدُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ
لِأَنَّ الْجِنْسَ الْمَعْلُومَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ
وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ
لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ، وَإِنَّمَا تَخَيَّرَ
الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا
يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ،
وَقَيَّدَ بِالْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ بِإِشَارَةٍ كَهَذَا
الْعَبْدِ أَوْ الْفَرَسِ يَثْبُتُ الْمَلِكُ لَهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ
إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الزَّوْجَ
بِشِرَائِهِ لَهَا، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَكَذَا بِإِضَافَةِ
إلَى نَفْسِهِ كَعَبْدِي، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ
الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ كَالْإِشَارَةِ
لَكِنْ فِي هَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَعْبُدٌ ثَبَتَ مِلْكُهَا فِي وَاحِدٍ
مِنْهُمْ وَسَطٌ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ
يَتَوَقَّفُ مِلْكُهَا لَهُ عَلَى تَعْيِينِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ
يَلْزَمُ كَوْنُ الْإِضَافَةِ كَالْإِبْهَامِ، فَإِنَّهُ فِي الْإِبْهَامِ
لَوْ عَيَّنَ لَهَا وَسَطًا أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهِ، وَتَمَامُهُ فِي
النَّهْرِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ) قَصَدَ بِهَذَا
التَّعْمِيمِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْفَرَسَ وَالْعَبْدَ
وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ
مَعْلُومٌ ح.
(قَوْلُهُ وَكُلٌّ مَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ إلَخْ) فَإِذَا وَصَفَ
الثَّوْبَ كَهَرَوِيٍّ خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ أَوْ
قِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ بَالَغَ فِي وَصْفِهِ، بِأَنْ قَالَ
طُولُهُ كَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، نَعَمْ لَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ
مَعَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ كَانَ لَهَا أَنْ لَا تَقْبَلَ الْقِيمَةَ
لِأَنَّ صِحَّةَ السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ذِكْرِ
الْأَجَلِ، وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا ذَكَرَ صِفَتَهُ
كَجَيِّدَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ
يَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لِأَنَّ
الْمَوْصُوفَ فِيهَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مُؤَجَّلًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ؛ فَمَعْنَى كَوْنِ الْخِيَارِ
لِلْمَرْأَةِ أَنَّ لَهَا أَنْ لَا تَقْبَلَ الْقِيمَةَ إذَا أَرَادَ
إجْبَارَهَا عَلَيْهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُجْبِرَهُ عَلَى
الْقِيمَةِ إذَا أَرَادَ دَفْعَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ السَّلَمُ
تَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْعَيْنِ هَذَا وَفِي الْفَتْحِ التَّصْرِيحُ
بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا
رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ عَيْنِ
الْوَسَطِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ: وَعَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
لَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ
بِالطُّولِ
(3/127)
(وَكَذَا الْحُكْمُ) وَهُوَ لُزُومُ
الْوَسَطِ (فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ) هُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْأَحْكَامِ (دُونَ
نَوْعِهِ) هُوَ الْمَقُولُ عَامُّهُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ فِيهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْعَرْضِ وَالرِّقَّةِ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي
الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ رَجَّحَ رِوَايَةَ زُفَرَ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ
بِأَنَّهَا الْأَصَحُّ، وَكَذَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَأَقَرَّهُ فِي
غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَابْنِ مَالِكٍ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَلَا بُدَّ فِي عَيْنِ
الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا
الزَّوْجُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ إلَخْ)
فَذِكْرُ الْفَرَسِ لَيْسَ قَيْدًا؛ وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا وَلَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى مَعْلُومِ جِنْسٍ وَجَبَ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ
لِمَكَانٍ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ فَإِنَّهُ يَعُمُّ نَحْوَ الْعَبْدِ
وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ هُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
إلَخْ) أَمَّا عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ فَهُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ
مُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقَائِقِ فِي مَا هُوَ. وَالنَّوْعُ الْمَقُولُ
عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْعَدَدِ (قَوْلُهُ مُخْتَلِفِينَ فِي
الْأَحْكَامِ) كَإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ مَقُولٌ عَلَى الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى، وَأَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ تَحْتَهُ الْكَتَّانُ
وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ
الْحَرِيرَ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ وَغَيْرُهُ يَحِلُّ، فَهُوَ جِنْسٌ
عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ،
وَأَمَّا الدَّارُ فَتَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا
بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَكَثْرَةِ
الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا (قَوْلُهُ مُتَّفِقِينَ فِيهَا) أَيْ فِي
الْأَحْكَامِ مَثَّلَ لَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ الْخَاصِّ
بِالرَّجُلِ.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ
وَالْمَرْأَةَ وَالْعَاقِلَ وَالْمَجْنُونَ وَأَحْكَامَهُمْ
الْمُخْتَلِفَةَ. فَأَجَابُوا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ بِالْعَرَضِ
لَا بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّ اخْتِلَافَ
أَحْكَامِهِمَا بِالْأَصَالَةِ بَحْرٌ
[تَنْبِيهٌ] : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ نَحْوَ الْحَيَوَانِ
وَالدَّابَّةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالثَّوْبِ جِنْسٌ. وَأَنَّ نَحْوَ
الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَوْ
الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ نَوْعٌ. وَأَنَّ الَّذِي تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ
وَيَجِبُ فِيهِ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ الثَّانِي، فَكَانَ عَلَى
الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ
نَوْعُهُ دُونَ وَصْفِهِ كَمَا قَالَ فِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ: زَوَّجَهَا
عَلَى حَيَوَانٍ فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ
يَصِفْهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الِاخْتِيَارِ: ثُمَّ الْجَهَالَةُ
أَنْوَاعٌ: جَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ ثَوْبٍ أَوْ
دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ هَذِهِ وَمِنْهَا مَا
هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ عَبْدٌ أَوْ
فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ فَإِنَّهُ تَصِحُّ
التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ إلَخْ فَقَدْ جَعَلَ الدَّابَّةَ
وَالثَّوْبَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ مَجْهُولَ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ،
وَجَعَلَ الْعَبْدَ وَالْفَرَسَ وَالثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مَعْلُومَ
الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا
مَرَّ. فِي تَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ عِنْدَ النَّوْعِ عِنْدَ
الْفُقَهَاءِ.
فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ
يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْلِ. اهـ. فَقَدْ جَعَلَ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ جِنْسًا.
قُلْت: أَرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ، وَلِذَا قَابَلَهُ بِالْوَصْفِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْبَحْرِ:
لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ الْجِنْسِ عَلَى النَّوْعِ لِأَنَّ الْجِنْسَ
عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ إلَخْ فَفِيهِ
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْجِنْسِ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى
الْجِنْسِ الْفِقْهِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ
عَلَى النَّوْعِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا
بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ
فَقَدْ سَمَّى الْهَرَوِيَّ جِنْسًا وَلَيْسَ هُوَ جِنْسًا بِالْمَعْنَى
الْمَارِّ، وَلَوْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْهِدَايَةَ فَقَالَ ذَكَرَ
جِنْسَهُ بِدُونِ وَصْفِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ دُونَ نَوْعِهِ لَصَحَّ
كَلَامُهُ، بِأَنْ يُرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعُ لِمُقَابَلَتِهِ لَهُ
بِالْوَصْفِ.
(3/128)
بِخِلَافِ قَوْلِ الْجِنْسِ كَثَوْبٍ
وَدَابَّةٍ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَمَّا مَعَ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّوْعِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ) أَيْ مَا ذُكِرَ جِنْسُهُ بِلَا
تَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ
تَسْمِيَتُهُ، فَلَا يَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ بَلْ يَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْلِ.
[تَنْبِيهٌ] حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ
مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ بِأَنْ كَانَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا إمَّا أَنْ
يَكُونَ مُعَيَّنًا بِإِشَارَةٍ أَوْ إضَافَةٍ فَيَجِبُ بِعَيْنِهِ أَوْ
لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا؛ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، فَإِنْ
جُهِلَ نَوْعُهُ كَدَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ
مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عُلِمَ نَوْعُهُ وَجَهِلَ وَصْفُهُ كَفَرَسٍ أَوْ
ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ عَبْدٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَتَخَيَّرَ بَيْنَ
الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ عُلِمَ وَصْفُ الثَّوْبِ عَلَى
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَلَى مَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ يَتَعَيَّنُ
الْوَسَطُ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، بِخِلَافِ
الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِي السَّلَمِ؛ وَإِنْ
كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَإِنْ عُلِمَ نَوْعُهُ وَوَصْفُهُ
كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ جَيِّدٍ خَالٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيٍّ تَعَيَّنَ
الْمُسَمَّى وَصَارَ كَالْعَرْضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ
فِي الذِّمَّةِ حَالًّا كَالْقَرْضِ وَمُؤَجَّلًا كَالسَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ
يُعْلَمْ وَصْفُهُ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ
كَمَا فِي ذِكْرِ الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي
الِاخْتِيَارِ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ مَطْلَبٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى
عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ لَكِنْ يُشْكِلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ وَلَمْ يَصِفْهُ كَانَ
لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا
كَانَ لَهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ
فِيمَا إذَا سَمَّى مَجْهُولَ الْجِنْسِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا
يُنْظَرَ إلَى الْمُتْعَةِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَا عَشَرَةٌ
فَقَطْ وَذِكْرُ الثَّوْبِ لَغْوٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُكَمِّلْ لَهَا
مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ اهـ.
وَأَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الثَّوْبَ مَحْمُولٌ عَلَى
الْعِدَّةِ وَالتَّبَرُّعِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ غَيْرُ دَاخِلٍ
فِي التَّسْمِيَةِ، إذْ لَوْ دَخَلَ لَأَوْجَبَ فَسَادَهَا لِفُحْشِ
الْجَهَالَةِ. وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ: إنَّهُ زَاغَ فَهْمُ
صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَخِيهِ فِي جَعْلِ الثَّوْبِ لَغْوًا وَلَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ. قُلْت حَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ
وَالتَّبَرُّعِ هُوَ بِمَعْنَى إلْغَائِهِ فِي التَّسْمِيَةِ. وَوَجْهُ
إشْكَالِ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّ الثَّوْبَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي
التَّسْمِيَةِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ
قَبْلَ الدُّخُولِ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْمُتْعَةِ لِصِحَّةِ تَسْمِيَةِ
الْعَشَرَةِ وَإِنْ دَخَلَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى حُكْمَ مَا لَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً،
فَقَدْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ
ذَكَرَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ
وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا
يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ. قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
إنْ أَكْرَمَهَا وَأَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَإِلَّا
فَمَهْرُ الْمِثْلِ اهـ.
قُلْت: فَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا
يُخْرِجَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ
صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا
كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا
هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ يَجِبُ تَمَامُ
مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ
قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَلَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا
يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ.
اهـ. وَنُقِلَ نَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ
(3/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَالْمُحِيطِ، وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ إيجَابِ الْمُسَمَّى
بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْإِكْرَامَ مَجْهُولَتَانِ، وَلَا يُمْكِنُ
الْوَفَاءُ بِالْمَجْهُولِ بَلْ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ فَيَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْلِ. وَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقَتْهُ عَلَى الْبَحْرِ
بِمَا حَاصِلُهُ إنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا
إذَا لَمْ يُكْرِمْهَا أَمَّا إذَا أَكْرَمَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى
وَهَذَا عَيْنُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَلَامُ مُحَمَّدٍ،
وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْبَدَائِعِ
كَمَا مَرَّ، وَجَهَالَةُ الْهِدَايَةِ وَالْإِكْرَامِ تَرْتَفِعُ بَعْدَ
وُجُودِهَا. وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا
أَدْنَى مَا يُعَدُّ إكْرَامًا وَهَدِيَّةً اهـ فَإِذَا لَمْ يُكْرِمْهَا
بِشَيْءٍ بَقِيَتْ التَّسْمِيَةُ مَجْهُولَةً لِعَدَمِ رِضَا الْمَرْأَةِ
بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا
قَبْلَ الدُّخُولِ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ كَمَا هُوَ
الْحُكْمُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَوْ عِنْدَ فَسَادِهَا، وَإِنَّمَا
أَطْلَقَ فِي الْبَدَائِعِ لُزُومَ نِصْفِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ فِي
الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ.
الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوْكَسِ
فَقَدْ حَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ،
وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ
بِأَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ
وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ تَجِبُ لَهَا الْعَشَرَةُ
لِأَنَّهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ فَسَادِ
التَّسْمِيَةِ وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ
وَأَمَّا دَعْوَى الرَّمْلِيِّ إلْغَاءَ ذِكْرِ الثَّوْبِ لِجَهَالَتِهِ
فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْإِكْرَامِ وَالْهِدَايَةِ أَفْحَشُ
مِنْ جَهَالَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ تَحْتَ أَجْنَاسِ
الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالنُّقُودِ
وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُلْغُوهُ، فَعَدَمُ
إلْغَاءِ الثَّوْبِ بِالْأَوْلَى. وَأَيْضًا يُشْكِلُ عَلَى إلْغَائِهِ
اعْتِبَارُ الْمُتْعَةِ. وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا إشْكَالَ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ
مَطْلَبُ مَسْأَلَةِ دَرَاهِمِ النَّقْشِ وَالْحَمَّامِ وَلِفَافَةِ
الْكِتَابِ وَنَحْوِهِمَا وَنَظِيرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ
مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْبِكْرَ لَهَا
أَشْيَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى الْمَهْرِ: مِنْهَا مَا يُدْفَعُ قَبْلَ
الدُّخُولِ كَدَرَاهِمَ لِلنَّقْشِ وَالْحَمَّامِ وَثَوْبٍ يُسَمَّى
لِفَافَةَ الْكِتَابِ وَأَثْوَابٍ أُخَرَ يُرْسِلُهَا الزَّوْجُ
لِيَدْفَعَهَا أَهْلُ الزَّوْجَةِ إلَى الْقَابِلَةِ وَبَلَّانَةِ
الْحَمَّامِ وَنَحْوِهَا. وَمِنْهَا مَا يُدْفَعُ بَعْدَ الدُّخُولِ
كَالْإِزَارِ وَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَأَثْوَابِ الْحَمَّامِ، وَهَذِهِ
مَأْلُوفَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ عُرْفًا؛ حَتَّى لَوْ
أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ لَا يَدْفَعَ ذَلِكَ يَشْتَرِطُ نَفْيَهُ وَقْتَ
الْعَقْدِ أَوْ يُسَمِّي فِي مُقَابَلَتِهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً
يَضُمُّهَا إلَى الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ سُئِلَ
عَنْهَا فِي الْخَيْرِيَّةِ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ
فِي الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ يُوجِبُ إلْحَاقَ
مَا ذُكِرَ بِالْمَشْرُوطِ، وَإِنْ عُلِمَ قَدْرُهُ لَزِمَ كَالْمَهْرِ
وَإِلَّا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ إنْ ذَكَرَ
أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ الْعِدَّةِ فَهُوَ
غَيْرُ لَازِمٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْأَخِيرُ، وَمَا
فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ
الْمَارَّةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْبَحْرِ:
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ
عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ، غَيْرَ
أَنَّ الْمَهْرَ مِنْهُ مَا يُصَرِّحُ بِكَوْنِهِ مَهْرًا وَمِنْهُ مَا
يَسْكُتُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ لَا بُدَّ مِنْ
تَسْلِيمِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ تَسْلِيمِهِ لَا
بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ أَوْ تَسْمِيَةِ مَا يُقَابِلُهُ كَمَا
مَرَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ
عِدَّةً وَتَبَرُّعًا، وَكَوْنُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ صَرِيحًا فِيهِ قَدْ
عَلِمْت مَا يُنَاقِضُهُ وَيُنَافِيهِ. وَقَدْ رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ
التَّصْرِيحِ بِلُزُومِهِ كَمَا قُلْنَا حَيْثُ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ
مَنْعِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا حَتَّى تَقْبِضَ الْمَهْرَ فَقَالَ: ثُمَّ
إنْ شَرَطَ لَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَهْرِ مُعَجَّلًا
فَأَوْفَاهَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَكَذَلِكَ
الْمَشْرُوطُ عَادَةً كَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ
وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَإِنْ
شَرَطُوا أَنْ لَا يُدْفَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، وَإِنْ
سَكَتُوا لَا يَجِبُ إلَّا مَنْ صَدَّقَ الْعُرْفَ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ
فِي الْإِعْطَاءِ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ وَلِلْعُرْفِ الضَّعِيفِ لَا
يَلْحَقُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ بِالْمَشْرُوطِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت
الْمُصَنِّفَ أَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوِيهِ.
(3/130)
وَوَسَطُ الْعَبِيدِ فِي زَمَانِنَا
الْحَبَشِيُّ (وَإِنْ أَمْهَرَهَا الْعَبْدَيْنِ وَ) الْحَالُ أَنَّ
(أَحَدَهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (إنْ سَاوَى
أَقَلَّهُ) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا الْعَشَرَةَ)
لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ مَهْرَ الْمِثْلِ.
وَعِنْدَ الثَّانِي لَهَا قِيمَةَ الْحُرَّ لَوْ عَبْدًا وَرَجَّحَهُ
الْكَمَالُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا.
(وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَهُوَ الَّذِي فَقَدَ
شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ كَشُهُودٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ إنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِهِ لَزِمَ تَسْلِيمُهُ،
وَكَذَا إنْ سَكَتَ عَنْهُ وَكَانَ الْعُرْفُ بِهِ مَشْهُورًا مَعْلُومًا
عِنْدَ الزَّوْجِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ تَبَرُّعًا
وَعِدَّةً لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِهِ وَلَا
الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَازِمًا مُفْسِدًا
لِلتَّسْمِيَةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ
بِدَفْعِهِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ.
أَوْ يُقَالُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَعْلُومِ
النَّوْعِ مَجْهُولِ الْوَصْفِ كَالْفَرَسِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ
التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ فِي الْعُرْفِ، فَمِثْلُ اللِّفَافَةِ
يُعْرَفُ نَوْعُهَا أَنَّهَا مِنْ الْقَبْضِ وَالْحَرِيرِ أَوْ مِنْ
الْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَقِلَّةِ
الْمَهْرِ وَكَثْرَتِهِ، وَكَذَا بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، فَيُعْتَبَرُ
الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا، فَهَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي فِي هَذَا
الْمَقَامِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْأَوْهَامُ وَزَلَّتْ الْأَقْدَامُ،
فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالسَّلَامُ.
(قَوْلُهُ وَوَسَطُ الْعَبِيدِ فِي زَمَانِنَا الْحَبَشِيُّ) وَأَمَّا
أَعْلَاهُ فَالرُّومِيُّ وَأَدْنَاهُ الزِّنْجِيُّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
وَالْمِنَحِ. ذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ عُرْفُ الْقَاهِرَةِ. وَذَكَرَ
السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ الْحَبَشِيَّ فِي عُرْفِنَا لَا يَجِبُ
إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ
إلَّا لِلْأَسْوَدِ، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَجَبَ
الْوَسَطُ مِنْ السُّودَانِ اهـ.
قُلْت: وَالْعَبْدُ فِي عُرْفِ الشَّامِ لَا يَشْمَلُ الرُّومِيَّ
لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَمْلُوكًا بَلْ يَشْمَلُ الْحَبَشِيَّ وَالزِّنْجِيَّ
وَكَذَا الْجَارِيَةُ وَالرُّومِيَّةُ تُسَمَّى سَرِيَّةً، وَعَلَيْهِ
فَالْوَسَطُ أَعْلَى الزِّنْجِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْهَرَهَا
الْعَبْدَيْنِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الشَّيْئَيْنِ
الْحَلَالَيْنِ وَبِالْحُرِّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَرَامًا فَدَخَلَ
فِيهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهَذَا الْبَيْتِ
فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ، أَوْ عَلَى مَذْبُوحَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا
مَيِّتَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَقَلُّهُ)
أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ يُمْنَعُ مَهْرُ الْمِثْلِ) جَوَابٌ عَنْ
قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، لَهَا الْعَبْدُ
الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ
مِنْهُ (قَوْلُهُ لَهَا قِيمَةُ الْحُرَّ لَوْ عَبْدًا) أَيْ لَهَا مَعَ
الْعَبْدِ الْبَاقِي قِيمَةُ الْحُرَّ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ عَبْدًا
(قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) ، وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ
الْعَبْدَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ، فَإِنَّ لَهَا الْبَاقِي وَقِيمَةَ
الْمُسْتَحَقِّ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّا جَمِيعًا فَلَهَا قِيمَتُهُمَا،
وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَحْرٌ.
[مَطْلَبٌ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ]
ِ (قَوْلُهُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَحُكْمُ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ
الْمَوْقُوفِ كَالدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ
النَّسَبُ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ،
خِلَافًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ، وَتَمَامُهُ
فِي الْبَحْرِ، وَسَنَذْكُرُ فِي الْعِدَّةِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فِي
الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي إلَخْ) بِخِلَافِ مَا
لَوْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنْ لَا
يَطَأَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ كَشُهُودٍ) وَمِثْلُهُ تَزَوُّجُ الْأُخْتَيْنِ مَعًا وَنِكَاحُ
الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ وَالْخَامِسَةِ
فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ:
تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ وَقَعَ
فَاسِدًا. اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَا يُحَدَّانِ وَأَنَّ النَّسَبَ
يَثْبُتُ فِيهِ وَالْعِدَّةُ إنْ دَخَلَ بَحْرٌ.
(3/131)
(بِالْوَطْءِ) فِي الْقُبُلِ (لَا
بِغَيْرِهِ) كَالْخَلْوَةِ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا (وَلَمْ يَزِدْ) مَهْرُ
الْمِثْلِ (عَلَى الْمُسَمَّى) لِرِضَاهَا بِالْحَطِّ، وَلَوْ كَانَ دُونَ
الْمُسَمَّى لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِفَسَادِ
الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ جُهِلَ لَزِمَ بَالِغًا مَا بَلَغَ
(وَ) يَثْبُتُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ
مَحْضَرٍ عَنْ صَاحِبِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي ثُبُوتِ
النَّسَبِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: نَكَحَ كَافِرٌ مُسْلِمَةً
فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ
لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى
الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ، وَمُقْتَضَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاسِدِ
وَالْبَاطِلِ فِي النِّكَاحِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ التَّكَلُّمِ
عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي
النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، نَعَمْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حِكَايَةُ
قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ مَا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ،
وَلِذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا الْعِدَّةُ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ
أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ. وَفَسَّرَ
الْقُهُسْتَانِيُّ هُنَا الْفَاسِدَ بِالْبَاطِلِ، وَمَثَّلَهُ بِنِكَاحِ
الْمَحَارِمِ وَبِإِكْرَاهٍ مِنْ جِهَتِهَا أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ إلَخْ
وَتَقْيِيدُهُ الْإِكْرَاهَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِهَتِهَا قَدَّمْنَا
الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ النِّكَاحِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ
حُضُورِ شَاهِدَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا
عِدَّةَ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ
الْمُجْتَبَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ
كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ فَالدُّخُولُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ.
أَمَّا نِكَاحُ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ فَالدُّخُولُ فِيهِ
لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَمْ
يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا. قَالَ: فَعَلَى
هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا
يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ زِنَى كَمَا فِي
الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْعِدَّةِ،
أَمَّا فِيهَا فَالْفَرْقُ ثَابِتٌ. وَعَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ قَوْلُ
الْبَحْرِ هُنَا وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ
بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى مِثْلُ
نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ
أَحَدٌ بِجَوَازِهِ وَلَكِنْ لِيُنْظَرْ وَجْهُ التَّقْيِيدِ
بِالْمَعِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي
مِلْكِ الْمُتْعَةِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ
فَالْمُتَأَخِّرُ بَاطِلٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ فِي الْقُبُلِ) فَلَوْ فِي
الدُّبُرِ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّسْلِ
كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْمَسِّ
وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ شَيْءٌ بِالْأَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ
أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالْخَلْوَةِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ
الْمَهْرُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ
لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا) أَيْ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا التَّمَكُّنُ مِنْ
الْوَطْءِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ فَلَا
تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ:
الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ
الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِيهِ
مُسَامَحَةٌ لِفَسَادِ الْخَلْوَةِ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ
أَرَادُوا بِالصَّحِيحَةِ هُنَا الْخَالِيَةُ عَمَّا يَمْنَعُهَا أَوْ
يُفْسِدُهَا مِنْ وُجُودِ ثَالِثٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَيْضٍ
وَنَحْوِهِ مِمَّا سِوَى فَسَادِ الْعَقْدِ لِظُهُورِ أَنَّهُ غَيْرُ
مُرَادٍ، وَهَذَا سَبَبُ الْمُسَامَحَةِ وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ أُخْرَى،
وَهِيَ أَنَّ الْخَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ
الْعِدَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ فِي
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ تُوجِبُهَا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَزِدْ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمَهْرِ
الْمِثْلِ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ
الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ
بِهِ غَيْرُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ
فَافْهَمْ.
هَذَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَ مَحْرَمَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ
عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ
فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ
بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ وَيَكُونُ ذَلِكَ
ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ وَبَيَانًا لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا
أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِرِضَاهَا بِالْحَطِّ)
لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُسَمِّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ رَاضِيَةً بِالْحَطِّ
مُسْقِطَةً حَقَّهَا فِيهَا لَا لِأَجْلِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ
مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
لِوُقُوعِهَا فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ
أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَطْ. وَظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ
فَلَيْسَ لَهَا
(3/132)
فِي الْأَصَحِّ خُرُوجًا عَنْ
الْمَعْصِيَةِ. فَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي
التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَطْءِ) لَا
الْخَلْوَةِ لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَوْتِ (مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ) أَوْ
مُتَارَكَةِ الزَّوْجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
غَيْرُهُ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا وَجَبَ فِيهِ مَهْرُ
الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي
النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا الْمُعْتَبَرَ
بِقَوْمِ أَبِيهَا كَيْفَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ مَعَ أَنَّ
الْعَشَرَةَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الْمَهْرِ شَرْعًا فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا
فَسْخُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ ح
(قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ
الزَّيْلَعِيِّ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ
صَاحِبِهِ لَا يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ
خُرُوجٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا وَاجِبٌ بَلْ إفَادَةُ
أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهُ وَحْدَهُ. اهـ. ح وَضَمِيرُ يُنَافِي
لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ وَلِكُلٍّ، وَضَمِيرُ
وَحْدَهُ لِكُلٍّ أَيْ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ.
(قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي) أَيْ إنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا
(قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُهَا مِنْ
وَقْتِ التَّفْرِيقِ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَفِي الْفَتْحِ: يَجِبُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ
بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ
فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا
مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ. اهـ. وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا. أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَلَمْ
يُفَارِقْهَا فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ اتِّفَاقًا كَمَا أَشَارَ
إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ يُوهَمُ
خِلَافَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لَا الْخَلْوَةِ) أَيْ لَا
تَجِبُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَطْءٍ، وَوُجُوبُ
الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً إنَّمَا هُوَ فِي
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ
اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ
هَذِهِ الْأَحْكَامِ. اهـ. وَفِيهِ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ
الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ
امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (قَوْلُهُ لِلطَّلَاقِ)
مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الْعِدَّةِ، وَقَوْلُهُ لَا لِلْمَوْتِ
عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ
سَوَاءٌ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ
الَّتِي هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ وَهِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لَا عِدَّةُ مَوْتٍ
وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمِنَحِ
وَالْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ هُنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ
الْفَاسِدِ. اهـ. وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ لِلطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ
تَجِبُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ
بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ
يُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا لِلْمَوْتِ مَوْتُ الرَّجُلِ قَبْلَ الْوَطْءِ،
لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ تَجِبُ عِدَّةُ الْمَوْتِ، لِمَا
عَلِمْت مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ أَنَّهَا لَا
تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ
مِنْ أَنَّهَا تَجِبُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فِي الْمَوْطُوءَةِ
بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ اهـ أَيْ إنْ
كَانَتْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ) أَيْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَمِثْلُهُ
التَّفَرُّقُ وَهُوَ فَسْخُهُمَا أَوْ فَسْخُ أَحَدِهِمَا ح، وَهُوَ
مُتَعَلَّقُ تَجِبُ: أَيْ لَا مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَة، وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا
كَالْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي
الْمُلْتَقَى وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى تَقْدِيمُ مَا
فِي هَذِهِ الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى مَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مِنْ
تَصْحِيحِ قَوْلِ زُفَرَ وَعِبَارَةِ الْمَوَاهِبِ وَاعْتَبَرْنَا
الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ أَوْ مُتَارَكَةُ الزَّوْجِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ:
الْمُتَارَكَةُ فِي الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا
بِالْقَوْلِ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك أَوْ تَرَكْتُك وَمُجَرَّدُ إنْكَارِ
النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مُتَارَكَةً. أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ وَقَالَ أَيْضًا
اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي كَانَ مُتَارَكَةً وَالطَّلَاقُ فِيهِ مُتَارَكَةٌ
لَكِنْ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَعَدَمُ مَجِيءِ أَحَدِهِمَا
إلَى آخَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ مُتَارَكَةً لِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ
إلَّا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: وَقَبْلَ الدُّخُولِ
أَيْضًا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَوْلِ. اهـ. وَخَصَّ الشَّارِحُ
الْمُتَارَكَةَ بِالزَّوْجِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ ظَاهِرَ
كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ
فَسْخَ هَذَا النِّكَاحِ يَصِحُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ
اتِّفَاقًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَارَكَةِ وَالْفَسْخِ بَعِيدٌ كَذَا
فِي الْبَحْرِ.
(3/133)
وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ
بِالْمُتَارَكَةِ فِي الْأَصَحِّ
(وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) احْتِيَاطًا بِلَا دَعْوَةٍ (وَتُعْتَبَرُ
مُدَّتُهُ) وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَتْ
مِنْهُ إلَى الْوَضْعِ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ) يَعْنِي سِتَّةَ
أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (يَثْبُتُ) النَّسَبُ (وَإِلَّا) بِأَنْ وَلَدَتْهُ
لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَا) يَثْبُتُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ
وَبِهِ يُفْتَى، وَقَالَا: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ
كَالصَّحِيحِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَذَكَرَ مِنْ
التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَنَظَمَ مِنْهَا
الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ:
وَفَاسِدٌ مِنْ الْعُقُودِ عَشْرٌ ... إجَارَةٌ وَحُكْمُ هَذَا الْأَجْرِ
وُجُوبُ أَدْنَى مِثْلٍ أَوْ مُسَمَّى ... أَوْ كُلِّهِ مَعَ فَقْدِك
الْمُسَمَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَفَرَّقَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ
فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ، أَمَّا الْفَسْخُ فَرَفَعَ الْعَقْدَ فَلَا
يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُتَارَكَةِ، وَرَدَّهُ
الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ
فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ، فَالْحَقُّ
عَدَمُ الْفَرْقِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ
الْكَنْزِ إلَخْ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَنْ
الْجَوْهَرَةِ طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا ثَلَاثًا لَهُ تَزَوُّجُهَا
بِلَا مُحَلِّلٍ، قَالَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَهَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ
لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ وَلِذَا كَانَ غَيْرَ
مُنْقِصٍ لِلْعَدَدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ كَمَا عَلِمْت، حَتَّى لَوْ
طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا عَادَتْ إلَيْهِ
بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ
مُصَحَّحَيْنِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ
عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ
يُعْلِمْهَا بِهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَمَّا الْإِرْثُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ
وَكَذَا النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ
احْتِيَاطًا) أَيْ فِي إثْبَاتِهِ لِإِحْيَاءِ الْوَلَدِ ط (قَوْلُهُ
وَتُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ مُدَّتِهِ الَّتِي يَثْبُتُ
فِيهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) أَيْ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ مِنْ
الْوَطْءِ) أَيْ إذَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ
(قَوْلُهُ يَعْنِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ
التَّقْدِيرَ بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِرَازِ
عَمَّا دُونَهُ لَا عَمَّا زَادَ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ
مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ
يُفَارِقْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ
وَقَالَ إلَخْ) تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ
لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ
الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ:
[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ
الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَإِلَّا
فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ.
وَاعْتِرَاضُهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ
بَعْدَ التَّفْرِيقِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ
الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ
أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ.
وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ اعْتِبَارَ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ
وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْأَقَلِّ كَمَا
مَرَّ، وَاعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ مَعْنَاهُ نَفْيُ
الْأَكْثَرِ، حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ
وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ
الْمَقْدِسِيَّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ
وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ
كَمَا مَرَّ، أَمَّا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ
أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ حِينِ التَّفْرِيقِ بِشَرْطِ أَنْ لَا
يَكُونَ بَيْنَ الْوِلَادَةِ وَالْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ أَقَلُّ مِنْ
سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) تَرْجِيحُهُ لَا
يُعَارِضُ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى
قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(3/134)
وَالْوَاجِبُ الْأَكْثَرُ فِي الْكِتَابَةِ
... مِنْ الَّذِي سَمَّاهُ أَوْ مِنْ قِيمَةٍ
وَفِي النِّكَاحِ الْمِثْلُ إنْ يَكُنْ دَخَلْ ... وَخَارِجُ الْبَذْرِ
لِمَالِكٍ أَجَلْ
وَالصُّلْحُ وَالرَّهْنُ لِكُلٍّ نَقْضُهُ ... أَمَانَةً أَوْ كَالصَّحِيحِ
حُكْمُهُ
ثُمَّ الْهِبَةُ مَضْمُونَةٌ يَوْمَ قَبْضٍ ... وَصَحَّ بَيْعُهُ لِعَبْدٍ
اقْتَرَضَ
مُضَارَبَةٌ وَحُكْمُهَا الْأَمَانَةُ ... وَالْمِثْلُ فِي الْبَيْعِ
وَإِلَّا الْقِيمَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ التَّصَرُّفَاتُ الْفَاسِدَةُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مِنْ
التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ) أَيْ الَّتِي تَفْسُدُ إذَا فُقِدَ مِنْهَا
شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ هَذَا) أَيْ حُكْمُ
الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ كَمَرَمَّةِ دَارٍ أَوْ
بِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَوْ بِتَسْمِيَةِ
نَحْوِ خَمْرٍ وَالْأَجْرُ خَبَرُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَجْرُ
الْمِثْلِ، أَوْ الْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَجْرُ الْمِثْلِ
بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدْ فَصَّلَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ وُجُوبُ أَدْنَى مِثْلٍ إلَخْ فَأَدْنَى إمَّا مُضَافٌ
وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مُضَافٍ وَمِثْلٍ بَدَلٌ مِنْهُ
كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ الْأَكْثَرُ إلَخْ) يَعْنِي
أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ كَمَا إذَا كَانَتْ كِتَابَةً عَلَى
عَيْنٍ مُعَيِّنَةٍ لِغَيْرِهِ يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَكْثَرُ مِنْ
قِيمَتِهِ وَالْمُسَمَّى وَتَاءُ الْكِتَابَةِ وَالْقِيمَةِ مَجْرُورَانِ
وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا بِالْهَاءِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ الْقَافِيَةُ ح
(قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ) أَيْ الْفَاسِدِ بِعَدَمِ الشُّهُودِ مِثْلَا
مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَا يَصْلُحُ
مَهْرًا، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى ح
(قَوْلُهُ إنْ يَكُنْ دَخَلَ) أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ
ح (قَوْلُهُ وَخَارِجُ الْبَذْرِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَارَعَةَ
الْفَاسِدَةَ كَمَا إذَا شَرَطَ فِيهَا قُفْزَانَ مُعَيَّنَةً
لِأَحَدِهِمَا يَكُونُ الْخَارِجُ فِيهَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ. ثُمَّ إنْ
كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ أَجْرِ الْعَامِلِ وَإِذَا كَانَ
الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ح (قَوْلُهُ
أَجَلْ) تَكْمِلَةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ ح (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ وَالرَّهْنُ)
أَيْ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ بِنَحْوِ جَهَالَةِ الْبَدَلِ الْمُصَالَحِ
عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ كَرَهْنِ الْمَشَاعِ لِكُلٍّ مِنْ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ نَقْضُهُ ح (قَوْلُهُ أَمَانَةً) خَبَرُ مُبْتَدَإٍ
مَحْذُوفٍ عَائِدٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ وَالْمَرْهُونِ
اللَّذَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِمَا الصُّلْحُ وَالرَّهْنُ أَيْ حِينَئِذٍ
يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَمَانَةً، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي
يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ
لِأَنَّ كُلًّا قَبَضَ مَالَ صَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ، لَكِنَّهُ قَبَضَهُ
لِنَفْسِهِ لَا لِمَالِكِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ كَالصَّحِيحِ حُكْمُهُ؛
وَحُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِبَدَلِ
الصُّلْحِ، وَصَحِيحُ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ
وَمِنْ الدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدَ
رَحْمَتِيٌّ.
قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الرَّهْنِ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ فَاسِدَ
الرَّهْنِ كَصَحِيحِهِ إذَا كَانَ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ وَإِلَّا
فَلَا، وَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ
ثُمَّ الْهِبَهْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي أَنَّ
الْمَوْهُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ
الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ كَهِبَةِ مُشَاعٍ يُقَسَّمُ ح
لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ
مَالِكِهِ كَانَ قَبْضُهُ قَبْضَ ضَمَانٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ
بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْمُسْتَقْرِضِ، وَاللَّامُ لِتَعْدِيَةِ
الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ اقْتَرَضَ نَعْتٌ لِعَبْدٍ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ
عَائِدٌ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ عَائِدٌ عَلَى
الْعَبْدِ، يَعْنِي إذَا اسْتَقْرَضَ عَبْدًا كَانَ قَرْضًا فَاسِدًا
لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ يُفِيدُ الْمَلِكَ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ ح. وَقَالَ ط:
اللَّامُ فِي الْعَبْدِ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ مُضَارَبَهْ) بِسُكُونِ
الْهَاءِ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ
بِنَحْوِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ حُكْمُهَا الْأَمَانَةُ: أَيْ
يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً ح أَيْ
لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَالِكِهَا بِإِذْنِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ
أَمَانَةٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ صَارَ الْمُضَارِبُ أَجِيرًا
وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ أَمَانَةٌ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ
وَالْمِثْلُ فِي الْبَيْعِ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ
بِنَحْوِ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ضَمَانُ مِثْلِ
(3/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْمَقْبُوضِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ
قِيَمِيًّا وَتَاءُ الْأَمَانَةِ وَالْقِيمَةِ مَرْفُوعَانِ وَلَا يُوقَفُ
عَلَيْهِمَا بِالسُّكُونِ لِمَا مَرَّ ح.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ فَقَالَ فِي النَّهْرِ:
وَبَقِيَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ: الصَّدَقَةُ وَالْخُلْعُ
وَالشَّرِكَةُ وَالسَّلَمُ وَالْكِفَايَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ
وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقِسْمَةُ.
أَمَّا الصَّدَقَةُ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهَا كَالْهِبَةِ
الْفَاسِدَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَحُكْمُهُ
أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ وَقَعَ بَائِنًا، وَذَلِكَ
كَالْخُلْعِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ. وَأَمَّا
الشَّرِكَةُ وَهِيَ الْمَفْقُودُ مِنْهَا شَرْطُهَا، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ
الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا السَّلَمُ، وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ
شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ،
فَيَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ مَا بَدَا لَهُ يَدًا بِيَدٍ كَذَا فِي
الْفُصُولِ. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ كَمَا إذَا جَهِلَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ
مَثَلًا كَقَوْلِهِ مَا بَايَعْت أَحَدًا فَعَلَيَّ، فَحُكْمُهَا عَدَمُ
الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِمَا أَدَّاهُ حَيْثُ كَانَ الضَّمَانُ
فَاسِدًا كَذَا فِي الْفُصُولِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ
وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ
يُفَرِّقُوا بَيْنَ فَاسِدِهَا وَبَاطِلِهَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ
الْإِقَالَةَ كَالنِّكَاحِ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ
عُرِفَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ، وَقَالُوا: لَوْ
وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَعْدَمَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ
فَهِيَ بَاطِلَةٌ. اهـ.
أَقُولُ: وَمَا عَزَاهُ إلَى الْمَجْمَعِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا
الشَّرِكَةُ إلَخْ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ وَلَمْ تَرَ أَحَدًا قَالَهُ،
بَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ مَعَ التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ وَعَدَمِهِ
فَالصَّوَابُ أَنْ يُمَثِّلَ بِاَلَّتِي شُرِطَ فِيهَا دَرَاهِمُ
مُسَمَّاةٌ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لَهَا، وَحُكْمُ الْفَاسِدَةِ
أَنْ يُجْعَلَ الرِّبْحُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شُرِطَ
التَّفَاضُلُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمَجْمَعِ وَغَرَّهُ فَافْهَمْ،
وَذَكَرَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِهَا، وَسَيَذْكُرُ
الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي بَابِهَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْقِسْمَةِ
الْفَاسِدَةِ كَقِسْمَةٍ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ
مِنْ الْمَقْسُومِ أَوْ غَيْرِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيُفِيدُ
جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِقَابِضِهِ وَيَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ
كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ، وَجَزَمَ
بِالْقِيلِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَبِالْأَوَّلِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ
بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.
هَذَا، وَقَدْ زَادَ الرَّحْمَتِيُّ الْحَوَالَةَ وَنَظَمَ حُكْمَهَا مَعَ
حُكْمِ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ تَكْمِيلًا لِنَظْمِ النَّهْرِ عَلَى
التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ:
صَدَقَةٌ كَهِبَةٍ سَوَاءُ ... وَالْخُلْعُ بَائِنٌ وَلَا جَزَاءُ
إنْ شَرَطَ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ أَوْ ... الْمَيْتَةَ بَدَلَهُ
كَذَا رَأَوْا
بِقَدْرِ مَالِ رِبْحِ شِرْكَةٍ فَسَدَ ... كَأَنْ لِقَطْعِ شِرْكَةِ
الرِّبْحِ قَصَدَ
وَلَا ضَمَانَ بِهَلَاكِ الْمَالِ ... فِي يَدِهِ حُزْت ذُرَا الْمَعَالِي
وَسَلِمَ بَعْضُ شُرُوطِهِ فَقَدْ ... فَفَاسِدٌ كَمَا مِنْ الْفِقْهِ
شَهِدْ
وَرَأْسُ مَالٍ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ عُدْ ... فَخُذْ بِهِ مَا شِئْت إنْ
يَدًا بِيَدْ
كَفَالَةُ الْمَجْهُولِ مُفْسِدٌ لَهَا ... فَارْجِعْ بِمَا أَدَّيْت إنْ
خَبْءٌ دَهَى
إذَا بَنَى الدَّفْعَ عَلَى الْكَفَالَهْ ... وَلَا رُجُوعَ إنْ يُرِدْ
وَفَا لَهْ
وَفَاسِدُ الْقِيمَةِ إنْ شَرَطَ نَمَا ... لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ يَا
هَذَا الْكَمَى
فَيَمْلِكُ الْمَقْسُومَ بِالْقِيمَةِ إنْ ... يَقْبِضْ وَقِيلَ لَا فَقَدْ
فَازَ الْفَطِنْ
(3/136)
(وَ) الْحُرَّةُ (مَهْرُ مِثْلِهَا)
الشَّرْعِيُّ (مَهْرُ مِثْلِهَا) اللُّغَوِيُّ: أَيْ مَهْرُ امْرَأَةٍ
تُمَاثِلُهَا (مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) لَا أُمِّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ
قَوْمِهِ كَبِنْتِ عَمِّهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا
وَعَمَّاتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِنْتُ الشَّقِيقَةِ وَبِنْتُ
الْعَمِّ انْتَهَى وَمَفَادُهُ اعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ فَلْيُحْفَظْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَكَالَةٌ وِصَايَةٌ وَالْوَقْفُ ... إقَالَةٌ يَا صَاحِ ثُمَّ الصَّرْفُ
لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ مَا قَدْ فَسَدَا ... وَبَيْنَ بَاطِلٍ هُدِيتَ
الرَّشَدَا
حَوَالَةٌ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ ... مِنْ بَيْعِ دَارٍ لِلْمُحِيلِ
يُرْدِي
فَإِنْ يُؤَدِّي الْمَالَ فَهُوَ رَاجِعْ ... عَلَى الْمُحِيلِ أَوْ
مُحَالٍ خَاشِعْ
وَقَوْلُهُ فَخُذْ بِهِ مَا شِئْت إلَخْ أَيْ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ
بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، لَكِنْ
بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ لِئَلَّا يَنْفَصِلَ عَنْ دَيْنٍ
بِدَيْنٍ، وَقَوْلُهُ إذَا بَنَى الدَّفْعَ عَلَى الْكَفَالَةِ إلَخْ أَيْ
لَوْ ظَنَّ لُزُومَهَا لَهُ فَأَدَّاهُ عَمَّا كَفَلَهُ وَقَالَ هَذَا مَا
كَفَلْت لَك بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ
عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِ لُزُومِهِ كَمَا لَوْ قَضَاهُ دَيْنَهُ ثُمَّ
تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا
وَفَاءً عَمَّا لَك فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ
قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ
[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ]
ِ (قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ) احْتَرَزَ بِهَا عَنْ الْأَمَةِ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مَهْرُ
مِثْلِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ لِمَا
أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا شَرْعًا وَلُغَةً وَلِأَنَّ
الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا.
ثُمَّ إنْ عَلِمَ أَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ حُكْمُ
كُلِّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ سَمَّى فِيهِ مَا
هُوَ مَجْهُولٌ، أَوْ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا، وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ
فَاسِدٍ بَعْدَ الْوَطْءِ سُمِّيَ فِيهِ مَهْرٌ أَوْ لَا.
وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ
بِشُبْهَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ فِيهَا مَهْرَ الْمِثْلِ
الْمَذْكُورِ هُنَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
الْعُقْرُ، وَفَسَّرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ
تُسْتَأْجَرُ لِلزِّنَى لَوْ كَانَ حَلَالًا يَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرِ،
وَكَذَا نُقِلَ عَنْ مَشَايِخِنَا فِي شَرْحِ الْأَصْلِ لِلسَّرَخْسِيِّ
اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ
امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ
عَلَى الْعُقْرِ الْمَذْكُورِ تَوْفِيقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا أُمِّهَا)
الْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْأُمِّ وَقَوْمِهَا مَعَ قَوْمِ
الْأَبِ، لَا أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى تَكُونَ أَدْنَى
حَالًا مِنْ الْأَجَانِبِ ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيُّ.
قُلْت: لَكِنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبِيلَةٍ لَا تُمَاثِلُ
قَبِيلَةَ الْأَبِ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَجَانِبِ مَنْ كَانَتْ مِنْ
قَبِيلَةٍ تُمَاثِلُ قَبِيلَةَ الْأَبِ عَلَى مَا يَأْتِي، فَمَنْ كَانَتْ
كَذَلِكَ فَهِيَ أَعْلَى حَالًا مِنْ الْأُمِّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ كَبِنْتِ عَمِّهِ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ ح أَيْ الْمَنْفِيُّ
فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَوْمِهِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا
لِلْأَبِ، فَالْأُمُّ إذَا كَانَتْ بِنْتَ عَمِّ الْأَبِ كَانَتْ مِنْ
قَوْمِ الْأَبِ وَقَوْلُ الدُّرَرِ كَبِنْتِ عَمِّهَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ
مَجَازٌ (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ اعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ) كَذَا فِي
الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهُ وَظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ اهـ
قُلْت: وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا لَوْ سَاوَتْهَا أُخْتُهَا وَبِنْتُ
عَمِّهَا مَثَلًا فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَاخْتَلَفَ مَهْرَاهُمَا،
فَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ تُعْتَبَرُ الْأُخْتُ. وَأَمَّا عَلَى
ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَيُشْكِلُ
(3/137)
وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي
الْأَوْصَافِ (وَقْتَ الْعَقْدِ سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا
وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً وَثُيُوبَةً وَعِفَّةً وَعِلْمًا
وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ) وَعَدَمَ وَلَدٍ. وَيُعْتَبَرُ حَالُ
الزَّوْجِ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْكَمَالُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَاوَتْ
الْمَرْأَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ أَقَارِبِ أَبِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ
مَهْرِهِمَا، هَلْ يُعْتَبَرُ بِالْمَهْرِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ؟
وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ
يَكُونُ التَّفَاوُتُ كَثِيرًا.
وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ
التَّفْوِيضَ لِقُضَاةِ الْعَهْدِ فَسَادٌ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظْمُ
الْفَقِيهِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. اهـ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي مَهْرِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ
الْمَرْأَتَيْنِ، فَمَنْ وَافَقَ مَهْرُهَا مَهْرَ مِثْلِهَا تُعْتَبَرُ،
إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي مَهْرِ إحْدَاهُمَا مُحَابَاةٌ مِنْ
الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَوْصَافِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ
سِنًّا إلَخْ عَنْهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ مَعَ تَكَلُّفٍ فِي الْإِعْرَابِ
(قَوْلُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ) ظَرْفٌ لِمِثْلِهَا الثَّانِيَةِ بِالنَّظَرِ
لِلْمَتْنِ، وَلِتُعْتَبَرَ بِالنَّظَرِ لِلشَّارِحِ. اهـ. ح.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَهْرَ مِثْلِ
الْمَرْأَةِ تَزَوَّجَتْ بِلَا تَسْمِيَةٍ مَثَلًا نَنْظُرُ إلَى
صِفَاتِهَا وَقْتَ تَزَوُّجِهَا مِنْ سِنٍّ وَجَمَالٍ إلَخْ وَإِلَى
امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا كَانَتْ حِينَ تَزَوَّجَتْ فِي السِّنِّ
وَالْجَمَالِ إلَخْ مِثْلُ الْأُولَى، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ
ذَلِكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ زِيَادَةِ جَمَالٍ وَنَحْوِهِ أَوْ
نَقْصٍ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُنَا سِنًّا) أَرَادَ بِهِ
الصِّغَرَ أَوْ الْكِبَرَ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَحْدِيدَ السِّنِّ بِالْعَدَدِ
كَعِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، بَلْ مُطْلَقُ الصِّغَرِ أَوْ الْكِبْرِ
فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّفَاوُتُ عُرْفًا فَبِنْتُ عِشْرِينَ مِثْلُ
بِنْتِ ثَلَاثِينَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لِأَنَّ مَهْرَ
الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَإِنَّ
الْغَنِيَّةَ تُنْكَحُ بِأَكْثَرَ مَا تُنْكَحُ بِهِ الْفَقِيرَةُ، وَكَذَا
الشَّابَّةُ مَعَ الْعَجُوزِ، وَالْحَسْنَاءُ مَعَ الشَّوْهَاءِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَقِيَّةَ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ، فَيُعْتَبَرُ
الْمُمَاثَلَةُ فِي أَصْلِ الصِّفَةِ احْتِرَازًا عَنْ ضِدِّهَا لَا عَنْ
الزِّيَادَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَجَمَالًا) وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ
الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ،
وَهَذَا جَيِّدٌ فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا بَحْرٌ،
وَكَذَا رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِإِطْلَاقِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ
وَغَيْرِهِ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا،
فَإِذَا سَاوَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فِي الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ
وَزَادَتْ عَلَيْهَا فِي الْجَمَالِ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا أَكْثَرَ
(قَوْلُهُ وَبَلَدًا وَعَصْرًا) فَلَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا
اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا أَوْ زَمَانُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا
لِأَنَّ الْبَلَدَيْنِ تَخْتَلِفُ عَادَةُ أَهَلِهِمَا فِي غَلَاءِ
الْمَهْرِ وَرُخْصِهِ، فَلَوْ زُوِّجَتْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي
زُوِّجَ فِيهِ أَقَارِبُهَا لَا يُعْتَبَرُ بِمُهُورِهِنَّ فَتْحٌ،
وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كُتُبِ مُحَمَّدٍ،
حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى نِسَائِهَا إذَا كُنَّ مِنْ غَيْرِ
أَهْلِ بَلَدِهَا لِأَنَّ مُهُورَ الْبُلْدَانِ مُخْتَلِفَةٌ. اهـ.
وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ
عَلَى مَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَقْلًا) هُوَ قُوَّةٌ
مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ، أَوْ هَيْئَةٍ
مَحْمُودَةٍ لِلْإِنْسَانِ فِي مِثْلِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ كَمَا فِي
كُتُبِ الْأُصُولِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِمَا شَرَطَهُ فِي
النُّتَفِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالتَّقْوَى وَالْعِفَّةِ وَكَمَالِ
الْخُلُقِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَدِينًا) أَيْ دِيَانَةً وَصَلَاحًا
قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ وَلَدٍ) أَيْ إنْ كَانَ مَنْ اُعْتُبِرَ
لَهَا الْمَهْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ اُعْتُبِرَ مَهْرُ
مِثْلِهَا بِمَهْرِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ ط (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ)
أَيْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ
كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ
وَعَدَمِهِمَا اهـ أَيْ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ
الشَّابَّ وَالْمُتَّقِي مَثَلًا يُزَوَّجُ بِأَرْخَصَ مِنْ الشَّيْخِ
وَالْفَاسِقِ
(3/138)
قَالَ: وَمَهْرُ الْأَمَةِ بِقَدْرِ
الرَّغْبَةِ فِيهَا
(وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا ذُكِرَ
(إخْبَارُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ)
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ،
وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ لِلْقَاضِي فَرْضَ الْمَهْرِ حَمَلَهُ فِي
النَّهْرِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ
(قَوْلُهُ وَمَهْرُ الْأَمَةِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ
أَوَّلَ الْبَابِ. قَالَ ح: دَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَ لَهَا
قَوْمُ أَبٍ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةَ رَجُلٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ
الْحُرِّيَّةَ فَبِنْتُهُ أَمَةٌ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ
أَبِيهَا لَكِنْ خَالَفَتْهُمْ فِي الْحُرِّيَّةِ فَلَمْ تَحْصُلْ
الْمُمَاثَلَةُ
(قَوْلُهُ أَيْ فِي ثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ
فِيهِ عَائِدٌ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ ثُبُوتٌ
(قَوْلُهُ لِمَا ذُكِرَ) عِلَّةٌ لِثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُرَادُ
بِمَا ذُكِرَ الْمُمَاثَلَةُ سِنًّا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِهِ
إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ:
الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ مَهْرَ الْأُولَى كَانَ كَذَا ح. وَفِي
بَعْضِ النُّسَخِ بِمَا ذُكِرَ، فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ: أَيْ
لِثُبُوتِهِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَوْصَافِ
(قَوْلُهُ شُهُودٌ عُدُولٌ) أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مَعَ
الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْمَالِ وَالشَّرْطُ فِيهِ
ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ
لِلزِّيَادَةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الْمَرْأَةُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي
الْمُحِيطِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ
الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْتَقَى، وَهُوَ مَا
مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبَيْنَ مَا فِي
الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي أَوْ الزَّوْجُ بَعْدَ
الْعَقْدِ جَازَ، لِأَنَّهُ يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى التَّقْدِيرِ لِمَا
وَجَبَ بِالْعَقْدِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ زَادَ أَوْ نَقَصَ لِأَنَّ
الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَاجِبِ صَحِيحَةٌ وَالْحَطُّ عَنْهُ جَائِزٌ اهـ.
وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
الْقَضَاءُ بِمَهْرٍ بِدُونِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ مِنْ
الزَّوْجِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي
أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ
عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ إبَائِهِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ عِنْدَ
إبَائِهَا لَا يَجُوزُ. اهـ.
أَقُولُ: قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَا
فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يُنَصَّفُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ
يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ الْفَرْضَ
مِنْ الزَّوْجِ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي
عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ مَنَابَهُ فِي الْفَرْضِ اهـ فَهَذَا
صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فَرْضُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ فَرَضَ
الْقَاضِي عِنْدَ عَدَمِ التَّرَاضِي، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ مَا فِي
الْمُحِيطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُحِيطِ
زَادَ أَوْ نَقَصَ إلَخْ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى صُورَةِ فَرْضِ
الزَّوْجِ إذَا رَضِيَتْ بِهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ تَنْدَفِعُ
بِهِ الْمُخَالَفَةُ أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا
يَجِبُ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، وَقَدْ
عَلِمْت أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَإِذَا
تَزَوَّجَتْ بِلَا مَهْرٍ وَطَلَبَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا
مَهْرَ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَ وَرَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي وَأَتَتْ
بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانَةَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا تُسَاوِيهَا
فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِكَذَا يَحْكُمُ
لَهَا الْقَاضِي بِمِثْلِ مَهْرِ فُلَانَةَ الْمَذْكُورَةِ بِلَا زِيَادَةٍ
وَلَا نَقْصٍ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ عِنْدَ فَرْضِ
الزَّوْجِ بِالتَّرَاضِي كَمَا قُلْنَا.
وَإِذَا كَانَ فَرْضُ الْقَاضِي مَبْنِيًّا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ
الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ تَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا
فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ لَا مُسَوِّغَ لِحَمْلِ مَا فِي الْمُحِيطِ، عَلَى
أَنَّ الْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا مَهْرًا بِرَأْيِهِ وَيُلْزِمُ أَحَدَهُمَا
بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ بِلَا رِضَاهُ مَعَ إمْكَانِ الْمَصِيرِ
إلَى الْوَاجِبِ لَهَا شَرْعًا عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي
الصِّفَاتِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَمْلَ كَلَامِ
الْمُحِيطِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِيهَا
مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَمِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْتَقَى أَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي مَهْرِ
الْمِثْلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُمَاثِلِ،
فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ. أَمَّا
عِنْدَ عَدَمِ الْمُمَاثِلِ يَكُونُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ
جَارِيًا مَجْرَاهُ لَا عَيْنَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْقَاضِي نَظَرَ
تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ، فَيَحْكُمُ بِهِ بِدُونِ شُهُودٍ وَإِقْرَارٍ مِنْ
الزَّوْجِ، فَمَوْضُوعُ الْكَلَامَيْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى أَيْضًا فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ
(3/139)
(فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَةِ
أَبِيهَا فَمِنْ الْأَجَانِبِ) أَيْ فَمِنْ قَبِيلَةٍ تُمَاثِلُ قَبِيلَةَ
أَبِيهَا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ فِي
ذَلِكَ بِيَمِينِهِ كَمَا مَرَّ.
(وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا وَلَوْ) الْمَرْأَةُ (صَغِيرَةً)
وَلَوْ عَاقِدًا لِأَنَّهُ سَفِيرٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إذْ لَا يُمْكِنُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُمَاثِلِ، وَلَكِنَّ حَمْلَ
كَلَامِ الْمُحِيطِ عَلَى مَا ذُكِرَ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا
مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ عَدَمُ
الْمُمَاثِلِ لَا يُعْطَى لَهَا شَيْءٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى
حَالَةِ التَّرَاضِي، لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ وَلِأَنَّهُ
عِنْدَ وُجُودِ التَّرَاضِي يُسْتَغْنَى عَنْ التَّرَافُعِ إلَى الْقَاضِي
وَعِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ، فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ
بِيَمِينِهِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَيَحْكُمُ لَهَا الْقَاضِي بِمَا
يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) أَيْ مَنْ يُمَاثِلُهَا فِي الْأَوْصَافِ
الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا بَحْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ
الِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَاَلَّذِي
يُوجَدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي
امْرَأَتَيْنِ؛ فَيُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا.
اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ وَغُرَرُ
الْأَذْكَارِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُلْتَقَى.
قُلْت: وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْمُتُونِ عَلَى ذِكْرِ
مُعْظَمِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَتَصْرِيحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَهْرَ
الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَكَذَا يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ اهـ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الرَّغْبَةَ
فِي الْبِكْرِ الشَّابَّةِ الْجَمِيلَةِ الْغَنِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ
الثَّيِّبِ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْفَقِيرَةِ وَإِنْ تَسَاوَتَا فِي
الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَغَيْرِهَا مِنْ
الْأَوْصَافِ؛ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ مَهْرُ إحْدَاهُمَا بِمَهْرِ الْأُخْرَى
مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ؛ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ
هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ مُسَلَّمٌ لَوْ الْتَزَمْنَا
اعْتِبَارَهَا فِي قَوْمِ الْأَبِ فَقَطْ.
أَمَّا عِنْدَ اعْتِبَارِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ أَيْضًا فَلَا عَلَى
أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ الْوُجُودِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ كَمَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ وَإِنْ امْتَنَعَ يُرْفَعُ الْأَمْرُ
لِلْقَاضِي لِيُقَدِّرَ لَهَا مَهْرًا عَلَى مَا مَرَّ؛ لَكِنْ فِي
الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: مَاتَ فِي غُرْبَةٍ وَخَلَّفَ
زَوْجَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ تَدَّعِيَانِ الْمَهْرَ وَلَا بَيِّنَةَ
لَهُمَا وَلَيْسَ لَهَا أَخَوَاتٌ فِي الْغُرْبَةِ قَالَ يُحْكَمُ
بِجَمَالِهِمَا بِكَمْ يُنْكَحُ مِثْلُهُمَا؟ قِيلَ لَهُ يَخْتَلِفُ
بِالْبُلْدَانِ قَالَ إنْ وُجِدَ فِي بَلَدِهِمَا يُسْأَلُ وَإِلَّا فَلَا
يُعْطَى لَهُمَا شَيْءٌ اهـ أَيْ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحَلِفِ بَعْدَ
الْمَوْتِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ وَرَثَةَ الزَّوْجِ تَقُومُ مَقَامَهُ
فَتَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ] جَرَى الْعُرْفُ فِي كَثِيرٍ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ بِتَقْدِيرِ
الْمَهْرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِجَمِيعِ نِسَاءِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ
بِلَا تَفَاوُتٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهُ
بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ الْمُسَمَّى وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ
الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَهْرِ
الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ]
(قَوْلُهُ وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا) أَيْ سَوَاءٌ وَلِيُّ
الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ صَغِيرَيْنِ كَانَا أَوْ كَبِيرَيْنِ، أَمَّا
ضَمَانُ وَلِيِّ الْكَبِيرِ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ
كَالْأَجْنَبِيِّ. ثُمَّ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ وَإِلَّا لَا.
وَأَمَّا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ فَلِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، فَإِذَا
مَاتَ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهِ وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ
الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ
صَدَرَتْ بِأَمْرٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِثُبُوتِ
وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ، فَإِذْنُ الْأَبِ إذْنٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ،
وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ دَلَالَةُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ نَهْرٌ
عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَاقِدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي
بَاشَرَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ أَوْ
عَلَيْهِمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ
صَحَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا كَانَا
(3/140)
لَكِنْ بِشَرْطِ صِحَّتِهِ؛ فَلَوْ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّ مِنْ
الثُّلُثِ، وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرُهَا فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ
(وَتَطْلُبُ أَيًّا شَاءَتْ) مِنْ زَوْجِهَا الْبَالِغِ، أَوْ الْوَلِيِّ
الضَّامِنِ (فَإِنْ أَدَّى رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ إنْ أَمَرَ) كَمَا هُوَ
حُكْمُ الْكَفَالَةِ
(وَلَا يُطَالِبُ الْأَبُ بِمَهْرِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ) أَمَّا
الْغَنِيُّ فَيُطَالَبُ أَبُوهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ لَا مِنْ
مَالِ نَفْسِهِ (إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً إلَّا إذَا ضَمِنَهُ) عَلَى
الْمُعْتَمَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
صَغِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ لَوْ
كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُطَالِبًا
وَمُطَالَبًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ لَهُ، وَلِذَا لَوْ بَاعَ لَهَا
شَيْئًا ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهَا فَلَا
تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَفِي الْبَيْعِ أَصِيلٌ وَوِلَايَةُ قَبْضِ
الْمَهْرِ لَهُ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ،
وَلِذَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذَا نَهَتْهُ بِخِلَافِ
الْبَيْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ
عَلَى قَوْلِهِ وَصَحَّ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ صِحَّتِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ ط
(قَوْلُهُ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الْوَلِيِّ كَأَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ
أَبَا الزَّوْجِ أَوْ أَبَا الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ)
لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَتْحٌ زَادَ فِي
الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ ضَمِنَهُ عَنْ
وَارِثِهِ أَوْ لِوَارِثِهِ اهـ أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ
لِوَارِثِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا تَبَرُّعَ مِنْ الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ،
فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ فِي تَرِكَةٍ
وَيَرْجِعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِ الِابْنِ لَوْ كَفَلَهُ الْأَبُ
بِأَمْرِهِ أَوْ كَانَ صَغِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. لِأَنَّا نَقُولُ:
رُجُوعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ
الْكَفَالَةَ عَنْ كَوْنِهَا تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ قَدْ
يَهْلِكُ نَصِيبُهُ وَهُوَ الْمُفْلِسُ أَوْ قَدْ لَا يُمْكِنُهُمْ
الرُّجُوعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ كَفَالَةَ الْمَرِيضِ
لِأَجْنَبِيٍّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تَبَرُّعًا
لَصَحَّتْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَبَاقِي تَبَرُّعَاتِهِ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ
هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَارِثُهُ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِمِثْلِ
الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا
تَثْبُتَ بِهِ الشُّفْعَةُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكْفُولُ لَهُ
أَوْ عَنْهُ وَارِثَ الْوَلِيِّ الْكَافِلِ، بِأَنْ كَانَ ابْنَ ابْنِهِ
الْحَيِّ أَوْ بِنْتَ عَمِّهِ ط.
(قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ الضَّمَانُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي
ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ بَحْرٌ: أَيْ إنْ كَانَ مَالُ الْكَفَالَةِ قَدْرَ
ثُلُثِ تَرِكَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ صَحَّ بِقَدْرِ
الثُّلُثِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً كَمَا قُلْنَا
(قَوْلُهُ وَقَبُولِ الْمَرْأَةِ) عَطْفٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهَذَا إذَا
كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً ح (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) وَهُوَ
وَلِيُّهَا أَوْ فُضُولِيٌّ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ
الْكَفَالَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا
أَوْ قَبُولِ قَابِلٍ فِي الْمَجْلِسِ فَافْهَمْ. قَالَ ح: وَهَذَا فِيمَا
إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَالْكَفِيلُ وَلِيَّ الزَّوْجِ، أَمَّا إذَا كَانَ
وَلِيَّهَا فَإِيجَابُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ) لِأَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ط (قَوْلُهُ أَوْ
الْوَلِيِّ الضَّامِنِ) سَوَاءٌ كَانَ وَلِيَّهُ أَوْ وَلِيَّهَا ح،
وَقَيَّدَ بِالضَّامِنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا
يُطَالِبُ بِلَا ضَمَانٍ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ إنْ
أَمَرَ) أَيْ إنْ أَمَرَ الزَّوْجُ بِالْكَفَالَةِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ
ضَمِنَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ
بِتَحَمُّلِ مُهُورِ الصِّغَارِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ
أَنَّهُ دَفَعَ لِيَرْجِعَ فَتْحٌ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ
(قَوْلُهُ بِمَهْرِ ابْنِهِ) أَيْ مَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ أَوْ الْمَهْرِ
الْوَاجِبِ عَلَى ابْنِهِ (قَوْلُهُ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً) مُرْتَبِطٌ
بِقَوْلِهِ وَلَا يُطَالِبُ الْأَبَ إلَخْ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ
يَلْزَمُهُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ بِالْعَقْدِ، إذْ
لَوْ لَزِمَهُ لِمَا أَفَادَ الضَّمَانُ شَيْئًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى
الْمُعْتَمَدِ) مُقَابَلَةُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ
أَنَّ لَهَا مُطَالَبَةَ أَبِي الصَّغِيرِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ أَنَّ هَذَا
قَوْلُ مَالِكٍ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ: ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا
هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَمِثْلُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ
الْبِحَارِ وَشُرُوحِهِمَا. وَفِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ: لَوْ زَوَّجَ
طِفْلَهُ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ عِنْدَنَا. وَأَجَابَ فِي
الْبَحْرِ عَمَّا ذَكَرَهُ شَارِحُ الطَّحَاوِيِّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا
إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، بِدَلِيلِ
(3/141)
(كَمَا فِي النَّفَقَةِ) فَإِنَّهُ لَا
يُؤْخَذُ بِهَا إلَّا إذَا ضَمِنَ، وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ إلَّا إذَا
أَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ ذَكَرَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ
ذَكَرَ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَلْزَمُ أَبَا الْفَقِيرِ بِلَا ضَمَانٍ،
فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْأَوَّلِ فِي الْغِنَى.
قُلْت: وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ نَاقِلًا
عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ
امْرَأَةً فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ الْمَهْرَ مِنْ أَبِي الزَّوْجِ،
فَيُؤَدِّيَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ
إلَخْ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا مَحَلَّ
لَهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّفَقَةِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ أَبُو
الصَّغِيرُ بِالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا ضَمِنَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ
لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ
ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ اهـ.
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ لَمْ
يُؤَاخَذْ أَبُوهُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهَا.
اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.
قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ
النَّفَقَةِ فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمُخْتَارِ
وَالْمُلْتَقَى، وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ
صَغِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ زَمِنًا. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ
مَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ بِمَا
أَنْفَقَهُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ، كَمَا لَوْ قَالُوا الِابْنُ
الْمُوسِرُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ وَزَوْجُهَا مُعْسِرَيْنِ يُؤْمَرُ
بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أُمِّهِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى زَوْجِهَا إذَا
أَيْسَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ الْمَذْكُورَةُ
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَدَّى
الْأَبُ الْمَهْرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ
الصَّغِيرِ، قِيلَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا بِالْأَمْرِ
وَلَمْ يُوجَدْ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى كَفَالَتِهِ
بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا لَوْ
ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْأَبِ يَرْجِعُ، فَكَذَا الْأَبُ، نَعَمْ
ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ رُجُوعَ الْأَبِ لِمَا ذُكِرَ. وَفِي
الِاسْتِحْسَانِ: لَا رُجُوعَ لَهُ لِتَحَمُّلِهِ عَنْهُ عَادَةً بِلَا
طَمَعٍ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ
إلَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ لِأَنَّ
الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ أَعْنِي الْعُرْفَ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِعَدَمِ الْعَادَةِ فِي تَبَرُّعِهِ، فَصَارَ
كَبَقِيَّةِ الْأَبِ. اهـ. فَعَدَمُ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ مَخْصُوصٌ
بِالْأَبِ، وَمُقْتَضَى هَذَا رُجُوعُ الْأُمِّ أَيْضًا حَيْثُ لَا عُرْفَ
إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً وَكَفَلَتْهُ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ
حَادِثَةَ الْفَتْوَى فِي صَبِيٍّ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ وَدَفَعَتْ أُمُّهُ
عَنْهُ الْمَهْرَ وَهِيَ غَيْرُ وَصِيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ بَلَغَ فَأَرَادَتْ
الرُّجُوعَ عَلَيْهِ. وَيَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَدَمُ
الرُّجُوعِ لِإِيفَائِهَا دَيْنَ الصَّبِيِّ بِلَا إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ،
لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ فِي
غَيْرِ الْأَبِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَشْهَدَ أَيْ
الْأَبُ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ أَدَّى لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ
يُشْهِدْ عِنْدَ الضَّمَانِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الضَّمَانِ أَوْ الْأَدَاءِ شَرْطُ
الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا
كَانَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا وَاعْتِرَاضُهُ فِي النَّهْرِ بِمَا مَرَّ مِنْ
غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ عُمُومِ التَّعْلِيلِ
بِالْعُرْفِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اطِّرَادِ
الْعُرْفِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا فَلَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ
يُشْهِدْ وَلَا سِيَّمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا فَتَأَمَّلْ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ دَفَعَ بِلَا ضَمَانٍ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ
بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، فَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لَا
وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيِّ. وَلَوْ اشْتَرَى
لِطِفْلِهِ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ
عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ لَوْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا لَا لِوُجُوبِهَا
عَلَيْهِ ح. وَمِثْلُهُ
(3/142)
(وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ)
وَدَوَاعِيهِ شَرْحُ مَجْمَعٍ (وَالسَّفَرُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ وَطْءٍ
وَخَلْوَةٍ رَضِيَتْهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا،
فَتَسْلِيمُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَاقِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لَوْ اشْتَرَى لَهُ دَارًا أَوْ عَبْدًا يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ
أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَا يَرْجِعُ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَهُوَ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ. قُلْت وَحَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ
الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا فَفِي غَيْرِهِمَا لَا
يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا أَوْ لَا،
وَكَذَا فِيهِمَا إنْ كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا. أَمَّا لَوْ فَقِيرًا
فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِنْ أَشْهَدَ لِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ
نَحْوِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمَهْرَ بِلَا
ضَمَانٍ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ
الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَشْهَدَ وَلَوْ فَقِيرًا، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا
يُؤَيِّدُ مَا فِي النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ.
هَذَا وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّ
لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ هَلْ يُشْتَرَطُ
الْإِشْهَادُ أَمْ لَا وَالِاسْتِحْسَانُ الْأَوَّلُ. وَعَلَيْهِ فَلَا
فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ، فَمَا مَرَّ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ
مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ،
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَشَمِلَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ مَا لَوْ أَدَّى بَعْدَ بُلُوغِ
الِابْنِ كَمَا فِي الْفَيْضِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا: أَيْ اشْتِرَاطَ
الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ دَيْنٌ عَلَى أَبِيهِ، فَلَوْ
عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لَهُ فَأَدَّى مَهْرَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ
ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ صُدِّقَ،
وَلَوْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
الْأَدَاءَ بِلَا أَمْرِهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ لِرُجُوعِ الْأَبِ لَا يُنَافِيهِ مَا
قَدَّمْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَأَخَذَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا
مِنْ تَرِكَتِهِ فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ
الصَّغِيرِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ صَارَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ
دَلَالَةً وَالْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَرْجِعُ بِمَا
أَدَّى، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ
لِلْعَادَةِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي تَبَرُّعًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ
بِنَفْسِهِ وَأَخَذَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يُوجَدْ
التَّبَرُّعُ مِنْهُ، فَلِذَا يَرْجِعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِ
الصَّغِيرِ مِنْ التَّرِكَةِ.
[فَرْعٌ] فِي الْفَيْضِ: وَلَوْ أَعْطَى ضَيْعَةً بِمَهْرِ امْرَأَةِ
ابْنِهِ وَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَبَاعَتْهَا الْمَرْأَةُ
لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا ضَمِنَ الْأَبُ الْمَهْرَ ثُمَّ أَعْطَى
الضَّيْعَةَ بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ.
[مَطْلَبٌ فِي مَنْعِ الزَّوْجَةِ نَفْسَهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ]
ِ (قَوْلُهُ وَلَهَا مَنْعُهُ إلَخْ) وَكَذَا لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ
الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَقْبِضَ مَهْرَهَا وَتَسْلِيمَهَا
نَفْسَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِ
الْأَبِ وَالْجَدِّ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ مِمَّنْ لَهُ
وِلَايَةُ قَبْضِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَأَشَارَ إلَى
أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا إنْ كَانَ
امْتِنَاعُهَا لِطَلَبِ الْمَهْرِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ كَمَا
فِي الْمُحِيطِ. بَحْرٌ. وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا
كَانَ وَطِئَهَا أَوْ لَا بِرِضَاهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَطَأْهَا وَلَمْ
يَخْلُ بِهَا كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ
وَدَوَاعِيهِ إلَخْ) لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ،
وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا،
فَقَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ يَعُمُّ الدَّوَاعِي ط.
(قَوْلُهُ وَالسَّفَرِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِخْرَاجِ كَمَا
عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ لِيَعُمَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِهَا كَمَا
قَالَهُ شَارِحُوهُ ط (قَوْلُهُ وَخَلْوَةٍ) يُعْلَمُ حُكْمُهَا مِنْ
الْوَطْءِ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا عَلَى
قَوْلِهِمَا الْآتِي (قَوْلُهُ رَضِيَتْهُمَا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ
مُكْرَهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً بِالْأَوْلَى وَهُوَ
بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا مَعَ الرِّضَا، فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهَا
الْمَنْعُ وَتَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْ إلَّا أَنْ
تَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ بَحْرٌ بَحْثًا، أَخْذًا
مِمَّا صَرَّحُوا بِهِ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنُشُوزٍ
بَعْدَ أَخْذِ الْمَهْرِ
(3/143)
(لِأَخْذِ مَا بَيْنَ تَعْجِيلِهِ) مِنْ
الْمَهْرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (أَوْ) أَخَذَ (قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ
لِمِثْلِهَا عُرْفًا) بِهِ يُفْتَى، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ
(إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ) أَوْ يُعَجَّلْ (كُلُّهُ) فَكَمَا شَرَطَ لِأَنَّ
الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ إلَّا إذَا جُهِلَ الْأَجَلُ جَهَالَةً
فَاحِشَةً فَيَجِبُ حَالًّا غَايَةٌ، إلَّا التَّأْجِيلُ لِطَلَاقٍ أَوْ
مَوْتٍ فَيَصِحُّ لِلْعُرْفِ بَزَّازِيَّةٌ. وَعَنْ الثَّانِي لَهَا
مَنْعُهُ إنْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لِأَخْذِ مَا بَيْنَ تَعْجِيلِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَهَا
مَنْعُهُ، أَوْ غَايَةٌ لَهُ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى، فَلَوْ أَعْطَاهَا
الْمَهْرَ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَلَهَا الْمَنْعُ، وَلَيْسَ لَهُ
اسْتِرْجَاعُ مَا قَبَضَتْ هِنْدِيَّةٌ مِنْ السِّرَاجِ. وَفِي الْبَحْرِ
عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ أَحَالَتْ بِهِ رَجُلًا عَلَى زَوْجِهَا لَهَا
الِامْتِنَاعُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ لَا لَوْ أَحَالَهَا بِهِ
الزَّوْجُ اهـ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَهْرِ مُقَدَّمٌ سَوَاءٌ
كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ
فَإِنَّهُمَا يُسَلَّمَانِ مَعًا لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ مَعًا
مُتَعَذِّرٌ هُنَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ
الْبَدَائِعِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ؛ لَكِنْ فِي الْفَيْضِ: لَوْ خَافَ
الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ الْمَهْرَ وَلَا يُسَلِّمُ الْبِنْتَ
يُؤْمَرُ الْأَبُ بِجَعْلِهَا مُهَيَّأَةً لِلتَّسْلِيمِ ثُمَّ يَقْبِضُ
الْمَهْرَ (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا
عُرْفًا) أَيْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهِ
فَلَهَا الْمَنْعُ لِأَخْذِ مَا يُعَجَّلُ لَهَا مِنْهُ عُرْفًا. وَفِي
الصَّيْرَفِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ عُرْفِ بَلَدِهِمَا مِنْ
غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ:
يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ لِأَنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا.
قُلْت: وَالْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا فِي مِصْرَ وَالشَّامِ تَعْجِيلُ
الثُّلُثَيْنِ وَتَأْجِيلُ الثُّلُثِ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ أَيْضًا لِلْمَشْرُوطِ عَادَةً
كَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ
كَمَا هُوَ عَادَةُ سَمَرْقَنْدَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ دَفْعُهُ عَلَى مَنْ
صَدَّقَ الْعُرْفَ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي إعْطَاءِ مِثْلِهَا مِنْ
مِثْلِهِ مَا لَمْ يَشْرِطَا عَدَمَ دَفْعِهِ؛ وَالْعُرْفُ الضَّعِيفُ لَا
يُلْحِقُ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ بِالْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ
يُؤَجَّلْ) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ
لِمِثْلِهَا، يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا
تَأْجِيلَ الْكُلِّ وَتَعْجِيلَهُ ط وَكَذَا الْبَعْضُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي
قَوْلِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَفِي الْفَتْحِ: حُكْمُ التَّأْجِيلِ
بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ فَكَمَا شَرَطَا) جَوَابُ
شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ أَجَّلَ كُلَّهُ أَوْ عَجَّلَ كُلَّهُ
ح. وَفِي مَسْأَلَةِ التَّأْجِيلِ خِلَافٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ
الصَّرِيحَ إلَخْ) أَيْ يُعْتَبَرُ مَا شَرَطَا وَإِنْ تُعُورِفَ تَعْجِيلُ
الْبَعْضِ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَرِيحٌ وَالْعُرْفَ دَلَالَةٌ، وَالصَّرِيحُ
أَقْوَى (قَوْلُهُ إلَّا إذَا جُهِلَ الْأَجَلُ) إذَا هُنَا ظَرْفِيَّةٌ
فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الظَّرْفِ: أَيْ كَمَا شَرَطَا فِي كُلِّ
وَقْتٍ إلَّا فِي وَقْتٍ جُهِلَ الْأَجَلُ فَافْهَمْ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً
كَالْحَصَّادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالْمَعْلُومِ عَلَى
الصَّحِيحِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا
يَجُوزُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاحِشَةً كَإِلَى
الْمَيْسَرَةِ أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ
السَّمَاءُ فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالًّا، وَكَذَا
فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا التَّأْجِيلَ) اسْتِثْنَاءٌ
مِنْ الْمُسْتَثْنَى ح (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ لِلْعُرْفِ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ: وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِلَافًا
فِيهِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَبِالطَّلَاقِ،
وَيَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ، وَلَوْ رَاجَعَهَا وَلَا يَتَأَجَّلُ اهـ
يَعْنِي إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى الطَّلَاقِ. أَمَّا لَوْ إلَى
مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَتَعَجَّلُ بِالطَّلَاقِ، كَمَا قَدْ يَقَعُ فِي
مِصْرِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَهُ حَالًّا وَبَعْضَهُ مُؤَجَّلًا إلَى
الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ وَبَعْضَهُ مُنَجَّمًا، فَإِذَا طَلَّقَهَا
تَعَجَّلَ الْبَعْضُ الْمُؤَجَّلُ لَا الْمُنَجَّمُ، فَتَأْخُذُهُ بَعْدَ
الطَّلَاقِ عَلَى نُجُومِهِ كَمَا تَأْخُذُهُ قَبْلَهُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ
يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مُطْلَقًا أَوْ إلَى
انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ بِالثَّانِي، وَعَزَاهُ
إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ ثُمَّ
أَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ
بِالْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ
لِأَنَّ
(3/144)
وَبِهِ يُفْتَى اسْتِحْسَانًا
وَلْوَالِجِيَّةٌ وَفِي النَّهْرِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ عَلَى
حُكْمِ الْحُلُولِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ أَرْبَعِينَ لَهَا مَنْعُهُ حَتَّى
تَقْبِضَهُ. (وَ) لَهَا (النَّفَقَةُ) بَعْدَ الْمَنْعِ (وَ) لَهَا
(السَّفَرُ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلْحَاجَةِ؛ وَ) لَهَا
(زِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) أَيْ
الْمُعَجَّلَ، فَلَا تَخْرُجُ إلَّا لِحَقٍّ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الرِّدَّةَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى
اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ
بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ ظَهِيرَ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي
بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَانَ
يُفْتِي بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ بَحْرٌ.
قُلْت: وَالِاسْتِحْسَانُ مُقَدَّمٌ، فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ
الدُّخُولَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلَوْ شَرَطَهُ وَرَضِيَتْ بِهِ
لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا اهـ.
[تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ إنْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ
أَنَّهُ لَوْ أَجَّلَ الْبَعْضَ وَدَفَعَ الْمُعَجَّلَ لَيْسَ لَهَا
الِامْتِنَاعُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ
لِقَاضِي خَانْ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا
لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ، وَكَذَا
لَوْ كَانَ الْمُؤَجَّلُ بَعْضَهُ وَاسْتَوْفَتْ الْعَاجِلَ، وَكَذَا لَوْ
أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمَنْعُ إلَى
اسْتِيفَاءِ الْأَجَلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ
دَخَلَ بِهَا إلَخْ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَأَخَذَ مَا
بَيْنَ تَعْجِيلِهِ إلَخْ لَكِنْ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الصَّدْرِ
الشَّهِيدِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَأْجِيلِ الْبَعْضِ أَنَّ لَهُ
الدُّخُولَ بِهَا فِي دِيَارِنَا بِلَا خِلَافٍ. لِأَنَّ الدُّخُولَ عِنْدَ
أَدَاءِ الْمُعَجَّلِ مَشْرُوطٌ عُرْفًا فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا؛
أَمَّا فِي تَأْجِيلِ الْكُلِّ فَغَيْرُ مَشْرُوطٍ لَا عُرْفًا وَلَا
نَصًّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الدُّخُولُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي
اسْتِحْسَانًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ أَرْبَعِينَ)
أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ لَهَا مَنْعُهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) أَيْ
تَقْبِضَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، إذْ لَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ
تَعْجِيلِ الْبَعْضِ مَعَ نَصٍّ عَلَى حُلُولِ الْجَمِيعِ دَلِيلٌ عَلَى
تَأْخِيرِ الْبَاقِي إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ
الدَّلَالَاتِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا
التَّأْخِيرِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُطَالَبَةِ بَحْرٌ عَنْ فَتَاوَى
الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ.
[فَرْعٌ] فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ
عَلَى أَنْ يَنْقُدَهَا مَا تَيَسَّرَ لَهُ وَالْبَقِيَّةَ إلَى سَنَةٍ
فَالْأَلْفُ كُلُّهُ إلَى سَنَةٍ مَا لَمْ تُبَرْهِنْ أَنَّهُ تَيَسَّرَ
لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ كُلُّهُ فَتَأْخُذَهُ (قَوْلُهُ وَلَهَا
النَّفَقَةُ بَعْدَ الْمَنْعِ) أَيْ الْمَنْعِ لِأَجْلِ قَبْضِ الْمَهْرِ،
وَيَشْمَلُ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ،
وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ النُّقْلَةِ إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا
النَّفَقَةُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا، وَكَذَا لَوْ سَافَرَتْ.
وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَلِهَذَا
لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً أَوْ حَاجَّةً وَهُوَ لَيْسَ مَعَهَا لَا
نَفَقَةَ لَهَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَحْتَبِسْ بِعُذْرٍ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ دَفْعِ
الْمَهْرِ فَكَانَتْ مُحْتَبِسَةً حُكْمًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ
مَنْزِلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْحَاجَّةِ
فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
(قَوْلُهُ فَلَا تَخْرُجُ إلَخْ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ: أَيْ فَإِنْ
قَبَضَتْهُ فَلَا تَخْرُجُ إلَخْ، وَأَفَادَ بِهِ تَقْيِيدُ كَلَامِ
الْمَتْنِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إنْ قَبَضَتْهُ لَيْسَ لَهَا
الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ وَزِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ مَعَ أَنَّ
لَهَا الْخُرُوجَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا
الشَّارِحُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى
الْمُلْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَكَذَا فِيمَا لَوْ أَرَادَتْ حَجَّ
الْفَرْضِ بِمَحْرَمٍ أَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا يَحْتَاجُ إلَى
خِدْمَتِهَا
(3/145)
أَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا كُلَّ
جُمُعَةٍ مَرَّةً أَوْ الْمَحَارِمِ كُلَّ سَنَةٍ، وَلِكَوْنِهَا قَابِلَةً
أَوْ غَاسِلَةً لَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَذِنَ كَانَا عَاصِيَيْنِ
وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ الْحَمَّامِ بِلَا تَزَيُّنٍ أَشْبَاهٌ
وَسَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ
(وَيُسَافِرُ بِهَا بَعْدَ أَدَاءِ كُلِّهِ) مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا (إذَا
كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا وَإِلَّا) يُؤَدِّ كُلَّهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ
مَأْمُونًا (لَا) يُسَافِرُ بِهَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي شُرُوحِ
الْمَجْمَعِ وَاخْتَارَهُ فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَمَجْمَعِ
الْفَتَاوَى وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا
الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي
دِيَارِنَا أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَتْ لَهَا نَازِلَةٌ وَلَمْ يَسْأَلْ لَهَا
الزَّوْجُ عَنْهَا مِنْ عَالِمٍ فَتَخْرُجَ بِلَا إذْنِهِ كُلِّهِ كَمَا
بَسَطَهُ فِي نَفَقَاتِ الْفَتْحِ: خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ
وَإِنْ تَبِعَهُ ح حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْأَخْذِ لَيْسَ لَهَا أَنْ
تَخْرُجَ بِلَا إذْنِهِ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ لِزِيَارَةِ
أَبَوَيْهَا) سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ عَنْ الِاخْتِيَارِ
تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا، وَفِي الْفَتْحِ
أَنَّهُ الْحَقُّ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ
يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى
قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّ
فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحٌ بَابُ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إنْ كَانَتْ
شَابَّةً وَالرَّجُلُ مِنْ ذَوِي الْهَيْآتِ (قَوْلُهُ أَوْ لِكَوْنِهَا
قَابِلَةً أَوْ غَاسِلَةً) أَيْ تَغْسِلُ الْمَوْتَى كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي النَّفَقَاتِ عَنْ الْبَحْرِ
أَنَّهُ لَهُ مَنْعُهَا لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ،
وَكَذَا بَحَثَهُ الْحَمَوِيُّ. وَقَالَ ط: أَنَّهُ لَا يُعَارِضُ
الْمَنْقُولَ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا
إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ، وَلَا
مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوُّجُهُ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا
رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي نَفَقَاتِ
الْبَحْرِ ذَكَرَ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِإِذْنِهِ
وَبِدُونِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَقْيِيدَهُ بِإِذْنِ
الزَّوْجِ (قَوْلُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَأَمَّا
عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ
لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ)
عِبَارَتُهُ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ: وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ
الْحَمَّامِ إلَّا النُّفَسَاءَ وَإِنْ جَازَ بِلَا تَزَيُّنٍ وَكَشْفِ
عَوْرَةِ أَحَدٍ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي
مَنْعِهِنَّ لِلْعِلْمِ بِكَشْفِ بَعْضِهِنَّ، وَكَذَا فِي
الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ مَعْزِيًّا لِلْكَمَالِ اهـ وَلَيْسَ عَدَمُ
التَّزْيِينِ خَاصًّا بِالْحَمَّامِ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ. وَحَيْثُ
أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَبِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ فِي الْكُلِّ،
وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً إلَى نَظَرِ
الرِّجَالِ وَاسْتِمَالَتِهِمْ
[مَطْلَبٌ فِي السَّفَرِ بِالزَّوْجَةِ]
(قَوْلُهُ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُلِّهِ
وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ يَعْنِي.
مَطْلَبٌ فِي السَّفَرِ بِالزَّوْجَةِ
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ
بِأَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا
سَافَرَ بِهَا وَإِلَّا لَا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ
بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَلَعَلَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ
لِأَجْلِ إمْسَاكِهَا فِي بَلَدِهَا، أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ
الْغُرْبَةِ فَلَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ
فِي الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا
الْمُعَجَّلَ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسَافِرُ بِهَا كَمَا فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة أَنَّهُ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْفَقِيهَيْنِ أَبِي الْقَاسِمِ
الصَّفَّارِ وَأَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ مُطْلَقًا
بِلَا رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى
نَفْسِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَكَيْفَ إذَا خَرَجَتْ وَأَنَّهُ صَرَّحَ فِي
الْمُخْتَارِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ
الْمُخْتَارُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا،
وَقَالَ: فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ
الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ
عَلَى الطَّاعَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمَتْنِ عَنْ شَرْحِ
الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ
وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ
وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الْكَافِي، وَعَلَيْهِ
عَمَلُ الْقَضَاءِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. اهـ.
(3/146)
وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْمُخْتَارِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفُصُولِ: يُفْتَى
بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ
مُدَّتِهِ) أَيْ السَّفَرِ (مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ
وَبِالْعَكْسِ) وَمِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِغُرْبَةٍ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِقَرْيَةٍ يُمْكِنُهُ
الرُّجُوعُ قَبْلَ اللَّيْلِ إلَى وَطَنِهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي
قَائِلًا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ لَا يُعْدَلُ عَنْ
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى
اخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْوَلْوَالِجيَّةِ،
وَقَوْلُ الْبَحْرِ فَجَعَلَهُ إلَخْ فَإِنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى
الطَّاعَاتِ كَالتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِهِ الْإِمَامُ
وَلَا صَاحِبَاهُ. وَأَفْتَى بِهِ الْمَشَايِخُ
لِلضَّرُورَةِ
الَّتِي لَوْ كَانَتْ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ لَقَالَ بِهِ، فَيَكُونُ
ذَلِكَ مَذْهَبَهُ حُكْمًا كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ أُرْجُوزَتِي
الْمَنْظُومَةِ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ
الْبَزَّازِيُّ) كَذَا فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّ الَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ
كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْمُفْتِي، فَإِنَّهُ
قَالَ وَبَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى
بِلَادِ الْغُرْبَةِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى
وَيَتَضَرَّرُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ:
مَا أَذَلَّ الْغَرِيبَ مَا أَشْقَاهُ ... كُلَّ يَوْمٍ يُهِينُهُ مَنْ
يَرَاهُ
كَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ وَبِهِ يُفْتِي وَقَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]
أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْفَقِيهِ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا
تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] فِي آخِرِهِ دَلِيلُ قَوْلِ الْفَقِيهِ.
لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا مِنْ عَادَةِ زَمَانِنَا مُضَارَّةً قَطْعِيَّةً
فِي الِاغْتِرَابِ بِهَا. وَاخْتَارَ فِي الْفُصُولِ قَوْلَ الْقَاضِي،
فَيُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّ
الْمُفْتِي إنَّمَا يُفْتِي بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ
. اهـ.
فَقَوْلُهُ فَيُفْتِي إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِقَوْلِ
الْفَقِيهِ وَلَا بِقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا جَزَمَ بِتَفْوِيضِ
ذَلِكَ إلَى الْمُفْتِي الْمَسْئُولِ عَنْ الْحَادِثَةِ، وَأَنَّهُ لَا
يَنْبَغِي طَرْدُ الْإِفْتَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ يَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا
يُرِيدُ نَقْلَهَا مِنْ بَيْنِ أَهْلِهَا لِيُؤْذِيَهَا أَوْ يَأْخُذَ
مَالَهَا، بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ
وَادَّعَى أَنَّهَا أَمَتَهُ وَبَاعَهَا فَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ الْمُفْتِي
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ، لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْ
بِالْجَوَازِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَقَدْ يَتَّفِقُ تَزَوُّجُ غَرِيبٍ امْرَأَةَ غَرِيبٍ فِي بَلْدَةٍ وَلَا
يَتَيَسَّرُ لَهُ فِيهَا الْمَعَاشُ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى
بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا، بَلْ قَدْ يُرِيدُ
نَقْلَهَا إلَى بَلَدِهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ فِي الصُّورَةِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الضَّرَرُ
الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْقَائِلُ بِخِلَافِهِ بَلْ وُجِدَ الضَّرَرُ
لِلزَّوْجِ دُونَهَا فَنَعْلَمُ يَقِينًا أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَفْتَى
بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَقُولُ بِالْجَوَازِ فِي مِثْلِ
هَذِهِ الصُّورَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ذَهَبَ بِزَوْجَتِهِ لِلْحَجِّ
فَقَامَ بِهَا فِي مَكَّةَ مُدَّةً ثُمَّ حَجَّ وَامْتَنَعَتْ مِنْ
السَّفَرِ مَعَهُ إلَى بَلَدِهِ هَلْ يَقُولُ أَحَدٌ بِمَنْعِهِ عَنْ
السَّفَرِ بِهَا وَبِتَرْكِهَا وَحْدَهَا تَفْعَلُ مَا أَرَادَتْ،
فَتَعَيَّنَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْمُفْتِي، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا
بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ لَوْ عَلِمَ الْمُفْتِي أَنَّهُ يُرِيدُ
نَقْلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى فِي بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ
عَنْ أَهْلِهَا لِقَصْدِ إضْرَارِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِينَهُ
عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ
فَلْيَنْظُرْ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ
بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ الَّتِي شَرَحْت بِهَا بَيْتًا مِنْ
أُرْجُوزَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي وَهُوَ قَوْلِي:
وَالْعُرْفُ فِي الشَّرْعِ لَهُ اعْتِبَارُ ... لِذَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ
قَدْ يُدَارُ
(قَوْلُهُ وَفِي الْفُصُولِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ
صَاحِبِ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَنَّ مَا فِي الْفُصُولِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ
وَقَيَّدَهُ) الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى النَّقْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ
قَوْلِهِ وَيَنْقُلُهَا، وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَأَطْلَقَهُ،
وَقَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ الْأَوْلَى يُمَكِّنُهَا.
وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ
نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ
ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ، وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى
الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ، لِقَوْلِ الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ يُسَافِرُ بِهَا
إلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
(3/147)
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي الْمَهْرِ (فَفِي
أَصْلِهِ) حَلَفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ، وَإِنْ
حَلَفَ (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَفِي الْمَهْرِ يَحْلِفُ (إجْمَاعًا،
وَ) إنْ اخْتَلَفَا (وَفِي قَدْرِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ
لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) بِيَمِينِهِ (وَأَيٌّ أَقَامَ
بَيِّنَةً قُبِلَتْ) سَوَاءٌ (شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ، أَوْ لَهَا،
أَوْ لَا وَلَا، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا) مُقَدَّمَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِغُرْبَةٍ اهـ وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ، بَلْ
النَّقْلَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ اهـ مَا فِي
الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ بَعْدَ تَصْرِيحِ الْكَافِي
بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ، وَفِي قَوْلِ الْقُنْيَةِ
إنَّهُ الصَّوَابُ كَيْفَ يَكُونُ ضَعِيفًا، نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
التَّرْجِيحِ بِفَسَادِ الزَّمَانِ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ يَنْبَغِي
الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ
إلَى الْمُفْتِي، حَتَّى لَوْ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ نَقْلَهَا
لِلْإِضْرَارِ بِهَا وَالْإِيذَاءِ لَا يُفْتِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا
كَانَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ وَلَمْ تَكُنْ الْقَرْيَةُ مَسْكَنًا
لِأَمْثَالِهَا، فَإِنَّ الْمَسْكَنَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهَا كَالنَّفَقَةِ
كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا.
[مَطْلَبُ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَهْرِ]
ِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ:
الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ إمَّا فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي أَصْلِهِ،
وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ
مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ
قَبْلَهُ (قَوْلُهُ فَفِي أَصْلِهِ) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا
التَّسْمِيَةَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ حَلَفَ) أَيْ بَعْدَ عَجْزِ
الْمُدَّعِي عَنْ الْبُرْهَانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُونَ
لِلتَّحْلِيفِ لِظُهُورِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ بَالِغًا مَا
بَلَغَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ
الْمَرْأَةُ لَوْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلتَّسْمِيَةِ، وَلَا يَنْقُصُ
عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَوْ هُوَ الْمُدَّعِي لَهَا كَمَا أَشَارَ
إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. قُلْت: هَذَا يَظْهَرُ لَوْ سَمَّى
الْمُدَّعِي شَيْئًا وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا مُقَيَّدٌ
بِمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ
وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْخَلْوَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ
الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ،
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ هُنَا لِانْفِهَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَفِي
الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَفِي
الْمَهْرِ يَحْلِفُ إجْمَاعًا) إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى صَدْرِ
الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ
مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ
التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى الْمَالِ لَا عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ
فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَحْلِفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ إجْمَاعًا اهـ وَكَذَا
اعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَابْنُ الْكَمَالِ وَنَسَبَهُ إلَى
الْوَهْمِ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يَجِبُ وَلِقَوْلِهِ
يَحْلِفُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ) أَيْ نَقْدًا كَانَ
أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَهُوَ دَيْنٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ
أَوْ عَيْنٌ. وَقَيَّدَ بِالْقَدْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي جِنْسِهِ
كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ أَوْ صِفَتِهِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ
أَوْ نَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ وَالرُّومِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى
عَيْنًا فَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي
الْأَصْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ)
أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بَعْدَ الطَّلَاقِ
وَالدُّخُولِ رَحْمَتِيٌّ، وَأَمَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ
فَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ)
أَيْ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا قَالَتْ
أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ
بَيْنَهُمَا أَيْ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ وَلَا
بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى
وَشَرْحِهِ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا خَالَفَ قَوْلَهُمَا، أَمَّا
إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي
الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَصَحَّحَهُ فِي
الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ
التَّحَالُفِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ.
(3/148)
(إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ،
وَبَيِّنَتُهُ) مُقَدَّمَةٌ (إنْ شَهِدَ) مَهْرُ الْمِثْلِ (لَهَا) لِأَنَّ
الْبَيِّنَاتِ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ
الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ بَرْهَنَا قُضِيَ
بِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ
دَعْوَاهُ.
(وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ) لَوْ
الْمُسَمَّى دَيْنًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ
لَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي
النِّهَايَةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: إنَّهُ الْأَوْلَى، وَلَمْ يُذْكَرْ
فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ
بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا اهـ. قُلْت: بَقِيَ
مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَيْفَ يُفْعَلُ؟ وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ
كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَبَيِّنَتُهُ مُقَدَّمَةٌ إلَخْ) هَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ
الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ
هُنَا وَفِي بَابِ التَّحَالُفِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ
شَيْئًا لَمْ يَكُنْ بِتَصَادُقِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَوْلُهُ
لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ) أَيْ وَالظَّاهِرِ مَعَ مَنْ شَهِدَ لَهُ
مَهْرُ الْمِثْلِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِثَالِثِ
الْأَقْسَامِ فِي قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ
الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ إلَخْ فَإِنَّهُ إذَا
لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَوْ أَقَامَاهَا قَدْ يَشْهَدُ مَهْرُ
الْمِثْلِ لَهُ أَوْ لَهَا أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ بَيَانُ
الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ
الثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَرْهَنَا رَاجِعٌ إلَى الثَّانِيَةِ، لَكِنْ
كَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ قَوْلِهِ تَحَالَفَا لِأَنَّهُ إذَا بَرْهَنَا لَا
تَحَالُفَ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ يُقْضَى بِأَلْفٍ
وَخَمْسِمِائَةٍ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ نَكَلَتْ
الْمَرْأَةُ وَجَبَ الْمُسَمَّى أَلْفٌ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ،
وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّهُ
إذَا نَكَلَ يُقْضَى بِأَلْفَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ أَيَّهمَا نَكَلَ
لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ. اهـ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا
ادَّعَتْ الْأَلْفَيْنِ وَادَّعَى هُوَ الْأَلْفَ وَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ
أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (قَوْلُهُ قُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ،
لَكِنْ إذَا بَرْهَنَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ بَيْنَ
دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ
بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ الْآخَرِ فَخَلَا
الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا كَذَلِكَ
التَّحَالُفُ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ
الِاتِّفَاقِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَحْرٌ، وَتَمَامُهُ
فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا
كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا، وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ
قَبْلَهُ وَأَيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ
أَوْ لَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا صَادِقٌ بِمَا إذَا شَهِدَ أَوْ كَانَ
بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ) أَيْ لِأَنَّ
الْمُبَرْهِنَ أَظْهَرَ دَعْوَاهُ وَأَوْضَحَهَا بِإِقَامَةِ بُرْهَانِهِ ط
(قَوْلُهُ وَفِي الطَّلَاقِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ
(قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ أَوْ الْخَلْوَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ
حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ) فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ
مُتْعَةُ الْمِثْلِ كَنِصْفِ مَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ إنْ
كَانَتْ الْمُتْعَةُ كَنِصْفِ مَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ
بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَلَزِمَتْ الْمُتْعَةُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَالًا يُتَعَارَفُ
مَهْرًا أَوْ مُتْعَةً لَهَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ
أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ
لِلْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ
فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَةٌ، وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى
التَّسْمِيَةِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ نِصْفُ
مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ، وَيَحْلِفُ عَلَى نِصْفِ دَعْوَاهَا
الزَّائِدَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، لَكِنْ
نَقَضَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَا
عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَوْ الْمُسَمَّى دَيْنًا) هُوَ مَا يَثْبُتُ
فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، بَلْ الْوَصْفُ كَالنُّقُودِ
وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا
قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ
(3/149)
وَإِنْ عَيْنًا كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ
وَالْجَارِيَةِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِلَا تَحْكِيمٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى
الزَّوْجُ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ (وَأَيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ
فَإِنْ أَقَامَا فَبَيِّنَتُهَا) أَوْلَى (وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ)
الْمُتْعَةُ (وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَتْ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ)
الْمُتْعَةُ (بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا، وَإِنْ حَلَفَ وَجَبَ مُتْعَةُ
الْمِثْلِ؛ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَحَيَاتِهِ فِي الْحُكْمِ) أَصْلًا
وَقَدْرًا لِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا (وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا
فَفِي الْقَدْرِ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ، وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي
أَصْلِهِ) الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ (لَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ) مَا
لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى التَّسْمِيَةِ (وَقَالَا يُقْضَى بِمَهْرِ
الْمِثْلِ) كَحَالِ حَيَاةٍ (وَبِهِ يُفْتَى وَهَذَا) كُلُّهُ (إذَا لَمْ
تُسَلِّمْ نَفْسَهَا، فَإِنْ سَلَّمَتْ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي
الْحَالَيْنِ) الْحَيَاةِ وَبَعْدَهَا (لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ)
لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُهُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ تَعْجِيلِ شَيْءٍ
عَادَةً (بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت
وَإِلَّا قَضَيْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ) تَعْجِيلُهُ (ثُمَّ يُعْمَلُ
فِي الْبَاقِي بِمَا ذَكَرْنَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَإِنْ عَيَّنَا) أَيْ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ
الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَحْرِ فِي
الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ
الْمُسَمَّى عَيْنًا بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ إلَخْ فَالْمَسْأَلَةُ
مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَا فِي مُطْلَقِ عَبْدٍ
وَجَارِيَةٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَلَهَا الْمُتْعَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فَلَهَا
الْمُتْعَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ
تَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي
الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ
لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ، وَالْمِلْكُ فِي نِصْفِ
الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا
عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِنِصْفِ
الْجَارِيَةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ سَقَطَ
الْبَدَلَانِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتْعَةِ، كَذَا فِي
الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) وَتَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَا) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ (قَوْلُهُ
أَصْلًا وَقَدْرًا) فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ
الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ، بِأَنْ ادَّعَى الْحَيُّ أَنَّ الْمَهْرَ
مُسَمًّى وَوَرَثَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَمًّى أَوْ بِالْعَكْسِ
وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمِقْدَارِ حُكْمُ مَهْرِ
الْمِثْلِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ سُقُوطِهِ) أَيْ
مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا
يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ
لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ
الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) فَيَلْزَمُهُ مَا اعْتَرَفُوا بِهِ بَحْرٌ، وَلَا
يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ
التَّسْمِيَةِ) هُمْ وَرَثَةُ الزَّوْجِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ،
فَالْقَوْلُ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ
وَلَوْ مَاتَا وَلَوْ فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ فَلَوْ
وَصْلِيَّةٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِيُّ، فَتُفِيدُ
أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي التَّسْمِيَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْضَ
بِشَيْءٍ) الْأَوْلَى وَلَمْ يُقْضَ بِالْعَطْفِ أَيْ لِأَنَّ مَوْتَهُمَا
يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ لِلْقَاضِي أَنْ
يُقَدِّرَ مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ مَهْرَ
الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَقَادَمَ
الْعَهْدُ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِهِ فَتْحٌ، وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا قُضِيَ بِهِ بَحْرٌ.
قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ مَا
لَمْ يُبَرْهَنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ
وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) ذَكَرَهُ فِي
الْخَانِيَّةِ، تَبِعَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَبِهِ قَالَتْ
الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بَعْدَ
التَّحَالُفِ. وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجِبُ التَّحَالُفُ
فَتْحٌ، وَانْظُرْ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ كَيْفَ يُقْضَى بِمَهْرِ
الْمِثْلِ. وَقَدْ يُقَالُ: يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا
لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَلَا مِنْ
الْأَجَانِبِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ، لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ
بِيَمِينِهِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعْتَرِضًا
عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّ جَوَابَ الْإِمَامِ يَتَّضِحُ فِي
تَقَادُمِ الْعَهْدِ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ
اعْتِبَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِأَحَدٍ
فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ لِكَوْنِهِمْ مُدَّعًى
عَلَيْهِمْ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ
إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَقَالَ: وَأَقَرَّهُ
عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ وَأَقَرَّهُ.
(3/150)
وَهَذَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ
شَيْءٍ إلَيْهَا بَحْرٌ.
(وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً عِنْدَ
الدَّفْعِ غَيْرَ) جِهَةِ (الْمَهْرِ) كَقَوْلِهِ لِشَمْعٍ أَوْ حِنَّاءٍ
ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ لَمْ يُقْبَلْ قُنْيَةٌ لِوُقُوعِهِ
هَدِيَّةً فَلَا يَنْقَلِبُ مَهْرًا (فَقَالَتْ هُوَ) أَيْ الْمَبْعُوثُ
(هَدِيَّةً وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ) أَوْ مِنْ الْكِسْوَةِ أَوْ
عَارِيَّةٌ (فَالْقَوْلُ لَهُ) بِيَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا، فَإِنْ
حَلَفَ وَالْمَبْعُوثُ قَائِمٌ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَقَدْ
دَخَلَ بِهَا فَجَاءَتْ تَطْلُبُ مَهْرَهَا هِيَ أَوْ وَرَثَتُهَا بَعْدَ
مَوْتِهَا وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا
إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا لَا
يُحْكَمُ لَهَا بِجَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ
بَلْ يُنْظَرُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِمَا تَعَجَّلَتْ مِنْ الْمُتَعَارَفِ
وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهَا بِهِ ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا
ذَكَرْنَا: أَيْ إنْ حَصَلَ اتِّفَاقٌ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى يَدْفَعُ
لَهَا الْبَاقِي مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَنْكَرَ وَرَثَةُ الزَّوْجِ
أَصْلَ التَّسْمِيَةِ فَلَهَا بَقِيَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ
أَنْكَرُوا الْقَدْرَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ،
وَبَعْدَ مَوْتِهَا الْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ، هَذَا
هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَسَّرْنَا الْمُتَعَارَفَ
تَعْجِيلُهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا لِيَأْتِيَ قَوْلُهُ قَضَيْنَا عَلَيْك
بِالْمُتَعَارَفِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا
ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَعَارَفُ حِصَّةً شَائِعَةً
كَثُلُثَيْ الْمَهْرِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا لَا
يُمْكِنُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى
مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ
التَّفْصِيلُ الْمَارُّ، وَلَكِنْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ
كَذَلِكَ فَيُقْضَى عَلَيْهَا بِالثُّلُثَيْنِ مَثَلًا وَيَدْفَعُ لَهَا
الْبَاقِي.
وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا
صِغَارًا فَادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ وَدِيعَةً
وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ لَيْسَ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ مَا لَمْ
يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ.
وَأَمَّا الْمَهْرُ: فَإِنْ ادَّعَتْ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا دَفَعَهُ
إلَيْهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا وَيَكُونُ النِّكَاحُ
شَاهِدًا لَهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ
بَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ
بِتَعْجِيلِهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى
الْمُعَجَّلِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا. اهـ. هَذَا، وَنَقَلَ
الرَّحْمَتِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَالَ إنَّ فِي هَذَا نَوْعَ
نَظَرٍ لِأَنَّ كُلَّ الْمَهْرِ كَانَ وَاجِبًا بِالنِّكَاحِ فَلَا يُقْضَى
بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ
حُجَّةً لِإِبْطَالِ مَا كَانَ ثَابِتًا اهـ ثُمَّ أَطَالَ فِي تَأْيِيدِ
كَلَامِ الْقَاضِي وَرَدَّ عَلَى الرَّمْلِيِّ فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى
الْقَاضِي بِأَنَّ النَّظَرَ مَدْفُوعٌ بِغَلَبِ فَسَادِ النَّاسِ، فَقَالَ
إنَّ الْفَسَادَ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقٌّ ثَابِتٌ بِلَا دَلِيلٍ
وَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَقَضَاءُ بَعْضِهِ إثْبَاتُ
دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهَا بِقَدْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِظَاهِرِ الْحَالِ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ.
قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي،
لَكِنَّ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ
الشَّائِعَ مُكَذِّبٌ لَهَا فِي دَعْوَاهَا عَدَمَ قَبْضِ شَيْءٍ، وَحَيْثُ
أَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ وَكَذَا قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ
فَيُفْتَى بِهِ وَهُوَ نَظِيرُ إعْمَالِهِمْ الْعُرْفَ وَتَكْذِيبَ الْأَبِ
أَنَّ الْجِهَازَ عَارِيَّةٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ أَنَّهُ
هُوَ الْمُمَلِّكُ، فَلَوْلَا الْعُرْفُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إلَخْ) هَذَا مِنْ عِنْدِ
صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ الزَّوْجُ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ
وَرَثَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَرُدُّ مَا فِي
الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي حَالِ
مَوْتِهِمَا.
[مَطْلَبٌ فِيمَا يُرْسِلُهُ إلَى الزَّوْجَةِ]
(قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا) أَيْ مِنْ
النَّقْدَيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ أَوْ مِمَّا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزِّفَافِ
أَوْ بَعْدَ مَا بَنَى بِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إلَخْ)
الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ وَلَا غَيْرَهُ ط (قَوْلُهُ
كَقَوْلِهِ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَذْكُرُ (قَوْلُهُ
وَالْبَيِّنَةُ لَهَا) أَيْ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً
تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا ط (قَوْلُهُ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّهُ) لِأَنَّهَا
لَمْ تَرْضَ بِكَوْنِهِ مَهْرًا بَحْرٌ
(3/151)
وَتَرْجِعُ بِبَاقِي الْمَهْرِ ذَكَرَهُ
ابْنُ الْكَمَالِ. وَلَوْ عَوَّضَتْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَارِيَّةً فَلَهَا
أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ مِنْ جِنْسِهِ زَيْلَعِيٌّ (فِي غَيْرِ
الْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ) كَثِيَابٍ وَشَاةٍ حَيَّةٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ
وَمَا يَبْقَى شَهْرًا أَخِي زَادَهْ (وَ) الْقَوْلُ (لَهَا) بِيَمِينِهَا
(فِي الْمُهَيَّإِ لَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَتَرْجِعُ بِبَاقِي الْمَهْرِ) أَوْ كُلِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ
دَفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِنْ هَلَكَ وَقَدْ
بَقِيَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ اهـ أَمَّا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ
الْهَالِكِ قَدْرَ الْمَهْرِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اتَّخَذَ لَهَا ثِيَابًا وَلَبِسَتْهَا حَتَّى
تَحَرَّقَتْ ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ هُوَ مِنْ
النَّفَقَةِ أَعْنِي الْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لَهَا،
وَلَوْ الثَّوْبُ قَائِمًا لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ
بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ، وَبِخِلَافِ الْهَالِكِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ
بَعْضِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ، وَبِالْهَلَاكِ خَرَجَ عَنْ
الْمَمْلُوكِيَّةِ وَحَيْثُ لَا مِلْكَ بِحَالٍ فَالِاخْتِلَافُ فِي جِهَةِ
التَّمْلِيكِ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ اخْتِلَافًا فِي ضَمَانِ الْهَالِكِ
وَبَدَلِهِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ وَالضَّمَانَ اهـ
مُلَخَّصًا. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ
الْقَوْلَ لَهَا فِي الْهَالِكِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَهُوَ
مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْفَرْقُ يَعْسُرُ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
قُلْت: بَلْ الْفَرْقُ يَسِيرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ
مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَلَا تُصَدَّقُ
وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي حَالَتَيْ الْهَلَاكِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ
الْمُمَلِّكُ وَلَا شَيْءَ يُخَالِفُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا هُنَا فَقَدْ
ادَّعَتْ الْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي
الْقَائِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَتَطْلُبُ مِنْهُ مَهْرَهَا وَكِسْوَتَهَا.
أَمَّا الْهَالِكُ فَالْقَوْلُ لَهَا فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ
الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا فِيهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ
وَمَا يَنْقُلُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْفَقِيهِ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ
كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِيهِ لَزِمَ ضَيَاعُ حَقِّهَا فِي الْكِسْوَةِ
الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ تَسْقُطُ
بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يُمْكِنُهَا الْمُطَالَبَةُ عَمَّا مَضَى
وَيَلْزَمُ بِذَلِكَ فَتْحُ بَابِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ، بِأَنْ
يَدَّعِيَ كُلُّ زَوْجٍ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ جَمِيعَ مَا دَفَعَ
لَهَا مِنْ كِسْوَةٍ وَنَفَقَةٍ مِنْ الْمَهْرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا
بِقِيمَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَا لَا يَرْضَاهُ الشَّرْعُ مِنْ الْإِضْرَارِ
بِالنِّسَاءِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْعَادَةَ تُكَذِّبُهُ. وَأَمَّا
فِي الْقَائِمِ فَلَا ضَرَرَ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِكِسْوَةٍ أُخْرَى
إذَا لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِهِ كِسْوَةً، وَلَا تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنْ
يَكُونَ الْمَدْفُوعُ كِسْوَتَهَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أُعْطِيهَا
كِسْوَةً غَيْرَهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ
لِكُلِّ عَسِيرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَوَّضَتْهُ) وَكَذَا لَوْ عَوَّضَهُ
أَبُوهَا مِنْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ
أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَرَهُ،
فَاسْتَشْكَلَ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ
بَعَثَ أَبُوهَا مِنْ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا
فَلَا وَلَوْ مِنْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا فَلَا رُجُوعَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ
مِنْهَا، وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْجِعُ فِي هِبَةِ زَوْجِهَا. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا عَلَى جِهَةِ
التَّعْوِيضِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ عَوَّضَتْهُ إلَخْ
بِقَرِينَةِ مَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ. هَذَا، وَقَدْ
ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعْوِيضِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقَةً
وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْإِسْكَافُ: إنْ صَرَّحَتْ حِينَ بَعَثَتْ أَنَّهَا عِوَضٌ فَكَذَلِكَ
وَإِلَّا كَانَ هِبَةً مِنْهَا وَبَطَلَتْ نِيَّتُهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي
الْهِنْدِيَّةِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُرَادِهِمْ
أَوْ حِكَايَةً لِقَوْلِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ. وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ
الْعُرْفِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْوِيضُ فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ
تَأَمَّلْ، وَمَا فِي ط مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ مَا قَالَهُ
الْإِسْكَافُ وَعَزَاهُ إلَى الْهِنْدِيَّةِ لَمْ أَرَهُ فِيهَا، نَعَمْ
سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ
بَيْنَ تَصْرِيحِهَا بِالْعِوَضِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ) لَمْ
يَذْكُرْ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ط، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا
ذَكَرَهَا، وَفَعَلَ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّ الْعِوَضَ لَوْ كَانَ هَالِكًا
وَهُوَ مِثْلِيٌّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِمِثْلِهِ فَأَرَادَ بِالْجِنْسِ
الْمِثْلَ
(3/152)
كَخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَشْوِيٍّ لِأَنَّ
الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ
يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَخُفٍّ وَمُلَاءَةٍ لَا فِيمَا
يَجِبُ كَخِمَارٍ وَدِرْعٍ، يَعْنِي مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كِسْوَةٌ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ.
(خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا أَشْيَاءَ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا
أَبُوهَا فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ يُسْتَرَدُّ عَيْنُهُ قَائِمًا) فَقَطْ
وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ (أَوْ قِيمَتُهُ هَالِكًا) لِأَنَّهُ
مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ تَتِمَّ فَجَازَ الِاسْتِرْدَادُ (وَكَذَا) يَسْتَرِدُّ
(مَا بَعَثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكَ)
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ.
(وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ) أَيْ الْمَبْعُوثَ (مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَ هُوَ
وَدِيعَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهَا،
وَإِنْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَشْوِيٍّ) لَا مَفْهُومَ لَهُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ
الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَجِبُ
اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ
وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّكَرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا
يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي
ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُرْسِلَهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَهَا لَا
مَعَهُ، وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ
وَالْجَارِيَةِ اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الْبَحْثُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ قَالَ إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ
فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ
أَيْضًا فِي الثِّيَابِ الْمَحْمُولَةِ مَعَ السَّكَرِ وَنَحْوِهِ
لِلْعُرْفِ. اهـ. قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَبْعَثُهُ إلَيْهَا قَبْلَ
الزِّفَافِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ مِنْ نَحْوِ ثِيَابٍ
وَحُلِيٍّ، وَكَذَا مَا يُعْطِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ
دَنَانِيرَ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْعُرْسِ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ
صُبْحَةً، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ تُعُورِفَ فِي زَمَانِنَا كَوْنُهُ
هَدِيَّةً لَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا سِيَّمَا الْمُسَمَّى صُبْحَةٌ،
فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُعَوِّضُهُ عَنْهَا ثِيَابُهَا وَنَحْوُهَا صَبِيحَةَ
الْعُرْسِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ) أَيْ أَبُو
اللَّيْثِ (قَوْلُهُ كَخُفٍّ وَمِلَاءَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
تَمْكِينُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ يَجِبُ مَنْعُهَا إلَّا فِيمَا
سَنَذْكُرُهُ فَتْحٌ.
قُلْت: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ،
لِمَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي عُرْفِنَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ
وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ
أَنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا لِلْمَشْرُوطِ عَادَةً كَالْخُفِّ
وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ إلَخْ
وَمِثْلُهُ فِي عُرْفِنَا مَنَاشِفُ الْحَمَّامِ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ
ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي الْمَهْرِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ
وَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْحَمَّامِ كَمَا
لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَخِمَارٍ وَدِرْعٍ) وَمَتَاعِ الْبَيْتِ بَحْرٌ،
فَمَتَاعُ الْبَيْتِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهِ
فَافْهَمْ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ الطَّحْنُ آلَةُ الطَّحْنِ وَآنِيَةُ شَرَابٍ وَطَبْخٍ كَكُوزٍ
وَجَرَّةٍ وَقِدْرٍ وَمِغْرَفَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَا سَائِرُ
أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَحَصِيرٍ وَلِبْدٍ وَطَنْفَسَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا
لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كِسْوَةٌ) هَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ
الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ
ادَّعَاهُ مَهْرًا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، أَمَّا
لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كِسْوَةٌ وَادَّعَتْ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ
لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا) مِثْلُهُ مَا إذَا أَبَتْ وَهِيَ
كَبِيرَةٌ ط (قَوْلُهُ فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَا
عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِيهِ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قُيِّدَ فِي عَيْنَهُ لَا فِي
قَائِمًا، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا
أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ
عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُ فِي مُقَابَلَةِ مَا
انْتَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ شَيْءٌ ح (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَتَهُ) الْأَوْلَى
أَوْ بَدَلًا لَهُ لِيَشْمَلَ الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى
الْهِبَةِ) أَيْ وَالْهَلَاكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ
بِهَا، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ هِبَةٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ
أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِرْدَادِ الْقَائِمِ الْقَضَاءُ أَوْ الرِّضَا،
وَكَذَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ، كَمَا لَوْ كَانَ
ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ أَوْ خَالَطَتْهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ
مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْهَدِيَّةِ
احْتِرَازًا عَنْ النَّفَقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يَأْتِي فِي
مَسْأَلَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَتْ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا
إلَخْ وَقَالَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَاهُ مَهْرًا
(3/153)
مِنْ خِلَافِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ)
بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ.
(أَنْفَقَ) رَجُلٌ (عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَتْهُ مَهْرًا وَادَّعَاهُ وَدِيعَةً فَإِنْ كَانَ
مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهَا وَإِلَّا فَلَهُ. اهـ. فَعُلِمَ
أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى الزَّوْجَةِ لَا فِي دَعْوَى
الْمَخْطُوبَةِ الَّتِي لَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ
ذِكْرَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّ
دَعْوَى الْمَخْطُوبَةِ أَنَّ الْمَبْعُوثَ مِنْ الْمَهْرِ أَضَرَّهَا
لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا رَدُّهُ قَائِمًا وَهَالِكًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ
تَكُونَ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ بِهَا وَدَعْوَى الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ
لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّهَا إذَا هَلَكَتْ، بِخِلَافِ
الزَّوْجَةِ فَإِنَّ دَعْوَاهَا أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ تَنْفَعُهَا
لِمَنْعِ الِاسْتِرْدَادِ مُطْلَقًا، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ
تَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهَا بِاسْتِرْدَادِهَا قَائِمَةً
وَبِضَمَانِهَا مُسْتَهْلَكَةً (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ) يَرْجِعُ
إلَى الصُّورَتَيْنِ ط
[مَطْلَبٌ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ]
ِ (قَوْلُهُ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ إلَخْ) حَكَى فِي
الْبَزَّازِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ
مُصَحَّحَةٍ. حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُطْلَقًا شَرَطَ
التَّزَوُّجَ أَوْ لَا، تَزَوَّجَتْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ.
وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرِطْ لَا يَرْجِعُ. وَحَاصِلُ
الثَّالِثِ وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ إنْ
تَزَوَّجَتْهُ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ أَبَتْ رَجَعَ شَرَطَ الرُّجُوعَ أَوْ
لَا إنْ دَفَعَ إلَيْهَا الدَّرَاهِمَ لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنْ
أَكَلَ مَعَهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا اهـ.
وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حِكَايَةُ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ.
وَحَكَى فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لَا
يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَقَدْ كَانَ شَرَطَهُ وَصَحَّحَ
أَيْضًا، وَإِنْ أَبَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى
الصَّحِيحِ اهـ فَقَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ إذَا تَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا إلَخْ
يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ بِالْأَوْلَى إذَا تَزَوَّجَتْهُ وَلَمْ
يَشْتَرِطْ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَبَتْ إلَخْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ
أَبَتْ وَقَدْ شَرَطَهُ يَرْجِعُ، فَصَارَ حَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ
الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَبَتْ
وَكَانَ شَرَطَ التَّزَوُّجَ. وَلَا يَرْجِعُ فِي ثَلَاثٍ: وَهِيَ مَا إذَا
أَبَتْ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ وَشَرَطَهُ، أَوْ لَمْ
يَشْرِطْ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُصَحَّحَةٌ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي فُصُولِ
الْعِمَادِيِّ أَعْنِي الْقَوْلَ الثَّالِثَ وَأَنَّ شَيْخَهُ صَاحِبَ
الْبَحْرِ أَفْتَى بِهِ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فَفِيهِ النَّفْسُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ
هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ
التَّزَوُّجَ رَجَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ
مَعْرُوفًا فَقِيلَ يَرْجِعُ وَقِيلَ لَا ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ
يَرْجِعَ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ لَا
يُنْفِقُ عَلَيْهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ كَالْمُسْتَقْرِضِ إذَا
أَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ أَهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ
الْإِقْرَاضِ كَانَ حَرَامًا، وَكَذَا الْقَاضِي لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ
الْخَاصَّةَ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ
قَاضِيًا لَا يُهْدِي إلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا اهـ وَأَيَّدَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي
كِتَابِ النَّفَقَاتِ. وَأَفْتَى بِهِ حَيْثُ سُئِلَ فِيمَنْ خَطَبَ
امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ يُنْفِقُ
لِيَتَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ
وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامِ قَاضِي خَانْ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ
اهـ. [تَنْبِيهٌ]
أَفَادَ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْمَخْطُوبَةِ بِعِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ الْجَارِي
هُنَا جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمَخْطُوبَةِ الْمَارَّةِ وَأَنَّ مَا مَرَّ
فِيهَا مِنْ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَ الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ
وَالْمُسْتَهْلَكِ خَاصٌّ بِالْهَدِيَّةِ دُونَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ،
(3/154)
بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) بَعْدَ
عِدَّتِهَا (إنْ تَزَوَّجَتْهُ لَا رُجُوعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَبَتْ
فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا، وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا
مُطْلَقًا) بَحْرٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ.
وَفِيهِ عَنْ الْمُبْتَغَى (جَهَّزَ ابْنَتَهُ بِجِهَازٍ وَسَلَّمَهَا
ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا وَلَا لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ
أَنْ سَلَّمَهَا ذَلِكَ وَفِي صِحَّتِهِ) بَلْ تَخْتَصُّ بِهِ (وَبِهِ
يُفْتَى) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ لَهَا فِي صِغَرِهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ.
وَالْحِيلَةُ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا أَنَّهُ إنَّمَا
سَلَّمَهُ عَارِيَّةً وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهَا ثُمَّ
تُبَرِّئَهُ دُرَرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَدَةَ مَخْطُوبَةٌ أَيْضًا، وَلَا تَأْثِيرَ
لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً يَحْرُمُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَتِهَا، بَلْ
التَّأْثِيرُ لِلشَّرْطِ وَعَدَمِهِ، وَكَوْنُهُ شَرْطًا فَاسِدًا،
وَكَوْنُ ذَلِكَ رِشْوَةً كَمَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْأَقْوَالِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَا يَقَعُ فِي قُرَى دِمَشْقَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ
يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ وَيَصِيرُ يَكْسُوهَا وَيُهْدِي إلَيْهَا فِي
الْأَعْيَادِ وَيُعْطِيهَا دَرَاهِمَ لِلنَّفَقَةِ وَالْمَهْرَ إلَى أَنْ
يُكَمِّلَ لَهَا الْمَهْرَ فَيَعْقِدَ عَلَيْهَا لَيْلَةَ الزِّفَافِ،
فَإِذَا أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا
بِغَيْرِ الْهَدِيَّةِ الْهَالِكَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ
الْمَارَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِالتَّزَوُّجِ كَمَا حَقَّقَهُ
قَاضِي خَانْ فِيمَا مَرَّ.
وَبَقِيَ مَا إذَا مَاتَتْ فَعَلَى الْقَوْلِ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ لَهُ
الرُّجُوعَ، أَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْإِبَاءِ؟ لَمْ
أَرَهُ. وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عِلَّةَ
الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ كَالْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ بِالْعِوَضِ وَهُوَ
التَّزَوُّجُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِرَمْزِ
الْبُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: بَعَثَتْ الصِّهْرَةُ إلَى بَيْتِ
الْخَتْنِ ثِيَابًا لَا رُجُوعَ لَهَا بَعْدَهُ وَلَوْ قَائِمَةً ثُمَّ
سُئِلَ، فَقَالَ لَهَا الرُّجُوعُ لَوْ قَائِمًا. قَالَ الزَّاهِدِيُّ:
وَالتَّوْفِيقُ أَنَّ الْبَعْثَ الْأَوَّلَ قَبْلَ الزِّفَافِ ثُمَّ حَصَلَ
الزِّفَافُ فَهُوَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا
تَرْجِعُ، وَالثَّانِي بَعْدَ الزِّفَافِ فَتَرْجِعُ اهـ وَكَذَا لَمْ أَرَ
مَا لَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ أَبِي فَلْيُرَاجَعْ.
[تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ ثُمَّ
تَبَيَّنَ فَسَادُ النِّكَاحِ، بِأَنْ شَهِدُوا بِالرَّضَاعِ وَفُرِّقَ
بَيْنَهُمَا. فَفِي الذَّخِيرَةِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ بِفَرْضِ
الْقَاضِي لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ
أَنْفَقَ بِلَا فَرْضٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِطَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ
فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي
شَرْحِهِ شَرَطَ التَّزَوُّجَ أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ، وَلِذَا قُلْنَا
الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِطَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيَتَأَتَّى
الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّالِثُ قَدْ
اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَشَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ:
وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا) أَيْ أَنَّهُ
إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ، أَوْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ
تَأَمَّلْ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهَ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْهَدِيَّةِ
الْهَالِكَةِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ
الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَخْطُوبَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ عَنْ
الْعِمَادِيَّةِ) صَوَابُهُ مِنَحٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ مَا فِي
الْمَتْنِ عَزَاهُ فِي الْمِنَحِ إلَى الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَهُوَ
الْقَوْلُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي
قَدَّمْنَاهَا. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ فَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ،
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَصْلًا
وَلَا وَقَعَ فِيهِ الْعَزْوُ إلَى الْعِمَادِيَّةِ
(قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا) هَذَا إذَا كَانَ
الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ مِثْلَهُ جِهَازًا لَا
عَارِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا وَكَانَ يُغْنِيهِ مَا يَأْتِي عَمَّا
ذَكَرَهُ هُنَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيَانَ حُكْمِ
الدِّيَانَةِ وَالْآتِي بَيَانَ حُكْمِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فِي
صِحَّتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ سَلَّمَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْوَارِثِ، وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَةِ
الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ لَهَا فِي صِغَرِهَا) أَيْ
وَإِنْ سَلَّمَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا أَصْلًا لِأَنَّهَا
مَلَكَتْهُ بِشِرَاءِ الْأَبِ لَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا يَأْتِي.
وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرِكَتِهِ
وَلَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهَا. فَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ
الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْأَبُ إذَا اشْتَرَى خَادِمًا لِلصَّغِيرِ
وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا
أَشْهَدَ الرُّجُوعَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ
أَشْهَدَ أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ
الْوَرَثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَرَادَ
الِاسْتِرْدَادَ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ اشْتَرَى لَهَا بَعْضَ الْجِهَازِ فِي صِغَرِهَا فَلَا يَحِلُّ
لَهُ
(3/155)
(أَخَذَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ شَيْئًا عِنْدَ
التَّسْلِيمِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ) لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ.
(جَهَّزَ ابْنَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَارِيَّةً
وَقَالَتْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا
لِيَرِثَ مِنْهُ وَقَالَ الْأَبُ) أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ
(عَارِيَّةٌ فَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ (الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا إذَا
كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ مِثْلَهُ جِهَازًا
لَا عَارِيَّةً، وَ) أَمَّا (إنْ مُشْتَرَكًا) كَمِصْرِ وَالشَّامِ
(فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَخْذُهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ دِيَانَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالدُّرَرِ،
وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْدَمَا سَلَّمَهُ إلَيْهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ
(قَوْلُهُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ) أَيْ بِأَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَهَا
أَخُوهَا أَوْ نَحْوُهُ حَتَّى يَأْخُذَ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ أَبَى أَنْ
يُزَوِّجَهَا فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِرْدَادُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا
لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِرَمْزِ
الْأَسْرَارِ لِلْعَلَّامَةِ نَجْمِ الدِّينِ: وَإِنْ أَعْطَى إلَى رَجُلٍ
شَيْئًا لِإِصْلَاحِ مَصَالِحِ الْمُصَاهَرَةِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمِ
الْخَطِيبَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى الْإِصْلَاحِ
وَالْفَسَادِ وَقَالَ هُوَ أُجْرَةٌ لَك عَلَى الْإِصْلَاحِ لَا يَرْجِعُ
وَإِنْ قَالَ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ وَالسُّكُوتِ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ
رِشْوَةٌ، وَالْأُجْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ
وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِعَمَلٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ أُجْرَةٌ يَرْجِعُ؛
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، إنْ قَالَ هُوَ عَطِيَّةٌ
أَوْ أُجْرَةٌ لَك عَلَى الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ
الرِّسَالَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ
شَيْئًا مِنْهَا يَكُونُ هِبَةً لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ
مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ
(قَوْلُهُ وَقَالَتْ هُوَ تَمْلِيكٌ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ
وَغَيْرِهِمَا. وَيُشْكِلُ جَعْلُ الْقَوْلِ لَهَا بِأَنَّهُ اعْتَرَفَ
بِمِلْكِيَّةِ الْأَبِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ،
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ
بِأَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ لِي زَوْجِي سَقَطَ قَوْلُهَا
لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ
إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ
الْمَسَائِلَ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا بِالظَّاهِرِ كَاخْتِلَافِ
الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي فِي
كِتَابِ الدَّعْوَى آخِرَ بَابِ التَّحَالُفِ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ فِي
الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ وَالْهَدِيَّةِ (قَوْلُهُ
فَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ
الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. وَمُقَابَلَةُ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ
الْقَوْلَ لَهَا أَيْ بِدُونِ تَفْصِيلٍ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ
الْعَادَةَ دَفْعُ ذَلِكَ هِبَةً. وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ
مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ
اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُعْتَمَدَ تَوْفِيقٌ بَيْنَ
هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُجْعَلُ خِلَافًا لَفْظِيًّا (قَوْلُهُ
فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ
الْهِدَايَةِ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَوْلِ لِلْأَبِ بِمَا إذَا كَانَ
الْجِهَازُ كُلُّهُ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا لَوْ جَهَّزَهَا بِمَا قَبَضَهُ
مِنْ مَهْرِهَا فَلَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهَا حَيْثُ كَانَتْ
رَاضِيَةً بِذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ مِنْهَا عُرْفًا نَعَمْ
لَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ
الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إنَّ الْعَادَةَ إنَّمَا
تُعْتَبَرُ إذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ، وَلِذَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ:
لَوْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي بَلَدٍ اخْتَلَفَ فِيهَا
النُّقُودُ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالزَّوَاجِ انْصَرَفَ
الْبَيْعُ إلَى الْأَغْلَبِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ
الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ اهـ كَلَامُ
الْأَشْبَاهِ.
مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْأَبِ أَنَّ الْجِهَازَ عَارِيَّةٌ قُلْت:
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعُرْفِ هُنَا
غَلَبَتُهُ، وَمِنْ الِاشْتِرَاكِ كَثْرَةُ كُلِّ مِنْهُمَا إذْ لَا نَظَرَ
إلَى النَّادِرِ وَلِأَنَّ حَمْلَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لَا يُمْكِنُ، وَيَلْزَمُ
عَلَيْهِ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا شَكَّ فِي صُدُورِ الْعَارِيَّةِ
مِنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَالْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ الْغَالِبَةُ فِي
أَشْرَافِ النَّاسِ وَأَوْسَاطِهِمْ دَفْعُ مَا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ مِنْ
الْجِهَازِ تَمْلِيكًا سِوَى مَا يَكُونُ عَلَى الزَّوْجَةِ لَيْلَةَ
الزِّفَافِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ أَوْ
الْأَكْثَرَ عَارِيَّةٌ، فَلَوْ مَاتَتْ لَيْلَةَ الزِّفَافِ لَمْ يَكُنْ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ لَهَا يَلِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْأَبِ
أَوْ الْأُمِّ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ مُسْتَعَارٌ لَهَا كَمَا يُعْلَمُ
مِنْ قَوْلِ
(3/156)
كَمَا لَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ
مِثْلُهَا
(وَالْأُمُّ كَالْأَبِ فِي تَجْهِيزِهَا) وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ
شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. وَاسْتَحْسَنَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِقَاضِي
خَانْ أَنَّ الْأَبَ إنْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ
أَنَّهُ عَارِيَّةٌ.
(وَلَوْ دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِابْنَتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ
الْأَبِ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ سَاكِتًا وَزُفَّتْ إلَى
الزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ مِنْ ابْنَتِهِ)
لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ (وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي
جِهَازِهَا مَا هُوَ مُعْتَادٌ وَالْأَبُ سَاكِتٌ لَا تَضْمَنُ) الْأُمُّ،
وَهُمَا مِنْ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الشَّارِحِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا
وَقَدْ يُقَالُ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْجِهَازِ عُرْفًا. وَبَقِيَ لَوْ جَرَى
الْعُرْفُ فِي تَمْلِيكِ الْبَعْضِ وَإِعَارَةِ الْبَعْضِ. وَرَأَيْت فِي
حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ عَنْ
حَاشِيَةِ الْغَزِّيِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ:
الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِ الْجِهَازِ مِلْكًا لَا
عَارِيَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ إلَّا فِي بَلْدَةٍ جَرَتْ
الْعَادَةُ بِدَفْعِ الْكُلِّ عَارِيَّةً فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ. وَأَمَّا
إذَا جَرَتْ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ الْجِهَازُ تَرِكَةً يَتَعَلَّقُ بِهَا
حَقُّ الْوَرَثَةِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ
الْبَعْضَ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْأَبُ بِعَيْنِهِ عَارِيَّةٌ لَمْ تَشْهَدْ
بِهِ الْعَادَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعَارَةِ
الْكُلِّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهَا بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ
لِلْأَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ مَا
ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِهَازِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ
النِّزَاعُ مِنْ الْأَبِ أَمَّا لَوْ مَاتَ فَادَّعَتْ وَرَثَتُهُ فَلَا
خِلَافَ فِي كَوْنِ الْجِهَازِ لِلْبِنْتِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ:
جَهَّزَ ابْنَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ
الْقِسْمَةَ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ اشْتَرَى لَهَا فِي صِغَرِهَا أَوْ فِي
كِبَرِهَا وَسَلَّمَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ لَهَا خَاصَّةً. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي مِلْكِ
الْبِنْتِ لَهُ بِالشِّرَاءِ لَوْ صَغِيرَةً، وَبِالتَّسْلِيمِ لَوْ
كَبِيرَةً. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَحَيَاتِهِ،
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا وَلَا لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ
وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الْعَارِيَّةِ بَعْدَ
الشِّرَاءِ أَوْ التَّسْلِيمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ
كَمَا عَلِمْت، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ
وَحَيَاتِهِ، فَدَعْوَى وَرَثَتِهِ كَدَعْوَاهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا
لَوْ كَانَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ فِيمَا
زَادَ عَلَى مَا جُهِّزَ بِهِ مِثْلُهَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَإِلَّا
فَالْقَوْلُ فِي الْجَمِيعِ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى فَتَاوَى
قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا بَحَثَهُ ابْنُ وَهْبَانَ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي
شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
الْحُكْمُ فِيمَا تَدَّعِيهِ الْأُمُّ، وَوَلِيُّ الصَّغِيرَةِ إذَا
زَوَّجَهَا كَمَا مَرَّ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ
ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ قُلْت: وَفِي الْوَلِيِّ عِنْدَ نَظَرٍ.
اهـ. وَتَرَدَّدَ فِي الْبَحْرِ فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ، وَقَالَ: إنَّ
مَسْأَلَةَ الْجَدِّ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا
نَقْلًا. وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ بِبَادِي الرَّأْيِ
أَنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّ كَالْأَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَ فِي
النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي
أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ
إنَّهُ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَهِّزُ الْبَنَاتُ بِمِثْلِ
ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَهَذَا لَعَمْرِي مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ. اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ اسْتِحْسَانِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُغَايِرُ
الْقَوْلَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لَهُ، وَبَيَانُ لِكَوْنِهِ
الِاشْتِرَاكَ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ إنَّمَا هُوَ فِي
غَيْرِ الْأَشْرَافِ
(قَوْلُهُ وَعِلْمِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، فَالْمَدَارُ عَلَى الْعِلْمِ
وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا (قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَى
الزَّوْجِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْبَالِغَةِ بِالتَّسْلِيمِ،
وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً بِالزِّفَافِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ
يَصِيرُ الْجِهَازُ بِيَدِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا هُوَ مُعْتَادٌ)
مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ لَا يَكُونُ
سُكُوتُهُ رِضًا فَتَضْمَنُ، وَهَلْ تَضْمَنُ الْكُلَّ أَوْ قَدْرَ
الزَّائِدِ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَجَزَمَ ط بِالثَّانِي (قَوْلُهُ السَّبْعِ
وَالثَّلَاثِينَ) قَالَ ح: قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْوَلِيِّ
(3/157)
بَلْ الثَّمَانِ وَالْأَرْبَعِينَ عَلَى
مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ الَّتِي السُّكُوتُ فِيهَا كَالنُّطْقِ
[فَرْعٌ] لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ
مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِالنَّقْدِ قُنْيَةٌ، زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْمُبْتَغَى إلَّا إذَا سَكَتَ طَوِيلًا فَلَا خُصُومَةَ لَهُ، وَلَكِنْ
فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ
عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مَقْصُودٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ) أَيْ
حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّيْخِ صَالِحٍ ابْنِ مُصَنِّفِ التَّنْوِيرِ،
فَإِنَّهُ زَادَ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً
ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ح
[فَرْعٌ لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ]
(قَوْلُهُ يَلِيقُ بِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ
الْمُبْتَغَى عَائِدٌ إلَى مَا بَعَثَهُ الزَّوْجُ إلَى الْأَبِ مِنْ
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُ
لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا الْمَبْعُوثُ
يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْأَعَاجِمِ بِالدِّسْتِمَانِ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَكَتَ طَوِيلًا) قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ
الْوَقْفِ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ زَمَانًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ
رِضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ
يُتَّخَذْ لَهُ شَيْءٌ. اهـ. ح وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يُعْرَفُ إلَى أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي
النَّهْرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلِسَانِ
الْحُكَّامِ عَنْ فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ، وَبِهِ
أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ.
قُلْت وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ حَيْثُ قَالَ:
تَزَوَّجَهَا وَأَعْطَاهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارِ الدِّسْتِمَانِ
وَهِيَ بِنْتُ مُوسِرٍ وَلَمْ يُعْطِ لَهَا الْأَبُ جِهَازًا أَفْتَى
الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ لَهُ
مُطَالَبَةَ الْجِهَازِ مِنْ الْأَبِ عَلَى قَدْرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ
أَوْ طَلَبُ الدِّسْتِيمَانِ. قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ
بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَكَانَ
بَعْضُ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ يَعْتَرِضُ بِأَنَّ الدِّسْتِيمَانَ هُوَ
الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، فَهُوَ
مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْمَرْأَةِ، حَتَّى مَلَكَتْ حَبْسَ نَفْسِهَا
لِاسْتِيفَائِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الزَّوْجُ طَلَبَ الْجِهَازِ
وَالشَّيْءُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضَانِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْفَقِيهُ
نَاقِلًا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَنَّ الدِّسْتِيمَانَ إذَا أُدْرِجَ فِي
الْعَقْدِ فَهُوَ الْمُعَجَّلُ الَّذِي ذَكَرْته، وَإِنْ لَمْ يُدْرَجْ
فِيهِ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ
وَذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ، إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ وَزُفَّتْ
إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ وَسَكَتَ الزَّوْجُ أَيَّامًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ
دَعْوَى الْجِهَازِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحْتَمَلًا وَسَكَتَ زَمَانًا
يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ دَلَّ أَنَّ الْغَرَضَ لَمْ يَكُنْ الْجِهَازُ اهـ
مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَجَّلَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ هُوَ
الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ دَائِمًا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْكَافِي حَتَّى
يَرُدَّ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِنَفْسِهَا لَا بِجِهَازِهَا بَلْ فِيهِ
تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جُعِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مُقَابَلٌ
بِنَفْسِ الْمَرْأَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْجِهَازِ عَادَةً،
حَتَّى لَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ وَلَمْ يَطْلُبْ جِهَازًا عُلِمَ
أَنَّهُ دَفَعَهُ تَبَرُّعًا بِلَا طَلَبِ عِوَضٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ
الْحُسْنِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ،
وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ
مَعْقُودًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ مَهْرٌ، لَكِنْ
مِنْ الْمَعْلُومِ عَادَةً أَنَّ كَثْرَتُهُ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْجِهَازِ،
فَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَدَلٌ لَهُ أَيْضًا، وَلِهَذَا كَانَ مَهْرُ مَنْ
لَا جِهَازَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ ذَاتِ الْجِهَازِ وَإِنْ كَانَتْ
أَجْمَلَ مِنْهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِكَوْنِهِ مَهْرًا
وَهُوَ مَا يَكُونُ بَدَلَ الْبُضْعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ
الْأَصْلِيُّ مِنْ النِّكَاحِ دُونَ الْجِهَازِ لَمْ يُعْتَبَرْ الْمَعْنَى
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَزِيدُ
بَيَانٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي
زَمَانِنَا، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ الْجِهَازَ لِلْمَرْأَةِ إذَا
طَلَّقَهَا تَأْخُذُهُ كُلَّهُ، وَإِذَا مَاتَتْ يُورَثُ عَنْهَا،
وَإِنَّمَا يَزِيدُ الْمَهْرُ طَمَعًا فِي تَزْيِينِ بَيْتِهِ بِهِ
وَعَوْدِهِ إلَيْهِ وَلِأَوْلَادِهِ إذَا مَاتَتْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى
أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ، فَقَدْ مَرَّ الْخِلَافُ فِي
لُزُومِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَجِّحَ اللُّزُومُ، فَلِذَا
(3/158)
(نَكَحَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ
(ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ بِمَيْتَةٍ أَوْ بِلَا
مَهْرٍ بِأَنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ نَفَيَاهُ وَ) الْحَالُ أَنَّ (ذَا
جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ خَلَّقَتْ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا
فَلَا مَهْرَ لَهَا) لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا لِأَنَّا
أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ (وَتَثْبُتُ) بَقِيَّةُ
(أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مِنْ وُجُوبِ
النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا) كَعِدَّةٍ
وَنَسَبٍ وَخِيَارِ بُلُوغٍ وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَحُرْمَةِ
مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ مَحَارِمَ.
(وَإِنْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ) أَيْ مُشَارٌ إلَيْهِ
(ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهَا
ذَلِكَ) فَتَخَلَّلَ الْخَمْرُ وَتَسَيَّبَ الْخِنْزِيرُ، وَلَوْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُهُ (وَ) لَهَا (فِي غَيْرِ
عَيْنٍ) قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ، إذْ
أَخَذَ قِيمَةَ الْقِيَمِيِّ كَأَخْذِ عَيْنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
كَانَ الْمُصَحَّحُ هُنَا عَدَمُ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ عَنْ
الْمَرْغِينَانِيِّ
(قَوْلُهُ نَكَحَ ذِمِّيٌّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُهُورِ
الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ مُهُورَ الْكُفَّارِ، وَيَأْتِي بَيَانُ
أَنْكِحَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ
عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ
الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ هُنَا نَهْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ
ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ بِمَيْتَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا
كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَذَا جَائِزٌ
عِنْدَهُمْ) بِأَنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ عِنْدَهُمْ مَهْرُ الْمِثْلِ
بِالنَّفْيِ وَبِمَا لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ
الْوَطْءِ (قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا) هَذَا قَوْلُهُ. وَعِنْدَهُمَا
لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا،
وَالْمُتْعَةُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ
وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ
هِدَايَةٌ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ
مَهْرِ الْمِثْلِ فِي السُّكُوتِ عَنْهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ،
فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهَا،
وَذِكْرُ الْمَيْتَةِ كَالسُّكُوتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالً عِنْدَهُمْ
فَذِكْرُهَا لَغْوٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَا إلَخْ) لَوْ
وَصْلِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ رُفِعَ
أَحَدُهُمَا إلَيْنَا أَوْ تَرَافَعَا اهـ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ أَسْلَمَ
أَحَدُهُمَا لِانْفِهَامِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِأَنَّا أُمِرْنَا
بِتَرْكِهِمْ) أَيْ تَرْكِ إعْرَاضٍ لَا تَقْرِيرٍ، وَقَوْلُهُ وَمَا
يَدِينُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ فَلَا نَمْنَعُهُمْ
عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَبَيْعِهِمَا ط عَنْ أَبِي
السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ) أَيْ إنْ
اعْتَقَدَاهَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ط (قَوْلُهُ كَعِدَّةٍ) أَيْ لَوْ
طَلَّقَهَا وَأَمَرَهَا بِلُزُومِ بَيْتِهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
وَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْنَا حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ
طَلَبَتْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ أَلْزَمْنَا بِهَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ
وَنَسَبٍ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ
بَيْنَنَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَخِيَارِ بُلُوغٍ) أَيْ لِصَغِيرٍ
وَصَغِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ ط
(قَوْلُهُ وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) هُوَ مَا يَقَرَّانِ عَلَيْهِ
إذَا أَسْلَمَا، بِخِلَافِ نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ أَوْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ
كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ مُطَلَّقَةٍ
ثَلَاثًا إلَخْ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِمُرَافَعَةِ
أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَا مُحَرَّمَيْنِ فَلَا يُفَرَّقُ إلَّا
بِمُرَافَعَتِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ
(قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا
قَبَضَهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقْتَ الْعَقْدِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ
فَلَهَا ذَلِكَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي لَهَا مَهْرُ
الْمِثْلِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الثَّالِثُ لَهَا
الْقِيمَةُ فِيهِمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتُسَيِّبُ الْخِنْزِيرَ) كَذَا فِي
الْفَتْحِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْأَوْلَى فَتَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ
(قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُهُ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ
الْقِيمَةِ، وَفِي الْخِنْزِيرِ الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا
نِصْفُ الْقِيمَةِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ
فَتَنْتَصِفُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِمَهْرِ
الْمِثْلِ لَهَا الْمُتْعَةُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ اهـ
(قَوْلُهُ إذَا أَخَذَ قِيمَةَ الْقِيَمِيِّ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ أَخْذَ
الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ أَوْ الْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ
الْعَيْنِ، وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ، فَأَخْذُ قِيمَتِهِ لَيْسَ كَأَخْذِ
عَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ كَالْخِنْزِيرِ فَلِذَا
أَوْجَبْنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَأَوْرَدَ مَا لَوْ اشْتَرَى
ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ دَارًا بِخِنْزِيرٍ فَإِنَّ لِشَفِيعِهَا
الْمُسْلِمِ أَخْذَهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قِيمَةَ
الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْهُ كَمَسْأَلَةِ
النِّكَاحِ وَالْقِيمَةُ فِي الشُّفْعَةِ بَدَلُ الدَّارِ لَا عَنْ
الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا صَيَّرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا
غَيْرُ.
(3/159)
فُرُوعٌ] الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: صَبِيٌّ
نَكَحَ بِلَا إذْنٍ وَطَاوَعَتْهُ، وَبَائِعُ أَمَتِهِ قَبْلَ تَسْلِيمٍ،
وَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا قَبْلَ الْبَكَارَةِ وَإِلَّا فَلَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا بَدَلٌ عَنْ
الْغَيْرِ وَهُوَ الْبُضْعُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلتَّقْدِيرِ.
وَالْجَوَابُ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتَاهَا بِقِيمَةِ
الْخِنْزِيرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ
الْقِيمَةَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ فَكَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ
التَّسْمِيَةِ وَبِالْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْقِيمَةِ فَأَوْجَبْنَا
مَا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ
عَيْنِهِ وَلِذَا أُجْبِرَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى قَبُولِهَا قَبْلَ
الْإِسْلَامِ لَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ؛ وَلَوْ سُلِّمَ
عَدَمُ الْفَرْقِ فَقَدْ يُجَابُ بِمَا مَرَّ آخِرَ الزَّكَاةِ فِي بَابِ
الْعَاشِرِ مِنْ أَنَّ جَوَازَ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ فِي الدَّارِ
لِضَرُورَةِ
حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِإِمْكَانِ إيجَابِ مَهْرِ
الْمِثْلِ
[فُرُوعٌ الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]
(قَوْلُهُ الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ
مِلْكِ الْيَمِينِ. وَاحْتُرِزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ
إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ النِّكَاحِ
وَفِيهَا مِنْ أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى
ثَمَانِ مَسَائِلَ، فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا الذِّمِّيَّةَ إذَا نَكَحَتْ
بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا وَكَانُوا يَدِينُونَ أَنْ لَا مَهْرَ
فَلَا مَهْرَ. وَالسَّيِّدُ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ
فَالْأَصَحُّ أَنْ لَا مَهْرَ وَالْعَبْدُ إذَا وَطِئَ سَيِّدَتَهُ
بِشُبْهَةٍ فَلَا مَهْرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا قَبْلَهَا أَنَّ
الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ
حَرْبِيَّةً أَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ أَوْ وَطِئَ
الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ظَانًّا الْحِلَّ. وَقَالَ: يَنْبَغِي
أَنْ لَا مَهْرَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. اهـ.
وَنُقِلَ ح عَنْ حُدُودِ الْبَخَرِ فِي نَوْعِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ حَدٌّ
لِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَطْءُ الْمَبِيعَةِ
فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا حَدَّ فِيهِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ أَوْ
بَعْدَهُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا،
وَكَذَا الْمَبِيعَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ
أَوْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ
بِالْكُلِّيَّةِ هـ. قَالَ ح: لَا مَهْرَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ؟ إطْلَاقُ
الشَّارِحِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ
قُلْت: أَمَّا الْأُولَى فَدَاخِلَةٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ
قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا مَهْرَ، وَمِثْلُهَا الْمَبِيعَةُ بِخِيَارٍ
لِلْبَائِعِ لِأَنَّ وَطْأَهَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، أَمَّا
الْمَبِيعَةُ فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الْمَهْرِ
لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ بِخِيَارٍ
لِلْمُشْتَرِي إنْ مَضَى الْبَيْعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَبِيٌّ نَكَحَ
إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: الْمُرَاهِقُ إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ
وَلِيِّهِ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا فَرَدَّ أَبُوهُ نِكَاحَهُ قَالُوا لَا
يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ حَدٌّ وَلَا عُقْرٌ؛ أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَكَانِ
الصِّبَا، أَمَّا الْعُقْرُ فَلِأَنَّهَا إنَّمَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا
مِنْهُ مَعَ عِلْمِهَا أَنَّ نِكَاحَهُ لَا يَنْفُذُ فَقَدْ رَضِيَتْ
بِبُطْلَانِ حَقِّهَا اهـ وَكَذَا لَوْ زَنَى بِثَيِّبٍ وَهِيَ نَائِمَةٌ
فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عُقْرُ أَوْ بِبِكْرٍ بَالِغَةٍ دَعَتْهُ إلَى
نَفْسِهَا وَأَزَالَ عُذْرَتَهَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لَوْ مُكْرَهَةً
أَوْ صَغِيرَةً أَوْ أَمَةً وَلَوْ بِأَمْرِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ أَمْرِ
الصَّغِيرَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا وَأَمْرِ الْأَمَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ
الْمَوْلَى، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَى. اهـ.
هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَبَائِعُ أَمَتِهِ) أَيْ إذَا وَطِئَهَا
قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ
لِأَنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لِكَوْنِهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ،
إذْ لَوْ هَلَكَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ،
فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ اسْتَحَقَّهُ (قَوْلُهُ يَسْقُطُ) أَيْ
عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا
مِنْهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
تَكُنْ بَكَارَةٌ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ
(3/160)
تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى
فَأَزَالَتْ بَكَارَتَهَا لَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. لِأَبِي
الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ، وَلِلزَّوْجِ الْمُطَالَبَةُ
بِتَسْلِيمِهَا إنْ تَحَمَّلَتْ الرَّجُلَ. قَالَ الْبَزَّازِيُّ: وَلَا
يُعْتَبَرُ السِّنُّ، فَلَوْ تَسَلَّمَهَا فَهَرَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ
طَلَبُهَا، خَدَعَ امْرَأَةً وَأَخَذَهَا حُبِسَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا
وَيُعْلَمَ مَوْتُهَا.
الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، وَقِيلَ الْعَلَانِيَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ
الْخِيَارَ وَلْوَالِجِيَّةٌ
(قَوْلُهُ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا
أَوَّلَ الْبَابِ.
مَطْلَبٌ لِأَبِي الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ
(قَوْلُهُ لِأَبِي الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ) وَلَوْ كَانَ
الزَّوْجُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ
التَّجْنِيسِ؛ وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ قَيْدٍ. فَفِي الْهِنْدِيَّةِ
لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي قَبْضُ صَدَاقِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً
كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا إذَا نَهَتْهُ وَهِيَ بَالِغَةٌ صَحَّ
النَّهْيُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ ذَلِكَ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ
عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ حَقَّ الْقَبْضِ لَهَا دُونَ
غَيْرِهَا. اهـ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ الْأُمَّ،
وَلَيْسَ لَهَا الْقَبْضُ إلَّا إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً، وَحِينَئِذٍ
فَتُطَالِبُ الْأُمُّ إذَا بَلَغْت دُونَ الزَّوْجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي
الْهِنْدِيَّةِ ط.
قُلْت أَيْ لَمْ تُطَالِبْ الْأُمُّ إذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِغَيْرِ
إقْرَارِ الْأُمِّ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَأَدْرَكَتْ
وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ دَفَعَهُ
إلَى الْأَبِ فِي صِغَرِهَا وَأَقَرَّ الْأَبُ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ
عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا
يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَتَأْخُذُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا يَرْجِعُ
عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْأَبِ فِي وَقْتٍ لَهُ
وِلَايَةُ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَالَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَبْرَأْتُك
مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ أَنْكَرَتْ الْبِنْتُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا عَلَى
الْأَبِ. اهـ. وَفِيهَا قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ ثُمَّ ادَّعَى
الرَّدَّ عَلَى الزَّوْجِ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّهُ
يَلِي الْقَبْضَ لَا الرَّدَّ وَلَوْ ثَيِّبًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ
ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ. اهـ. وَفِيهَا قَبَضَ الْأَبُ مَهْرَهَا
وَهِيَ بَالِغَةٌ، أَوْ لَا، وَجَهَّزَهَا، أَوْ قَبَضَ مَكَانَ الْمَهْرِ
عَيْنًا لَيْسَ لَهَا أَنْ لَا تُجِيزَ لِأَنَّ وِلَايَةَ قَبْضِ الْمَهْرِ
إلَى الْآبَاءِ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ:
وَلَوْ قَبَضَ بِمَهْرِ الْبَالِغَةِ ضَيْعَةً فَلَمْ تَرْضَ إنْ جَرَى
التَّعَارُفُ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ وَإِلَّا وَلَوْ بِكْرًا وَتَمَامُ
مَسَائِلِ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَوَّلَ بَابِ
الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبَزَّازِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَلَا
يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى دَفْعِ الصَّغِيرَةِ إلَى الزَّوْجِ وَلَكِنْ
يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى إيفَاءِ الْمُعَجَّلِ، فَإِنْ زَعَمَ الزَّوْجُ
أَنَّهَا تَتَحَمَّلُ الرِّجَالَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَاضِي يُرِيهَا
النِّسَاءَ وَلَا يَعْتَبِرُ السِّنَّ اهـ. قُلْت: بَلْ فِي
التَّتَارْخَانِيَّة: الْبَالِغَةُ إذَا كَانَتْ لَا تَتَحَمَّلُ لَا
يُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا إلَى الزَّوْجِ.
[مَطْلَبٌ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ]
ِ (قَوْلُهُ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ عَلَى
وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ ثُمَّ
تَعَاقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ، فَإِنْ
اتَّفَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ وَإِلَّا
فَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّ
الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، فَإِنْ لَمْ يُتَّفَقَا
عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ
اتَّفَقَا عَلَيْهَا انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَوَاضَعَا فِي
السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ دَنَانِيرُ ثُمَّ تَعَاقَدَا فِي
الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَالْمَهْرُ مَا فِي السِّرِّ
مِنْ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ
عَنْهَا وَإِنْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مَهْرًا
لَهَا أَوْ سَكَتَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَنْ الْمَهْرِ انْعَقَدَ بِمَهْرِ
الْمِثْلِ.
(3/161)
الْمُؤَجَّلُ إلَى الطَّلَاقِ يَتَعَجَّلُ بِالرَّجْعِيِّ وَلَا
يَتَأَجَّلُ بِمُرَاجَعَتِهَا.
وَلَوْ وَهَبَتْهُ الْمَهْرَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَى
فَالْمَهْرُ بَاقٍ نَكَحَهَا أَوْ لَا. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لِأَحَدٍ
وَوَكَّلَتْهُ بِقَبْضِهِ صَحَّ. وَلَوْ أَحَالَتْ بِهِ إنْسَانًا ثُمَّ
وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ لَمْ تَصِحَّ، وَهَذِهِ حِيلَةُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ
يَهَبَ وَلَا تَصِحُّ |