نهاية
المحتاج إلى شرح المنهاج كِتَابُ الزَّكَاةِ هِيَ لُغَةً:
التَّطْهِيرُ.
وَشَرْعًا: اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ
مَخْصُوصٍ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
يُطَهِّرُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ عَنْ تَدْنِيسِهِ بِحَقِّ الْمُسْتَحَقِّينَ
وَالْمُخْرِجَ عَنْ الْإِثْمِ، وَيُصْلِحُهُ وَيُنَمِّيهِ وَيَقِيهِ مِنْ
الْآفَاتِ وَيَمْدَحُهُ، وَأَصْلُ وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَأَخْبَارٌ
كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ أَحَدَ
أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي
الْقَدْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ
الْأَقْرَبُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
ِ (قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً: التَّطْهِيرُ) أَيْ وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ
وَالْمَدْحُ اهـ حَجّ.
وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ الشَّارِحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ أَنْسَبُ
بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُخْرَجَ يُطَهِّرُ
صَاحِبَهُ مِنْ الذُّنُوبِ، لَكِنْ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ إلَخْ أَوْفَقَ بِكَلَامِ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَيَمْدَحُهُ) أَيْ عِنْدَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] قَالَ الزِّيَادِيُّ: الْأَصَحُّ
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا لَا عَامَّةً وَلَا
مُطْلَقَةً، وَكَذَا قَوْلُهُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:
103] اهـ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ
مِنْهَا حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا كَالْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي تَفْضِيلِهَا اهـ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ زي
وَيُشْكِلُ عَلَيْهَا آيَةُ الْبَيْعِ: أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَإِنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ أَقْوَالٍ
أَرْبَعَةٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ مَعَ اسْتِوَاءِ كُلٍّ مِنْ
الْآيَتَيْنِ لَفْظًا، إذْ كُلُّ مُفْرَضٍ مُشْتَقٌّ وَاقْتَرَنَا بِأَلْ
فَتَرْجِيحُ عُمُومِ تِلْكَ وَإِجْمَالُ هَذِهِ دَقِيقٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ
بِأَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَنْطُوقُ الْآيَةِ مُوَافِقٌ
لِأَصْلِ الْحِلِّ مُطْلَقًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً
مُتَمَحِضَّةً، فَمَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَمَا
لَمْ يُحَرِّمْهُ مُوَافِقٌ لَهُ فَعَمَلُنَا بِهِ، وَمَعَ هَذَيْنِ
يَتَعَذَّرُ الْقَوْلُ بِالْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَّضِحْ
دَلَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَالْحِلُّ قَدْ عُلِمَتْ دَلَالَتُهُ
مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ فِيهَا فَوَجَبَ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ
الْمَعْمُولِ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْمُخَصَّصِ لِإِفْصَاحِ دَلَالَتِهِ
عَلَى مَعْنَاهُ.
وَأَمَّا إيجَابُ الزَّكَاةِ الَّذِي هُوَ مَنْطُوقُ اللَّفْظِ فَهُوَ
خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا
عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ بَيَانِهِ
مَعَ إجْمَالِهِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُجْمَلِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ فِيهِمَا أَحَادِيثُ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَنَى بِأَحَادِيثِ الْبُيُوعَاتِ
الْفَاسِدَاتِ الرِّبَا وَغَيْرُهُ فَأَكْثَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ
يَحْتَاجُ لِبَيَانِهَا لِكَوْنِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَا بِبَيَانِ
الْبُيُوعَاتِ الصَّحِيحَةِ اكْتِفَاءً بِالْعَمَلِ فِيهَا بِالْأَصْلِ،
وَفِي الزَّكَاةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَاعْتَنَى بِبَيَانِ مَا يَجِبُ فِيهِ؛
لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ لَا
بِبَيَانِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ اكْتِفَاءً بِأَصْلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ،
وَمِنْ ثَمَّ طُولِبَ مَنْ ادَّعَى الزَّكَاةَ فِي نَحْوِ خَيْلٍ وَرَقِيقٍ
بِالدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: فَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ)
لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ أَنْكَرَ
أَصْلَهَا كَفَرَ، وَكَذَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهَا الضَّرُورِيَّةِ حَجّ.
وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَهَا فِي أَيِّ
شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا حَتَّى مَالِ الصَّبِيِّ
كَفَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ إنْكَارُ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِشَيْءٍ مِنْ
الْأَمْوَالِ، لَكِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لَا
يُنَاسِبُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَيُصْلِحُهُ) يَعْنِي الْمُخْرَجَ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يُمَهِّدْ لِهَذَا فِي الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ مَا يَحْسُنُ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ هُنَا فِي
نُسَخِ الشَّارِحِ سَقْطًا مِنْ الْكَتَبَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ
لِلْإِمْدَادِ وَلَفْظُهَا: وَهِيَ لُغَةً التَّطْهِيرُ، وَمِنْهُ {قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا عَنْ الْأَدْنَاسِ
وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ {فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ، وَشَرْعًا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي
(3/43)
كَوُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَمَالِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ جَهِلَهَا
عُرِّفَ بِهَا، فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَرَ، وَيُقَاتَلُ
الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ
قَهْرًا كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ
زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَتَجِبُ فِي ثَمَانِيَةِ أَمْوَالٍ كَمَا تُصْرَفُ
لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْعَامُ أَكْثَرَ
أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَالْإِبِلُ أَشْرَفَهَا بَدَأَ بِهَا اقْتِدَاءً
بِكِتَابِ الصِّدِّيقِ الْآتِي، فَقَالَ:
بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ وَلِزَكَاةِ الْحَيَوَانِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ النَّعَمُ كَمَا قَالَ (إنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ)
أَيْ مِنْ الْحَيَوَانِ (فِي النَّعَمِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ
الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ) الْإِنْسِيَّةُ.
سُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ؛
لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا،
وَالنَّعَمُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ يُذَكَّرُ
وَيُؤَنَّثُ، وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ وَجَمْعُ أَنْعَامٍ أَنَاعِمُ،
وَأَفَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَهُوَ الْأَقْرَبُ بَلْ هُوَ بِالِاحْتِمَالِ
الْأَوَّلِ أَوْفَقُ (قَوْلُهُ كَوُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ) مِثَالٌ
لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ (قَوْلُهُ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ) اُنْظُرْ فِي
أَيِّ وَقْتٍ. |