رد المحتار على الدر المختار

بَابُ السَّلَمِ (هُوَ) لُغَةً كَالسَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى وَشَرْعًا (بَيْعُ آجِلٍ) وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِعَاجِلٍ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ (وَرُكْنُهُ رُكْنُ الْبَيْعِ) حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ بَيْعٍ فِي الْأَصَحِّ (وَيُسَمَّى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ رَبُّ السَّلَمِ وَالْمُسْلِمُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَ) يُسَمَّى (الْآخَرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ مَثَلًا الْمُسْلَمُ فِيهِ) وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ

(وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلِرَبِّ السَّلَمِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ

(وَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) كَجَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ (وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ (مُثَمَّنٍ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا السَّلَمُ خِلَافًا لِمَالِكٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَا فِي يَدِهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُحِقَّ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا صَرِيحَ النَّقْلِ غَيْرَ مَا هُنَا لَكِنْ مُجَرَّدُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَفَسْخَهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهَا.
[خَاتِمَةٌ] لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ مَثَلًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَقَدْ أَجَبْت بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ رَدَّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ السَّلَمِ]
ِ شُرُوعٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضُهُمَا كَالصَّرْفِ، وَقَدَّمَ السَّلَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ رَخَّصَ بِاسْمِ السَّلَمِ لِتَحْقِيقِ إيجَابِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لُغَةً (قَوْلُهُ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ) كَذَا عَرَّفَهُ فِي الْفَتْحِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَالْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَالْأَصْلُ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسُوغُ لِغَيْرِ الْبُلَغَاءِ لِأَجْلِ نُكْتَةٍ بَيَانِيَّةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي التَّعَارِيفِ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى ابْتِدَائِهِ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَيْ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ، وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُ السَّلَمِ كَالسَّلَفِ مُشْعِرًا بِالتَّقَدُّمِ أَوْ لَا، فَالْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءُ بِالْعَاجِلِ وَهُوَ الثَّمَنُ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مَا يُوَافِقُ مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إذَا الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَيْضًا أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنْ يُقَالَ شِرَاءُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ لِأَنَّ السَّلَمَ اسْمٌ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْلَامَ صِفَةٌ، فَهُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ أَصَالَةً وَلِذَا سَمَّوْهُ رَبَّ السَّلَمِ أَيْ صَاحِبَهُ، فَالْمُنَاسِبُ بِنَاءُ التَّعْرِيفِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ الشِّرَاءُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ الصَّادِرِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الْأَخْذُ لِعَدَمِ إشْعَارِ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ رُكْنُ الْبَيْعِ) مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْعَقِدَ إلَخْ) وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْقُنْيَةِ فِيهِ خِلَافًا نَهْرٌ

(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) فَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ لِوُجُودِ الضَّبْطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا السَّلَمُ) لَكِنْ

(5/209)


(وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ كَجَوْزٍ وَبَيْضٍ وَفَلْسٍ) وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٍ وَتِينٍ (وَلَبِنٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَآجُرٍّ بِمِلْبَنٍ مُعَيَّنٍ) بُيِّنَ صِفَتُهُ وَمَكَانُ ضَرْبِهِ خُلَاصَةٌ وَذَرْعِيٍّ كَثَوْبٍ بُيِّنَ قَدْرُهُ طُولًا وَعَرْضًا (وَصَنْعَتُهُ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا (وَصِفَتُهُ) كَعَمَلِ الشَّامِ أَوْ مِصْرَ أَوْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو (وَرِقَّتُهُ) أَوْ غِلَظُهُ (وَوَزْنُهُ إنْ بِيعَ بِهِ) فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ زَادَتْ قِيمَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَيْضًا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا كَثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ سَلَمًا اتِّفَاقًا، وَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ: يَنْعَقِدُ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ وَهَذَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا هُوَ سَاقِطٌ جِدًّا كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ) الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَقَارِبِ أَنَّ مَا ضُمِنَ مُسْتَهْلَكُهُ بِالْمِثْلِ، فَهُوَ مُتَقَارِبٌ وَبِالْقِيمَةِ يَكُونُ مُتَفَاوِتًا بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ كَجَوْزٍ) أَيْ جَوْزِ الشَّامِ بِخِلَافِ جَوْزِ الْهِنْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبَيْضٍ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَيْضَ النَّعَامِ مِنْ الْمُتَقَارِبِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْغَرَضِ فِي الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْأَكْلَ فَقَطْ كَعُرْفِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْقَشْرُ لِيُتَّخَذَ فِي سَلَاسِلِ الْقَنَادِيلِ كَمَا فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَوَجَبَ مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ وَاللَّوْنِ مَعَ لِقَاءِ الْبَيَاضِ وَإِهْدَارِهِ فِي الْفَتْحِ، وَأَجَازُوهُ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْكَاغَدِ عَدَدًا وَحَمَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى بَاذِنْجَانِ دِيَارِهِمْ وَفِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى كَاغَدٍ بِقَالِبٍ خَاصٍّ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ اهـ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطُ مِنْهُ ضَرْبٌ مَعْلُومُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْجَوْدَةِ (قَوْلُهُ وَفَلْسٍ) الْأَوْلَى وَفُلُوسٍ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ لَا اسْمُ جِنْسٍ قِيلَ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ لِمَنْعِهِ بَيْعَ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمَا وَبَيَانُ الْفَرْقِ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ) أَيْ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُخَفَّفُ فَيَصِيرُ كَحِمْلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ الطُّوبُ النِّيءُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَآجُرٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ أَشْهَرُ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهُوَ اللَّبَنُ إذَا طُبِخَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ بِمِلْبَنٍ) كَمِنْبَرٍ قَالِبُ الطِّينِ قَامُوسٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الصِّحَاحِ بَلْ الَّذِي فِيهِ الْمِلْبَنُ قَالِبُ اللَّبِنِ وَالْمِلْبَنُ الْمَحْلَبُ (قَوْلُهُ بُيِّنَ صِفَتُهُ وَمَكَانُ ضَرْبِهِ خُلَاصَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ وَلَا بَأْسَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا بَيَّنَ الْمِلْبَنَ وَالْمَكَانَ وَذَكَرَ عَدَدًا مَعْلُومًا.
وَالْمَكَانُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: مَكَانُ الْإِيفَاءِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَكَانُ الَّذِي يُضْرَبُ فِيهِ اللَّبِنُ اهـ أَيْ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ رَخَاوَةً وَصَلَابَةً وَقُرْبًا وَبُعْدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِلْبَنَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صِفَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَيُعْلَمُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِذِكْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَسُمْكِهِ (قَوْلُهُ وَذَرْعِيٍّ كَثَوْبٍ إلَخْ) وَكَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَرَادَ بِالثَّوْبِ غَيْرَ الْمِخْيَطِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا وَكَذَا الْأَخْشَابُ وَالْجُوَالِقَاتُ وَالْفِرَاءُ وَالثِّيَابُ الْمَخِيطَةُ وَالْخِفَافُ وَالْقَلَانِسُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْعَدَدَ لِقَصْدِ التَّعَدُّدِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ ضَبْطًا لِلْكَمْيَّةِ، ثُمَّ يَذْكُرَ مَا يَقَعُ بِهِ الضَّبْطُ كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْجُلُودِ مِقْدَارًا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ بَعْدَ النَّوْعِ كَجُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَخْ (قَوْلُهُ بُيِّنَ قَدْرُهُ) أَيْ كَوْنُهُ كَذَا ذِرَاعًا فَتْحٌ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلثَّوْبِ لَا لِلذِّرَاعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ أَطْلَقَ الذِّرَاعَ فَلَهُ الْوَسَطُ وَفِي الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ ذِرَاعُ وَسَطٍ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ أَيْ فِعْلُ الذَّرْعِ فَلَا يَمُدُّ كُلَّ الْمَدِّ وَلَا يُرْخِي كُلَّ الْإِرْخَاءِ وَقِيلَ الْآلَةُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ كَقُطْنٍ) فِيهِ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ وَالصِّفَةُ كَأَصْغَرَ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا كَالْمُلْحَمِ ط عَنْ الْمِنَحِ وَفَسَّرَ الصِّفَةَ فِي الدُّرَرِ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَتْنَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ) هُوَ ثَوْبٌ سُدَاهُ وَلُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمٌ بِكَسْرِ الدَّالِ أَصْوَبُ مِنْ فَتْحِهَا مِصْبَاحٌ، وَهُوَ

(5/210)


وَالْحَرِيرَ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ مَعَ الذَّرْعِ (لَا) يَصِحُّ (فِي) عَدَدِيٍّ (مُتَفَاوِتٍ) هُوَ مَا تَتَفَاوَتُ مَالِيَّتُهُ (كَبِطِّيخٍ وَقَرْعٍ) وَدُرٍّ وَرُمَّانٍ فَلَمْ يَجُزْ عَدَدًا بِلَا مُمَيِّزٍ وَمَا جَازَ عَدًّا جَازَ كَيْلًا وَوَزْنًا نَهْرٌ

(وَيَصِحُّ فِي سَمَكٍ مَلِيحٍ) وَمَالِحٌ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ (وَ) فِي طَرِيٍّ (حِينَ يُوجَدُ وَزْنًا وَضَرْبًا) أَيْ نَوْعَا قَيْدٍ لَهُمَا (لَا عَدَدًا) لِلتَّفَاوُتِ (وَلَوْ صِغَارًا جَازَ وَزْنًا وَكَيْلًا) وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ مُجْتَبَى (لَا فِي حَيَوَانٍ مَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَأَطْرَافِهِ) كَرُءُوسٍ وَأَكَارِعَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَجَازَ وَزْنًا فِي رِوَايَةٍ (وَ) لَا فِي (حَطَبٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ (قَوْلُهُ وَالْحَرِيرُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا عُرْفُهُمْ وَعُرْفُنَا ثِيَابُ الْحَرِيرِ أَيْضًا وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْكَمْخَاءِ كُلَّمَا ثَقُلَتْ زَادَتْ الْقِيمَةُ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ تَزِيدُ بِالثِّقَلِ أَوْ بِالْخِفَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ مَعَ الذَّرْعِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْوَزْنَ بِدُونِ الذَّرْعِ لَا يَجُوزُ وَقَيَّدَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا فَإِنْ بَيَّنَهُ جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَهْرٌ (قَوْلُهُ مَا تَتَفَاوَتُ مَالِيَّتُهُ) أَيْ مَالِيَّةُ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ بِلَا مُمَيِّزٍ) أَيْ بِلَا ضَابِطٍ غَيْرِ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا جَازَ عَدًّا جَازَ كَيْلًا وَوَزْنًا) وَمَا يَقَعُ مِنْ التَّخَلْخُلِ فِي الْكَيْلِ بَيْنَ كُلٍّ نَحْوَ بَيْضَتَيْنِ مُغْتَفَرٌ لِرِضَا رَبِّ السَّلَمِ بِذَلِكَ، حَيْثُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْكَيْلَ مَعَ تَخَلْخُلِهِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا، وَالْمَعْدُودُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا كَانَ بِاصْطِلَاحِهِمَا، فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَكِيلًا مُطْلَقًا لِيَكُونَ رِبَوِيًّا وَإِذَا أَجَزْنَاهُ كَيْلًا فَوَزْنًا أَوْلَى فَتْحٌ.
وَكَذَا مَا جَازَ كَيْلًا جَازَ وَزْنًا وَبِالْعَكْسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِوُجُودِ الضَّبْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ عُرْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرِّبَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الرِّبَوِيِّ

(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِي سَمَكٍ مَلِيحٍ) فِي الْمُغْرِبِ سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَهُوَ الْقَدِيدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ (قَوْلُهُ وَمَالِحٌ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَاءٌ مَالِحٌ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَاسْتَشْهَدَ لَهَا وَأَطَالَ. (قَوْلُهُ وَفِي طَرِيٍّ حِينَ يُوجَدُ) فَإِنْ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي الشِّتَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ: أَيْ لِانْجِمَادِ الْمَاءِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الشِّتَاءِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الصَّيْفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ لَا يَبْلُغُ الشِّتَاءَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا خَيْرَ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مَعَ شُرُوطِهِ مَعَ حِينِهِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْحُلُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ جَازَ مُطْلَقًا وَزْنًا لَا عَدَدًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ فَتْحٌ أَمَّا الْمَلِيحُ فَإِنَّهُ يُدَّخَرُ وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا يَنْقَطِعُ، حَتَّى لَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا يَجُوزُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ط وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي بِلَادٍ يُوجَدُ فِيهَا، أَمَّا فِي مِثْلِ بِلَادِنَا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ إلَّا نَادِرًا (قَوْلُهُ جَازَ وَزْنًا وَكَيْلًا) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ النَّوْعِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ ط.
(قَوْلُهُ وَفِي الْكِبَارِ) أَيْ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ كَيْلًا رِوَايَةً وَاحِدَةً أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ) وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ عَادَةً، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تُقْطَعُ كَمَا يُقْطَعُ اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي لَحْمِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ اهـ (قَوْلُهُ لَا فِي حَيَوَانٍ مَا) أَيْ دَابَّةً كَانَ أَوْ رَقِيقًا وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَجْنَاسِهِ، حَتَّى الْحَمَامُ وَالْقُمْرِيُّ وَالْعَصَافِيرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مُحَمَّدٍ، إلَّا أَنَّهُ يَخُصُّ مِنْ عُمُومِهِ السَّمَكَ نَهْرٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إنْ شُرِطَتْ حَيَاتُهُ أَيْ السَّمَكِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ صِحَّتَهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَعَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي تَرْجِيحِ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْمَنْقُولَةِ وَالْمَعْقُولَةِ ثُمَّ ضَعَّفَ الْمَعْقُولَةَ وَحَطَّ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّهْيُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَيْ فَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَكَارِعَ) جَمْعُ كُرَاعٍ وَهُوَ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ فِي الدَّوَابِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجَازَ وَزْنًا فِي رِوَايَةٍ) فِي السِّرَاجِ لَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ نَهْرٌ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَزْنًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ، وَبَاقِي

(5/211)


بِالْحُزَمِ وَرَطْبَةٍ بِالْجُرَزِ إلَّا إذَا ضُبِطَ بِمَا لَا يُؤَدِّي إلَى نِزَاعٍ وَجَازَ وَزْنًا فَتْحٌ (وَجَوْهَرٍ وَخَرَزٍ إلَّا صِغَارَ لُؤْلُؤٍ تُبَاعُ وَزْنًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ (وَمُنْقَطِعٍ) لَا يُوجَدُ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ انْقَطَعَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ آخَرَ لَمْ يَجُزْ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ خُيِّرَ رَبُّ السَّلَمِ بَيْنَ انْتِظَارِ وُجُودِهِ وَالْفَسْخِ وَأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ (وَلَحْمٍ وَلَوْ مَنْزُوعَ عَظْمٍ) وَجَوَّزَاهُ إذَا بُيِّنَ وَصْفُهُ وَمَوْضِعُهُ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ وَشَرْحُ مَجْمَعٍ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَنْزُوعِ بِلَا خِلَافٍ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَتَنَبَّهْ لَكِنْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالرِّوَايَتَيْنِ فَتَدَبَّرْ وَلَوْ حَكَمَ بِجَوَازِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا بَزَّازِيَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِالْحُزَمِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ جَمْعُ حُزْمَةٍ فِي الْقَامُوسِ حَزَمَهُ يَحْزِمُهُ شَدَّهُ، وَالْحُزْمَةُ بِالضَّمِّ مَا حُزِمَ (قَوْلُهُ وَرَطْبَةٍ) هِيَ الْقَضْبَةُ خَاصَّةً قَبْلَ أَنْ تَجِفَّ وَالْجَمْعُ رِطَابٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ وَالرُّطْبُ وِزَانُ قُفْلٍ الْمَرْعَى الْأَخْضَرُ مِنْ بُقُولِ الرَّبِيعِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الرُّطْبَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ الْخَلَا وَهُوَ الْغَضُّ مِنْ الْكَلَأِ مِصْبَاحٌ.
(قَوْلُهُ بِالْجُرَزِ) جَمْعُ جُرْزَةٍ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ أَوْ الْحُزْمَةُ مِصْبَاحٌ وَفِيهِ وَالْقَتُّ الْقَضْبَةُ إذَا يَبِسَتْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ضُبِطَ إلَخْ) بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضَبَطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ وَزْنًا) أَيْ فِي الْكُلِّ فَتْحٌ قَالَ وَفِي دِيَارِنَا تَعَارَفُوا فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ الْوَزْنَ، فَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَزْنًا وَهُوَ أَضْبَطُ وَأَطْيَبُ (قَوْلُهُ وَجَوْهَرٍ) كَالْيَاقُوتِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَخَرَزٍ) بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنْظَمُ وَخَرَازَاتُ الْمَلِكِ جَوَاهِرُ تَاجِهِ، وَكَانَ إذَا مَلَكَ عَامًا زِيدَتْ فِي تَاجِهِ خَرَزَةٌ لِيُعْلَمَ عَدَدُ سِنِي مُلْكِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَذَلِكَ كَالْعَقِيقِ وَالْبَلُّورِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي اللَّآلِئِ الْكِبَارِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ) دَوَامُ الِانْقِطَاعِ لَيْسَ شَرْطًا، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ هُنَا كَالدُّرَرِ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْمُنْقَطِعِ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَيَعْجِزُ عَنْ التَّسْلِيمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَحْمٍ) فِي الْهِدَايَةِ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَأْكِيدٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَنْزُوعَ عَظْمٍ) هُوَ الْأَصَحُّ هِدَايَةٌ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي وَرَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ جَوَازُ مَنْزُوعِ الْعَظْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَاهُ إذَا بَيَّنَ وَصْفَهُ وَمَوْضِعَهُ) فِي الْبَحْرِ وَقَالَا يَجُوزُ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَصِفَتَهُ وَمَوْضِعَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةِ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةُ رِطْلٍ اهـ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِالْوَصْفِ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ) نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَرِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ وَهِيَ الْأَصَحُّ، فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ.

(5/212)


وَفِي الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ قِيَمِيٌّ عِنْدَهُ مِثْلِيٌّ عِنْدَهُمَا (وَ) لَا (بِمِكْيَالٍ وَذِرَاعٍ وَمَجْهُولٍ) قَيْدٌ فِيهِمَا وَجَوَّزَهُ الثَّانِي فِي الْمَاءِ قُرْبًا لِلتَّعَامُلِ فَتْحٌ (وَبُرِّ قَرْيَةٍ) بِعَيْنِهَا (وَثَمَرِ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ النِّسْبَةُ لِثَمَرَةٍ) أَوْ نَخْلَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ (لِبَيَانِ الصِّفَةِ) لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ كَقَمْحِ مَرْجِيٍّ أَوْ بَلَدِيٍّ بِدِيَارِنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ هَلْ اللَّحْمُ قِيَمِيٌّ أَوْ مِثْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَيْنِيِّ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِقْرَاضُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَالسَّلَمِ، وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ الْعَدِّ وَإِنْ لَوْ مَطْبُوخًا إجْمَاعًا وَلَوْ نِيئًا فَكَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ضَمَانَهُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّ جَرَيَانَ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالسَّلَمِ بِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَتَمَامُهَا بِالْمِثْلِ، لِأَنَّهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى فَقَطْ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا بِمِكْيَالٍ وَذِرَاعٍ مَجْهُولٍ) أَيْ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ بِهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ زَيْلَعِيٌّ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْبَيْعِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ، وَيُفِيدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ فَالسَّلَمُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعْيِينِهِ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ: بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْوِعَاءِ بُرًّا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ وَيْبَةٌ مَثَلًا جَازَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فِي الْكَبْسِ وَعَدَمِهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ بَقَاءِ عَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ وَقَوْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ: لَا لِتَعْيِينِهِ مَمْنُوعٌ، نَعَمْ هَلَاكُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ اهـ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الْوِعَاءَ إذَا تَحَقَّقَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ قَطْعًا، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا نِزَاعَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ لِإِمْكَانِ الْعُدُولِ إلَى مَا عُرِفَ مِنْ مِقْدَارِهِ فَيُسْلِمُهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ، كَمَا إذَا هَلَكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا عُرِفَ قَدْرُهُ وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا بُدَّ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ لَا شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ لَا يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، لِتَفَاوُتِ الِانْقِبَاضِ وَالْكَبْسِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِيهِ حَالًا، فَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَارِدٌ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَعَلَى مَا قُلْنَا فَلَا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ النِّسْبَةُ لِثَمَرَةٍ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ لِثَمَرَةٍ أَوْ أَنَّهُ يَقُولُ لِثَمَرَةٍ أَوْ بُرٍّ إلَى نَخْلَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ كَانَتْ نِسْبَةُ الثَّمَرَةِ إلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا بِعَيْنِهِ كَالْخُشْرَانِيِّ بِبُخَارَى وَالسِّبَاخِيِّ: وَهِيَ قَرْيَةٌ حِنْطَتُهَا جَيِّدَةٌ بِفَرْغَانَةَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ خُصُوصُ النَّابِتِ هُنَاكَ، بَلْ الْإِقْلِيمُ وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ إقْلِيمٍ بِكَمَالِهِ فَالسَّلَمُ فِيهِ وَفِي طَعَامِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَوَاءٌ، وَكَذَا فِي دِيَارِ مِصْرَ فِي قَمْحِ الصَّعِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ: لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ بُخَارَى أَوْ سَمَرْقَنْدَ أَوْ إسْبِيجَابِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ لَا يَجُوزُ أَوْ فِي ثَوْبِ هَرَاةَ وَذَكَرَ شُرُوطَ السَّلَمِ يَجُوزُ لِأَنَّ حِنْطَتَهَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا إذْ الْإِضَافَةُ لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ، بِخِلَافِ إضَافَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهَا لِبَيَانِ

(5/213)


فَالْمَانِعُ وَالْمُقْتَضَى الْعُرْفُ فَتْحٌ (وَ) لَا (فِي حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ قَبْلَ حُدُوثِهَا) لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ فِي الْحَالِ وَكَوْنُهَا مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فَتْحٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ فِي ذُرَةٍ حَدِيثَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَمَا يُكْتَبُ فِي وَثِيقَةِ السَّلَمِ مِنْ قَوْلِهِ جَدِيدُ عَامِهِ مُفْسِدٌ لَهُ أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الْجَدِيدِ أَمَّا بَعْدَهُ فَيَصِحُّ كَمَا لَا يَخْفَى

(وَشَرْطُهُ) أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ سَبْعَةٌ (بَيَانُ جِنْسٍ) كَبُرٍّ أَوْ تَمْرٍ (وَ) بَيَانُ (نَوْعٍ) كَمَسْقِيٍّ أَوْ بَعْلِيٍّ (وَصِفَةٍ) كَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ (وَقَدْرٍ) كَكَذَا كَيْلًا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ (وَأَجَلٍ وَأَقَلُّهُ) فِي السَّلَمِ (شَهْرٌ) بِهِ يُفْتَى وَفِي الْحَاوِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُلُولُ بَعْضِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ لَا لِتَخْصِيصِ الْمَكَانِ، فَلَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِثَوْبٍ نُسِجَ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ هَرَاةَ مِنْ جِنْسِ الْهَرَوِيِّ يَعْنِي مِنْ صِفَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ أُجْبِرَ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى قَبُولِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُقْتَضَى الْعُرْفُ، فَإِنْ تُعُورِفَ كَوْنُ النِّسْبَةِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ فَقَطْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ النِّسْبَةَ إلَى بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ مِثْلُ النِّسْبَةِ إلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِقْلِيمُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَثَلًا، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ دِمَشْقِيَّةٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِدِمَشْقَ الْإِقْلِيمُ، وَلَكِنْ هَلْ الْمُرَادُ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَدِمَشْقَ خُصُوصُ الْبَلْدَةِ أَوْ هِيَ وَمَا يَشْمَلُ قُرَاهَا الْمَنْسُوبَةَ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ فَعَدَمُ الْجَوَازِ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَهُ وَجْهٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إقْلِيمًا وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ كَقَمْحٍ مَرْجِيٍّ أَوْ بَلَدِيٍّ، فَإِنَّ الْقَمْحَ الْمَرْجِيَّ نِسْبَةٌ إلَى الْمَرْجِ وَهُوَ كُورَةٌ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ تَشْتَمِلُ عَلَى قُرًى عَدِيدَةٍ مِثْلِ حَوْرَانَ: وَهِيَ كُورَةٌ قِبْلِيَّ دِمَشْقَ وَقُرَاهَا أَكْثَرُ وَقَمْحُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَاقِي كُوَرِ دِمَشْقَ وَالْبَلَدِيُّ فِي عُرْفِنَا غَيْرُ الْحَوْرَانِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بِإِقْلِيمٍ فَإِنَّ الْإِقْلِيمَ وَاحِدُ أَقَالِيمِ الدُّنْيَا السَّبْعَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: يُقَالُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ أَقَالِيمَ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ خُصُوصَ الْإِقْلِيمِ الْمُصْطَلَحَ، بَلْ مَا يَشْمَلُ الْقُطْرَ وَالْكُورَةَ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ ذَلِكَ بِكَمَالِهِ فَيَصِحُّ إذَا قَالَ حَوْرَانِيَّةً أَوْ مَرْجِيَّةً وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَالْمَانِعُ إلَخْ) تَقَدَّمَ آنِفًا بَيَانُهُ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ أَوْ ثَوْبِ هَرَاةَ (قَوْلُهُ إلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْحُلُولِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ عَنْ الْفَتْحِ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ جَدِيدَ إقْلِيمٍ كَجَدِيدَةٍ مِنْ الصَّعِيدِ مَثَلًا أَنْ يَصِحَّ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ طُلُوعِ شَيْءٍ فِيهِ أَصْلًا اهـ يَعْنِي وَهَذَا الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُرَادٍ لِمُنَافَاتِهِ لِلشَّرْطِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ وَقُلْت إلَخْ) الْقَوْلُ وَالتَّقْيِيدُ الَّذِي بَعْدَهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي شَرْطِهِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْعَدِّ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ شُرُوطًا أُخَرَ سَكَتَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِيهِ بَلْ وُجُودُهَا نَهْرٌ. وَذَلِكَ كَقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَنَقْدِهِ وَعَدَمِ الْخِيَارِ عِلَّتَيْ الرِّبَا لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ سَبْعَةٌ) أَيْ إجْمَالًا وَإِلَّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا تُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بِالتَّفْصِيلِ بَحْرٌ. وَسَيَأْتِي وَفِيهِ عَنْ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ النَّوْعِ فِي رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ النَّوْعِ فِيمَا لَا نَوْعَ لَهُ (قَوْلُهُ كَبُرٍّ أَوْ تَمْرٍ) وَمَنْ قَالَ كَصَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمَسْقِيٍّ) هُوَ مَا يُسْقَى سَيْحًا أَيْ بِالْمَاءِ الْجَارِي (قَوْلُهُ أَوْ بَعْلِيٍّ) هُوَ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ) كَالصَّاعِ مَثَلًا بِخِلَافِ الْجِرَابِ وَالزِّنْبِيلِ (قَوْلُهُ وَأَجَلٍ) فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًا، ثُمَّ أَدْخَلَ الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ اهـ ط عَنْ الْجَوْهَرَةِ.
(قَوْلُهُ فِي السَّلَمِ) احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ

(5/214)


(وَيَبْطُلُ) الْأَجَلُ (بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا بِمَوْتِ رَبِّ السَّلَمِ فَيُؤْخَذُ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا) لِبُطْلَانِ الْأَجَلِ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ لَا الدَّائِنِ وَلِذَا شُرِطَ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِمَوْتِهِ

(وَ) بَيَانُ (قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ) إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمِقْدَارِهِ كَمَا (فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَعَدَدِيٍّ غَيْرِ مُتَفَاوِتٍ) وَاكْتَفَيَا بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي مَذْرُوعٍ وَحَيَوَانٍ قُلْنَا رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ ابْنُ كَمَالٍ: وَقَدْ يُنْفِقُ بَعْضَهُ ثُمَّ يَجِدُ بَاقِيَهُ مَعِيبًا فَيَرُدُّهُ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ رَبُّ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ فَتَلْزَمُ جَهَالَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِيمَا بَقِيَ ابْنُ مَالِكٍ فَوَجَبَ بَيَانُهُ

(وَ) السَّابِعُ بَيَانُ (مَكَانِ الْإِيفَاءِ) لِلْمُسْلَمِ فِيهِ (فِيمَا لَهُ حَمْلٌ) أَوْ مُؤْنَةٌ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ وَعَيَّنَا مَكَانَ الْعَقْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى الْعُرْفِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ وَالْأَوَّلُ أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى زَيْلَعِيٌّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بَحْرٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا شُرِطَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا اُشْتُرِطَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ بَيَانُ فَائِدَةِ اشْتِرَاطِهِمْ عَدَمَ انْقِطَاعِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْمَحَلِّ وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِتَدُومَ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ اُشْتُرِطَ وَقَوْلُهُ بِمَوْتِهِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَسْلِيمِهِ وَالْمَوْتُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ سَبَبًا لِلتَّسْلِيمِ بَلْ لِلْحُلُولِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّسْلِيمِ فَهُوَ سَبَبُ السَّبَبِ

(قَوْلُهُ إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمِقْدَارِهِ) بِأَنْ تَنْقَسِمَ أَجْزَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى أَجْزَائِهِ فَتْحٌ أَيْ بِأَنْ يُقَابَلَ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعُ بِالرُّبُعِ، وَهَكَذَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّمَنِ الْمِثْلِيِّ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَيَا بِالْإِشَارَةِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كُرِّ بُرٍّ وَلَمْ يَدْرِ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الْبُرَّ فِي كَذَا مَنًّا مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَدْرِ قَدْرَ الْبُرِّ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَذْرُوعٍ وَحَيَوَانٍ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْمَبِيعُ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ نَقَصَ ذِرَاعًا أَوْ تَلِفَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَيْءٌ، بَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِكُلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) هُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ فِي مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ بَلْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّسْلِيمِ بِلَا مُنَازَعَةٍ (قَوْلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ أَدَّى إلَى الْمُنَازَعَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الزُّيُوفُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَإِذَا رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ يَفْسُدُ السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فِي أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.
[تَنْبِيهٌ] مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِلَا بَيَانِ حِصَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِانْقِسَامِهِ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فَيَبْطُلُ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ

(قَوْلُهُ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) اُحْتُرِزَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِإِيفَائِهِ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ ثِقَلٌ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْقِسْمَةِ) بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ اقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ وَالْتَزَمَا بِمُقَابَلَةِ الزَّائِدِ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَا مَكَانَ الْعَقْدِ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مَرْكَبٍ أَوْ جَبَلٍ فَيَجِبُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ

(5/215)


وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ قُلْنَا هَذِهِ وَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَدِينَةٍ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيفَاءِ (حَتَّى لَوْ أَوْفَاهُ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا بَرِئَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى بَزَّازِيَّةٌ وَفِيهَا قَبْلَهُ شَرَطَ حَمْلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَصِحَّ لِاجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ الْإِجَارَةِ وَالتِّجَارَةِ (وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَصِغَارِ لُؤْلُؤٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) اتِّفَاقًا (وَيُوَفِّيهِ حَيْثُ شَاءَ) فِي الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ ابْنُ كَمَالٍ مَكَانَ الْعَقْدِ (وَلَوْ عَيَّنَ فِيمَا ذُكِرَ) مَكَانًا (تَعَيَّنَ فِي الْأَصَحِّ) فَتْحٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ

(وَ) بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ (قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَوْ عَيْنًا (قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِأَبْدَانِهِمَا وَإِنْ نَامَا أَوْ سَارَا فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ دَخَلَ لِيُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ إنْ تَوَارَى عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَطَلَ وَإِنْ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا بَحْرٌ وَفَتْحٌ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ كَبَيْعٍ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً أَوْ اسْتَقْرَضَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا أَوْ غَصَبَهَا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُهَا لِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ، وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ وَعَيْنِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ وَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ) فَإِنَّ تَسْلِيمَهَا يُسْتَحَقُّ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُهُ بَحْرٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ أَيْ السَّلَمِ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُهُ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِيهِ) قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ نَوَاحِيهِ فَرْسَخًا فَإِنْ بَلَغَتْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ وَفِيهَا قَبْلَهُ) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيفَاءِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ فَقَطْ أَوْ الْحَمْلَ فَقَطْ أَوْ الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْحَمْلِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْإِيفَاءِ كَشَرْطِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَحَلَّةِ كَذَا ثُمَّ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْإِجَارَةِ) أَيْ الَّتِي تَضَمَّنَهَا شَرْطُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ وَالتِّجَارَةِ أَيْ الشِّرَاءِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ الصَّفْقَتَيْنِ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ (قَوْلُهُ وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ إلَخْ) هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِحَمْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ مَجَّانًا، وَقِيلَ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ اهـ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ) يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسْلِمُ فِي أَمْنَانٍ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ أَحْمَالًا فَتْحٌ، وَأَرَادَ بِالْقَلِيلِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ ابْنُ كَمَالٍ مَكَانَ الْعَقْدِ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ الْمُتُونُ عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) هَذَا التَّعْلِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ الْمَكَانُ وَأَوْفَاهُ فِي مَكَان آخَرَ يَلْزَمُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ نَقْلُهُ إلَى الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي الطَّرِيقِ يَهْلِكُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ رَبُّ السَّلَمِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ خَطَرُ الطَّرِيقِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَإِنَّهُ إذَا نُقِلَ بَعْدَ الْإِيفَاءِ إلَى الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ هَلَاكُهُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ

(قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ) إنَّمَا غَايَرَ التَّعْبِيرَ، لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ بَلْ وُجُودُهَا ط (قَوْلُهُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) فَلَوْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ بَطَلَ السَّلَمُ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْنًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا أَوْ مُسْتَحَقًّا وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ أَوْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ دَيْنًا فَاسْتُحِقَّ وَلَمْ يُجِزْهُ وَاسْتَبْدَلَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، فَلَوْ قَبِلَهُ صَحَّ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً وَرَدَّهَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ أَوْ لَا، فَلَوْ قَبِلَهُ وَاسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ رَضِيَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَالْكَثِيرُ كَالْكُلِّ وَفِي تَجْدِيدِهِ رِوَايَتَانِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَإِنْ وَجَدَهُ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ وَإِنْ رَضِيَ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيْنًا) هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ لِوُجُودِ شَرْطِ السَّلَمِ فَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ صُيِّرَ سَلَمًا فِي حَقِّ الثَّوْبِ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ حُكْمُ عَقْدَيْنِ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَكَمَا فِي قَوْلِ الْمُولِي إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ اهـ نَهْرٌ.

(5/216)


وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَزَّازِيَّةٌ (وَهُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ بِوَصْفِهَا) فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ

(وَلَوْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) خُلَاصَةٌ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْقُودًا وَعَدَمُ الْخِيَارِ وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ أَوْ الْجِنْسُ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ تَتَحَقَّقُ بِهِ وَعَدَّهَا الْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلْغَايَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ إلَخْ) أَيْ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ رَبِّ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَاقِدَيْنِ صَحَّ وَبَعْدَهُ بَطَلَ السَّلَمُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ، وَفِي الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ قِيمَتُهُ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ وَلَوْ أَقَلَّ صَحَّ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ، وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يُهْلَكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ لِصَاحِبِهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَذَاكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَهَذَا بَيْعُ الدَّيْنِ أَفَادَهُ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ: أَيْ فَإِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَسُمِّيَ الثَّمَنُ غَيْرًا لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِالْقِيمَةِ مَضْمُونٌ بِعَيْنِهِ حُكْمًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَازَ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّرْفِ بَحْرٌ وَعِبَارَتُهُ فِي الصَّرْفِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ فَهَلْ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ بِصَرْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ (قَوْلُهُ بِوَصْفِهَا) أَيْ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ

(قَوْلُهُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْقُودًا) أَيْ نَقَدَهُ الصَّيْرَفِيُّ لِيَعْرِفَ جَيِّدَهُ مِنْ الرَّدِيءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ الْقَبْضَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ قَدْ مَرَّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا فِي الْغَايَةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ بَعْضَهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمَرْدُودِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ ذُكِرَتْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ بَيَانَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ، وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَمُفَادُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِانْتِقَادِ أَوَّلًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الِانْتِقَادِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْقَدْرِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي عَنْ الْآخَرِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ بَيَانَ الْقَدْرِ لَا يَدْفَعُ تَوَهُّمَ الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الِانْتِقَادِ. قَالَ: وَيَرِدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَضِيَ بِهَا صَحَّ مُطْلَقًا، وَلَوْ سَتُّوقَةً لَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ وَمُفَادُهُ أَنَّ الضَّرَرَ جَاءَ مِنْ عَدَمِ التَّبْدِيلِ فِي الْمَجْلِسِ لَا مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَادِ عَلَى أَنَّ النَّاقِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَيَظْهَرُ بَعْضُهُ مَعِيبًا فَيَرُدُّهُ بَعْدَ هَلَاكِ الْبَعْضِ وَيَلْزَمُ الْجَهَالَةُ كَمَا مَرَّ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ ذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ الْخِيَارِ) أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ صَحَّ، وَإِنْ هَالِكًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
[تَنْبِيهٌ] لَا يَثْبُتُ فِي السَّلَمِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيمَا مَلَكَهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَرَّ أَوَّلَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْخَيْرِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُتَّفِقِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُخْتَلِفِ كَإِسْلَامِ نُقُودٍ فِي حِنْطَةٍ وَكَذَا فِي زَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْوَزْنَ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا

(5/217)


سَبْعَةَ عَشَرَ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّامِنِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ عَيْنِيٌّ (بُرٍّ) حَالَ كَوْنِ الْمِائَتَيْنِ مَقْسُومَةً (مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَمِائَةً نَقْدًا) نَقَدَهَا رَبُّ السَّلَمِ (وَافْتَرَقَا) عَلَى ذَلِكَ (فَالسَّلَمُ فِي) حِصَّةِ (الدَّيْنِ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَصَحَّ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ وَلَمْ يَشِعْ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ طَارَ حَتَّى لَوْ نَقَدَ الدَّيْنَ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ فِي الْكُلِّ وَلَوْ إحْدَاهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ

(وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (فِي رَأْسِ الْمَالِ وَ) لَا لِرَبِّ السَّلَمِ فِي (الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ) وَمُرَابَحَةٍ (وَتَوْلِيَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَفَادَهُ ط وَكَذَا إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ) سِتَّةً فِي رَأْسِ الْمَالِ وَهِيَ بَيَانُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَنَقْدِهِ وَقَبْضِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَأَحَدَ عَشَرَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ: وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ، وَبَيَانُ مَكَانِ إيفَائِهِ وَأَجَلِهِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِهِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَكَوْنُهُ مَضْبُوطًا بِالْوَصْفِ كَالْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ، وَوَاحِدٌ يَرْجِعُ إلَى الْعَقْدِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَاتًّا لَيْسَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ، وَوَاحِدٌ بِالنَّظَرِ لِلْبَدَلَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ شُمُولِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا الْبَدَلَيْنِ مِنَحٌ بِتَصَرُّفٍ ط (قَوْلُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُنْقَطِعًا اهـ ح. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ) وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ كُلُّ رَطْلٍ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا ط. قُلْت: فَيَكُونُ الْقَفِيزُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَالْكُرُّ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَاعًا وَالصَّاعُ نِصْفَ مُدٍّ شَامِيٍّ تَقْرِيبًا فَالْكُرُّ أَرْبَعُ غَرَائِرَ وَنِصْفُ غِرَارَةٍ كُلُّ غِرَارَةٍ ثَمَانُونَ مُدًّا شَامِيًّا.
(قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِ الْمِائَتَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مِائَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ مَقْسُومَةً هَذِهِ الْقِسْمَةَ وَتَجُوزُ الْبَدَلِيَّةُ اهـ ح (قَوْلُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ) صِفَةُ الْمِائَةِ نَهْرٌ أَوْ بَدَلٌ عَيْنِيٌّ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي النَّهْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى الْمِائَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا ثُمَّ جَعَلَ الْمِائَةَ قِصَاصًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَارَ) أَيْ عَرَضَ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ إحْدَاهُمَا دَنَانِيرَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُنَصِّفِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَخْ، حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِ مِائَتَيْ الدَّيْنِ وَالنَّقْدِ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ دَيْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ، أَمَّا حِصَّةُ الدَّيْنِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الْمِائَةَ، وَالْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَإِنْ نَقَدَ الْكُلَّ لِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ مُقَارِنٌ فَتَعَدَّى بَحْرٌ

(قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ شَرْعًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْقُولٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ وَذِكْرُهُ الْبَيْعَ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرِكَةٍ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ: أَعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَك بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ) صُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْت الْمُسْلَمَ إلَيْهِ،

(5/218)


وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ كَانَ إقَالَةً إذَا قِيلَ وَفِي الصُّغْرَى إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ جَائِزَةٌ

(وَلَا) يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ (شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) فِي عَقْدِ السَّلَمِ الصَّحِيحِ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» ) أَيْ إلَّا سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَك بَحْرٌ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَالْمُرَابَحَةُ أَنْ يَأْخُذَ زِيَادَةً عَلَى مَا أَعْطَى، وَقِيلَ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ) فَلَوْ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَكُونُ إقَالَةً بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْأَكْثَرِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ هِبَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ إقَالَةٍ.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ إلَخْ) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ أَبْرَأَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ كَانَ فَسْخًا لِعَقْدِ السَّلَمِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبِلَ الْإِبْرَاءِ يَبْطُلُ السَّلَمُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَنْفِيَّ فِي الْمَتْنِ شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ، وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ فَيَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَا يَشْمَلُ الْإِقَالَةَ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَا التَّصَرُّفَ فِي الْوَصْفِ مِنْ دَفْعِ الْجَيِّدِ مَكَانَ الرَّدِيءِ وَالْعَكْسُ اهـ (قَوْلُهُ إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ جَائِزَةٌ) أَيْ لَوْ أَقَالَهُ عَنْ نِصْفِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ رُبُعِهِ مَثَلًا جَازَ، وَيَبْقَى الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَلَى الْإِقَالَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَيِّدًا فَتَقَايَلَا عَلَى الرَّدِيءِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِيهِ صَرَاحَةٌ بِجَوَازِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِيهَا اشْتِرَاطُ قَبْضِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، بِخِلَافِ الْحَطِّ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَجُوزُ الْحَطُّ اهـ

(قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) أَفَادَ أَنَّ الْإِقَالَةَ جَائِزَةٌ فِي السَّلَمِ، مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْإِقَالَةِ قِيَامُ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ دِينَارًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا رُدَّتْ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً رُدَّ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ لَوْ قِيَمِيَّةً وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ) لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَغْصُوبٍ مِنَحٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِالشِّرَاءِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَظْهَرُ لَك قَرِيبًا (قَوْلُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ) أَيْ كَدَيْنِ مَهْرٍ وَأُجْرَةٍ وَضَمَانِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سِوَى صَرْفٍ وَسَلَمٍ، لَكِنْ التَّصَرُّفُ فِي الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا تَمْلِيكُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ لَا مِنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ رَبِّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ) أَيْ قَبْضًا كَائِنًا بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لَا بِحُكْمِ عَقْدِ السَّلَمِ، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَقْبُوضٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ) فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَهَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا، وَإِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ

(5/219)


(بِخِلَافِ) بَدَلِ (الصَّرْفِ حَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ) لَكِنْ (بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ) لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ

(وَلَوْ شَرَى) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرٍّ (كُرًّا وَأَمَرَ) الْمُشْتَرِي (رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً) عَمَّا عَلَيْهِ (لَمْ يَصِحَّ) لِلُزُومِ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَصَحَّ لَوْ) كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا وَ (أَمَرَ مُقْرِضَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ لَا اسْتِبْدَالٌ (كَمَا) صَحَّ (لَوْ أَمَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ لَهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) كَ اكْتَالَهُ مَرَّتَيْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ

(أَمَرَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِهَا، كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا بَحْرٌ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَهَا كَهُوَ قَبْلَهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَبَايَعَا دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ جَازَ اسْتِبْدَالُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَنْ يُمْسِكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ، وَيُؤَدِّيَا بَدَلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّرْفِ، وَاحْتُرِزَ بِالِاسْتِبْدَالِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ، وَاشْتَرَى بِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَبْلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالصَّرْفُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا عَلِمْت. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُتُونِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ قَيَّدَ بِالسَّلَمِ، لِأَنَّ الصَّرْفَ إذَا تَقَايَلَاهُ جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَيَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ وَقَالَ قَبْلَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ لَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَقَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِي الْبَدَلَيْنِ مَا شُرِطَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلتَّعْيِينِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلُ مُعَيَّنًا بِالْقَبْضِ صِيَانَةً عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنِ بِدَيْنٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ فَتَعُودُ إلَيْهِ عَيْنُهُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نَفْسَ الْقَبْضِ فَلَا يُرَاعَى لَهُ الْمَجْلِسُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَهُ جَائِزٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِلتَّعْيِينِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرٍّ إلَخْ) صُورَتُهُ أَسْلَمَ رَجُلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَاشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ لَمْ يَصِحَّ، حَتَّى يَكْتَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَمَرَّةً عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَوْ مَلَكَ كُرًّا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَأَوْفَاهُ رَبُّ السَّلَمِ وَاكْتَالَهُ مَرَّةً جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَيَّدَ بِالْكُرِّ، لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُجَازَفَةً، فَاكْتَالَهَا مَرَّةً جَازَ لِمَا قُلْنَا وَأَشَارَ بِالْكُرِّ الْمَكِيلِ إلَى أَنَّ الْمَوْزُونَ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْمَعْدُودُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعَدِّ وَفِي الْبِنَايَةِ إنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ قَضَاءً) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ بَحْرٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِحَقِّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّ لَوْ كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا) صُورَتُهُ اسْتَقْرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ كُرًّا ثُمَّ اشْتَرَى كُرًّا وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَرْضَ إعَارَةٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِهَا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ) الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْأَمْرُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك، فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) عِلَّةٌ

(5/220)


أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ) فِي ظَرْفِهِ (فَكَالَهُ فِي ظَرْفِهِ) أَيْ وِعَاءِ رَبِّ السَّلَمِ (بِغَيْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) أَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ (أَوْ أَمَرَ) الْمُشْتَرِي (الْبَائِعَ بِذَلِكَ فَكَالَهُ فِي ظَرْفِهِ) ظَرْفِ الْبَائِعِ (لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِحَقِّهِ (بِخِلَافِ كَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ) فَإِنَّهُ قَبْضٌ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ وَالْأَوَّلُ فِي الذِّمَّةِ

(كَيْلُ الْعَيْنِ) الْمُشْتَرَاةِ (ثُمَّ) كَيْلُ (الدَّيْنِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ وَجَعْلُهُمَا (فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ بِأَمْرِهِ) لِتَبَعِيَّةِ الدَّيْنِ لِلْعَيْنِ (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ كَيْلُ الدَّيْنِ أَوَّلًا (لَا) يَكُونُ قَبْضًا وَخَيَّرَاهُ بَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ.

(أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرِّ) بُرٍّ (وَقَبَضَتْ فَتَقَايَلَا) السَّلَمَ (فَمَاتَتْ) قَبْلَ قَبْضِهَا بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ (بَقِيَ) عَقْدُ الْإِقَالَةِ (أَوْ مَاتَتْ فَتَقَايَلَا صَحَّ) لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
لِصَحَّ

(قَوْلُهُ أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الْمَنْصُوبِ (قَوْلُهُ فِي ظَرْفِهِ) أَيْ ظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا أَمَرَهُ بِكَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّرْفِ طَعَامٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَلَوْ فِيهِ طَعَامُهُ، فَفِي الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ أَمْرَهُ بِخَلْطِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مُعْتَبَرٌ، فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الظَّرْفُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ مُسْتَأْجَرًا وَبِهِ صَرَّحَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بَحْرٌ عَنْ الْبِنَايَةِ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَيْلِهِ فِي ظَرْفِهِ (قَوْلُهُ ظَرْفِ الْبَائِعِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ ظَرْفِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا لِحَقِّهِ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ، فَلَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ جَاعِلًا فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ كَالدَّائِنِ إذَا دَفَعَ كِيسًا إلَى الْمَدِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِنَ دَيْنَهُ، وَيَجْعَلَهُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي اسْتَعَارَ ظَرْفَ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا يَصِيرُ بِيَدِهِ فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، فَيَصِحُّ أَمْرُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، فَيَكُونُ قَابِضًا بِجَعْلِهِ فِي الظَّرْفِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِ الظَّرْفِ فَيَكُونُ الظَّرْفُ وَالْوَاقِعُ فِيهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ كَانَ الطَّحِينُ فِي السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَمِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا لَمْ يَصِحَّ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ هُنَا أَوْلَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ أَمْرُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا صَارَ وَكِيلًا لَهُ ضَرُورَةً وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا

(قَوْلُهُ كَيْلُ الْعَيْنِ) مُبْتَدَأٌ وَجَعْلُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ قَبْضٌ خَبَرُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَدَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ ظَرْفًا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ الْكُرَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَالْكُرَّ الْمُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ، فَإِنْ بَدَأَ بِكَيْلِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَى فِي الظَّرْفِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ، لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَلِلدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً، وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ، وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا دُرَرٌ

(قَوْلُهُ وَقَبَضْت) أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَفَرَّقَا لَا عَنْ قَبْضِهَا لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ السِّلْمِ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا رَبُّ السَّلَمِ بِسَبَبِ الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَتْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ فَتَقَايَلَا فَيَكُونُ الْمَوْتُ بَعْدَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ عَقْدُ الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْجَارِيَةَ رَأْسُ الْمَالِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَصِحَّةُ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمَبِيعِ لَا الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ حَالَ الْإِقَالَةِ مِنْ الْبَقَاءِ فِي الْأُولَى وَالصِّحَّةِ فِي الثَّانِيَةِ

(5/221)


(وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ فِيهِمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ (كَذَا) الْحُكْمُ فِي (الْمُقَايَضَةِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) لِأَنَّ الْأَمَةَ أَصْلٌ فِي الْبَيْعِ. وَالْحَاصِلُ جَوَازُ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ قَبْلَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

(تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ فَأَبَقَ) بَعْدَ الْإِقَالَةِ (مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ) لِلْبَائِعِ (بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ) قُنْيَةٌ

(وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةَ وَالتَّأْجِيلَ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ) وَهُوَ الرَّدَاءَةُ (وَالْأَجَلِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لِلْمُنْكِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُقَايَضَةِ) هِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ فَتَبْقَى الْإِقَالَةُ وَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعَةُ وَفِي الْهَالِكِ الثَّمَنِيَّةُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ، فَلَا تَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِعَدَمِ مَحَلِّهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ فِي السَّلَمِ) أَيْ وَفِي الْمُقَايَضَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ بِالثَّمَنِ

(قَوْلُهُ تَقَايَلَا الْبَيْعَ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مَتْنًا

(قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ) هَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا رَدِيئًا فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا وَبِمَا إذَا ادَّعَى الْآخَرُ اشْتِرَاطَ الْجَوْدَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّا شَرَطْنَا رَدِيئًا وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّ الرَّدَاءَةَ مِثَالٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا جَيِّدًا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ نَهْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا يُقْبَلُ مَعَ الْيَمِينِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ الْآتِيَةِ وَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الرَّدَاءَةُ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَالْأَجَلِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوَصْفِ وَالْأَجَلُ مُدَّةُ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّأْجِيلُ، وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأَجَلِ بِقَرِينَةِ التَّعْبِيرِ بِهِ قَبْلَهُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ التَّأْجِيلِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ مَجَازًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُتَعَيِّنَ الْعَكْسُ كَمَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّأْجِيلِ لَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا) بِأَنْ يُنْكِرَ مَا يَنْفَعُهُ كَأَنْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: شَرَطْت لَك رَدِيئَةً وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ رَبُّ السَّلَمِ كَانَ لَهُ أَجَلٌ وَأَنْكَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ حَقًّا لَهُ وَهُوَ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً) بِأَنْ أَنْكَرَ مَا يَضُرُّهُ كَعَكْسِ التَّصْوِيرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ وَهُوَ رَبُّ السَّلَمِ فِي الْأُولَى، وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةً وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَلْ شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إنْكَارَ الصِّحَّةِ هَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَحَّ كَانَ شَرِكَةً، وَإِذَا فَسَدَ صَارَ إجَارَةً فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مُدَّعِيَ الْفَسَادِ يَدَّعِي إجَارَةً وَمُدَّعِيَ الصِّحَّةِ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي نَوْعِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ السَّلَمِ، فَإِنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ وَهُوَ مَا يَدَّعِيهِ مُنْكِرُ الْأَجَلِ سَلَمٌ فَاسِدٌ لَا عَقْدٌ آخَرُ وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُسْلِمُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَ هُمَا وَعِنْدَهُ لِلْمُنْكِرِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ

(5/222)


(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ (وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ) لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ (وَإِنْ) اخْتَلَفَا (فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْآخَرُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ تَحَالَفَا اسْتِحْسَانًا فَتْحٌ

(وَالِاسْتِصْنَاعُ) هُوَ طَلَبُ عَمَلِ الصَّنْعَةِ (بِأَجَلٍ) ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ لَا الِاسْتِعْجَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ سَلَمًا (سَلَمٌ) فَتُعْتَبَرُ شَرَائِطُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) أَيْ رَبِّ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ) لَكِنْ بُرْهَانُ رَبِّ السَّلَمِ وَحْدَهُ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ: لَا مُثْبِتٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ بُرْهَانِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَحْدَهُ وَلِذَا قَضَى بِبَيِّنَتِهِ إذَا بَرْهَنَا مَعًا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ) لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ) لِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ تَحَالَفَا اسْتِحْسَانًا) أَيْ وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبُرْهَانُ الطَّالِبِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إمَّا عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ وَيَخْتَلِفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِمَا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ: هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: فِي نِصْفِ كُرٍّ أَوْ فِي شَعِيرٍ أَوْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَبَرْهَنَا قُدِّمَ الطَّالِبُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، هَلْ هُوَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ فِيهِمَا وَبَرْهَنَا قَضَى بِالسَّلَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَاتَّفَقَا فِيهِ فَقَطْ يَقْضِي لِلطَّالِبِ بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الثَّانِي، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ وَلَوْ فِيهِمَا كَقَوْلِهِ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُرَّيْ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَبَرْهَنَا فَعِنْدَ الثَّانِي ثَبَتَ الزِّيَادَةُ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْعَقْدَيْنِ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا.

[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ]
ِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً طَلَبُ الصَّنْعَةِ) أَيْ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الصَّانِعِ الْعَمَلَ فَفِي الْقَامُوسِ: الصِّنَاعَةُ: كَكِتَابَةِ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ الصَّنْعَةُ اهـ فَالصَّنْعَةُ عَمَلُ الصَّانِعِ فِي صِنَاعَتِهِ أَيْ حِرْفَتِهِ، وَأَمَّا شَرْعًا: فَهُوَ طَلَبُ الْعَمَلِ مِنْهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ شُرُوطِهِ: بَيَانُ جِنْسِ الْمَصْنُوعِ، وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا كَانَ سَلَمًا وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلُ اسْتِصْنَاعٌ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِصْنَاعُ، فَيَنْقَلِبُ سَلَمًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ بِأَجَلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الِاسْتِصْنَاعِ، لَكِنْ فِيهِ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ خَبَرًا، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ بَلْ الْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ: سَلَمٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ شَهْرٌ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَيَّدْنَا الْأَجَلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ كَانَ اسْتِصْنَاعًا وَإِنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ إنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ كَانَ صَحِيحًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ إلَخْ) كَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَ ذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ سَلَمٌ، وَالْمُؤَجَّلَ بِدُونِهِ إنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَعَامُلٌ، فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ إلَّا إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ لِلِاسْتِعْجَالِ فَصَحِيحٌ كَمَا أَفَادَهُ ط وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ ابْنَ كَمَالٍ (قَوْلُهُ سَلَمٌ) أَيْ فَلَا يَبْقَى اسْتِصْنَاعًا كَمَا فِي

(5/223)


(جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ أَمْ لَا) وَقَالَا الْأَوَّلُ اسْتِصْنَاعٌ (وَبِدُونِهِ) أَيْ الْأَجَلِ (فِيمَا فِيهِ تَعَامَلَ) النَّاسُ (كَخُفٍّ وَقُمْقُمَةٍ وَطَسْتٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ يُقَالُ طُسُوتٌ (صَحَّ) الِاسْتِصْنَاعُ (بَيْعًا لَا عِدَّةً) عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَمَا لَزِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
التَّتَارْخَانِيَّة، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَتُعْتَبَرُ شَرَائِطُهُ أَيْ شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ مَعَ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ فِيهِ خِيَارٌ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ) كَخُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ وَنَحْوِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ أَمْ لَا) كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْأَوَّلُ) أَيْ مَا فِيهِ تَعَامُلُ اسْتِصْنَاعٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى قَضِيَّتِهِ، وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ: فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ وَجَوَازَ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبِدُونِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّ الْآتِي، وَمُقَابِلُ هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يَتَعَامَلْ بِهِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ) هُوَ خِلَافُ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ) أَيْ فِي جَمْعِهِ وَبَيَانُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ الطَّسْتُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَصْلُهَا طَسٌّ، فَأُبْدِلَتْ مِنْ أَحَدِ الْمُضَعَّفَيْنِ تَاءً، لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي جَمْعِهَا طِسَاسٌ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ، وَجُمِعَتْ أَيْضًا عَلَى طُسُوسٍ لِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَعَلَى طُسُوتٍ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ بَيْعًا لَا عِدَّةً) أَيْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ لَا عَلَى أَنَّهُ مُوَاعَدَةٌ، ثُمَّ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْفَرَاغِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، إذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَوْرَدَ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ يُنَافِي كَوْنَهُ بَيْعًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا بَطَلَ بِمَوْتِهِ لِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: هُوَ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً، لَكِنْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ إجَارَةً لَأُجْبِرَ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْمُسَمَّى، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنٍ لَهُ مِنْ قَطْعِ الْأَدِيمِ وَنَحْوِهِ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِهَذَا الْعُذْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّرَاعَ لَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا رَبُّ الْأَرْضِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الدُّرَرَ وَمُخْتَصَرَ الْوِقَايَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ أَنَّهُ لَا جَبْرَ فِيهِ وَلِقَوْلِ الْبَحْرِ، وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ دُونَ اللُّزُومِ وَلِذَا قُلْنَا لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ وَلِمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا صِفَتُهُ: فَهِيَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعَمَلِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَكَذَلِكَ حَتَّى كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ شَاءَ، وَأَمَّا إذَا أَحْضَرَهُ الصَّانِعُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ ثُبُوتُهُ لَهُمَا وَعَنْ الثَّانِي عَدَمُهُ لَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ إذَا صَارَ سَلَمًا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ فَإِنْ وُجِدَتْ صَحَّ وَإِلَّا لَا اهـ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا صَارَ سَلَمًا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا سَلَّمَ الصَّانِعُ الْمَصْنُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ اهـ. وَذَكَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ لِلصَّانِعِ بَيْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ لَا يَصِحُّ فِي الثَّوْبِ، وَأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا وَعَجَّلَ الثَّمَنَ جَازَ وَكَانَ سَلَمًا، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا فَإِنْ ضَرَبَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ سَلَمًا، وَلَا يَبْقَى اسْتِصْنَاعًا حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ النُّقُولِ

(5/224)


(وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) خِلَافًا لِلْبَرْدَعِيِّ (فَإِنْ جَاءَ) الصَّانِعُ بِمَصْنُوعِ غَيْرِهِ أَوْ بِمَصْنُوعِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمَبِيعُ (لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (بِلَا رِضَاهُ فَصَحَّ بَيْعُ الصَّانِعِ) لِمَصْنُوعِهِ (قَبْلَ رُؤْيَةِ آمِرِهِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ) بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَصْنُوعِ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ

(وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُتَأَمَّلْ فِيهِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ كَمَا مَرَّ) فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَسَدَ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ لِلِاسْتِعْجَالِ كَ عَلَى أَنْ تُفْرِغَهُ غَدًا كَانَ صَحِيحًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[رد المحتار]
أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ لَا جَبْرَ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ، فَيَصِيرُ سَلَمًا وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٍ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ لَا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا صَارَ سَلَمًا فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَبِدُونِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ، وَمِنْ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ لَا الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ كَيْفَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، مِنْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ فِي الْأَصَحِّ فَذَاكَ بَعْدَمَا صَنَعَهُ وَرَآهُ الْآمِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي وَبَعْدَ تَحْرِيرِي لِهَذَا الْمَقَامِ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نُورُ الْعَيْنِ إصْلَاحُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَكْثَرَ مِنْ النَّقْلِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الِاسْتِصْنَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الدُّرَرِ تَبَعًا لِخِزَانَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الصَّانِعَ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِهِ وَالْآمِرَ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ سَهْوٌ ظَاهِرٌ اهـ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(قَوْلُهُ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) أَيْ أَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا بَيْعُ عَمَلٍ أَيْ لَا إجَارَةٌ عَلَى الْعَمَلِ لَكِنْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ تَرْجَمَةُ الْبَرْدَعِيِّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْبَرْدَعِيِّ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، نِسْبَةٌ إلَى بَرْدَعَةَ بَلْدَةٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْكِبَارِ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْقَرَامِطَةِ مَعَ الْحَاجِّ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَتَمَامُ تَرْجَمَتِهِ فِي طَبَقَاتِ عَبْدِ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ بِمَصْنُوعِ غَيْرِهِ) أَيْ بِمَا صَنَعَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَأَخَذَهُ) أَيْ الْآمِرُ (قَوْلُهُ بِلَا رِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْآمِرِ أَوْ رِضَا الصَّانِعِ (قَوْلُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ آمِرِهِ) الْأَوْلَى قَبْلَ اخْتِيَارِهِ لِأَنَّ مَدَارَ تَعَيُّنِهِ لَهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهَذَا الْمُفَادِ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الصَّانِعَ بَائِعٌ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ وَلِأَنَّهُ بِإِحْضَارِهِ أَسْقَطَ خِيَارَ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَهُ فَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ عَلَى حَالِهِ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَمَّا بَعْدَمَا رَآهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ بَلْ إذَا قَبِلَهُ الْمُسْتَصْنِعُ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ لِأَنَّهُ بِالْآخِرَةِ بَائِعٌ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ: وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ إلَخْ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: فَيُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْعَمَلِ، وَأَيْضًا فَالتَّعْلِيلُ لَا يُوَافِقُ الْمُعَلَّلَ عَلَى مَا فَهِمَهُ، وَهَذَا هُوَ مَنْشَأُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ أَوَّلًا وَقَدْ عَلِمْت تَصْرِيحَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ مَتْنُ الْمَبْسُوطِ مَا نَصُّهُ وَالْمُسْتَصْنِعُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ مَفْرُوغًا مِنْهُ وَإِذَا رَآهُ فَلَيْسَ لِلصَّانِعِ مَنْعُهُ وَلَا بَيْعُهُ، وَإِنْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ جَازَ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا وَعَنْ الثَّانِي عَدَمُهُ لَهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ

(قَوْلُهُ إلَّا بِأَجَلٍ كَمَا مَرَّ) أَيْ بِأَجَلٍ مُمَاثِلٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ شَهْرٌ فَيَكُونُ سَلَمًا بِشُرُوطِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْأَجَلُ لِعَقْدِ السَّلَمِ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِلِاسْتِعْجَالِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّأْجِيلَ وَالِاسْتِمْهَالَ بَلْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِعْجَالَ بِلَا إمْهَالٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا فِيمَا لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَعَامُلٌ صَحَّ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا

(5/225)


فَرْعٌ] السَّلَمُ فِي الدِّبْسِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي إجَارِهِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى لَوْ جَعَلَ الدِّبْسَ أُجْرَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، لِأَنَّ النَّارَ عَمِلَتْ فِيهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَيْنًا جَازَ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي الْغَصْبِ أَنَّ الرَّبَّ وَالْقَطْرَ وَاللَّحْمَ وَالْفَحْمَ وَالْآجُرَّ وَالصَّابُونَ وَالْعُصْفُرَ وَالسِّرْقِينَ وَالْجُلُودَ وَالصِّرْمَ وَبُرًّا مَخْلُوطًا بِشَعِيرٍ قِيَمِيٌّ فَلْيُحْفَظْ.