رد
المحتار على الدر المختار بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ طَلَبُ
الْحَقِّ
(الِاسْتِحْقَاقُ نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (مُبْطِلٌ لِلْمِلْكِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا بِشِرْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي
قَدْرُ مَا يَكْفِيهَا وَلَيْسَ لَهُ جَمِيعُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ اهـ
عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ
وَكَثِيرٍ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ فَتَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ) أَيْ يَدْخُلُ
الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشِّرْبُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إلَخْ)
أَيْ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ
فِي الْأَصْلِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا خُصُوصُ الِانْتِفَاعِ بَلْ هُوَ
أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا أَوْ يَأْخُذَ نَقْضَهَا نَهْرٌ قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الطَّرِيقَ مِنْ
صَاحِبِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ
بِدُونِ الْعَيْنِ فَتَعَيَّنَ الدُّخُولُ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ
مَاءِ الْمِيزَابِ إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَلَا مَسْقَطُ الثَّلْجِ
فِيهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَفِي حَوَاشِي
مِسْكِينٍ أَنَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ
الْإِجَارَةِ فَأَفَادَ أَنَّ دُخُولَ الْمَسِيلِ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا
ذِكْرِ الْحُقُوقِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ.
(قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الشِّرْبَ وَالْمَسِيلَ فِي
حُكْمِ الطَّرِيقِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ إلَخْ)
حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ: أَنَّهُمَا إذَا اقْتَسَمَا وَلِأَحَدِهِمَا
عَلَى الْآخِرِ مَسِيلُ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ لَا
تَدْخُلُ، لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ لَهُ إحْدَاثُهَا فِي نَصِيبِهِ
فَالْقِسْمَةُ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ
الْآجِرَ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ
مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَفِي إدْخَالِ الشِّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ
عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ دَخَلَتْ إنْ لَمْ
يُمْكِنْهُ إحْدَاثُهَا لَا إنْ أَمْكَنَ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ، لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ
الْحُقُوقَ تَدْخُلُ بِذِكْرِهَا وَإِنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُهَا لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْهُ إيجَادُ الْمِلْكِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ
عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ
إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَتْحُ بَابٍ، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَقْتَ
الْقِسْمَةِ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَدَتْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ
عَيْبٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِذَلِكَ قَوْلُ الْفَتْحِ، وَإِلَّا
فَلَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إحْدَاثُهَا فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَقْتَهَا لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ يَكُونُ
رَاضِيًا بِالْعَيْبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ) كَانَ
عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعَزْوَ إلَى النَّهْرِ آخِرَ الْعِبَارَةِ
فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَأْتِي مَذْكُورٌ فِيهِ اهـ ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ)
أَيْ فِي الْمَتْنِ وَعَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَنْ
تَكُونَ الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّارِ (قَوْلُهُ عَلَى مَالٍ) عِبَارَةُ
النَّهْرِ عَلَى دَارٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ
وَالْوَجْهُ فِيهَا لَا يَخْفَى) لِأَنَّهَا لِاسْتِحْدَاثِ مِلْكٍ لَمْ
يَكُنْ لَا لِخُصُوصِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ]
ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحُقُوقِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لَفْظًا
وَمَعْنًى وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ ذِكْرُهُ عَقِبَ الصَّرْفِ أَوْلَى
نَهْرٌ (قَوْلُهُ هُوَ طَلَبُ الْحَقِّ) أَفَادَ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ
لِلطَّلَبِ، لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَحَقَّ فُلَانٌ الْأَمْرَ
اسْتَوْجَبَهُ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ
(5/190)
بِالْكُلِّيَّةِ (كَالْعِتْقِ)
وَالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَنَحْوِهِ) كَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ (وَ)
ثَانِيهِمَا (نَاقِلٌ لَهُ) مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ (كَالِاسْتِحْقَاقِ
بِهِ) أَيْ بِالْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى بَكْرٍ أَنَّ مَا فِي
يَدِهِ مِنْ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ وَبَرْهَنَ (وَالنَّاقِلُ لَا يُوجِبُ
فَسْخَ الْعَقْدِ) عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ
الْمِلْكِ (وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَعَلَى مَنْ
تَلَقَّى) ذُو الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَالْأَمْرُ مُسْتَحَقٌّ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَمِنْهُ خَرَجَ
الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا اهـ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ
مُوَافِقٌ لِلُّغَوِيِّ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالِاسْتِحْقَاقِ
ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ
(قَوْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ
حَقُّ التَّمْلِيكِ مِنَحٌ وَدُرَرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ أَحَدُ
الْبَاعَةِ مَثَلًا لَا الْمُدَّعِي فَإِنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي
الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا مِنْ الْمُبْطِلِ
كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ط (قَوْلُهُ وَالنَّاقِلُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ
الْعَقْدِ) بَلْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَذَا
فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الْجَمَاعَةُ.
وَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ فُضُولِيٍّ،
وَفِيهِ إذَا وُجِدَ عَدَمُ الرِّضَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِثْبَاتُ
الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا، وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ
إجَازَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْمَنْصُورُ
وَقَوْلُهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا أَيْ
بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عَدَمِ
الرِّضَا بِأَنْ يَذْهَبَ مِنْ يَدِهِ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ وَيُثْبِتْهُ اسْتَمَرَّ فِي يَدِ
الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عَيْنُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ
فَإِثْبَاتُهُ لِيَحْصُلَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْبَدَلُ
بِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي
الْبَيْعِ مَتَى يَنْفَسِخُ؟ فَقِيلَ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحِقُّ وَقِيلَ
بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ
يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ
الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ
أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ
الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لَلْبَيَّاعَات مَا لَمْ
يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ رُوِيَ
عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ،
بِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ
يُفْسَخْ وَهُوَ الْأَصْلُ اهـ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى
الْفَسْخِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي
الْفَسْخُ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ لِأَنَّ احْتِمَالَ
إقَامَةِ الْبَائِعِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ ثَابِتٌ إلَّا إذَا
قَضَى الْقَاضِي فَيَلْزَمُ فَيُفْسَخُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. فَقَدْ
اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ، وَيَأْتِي
قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَيُمْكِنُ
التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا
يُنْتَقَضُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، بَلْ يَبْقَى
الْعَقْدُ مَوْقُوفًا بَعْدَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ
فَسْخِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا فَسَخَهُ صَرِيحًا فَلَا شَكَّ فِيهِ،
وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَسَلَّمَهُ
إلَيْهِ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْفَسْخِ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي
مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْبَائِعِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ،
فَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ، فَفِي ذَلِكَ
كُلِّهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ
الْعِبَارَاتِ حَصْرَ الْفَسْخِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، بَلْ
أَيُّهَا وُجِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ.
بَقِيَ شَيْءٌ: وَهُوَ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى
بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى
الْمُشْتَرِي بِلَا إلْزَامِ الْقَاضِي إيَّاهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ
وَنُورِ الْعَيْنِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا
يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ
الِاسْتِحْقَاقَ أَظْهَرَ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عَلَى إجَازَةِ
الْمُسْتَحِقِّ أَوْ فَسْخِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ حُكْمٌ عَلَى ذِي
الْيَدِ) حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُدَّعَى مِنْ يَدِهِ دُرَرٌ، وَهَذَا إذَا
كَانَ خَصْمًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ
وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْهُ) هَذَا مَشْرُوطٌ
بِمَا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ
الْخُلَاصَةِ: إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي فِي جَوَابِ دَعْوَى الْمِلْكِ
هَذَا مِلْكِي لِأَنِّي شَرَيْته مِنْ فُلَانٍ صَارَ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا
عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ: أَمَّا إنْ قَالَ
فِي الْجَوَابِ مِلْكِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الْبَائِعُ
مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَالْإِرْثُ كَالشِّرَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
(5/191)
وَلَوْ مُوَرِّثَهُ فَيَتَعَدَّى إلَى
بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَشْبَاهٌ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ
مِنْهُمْ) لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ (بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ وَلَا يَرْجِعُ)
أَحَدٌ مِنْ الْمُشْتَرِينَ (عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَصُورَتُهُ: دَارٌ بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَجَاءَ آخَرُ
وَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا فَجَاءَ أَخُو الْمَقْضِيِّ
عَلَيْهِ، وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ
وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يُقْضَى لِلْأَخِ الْمُدَّعِي بِنِصْفِهَا
لِأَنَّ ذَاكَ لَمْ يَقُلْ مِلْكِي لِأَنِّي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي
لِيَصِيرَ الْأَخُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ
الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ إنْكَارِهِ
وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْإِرْثِ قَبْلَ إقَامَةِ
الْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْأَخِ اهـ قَالَ: وَذَكَرَ قَبْلَهُ
إذَا صَارَ الْمُوَرِّثُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي مَحْدُودٍ فَمَاتَ
فَادَّعَى وَارِثُهُ ذَلِكَ الْمَحْدُودَ إنْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ هَذَا
الْمُوَرِّثِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى مُطْلَقًا تُسْمَعُ وَإِنْ
كَانَ الْمُوَرِّثُ مُدَّعِيًا وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ
ادَّعَى وَارِثُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى وَارِثِ الْمَقْضِيِّ لَهُ
هَذَا الْمَحْدُودَ مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ اهـ.
[فَرْعٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مُسْلِمٌ بَاعَ عَبْدًا مِنْ نَصْرَانِيٍّ
فَاسْتَحَقَّهُ نَصْرَانِيٌّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيَّيْنِ لَا يُقْضَى
لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ لَهُ لَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْلِمِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ مُوَرِّثَهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ
وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ: أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ ذُو الْيَدِ
مِنْ مُوَرِّثِهِ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ حُكْمٌ عَلَى
الْمُوَرِّثِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَى
الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِرْثِ (قَوْلُهُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ
مِنْهُمْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي
الْيَدِ إلَخْ دُرَرٌ. وَأَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ إشَارَةً إلَى شُمُولِ
مَا لَوْ تَعَدَّدَ الْبَيْعُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى آخَرَ وَهَكَذَا، وَلِذَا
قَالَ فِي الدُّرَرِ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ وَفَرَّعَ فِي
الْغُرَرِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ
لِلرُّجُوعِ قَالَ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْحُكْمُ
لِلْمُسْتَحِقِّ حُكْمًا عَلَى الْبَاعَةِ فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ
الْمُشْتَرِيَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا
يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ)
عِبَارَةُ الْغُرَرِ: بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ أَوْ تَلَقِّي الْمِلْكِ
مِنْ الْمُسْتَحِقِّ. قَالَ فِي شَرْحِهِ الدُّرَرَ: بِأَنْ يَقُولَ
بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ حِينَ رُجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَنَا لَا
أُعْطِي الثَّمَنَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ كَاذِبٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ
نَتَجَ فِي مِلْكِي أَوْ مِلْكِ بَائِعِي بِلَا وَاسِطَةٍ، أَوْ بِهَا
فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ إنْ أَثْبَتَ، أَوْ يَقُولَ:
أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ لِأَنِّي اشْتَرَيْته مِنْ الْمُسْتَحِقِّ
فَتُسْمَعُ أَيْضًا اهـ. وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
لِإِثْبَاتِ النِّتَاجِ حُضُورُ الْمُسْتَحِقِّ، كَمَا أَجَابَ بِهِ فِي
الْحَامِدِيَّةِ وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ فِي
الْخَيْرِيَّةِ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي
الْعِمَادِيَّةِ، مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ، لَكِنْ
فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ الِاشْتِرَاطَ هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ.
قُلْت: وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ
شَمْسِ الْإِسْلَامِ يُقْبَلُ بِلَا حَضْرَتِهِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ
بِالثَّمَنِ أَمْرٌ يَخُصُّ الْمُشْتَرِيَ فَاكْتُفِيَ بِحُضُورِهِ،
وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ
الْأَظْهَرُ، وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الْقَبُولِ بِلَا حُضُورِ
الْمُسْتَحِقِّ اهـ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ، وَهَذَا الْقَوْلُ
أَشْبَهُ وَأَظْهَرُ اهـ. وَهَكَذَا عَزَاهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ إلَى
الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُورِ
الْعَيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَكْسِ
سَبْقُ قَلَمٍ، حَرَّرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَتَنَبَّهْ
لِذَلِكَ.
وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْمَبِيعِ وَأَفْتَى ظَهِيرُ
الدِّينِ بَعْدَهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ
عَلَيْهِ) فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوْسَطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
بَائِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرُ دُرَرٌ.
وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلْزَامُ الْقَاضِي الْبَائِعَ
بِالثَّمَنِ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِدُونِهِ، وَهُوَ
قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْت، ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ
لَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ
الِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ
الْمَبِيعُ مِنْ يَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ،
لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ
الْبَاعَةِ لَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ذَخِيرَةٌ، أَيْ
لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ عَلَى الَّذِي أَبْرَأَ مُشْتَرِيَهُ، جَامِعُ
الْفُصُولَيْنِ.
(5/192)
وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يُقْضَ
عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ ثَمَنَانِ فِي مِلْكٍ
وَاحِدٍ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ، وَلَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ
قَلِيلٍ أَوْ أَبْرَأَ عَنْ ثَمَنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِرُجُوعٍ
عَلَيْهِ فَلِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ أَيْضًا لِزَوَالِ
الْبَدَلِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ حُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَصَالَحَ
الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ أَبْطَلَ حَقَّ
الرُّجُوعِ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
(وَالْمُبْطِلُ يُوجِبُهُ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
ثُمَّ نُقِلَ فِيهِ أَنَّ فِي رُجُوعِ بَقِيَّةِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ
عَلَى بَعْضٍ خِلَافًا، بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا لَوْ أَبْرَأَ
الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِالرُّجُوعِ فَيَأْتِي
قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ
الضَّامِنِ بِالدَّرَكِ دُرَرٌ أَيْ ضَامِنِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ
الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ)
اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، وَهُوَ الْبَائِعُ صَارَ
مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ، لِمَا
عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ
وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، وَقِيلَ الْقَضَاءُ لَا
مُطَالَبَةَ لِأَحَدٍ.
قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ هُنَا الْقَضَاءُ
عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالثَّمَنِ وَالْقَضَاءُ السَّابِقُ قَضَاءٌ
بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ
قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَنَصُّهَا: وَلَا يُؤْخَذُ
ضَامِنُ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى
الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ اهـ وَهِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ
وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ
بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ، مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَمْ
يَجِبْ عَلَى الْأَصْلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ
فَافْهَمْ: لَكِنْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ يُنْتَقَضُ
بِفَسْخِ الْعَاقِدَيْنِ، وَبِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ
بِدُونِ قَضَاءٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ قَصْرَ الْفَسْخِ عَلَى
وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا
وَجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَهُوَ الْبَائِعُ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى
الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَيْضًا وَلَوْ بِدُونِ قَضَاءٍ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ الْمَارِّ آنِفًا
(قَوْلُهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ ثَمَنَانِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا
يَرْجِعُ إلَخْ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ قَالَ ط: وَهَذَا
التَّعْلِيلُ يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ وَالْبَائِعِ
الْأَوَّلِ فَيَظْهَرُ فِي الْبَاعَةِ الْمُتَوَسِّطِينَ، فَإِنَّ عِنْدَ
كُلٍّ مِنْهُمْ ثَمَنًا فَلَوْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ
عَلَيْهِ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ ثَمَنَانِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَدَلَ
الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ) أَيْ ثَمَنُهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ
عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَدَلِ، لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ قِيَمِيًّا وَهَذَا
بَيَانٌ لِوَجْهِ اجْتِمَاعِ الثَّمَنَيْنِ فِي رُجُوعِ أَحَدِهِمْ قَبْلَ
الرُّجُوعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ إلَخْ) عِبَارَةُ
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْمُشْتَرِي لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ
وَصَالَحَ الْبَائِعَ عَلَى شَيْءٍ قَلِيلٍ، فَلِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ
عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ
ثَمَنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِرُجُوعٍ عَلَيْهِ، فَلِبَائِعِهِ أَنْ
يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ أَيْضًا إذْ الْمَانِعُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ،
وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ لِزَوَالِ الْمُبْدَلِ
عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ حُكِمَ لَلْمُسْتَحِقِّ، وَصَالَحَ الْمُشْتَرِيَ
لِيَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَيَدْفَعَ
الْمَبِيعَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ أَبْطَلَ حَقَّ الرُّجُوعِ
اهـ.
قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي إبْرَاءِ
الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ، وَأَمَّا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ
عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ
يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ثُمَّ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: فَلَوْ أَثْبَتَهُ
أَيْ الِاسْتِحْقَاقَ وَحُكِمَ لَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا وَأَمْسَكَ
الْمَبِيعَ يَصِيرُ هَذَا شِرَاءً لِلْمَبِيعِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ،
فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَصَالَحَ الْمُشْتَرِيَ) أَيْ دَفَعَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى
الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ صُلْحًا عَنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي نِتَاجًا
عِنْدَ بَائِعِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَبْطُلُ الِاسْتِحْقَاقُ لَمْ
يَرْجِعْ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ صُلْحَهُ مَعَ
الْمُسْتَحِقِّ عَلَى بَعْضِ الثَّمَنِ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ،
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى
الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا وَأَمْسَكَ الْمَبِيعَ، لِأَنَّهُ صَارَ
مُشْتَرِيًا وَمِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ رُجُوعِهِ، كَمَا
عَلِمْت وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْآتِيَةُ عَنْ نَظْمِ
الْمُحِبِّيَّةِ وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ
الْأُولَى كَمَا أَفَادَهُ ط فَافْهَمْ.
(5/193)
يُوجِبُ فَسْخَ الْعُقُودِ (اتِّفَاقًا
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ لَمْ
يُرْجَعْ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ (عَلَى الْكَفِيلِ
وَلَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الثَّمَنَيْنِ إذْ
بَدَلُ الْحُرِّ لَا يُمْلَكُ (وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ
حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) مِنْ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ
بِقَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ
أَشْبَاهٌ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ وَكَذَا
الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (وَأَمَّا)
الْحُكْمُ بِالْعِتْقِ (فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَ) عَلَى الْكَافَّةِ
(مِنْ) وَقْتِ (التَّارِيخِ) وَ (لَا) يَكُونُ قَضَاءً (قَبْلَهُ) كَمَا
بَسَطَهُ مُنْلَا خُسْرو وَيَعْقُوبُ بَاشَا فَاحْفَظْهُ فَإِنَّ أَكْثَرَ
الْكُتُبِ عَنْهُ خَالِيَةٌ.
(وَ) اخْتَلَفُوا فِي (الْقَضَاءِ بِالْوَقْفِ قِيلَ كَالْحُرِّيَّةِ
وَقِيلَ لَا) فَتُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى مِلْكٍ آخَرَ أَوْ وَقْفٍ آخَرَ
(وَهُوَ الْمُخْتَارُ) وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ وَفِي الْأَشْبَاهِ
الْقَضَاءُ يَتَعَدَّى فِي أَرْبَعٍ: حُرِّيَّةٍ. وَنَسَبٍ وَنِكَاحٍ،
وَوَلَاءٍ. وَفِي الْوَقْفِ يُقْتَصَرُ عَلَى الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ يُوجِبُ فَسْخَ الْعُقُودِ) أَيْ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْبَاعَةِ
بِلَا حَاجَةٍ فِي انْفِسَاخِ كُلٍّ مِنْهَا إلَى حُكْمِ الْقَاضِي دُرَرٌ
(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) فَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً
أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِفُلَانٍ
فَأَعْتَقَهُ، أَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ
دَبَّرَهُ، فَقُضِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَرْجِعَ
عَلَى بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي
يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ
الْحَاوِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ دُرَرٌ
(قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ هُوَ أَيْضًا) أَيْ يَرْجِعُ مَنْ لَهُ الرُّجُوعُ
عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّرَكِ أَيْضًا: أَيْ كَمَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى
بَائِعِهِ، وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ،
وَلَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالثَّمَنِ.
(قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَخْ) هَذِهِ
الْجُمْلَةُ فِي مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا، وَاحْتُرِزَ
بِالْأَصْلِيَّةِ عَنْ الْعَارِضَةِ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا
تَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ) صُورَتُهُ ادَّعَى أَنَّهُ
عَبْدُهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَلَمْ
يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ، وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ
الْبَيِّنَةِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَانَ
حُكْمُهُ بِهَا حُكْمًا عَلَى الْعَامَّةِ اهـ ح (قَوْلُهُ إذَا لَمْ
يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَسُكُوتِهِ
عِنْدَ الْبَيْعِ مَعَ انْقِيَادِهِ، كَمَا سَيَأْتِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ
الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِالرِّقِّ إذَا بَرْهَنَ كَمَا
سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) عَطْفٌ عَلَى
قَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى
أَنَّهُ كَانَ عَبْدَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَهُ، أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ
عَبْدُهُ دَبَّرَهُ أَوْ أَنَّهَا أَمَتُهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَحُكِمَ
بِذَلِكَ فَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ
عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا
بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَإِلَّا فَقَدْ يُعْتِقُ الْإِنْسَانُ
مَا لَا يَمْلِكُهُ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ
إلَخْ) يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ: إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك
مُنْذُ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ، فَقَالَ بَكْرٌ: إنِّي كُنْت عَبْدَ بِشْرٍ
مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ، فَأَعْتَقَنِي وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ
انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ، ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ: إنَّك
عَبْدٌ مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَأَنْتَ مِلْكِي الْآنَ
فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ،
وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو دُرَرٌ وَكَذَا الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ عَلَى
الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ حُكْمٌ عَلَى الْبَاعَةِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمَقْدِسِيَّ شَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ
فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ يُقْضَى بِهَا
لَهُ، وَلَا يُقْضَى عَلَى بَائِعِهِ بَرْهَنَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ مُشْتَرٍ
أَخِيرٍ عَلَى أَنَّهَا مُعْتَقَةُ فُلَانٍ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ أَوْ أُمُّ
وَلَدِهِ رَجَعَ الْكُلُّ إلَّا مَنْ كَانَ قَبْلَ فُلَانٍ سَائِحَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ قِيلَ كَالْحُرِّيَّةِ) أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو
السُّعُودِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِبِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِابْنِ
الْغَرْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ
فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فَكَانَ
مُخْتَارَهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ
عَنْ الْمُصَنِّفِ عِبَارَةَ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا
تَصْحِيحٌ أَصْلًا بَلْ مُجَرَّدُ حِكَايَةِ الْأَوَّلِ عَنْ
الْحَلْوَانِيِّ وَالسَّعْدِيِّ، وَالثَّانِي عَنْ أَبِي اللَّيْثِ
وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَضَاءُ
بِالْوَقْفِيَّةِ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً وَقِيلَ لَا (وَقَوْلُهُ
الْقَضَاءُ يَتَعَدَّى إلَخْ) فَإِذَا
(5/194)
وَيَثْبُتُ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى
بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ) لِمَا
سَيَجِيءُ أَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ (أَمَّا إذَا كَانَ)
الِاسْتِحْقَاقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُضِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَى آخَرَ، وَأَرَادَ
بِالْحُرِّيَّةِ مَا يَشْمَلُ الْعَارِضَةَ كَالْعِتْقِ، وَيَجْرِي فِي
النِّكَاحِ مَا جَرَى فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَتُسْمَعُ دَعْوَى
غَيْرِهِ عَلَى نِكَاحِهَا قَبْلَ التَّارِيخِ لَا بَعْدَهُ، كَمَا
اسْتَنْبَطَهُ وَالِدُ مُحَشِّي مِسْكِينٍ مِنْ كَلَامِ الدُّرَرِ
الْمَارِّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِ مَا فِي
مَعِينِ الْحَاكِمِ لَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا، وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا
لِمُوَكِّلِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي
اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ قُبِلَتْ، وَيُقْضَى
بِالْوَكَالَةِ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِأَنَّهُ
ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ فَكَانَ إثْبَاتُ السَّبَبِ
عَلَيْهِ إثْبَاتًا عَلَى الْكَافَّةِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ آخَرَ
وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى
الْوَكَالَةِ اهـ.
[رُجُوع الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِع]
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ
إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا بُدَّ أَنْ يَرِدَ عَلَى
مَا كَانَ مِلْكَ الْبَائِعِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ، فَفِي الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ، ثُمَّ
اُسْتُحِقَّ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ
بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ،
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ
وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَهُ فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ مَلَكَهُ،
فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ
الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ
بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا
يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنُ الْكَذِبِ وَعَرَفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ
يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ
قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا
لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً، وَطَحَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ، وَلَوْ
قَالَ: كَانَتْ لِي قَبْلَ الطَّحْنِ يَرْجِعُ، وَكَذَا لَوْ شَرَى لَحْمًا
فَشَوَاهُ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرُّجُوعَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الشِّرَاءُ
فَاسِدًا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمَا إذَا كَانَ عَالِمًا
بِكَوْنِهِ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَا
لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ ثَمَنِهِ، فَلِلْبَائِعِ
الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ لَوْ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا
قَبْلَهُ، كَمَا مَرَّ وَمَا لَوْ مَاتَ بَائِعُهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ
فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ عَنْهُ وَصِيًّا لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ،
وَمَا إذَا زَعَمَ بَائِعُهُ أَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهِ، وَعَجَزَ عَنْ
إثْبَاتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ
لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ الْتَحَقَ دَعْوَاهُ بِالْعَدَمِ وَكَذَا
لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِإِنْكَارِهِ الْبَيْعَ،
لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ الْتَحَقَ زَعْمُهُ
بِالْعَدَمِ، وَمَا لَوْ أَلْزَمَ الْقَاضِي الْبَائِعَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ
أَوَّلًا كَمَا مَرَّ، وَمَا لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِالثَّمَنِ
عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَدَّى إلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُحَالِ، وَإِنْ لَمْ
يَظْفَرْ بِالْبَائِعِ، وَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا،
فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُنْتَظَرُ
إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ لِلْمُوَكِّلِ
يُنْتَظَرُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ
لِلْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِزُورٍ وَأَنَّ
الْمَبِيعَ لِي فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ
بِالثَّمَنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ الْمَبِيعَ، فَلَا يَحِلُّ
لِلْبَائِعِ أَخْذُ الثَّمَنِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ اهـ
مُلَخَّصًا كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الذَّخِيرَةِ.
[تَنْبِيهٌ] إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ عَلَى
بَائِعِهِ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ
الِاسْتِحْقَاقَ، وَيُبَيِّنَ سَبَبَهُ فَلَوْ بَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ
الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَأَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِثَمَنِهِ
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَبِيعِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ
لَا وَبِهِ أَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. فَلَوْ ذَكَرَ
شِيَةَ الْعَبْدِ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَ ثَمَنِهِ كَفَى جَامِعُ
الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَحْلِيفَ
الْمُسْتَحِقِّ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ وَلَا تَصَدَّقَ
بِهِ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَتَمَامُهُ
فِيهِ.
[فَرْعٌ] اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَادَّعَاهُ رَجُلٌ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ
أَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ وَاسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَى
بَائِعِهِ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ
عَلَى خَصْمٍ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ
بِالْبَيِّنَةِ) فَلَوْ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَيْنَ مِنْ الْمُشْتَرِي
(5/195)
بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ
أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ
فَلَا) رُجُوعَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (وَ) الْأَصْلُ أَنَّ
(الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) تَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ
النَّاسِ لَكِنْ لَا فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ بَلْ فِي عِتْقٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا الْإِقْرَارَ) بَلْ هُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ
عَلَى الْمُقِرِّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَقِيَ لَوْ
اجْتَمَعَا فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا قُضِيَ بِالْإِقْرَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
بِلَا حُكْمٍ فَهَلَكَ فَالْوَجْهُ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى
بَائِعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّك قَبَضْته مِنِّي
بِلَا حُكْمٍ، وَكَانَ مِلْكِي وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِك فَأَدِّ إلَيَّ
قِيمَتَهُ، فَيُبَرْهِنُ أَنَّهُ لَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى
بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ
لَمْ يَهْلِكْ فَلِلْمُشْتَرَى مِنْهُ اسْتِرْدَادُهُ، حَتَّى يُبَرْهِنَ
فَيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي
أَوَّلًا بِأَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَفِي الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا أَخَذَهُ
بِلَا حُكْمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهِ أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ
مِنِّي بِلَا حُكْمٍ فَأَدِّ ثَمَنَهُ إلَيَّ فَأَدَّاهُ، ثُمَّ بَرْهَنَ
عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ لَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ
لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِتَرَاضِيهِمَا،
فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِحْقَاقُ اهـ.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِلَا حُكْمٍ عَمَّا إذَا كَانَ بِحُكْمٍ، وَلَمْ
يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ
مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي، لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ
بِالِاسْتِحْقَاقِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي) وَلَوْ
عَدَّلَ الْمُشْتَرِي شُهُودَ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْأَلُ
عَنْهُمَا فَإِنْ عُدِّلَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ
كَإِقْرَارٍ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِنُكُولِهِ) كَأَنْ طَلَبَ
الْمُسْتَحِقُّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّك لَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ
مِلْكِي (قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ) فَلَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ
الدَّارَ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ لَا
يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ،
فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ
كَانَ تَنَاقُضًا يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ وَلِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَا
هُوَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ فَلَغَا، أَمَّا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ
الْبَائِعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ،
وَأَنَّهُ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ
تَحْلِيفُ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَوْ
أَقَرَّ لَزِمَهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
نَعَمْ: لَوْ أَقَرَّ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ
الْأَمَةَ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَهِيَ تَدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا مِلْكُ
فُلَانٍ وَهُوَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ
الشِّرَاءِ تُقْبَلُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ التَّنَاقُصَ فِي
دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَضُرُّ فَتْحٌ قَالَ فِي
النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ وَهِيَ تَدَّعِي اتِّفَاقِيٌّ
(قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ،
لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي،
وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ
الْكَافَّةِ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
الْقَضَاءِ، وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ،
فَيَصِيرُ عَلَيْهِ اهـ قَالَ ط: وَحَمَلَهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ
الْمَنْهَجِ عَلَى بَعْضِ الْقَضَايَا أَوْ يُرَادُ بِالْكَافَّةِ كُلُّ
مَنْ يَتَعَدَّى إلَيْهِ حُكْمُ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لَا
كَافَّةُ النَّاسِ اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِدْرَاكِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) مِنْ فُرُوعِهِ وَكَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ وَنَسَبٍ ط
(قَوْلُهُ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ
عَمَّا لَوْ سَبَقَ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ عَقِبَ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ
أَقَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ
بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بَعْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا بِأَنْ
بَرْهَنَ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ
الْحُكْمُ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ كَمَا
هُنَا. وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ قَضَاءً بِالْإِقْرَارِ فَافْهَمْ،
وَعَلَى هَذَا حَمَلَ فِي الْفَتْحِ مَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ
مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَمَعَ ذَلِكَ بَرْهَنَ الْمُسْتَحِقُّ،
وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ رَجَعَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ
بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي
كِتَابِ الدَّعْوَى لَوْ ادَّعَى عَيْنًا وَبَرْهَنَ، وَقَبْلَ أَنْ
يُقْضَى لَهُ أَقَرَّ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ:
يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ، وَقِيلَ: بِالْبَيِّنَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
وَأَقْرَبُ لِلصَّوَابِ اهـ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ
إلَّا أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ
(5/196)
إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَبِالْبَيِّنَةِ
أَوْلَى فَتْحٌ وَنَهْرٌ (فَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ) عِنْدَ
الْمُشْتَرِي لَا بِاسْتِيلَادِهِ (بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا
بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ
وَكَلَامُ الْبَزَّازِيِّ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا سَكَتَ
الشُّهُودُ فَلَوْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لِذِي الْيَدِ أَوْ قَالُوا لَا
نَدْرِي لَا نَقْضِي بِهِ نَهْرٌ، ثُمَّ اسْتِيلَادُهُ لَا يَمْنَعُ
اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ
حُرًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا يُقْضَى
بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَا جَعَلَهُ الْأَظْهَرَ وَإِنْ سَبَقَتْهُ إقَامَةُ
الْبَيِّنَةِ، مَعَ تَمَكُّنِ الْقَاضِي مِنْ اعْتِبَارِهِ قَضَاءً
بِالْبَيِّنَةِ وَعِنْدَ تَحَقُّقِ حَاجَةِ الْخَصْمِ إلَيْهِ يَنْبَغِي
اعْتِبَارُهُ قَضَاءً بِهَا لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ
اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
نَقَلَ عِبَارَةَ رَشِيدِ الدِّينِ الْأُولَى مُعَلَّلَةً بِالْحَاجَةِ
وَذَكَرَ فِي نُورِ الْعَيْنِ أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ وَحَقَّقَ ذَلِكَ
فَرَاجِعْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ مَا هُنَا مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا
كَانَ اشْتَرَاهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَأَقَرَّ بِهِ
وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَقُضِيَ بِذَلِكَ يُجْعَلُ قَضَاءً
بِالْبَيِّنَةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِخِيَارِ
الْعَيْبِ (قَوْلُهُ فَبِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى) أَيْ فَاعْتِبَارُ
الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ
مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ) يَشْمَلُ الدَّابَّةَ إذَا وَلَدَتْ عِنْدَ
الْمُشْتَرِي أَوْلَادًا كَمَا فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ جَامِعِ
الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ: لَا بِاسْتِيلَادِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَكَانِ
قَوْلِهِ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَإِلَّا فَاسْتِيلَادُ الْمُشْتَرِي لَا
يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ، لَكِنَّهُ لَا
يَتْبَعُهَا بَلْ يَكُونُ وَلَدُ الْمُشْتَرِي حُرًّا بِالْقِيمَةِ كَمَا
نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا) وَكَذَا
أَرْشُهَا فَتْحٌ قَالَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَلَدِ بَلْ زَوَائِدُ
الْمَبِيعِ كُلُّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ اهـ أَيْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ
كَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَبَيْنَ
دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ الزَّوَائِدُ وَعَدَمُهَا وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ
الزَّوَائِدَ آخِرًا (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ) لِأَنَّهُ أَصْلُ
يَوْمِ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ
الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ فَتْحٌ. قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ: وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا
لَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَائِدِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ
فِي الْحُكْمِ، وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا
يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ تَبَعًا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْأَرْشَ لَا يَدْخُلُ تَبَعًا (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابَلَةُ مَا
قِيلَ: إنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأُمِّ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِهِ
أَيْضًا تَبَعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْبَزَّازِيِّ
يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ) أَيْ تَقْيِيدَ الْقَضَاءِ بِالْوَلَدِ
لِلْمُسْتَحِقِّ، وَأَخَذَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِ
الْبَزَّازِيِّ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ أَنَّهَا
لِهَذَا الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَا أَوْ مَاتَا وَلَهَا وَلَدٌ فِي يَدِ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ لَا
يَلْتَفِتُ الْحَاكِمُ إلَى بُرْهَانِهِ، وَيَقْضِي بِالْوَلَدِ
لِلْمُدَّعِي فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَقَالُوا الْوَلَدُ لِلْمُدَّعَى
عَلَيْهِ ضَمِنَ الشُّهُودُ قِيمَةَ الْوَلَدِ كَأَنَّهُمْ رَجَعُوا فَإِنْ
كَانُوا حُضُورًا وَسَأَلَهُمْ عَنْ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ
لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَا نَدْرِي لِمَنْ الْوَلَدُ يَقْضِي
بِالْأُمِّ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْوَلَدِ اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا إذَا سَكَتَ
الشُّهُودُ) أَيْ عَنْ كَوْنِهِ لِذِي الْيَدِ، وَكَذَا بِالْأَوْلَى إذَا
قَالُوا إنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتِيلَادُهُ) أَيْ
اسْتِيلَادُ الْمُشْتَرِي. مَطْلَبٌ فِي الْوَلَدِ الْمَغْرُورِ.
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ:
وَلَكِنْ يَكُونُ إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَمْنَعُ إلَخْ يُتَوَهَّمُ
مِنْهُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا كَمَا إذَا كَانَ لَا بِاسْتِيلَادِهِ،
فَيُنَاسِبُهُ الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّهُ يَكُونُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ:
أَيْ يَكُونُ لِذِي الْيَدِ حُرًّا لِأَنَّ وَطْأَهُ كَانَ فِي الْمِلْكِ
ظَاهِرًا، وَعَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْقِيمَةُ أَيْ يَوْمَ الْخُصُومَةِ
كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ، قَالَ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ أَوْلَدَهَا عَلَى هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ
شِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْأَمَةَ وَقِيمَةَ
الْوَلَدِ إذَا الْمُوجِبُ لِلْغُرُورِ مِلْكَ مُطْلَقِ الِاسْتِبَاحَةِ
فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ وُجِدَ وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْبَائِعِ
بِثَمَنِهَا، وَبِقِيمَةِ وَلَدِهَا لَا بِالْعُقْرِ عِنْدَنَا وَلَا
يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ، وَالْمُوصِي بِقِيمَةِ
الْوَلَدِ عِنْدَنَا وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ
فَأَوْلَدَهَا الثَّانِي فَاسْتُحِقَّتْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي
(5/197)
بِالْقِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمَا مَرَّ
فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ) ذُو الْيَدِ (بِهَا) لِرَجُلٍ (لَا) يَتْبَعُهَا
فَيَأْخُذُهَا وَحْدَهَا وَالْفَرْقُ مَا مَرَّ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا
إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ يَتْبَعُهَا وَكَذَا
سَائِرُ الزَّوَائِدِ نَعَمْ لَا ضَمَانَ بِهَلَاكِهَا كَزَوَائِدِ
الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يُذْكَرْ النُّكُولُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ
الْإِقْرَارِ قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ (وَمَنَعَ
التَّنَاقُضُ) أَيْ التَّدَافُعُ فِي الْكَلَامِ (دَعْوَى الْمِلْكِ)
لِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ
الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا
يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا، وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ
الثَّانِيَ لَوْ وَجَدَ عَيْبًا وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِعَيْبٍ حَدَثَ
فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنَقْصِ الْعَيْبِ وَبَائِعُهُ لَا يَرْجِعُ
بِهِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
مَطْلَبٌ: لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْعُقْرِ وَلَا بِأَجْرِ
الدَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ وَقْفًا
[تَنْبِيهٌ] : إنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي بِالْعُقْرِ لِأَنَّهُ
بَدَلُ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَجَزَاءٌ عَلَى فِعْلِهِ
وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالزِّرَاعَةِ،
وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ وَبِهِ ظَهَرَ
جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَظَهَرَتْ وَقْفًا
وَضَمَّنَهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ أُجْرَتَهَا فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا
يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ
بَعْضُ عُلَمَاءِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا مُسْتَدِلًّا
بِقَوْلِهِمْ: الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يُوجِبُ
الرُّجُوعَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا
يَرْجِعُ بِمَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَبِمَا
لَيْسَ جَزَاءً لِفِعْلِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ
لِمُسْتَحِقِّهِ) أَيْ مَضْمُونًا بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَالْمُرَادُ
الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَعْوَى
النَّسَبِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) صَوَابُهُ كَمَا يَأْتِي.
[مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ]
(قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ مَا مَرَّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَوَجْهُ
الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا
مُبَيِّنَةٍ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ
مُتَّصِلًا بِهَا، فَيَكُونُ لَهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ
يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ،
وَقَدْ حَصَلَتْ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ
الْوَلَدُ لَهُ (قَوْلُهُ يَتْبَعُهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ
زَيْلَعِيٌّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَمُقْتَضَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ
أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ
كَالْوَلَدِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ نَعَمْ
لَا ضَمَانَ بِهَلَاكِهَا) أَيْ هَلَاكِ الزَّوَائِدِ وَمِنْهُ مَوْتُ
الْوَلَدِ وَاحْتُرِزَ عَنْ اسْتِهْلَاكِهَا فَتُضْمَنُ بِهِ (قَوْلُهُ
وَمَنَعَ التَّنَاقُضُ دَعْوَى الْمِلْكِ) هَذَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ
الْأَوَّلُ قَدْ أَثْبَتَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ حَقًّا، وَإِلَّا لَمْ
يَمْنَعْ كَقَوْلِهِ: لَا حَقَّ لِي عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ
ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ تَصِحُّ دَعْوَاهُ كَمَا فِي
الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ اهـ وَكَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ
مِنْ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَاكْتَفَى بَعْضُهُمْ فِي
تَحَقُّقِهِ كَوْنَ الثَّانِي: عِنْدَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ
الْأَوَّلَ، لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ
وَاخْتَارَ فِي الْبَحْرِ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ الثَّانِي قَالَ
فِي الْمِنَحِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ
التَّنَاقُضُ اهـ وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ
لَفْظِيًّا، لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ
الْقَاضِي، لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ
وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ، فَكَأَنَّهُمَا فِي
مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شُرِطَ كَوْنُهُمَا فِي مَجْلِسِهِ يَعُمُّ
الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ اهـ.
قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ
وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ
وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُقِرُّ
إذَا صَارَ مُكَذَّبًا
(5/198)
لِمَا فِي الصُّغْرَى طَلَبُ نِكَاحِ
الْأَمَةِ يَمْنَعُ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا وَكَمَا يَمْنَعُهَا لِنَفْسِهِ
يَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا وُفِّقَ، وَهَلْ يَكْفِي إمْكَانُ
التَّوْفِيقِ؟ خِلَافٌ سَنُحَقِّقُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ.
وَفُرُوعُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ سَتَجِيءُ فِي الدَّعْوَى وَمِنْهَا:
ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ النَّفَقَةَ
فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ بِأَخِي ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي
عَنْ تَرِكَةٍ فَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ إنْ قَالَ
هُوَ أَخِي لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ وَإِنْ قَالَ أَبِي أَوْ ابْنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
شَرْعًا بَطَلَ إقْرَارُهُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَا
قَبْلَ نَحْوِ وَرَقَةٍ مَسَائِلَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ ارْتِفَاعَهُ بِثَالِثٍ
حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ تَرَكْت أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ
يُقْبَلُ مِنْهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ادَّعَاهُ
مُطْلَقًا، فَدَفَعَهُ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا
وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ
السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ اهـ أَيْ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ
أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ مَانِعٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلِذَا
لَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ أَوَّلًا لَا تُسْمَعُ كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ لِكَوْنِهِ بِدَعْوَى الْمُقَيَّدِ ثَانِيًا يَدَّعِي
أَقَلَّ لَكِنْ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا
يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قَاعِدَةً فِي إبْطَالِ التَّنَاقُضِ،
وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَضُرَّ تَنَاقُضٌ أَصْلًا لِتَمَكُّنِ
الْمُتَنَاقِضِ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فَإِذَا
أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: هُوَ لِي وَتَرَكْت الْأَوَّلَ
تُسْمَعُ وَلَا قَائِلَ بِهِ أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ
عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَجْهُهُ كَوْنُهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ
بِأَنَّ مُرَادَ الْمُدَّعِي الْأَقَلُّ الَّذِي ادَّعَاهُ أَوَّلًا
بِدَلِيلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا
مُطْلَقًا، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بِسَبَبٍ
يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْعَاكِسُ أَرَدْت
بِالْمُطْلَقِ الثَّانِي الْمُقَيَّدَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ
أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ طَلَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ يَمْنَعُ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا)
تَتِمَّةٌ عِبَارَةُ الصُّغْرَى وَطَلَبُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ مَانِعٌ مِنْ
دَعْوَى نِكَاحِهَا اهـ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ مِثَالُ
مَنْعِ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَكَمَا يَمْنَعُهَا
لِنَفْسِهَا أَيَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ إلَخْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ
لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ
آخَرَ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وُفِّقَ وَقَالَ:
كَانَ لِفُلَانٍ الْأَوَّلِ، وَقَدْ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ
بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَوَكَّلَنِي أَيْضًا وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ
بِأَنْ غَابَ عَنْ الْمَجْلِسِ وَجَاءَ بَعْدَ فَوْتِ مُدَّةٍ وَبَرْهَنَ
عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَصِيرِيُّ فِي الْجَامِعِ دَلَّ
عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَكْفِي نَهْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ
(قَوْلُهُ سَنُحَقِّقُهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ حِكَايَةُ
الْخِلَافِ.
قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِإِمْكَانِ
التَّوْفِيقِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ
بِالْفِعْلِ شَرْطٌ وَذَكَرَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ عَنْ مُنْيَةِ
الْمُفْتِي أَنَّ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَفِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالْأَصْوَبُ عِنْدِي
أَنَّ التَّنَاقُصَ إذَا كَانَ ظَاهِرَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ
وَالتَّوْفِيقُ خَفِيًّا لَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ وَإِلَّا
يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ الْإِمْكَانُ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي ح أَنَّهُ لَوْ
أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ لَهُ فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الشِّرَاءُ
مِنْهُ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ قُبِلَ
لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ، لِأَنَّ
الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَقْدِ الْمُبْهَمِ تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ
وَلِذَا لَا تُعْتَبَرُ الزَّوَائِدُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَفُرُوعُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا ادَّعَى عَلَيْهِ
أَلْفًا دَيْنًا، فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَاهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرِكَةِ
وَلَا تُسْمَعُ وَبِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ، لِأَنَّ
مَالَ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ كَوْنُهُ دَيْنًا بِالْجُحُودِ.
ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهَا
مِنْهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ جَحَدَهُ الشِّرَاءَ، ثُمَّ وَرِثَهُ
مِنْهُ بِالْعَكْسِ لَا ادَّعَى أَوَّلًا الْوَقْفَ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ لَا
تُسْمَعُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَبِالْعَكْسِ
تُسْمَعُ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ بِالْأَخَصِّيَّةِ انْتِفَاعًا.
ادَّعَاهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ
بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا مَرَّ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ
أَبِي أَوْ ابْنِي) مُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ
الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ: هُوَ أَخِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ
أَنَّ مُدَّعِيَ النَّفَقَةِ لَوْ قَالَ هُوَ أَبِي أَوْ ابْنِي
(5/199)
قُبِلَ وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّنَاقُضَ
(لَا) يَمْنَعُ دَعْوَى مَا يَخْفَى سَبَبُهُ كَ (النَّسَبِ وَالطَّلَاقِ
وَ) كَذَا (الْحُرِّيَّةُ فَلَوْ قَالَ عَبْدٌ لِمُشْتَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَكَذَّبَهُ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ،
وَادَّعَى الْإِرْثَ يُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ادِّعَاءَ الْوِلَادِ
مُجَرَّدًا يُقْبَلُ لِعَدَمِ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ
دَعْوَى الْأُخُوَّةِ أَفَادَهُ ح وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ ضَمِيرِ قَالَ هُنَا
وَفِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَى مُدَّعِي النَّفَقَةِ وَيَكُونُ
الْمُرَادُ أَنَّ مُدَّعِيَ الْإِرْثِ وَافَقَهُ عَلَى دَعْوَاهُ
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا وَبِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ
لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ مَا يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ بِمَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ بَلْ كُلُّ مَا فِي سَبَبِهِ خَفَاءٌ فَمِنْهُ اشْتَرَى أَوْ
اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ كَانَ
اشْتَرَاهَا لَهُ فِي صِغَرِهِ أَوْ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْهُ وَبَرْهَنَ
قُبِلَ ادَّعَى شِرَاءً مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ
وَرِثَهَا مِنْهُ يُقْبَلُ وَبِالْعَكْسِ لَا، ادَّعَى عَيْنًا لَهُ
وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ
وَعَلَيْهِ إحْضَارُهَا أَوْ بِالْعَكْسِ يُقْبَلُ، اشْتَرَى ثَوْبًا فِي
مِنْدِيلٍ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ يُقْبَلُ،
اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَانَ
جَعَلَ لَهُ مِنْهَا الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ إنْ قَالَ كَانَ فِي صِغَرِي
يُقْبَلُ وَإِنْ مُطْلَقًا لَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ
كَالنَّسَبِ) كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ
الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ
ابْنُهُ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، لِأَنَّ
النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ، فَيَخْفَى عَلَيْهِ فَيُعْذَرُ فِي
التَّنَاقُصِ عَيْنِيٌّ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ أَنَا لَسْت وَارِثَ فُلَانٍ، ثُمَّ
ادَّعَى إرْثَهُ وَبَيَّنَ الْجِهَةَ يَصِحُّ إذْ التَّنَاقُصُ فِي
النَّسَبِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا
الْوَلَدُ مِنِّي، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنِّي يَصِحُّ وَبِالْعَكْسِ لَا
لِكَوْنِ النَّسَبِ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ، وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ
الِابْنُ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى
الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَكِنْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ
ثُمَّ صَدَّقَهُ تَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ
يَبْطُلْ بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ إقْرَارَهُ
فَبَرْهَنَ الِابْنُ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي
يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ، أَمَّا
الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ فَلَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ أَبِي فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَإِذَا
ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ آخَرَ لَا يُسْمَعُ، لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ
حَقِّ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ
أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ التَّصْدِيقِ فَلَوْ صَحَّحْنَا إقْرَارَهُ الثَّانِيَ
يُفْضِي إلَى إبْطَالِ حَقِّ التَّصْدِيقِ لِلْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَنْ
ادَّعَى أَنَّهُ مَوْلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ
مَوْلَى فُلَانٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقِ) حَتَّى لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ
مَا اخْتَلَعَتْ قَبْلَ بُرْهَانِهَا وَاسْتَرَدَّتْ بَدَلَ الْخُلْعِ
لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِذَلِكَ بِدُونِ عِلْمِهَا، وَكَذَا لَوْ
قَاسَمَتْ الْمَرْأَةُ وَرَثَةَ زَوْجِهَا، وَقَدْ أَقَرُّوا
بِالزَّوْجِيَّةِ كِبَارًا ثُمَّ بَرْهَنُوا عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ
طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا رَجَعُوا عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ
نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَتْ الطَّلَاقَ
فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمِيرَاثِ اهـ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ عَارَضَهُ
وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ بِكَذَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّفْرِيعَ
بَعْدَهُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ: لَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ
أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ حَرَّرَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ يُقْبَلُ
إذْ التَّنَاقُضُ مُتَحَمَّلٌ فِي الْعِتْقِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقُولُ: التَّنَاقُضُ
إنَّمَا يُتَحَمَّلُ بِنَاءً عَلَى الْخَفَاءِ وَذَا يَتَحَقَّقُ فِي
الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِالْعِتْقِ
فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا إذْ الدَّعْوَى غَيْرُ
شَرْطٍ عِنْدَهُمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ
حِسْبَةً وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ اهـ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ ادَّعَى
تَقَدُّمَ إعْتَاقِهِ قَبْلَهَا يُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي
الْمَبْسُوطِ: أَقَرَّتْ لَهُ بِالرِّقِّ فَبَاعَهَا ثُمَّ بَرْهَنَتْ
عَلَى عِتْقٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ
يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي
وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَبْدُ سَاكِتٌ وَهُوَ مِمَّنْ
يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ، فَلَا
يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ لِسَعْيِهِ فِي نَقْضِ مَا
تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ فَيُقْبَلَ وَكَذَا لَوْ
رَهَنَهُ، أَوْ دَفَعَهُ بِجِنَايَةٍ كَانَ إقْرَارًا بِالرِّقِّ لَا لَوْ
آجَرَهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ
تُصْرَفُ فِي مَنَافِعِهِ لَا فِي عَيْنِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ عَبْدٌ) أَيْ إنْسَانٌ وَسَمَّاهُ
(5/200)
اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لِزَيْدٍ
(فَاشْتَرَاهُ) مُعْتَمِدًا عَلَى مَقَالَتِهِ (فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ
ظَهَرَ حُرًّا (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً
مَعْرُوفَةً) يُعْرَفُ مَكَانُهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ) لِوُجُودِ
الْقَابِضِ (وَإِلَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ) بِالثَّمَنِ
خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ قَالَ اشْتَرِنِي فَقَطْ أَوْ أَنَا عَبْدٌ
فَقَطْ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا دُرَرٌ (وَ) رَجَعَ (الْعَبْدُ
عَلَى الْبَائِعِ) إذَا ظَفِرَ بِهِ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) بِأَنْ قَالَ
ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ
التَّغْرِيرَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا
الْوَثِيقَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَبْدًا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ الْآنَ وَإِلَّا فَالْفَرْضُ
أَنَّهُ حُرٌّ وَقَوْلُهُ لِمُشْتَرٍ أَيْ لِمُرِيدِ الشِّرَاءِ.
(قَوْلُهُ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي
مَغْرُورًا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ أَعْنِي
الْأَمْرَ بِالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارَ بِكَوْنِهِ عَبْدًا كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَمَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ
بِسُكُوتِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْبَيْعِ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ
فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَإِنْ غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ
مَنْ تَصَدَّرَ لِلْإِفْتَاءِ بِدَارِ السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ
وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَنْقِرَوِيُّ فِي مُنْهَوَاتِ
فَتَاوِيهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: اشْتَرِنِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ
أَجْنَبِيٌّ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ عَبْدٌ فَلَا رُجُوعَ بِحَالٍ كَمَا فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِزَيْدٍ) كَذَا فِي
النَّهْرِ قَالَ السَّائِحَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ،
لِأَنَّ الْغُرُورَ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ لَيْسَ كَفَالَةً صَرِيحَةً
حَتَّى يُشْتَرَطَ مَعْرِفَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ وَعَنْهُ وَمِمَّا
اغْتَفَرُوا أَيْضًا هُنَا رُجُوعُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَدَّى
مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَذَا الضَّمَانِ الْوَاقِعِ مِنْهُ ضِمْنَ
قَوْلِهِ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ اهـ (قَوْلُهُ مُتَعَمِّدًا عَلَى
مَقَالَتِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهِ حُرًّا
لِأَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مَعَ الْعِلْمِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا
اسْتَوْلَدَهَا عَالِمًا بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهَا فَاسْتُحِقَّتْ لَا
يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ رَقِيقٌ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَيْ ظَهَرَ حُرًّا) بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ
كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّيَّةِ
الْأَصْلِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْعَارِضَةِ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ فِي
الصَّحِيحِ لَكِنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا أَفَادَهُ
تَفْرِيعُ الْمَسْأَلَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يُعْرَفُ
مَكَانُهُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَلَوْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يُوصَلُ
إلَيْهِ عَادَةً كَأَقْصَى الْهِنْدِ نَهْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ
الْقَابِضِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْفَتْحِ لِلتَّمَكُّنِ
مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ
يُعْلَمْ مَكَانُهُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا
فَلَوْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ يُعْلَمُ مَكَانُهَا يُرْجَعُ فِيهَا فِيمَا
يَظْهَرُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي وَالدَّيْنُ لَا
يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى
الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَبْدَ بِالْأَمْرِ
بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا الثَّمَنَ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى
الْبَائِعِ
دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ
وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَالْبَيْعُ عَقْدُ
مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا
لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجَبُهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا
لِلثَّانِي) أَيْ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْحُرَّ يُشْتَرَى
تَخْلِيصًا كَالْأَسِيرِ وَقَدْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْعَبْدِ
كَالْمُكَاتَبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى
الْبَائِعِ) إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ
بِالضَّمَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي
أَدَائِهِ فَتْحٌ فَهُوَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ
لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ
فِي أَدَائِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ
الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ
الرَّهْنَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ
حَقِّهِ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ
حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ، فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا
لِلسَّلَامَةِ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ
فَإِنَّهُ عَبْدٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ فِيهِ، فَلَا
يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا قَوْلُ الْمَوْلَى
بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ
الِاسْتِحْقَاقُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ
وَالْأَصْلُ إلَخْ) مَرَّ هَذَا الْأَصْلُ مَبْسُوطًا آخِرَ بَابِ
الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ.
(5/201)
بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّهُ
وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ قُبِلَ وَإِلَّا لَا) لِأَنَّ مُجَرَّدَ
الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَتْحٌ
وَاعْتَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ مَا
صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ وَسَيَجِيءُ آخِرَ
الْكِتَابِ.
(اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ادَّعَاهُ آخَرُ) أَنَّهُ لَهُ
(لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِدُونِ حُضُورِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي)
لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ
بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ
ثُمَّ هُوَ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قُبِلَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ
وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ) بَلْ الْعِبْرَةُ لِتَارِيخِ
الْمِلْكِ (فَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ) عِنْدَ الدَّعْوَى (غَابَتْ)
عَنِّي (هَذِهِ) الدَّابَّةُ (مُنْذُ سُنَّةٍ) فَقَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا
لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْبَائِعَ عَنْ
الْقِصَّةِ (فَقَالَ الْبَائِعُ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا
لِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ) مَثَلًا وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ (لَا تَنْدَفِعُ
الْخُصُومَةُ) بَلْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِبَقَاءِ دَعْوَاهُ فِي
مِلْكٍ مُطْلَقٍ خَالٍ عَنْ تَارِيخٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (لِلْعِلْمِ
بِكَوْنِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ) عَلَى
الْبَائِعِ (عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) فَلَوْ اسْتَوْلَدَ مُشْتَرَاةً
يَعْلَمُ غَصْبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَبَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ]
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ) أَيْ عِنْدَ
الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى لُزُومِهِ بِدُونِ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ
(قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ، وَقِيلَ لَا
تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ فِي
الْوَقْفِ) قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَصَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ
دُونَ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ
اللَّهِ تَعَالَى، فَتُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ
الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا)
لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ وَالْمُدَّعِي
يَدَّعِيهِمَا فَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا حُضُورُهُمَا فَتْحٌ بَقِيَ
لَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ لَا بَيِّنَةَ لِي وَاسْتَحْلَفَهُمَا فَحَلَفَ
الْبَائِعُ وَنَكَلَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالثَّمَنِ
فَإِذَا أَدَّاهُ أَخَذَ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ
حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَنَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْبَائِعَ كُلُّ قِيمَةِ
الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ وَيَرْضَى
بِالثَّمَنِ بَزَّازِيَّةٌ وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ)
أَيْ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ يُقِرُّ
الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْقُضُهُ فَتْحٌ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَنَّ
الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهُ يُقَرِّرُ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ مِلْكُ
الْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ
فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَرْهَنَ
الْبَائِعُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْهُ يَأْخُذُهَا وَتَبْقَى
لَهُ وَلَا يَعُودُ الْبَيْعُ الْمُنْتَقَضُ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ
وَلَزِمَ الْبَيْعُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي
الْبَيْعَ.
[مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ]
ِ (قَوْلُهُ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ
الْخَارِجَ مَعَ ذِي الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا
فَالْخَارِجُ أَوْلَى إلَّا إذَا بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ
أَوْ أَرَّخَا الْمِلْكَ وَتَارِيخُ ذِي الْيَد أَسْبَقُ فَهُوَ أَوْلَى،
لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ يُقْضَى لِلْخَارِجِ عِنْدَهُمَا،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يُحْكَمُ
لِلْمُؤَرَّخِ خَارِجًا أَوْ ذَا يَدٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَارِيخَ
الْغَيْبَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لِأَنَّ قَوْلَ الْخَارِجِ إنَّ هَذَا
الْحِمَارَ غَابَ عَنِّي مُنْذُ سَنَةٍ لَيْسَ فِيهِ تَارِيخُ مِلْكٍ
فَإِذَا قَالَ ذُو الْيَدِ: إنَّهُ مِلْكِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ مَثَلًا،
وَبَرْهَنَ لَا يُحْكَمُ لَهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ تَارِيخُ الْمِلْكِ مِنْ
أَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ
عِنْدَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَمِثْلُهُ لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّهُ
لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَذُو الْيَدِ أَنَّهُ بِيَدِهِ مُنْذُ ثَلَاثِ
سِنِينَ، فَهُوَ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى
الْمِلْكِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ الْعِبْرَةُ
لِتَارِيخِ الْمِلْكِ) أَيْ التَّارِيخِ الْمَوْجُودِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ
كَمَا عَلِمْت، وَإِلَّا فَتَارِيخُ الْمِلْكِ هُنَا وُجِدَ مِنْ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُدَّعِي بَلْ وُجِدَ
مِنْهُ تَارِيخُ الْغَيْبَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَقَبْلَ) ظَرْفٌ
مُتَعَلِّقٌ بِأَخْبَرَ.
(قَوْلُهُ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) أَيْ الَّذِي ادَّعَى
عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى
أَنَّهُ فَاعِلُ أَخْبَرَ وَالْبَائِعُ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ بَلْ يُقْضَى
بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ) لِأَنَّهُ مَا ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ بَلْ
تَارِيخَ الْغَيْبَةِ، فَبَقِيَ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ
وَالْبَائِعُ ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ وَدَعْوَاهُ
(5/202)
الْبَائِعٍ إيَّاهَا كَانَ الْوَلَدُ
رَقِيقًا لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ
بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ دُرَرٌ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ
اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ وَرَجَعَ لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ فَلَوْ وَصَلَ
إلَيْهِ بِسَبَبٍ مَا، أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا
لَمْ يُقِرَّ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ بِخِلَافِ النَّصِّ (لَا يَحْكُمُ)
الْقَاضِي (بِسِجِلِّ الِاسْتِحْقَاقِ بِشَهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ) قَاضِي
(كَذَا) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَجُزْ الِاعْتِمَادُ
عَلَى نَفْسِ السِّجِلِّ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَنْ
مَضْمُونِهِ) لِيَقْضِيَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ
بِالثَّمَنِ (كَذَا) الْحُكْمُ فِي (مَا سِوَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ
وَالْوَكَالَةِ) مِنْ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ وَصُكُوكٍ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهَا إلْزَامُ الْخَصْمِ بِخِلَافِ نَقْلِ
وَكَالَةٍ وَشَهَادَةٍ لِأَنَّهُمَا لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ لِلْقَاضِي
وَلِذَا لَزِمَ إسْلَامُهُمْ وَلَوْ الْخَصْمُ كَافِرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
دَعْوَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ،
فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ
سَنَتَيْنِ إلَّا أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ،
فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِهِ وَبَقِيَتْ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ
الْمُطْلَقِ، فَيُقْضَى بِالدَّابَّةِ دُرَرٌ: أَيْ يُقْضَى بِهَا
لِلْمُسْتَحِقِّ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ
ذِكْرِهِ مَا مَرَّ: قَوْلُهُ: وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُؤَرَّخِ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ، لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ الْمُؤَرَّخُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ
وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَظْهَرُ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ) لِعِلْمِهِ
بِحَقِيقَةِ الْحَالِ دُرَرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ
أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ عَالِمًا بِكَذِبِهَا فَأَوْلَدَهَا
فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ
وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ) أَيْ عَلَى بَائِعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ
الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَوَّلًا، لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ
التَّفْرِيعِ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَلَكِنْ يَكُونُ
الْوَلَدُ رَقِيقًا أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ
بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ
الِاسْتِحْقَاقُ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي
الْمَذْكُورِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقَ أَمَّا إذَا
كَانَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ فَلَا عَلَى أَنَّهُ
قَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ
يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ وَبِهِ
انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ - مِنْ تَوَهُّمِ الْمُنَافَاةِ
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَرَجَعَ) أَيْ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ مَا) أَيْ
بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا
إذَا لَمْ يُقِرَّ) أَيْ الْمُشْتَرِي أَيْ لَمْ يُقِرَّ نَصًّا بِأَنَّهُ
مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا
بِالْمِلْكِ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ،
لِأَنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لَكِنَّهُ
مُقْتَضَى الشِّرَاءِ، وَقَدْ انْفَسَخَ الشِّرَاءُ بِالِاسْتِحْقَاقِ
فَيَنْفَسِخُ الْإِقْرَارُ (قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ
عَلَى مَضْمُونِهِ) بِأَنْ يَشْهَدَا أَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى
عَلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ
هَذَا الْبَائِعِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ كَمَا
فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مِنْ مَحَاضِرَ) بَيَانٌ
لِمَا وَالْمُرَادُ مَضْمُونُ مَا فِي الْمَذْكُورَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا
مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِ الْمَكْتُوبِ لِمَا فِي الْمِنَحِ
وَالْمَحْضَرُ مَا يَكْتُبُهُ الْقَاضِي مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ
وَالتَّدَاعِي وَالشَّهَادَةِ وَالسِّجِلُّ مَا يُكْتَبُ فِيهِ نَحْوُ
ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدَهُ وَالصَّكُّ مَا يَكْتُبُهُ لِمُشْتَرٍ أَوْ شَفِيعٍ
وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَقْلِ وَكَالَةٍ) كَمَا إذَا
وَكَّلَ الْمُدَّعِي إنْسَانًا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي لِيَدَّعِيَ عَلَى
شَخْصٍ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ آخَرَ وَكَتَبَ الْقَاضِي كِتَابًا يُخْبِرُهُ
بِالْوَكَالَةِ ط (قَوْلُهُ وَشَهَادَةٍ) كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ
غَائِبٍ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بَلْ يَكْتُبُ الشَّهَادَةَ
لِيَحْكُمَ بِهَا الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَيُسَلِّمُ
الْمَكْتُوبَ لِشُهُودِ الطَّرِيقِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ كِتَابِ
الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ
لِلْقَاضِي) أَيْ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا لِنَقْلِ الْحُكْمِ، فَلَا
تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَضْمُونِهِمَا، بَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ
بِأَنَّهُمَا مِنْ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ
تَبَعًا لِلدُّرَرِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى
الْقَاضِي اشْتِرَاطُ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشُّهُودِ أَوْ إعْلَامِهِمْ بِهِ
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ بِمَضْمُونِهِ
وَإِلَّا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَعَلَّ مَا
هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
سِوَى شَهَادَتِهِمْ بِأَنَّهُ كِتَابَةٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا
سَيَأْتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَلِذَا لَزِمَ إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ
وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ شُهُودِهِ وَلَوْ كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى
ذِمِّيٍّ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِشَهَادَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ
الْمُسْلِمِ اهـ ط.
(5/203)
(وَلَا رُجُوعَ فِي دَعْوَى حَقٍّ
مَجْهُولٍ مِنْ دَارٍ صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) مُعَيَّنٍ (وَاسْتَحَقَّ
بَعْضَهَا) لِجَوَازِ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا
رَدَّ كُلَّ الْعِوَضِ) لِدُخُولِ الْمُدَّعِي فِي الْمُسْتَحَقِّ
(وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا (صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ مَجْهُولٍ) عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ
جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَ) الثَّانِي
(عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ) لِجَهَالَةِ
الْمُدَّعَى بِهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَدَّعِ
إقْرَارَهُ بِهِ (وَرَجَعَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِحِصَّتِهِ) فِي
دَعْوَى كُلِّهَا إنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْهَا لِفَوَاتِ سَلَامَةِ
الْمُبْدَلِ قَيَّدَ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَدْرًا
مَعْلُومًا كَرُبْعِهَا لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ
الْمِقْدَارُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ رَجَعَ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ
مِنْهُ.
[فَرْعٌ] : لَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى دَرَاهِمَ وَقَبَضَ
الدَّرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ رَجَعَ بِالدِّينَارِ
لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فِي مَعْنَى الصَّرْفِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ
الْبَدَلُ بَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ دُرَرٌ وَفِيهَا فُرُوعٌ
أُخَرُ فَلْتُنْظَرْ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ مُهِمَّةٌ
مِنْهَا:
لَوْ مُسْتَحَقًّا ظَهَرَ الْمَبِيعُ ... لَهُ عَلَى بَائِعِهِ الرُّجُوعُ
بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ قَدْ دَفَعَا ... إلَّا إذَا الْبَائِعُ هَاهُنَا
ادَّعَى
بِأَنَّهُ كَانَ قَدِيمًا اشْتَرَى ... ذَلِكَ مِنْ ذَا الْمُشْتَرِي بِلَا
مِرَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي
دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَاسْتُحِقَّ
بَعْضُ الدَّارِ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُ الدَّارِ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ
عَلَى الْمُدَّعِي لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ
قَلَّ دُرَرٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا
ذِرَاعًا مِنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى
سَهْمٍ شَائِعٍ كَرُبْعٍ أَوْ نِصْفٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ
الْمُدَّعِيَ لَمْ يَدَّعِ سَهْمًا مِنْهَا لِأَنَّ دَعْوَى حَقٍّ
مَجْهُولٍ تَشْمَلُ السَّهْمَ وَالْجُزْءَ. نَعَمْ: لَوْ ادَّعَى سَهْمًا
شَائِعًا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ الرُّبْعِ مَثَلًا وَارِدًا عَلَى رُبْعِ
ذَلِكَ السَّهْمِ أَيْضًا فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِرُبْعِ
بَدَلِ الصُّلْحِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ
الْمُدَّعَى فِي الْمُسْتَحَقِّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِيهِمَا
قَالَ فِي الدُّرَرِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَ مَا لَمْ
يَمْلِكْهُ (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ
الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى
الْمُنَازَعَةِ) لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ سَاقِطٌ، فَهُوَ مِثْلُ
الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِمَا ذُكِرَ
بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ
اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ
(قَوْلُهُ لِصِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ
الْمُدَّعَى بِهِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ عَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِأَنَّ
الْمُدَّعَى بِهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى
لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ
إقْرَارَهُ بِهِ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
بِذَلِكَ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ وَبَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ يُقْبَلُ
أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ نُوحٍ
(قَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ شَيْءٌ
مِنْهَا لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ
سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ لَمْ
يُسَلَّمْ لِلْمُصَالَحِ قَالَ فِي الدُّرَرِ: لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى
مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ
تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيُرَدُّ
بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَخْ)
هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى سَهْمٍ شَائِعٍ
أَيْضًا كَرُبْعِهَا أَوْ نِصْفِهَا أَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ جَزْءٌ
مُعَيَّنٌ مِنْهَا كَذِرَاعٍ مَثَلًا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فَالصُّلْحُ عَنْ
دَعْوَى رُبْعِهَا يَدْخُلُ فِيهِ رُبْعُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ
تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ) بِأَنْ ادَّعَى الرُّبْعَ
وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا
الثُّمُنَ فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الثُّمُنِ الْمُسْتَحَقِّ ط.
(قَوْلُهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ) أَيْ بِأَصْلِ الْمُدَّعِي وَهُوَ
الدَّنَانِيرُ ط (قَوْلُهُ وَفِيهَا فُرُوعٌ أُخَرُ فَلْتَنْظُرْ) مِنْهَا
اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَسَيَأْتِي وَمِنْهَا مَسَائِلُ أُخَرُ
تَقَدَّمَتْ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا الْبَائِعُ
هَاهُنَا ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ
رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَزَّازِيَّةٌ.
لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا اتَّحَدَ الثَّمَنُ فَلَوْ زَادَ فَلَهُ
الرُّجُوعُ
(5/204)
لَوْ اشْتَرَى خَرَابَةً وَأَنْفَقَا ...
شَيْئًا عَلَى تَعْمِيرِهَا وَطَفِقَا
ذَاكَ يُسَوِّي بَعْدَهَا آكَامَهَا ... ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ
تَمَامَهَا
فَالْمُشْتَرِي فِي ذَاكَ لَيْسَ رَاجِعًا ... عَلَى الَّذِي غَدَا
لِتِلْكَ بَائِعًا
وَلَا عَلَى ذَا الْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقَا ... بِذَا الَّذِي كَانَ
عَلَيْهَا أَنْفَقَا
وَإِنْ مَبِيعٌ مُسْتَحَقًّا ظَهَرَا ... ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي عَلَى مَنْ
اشْتَرَى
بِهِ فَصَالَحَ الَّذِي ادَّعَاهُ ... صُلْحًا عَلَى شَيْءٍ لَهُ أَدَّاهُ
يَرْجِعُ فِي ذَاكَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ... عَلَى الَّذِي قَدْ بَاعَهُ
فَاسْتَبِنِ
وَفِي الْمُنْيَةِ شَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ
بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى الْبَائِعِ إذَا
سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ط وَكَذَا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ
بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَهِيَ حِيلَةٌ لَا مِنْ الْبَائِعِ غَائِلَةُ
الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبَيَانُهَا أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي
بِأَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي
فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا قُلْنَا أَمَّا
لَوْ قَالَ لَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ
كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا يَعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ
لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ
وَطَفِقَا ذَاكَ) أَيْ شَرَعَ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْمُشْتَرِي
(قَوْلُهُ آكَامِهَا) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ مُحَرَّكَةٌ
التَّلُّ (قَوْلُهُ تَمَامَهَا) أَيْ الْخَرَابَةِ وَمَا بَنَاهُ فِيهَا
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُرَادُ بِهِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ بِذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا أَنْفَقَا) مُتَعَلِّقٌ
بِقَوْلِهِ رَاجِعًا الْمُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ أَوْ الْمَذْكُورِ فِي
الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الشَّرْطَ عَلَى الَّذِي
قَبْلَهُ لَكَانَ أَظْهَرَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا
أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِمَا أَنْفَقَ، وَلَا
بِالثَّمَنِ أَمَّا عَلَى الْبَائِعِ فَلَا رُجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ فَقَطْ،
وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ،
ثُمَّ الْمُرَادُ بِمَا أَنْفَقَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ بَنَى
فِيهَا أَوْ أُجْرَةُ التَّسْوِيَةِ وَنَحْوُهَا كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا
يَأْتِي.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى
الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا صَارَ الْمَبِيعُ بِحَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا
لَمَلَكَهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ قَمِيصًا فَاسْتُحِقَّ
الْقَمِيصُ أَوْ طَحَنَ الْبُرَّ فَاسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ. وَقَدْ
اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ مَا
قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ هَلْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ
بِقِيمَتِهَا أَمْ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ؟ وَالرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ:
أَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِالثَّانِي، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ
إطْلَاقُهُمْ هُنَا إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَتُقَيَّدُ
الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَقَلَّ وَإِلَّا كَانَ
الِاسْتِحْقَاقُ وَارِدًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْأَرْضُ
وَالْبِنَاءُ بِلَا رُجُوعٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ أَصْلًا فَتَنَبَّهْ
لِذَلِكَ (قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَبِيعِ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ
مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُضِيَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَصَالَحَ
عَائِدٌ عَلَى مَنْ اشْتَرَى وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ
مَفْعُولُ صَالَحَ وَصُلْحًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَضَمِيرٌ لَهُ عَائِدٌ
عَلَى الَّذِي (قَوْلُهُ يَرْجِعُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِيًا
لِلْمَبِيعِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَمَرَّ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ
أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ شَرَى دَارًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ
فَاسِدًا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُعَلَّلًا بِتَحَقُّقِ
الْغُرُورِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَبَنَى فِيهَا) أَيْ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ
بَنَى بِنَقْضِهَا لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَتِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا
بِمَا أَنْفَقَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَاسْتُحِقَّتْ)
أَيْ الدَّارُ وَحْدَهَا دُونَ مَا بَنَاهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَقِيمَةِ
الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا) أَيْ يُقَوَّمُ مَبْنِيًّا فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ
لَا مَقْلُوعًا وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ
وَتَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ مِنْ طِينٍ
وَنَحْوِهِ وَلَا بِأُجْرَةِ الْبَانِي وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ عَلَى
الْبَائِعِ) ثُمَّ هَذَا الْبَائِعُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ
فَقَطْ لَا بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ
بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ)
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَا كَلَّفَهُ الْمُسْتَحِقُّ الْهَدْمَ
فَهَدَمَهُ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ، ثُمَّ سُلِّمَ نَقْضُهُ إلَى الْبَائِعِ
وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا
يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ الْبِنَاءَ قَائِمًا فَهَدَمَهُ
الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى النَّظَرِ.
(5/205)
يَوْمَ تَسْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ
فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بِجَمِيعِ بِنَائِهَا
لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَتَى وَرَدَ عَلَى مِلْكِ
الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ
الْبِنَاءِ مَثَلًا حَفَرَ بِئْرًا أَوْ نَقَّى الْبَلُّوعَةَ أَوْ رَمَّ
مِنْ الدَّارِ شَيْئًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عَلَى
الْبَائِعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ لَا
بِالنَّفَقَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَرَابَةِ حَتَّى لَوْ كُتِبَ فِي
الصَّكِّ فَمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ رَمَّ
فِيهَا مِنْ مَرَمَّةٍ فَعَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَوْ
حَفَرَ بِئْرًا وَطَوَاهَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الطَّيِّ لَا بِقِيمَةِ
الْحَفْرِ فَلَوْ شَرَطَاهُ فَسَدَ وَكَذَا لَوْ حَفَرَ سَاقِيَةً إنْ
قَنْطَرَ عَلَيْهَا رَجَعَ بِقِيمَةِ بِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ لَا بِنَفَقَةِ
حَفْرِ السَّاقِيَةِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ
بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا
يَرْجِعُ بِقِيمَةِ جِصٍّ وَطِينٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ
يَوْمَ تَسْلِيمِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقِيمَةٍ فَلَوْ سَكَنَ فِيهِ
وَانْهَدَمَ بَعْضُهُ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ
الْبِنَاءِ يَوْمَ التَّسْلِيمِ كَمَا بَسَطَهُ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ، وَنَقَلْنَاهُ فِي آخِرِ الْمُرَابَحَةِ عَنْ
الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ) وَعِنْدَ الْبَعْضِ
لَهُ إمْسَاكُ النَّقْضِ وَالرُّجُوعُ بِنُقْصَانِهِ أَيْضًا كَمَا فِي
الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بِجَمِيعِ بِنَائِهَا)
أَيْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ
الْخَرَابَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) قَالَ فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ
الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْبِنَاءُ مِلْكُ
الْمُشْتَرِي فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ الْكُلُّ
لَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَ الْبِنَاءَ إلَى الْبَائِعِ،
وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ
إلَى الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ إلَخْ) أَيْ حُكْمَ
الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ: أَيْ
بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي لَا
بِالنَّفَقَةِ أَيْ لَا بِمَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ هُنَا أُجْرَةُ الْحَفْرِ
وَالتَّرْمِيمِ بِطِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ
وَتَسْلِيمُهُ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَحَقَّ
لِجِهَةِ وَقْفٍ أَوْ مِلْكٍ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ آخِرَ كِتَابِ
الْوَقْفِ تُوهِمُ خِلَافَهُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ
(قَوْلُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَرَابَةِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي
النَّظْمِ وَهَذَا تَشْبِيهٌ، لِقَوْلِهِ لَا بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ لَمْ
يَبْنِ فِي الْخَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ بَنَى فِيهَا فَهُوَ تَمْثِيلٌ
لِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ إلَخْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كُتِبَ
فِي الصَّكِّ) أَيْ صَكِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى
قَوْلِهِ إلَّا بِالنَّفَقَةِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْبَائِعِ) أَيْ إذَا
ظَهَرَتْ مُسْتَحِقَّةً ط (قَوْلُهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ
فَاسِدٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ ط (وَقَوْلُهُ
وَطَوَاهَا) أَيْ بَنَاهَا بِحَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ (قَوْلُهُ لَا بِقِيمَةِ
الْحَفْرِ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ التَّعْبِيرُ
بِنَفَقَةِ الْحَفْرِ لِأَنَّ الْحَفْرَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ (قَوْلُهُ
فَلَوْ شَرَطَاهُ) أَيْ الرُّجُوعَ بِنَفَقَةِ الْحَفْرِ (قَوْلُهُ
بِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ
مُشْتَمِلًا عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ بِقِيمَةِ مَا
يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَهُ
لِلْبَائِعِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ
الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَلَوْ عَلِمَ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ مُغْتَرٌّ لَا
مَغْرُورٌ بَزَّازِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا مَبْنِيَّةً
وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا بَنَيْتهَا فَأَرْجِعُ عَلَيْك فَالْقَوْلُ
لِلْبَائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرُ حَقِّ الرُّجُوعِ، وَلَوْ أَخَذَ دَارًا
بِشُفْعَةٍ فَبَنَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي
بِثَمَنِهِ لَا بِقِيمَةِ بِنَائِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِرَأْيِهِ
جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ لَوْ أَضَرَّ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ
فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِلنُّقْصَانِ وَلَا يَرْجِعُ
الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ.
[تَنْبِيهٌ] نَظَمَ فِي الْمُحِبِّيَّةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَعَزَاهَا
شَارِحُهَا سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ إلَى جَامِعِ
الْفَتَاوَى وَهِيَ رَجُلٌ اشْتَرَى كَرْمًا فَقَبَضَهُ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ
ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ وَبَرْهَنَ وَأَخَذَهُ
بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ طَلَبَ الْغَلَّةَ الَّتِي أَتْلَفَهَا
الْمُشْتَرِي هَلْ يَجُوزُ رَدُّهُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ فِيهِ يُوضَعُ
مِنْ الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ الْكَرْمِ مِنْ
قَطْعِ الْكَرْمِ وَإِصْلَاحِ السَّوَّاقِي وَبُنْيَانِ الْحِيطَانِ
وَمَرَمَّتِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ
الْمُشْتَرِي اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ
إلَى جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَقَالَ بِمِثْلِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ خَيْرُ
الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَأَيْضًا أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي
السَّلْطَنَةِ نَقْلًا عَنْ التَّوْفِيقِ كَمَا فِي صُورَةِ الْمَسَائِلِ
مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَقَلَهُ الْأَنْقِرَوِيُّ فِي فَتَاوَاهُ اهـ.
(5/206)
وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسَ
عَشَرَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ: وَفِيهِ شَرَى كَرْمًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ
لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ
مِنْ ثَمَرِهِ وَلَوْ شَرَى أَرْضَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا إنْ
قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ غَيْرُ
الْمُسْتَحَقِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِيَارٍ.
وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ الْبَقَرَةُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا
أَنْفَقَ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ ثِيَابُ الْقِنِّ أَوْ بَرْذعَةَ الْحِمَارِ
لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَا
حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ،
قُنْيَةٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ كَانَ
قَضَاءً عَلَى جَمِيعِ الْبَاعَةِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ
بِالثَّمَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْجِصِّ وَالطِّينِ،
فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّ
زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ تُضْمَنُ
بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْغَلَّةُ مِنْهُمَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ
إذَا اقْتَطَعَ مِنْ الْغَلَّةِ مَا أَنْفَقَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا مِنْ
كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا نَمَتْ وَصَلُحَتْ بِإِنْفَاقِهِ
كَمَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ كَانَ
الْأَوْفَقُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ غَرَّ الْمُشْتَرِي
فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَا صُنْعَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي ذَلِكَ
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ) صَوَابُهُ
السَّادِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي) لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ
(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَخْ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ
الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى أَرَضِينَ إلَخْ) قَالَ فِي
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَوْ لَمْ
يُمَيَّزْ إلَّا بِضَرَرٍ كَدَارٍ وَكَرْمٍ وَأَرْضٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ
وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَقِنٍّ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلَا
كَثَوْبَيْنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ
وَمَنْفَعَةُ الثَّوْبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَنْفَعَةِ ثَوْبٍ آخَرَ اهـ.
وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَلَوْ
اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي
قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي كَمَا
مَرَّ سَوَاءٌ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي أَوْ لَا
لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ
بَعْدَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ
يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَرُّقِ، وَلَوْ قُبِضَ
كُلُّهُ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ ثُمَّ لَوْ
وَرَّثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِيمَا بَقِيَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي
كَمَا مَرَّ وَلَوْ يُوَرِّثُ عَيْبًا فِيهِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ قِنَّيْنِ
اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ اُسْتُحِقَّ
بَعْضُهُ أَوْ لَا يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْبَاقِيَ
بِلَا خِيَارٍ اهـ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي
خِيَارِ الْعَيْبِ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَ) أَيْ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي
عَلَى الْبَائِعِ قُنْيَةٌ وَفِيهَا أَيْضًا: اشْتَرَى إبِلًا مَهَازِيلَ
فَعَلَفَهَا حَتَّى سَمِنَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَا يَرْجِعُ عَلَى
الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ وَبِالْعَلَفِ اهـ وَنُقِلَ فِي
الْحَامِدِيَّةِ بَعْدَهُ عَنْ الْقَاعِدِيَّةِ: اشْتَرَى بَقَرَةً
وَسَمَّنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ
بِمَا زَادَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ
اُسْتُحِقَّتْ اهـ هَذَا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ الْكَرْمِ الْمَارَّةَ
آنِفًا لَكِنْ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا
قُلْنَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ هُنَا
أَظْهَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّسْمِينِ وَالْبِنَاءِ ظَاهِرٌ مِمَّا
مَرَّ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ
ثِيَابُ الْقِنِّ إلَخْ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَى أَرْضًا فِيهَا
أَشْجَارٌ حَتَّى دَخَلَتْ بِلَا ذِكْرٍ فَاسْتُحِقَّتْ الْأَشْجَارُ
قِيلَ: لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ كَثَوْبِ قِنٍّ وَبَرْذَعَةِ
حِمَارٍ، فَإِنَّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ،
وَقِيلَ الرِّوَايَةُ إنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْأَشْجَارِ وَالْفَرْقُ
أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَعْضَ
الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ فَالتَّبَعِيَّةُ هُنَا أَقَلُّ وَلِذَا
كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا لَوْ كَانَتْ ثِيَابَ مِثْلِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَقُولُ فِي الشَّجَرِ: وَكُلُّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا إذَا
اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ
الثَّمَنِ اهـ.
قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ مَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ
الْأَوْصَافُ لَا قِسْطَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَيْهَا
الْقَبْضُ وَالْأَوْصَافُ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ
كَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ فِي أَرْضٍ وَأَطْرَافٍ فِي حَيَوَانٍ وَجَوْدَةٍ فِي
الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَعَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ الْبِنَاءُ
وَإِنْ كَانَ تَبَعًا إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الشِّرَاءِ، لَكِنْ إذَا
قُبِضَ يَصِيرُ مَقْصُودًا وَيَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَضَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
أَصْلًا كُلُّ شَيْءٍ إذَا بِعْته وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِذَا
بِعْته مَعَ غَيْرِهِ
(5/207)
بِلَا إعَادَةِ بَيِّنَةٍ لَكِنْ لَا
يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ أَلَا تَرَى
أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ لَوْ أَبْرَأَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّمَنِ
كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا
فَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ خَانِيَّةٌ لَكِنْ فِي الْفُصُولَيْنِ مَا
يُخَالِفُهُ فَتَنَبَّهْ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ
اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَالِ عَلَى
الْمُعْتِقِ وَلَوْ شَرَى دَارًا بِعَبْدٍ وَأُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ
اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ
الدَّارَ مِنْ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
جَازَ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ
الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ
الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا بِعْته وَحْدَهُ
يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِذَا بِعْته مَعَ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ كَانَ لَهُ
حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ.
قُلْت: فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا إذَا
اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ،
فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ
الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ كَالشِّرْبِ، فَلَا
حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بَلْ يُخَيَّرُ
بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَالتَّرْكِ، وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ
وَحْدَهُ كَالشَّجَرِ وَثَوْبِ الْقِنِّ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ
الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُذْكَرْ
فِي الْبَيْعِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا ذُكِرَ الْبِنَاءُ
وَالشَّجَرُ كَانَا مَبِيعَيْنِ قَصْدًا لَا تَبَعًا، حَتَّى لَوْ فَاتَا
قَبْلَ الْقَبْضِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهُ
وَلَوْ احْتَرَقَا أَوْ قَلَعَهُمَا ظَالِمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَأْخُذُهَا
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ وَلَا يَأْخُذُ بِالْحِصَّةِ، بِخِلَافِ
الِاسْتِحْقَاقِ وَالْهَلَاكِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي
(قَوْلُهُ بِلَا إعَادَةِ بَيِّنَةٍ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا
إذَا كَانَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ،
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ فَلَوْ نَسِيَ أَوْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا
بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
(قَوْلُهُ لَوْ أَبْرَأَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ بِأَنْ حَكَمَ
الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَحَكَمَ لِلْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ
بِالرُّجُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ
فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا قَدَّمَهُ
الشَّارِحُ أَوَائِلَ الْبَابِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَنَقَلْنَا
قَبْلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَنَّهُ لَوْ
أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا
رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَى
بَائِعِهِ وَكَذَا لَا رُجُوعَ لِبَقِيَّةِ الْبَاعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ
فِي الْفُصُولَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ) الَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُبْطِلِ وَالنَّاقِلِ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَوَّلَ الْبَابِ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ
الْمَنْقُولَ هُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ
الْمُخَالَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ مُخَالَفَةً
لِمَا هُنَا أَيْضًا بَلْ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ إبْرَاءِ
الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَبَيْنَ إبْرَاءِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ كَمَا
ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَالِ عَلَى الْمُعْتِقِ)
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا كَانَ
مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ظَهَرَ
بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَاصِبٌ لِلْعَبْدِ وَالْغَاصِبُ
يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ
لِلْمَوْلَى مَعَ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ
لِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ
وَأُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ بِعَيْنِهِ إنْ
وَصَلَ إلَى الشَّفِيعِ بِجِهَةٍ ط (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ
الدَّارَ مِنْ الشَّفِيعِ) أَيْ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ بِمَا دَفَعَ مِنْ
قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ)
عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ط وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ
مَذْكُورٌ فِي الْقُنْيَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي
بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
اسْتِحْقَاقُ بَدَلِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ
قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ هَالِكًا وَفِيهِ أَيْضًا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُ
الْبَدَلَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ وَهَلَكَ الْبَدَلُ الْآخَرُ تَجِبُ
قِيمَةُ الْهَالِكِ لَا قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ اهـ
وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ هَذَا يَدُلُّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى
مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُقَايِضُ لِغَيْرِهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ، ثُمَّ
اُسْتُحِقَّ بَدَلُهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُقَايِضِ لِلثَّانِي أَنْ
يَرْجِعَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِانْتِقَاضِ
الْبَيْعِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ رُجُوعُهُ إلَى مِلْكِهِ فَإِذَا رَجَعَ
عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا دَفَعَ لِبَائِعِهِ مِنْ
الثَّمَنِ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى مَالِكِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي
بِغَيْبَةِ بَائِعِهِ لِدَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ، فَيَنْتَصِبُ
خَصْمًا لِلْمُدَّعِي وَهُوَ وَاقِعَةِ الْحَالِ فِي مُقَابَضَةِ بَهِيمٍ
بِبَهِيمٍ وَتَقَابَضَا
(5/208)
|