المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"إذَا تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا وَهُوَ فِيهَا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا، وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ لَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَقَلِّ وَيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ. لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً لَهُ وَالسَّجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلَاتِهِ، وَالسَّجْدَتَانِ تُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ".
 الشرح: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلِيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ"  فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهمْ اللَّهُ تعالى: إذَا تَرَكَ رَكْعَةً سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ فِعْلُهَا وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَفِعْلُ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَكْثَرَ، فَفِي الْحَالَيْنِ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَيَجِبُ الْبَاقِي وَلَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الشَّكَّ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي الشَّيْءِ سَوَاءٌ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَخْصُوصًا بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
فرع: فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَنْهَا تَتَشَعَّبُ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَحَادِيثَ: أحدها: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"إذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ فَإِذَا قَضَى الْأَذَانَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا؛ لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ"[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد "فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ"]قَبْلَ التَّسْلِيمِ".
الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
"صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ إمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ: أَحَقًّا

 

ج / 4 ص -31-         مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ "سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ".
 الثالث: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"قَامَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ"  رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الرابع: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ
"صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إبْرَاهِيمُ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْت كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ: " فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي " فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"  وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ  "فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ"  وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  "صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ"
الْخَامِسُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
 السادس:عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
"إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ السِّتَّةُ هِيَ عُمْدَةُ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ وَأَحَادِيثُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ مِنْ الْبَابِ سَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ الله تعالى.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ: سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مُطْلَقًا. وَقَالَ: إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ تَحَرَّى فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَمِلَ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، هَذَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الشَّكُّ، فَإِنْ كَانَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَيْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَإِنْ

 

ج / 4 ص -32-         كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَقَالَ: يُسْتَعْمَلُ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِيمَا جَاءَ فِيهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، قَالَ: وَتَرْكُ الشَّكِّ قِسْمَانِ أحدهما: يَتْرُكُهُ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَهَذَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ والثاني: يَتْرُكُهُ وَيَتَحَرَّى، فَهَذَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَرَدَّ الْمُجْمَلَ إلَى الْمُبَيَّنِ وَقَالَ: الْبَيَانُ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا مَسُوقَانِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ، وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالِاخْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَوُجُوبُ الْبَاقِي، وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا التَّحَرِّي الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَقِيقَةُ التَّحَرِّي طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ وَأَحْرَاهُمَا مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ يَقِينِ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا.
وَأَمَّا السُّجُودُ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ سَهْوًا لَا مَقْصُودًا. قَالُوا: وَلَا يَبْعُدُ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَقَعَ فِيهَا السَّهْوُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَارِدَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ الصَّرِيحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمَا وَإِهْمَالُهُمَا، فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَدُورُ عَلَيْهِ بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيَانُ مُعْتَمَدِ الْعُلَمَاءِ فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيهَا، وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمَطْلُوبَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فرع:فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ رُبَاعِيَّةً سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ تَرَجَّحَ احْتِمَالُ الْأَرْبَعِ وَلَا يُعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ سَوَاءٌ طَرَأَ هَذَا الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَمْ تَكَرَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ صَارَ عَادَةً لَهُ اجْتَهَدَ وَعَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا عَمِلَ بِالْأَقَلِّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: مَا رَأَيْتُ قَوْلًا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا وَلَا أَبْعَدَ مِنْ السُّنَّةِ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ نَقَصَ؟ يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ، وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"فَإِنْ تَرَكَ رَكْعَةً نَاسِيًا وَذَكَرَهَا بَعْدَ السَّلَامِ نَظَرْتَ فَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الْفصل:أَتَى بِهَا، وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّطَاوُلِ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ أَنْ يَمْضِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ، وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى مَا يُعَدُّ تَطَاوُلًا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ مَضَى مَا لَا يُعَدُّ تَطَاوُلًا بَنَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنْ مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ

 

ج / 4 ص -33-         فِيهَا اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ بَنَى؛ لِأَنَّ آخِرَ الصَّلَاةِ1 يَنْبَنِي عَلَى أَوَّلِهَا، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَنْبَنِي، فَجَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا".
 الشرح:
إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ سِوَى النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ذَكَرَ السَّهْوَ قَبْلَ طُولِ الْفصل:لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ فَيَأْتِي بِالْبَاقِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ طُولِ الْفصل:لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ، هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في"الأم" وَالْبُوَيْطِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ.
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ فِي النَّقْلِ وَغَلَطٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِقِ فَوَجَبَ رَدُّهُ، وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ طُولِ الْفصل:وَقِصَرِهِ، وَفِي ضَبْطِهِ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ عَدُّوهُ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ أَوْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ في"الأم" وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ والثاني: قَدْرُ رَكْعَةٍ طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَعَلَى هَذَا: الْمُعْتَبَرُ قَدْرُ رَكْعَةٍ خَفِيفَةٍ، قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: يَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَقَطْ والثالث: قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي سَهَا فِيهَا طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ، حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ والرابع: حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَنْقُولَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ قَلِيلٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ طَوِيلٌ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَدْرِ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
"قَامَ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَاجَعَ ذَا الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الْجَمَاعَةَ فَأَجَابُوا" قَالَ أَصْحَابُنَا: وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ.
قَالَ المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَدَّاهَا عَلَى التَّمَامِ فَلَا يَضُرُّهُ الشَّكُّ الطَّارِئُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا حُكْمَ الشَّكِّ بَعْدَهَا شَقَّ ذَلِكَ وَضَاقَ فَلَمْ يُعْتَبَرْ".
 الشرح: إذَا شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكَعَاتٍ أَوْ رُكْنٍ فَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: الصحيح مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ.وَالطَّرِيقُ الثاني: حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أصحها: عِنْدَهُمْ هَذَا وَ الثاني: يَجِبُ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ كَانَ الْفصل:وَجَبَ الْبِنَاءُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهُهُمَا ظَاهِرٌ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ بَعْضِهِ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ تَرَكَ فَرْضًا سَاهِيًا، أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَقٌّ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعْتَدُّ بِمَا يَفْعَلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ، فَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسخة المطبوعة  من المهذب تبنى بالبناء للمجهول فيهما الأولى والثانية (ط)

 

ج / 4 ص -34-         وَذَكَرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ قَدْ جَلَسَ عَقِيبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى خَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ لِيَكُونَ السُّجُودُ عَقِيبَ الْجُلُوسِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ السَّجْدَةُ وَحْدَهَا فَلَا يُعِيدُ مَا قَبْلَهَا، كَمَا لَوْ قَامَ مِنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَ، فَإِنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَلَا يُعِيدُ السُّجُودَ قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ جَلَسَ عَقِيبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى حَتَّى قَامَ ثُمَّ ذَكَرَ جَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَخِرُّ سَاجِدًا؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُرَادُ لِلْفصل:بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفصل:بِالْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ فَرْضٌ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَلَسَ عَقِيبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا جَلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَا يُجْزِئُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ نَفْلٌ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَتَعْلِيلُ أَبِي الْعَبَّاسِ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَلَا يُسَلَّمُ، فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَارِضٌ فِيهَا وَجَلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ تَمَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ كَلَا عَمَلٍ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَ، فَإِذَا سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ ضَمَمْنَا سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى فَتَمَّتْ لَهُ الرَّكْعَةُ، تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَنَسِيَ مَوْضِعَهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنْ الْأَخِيرَةِ فَيَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَتَبْطُلُ عَلَيْهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، وَفِي الصَّلَاةِ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ الْأَمْرَ عَلَى الْأَشَدِّ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَقَلِّ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ، وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ جَعَلَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى مِنْ الثالثة: فَيُتِمُّ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَالثالثة: بِالرَّابِعَةِ فَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ وَتَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ. وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ جَعَلَ مِنْ الْأُولَى سَجْدَةً، وَمِنْ الثالثة: سَجْدَةً، وَمِنْ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً وَتَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ. وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ جَعَلَ مِنْ الْأُولَى سَجْدَةً وَمِنْ الثالثة: سَجْدَتَيْنِ وَمِنْ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً، فَيَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ جَعَلَ مِنْ الْأُولَى سَجْدَةً وَمِنْ الثالثة: سَجْدَتَيْنِ وَمِنْ الرَّابِعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَيَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَإِنْ نَسِيَ سِتَّ سَجَدَاتٍ فَقَدْ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فَجَعَلَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى مِنْ الرَّابِعَةِ وَتَلْزَمُهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ نَسِيَ سَبْعَ سَجَدَاتٍ حَصَلَ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً، وَإِنْ نَسِيَ ثَمَانِي سَجَدَاتٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ رَكْعَةٍ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرَّكْعَةِ".
 الشرح: قَالَ أَصْحَابُنَا  رحمهم الله -: التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْمَتْرُوكُ وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ قَبْلَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ اشْتَغَلَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ بِالْمَتْرُوكِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ فِعْلِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَمَّتْ الرَّكْعَةُ السَّابِقَةُ وَلُغِيَ مَا بَيْنَهُمَا. هَذَا إذَا عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَوْضِعَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَقَلِّ الْمُمْكِنِ وَيَأْتِيَ بِالْبَاقِي، وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا إذَا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِأَنْ تَرَكَ رُكْنًا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ،

 

ج / 4 ص -35-          وَإِلَّا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ هُوَ السَّلَامُ فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفصل:سَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، هَذَا ضَابِطُ الْفَصْلِ، فَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ مِنْ قِيَامِهِ؟ أَمْ يَجِبُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ؟ حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:
أحدها: يَسْجُدُ مِنْ قِيَامٍ وَلَا يَجْلِسُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ الْفصل:وَقَدْ حَصَلَ بِالْقِيَامِ.
والثاني: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ عَقِبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مَقْصُودٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهِ الطُّمَأْنِينَةُ وَالِاسْتِوَاءُ قَاعِدًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ كَفَاهُ السُّجُودُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَمْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتُجْزِئُهُ الْجَلْسَةُ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ الْجَلْسَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّهَا جَلْسَةٌ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِهَا، وَقَدْ سَبَقَتْ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لَهُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَظَنَّهُ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَقَعُ فَرْضًا. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَحَكَوْا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ:إنْ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَفَاهُ السُّجُودُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَزِمَهُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ.
والرابع: أَنَّهُ يَجِبُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَمْ لَمْ يَجْلِسْ، لِيَكُونَ السُّجُودُ مُتَّصِلًا بِالْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ جَلَسَ؟ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَيَنْظُرُ إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثالثة: مِنْهُمَا فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ الْأُولَى وَلَغَى مَا بَيْنَهُمَا، وَهَلْ يَحْصُلُ تَمَامُهَا بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْ بِالثَّانِيَةِ؟ يَبْنِي عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَة فَحَيْثُ قلنا: لَا يَجِبُ الْجُلُوسُ حَصَلَ بِالْأُولَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَاهُ حَصَلَ بِالثَّانِيَةِ. وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْجُلُوسَ لَمْ تَتِمَّ رَكْعَتُهُ الْأُولَى حَتَّى يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ. وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ فَيَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ.
فرع: إذَا تَذَكَّرَ فِي جُلُوسِ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إلَّا سَجْدَتَيْنِ، وَحَالٌ رَكْعَتَانِ، وَحَالٌ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَتْرُوكَ ثِنْتَانِ مِنْ الثالثة: وَثِنْتَانِ مِنْ الرَّابِعَةِ صَحَّتْ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ وَحَصَلَتْ الثالثة:، لَكِنْ لَا سُجُودَ فِيهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا، فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِيُتِمَّ ثُمَّ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ رَابِعَةٍ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثالثة: وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ. أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ فَتُتِمُّ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ، وَالثالثة: بِالرَّابِعَةِ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثالثة:، أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَأُخْرَى

 

ج / 4 ص -36-         مِنْ الثالثة: أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثالثة: وَأُخْرَى مِنْ الرَّابِعَةِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثالثة:، أَوْ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثالثة: وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ، فَيَحْصُلُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ رَكْعَتَانِ، وَيَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَمَنْ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ، وَمَنْ الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً وَمِنْ الرَّابِعَةِ أُخْرَى، وَكَذَا صُورَةُ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ. فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ، إلَّا سَجْدَةً. فَيَسْجُدُهَا ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَ مَوْضِعَ السَّجَدَاتِ. فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَشَدِّ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَتَانِ وَهُوَ غَلَطٌ قَطْعًا. وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِيهِ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَدْ جَلَسَ عَقِبَ السَّجْدَةِ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. أَوْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذَا قلنا: تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ: إنَّ الْقِيَامَ يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي بَعْضِ الرَّكَعَاتِ أَوْ لَمْ يَجْلِسْ فِي غَيْرِ الرَّابِعَةِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّ الْقِيَامَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ فَلَا يُحْسَبُ مَا بَعْدَ السَّجْدَةِ الْمَفْعُولَةِ حَتَّى يَجْلِسَ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً، وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ جَلَسَ فِي الثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ؛ وَقُلْنَا: إنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا رَكْعَةٌ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً، ثُمَّ هَذَا الْجُلُوسُ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهِ يَقَعُ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ.
أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَهُوَ فِي الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْآخِرَةِ سَجَدَهَا وَاسْتَأْنَفَ التَّشَهُّدَ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ، وَإِنْ عَلِمَهَا مِنْ غَيْرِ الْآخِرَةِ أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ.
وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهُمَا ثُمَّ تَشَهَّدَ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ كَفَاهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ وَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ غَيْرِهَا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَيَاتِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثالثة: أَوْ عَكْسَهُ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثالثة: أَوْ عَكْسَهُ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَقْسِيمَهُ.
وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ خَمْسِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ مَوْضِعَهُنَّ فَحُكْمُهُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ جَهِلَ مَوْضِعَهُنَّ لَزِمَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَكُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِوُجُوبِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إلَّا الْمُصَنِّفَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَهُوَ غَلَطٌ لَيْسَ مِنْهُ جَوَابٌ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِأَشَدِّ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا يُقْتَضَى وُجُوبَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثالثة:، أَوْ مِنْ الْأَوَّلِ سَجْدَةً وَمِنْ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ، وَكَذَا مِنْ الثالثة: فَيُتِمُّ الْأُولَى بِالرَّابِعَةِ، وَلَا يَحْصُلُ غَيْرُ رَكْعَةٍ.

 

ج / 4 ص -37-          وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لَزِمَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ أَيْضًا وَإِنْ تَرَكَ سَبْعًا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ تَرَكَ ثَمَانِيًا لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ الْخَمْسِ فَمَا بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا فِيمَنْ سَجَدَ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ أَوْ عَلَى حَائِلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَطَّرِدُ لَوْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ الْفصل:وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ.
فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ. قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُمَا:
 لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ. وَعَنْ النَّخَعِيِّ: مَنْ نَسِيَ سَجْدَةً سَجَدَهَا مَتَى ذَكَرَهَا، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الظُّهْرِ فَذَكَرهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ: يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا: لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا فَعَلَهُ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ أَمَّا إذَا تَرَكَ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِيهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ إلَى سُجُودِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ عَادَ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأُولَى وَيَعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَعُودُ مَا لَمْ يَرْكَعْ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"فَإِنْ نَسِيَ سُنَّةً نَظَرْتَ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا، مِثْلُ إنْ تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ فَذَكَرَ وَهُوَ فِي التَّعَوُّذِ أَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَذَكَرَهُ وَقَدْ انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ" فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَنْتَصِبَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَنْتَصِبَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَصَبَ حَصَلَ فِي غَيْرِهِ وَإِذَا لَمْ يَنْتَصِبْ لَمْ يَحْصُلْ فِي غَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ حَتَّى افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ فَفِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَأْتِي بِهَا لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقِيَامُ، وَالْقِيَامُ بَاقٍ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَسَقَطَ بِالدُّخُولِ فِي الْقِرَاءَةِ كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ".
 الشرح: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ
"صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: سُبْحَانَ

 

ج / 4 ص -38-         اللَّهِ، وَمَضَى فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَحْصُلُ بِهَا الدَّلَالَةُ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِثْلَهَا مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَقَالَ: هُمَا صَحِيحَتَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي سُنَّةً وَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا سَوَاءٌ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ أَمْ بِسُنَّةٍ أُخْرَى؛ فَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذَ أَوْ كِلَيْهِمَا حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ يَتْرُكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى يَتَلَبَّسَ بِالرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُمَا، أَوْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا أَوْ الْقُنُوتَ حَتَّى يَسْجُدَ أَوْ جَلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِسُنَّةٍ أُخْرَى أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي التَّعَوُّذِ، وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، أَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ الصَّحِيحَةَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ وَتَعَوَّذَ عَادَ إلَيْهِ مِنْ التَّعَوُّذِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا، فَلَوْ خَالَفَ وَعَادَ مِنْ التَّعَوُّذِ إلَى الِاسْتِفْتَاحِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ مِنْ الِاعْتِدَالِ إلَى الرُّكُوعِ لِتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ أَوْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ التَّعَوُّذِ إلَى السُّجُودِ لِتَسْبِيحِ السُّجُودِ، أَوْ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ مِنْ السُّجُودِ إلَى الِاعْتِدَالِ لِلْقُنُوتِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا سَنَبْسُطُ بَعْضَهَا فِي الْفصل:الْآتِي وَبَعْضَهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَصْلَهَا إنْ شَاءَ الله تعالى. وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَيُنْظَرُ إنْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهَا بِلَا خِلَافٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، فَإِنْ كَبَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ وَمَا بَعْدَهُ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ، وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِبَقَاءِ الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يُعِدْهَا فِي الْجَدِيدِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَفِي الْقَدِيمِ يُعِيدُهَا ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَاتِحَةُ وَإِذَا تَدَارَكَ التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ اُسْتُحِبَّ اسْتِئْنَافُهَا، وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالصَّحِيحُ الِاسْتِحْبَابُ وَلَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقَدْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا عَلَى الْجَدِيدِ فَإِذَا قَامَ إلَى فَائِتَةٍ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"الَّذِي يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوَ أَمْرَانِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَضَرْبَانِ: قَوْلٌ وَفِعْلٌ فَالْقَوْلُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ السَّلَامِ نَاسِيًا أَوْ يَتَكَلَّمَ نَاسِيًا فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم 
"سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَكَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ"  وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ سَجَدَ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَصَارَ كَالسَّلَامِ، وَأَمَّا

 

ج / 4 ص -39-          الْفِعْلُ فَضَرْبَانِ ضَرْبٌ لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَضَرْبٌ يُبْطِلُ فَمَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فَلَا يَسْجُدُ لَهُ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فَسَهْوُهُ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، وَأَمَّا مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ فَضَرْبَانِ مُتَحَقَّقٌ وَمُتَوَهَّمٌ. فَالْمُتَحَقَّقُ أَنْ يَسْهُوَ فَيَزِيدَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ يُطِيلَ الْقِيَامَ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقُنُوتِ أَوْ يَقْعُدَ لِلتَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقُعُودِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ" وَأَمَّا الْمُتَوَهَّمُ فَهُوَ أَنْ يَشُكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟: فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، فَإِنْ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، فَرَجَعَ إلَى الْقُعُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ: أحدهما: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَيَسْجُدُ، كَمَا لَوْ زَادَ قِيَامًا أَوْ رُكُوعًا والثاني: لَا يَسْجُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَهُوَ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَةِ. وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ سُنَّةً مَقْصُودَةً وَذَلِكَ شَيْئَانِ: أحدهما: أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَاسِيًا فَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا جَلَسَ مِنْ أَرْبَعٍ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ فَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ" والثاني: أَنْ يَتْرُكَ الْقُنُوتَ سَاهِيًا فَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَتَعَلَّقَ السُّجُودُ بِتَرْكِهَا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ فَلَا يَسْجُدُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا سُنَّةٌ سَجَدَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَقْصُودٌ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ الْقُنُوتَ عَامِدًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى السَّهْوِ فَلَا يُفْعَلُ مَعَ الْعَمْدِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ لِتَرْكِهِ سَاهِيًا فَلَأَنْ يَسْجُدَ لِتَرْكِهِ عَامِدًا أَوْلَى وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ كَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّوَرُّكِ وَالِافْتِرَاشِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهِ الْجُبْرَانُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا؟ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ فِي زِيَادَةٍ هَلْ زَادَ أَمْ لَا؟ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ، وَإِنْ كَانَ فِي نُقْصَانٍ هَلْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ أَوْ الْقُنُوتَ أَمْ لَا؟ سَجَدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَسَجَدَ لِتَرْكِهِ".
 الشرح: الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
 وَأَمَّا الْأَحْكَامُ: فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الَّذِي يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ قِسْمَانِ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ ارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، أَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ فَنَوْعَانِ تَرْكُ رُكْنٍ وَغَيْرِهِ، أَمَّا الرُّكْنُ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَكْفِ عَنْهُ السُّجُودُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ كَمَا سَبَقَ، ثُمَّ قَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ التَّدَارُكِ، وَقَدْ لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا غَيْرُ الرُّكْنِ فَضَرْبَانِ أَبْعَاضٌ وَغَيْرُهَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَبْعَاضِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ، وَالْقُنُوتُ وَالْقِيَامُ لَهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ إذَا تَرَكَهُمَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا: إنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْعَاضِ مَجْبُورٌ بِسُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنهما السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

 

ج / 4 ص -40-         وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَشْرُوعٌ لِلسَّهْوِ وَهَذَا غَيْرُ سَاهٍ. لِأَنَّ السُّجُودَ شُرِعَ جَبْرًا لِخَلَلِ الصَّلَاةِ وَرِفْقًا بِالْمُصَلِّي إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِعُذْرِهِ. وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الْوَجْهَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ والثاني: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شُرِعَ لِلسَّاهِي فَالْعَامِدُ الْمُقَصِّرُ أَوْلَى، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبْعَاضِ مِنْ السُّنَنِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّوَرُّكِ وَالِافْتِرَاشِ وَالسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةَ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ الزَّائِدَةِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ الْمَسْنُونَاتِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا، سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السُّجُودُ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَالسُّجُودُ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَتُخَالِفُ الْأَبْعَاضَ فَإِنَّهُ وَرَدَ التَّوْقِيفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَقِسْنَا بَاقِيَهَا عَلَيْهِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهَا سُنَنٌ مُتَأَكَّدَةٌ.
وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ كُلِّ مَسْنُونٍ ذِكْرًا كَانَ أَوْ فِعْلًا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِنِسْيَانِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِشَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبْعَاضِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
أَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصِنْفَانِ: أحدهما: مَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا الضَّرْبَةُ وَالضَّرْبَتَانِ وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ، وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ وَالْخَاصِرَةِ وَالْفِكْرُ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّظَرُ إلَى مَا يُلْهِي وَرَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ، وَكَفُّ الثَّوْبِ وَالشَّعْرِ وَمَسْحُ الْحَصَى وَالتَّثَاؤُبُ وَالْعَبَثُ بِلِحْيَتِهِ وَأَنْفِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُسْجَدُ لِعَمْدِهِ وَلَا لِسَهْوِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى أَعْلَامِ الْخَمِيصَةِ وَقَالَ: أَلْهَتْنِي أَعْلَامُهَا، وَتَذَكَّرَ تِبْرًا كَانَ عِنْدَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَحَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ والثاني: مَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالْكَلَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الزَّائِدَيْنِ فَهَذَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ إذَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ. أَمَّا إذَا بَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا سُجُودَ، وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ وَالْفِعْلِ وَالْكَلَامِ إذَا أَكْثَرَ مِنْهَا سَاهِيًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ تَبْطُلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَلَا سُجُودَ، وَإِذَا سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ أَوْ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ: إنَّ قِرَاءَتَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا عَمْدًا لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا يُسْجَدُ لَهَا. وَبِهِ قَطَعَ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
فرع: قَالَ الْأَصْحَابُ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ أَرْكَانٌ طَوِيلَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا تَطْوِيلُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ: وَالِاعْتِدَالُ عَنْ الرُّكُوعِ رُكْنٌ قَصِيرٌ أُمِرَ الْمُصَلِّي بِتَخْفِيفِهِ، فَلَوْ أَطَالَهُ عَمْدًا بِالسُّكُوتِ أَوْ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ أَوْ بِذِكْرٍ آخَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا حَيْثُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقُنُوتِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ: أَوْ يُطِيلُ الْقِيَامَ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ، وَمُرَادُهُ إطَالَةُ الِاعْتِدَالِ، وَذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، وَالثَّانِي: لَا

 

ج / 4 ص -41-          تَبْطُلُ كَمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالثَّالِثُ: إنْ قَنَتَ عَمْدًا فِي اعْتِدَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَوَّلَهُ بِذِكْرٍ آخَرَ لَا بِقَصْدِ الْقُنُوتِ لَمْ تَبْطُلْ. هَذَا نَقْلُ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةِ فَمَضَى فَقُلْت يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا سُؤَالٌ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ".
هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ إطَالَةِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْإِطَالَةَ فَالْأَقْوَى جَوَازُهَا بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: أحدهما: أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ والثاني: أَنَّهُ طَوِيلٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَكْثَرُونَ.
 فَإِنْ قُلْنَا: طَوِيلٌ فَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِهِ عَمْدًا، وَإِنْ قُلْنَا: قَصِيرٌ فَفِي تَطْوِيلِهِ عَمْدًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الِاعْتِدَالِ قَالُوا: وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا ذِكْرِيًّا إلَى رُكْنٍ طَوِيلٍ بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا فِي الرُّكُوعِ، أَوْ فِي السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ عَمْدًا فَطَرِيقَانِ: أحدهما: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: تَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَقَلَ رُكْنًا فِعْلِيًّا وأصحهما: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَطَرَدُوا هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى الِاعْتِدَالِ، وَلَمْ يُطِلْ، فَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضَ التَّشَهُّدِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَطَوَّلَ الِاعْتِدَالَ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ بِالتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ تَبْطُلُ قَطْعًا، وَحَيْثُ قُلْنَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَفَعَلَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ فَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: لَا كَسَائِرِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يَسْجُدُ لِإِخْلَالِهِ بِصُورَتِهَا وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ.
فرع: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ وَلِلنَّقْصِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إلَّا عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ صَاحِبَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَا لَا يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ.
فرع: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُسْجَدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْجَدُ لِتَرْكِ جَمِيعِ الْهَيْئَاتِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إذَا أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ أَوْ عَكَسَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ، وَلَا لِلْإِسْرَارِ فِي مَوْضِعٍ

 

ج / 4 ص -42-         الْجَهْرِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يُسْجَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: يُسْجَدُ لِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ. وَعَنْ الْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ عَمْدًا فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَسْجُدُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
فرع: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ أَنَّا إذَا تَيَقَّنَّا وُجُودَ شَيْءٍ أَوْ عَدَمَهُ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي تَغَيُّرِهِ وَزَوَالِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ اسْتَصْحَبْنَا حُكْمَ الْيَقِينِ وَطَرَحْنَا حُكْمَ الشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَاسْتَوْعَبْنَاهَا هُنَاكَ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهَا مُوَضَّحًا. قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِذَا شَكَّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالسُّجُودِ وَهُوَ الْأَبْعَاضُ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْبَغَوِيّ: هَذَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مُعَيَّنٍ، فَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ مُطْلَقًا أَمْ لَا؟ فَلَا يَسْجُدُ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ قَطْعًا، وَإِنْ شَكَّ هَلْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ غَيْرَهُمَا أَمْ لَا؟ أَوْ هَلْ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا كَكَلَامٍ وَسَلَامٍ نَاسِيًا؟ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ لَهُ أَمْ لَا؟ فَلْيَسْجُدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السُّجُودِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ؟ سَجَدَ أُخْرَى وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ هُوَ تَرَكَ مَأْمُورًا أَوْ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، سَجَدَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ السُّجُودِ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ عَيْنِهِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا سَبَقَ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ السُّجُودِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَطَائِفَةٌ: الْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْحَدِيثُ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ سَبَبَهُ التَّرَدُّدُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَمْ زَائِدَةٌ تَقْتَضِي السُّجُودَ؟ وَهَذَا التَّرَدُّدُ يَقْتَضِي السُّجُودَ، فَلَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ وَعَرَفَ أَنَّ الَّتِي يَأْتِي بِهَا رَابِعَةٌ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَسْجُدُ عَلَى الثَّانِي.
وَضَبَطَ أَصْحَابُ الْوَجْهِ الثَّانِي صُورَةَ الشَّكِّ وَزَوَالِهِ فَقَالُوا: إنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ مِنْ وَقْتِ عُرُوضِ الشَّكِّ إلَى زَوَالِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ سَجَدَ
مِثَالُهُ: شَكَّ فِي قِيَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثَالِثَةٌ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَرَكَعَ وَسَجَدَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْقِيَامِ إلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى أَخْذًا بِالْيَقِينِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الْأُخْرَى أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَلَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ عَلَى الشَّكِّ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا رَابِعَةٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ وَكَوْنِهَا خَامِسَةً كَانَ مَوْجُودًا حِينَ قَامَ.
فرع: لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهُ الْمُجْزِئَ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ظَاهِرٌ، وَلَا يُقَالُ: يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ شَاكٌّ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

ج / 4 ص -43-         فرع: قَدْ سَبَقَ أَنَّ فَوَاتَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ جُلُوسِهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ، فَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَاسِيًا لِلتَّشَهُّدِ أَوْ جَلَسَ وَلَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ ثُمَّ نَهَضَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا فَيَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ السَّابِقُ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعُودَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: وَيَكُونُ سُجُودُ السَّهْوِ هُنَا لِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنْ عَادَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. قَالُوا: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ، وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ.
والثاني: أَنَّهُ كَالْعَامِدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، هَذَا حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَوْدُ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ لِلتَّشَهُّدِ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِيَتَشَهَّدَ جَازَ وَكَانَ مُفَارِقًا بِعُذْرٍ، وَلَوْ انْتَصَبَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَادَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ، بَلْ يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ قَائِمًا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي التَّنَحْنُحِ أَصَحُّهُمَا لَهُ ذَلِكَ. فَلَوْ عَادَ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَعَدَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقَامَ الْمَأْمُومُ نَاسِيًا أَوْ نَاهِضًا فَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَعَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أصحها: يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ، وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَمُتَابِعُوهُمَا والثاني: يَحْرُمُ الْعَوْدُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ والثالث: يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ، وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَوْدُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى، بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِالْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ، صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ، وَصَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ وُجُوبِ الرُّجُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ عَمْدًا فَقَدْ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ، قَالَ: كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعَوْدُ، فَإِنْ عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا قَالَ فَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا بِأَنْ سَمِعَ صَوْتًا فَظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ رَكَعَ فَرَكَعَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أحدهما: يَجِبُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وأصحهما: لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلِلنِّزَاعِ فِي صُورَةِ قَصْدِ الْقِيَامِ بِحَالٍ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ عَمْدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَعَلُوهُ مُسْتَحَبًّا.
قلت: هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله

 

ج / 4 ص -44-          عنه فِي الْأُمِّ، وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ في"الأم" وَقَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَالُ الثاني: أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله: يَرْجِعُ إلَى الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ، وَالْمُرَادُ بِالِانْتِصَابِ الِاعْتِدَالُ وَالِاسْتِوَاءُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ هِيَ أَرْفَعُ مِنْ حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ إذَا عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أصحهما: عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَسْجُدُ والثاني: يَسْجُدُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ: إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ عَادَ سَجَدَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ اسْتَوَتْ نِسْبَتُهُمَا لَمْ يَسْجُدْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ: إنْ عَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ سَجَدَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ وَرُفْقَتُهُ مُتَقَارِبَتَانِ، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْقَفَّالِ أَوْفَى بِالْغَرَضِ، وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلَيْنِ، وَهِيَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَحَمْلٌ لَهُمَا عَلَى حَالَيْنِ. وَبِهَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ، وَقَدْ يُحْتَجُّ؛ لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"لَا سَهْوَ فِي وَثْبَةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي قِيَامٍ عَنْ جُلُوسٍ أَوْ جُلُوسٍ عَنْ قِيَامٍ" وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَادَّعَى أَنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالَيْنِ هُوَ فِيمَا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ نَاسِيًا وَنَهَضَ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا قَوْل الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أحدهما: يَسْجُدُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، فَهَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُوَافِقُوهُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ زَادَ هَذَا النُّهُوضَ عَمْدًا لَا لِمَعْنًى وَهَذَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَامَ مُتَعَمِّدًا تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَبَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَعَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّهُوضَ كَانَ جَائِزًا، أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَأَنَّهُ جَاءَ وَقْتُ الثالثة: لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِذَا نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْعَوْدُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ عَادَ قَبْلَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ أَوْ بَعْدَهُ فَحُكْمُ سُجُودِ السَّهْوِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: إذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَنْ قِيَامٍ ظَانًّا أَنَّهُ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْحَالَ بَعْدَ

 

ج / 4 ص -45-         التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ تَدَارُكُ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ إعَادَةُ التَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةٍ رَبَاعِيَةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ فَكَذَلِكَ يَتَدَارَكُ السَّجْدَتَيْنِ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَوْضِعِهِ، إلَّا أَنَّ إعَادَةَ التَّشَهُّدِ هُنَا سُنَّةٌ وَهُنَاكَ وَاجِبَةٌ، وَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ لَا يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ، فَإِذَا تَذَكَّرَ تَدَارَكَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ. أَمَّا إذَا جَلَسَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثالثة: مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، وَقَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَقُومُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا طَوِيلًا فَلَوْ لَوْ يَطُلْ قُعُودُهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَالتَّطْوِيلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَتَدَارَكُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ، لَكِنْ إذَا طَوَّلَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ جَلَسَ عَنْ قِيَامٍ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ تَذَكَّرَ اشْتَغَلَ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ إنْ طَالَ جُلُوسُهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ كَانَ فِي حَدِّ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ، فَإِنَّ تَعَمُّدَهَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَرْكَانًا، فَكَانَ تَأْثِيرُهَا أَشَدَّ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ.
فرع: لَوْ قَامَ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجُلُوسِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمَ، سَوَاءٌ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الْخَامِسَةِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْحَالَةَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُعِيدُهُ، وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ، وَلَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ وَجَبَ التَّشَهُّدُ، وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ، وَكَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ كَفَاهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا، وَلَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ فَهَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ؟ أَمْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ يُحْكَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرُّكُوعِ أَلَّا يُقْصَدَ بِالْهَوِيِّ إلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهَذَا قَصَدَ السُّجُودَ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ.
 مَذْهَبُنَا: أَنَّهُ إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَعُدْ، وَإِلَّا عَادَ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ، وَإِلَّا عَادَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنْ ذَكَرَ قَبْلَ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ عَادَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ عَادَ وَإِلَّا فَلَا.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ اجْتَمَعَ سَهْوَانِ أَوْ أَكْثَرُ كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم 
"سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَكَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَتَيْنِ" وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَدَاخَلْ لَسَجَدَ عَقِبَ السَّهْوِ، فَلَمَّا أَخَّرَ إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَ لِيَجْمَعَ كُلَّ سَهْوٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ

 

 

ج / 4 ص -46-         سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا فِيهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ: يُعِيدُهُ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَجْبُرُ مَا بَعْدَهُ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ لَا يُعِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْبُرْ كُلَّ سَهْوٍ لَمْ يُؤَخَّرْ".
 الشرح:
حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ وَسَبَقَ بَيَانُهُ. وَابْنُ الْقَاصِّ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا اجْتَمَعَ فِي صَلَاتِهِ سَهْوَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِنُقْصَانٍ أَوْ بِهِمَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُكَرِّرُ حَقِيقَةَ السُّجُودِ، وَقَدْ تُكَرَّرُ صُورَتُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا سَجَدَ الْمَسْبُوقُ وَرَاءَ الْإِمَامِ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفصل:الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهَا لَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَخَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَوَجْهَانِ أصحهما: يَسْجُدُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا والثاني: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ جَابِرًا لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ.
وَمِنْهَا لَوْ سَهَا مُسَافِرٌ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ صَارَ مُقِيمًا بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى وَطَنِهِ وَجَبَ الْإِتْمَامُ وَيُعِيدُ السُّجُودَ بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْهَا لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ السَّلَامِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أحدهما: يُعِيدُهُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وأصحهما: لَا يُعِيدُهُ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ بَيْنَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ وُقُوعِ مِثْلِهِ، فَيَتَسَلْسَلُ، وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ، فَلَوْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَقْتَضِي السُّجُودَ فَسَجَدَ أُمِرَ بِالسُّجُودِ ثَانِيًا لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.
وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ سَهْوَهُ بِتَرْكِ الْقُنُوتِ فَسَجَدَ لَهُ فَبَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُعِيدُ السُّجُودَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْبَرْ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُعِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَبْرَ الْخَلَلِ، وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ، وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ؟ فَأَخَذَ بِالْأَقَلِّ فَسَجَدَ سَجْدَةً أُخْرَى فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يُعِدْ السُّجُودَ، وَدَلِيلُ هَذَا كُلِّهِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ سَهَا سَهْوَيْنِ فَأَكْثَرَ
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا سَهَا سَهْوَيْنِ سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
"لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَضَعِيفٌ

 

 

ج / 4 ص -47-         وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي سَجْدَتَانِ لِكُلِّ سَهْوٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوَانِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا كَفَاهُ سَجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً وَالْآخَرُ نَقْصًا سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحُكْم رضي الله عنه شَمَّتَ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:
"إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ" وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ، فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ حُكْمُ سَهْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَمَّلَ الْإِمَامُ عَنْهُ سَهْوَهُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ أَيْضًا سَهْوُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ الْبَابْشَامِيُّ: لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَقَدْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمَّا سَهَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِسَهْوِهِ فَإِذَا لَمْ يَجْبُرْ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ جَبَرَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ".
 الشرح: حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ تَحَمَّلَ الْإِمَامُ سَهْوَهُ، وَلَا يَسْجُدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَكْحُولًا فَإِنَّهُ قَالَ: يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَسَهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَكَذَا الْمَأْمُومُ الْمُوَافِقُ لَوْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ وَجَوَّزْنَا ذَلِكَ فَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ، بَلْ يَسْجُدُ هُوَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
أَمَّا إذَا ظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَسَلَّمَ مَعَهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ تَيَقَّنَ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ تَرَكَ الرُّكُوعَ أَوْ الْفَاتِحَةَ مِنْ رَكْعَةٍ نَاسِيًا فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ الْمَسْبُوقُ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ.
وَلَوْ ظَنَّ الْمَسْبُوقُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ بِأَنْ سَمِعَ صَوْتًا ظَنَّهُ سَلَامَهُ فَقَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ، وَكَانَ مَا عَلَيْهِ رَكْعَةً مَثَلًا فَأَتَى بِهَا وَجَلَسَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُسَلِّم بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَّا أَنَّ ظَنَّهُ كَانَ خَطَأً، فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّدَارُكِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى التَّدَارُكِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَسَلَّمَ الْإِمَامُ، وَهُوَ قَائِمٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي صَلَاتِهِ؟ أَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومَ مِنْهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ وَجَبَ إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي قِيَامِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ فَرَكْعَتُهُ مَحْسُوبَةٌ، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الْقُعُودُ لَمْ يُحْسَبْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَعَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَلْيَرْجِعْ إلَى مُتَابَعَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ وَيَتَمَادَى فِي تَتْمِيمِ صَلَاتِهِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى

 

ج / 4 ص -48-         مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ، وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومُ؛ لِأَنَّ نُهُوضَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَيَرْجِعُ ثُمَّ يَقْطَعُ الْقُدْوَةَ إنْ شَاءَ والثاني: لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِيَامُ فَمَا بَعْدَهُ، فَلَوْ لَمْ يُرِدْ قَطْعَ الْقُدْوَةِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ قَائِمًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الرُّجُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ فِي مُكْثِهِ قَائِمًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً فَإِنْ قَرَأَ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يُعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ بَلْ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا.
فرع: إذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ لَحِقَ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ وَتُسْتَثْنَى صُورَتَانِ إحداهما: إذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَلَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَحْمِلُ هُوَ عَنْ الْمَأْمُومِ سَهْوَهُ الثانية: أَنْ يَعْلَمَ سَبَبَ سَهْوِ الْإِمَامِ وَيَتَيَقَّنَ غَلَطَهُ فِي ظَنِّهِ، بِأَنْ ظَنَّ الْإِمَامُ تَرْكَ بَعْضِ الْأَبْعَاضِ وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ أَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ فَسَجَدَ فَلَا يُوَافِقُهُ الْمَأْمُومُ ثُمَّ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الصُّورَتَيْنِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَتُهُ فِيهِ، فَإِنْ تَرَكَ مُوَافَقَتَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَسَوَاءٌ عَرَفَ الْمَأْمُومُ سَهْوَ الْإِمَامِ أَمْ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَمَتَى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ سَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْحَالُ هُنَاكَ لَمْ تَجُزْ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا.
فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أَوْ شَاكًّا فِي فِعْلِ رُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ، وَأَنَّهُ غَالِطٌ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ إلَّا سَجْدَةً سَجَدَ الْمَأْمُومُ أُخْرَى حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ نَسِيَهَا وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ تَأْخِيرَهُ إلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ: لَا يَسْجُدُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَهُمَا، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ إلَى السُّجُودِ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا وَافَقَهُ فِي السُّجُودِ، فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِ هَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ؟ وَسَنُوَضِّحُهُمَا إنْ شَاءَ الله تعالى.
وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ سَلَّمَ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ بِالسَّهْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ إذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ عَمْدًا يَتَضَمَّنُ انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَأْمُومُ فَعَادَ الْإِمَامُ لِيَسْجُدَ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ لَمْ يُتَابِعْهُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ بِالسُّجُودِ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أصحهما: لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَجْلِسُ والثاني: تَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ بَعْدَ مَا سَهَا أَوْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَتَمَّ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ ثُمَّ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ لَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَهُ، وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا فَنَوَى الْمَأْمُومُ مُفَارَقَتَهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ فِي ارْتِفَاعِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ السَّهْوُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ نَوَاهَا قَبْلَهُ فَلَا سُجُودَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُفَارَقَتَهُ قَبْلَ تَوَجُّهِ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ

 

ج / 4 ص -49-         لِلسَّهْوِ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ الْمَأْمُومُ بَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يَنْتَظِرُ سُجُودَ الْإِمَامِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ السُّجُودُ مَعَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: لَا يَسْجُدُ مَعَهُ، هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ، قَالَ: وَبِهَذَا قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ، دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
"إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"  إلَخْ
فرع: إذَا سَهَا الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْقَاسِمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا يَسْجُدُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ: يُعِيدُ السُّجُودَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فَعَلَهُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ، وَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ: لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ حَصَلَ بِسُجُودِهِ[فَلَمْ يُعِدْ]1فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فِيمَا أَدْرَكَهُ وَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ سَهَا الْمَأْمُومُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعِيدُ السُّجُودَ سَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ أَوْ سَجَدَ، وَقُلْنَا: يُعِيدُ فَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ تَجْبُرَانِ كُلَّ سَهْوٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَالْآخَرُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ فَالْمَنْصُوصُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ حُكْمُ سَهْوِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ فَنَقَصَتْ بِهَا صَلَاتُهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ، فَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً مُنْفَرِدًا فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ فَسَهَا فِيهَا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ إمَامٍ مُسَافِرٍ فَسَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ قَامَ إلَى رَابِعَةٍ فَسَهَا فِيهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أصحها: يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ والثاني: يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ؛ لِأَنَّهُ سَهَا سَهْوًا فِي جَمَاعَةٍ وَسَهْوًا فِي الِانْفِرَادِ والثالث: يَسْجُدُ سِتَّ سَجَدَاتٍ؛ لِأَنَّهُ سَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ".
 الشرح: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ وَسَجَدَ الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ مَعَهُ هَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ أصحهما عِنْدَ الْأَصْحَابِ: يُعِيدُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفين في نسخة المهذب وليس في  ش و ق (ط)

 

ج / 4 ص -50-         الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ أَمَّا إذَا سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ سَجَدَ مَعَهُ، وَهَلْ يُعِيدُهُ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ أصحهما: يُعِيدُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ سَجَدَ هُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ والثاني: لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ هُوَ أَصْلًا، وَإِنْ سَجَدَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَصَحُّهُمَا: لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَهْوَ فِي حَقِّهِ، وَالثَّانِي يَسْجُدُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا. وَحَيْثُ قلنا: الْمَسْبُوقُ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ آخَرُ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ اقْتَدَى بِالثَّانِي ثَالِثٌ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ بِالثَّالِثِ رَابِعٌ فَأَكْثَرَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْجُدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُنْفَرِدًا فَصَلَّى رَكْعَةً فَسَهَا فِيهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ وَجَوَّزْنَاهُ فَصَلَّى الْإِمَامُ ثَلَاثًا وَقَامَ إلَى رَابِعَتِهِ فَنَوَى الْمَأْمُومُ مُفَارَقَتَهُ وَتَشَهَّدَ سَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَوْ كَانَ لَمْ يَسْهُ فِي رَكْعَتِهِ لَكِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ قَدْ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ وَسَهَا أَيْضًا إمَامُهُ فِي اقْتِدَائِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، وَفِي وَجْهٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. أَمَّا إذَا سَهَا الْمَسْبُوقُ فِي تَدَارُكِهِ فَإِنْ كَانَ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ، وَقُلْنَا: لَا يُعِيدُهُ سَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: يُعِيدُهُ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ سَجَدَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ والثاني: أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وَلَوْ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ إمَامٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَسَهَا إمَامُهُ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى رَابِعَتِهِ وَسَهَا فِيهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أصحها: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ والثاني: أَرْبَعًا والثالث: سِتًّا، وَدَلَائِلُهَا فِي الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَجَدَ إمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ صَارَ فِي صَلَاتِهِ ثَمَانِ سَجَدَاتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ وَسَهَا الْإِمَامُ وَسَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ صَارَ الْإِمَامُ مُتِمًّا قَبْلَ السَّلَامِ فَأَتَمَّ وَأَعَادَ سُجُودَ السَّهْوِ وَأَعَادَ مَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَسَهَا فِيهِ وَقُلْنَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ: يَسْجُدُ سِتَّ سَجَدَاتٍ، فَيَسْجُدُ هُنَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالَتَيْنِ، وَتَصِيرُ سَجَدَاتُهُ ثَمَانِيًا، فَإِنْ سَهَا بَعْدَ سَجَدَاتِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفرع:نَا عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ يَسْجُدُ صَارَتْ السَّجَدَاتُ عَشْرًا، وَقَدْ تَزِيدُ عَدَدُ السَّجَدَاتِ عَلَى هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ فَعَنْ مَاذَا يَقَعَانِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَسَهْوِ إمَامِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: حَكَاهَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ أحدها: هَذَا والثاني: يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ. وَيَكُونُ سَهْوُ الْإِمَامِ تَابِعًا والثالث: عَكْسُهُ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا. هَذَا كَلَامُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا نَوَى غَيْرَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سُجُودًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ عَامِدًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، فَعَلَى هَذَا إنْ نَوَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْآخَرَ بِلَا سُجُودٍ، وَتَرْكُ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا قُلْنَا: تَبْطُلُ إذَا نَوَى غَيْرَ الْمَقْصُودِ فَذَلِكَ إذَا تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُكْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

ج / 4 ص -51-         قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً لَهُ وَالسَّجْدَتَانِ"  وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ؛ لِمَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ".
الشرح: سَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: هُوَ سُنَّةٌ كَقَوْلِنَا. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي سَهْوِ النُّقْصَانِ، وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا فَأَوْجَبَهُ، وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: لَكِنْ لَيْسَ هُوَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ السَّهْوُ لِنَقْصٍ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَالَ الْفصل:لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ.
قَالَ المصنف رحمه الله تعالى:"وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَالْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ يَدْخُلُ النَّقْصُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا يَدْخُلُ بِالنُّقْصَانِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَمْ يَتَطَاوَلْ الْفصل:سَجَدَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ، وَإِنْ طَالَ فَفِيهِ قَوْلَانِ أحدهما: يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّطَاوُلِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يُفْعَلُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَذَكَرَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَبَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ، وَكَيْفَ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ: يَسْجُدُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَهُ تَشَهُّدٌ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَتَشَهَّدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي تُرِكَ هُوَ السُّجُودُ فَلَا يُعِيدُ مَعَهُ غَيْرَهُ".
 الشرح: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه.
أَمَّا حُكْمُ الْفصل:مَحَلِّ سُجُودِ السَّهْوِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أحدهما: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الصَّحِيحُ مِنْهَا: أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ والثاني: إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُ والثالث: إنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ وَهُمَا سَوَاءٌ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُجْزِئُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ فَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ، وَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ، وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ زِيَادَةً فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ صِحَّةُ الْأَخْبَارِ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. قَالَ: وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَتُحْمَلُ الْأَقْوَالُ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْجَوَازِ كَمَا سَبَقَ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، يَعْنِي جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَائِزٌ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ

 

ج / 4 ص -52-         السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنهم، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا، هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَسَبَقَتْ أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثٌ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ" وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَسَلَّمَ قَبْلَ السُّجُودِ نَظَرْتَ فَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا عَالِمًا بِالسَّهْوِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أصحهما: عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ فَوَّتَ السُّجُودَ وَلَا يَسْجُدُ والثاني: يَسْجُدُ إنْ قَرُبَ الْفصل:وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ لَا يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَسَجَدَ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ سَلَّمَ نَاسِيًا فَإِنْ طَالَ الْفصل:فَقَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ لَا يَسْجُدُ وَالْقَدِيمُ يَسْجُدُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ ذَكَرَ عَلَى قُرْبٍ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَسْجُدَ فَذَاكَ وَالصَّلَاةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ بِالسَّلَامِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ السَّلَامُ مَرَّةً أُخْرَى، وَذَلِكَ السَّلَامُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه. وَالثَّانِي: لَا يَسْجُدُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ هُنَا أَوْ بِالْقَدِيمِ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ: إنَّهُ يَسْجُدُ فَسَجَدَ فَهَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ: لَا يَكُونُ عَائِدًا وأصحهما عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يَكُونُ عَائِدًا، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَصَحَّحَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَيَتَفرع: عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَسَائِلُ: منها لَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ أَحْدَثَ فِي السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَخَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي السُّجُودِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا هَلْ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَتَشَهَّدُ؟ إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي: لَمْ يُكَبِّرْ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ السَّلَامِ بَعْدَ السُّجُودِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ: كَبَّرَ.
وَفِي التَّشَهُّدِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا لَا يَتَشَهَّدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ، قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ سَوَاءٌ قلنا: يَتَشَهَّدُ أَمْ لَا، لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَأَمَّا طُولُ الْفصل:فَفِي حَدِّهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ، وَحَاوَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ضَبْطَ الْعُرْفِ فَقَالَ: إذَا مَضَى زَمَنٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ قَصْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَهُوَ طَوِيلٌ وَإِلَّا فَقَصِيرٌ، قَالَ: وَلَوْ سَلَّمَ وَأَحْدَثَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ عَلَى قُرْبِ الزَّمَنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدَثَ فَاصِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ، وَلَنَا قَوْلُ إنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْفصل:بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِهَا، وَقَدْ سَبَقَ

 

ج / 4 ص -53-          بَيَانُهُ وَهُوَ شَاذٌّ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، وَلَا يَضُرُّ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ، وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ، لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ رضي الله عنه.
هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنْ قلنا: بَعْدَهُ فَلْيَسْجُدْ عَقِبَهُ فَإِنْ طَالَ الْفصل:عَادَ الْخِلَافُ، وَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَحْكُمْ بِعَوْدِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَلْ يَتَحَرَّمُ لِلسَّجْدَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ؟ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: حُكْمُهُ حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ، وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَتَشَهَّدُ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ قَوْلَانِ الصحيح الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ والثاني: يَتَشَهَّدُ قَبْلَهُمَا لِيَلِيَهُمَا السَّلَامُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلِلنَّقْصِ قَبْلَهُ فَسَهَا سَهْوَيْنِ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَوَجْهَانِ أصحهما وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، لِيَقَعَ السَّلَامُ بَعْدَ جَبْرِهَا والثاني: وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ: يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ وَلِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَلِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ كَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ.
فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ فَمَتَى يُؤْمَرُ بِتَدَارُكِهِ؟ قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُ مَتَى ذَكَرَهُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً سَجَدَ مَتَى ذَكَرَهُ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ لِنَقْصٍ سَجَدَ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ، وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ.
فرع: سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ، وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الِافْتِرَاشُ وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ، وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَاحِدٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي النَّفْلِ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ فِي النُّقْصَانِ فَكَانَ كَالْفَرْضِ فِي الْجُبْرَانِ".
 الشرح: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَانِ: أصحهما وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ والثاني: عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ: يَسْجُدُ، وَالْقَدِيمُ: لَا يَسْجُدُ، وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: نَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابْنَ سِيرِينَ

فرع: فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ.
إحداها: لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ التَّكْبِيرَ وَالصَّلَاةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُولَى وَتَمَّتْ بِالثَّانِيَةِ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ عَادَ إلَى الْأُولَى فَأَكْمَلَهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ، نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ

 

ج / 4 ص -54-         والثانية: لَوْ أَرَادَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لِنَازِلَةٍ وَقُلْنَا بِهِ: فَنَسِيَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ.
الثالثة: لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ نَاسِيًا وَنَسِيَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ؛ وَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا الْإِتْمَامَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا وَنَسِيَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ السَّجَدَاتِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ تَفْصِيلُهُ. وَاضِحًا.
الرابعة: لَوْ جَلَسَ فِي تَشَهُّدٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي؟ فَتَشَهَّدَ شَاكًّا ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ بَانَ الْحَالُ سَجَدَ السَّهْوَ سَوَاءٌ بَانَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ بَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ قَامَ شَاكًّا فِي زِيَادَةِ هَذَا الْقِيَامِ، فَإِنْ بَانَ الْحَالُ عَقِبَ شَكِّهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فَلَا سُجُودَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَتَى زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ فِي فرع: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ
الخامسة: لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةٍ وَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُولَى فَإِنْ قَصُرَ الْفصل:بَنَى عَلَيْهَا، وَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا.
السادسة: لَوْ جَلَسَ بَعْد سَجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ظَانًّا أَنَّهَا الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَجَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَبَانَ لَهُ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ تَشَهَّدَ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ.
السابعة: إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً فَنَسِيَ، وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ السُّجُودِ فِيهَا عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السُّجُودِ فَمَذْهَبُنَا: أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ جَلَسَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَكُونُ الْخَامِسَةُ نَافِلَةً فَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ الرَّابِعَةِ بَطَلَتْ فَرِيضَتُهُ بِقِيَامِهِ إلَى الْخَامِسَةِ، وَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى، وَتَكُونُ نَفْلًا، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
الثامنة: إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا سَهْوًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِتَصِيرَ صَلَاتُهُ وِتْرًا.
التاسعة: الْمَسْبُوقُ يَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فَيُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَسْجُدُ، وَحَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا فِعْلَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَالسَّهْوِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
"وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" وَلَمْ يَأْمُرْ بِسُجُودِ سَهْوٍ، وَحَدِيثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

 

ج / 4 ص -55-         وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ فَتَدَارَكَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ، وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَانِ
العاشرة: لَا يَسْجُدُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ وَالْأَفْكَارِ بِلَا خِلَافٍ..