العناية
شرح الهداية [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ]
لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّلَاةِ
انْفِرَادًا وَجَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ ذَكَرَ فِي هَذَا
الْبَابِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ
الْمُضِيِّ، وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ (وَمَنْ سَبَقَهُ
الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
مَكَثَ سَاعَةً صَارَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مُؤَدًّى مَعَ الْحَدَثِ.
وَأَدَاؤُهَا مَعَهُ لَا يَجُوزُ فَفَسَدَ مَا أَدَّى فَفَسَدَ الْبَاقِي
ضَرُورَةَ
(1/377)
فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ
وَتَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا
وَالْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ يُفْسِدَانِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ صِحَّةً وَفَسَادًا (فَإِنْ
كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ) وَتَفْسِيرُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَأْخُذَ
بِثَوْبِهِ وَيَجُرَّهُ إلَى الْمِحْرَابِ (وَتَوَضَّأَ وَبَنَى)
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ
الْحَدَثَ يُنَافِي الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ
وَالْحَدَثُ يُنَافِي الطَّهَارَةَ، وَمُنَافِي اللَّازِمِ مُنَافٍ
لِلْمَلْزُومِ وَالشَّيْءُ لَا يُنْفَى مَعَ الْمُنَافِي (وَلِأَنَّ
الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ) عَنْ الْقِبْلَةِ (يُفْسِدَانِ الصَّلَاةَ)
وَكُلُّ مَا يُفْسِدُهَا لَا تَبْقَى مَعَهُ كَالْحَدَثِ الْعَمْدِ
فَالصَّلَاةُ لَا تَبْقَى مَعَ الْمَشْيِ وَالِانْحِرَافِ
(1/378)
فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ. وَلَنَا
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ
أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ
عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ
يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ الْعَمْدَ) يَخْدُمُ فِي الدَّلِيلَيْنِ
(وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ
أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ
وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَوْلُهُ: - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ
فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ
بِشَيْءٍ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ قَالَ «وَلْيَبْنِ عَلَى
صَلَاتِهِ» ، وَأَدْنَى مَرْتَبَةِ
(1/379)
وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا
يَتَعَمَّدُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا
عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ مُبَاحًا وَهُوَ
الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ
لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ وَلْيَبْنِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقُولُوا
بِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ
فِي الْحُكْمِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
وَفُقَهَاءُ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مَا قُلْنَا،
وَبِمِثْلِهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَكُنْ
هُنَاكَ نَصٌّ فَكَيْفَ إذَا كَانَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ
الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الِاسْتِخْلَافِ وَقَالَ: مَنْ لَمْ
يُسْبَقْ بِشَيْءٍ بَيَانًا لِلْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى
إتْمَامِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمَسْبُوقِ فَتَقْلِيدُهُ يَكُونُ خِيَانَةً.
وَقَوْلُهُ: (وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُهُ فَلَا
يَلْحَقُ بِهِ) قِيلَ هُوَ جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ الْحَدَثَ
السَّابِقَ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قِيَاسَ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى الْحَدَثِ
الْعَمْدِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ فِيهِ
الْبَلْوَى لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ
مَعْذُورًا بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ السَّابِقِ بِهِ،
كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنْ
يَسْتَقْبِلَ، وَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنَّهُ
تُرِكَ بِالنَّصِّ. وَفِي الِاشْتِغَالِ بِبَيَانِ فَسَادِهِ تَنَاقُضٌ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ تَرْكُ إلْحَاقِ الْعَمْدِ بِالسَّابِقِ،
فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ السَّابِقُ وَالْعَمْدُ فِي كَوْنِهِمَا
مُنَافِيَيْنِ لِلصَّلَاةِ سَوَاءٌ، فَإِذَا بَنَى فِي السَّابِقِ بِمَا
ذَكَرَ ثُمَّ مِنْ الدَّلِيلِ فَلْيَبْنِ فِي الْعَمْدِ إلْحَاقًا بِهِ،
فَقَالَ فِي السَّابِقِ: بَلْوَى دُونَ الْعَمْدِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا
يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ
تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَحْدَاثِ
الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ لَا الْغُسْلِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ
(1/380)
وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ
وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ
(وَالْمُنْفَرِدَ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ
إلَى مَكَانِهِ) ، وَالْمُقْتَدِيَ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ
يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
لِلْحَدَثِ أَوْ لِسَبَبِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ
بَعْدَهُ بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ فِي مَوْضِعِ
الصَّلَاةِ وَكَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ كَشْفِ عَوْرَةٍ مِنْ غَيْرِ
ضَرُورَةٍ، فَلَا يَبْنِي إذَا انْصَرَفَ لِغَسْلِ نَجَاسَةٍ فِي ثَوْبِهِ،
أَوْ لِلْوُضُوءِ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِلْغُسْلِ مِنْ
الِاحْتِلَامِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ عَصَرَ جِرَاحَةً فَسَالَ
مِنْهَا دَمٌ نَجِسٌ، أَوْ رَمَاهُ إنْسَانٌ بِحَجَرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ
السَّقْفِ فَأَدْمَاهُ، أَوْ مَكَثَ سَاعَةً فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ
بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ بَالَ أَوْ
تَغَوَّطَ أَوْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، أَوْ
الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ
يَسْتَقْبِلُ) أَيْ الْأَفْضَلُ لَهُ ذَلِكَ (وَالْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي
يَبْنِي) كَذَلِكَ (وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ)
الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ
مَشَايِخِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ
إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ
وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِيَكُونَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ
مُؤَدًّى فِي مَكَان وَاحِدٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي الْعَوْدِ إلَى
مَكَانِهِ مَشْيًا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إذْ الْأَدَاءُ فِي
الْمَنْزِلِ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْمَشْيَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ تَجْعَلُ
الْأَمَاكِنَ الْمُخْتَلِفَةَ كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا صَحَّ
التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ) يَعْنِي حَتْمًا،
حَتَّى لَوْ أَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعِ وُضُوئِهِ لَمْ
يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ
الِاقْتِدَاءِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلِهَذَا إذَا
فَرَغَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ أَنْ
يَبْنِيَ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ فِي حَالِ
اشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ثُمَّ يَقْضِيَ آخِرَ
صَلَاتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا
سَبَقَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ أَفْعَالِ
الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِزُفَرَ، كَذَا فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ.
(1/381)
(وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ
مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ اسْتَقْبَلَ
الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا
بَقِيَ) وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ
فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ
الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
قَالَ (وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ) الْمُصَلِّي إذَا انْصَرَفَ عَنْ
مَكَانِ صَلَاتِهِ عَلَى ظَنِّ انْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ صَلَاتِهِ ثُمَّ
عَلِمَ وُجُودَهُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُهُ عَلَى قَصْدِ
إصْلَاحِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى قَصْدِ رَفْضِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ
اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَتَمَّهَا وَالْقِيَاسُ
فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
كَمَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا يَأْتِي (وَهُوَ)
أَيْ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا (رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي
النِّهَايَةِ: وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ
عَلَى غَيْرِ حَائِطِ الْقِبْلَةِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْصِرَافُ، وَأَمَّا
إذَا كَانَ يَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ
كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ
بِالِاتِّفَاقِ.
(وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى
صَلَاتِهِ) وَقَصْدُ الْإِصْلَاحِ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ
شَرْعًا كَمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ
فَإِنَّهُ يُبَاحُ الرَّمْيُ إلَيْهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُمْ
الرَّمْيَ إلَى الْكُفَّارِ فَيُجْعَلَ كَأَنَّهُمْ رَمَوْا إلَى
الْكُفَّارِ، ثُمَّ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْحَدَثِ مَا
فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِالِانْصِرَافِ لِإِصْلَاحِهَا، فَكَذَا إذَا
انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِهِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ لَوْ أُلْحِقَ بِحَقِيقَتِهِ
لَمَا شُرِطَ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ
لَمْ تُشْتَرَطْ بِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ
دَلِيلِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ وُجِدَ الْقَصْدُ وَقَامَ الْعُذْرُ
وَلَيْسَ
(1/382)
وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ
لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا
ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ حَيْثُ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ
لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ،
وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ
تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ هُوَ السُّتْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَمَوْضِعُ
سُجُودِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (وَإِنَّ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ
أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ
الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فِي قَصْدِهِ قِيَامَ الْعُذْرِ فَانْحَطَّ عَنْ دَرَجَتِهَا (وَإِنْ
كَانَ) قَدْ (اسْتَخْلَفَ) فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ (فَسَدَتْ)
صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ الْعَمَلِ
الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَقَّقَ مَا
تَوَهَّمَهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِقِيَامِ الْعُذْرِ
فَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْتَاجُ
لِصِحَّتِهِ إلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَقِيَامِ الْعُذْرِ. وَإِنْ كَانَ
الثَّانِي فَسَدَتْ حَيْثُ انْصَرَفَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ
يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ مُلْحَقٌ
بِحَقِيقَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ
يَسْتَقْبِلُهُ (فَهَذَا) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ
الِانْصِرَافَ إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ لَمْ تَفْسُدْ
صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَوْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِذَا كَانَ عَلَى
قَصْدِ الْإِعْرَاضِ وَالرَّفْضِ فَسَدَتْ (وَهُوَ الْحَرْفُ) أَيْ
الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ
أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الَّتِي
قَبْلَهَا أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ
عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى
قَصْدِ الرَّفْضِ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَكَانُ الصُّفُوفِ) لِبَيَانِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ
فِي الْمَسْجِدِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَإِنْ جُنَّ
أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ؛
لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلَمْ
يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ
(1/383)
وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ.
(وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ
أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا
يُجْزِئُهُمْ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي
الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ
هَاهُنَا أَلْزَمُ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَا
يَلْحَقُ بِالْجَنَابَةِ. وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ
الصَّلَاةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
فِي صَلَاتِهِ» الْحَدِيثَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ
فَعَلَ الْقَهْقَهَةَ (بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ) فِي أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ ضَمِيرِهِ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ
(وَهُوَ) أَيْ الْكَلَامُ (قَاطِعٌ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَهَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ
الْعَوَارِضُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَأَمَّا إذَا
وُجِدَتْ بَعْدَهُ فَلَا اسْتِقْبَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ
لِلْخُرُوجِ مِنْ فِعْلِ الْمُصَلِّي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ
يُوجَدْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْمَوْصُوفُ بِهَا عَنْ
اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالصُّنْعُ مِنْهُ مَوْجُودٌ،
أَمَّا فِي الِاضْطِرَابِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُكْثِ فَلِأَنَّهُ
يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ
وَالْأَدَاءُ صُنْعٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ
الْبِنَاءِ قُبَيْلَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ فَلْيَكُنْ عَلَى
ذِكْرٍ مِنْك. قِيلَ وَإِنَّمَا قَالَ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ؛ لِأَنَّ
النَّوْمَ بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ، وَكَذَا الِاحْتِلَامُ
الْمُنْفَرِدُ عَنْ النَّوْمِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ، فَجَمَعَ
بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْمُرَادِ.
قَالَ (وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ) كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ
عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حُصِرَ عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ
الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِنِسْيَانِهِ جَمِيعَ مَا كَانَ يَحْفَظُ
(فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا
يُجْزِئُهُمْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بَلْ يُتِمُّهَا بِدُونِ
الْقِرَاءَةِ كَالْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ قَوْمًا أُمِّيِّينَ، وَنَسَبَهُ
بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّهُ
يَسْتَقْبِلُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَصْرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ (نَادِرُ
الْوُجُودِ كَالْجَنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ) فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا
وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى
(وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَازَ
لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُضِيِّ وَالْعَجْزُ هَاهُنَا أَلْزَمُ) ؛ لِأَنَّ
الْمُحْدِثَ قَدْ يَجِدُ فِي الْمَسْجِدِ مَاءً فَيُمْكِنُهُ إتْمَامُ
صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ. أَمَّا الَّذِي نَسِيَ جَمِيعَ مَا
يَحْفَظُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ إلَّا بِالتَّذْكِيرِ
وَالتَّعْلِيمِ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ.
وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا كَانَ
يَحْفَظُ الْقُرْآنَ إلَّا أَنَّهُ لَحِقَهُ خَوْفٌ أَوْ خَجَلٌ
فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ
أُمِّيًّا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعَجْزُ عَنْ
الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَنْدُرُ
وُجُودُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ
الصَّلَاةُ)
(1/384)
لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ
بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ
بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ
فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَ
الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا
يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْبِنَاءُ
لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، لَكِنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ.
(فَإِنَّ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَقَدْ
مَرَّ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ
أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ
بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً أَوْ
عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا، أَوْ مُومِيًا فَقَدَر عَلَى الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
ظَاهِرٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) وَقَوْلُهُ: (فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ.
وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
حَيْثُ قَالَ: وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى
اسْتِعْمَالِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ) بَيَانُ
مَسَائِلَ تُسَمَّى بِاثْنَيْ عَشْرِيَّةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ. وَقَوْلُهُ:
(بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعَ السَّاقِ لَا
يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛
لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ضَيِّقًا فَعَالَجَ بِالنَّزْعِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: (فَتَعَلَّمَ سُورَةً) قِيلَ تَذَكَّرَ بَعْدَ
النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعْلِيمِ،
وَذَلِكَ فِعْلٌ يُنَافِي الصَّلَاةَ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقِيلَ سَمِعَهَا بِلَا
(1/385)
أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ قَبْلَ
هَذِهِ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ
طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي
الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ
بُرْءٍ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عُذْرٍ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ
كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَقِيلَ
الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
اخْتِيَارٍ وَحَفِظَهَا بِلَا صُنْعٍ.
وَقَوْلُهُ: (أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً قَبْلَ هَذِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ
فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ
أُمِّيًّا) قِيلَ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا فَسَادَ فِي
الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ
دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ هَذَا
الْخِلَافُ وَدُخُولُ الْعَصْرِ عِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا
عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَقْتًا مُهْمَلًا، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ تَحَقَّقَ
الْخُرُوجُ عِنْدَهُمْ وَتَمَّتْ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ
بَاطِلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ
الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ.
وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ
يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا تَرَى. وَلَكِنْ يُمْكِنُ
تَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَنَّ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ يَكُونُ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ كَمَا
هُوَ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ إلَى الْحَسَنِ بْنِ
زِيَادٍ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا نُقِلَ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.
وَأَمَّا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فَهِيَ مَنْسُوبَةٌ
إلَى رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَنْسُوبُ
إلَى الْحَسَنِ رِوَايَةُ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا) يَعْنِي
إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا، فَلَوْ انْقَطَعَ
الدَّمُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ سَالَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى
فَالصَّلَاةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ
يَسِلْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِتَحَقُّقِ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ
وَهُوَ كَالِانْقِطَاعِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ؛
لِأَنَّهُ كَالِانْقِطَاعِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ قِيلَ قَوْلُهُ:
(وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ
وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ
الْمُصَنِّفِ
(1/386)
الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا، فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ
الْعَوَارِضِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ
الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ. لَهُمَا
مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ
مِنْ هَذِهِ.
وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
غَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، فَإِنَّ فَسَادَهَا بِالْأُمُورِ
الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَ
الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُوجَدُ مَعْصِيَةً بِأَنْ قَهْقَهَ
أَوْ كَذَبَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ فَرْضًا بَلْ
الْخُرُوجُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالِاتِّفَاقِ،
وَإِنَّمَا عِنْدَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُغَيِّرَةٌ لِلصَّلَاةِ،
وَوُجُودُ الْمُغَيِّرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَوُجُودِهِ قَبْلَهُ لِمَا
أَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ الْإِقَامَةَ أَتَمَّ، وَالْمَعْنَى بِالْمُغَيِّرِ مَا
تَجِبُ الصَّلَاةُ بَعْدَ وُجُودِهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ
هِيَ عَلَيْهَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بَعْدَ رُؤْيَةِ
الْمَاءِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَوِجْدَانِ الثَّوْبِ
وَتَعَلُّمِ السُّورَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَاللُّبْسِ
وَالْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ
وَالْمَسْحِ وَالْعُرْيِ وَعَدَمِ الْقِرَاءَةِ. وَقِيلَ الْمَعْنِيُّ بِهِ
كَوْنُ الصَّلَاةِ جَائِزَةً لِلِاجْتِمَاعِ بِهِ وَبِضِدِّهِ فَإِنَّهَا
تَصِحُّ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ وَالْإِيمَاءِ وَأَضْدَادِهَا.
وَقَوْلُهُ: (لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُرِيدُ
بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت هَذَا
أَوْ فَعَلْت هَذَا» الْحَدِيثَ، عَلَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - التَّمَامَ بِأَحَدِهِمَا، فَمَنْ عَلَّقَ بِثَالِثٍ فَقَدْ
خَالَفَ النَّصَّ (وَلَهُ أَنَّ أَدَاءَ صَلَاةٍ أُخْرَى فِي وَقْتِهَا
وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ
هَذِهِ) فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَسِيلَةً إلَى الْفَرْضِ بِاقْتِضَاءِ
قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] (وَمَا لَا
يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ كَانَ فَرْضًا) وَهَذِهِ
النُّكْتَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ
الْمَاتُرِيدِيِّ.
وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ حَاذَتْ
رَجُلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا
صُنْعَ مِنْهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ يَكُونُ فَرْضًا
لِغَيْرِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ
فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الصُّنْعِ
وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْأُولَى، كَمَا لَوْ دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ
الْمُحَاذَاةَ مُفَاعَلَةٌ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ فَاعِلَيْنِ فَكَانَ
مِنْهُ صُنْعٌ أَدْنَاهُ اللُّبْثُ فِي مَكَانِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ
الْخُرُوجَ عَنْ الْأُولَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى
صَحِيحَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]
وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ وَلَمْ تَبْقَ بِهَذَا الْخُرُوجِ
صَحِيحَةً.
لَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ
(1/387)
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ قَارَبَتْ
التَّمَامَ، وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ حَتَّى يَجُوزَ فِي حَقِّ
الْقَارِئِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ
عَدَمُ صَلَاحِيَّةِ الْإِمَامَةِ.
(وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ
الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ أَجْزَأَهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي
التَّحْرِيمَةِ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا
لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا
الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
تَبْقَ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي
فَكَانَ بَقَاؤُهَا صَحِيحَةً مَوْقُوفًا عَلَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِ
الْمُصَلِّي، فَلَوْ تَوَقَّفَ الْخُرُوجُ عَلَى بَقَائِهَا صَحِيحَةً
دَارَ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي مَوْقُوفٌ
عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ رَافِعًا التَّحْرِيمَةَ عَلَى مَا
سَيَأْتِي، وَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاؤُهَا صَحِيحَةً وَلَا مُعْتَبَرَ
بِالضِّمْنِيَّاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمَا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ
بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ، سَمَّاهُ
تَمَامًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالِاسْتِخْلَافُ غَيْرُ
مُفْسِدٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ اسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ صُنْعُ
الْمُصَلِّي فَكَانَ الْوَاجِبُ أَلَّا تَفْسُدَ بِهِ عِنْدَهُ أَيْضًا،
وَتَقْرِيرُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الشَّارِحُونَ قَالُوا: سَلَّمْنَا أَنَّهُ صُنْعٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ
بِمُفْسِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ قَارِئًا فِي خِلَالِ
الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الصُّنْعِ مَا كَانَ
مُفْسِدًا لِيَكُونَ عَمَلًا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ رَافِعًا
لِلتَّحْرِيمَةِ.
وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ
فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ
أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ.
وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ عَمَلًا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ. وَالثَّانِي
أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ لَيْسَ
لِلِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ، إنَّمَا الْفَسَادُ
ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الْأُمِّيِّ
لِلْإِمَامَةِ، وَالرَّدُّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: هُنَاكَ عَمَلٌ
كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهَاهُنَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا
كَانَ بِعُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُفْسِدًا إذَا لَمْ يَكُنْ
عُذْرُ كَوْنِهِ مُفْسِدًا عِنْدَ الْعُذْرِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشَرْنَا
إلَيْهِ فِي مَطْلَعِ الْبَحْثِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ إنَّ
قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
مُخْتَارَهُ غَيْرَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذِكْرِ الْمُخْتَارِ
وَذِكْرَ غَيْرِهِ وَالِاحْتِجَاجَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ مِنْ
مِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ) إذَا اقْتَدَى الرَّجُلُ بِمَنْ
صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ صَحَّ الِاسْتِخْلَافُ؛
لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ
(وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى
إتْمَامِهَا) لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى اسْتِخْلَافِ
(1/388)
لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (فَلَوْ
تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ)
لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ
مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاةَ
الْإِمَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ
خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ)
لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي
حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ
فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ وَهُوَ
الْأَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ
الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ
خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا
أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا
وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ وَصَارَ
كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ. وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ
لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدَ
مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا
يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ
عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
غَيْرِهِ لِلتَّسْلِيمِ، وَالْأَقْدَرُ أَوْلَى لَا مَحَالَةَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ
أَنَّ صَلَاتَهُ أَيْضًا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ أَوَّلَ صَلَاتِهِ
فَيَكُونُ كَالْفَارِغِ بِقَعْدَةِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ.
وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ، وَضَحِكُ
الْإِمَامِ فِي حَقِّهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ كَضَحِكِهِ، وَلَوْ
ضَحِكَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَكَذَا إذَا
ضَحِكَ الْإِمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ.
وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ
وَالْحَدَثَ بِالْعَمْدِ إذَا وُجِدَا قَبْلَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ
الْجَمِيعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَيَّدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ؛
لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي صَلَاةِ
اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ
مُفْسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْحَدَثِ فِي إزَالَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ
وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَتَكُونُ
(1/389)
السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامَ
فِي مَعْنَاهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
مُفْسِدَةً لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ
فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ) الْمَنْهِيُّ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ
رَافِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ
كَالتَّسْلِيمِ وَالْخُرُوجِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّ الشَّرْعَ
اعْتَبَرَهُمَا كَذَلِكَ.
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ
فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَقَوْلُهُ: (وَالْكَلَامُ فِي
مَعْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ مَعَ الْقَوْمِ
يَمْنَةً وَيَسَرَةً لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ
(1/390)
وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ
الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.
(وَمَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
وَقَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ) يَعْنِي عِنْدَ
الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ
كُلَّ قَهْقَهَةٍ تُوجِبُ إعَادَةَ الصَّلَاةِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا
لَا فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ. وَلَهُمْ أَنَّهَا وُجِدَتْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ سَهَا فِي هَذِهِ
(1/391)
وَلَا يَعْتَدُّ بِاَلَّتِي أَحْدَثَ
فِيهَا) ، لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ
لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا
فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ
يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ.
(وَلَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
الْحَالَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُهُ فَتَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْوُضُوءِ
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَعْتَدُّ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُعِيدُ، وَهُمَا
مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ يَسْتَلْزِمُ الْإِعَادَةَ
(؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ، وَالِانْتِقَالُ مَعَ
الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقَلَ إلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ
الصَّلَاةِ، وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْهَا بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ مُفْسِدٌ
(فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْتَقِضَ بِالْحَدَثِ
جَمِيعُ مَا أَدَّى لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي
الْبِنَاءِ فَبَقِيَ انْتِقَاضُ الرُّكْنِ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ
فِيهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَزِمَ إعَادَةُ مَا كَانَ الْحَدَثُ فِيهِ
بِالْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ: (دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ) أَيْ
مَكَثَ رَاكِعًا قَدْرَ رُكُوعِهِ (؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ
بِالِاسْتِدَامَةِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ فِيمَا يُسْتَدَامُ
كَالْإِنْشَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الرُّكُوعِ، وَأَصْلُهُ
قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] .
وَمَنْ ذَكَرَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً
فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَ
الَّتِي
(1/392)
أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَانْحَطَّ مِنْ
رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَهَا يُعِيدُ
الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى لِتَقَعَ أَفْعَالُ
الصَّلَاةِ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ
أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ وُجِدَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ
الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ.
قَالَ (وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ
الْمَسْجِدِ فَالْمَأْمُومُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
ذَكَرَهَا صُلْبِيَّةً كَانَتْ أَوْ تِلَاوَةً أَعَادَ الرُّكُوعَ
وَالسُّجُودَ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ
يَبْدَأُ بِمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ
رُكْنًا لَمَا جَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِعُذْرِ الْجَمَاعَةِ كَالتَّرْتِيبِ
بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، فَلَوْ تَرَكَ الْإِعَادَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ
السَّجْدَةِ لَا يَنْقُضُ الرُّكُوعَ فَيَصِحُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ،
بِخِلَافِ سَبْقِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ
مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ. وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ (لِأَنَّ الْقَوْمَةَ
عِنْدَهُ فَرْضٌ) ، فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَرْفَعْ
رَأْسَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَطُولِبَ
بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا عَادَ إلَى السَّجْدَةِ
الصُّلْبِيَّةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ تَرْتَفِضُ
الْقَعْدَةُ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ
الْقُرْآنَ فَعَادَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ارْتَفَضَ الرُّكُوعُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ إنَّمَا تَرْتَفِضُ بِالْإِتْيَانِ
بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِالْقَعْدَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ
تَمَّتْ صَلَاتُك» فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَأْخِيرِ غَيْرِهَا عَنْهَا
كَانَ تَمَامُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ،
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعُ عَنْ
السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَسِيلَةٌ إلَى الرُّكُوعِ، وَالرُّكُوعُ
وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ، وَالْوَسَائِلُ
مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَالْقِرَاءَةُ زِينَةُ الْقِيَامِ
فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ.
(وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ
فَالْمَأْمُومُ
(1/393)
إمَامٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِمَا
فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ
الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هَاهُنَا، وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ
صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً
(وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ قِيلَ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ) لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا
تَفْسُدُ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العناية]
إمَامٌ نَوَى) الْإِمَامُ ذَلِكَ (أَوْ لَمْ يَنْوِ) (لِمَا فِيهِ) أَيْ
فِي تَعْيِينِهِ إمَامًا (صِيَانَةُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي) ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ إمَامًا خَلَا مَكَانُ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ
وَهُوَ يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي. فَإِنْ قِيلَ التَّعَيُّنُ
لَا يَتَحَقَّقُ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ
(وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ) وَلَا مُزَاحِمَ فَكَانَ
التَّعْيِينُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِذَلِكَ كَانَ
كَالْمُسْتَخْلِفِ حَقِيقَةً فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ مُقْتَدِيًا بِهِ (وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ
(لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ) حُكْمًا فَإِنَّهُ
لَمَّا تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ كَانَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا بِهِ، وَمَنْ
اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (وَقِيلَ
لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ إنَّمَا يَكُونُ
حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ. أَمَّا
حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُهُ، وَأَمَّا حُكْمًا
فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي صَلَاحِيَتَهُ لِلْإِمَامَةِ، وَالْفَرْضُ
(1/394)
لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ قَصْدًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. |