نهاية
المحتاج إلى شرح المنهاج (بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ) (قَوْلُهُ:
زَكَاةُ الْحَيَوَانِ)
[تَنْبِيهٌ] أَبْدَلَ شَيْخُنَا الْحَيَوَانَ بِالْمَاشِيَةِ، وَذَكَرَ مَا
يُصَرِّحُ بِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ النَّعَمِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ حُكْمًا
وَإِبْدَالًا فَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ،
وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَهِيَ
أَخَصُّ مِنْ النَّعَمِ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَتْنِ
إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ، وَقَوْلُهُ وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ
الْمَاشِيَةِ إلَخْ اهـ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ بِأَنَّهَا أَعَمُّ
عُرْفًا، وَقَوْلُ حَجّ: وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ النَّعَمِ أَوْ مُسَاوِيَةٌ
لَهُ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّعَمَ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمِصْبَاحِ
وَعِبَارَتُهُ: النَّعَمُ الْمَالُ الرَّاعِي، وَهُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ
لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: النَّعَمُ الْإِبِلُ فَقَطْ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَجَمْعُهُ
نُعْمَانٌ مِثْلُ جَمَلٍ وَجُمْلَانٌ وَأَنْعَامٌ أَيْضًا، وَقِيلَ
النَّعَمُ الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَالْأَنْعَامُ ذَوَاتُ الْخُفِّ
وَالظِّلْفِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَقِيلَ تُطْلَقُ
الْأَنْعَامُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ، فَإِذَا انْفَرَدَتْ الْإِبِلُ
فَهِيَ نَعَمٌ، وَإِذَا انْفَرَدَتْ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَمْ تُسَمَّ
نَعَمًا (قَوْلُهُ: خَمْسَةٌ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَرْبَعَةٌ، وَلَا
مُنَافَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدِّهَا
خَمْسَةً؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ مُضِيَّ الْحَوْلِ شَرْطًا
وَبَقَاءَهَا فِي مِلْكِهِ إلَى تَمَامِهِ شَرْطًا آخَرَ وَالْمَنْهَجُ
جَعَلَ مَجْمُوعَهُمَا شَرْطًا وَاحِدًا حَيْثُ قَالَ: وَثَالِثُهَا
مُضِيُّ حَوْلٍ فِي مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: اسْمُ جَمْعٍ إلَخْ) وَإِنَّمَا
كَانَ الْإِبِلُ وَالنَّعَمُ اسْمَيْ جَمْعٍ وَالْبَقَرُ اسْمَ جِنْسٍ؛
لِأَنَّ الْبَقَرَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ بِخِلَافِ النَّعَمِ
وَالْإِبِلِ، وَفِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ: أَنَّ الْكَلِمَ اسْمُ جِنْسٍ
جَمْعِيٍّ وَلَيْسَ جَمْعًا لِعَدَمِ غَلَبَةِ التَّأْنِيثِ عَلَيْهِ،
وَالْجَمْعُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّأْنِيثُ وَلَا اسْمَ جَمْعٍ لَهُ؛
لِأَنَّ لَهُ وَاحِدًا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ كَلِمَةٌ، بِخِلَافِ اسْمِ
الْجَمْعِ فَإِنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا
الْفَرْقِ أَنْ يَكُونَ الْغَنَمُ اسْمَ جَمْعٍ.
وَفِي الْمُخْتَارِ: الْغَنَمُ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ مَوْضُوعٌ لِلْجِنْسِ
يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا
صَغَّرْتهَا أَلْحَقْتهَا التَّاءَ فَقُلْت غُنَيْمَةٌ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ
الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا إذَا كَانَتْ فِي
غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ فَالتَّأْنِيثُ لَهَا لَازِمٌ اهـ.
وَهُوَ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَوْضُوعٌ لِلْجِنْسِ مُرَادُهُ
مِنْهُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مَعَ كَوْنِهِ اسْمَ
جَمْعٍ عَلَى مَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَتُهُ آخِرًا حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ
أَسْمَاءَ الْجُمُوعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ) أَيْ
بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ الصِّدِّيقِ) أَيْ
الْمُقَدِّمِ لَهَا لِلْعِلَّةِ الْمَارَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى عَطْفَ
هَذَا عَلَيْهَا كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ
[بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ]
[الشَّرْطُ الْأَوَّلُ النَّعَم]
(قَوْلُهُ: يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ) أَيْ مَعْنًى لَا لَفْظًا
(3/44)
بِذِكْرِ النَّعَمِ صِحَّةَ تَسْمِيَةِ
الثَّلَاثِ نَعَمًا، وَالْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ
لَفْظِهِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُ بَائِهِ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْبَقَرُ اسْمُ
جِنْسٍ الْوَاحِدُ مِنْهُ بَقَرَةٌ، وَالْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ أَيْضًا
يُطْلَقُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ
(لَا الْخَيْلَ) مُؤَنَّثٌ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ
اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، سُمِّيَتْ خَيْلًا
لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا (وَ) لَا (الرَّقِيقَ) يُطْلَقُ عَلَى
الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ
«لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» أَيْ مَا
لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) لَا (الْمُتَوَلِّدَ
مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ) لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهَا غَنَمًا وَلِهَذَا لَمْ
يُكْتَفَ بِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ زَكَوِيٍّ
وَغَيْرِهِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْفَرْعَ يَتَّبِعُ
أَخَفَّ أَصْلَيْهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا، وَلَا يُنَافِيهِ إيجَابُ
الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ لِلِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ
الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَنَاسَبَهَا التَّخْفِيفُ وَالْجَزَاءَ غَرَامَةُ
الْمُتَعَدِّي فَنَاسَبَهُ التَّغْلِيظُ.
أَمَّا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ نَحْوِ إبِلٍ وَبَقَرٍ فَتَجِبُ فِيهِ كَمَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا
قَالَهُ أَنَّهُ يُزَكَّى زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا.
فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ
لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَالظِّبَاءُ بِالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ وَهُوَ
الْغَزَالُ.
ثُمَّ أَشَارَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ النِّصَابُ، فَقَالَ (وَلَا
شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ) وَلَوْ
ذَكَرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ
الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» وَإِيجَابُ الْغَنَمِ فِي الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ
الْقَاعِدَةِ رِفْقًا بِالْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَضَرَّ
أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ وَجَبَ جُزْءٌ لَأَضَرَّ بِالْفَرِيقَيْنِ
بِالتَّشْقِيصِ (وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ) يَعْنِي فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ
(وَ) فِي (فِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ وَ) فِي (عِشْرِينَ أَرْبَعٌ وَ)
فِي (خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَ) فِي (سِتٍّ وَثَلَاثِينَ
بِنْتُ لَبُونٍ وَ) فِي (سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وَ) فِي (إحْدَى
وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) فِي (سِتٍّ
وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَ) فِي (إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ وَ)
فِي (مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ) فِي
(كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَ) فِي (كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) .
لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ
هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ "
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ
الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ
سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ
سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَسْمَاءُ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا إذَا
كَانَتْ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ لَزِمَهَا التَّأْنِيثُ اهـ.
وَمَعَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ
(قَوْلُهُ: يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكَمَّلُ
بِهِ نِصَابُ الْبَقَرِ إذَا نَقَصَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا
مُطْلَقًا، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَالْبَقَرِ فِي الْعَدَدِ بِمَعْنَى
أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إلَّا إذَا بَلَغَ ثَلَاثِينَ؟ فِيهِ
نَظَرٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيُعْتَبَرُ بِأَخَفِّهِمَا عَلَى الْأَوْجَهِ؛
لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَدَدِ لَا لِلسِّنِّ
كَأَرْبَعِينَ مُتَوَلِّدَةً بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَيُعْتَبَرُ
بِالْأَكْثَرِ، كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ:
ثُمَّ كَمَا يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يُخْرِجُ هُنَا إلَّا مَا
لَهُ سَنَتَانِ اهـ.
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يُكَمَّلُ بِهِ
أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: جَمْعُ ظَبْيٍ وَهُوَ الْغَزَالُ) قَالَ فِي
الْقَامُوسِ: الْغَزَالُ كَسَحَابِ الشَّادِنِ: أَيْ الْقَوِيُّ حَيْثُ
يَتَحَرَّكُ وَيَمْشِي، أَوْ مِنْ حِينِ يُولَدُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ
أَشُدَّ الْإِحْضَارِ جَمْعُهُ غِزْلَةٌ وَغِزْلَانٌ بِكَسْرِهِمَا،
وَقَالَ فِي مَادَّةِ شَدَنَ: شَدَنَ الظَّبْيُ وَجَمِيعُ وَلَدِ الْخُفِّ
وَالظِّلْفِ وَالْحَافِرِ شُدُونًا قَوِيَ وَاسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ اهـ
(قَوْلُهُ: لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ) هِيَ بِلَفْظِ
التَّثْنِيَةِ اسْمٌ لِإِقْلِيمٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْيَمَنِ وَقَاعِدَتُهُ
هَجَرٌ (قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ وَصُورَةُ
الْكِتَابِ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ
قَوْلِهِ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُشْتَمِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِذِكْرِ النَّعَمِ صِحَّةَ تَسْمِيَةِ الثَّلَاثَةِ
نَعَمًا) أَيْ فَهَذَا نُكْتَةُ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ فَلَا يُقَالُ
إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا) إنَّمَا
قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَخَفِّ فِيمَا إذَا كَانَا زَكَوِيَّيْنِ فَلَيْسَ
مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ بَحْثِ الشَّارِعِ لَهُ
تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّ.
(3/45)
فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ
فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ
خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ
أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ
ذَكَرٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ
فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ
إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ
وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا
بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ،
فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا
حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ
حِقَّةٌ ".
وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا، إذْ
الصَّحِيحُ جَوَازُ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ بِهِ
الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ: فَرَضَ: أَيْ قَدَّرَ، وَقِيلَ أَوْجَبَ،
وَقَوْلُهُ فَلَا يُعْطِ: أَيْ الزَّائِدَ بَلْ الْوَاجِبَ فَقَطْ،
وَتَقْيِيدُ بِنْتِ الْمَخَاضِ بِالْأُنْثَى وَابْنِ اللَّبُونِ
بِالذَّكَرِ تَأْكِيدًا كَمَا يُقَالُ رَأَيْت بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْت
بِأُذُنَيَّ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ بَعْضُ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ
دُونَ الْأَشْقَاصِ، وَفِي أَبِي دَاوُد التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَهِيَ مُقَيِّدَةٌ خَبَرَ أَنَسٍ، وَقَوْلُ
الْمُصَنِّفِ: ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ إلَى آخِرِهِ مُرَادُهُ بِهِ
أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ، ثُمَّ بِزِيَادَةِ
عَشْرٍ لِأَنَّ اسْتِقَامَةَ الْحِسَابِ بِذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ
مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَوْ أَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا
مِنْ الْحِقَّةِ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، أَوْ أَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ أَوْ
بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا عَنْ الْجَذَعَةِ فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَارٍ
عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ
عَمَّا زَادَ (وَبِنْتُ الْمَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ) وَطَعَنَتْ فِي
الثَّانِيَةِ.
سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَتِهَا آنَ
لَهَا أَنْ تَحْمِلَ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرَ مِنْ الْمَخَاضِ: أَيْ
الْحَوَامِلِ (وَاللَّبُونُ سَنَتَانِ) وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ.
سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لَهَا أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ
لَبُونًا (وَالْحِقَّةُ) لَهَا (ثَلَاثٌ) وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ
سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُجْعَلَ
عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، وَقَدَّرَ الْمُخْرَجَ؛
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي بَيَّنَهَا
وَأَمْرُهُ تَعَالَى مُجْمَلٌ حَيْثُ قَالَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] الْآيَةَ.
[فَائِدَةٌ] ذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي
التَّنْوِيرِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ؛
لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا
يَشْهَدُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَدَائِعَ لَهُمْ يَبْذُلُونَهُ فِي
أَوَانِ بَذْلِهِ وَيَمْنَعُونَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلِأَنَّ
الزَّكَاةَ إنَّمَا هِيَ طُهْرَةٌ لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَالْأَنْبِيَاءُ مُبَرَّءُونَ مِنْ الدَّنَسِ
لِعِصْمَتِهِمْ اهـ سُيُوطِيٌّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى، لَكِنْ قَالَ
الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهَا مَا نَصُّهُ: وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ بَنَاهُ
ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا
يَمْلِكُونَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ اهـ.
وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ الْقَوْلُ
بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا كَمَا يُقَالُ
إلَخْ) أَوْلَى مِنْهُ إفَادَةُ دَفْعِ تَوَهُّمِ شُمُولِهِ الذِّكْرَ؛
لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى
الْوَلَدِ كَمَا فِي بِنْتِ عِرْسٍ وَابْنِ آوَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
اسْمٌ لِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يُجْزِيَانِ
عَمَّا زَادَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ
عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِنْتَيْ الْمَخَاضِ لَا
تَجِبَانِ فِي عَدَدٍ مَا (قَوْلُهُ: فَتَصِيرُ مِنْ الْمَخَاضِ) أَيْ
الْحَوَامِلِ.
أَيْ وَعَلَيْهِ فَالْمَخَاضُ فِي قَوْلِهِمْ بِنْتُ مَخَاضٍ إمَّا أَنْ
يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ أَوْ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ بِنْتُ
نَاقَةٍ مِنْ الْمَخَاضِ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ بِنْتُ مَاخِضٍ: أَيْ
حَامِلٍ.
وَفِي الْمُخْتَارِ: وَالْمَخَاضُ بِالْفَتْحِ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ
مَخِضَتْ الْحَامِلُ بِالْكَسْرِ مَخَاضًا: أَيْ ضَرَبَهَا الطَّلْقُ
فَهِيَ مَاخِضٌ، وَالْمَخَاضُ أَيْضًا: الْحَوَامِلُ مِنْ النُّوقِ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَخَاضَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ وَجَعِ الْوِلَادَةِ
وَبَيْنَ الْحَوَامِلِ مِنْ النُّوقِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[الشَّرْطِ الثَّانِي النِّصَابُ]
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ بَعْضُ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ)
أَيْ فَيُقَالُ مَتَى زَادَتْ فِي النِّصَابِ الْأَوَّلِ عَنْ خَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ وَلَوْ بِجُزْءٍ وَاحِدَةٍ تَجِبُ بِنْتُ لَبُونٍ (قَوْلُهُ:
التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى
عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
(3/46)
اسْتَحَقَّتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ
وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يَطْرُقَ وَالْجَذَعَةُ لَهَا (أَرْبَعٌ)
وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ.
سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا أَجْذَعَتْ مُقَدِّمَ أَسْنَانِهَا: أَيْ
أَسْقَطَتْهُ، وَقِيلَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ
أَسْنَانَهَا لَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَهَذَا آخِرُ
أَسْنَانِ الزَّكَاةِ، وَاعْتُبِرَ فِي الْجَمِيعِ الْأُنُوثَةُ لِمَا
فِيهَا مِنْ رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا فِي
الْأَسْنَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّعَمِ أَنَّهَا لِلتَّحْدِيدِ،
وَتُفَارِقُ مَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مِنْ السِّنِّ الْمَنْصُوصِ
عَلَيْهِ يَكُونُ عَلَى التَّقْرِيبِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي السَّلَمِ
إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَوْجُودٍ، فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ التَّحْدِيدَ
لَتَعَسَّرَ، وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي سِنٍّ اسْتَنْتَجَهُ هُوَ غَالِبًا،
وَهُوَ عَارِفٌ بِسِنِّهِ فَلَا يَشُقُّ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
(وَالشَّاةُ) الْوَاجِبَةُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ
(جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ
أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا، كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ
تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ كَمَا لَوْ تَمَّتْ
السَّنَةُ قَبْلَ إجْذَاعِهَا (وَقِيلَ) لَهَا (سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ
ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ (وَقِيلَ
سَنَةٌ) وَجْهُ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا دُونَ هَذِهِ السِّنِينَ الْإِجْمَاعُ
(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْجَذَعَةِ
وَالثَّنِيَّةِ
(وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الْمَالِ بَلْ
يُجْزِي أَيُّ غَنَمٍ فِيهِ لِخَبَرِ «فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» وَالشَّاةُ
تُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ
الِانْتِقَالُ إلَى غَنَمِ بَلَدٍ آخَرَ إلَّا لِمِثْلِهَا فِي الْقِيمَةِ
أَوْ أَعْلَى مِنْهَا، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ عَدَمُ
بَقَاءِ التَّخْيِيرِ عَلَى حَالِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَنَمُ الْبَلَدِ
كُلُّهَا ضَأْنِيَّةً، وَهِيَ أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْمَعْزِ،
وَيَتَعَيَّنُ الضَّأْنُ وَعَدَمُ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَعْزِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَائِدَةٌ] قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ خِيَارَكُمْ
أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَسَبَبُهُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ»
وَهُوَ حُوَارٌ ثُمَّ بَعْدَ فَصْلِهِ مِنْ أُمِّهِ فَصِيلٌ ثُمَّ فِي
السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي الثَّالِثَةِ
ابْنُ لَبُونٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الرَّابِعَةِ حِقٌّ وَحِقَّةٌ وَفِي
الْخَامِسَةِ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ وَفِي السَّادِسَةِ ثَنِيٌّ وَثَنِيَّةٌ
وَفِي السَّابِعَةِ رُبَاعِيٌّ وَرَبَاعِيَةٌ وَفِي الثَّامِنَةِ سُدُسٌ
وَسَدِيسَةٌ وَفِي التَّاسِعَةِ بَازِلٌ وَفِي الْعَاشِرِ مُخْلِفٌ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَضَبْطُ حُوَارٌ بِضَمِّ
الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ رَبَاعٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسَدَسٌ بِفَتْحِ
السِّينِ وَالدَّالِ وَمُخْلِفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ، وَزَادَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعَلْقَمِيُّ: ثُمَّ لَا
يَخْتَصُّ هَذَانِ: أَيْ بَازِلٌ وَمُخْلِفٌ بِاسْمٍ بَلْ يُقَالُ بَازِلُ
عَامٍ وَبَازِلُ عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ
عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِذَا كَبِرَ: أَيْ بِأَنْ جَاوَزَ الْخَمْسَ
سِنِينَ بَعْدَ الْعَاشِرَةِ كَمَا فِي الدَّمِيرِيِّ فَهُوَ عَوْدٌ
وَعَوْدَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ، فَإِذَا هَرِمَ
فَالذَّكَرُ قَحِمٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَالْأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ اهـ.
وَقَوْلُ شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ هَذَانِ بِاسْمٍ: أَيْ لَا
يَخْتَصُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعَدَدٍ مِنْ السِّنِينَ بِحَيْثُ لَا
يُطْلَقُ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ بَلْ الْبَازِلُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ
بَيْنَ التِّسْعِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَبَيْنَ الْمُرَادِ
بِالْإِضَافَةِ فَيُقَالُ بَازِلُ عَامٍ وَبَازِلُ عَامَيْنِ، وَهَكَذَا
فَهُوَ أَطْلَقَ الْبَازِلَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ
عَدَدٌ بِعَيْنِهِ اهـ.
وَفِي الصِّحَاحِ: الْعَوْدُ الْمُسِنُّ مِنْ الْإِبِلِ، وَهُوَ الَّذِي
قَدْ جَاوَزَ فِي السِّنِّ الْبَازِلَ وَالْمُخْلِفَ (قَوْلُهُ:
وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يُطْرَقَ) أَيْ وَسُمِّيَ الْفَحْلُ حِقًّا؛
لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُطْرَقَ: أَيْ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ
أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالْجَذَعَةُ لَهَا أَرْبَعٌ) كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا
تُجْذِعُ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا: أَيْ تُسْقِطُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ هُنَا بِالْإِجْذَاعِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِ
وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِي جَذَعَةِ الضَّأْنِ، وَقَدْ
يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثُمَّ بُلُوغُهَا وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَحَدِ
أَمْرَيْنِ الْإِجْذَاعُ وَبُلُوغُ السَّنَةِ وَهَذَا غَايَةُ كَمَالِهَا،
وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَمَامِ الْأَرْبَعِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ،
وَهَذَا آخِرُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ إلَخْ اهـ حَجّ.
وَمَا ذَكَرَهُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَطَعَنَتْ إلَخْ مَعَ
قَوْلِهِ: لِأَنَّهَا أَجُذِعَتْ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ
بِاسْتِكْمَالِ الْأَرْبَعِ، وَأَنَّ الْإِجْذَاعَ حِكْمَةٌ لِلتَّسْمِيَةِ
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَعْزِ إلَخْ) وَقِيَاسُهُ
أَنَّهُ لَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَجْهُ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا دُونَ هَذِهِ السِّنِينَ إلَخْ)
الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ وَدَلِيلُ عَدَمِ إجْزَاءِ إلَخْ
(3/47)
يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ: أَيْ إذَا كَانَ
أَعْلَى، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بَدَلَ الْأَصَحِّ بِالصَّحِيحِ
،
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُخْرَجِ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَرْضَى،
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ
مِنْ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا فِي الذِّمَّةِ وَثَمَّ فِي
الْمَالِ، وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ
وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهَلْ
الشَّاةُ الْمُخْرَجَةُ عَنْ الْإِبِلِ أَصْلٌ أَوْ بَدَلٌ ظَاهِرُ كَلَامِ
بَعْضِهِمْ الثَّانِي وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْمُخْرَجَةِ
عَنْ الْغَنَمِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يُجْزِي الذَّكَرُ) أَيْ
الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ
كَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا لَصَدَقَ اسْمُ
الشَّاةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي لَا يُجْزِي نَظَرًا لِفَوَاتِ الدَّرِّ
وَالنَّسْلِ فِي الذَّكَرِ (وَكَذَا) يُجْزِي (بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَمَّا
دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) فِي الْأَصَحِّ عِوَضًا عَنْ الشِّيَاهِ
اتَّحَدَتْ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَتَهَا لِإِجْزَائِهِ
عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا أَوْلَى.
وَالثَّانِي لَا يُجْزِي بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ حَيَوَانٍ،
وَتَعْبِيرُهُ بِبَعِيرِ الزَّكَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَفَادَ
بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا اعْتِبَارَ كَوْنِهِ أُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ فَمَا
فَوْقَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَكَوْنُهُ مُجْزِئًا عَنْ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ، فَلَوْ لَمْ يُجْزِ عَنْهَا لَمْ يُقْبَلْ هُنَا، وَهَلْ
يَقَعُ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَهُ عَمَّا دُونَهَا كُلَّهُ فَرْضًا أَوْ
بَعْضَهُ كَخَمْسَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِيهَا
لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً بَدَلَ الشَّاةِ هَلْ
تَقَعُ كُلُّهَا فَرْضًا أَوْ سُبُعُهَا، وَفِيمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ فِي
وُضُوئِهِ أَوْ أَطَالَ رُكُوعَهُ أَوْ سُجُودَهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ
وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي
بَعِيرِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ بِوُقُوعِ الْجَمِيعِ فَرْضًا، وَفِي مَسْحِ
جَمِيعِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ بِوُقُوعِ قَدْرِ الْوَاجِبِ فَرْضًا
وَالْبَاقِي نَفْلًا كَمَا مَرَّ، وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنَّ مَا لَا
يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا، وَمَا أَمْكَنَ يَقَعُ
الْبَعْضُ فَرْضًا وَالْبَاقِي نَفْلًا (فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ)
حَالَ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا أَوْ وَارِثُهُ
مِنْ التَّرِكَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَتْ غَنَمُ الْبَلَدِ كُلُّهَا مِنْ الْمَعْزِ، وَأَنَّ التَّثْنِيَةَ
مِنْهَا أَعْلَى قِيمَةً مِنْ جَذَعَةِ الضَّأْنِ تَعَيَّنَتْ تَثْنِيَةُ
الْمَعْزِ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الضَّأْنِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ
مِنْ أَنَّ قِيمَةَ الضَّأْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَعْزِ
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُخْرَجِ صَحِيحًا) أَيْ مِنْ الْغَنَمِ
عَنْ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْغَنَمِ) أَيْ
فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْمِرَاضِ مَرِيضَةً وَمِنْ الصِّغَارِ صَغِيرَةً
عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَضِيَّةُ مَا ذَكَرَ أَنَّ الشَّاةَ الْمُخْرَجَةَ
عَنْ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ تَكُونُ كَالْمُخْرَجَةِ عَنْ الْإِبِلِ
السَّلِيمَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ إبِلَهُ مَثَلًا لَوْ اخْتَلَفَتْ صِحَّةً
وَمَرَضًا أَخْرَجَ صَحِيحُهُ قِيمَتَهَا دُونَ قِيمَةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ
الصِّحَاحِ الْخُلَّصِ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ يُخْرِجُ هُنَا صَحِيحَةً
عَنْ الْمِرَاضِ دُونَ قِيمَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُخْرَجَةِ فِي
السَّلِيمَةِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ كَوْنِ الشَّاةِ فِي الذِّمَّةِ
وَالْمَعِيبُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا فَلَا يَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاةَ قِيمَةِ
الْمُخْرَجَةِ عَنْ الْمَرِيضَةِ لِقِيمَةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ
السَّلِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ) وَيَظْهَرُ أَثَرُ
ذَلِكَ فِي مُطَالَبَةِ السَّاعِي، فَعَلَى الْأَصَحِّ يُطَالَبُ
بِالشَّاةِ فَإِنْ دَفَعَهَا الْمَالِكُ فَذَاكَ، أَوْ بِبَعِيرِ
الزَّكَاةِ فَإِنْ دَفَعَهَا قُبِلَتْ وَكَانَتْ بَدَلًا (قَوْلُهُ:
وَكَذَا يُجْزِي بَعِيرُ الزَّكَاةِ) ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ
أَنَّ الشَّاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ
بِأَفْضَلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَ
غَيْرُهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى الشَّاةِ
إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهَلْ يُقَدَّمُ الْبَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ
أَوْ الشَّاةُ لِأَنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، أَوْ يُتَخَيَّرُ
بَيْنَهُمَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّالِثُ.
(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مُجْزِئًا عَنْ خَمْسٍ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ
كَانَ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ مَثَلًا كُلُّهَا مَعِيبَةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا
بِنْتَ مَخَاضٍ مَعِيبَةً مِنْ جِنْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فَيُجْزِي،
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ أَخْرَجَ شَاةً حَيْثُ اُعْتُبِرَ
فِيهَا أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِرَاضًا وَبَيْنَ
مَا لَوْ أَخْرَجَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعِيبَةً عَمَّا دُونَ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ مِنْ الْمَرِيضَاتِ بِأَنَّ الْمَرِيضَةَ تُجْزِي عَنْ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ مَرِيضَةً فَتُجْزِي عَمَّا دُونَهَا بِالْأَوْلَى، وَالشَّاةُ
فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ
الْجِنْسِ وَأَوْجَبَهَا الشَّارِعُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً
(قَوْلُهُ وَمَا أَمْكَنَ يَقَعُ الْبَعْضُ فَرْضًا) أَيْ سَوَاءٌ أَمْكَنَ
تَجْزِئَتُهُ بِنَفْسِهِ كَمَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ بِبَدَلِهِ كَمَا
لَوْ أَخْرَجَ بِنْتَ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بِلَا جُبْرَانٍ كَمَا
يَأْتِي لَهُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ صَعِدَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا
إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَلْ تَقَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ
أَوْ وَارِثُهُ مِنْ التَّرِكَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ التَّرِكَةِ) هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي
فَنِسْبَتُهُ إلَيْهِ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَيْخَ
الْإِسْلَامِ فِي
(3/48)
لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ
ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَالَهُ
الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِ ابْنِ اللَّبُونِ
وَعِنْدَ وَارِثِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَجْزَأَهُ ابْنُ اللَّبُونِ
لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صَيْرُورَتِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فِي
الْمَوْرُوثِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الزَّكَاةُ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ
(فَابْنُ لَبُونٍ) وَلَوْ خُنْثَى أَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى شِرَاءِ
بِنْتِ مَخَاضٍ، أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهَا وَشَمِلَ
فَقْدُهَا مَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً أَوْ مَرْهُونَةً وَهُوَ غَيْرُ
مُتَمَكِّنٍ مِنْ إخْرَاجِهَا، وَلَوْ تَلِفَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بَعْدَ
التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِهَا فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ امْتِنَاعِ ابْنِ
اللَّبُونِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ كَمَا اسْتَظْهَرَ
السُّبْكِيُّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَيَدُلُّ إجْزَاءُ ابْنِ
اللَّبُونِ عِنْدَ فَقْدِهَا خَبَرُ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» ، وَقَوْلُهُ ذَكَرٌ
تَأْكِيدٌ وَالْخُنْثَى أَوْلَى.
نَعَمْ لَوْ أَرَادَ إخْرَاجَ الْخُنْثَى مَعَ وُجُودِ الْأُنْثَى لَمْ
يُجْزِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ (وَالْمَعِيبَةُ كَمَعْدُومَةٍ)
فَيُؤْخَذُ مَا ذَكَرَ مَعَ وُجُودِهَا لِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمَعِيبِ
(وَلَا يُكَلَّفُ) أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ (كَرِيمَةً) إذَا كَانَتْ
إبِلُهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ عَامِلًا «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»
فَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ كَرَائِمَ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا (لَكِنْ تَمْنَعُ)
الْكَرِيمَةُ عِنْدَهُ (ابْنَ لَبُونٍ) وَحِقًّا (فِي الْأَصَحِّ)
لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ بِمَالِهِ مُجْزِيَةٍ، وَالثَّانِي يَجُوزُ
إخْرَاجُهُ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ
إخْرَاجِهَا (وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ بِنْتِ
الْمَخَاضِ) عِنْدَ فَقْدِهَا إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ
(لَا) عَنْ بِنْتِ (لَبُونٍ) عِنْدَ فَقْدِهَا أَيْ فَلَا يُجْزِي عَنْهَا
(فِي الْأَصَحِّ) إذْ زِيَادَةُ سِنِّ ابْنِ اللَّبُونِ عَلَى بِنْتِ
الْمَخَاضِ تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِقُوَّةِ وُرُودِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ
وَالِامْتِنَاعِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ بِنْتِ
اللَّبُونِ وَالْحِقِّ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْحِقِّ بِهَذِهِ
الْقُوَّةِ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالثَّانِي يُجْزِي
لِانْجِبَارِ فَضِيلَةِ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ كَابْنِ
اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ
لِوُرُودِ النَّصِّ ثُمَّ
(وَلَوْ) (اتَّفَقَ فَرْضَانِ) فِي الْإِبِلِ (كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ)
فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا قَالَ
(فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ بَلْ هُنَّ أَوْ
خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ) إذْ الْمِائَتَانِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ أَوْ
خَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ كِتَابِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا كَانَتْ
مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَيُّ
السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ» هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ، وَالْقَدِيمُ
يَتَعَيَّنُ الْحِقَاقَ لِأَنَّا مَتَى وَجَدْنَا سَبِيلًا فِي زَكَاةِ
الْإِبِلِ إلَى زِيَادَةِ السِّنِّ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا أَوْلَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَيْدٌ فِي الْوِرَاثَةِ (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَوَّلِ) هَذَا
الْحَمْلُ إنَّمَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ وَقْتِ الْإِخْرَاجِ فِي بَعْضِ
الصُّوَرِ لَا مُطْلَقًا، وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ
مَلَكَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ فَابْنُ لَبُونٍ) أَيْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ
ابْنٌ إلَخْ فَهُوَ بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ يُخْرِجُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَلِفَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ
تَلَفُهَا بِفِعْلِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، لَكِنْ قَالَ حَجّ:
وَبَحْثُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ
إخْرَاجِهَا امْتَنَعَ ابْنُ اللَّبُونِ لِتَقْصِيرِهِ إلَخْ مَا أَطَالَ
بِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ
خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْخُنْثَى أَوْلَى) أَيْ
لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ الْأُنْثَى) أَيْ مَعَ
وُجُودِ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْأُنْثَى، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ
مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ فَابْنٌ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ) قَالَ حَجّ: أَمَّا إذَا لَمْ
يَعْدَمْ بِنْتَ الْمَخَاضِ بِأَنْ وَجَدَهَا وَلَوْ قُبَيْلَ الْإِخْرَاجِ
فَيَتَعَيَّنُ إخْرَاجُهَا وَلَوْ مَعْلُوفَةً اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ: فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ) الضَّمِيرُ لِلْإِبِلِ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ (قَوْلُهُ سَبِيلًا)
أَيْ طَرِيقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
شَرْحِ الرَّوْضِ أَثْبَتَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ
بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ وَبَيْنَ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ، فَقَيَّدَهُ
الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَ لِدَفْعِ التَّنَافِي، لَكِنَّهُ لَمْ يُنَبِّهْ
عَلَى زِيَادَتِهِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي.
ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَوْقِعٌ إذْ
التَّقْيِيدُ دَافِعٌ لَهُ فَكَانَ الْأَصْوَبُ خِلَافَ هَذَا الصَّنِيعِ
(قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صَيْرُورَتِهَا إلَخْ)
لَيْسَ هَذَا هُوَ الدَّافِعُ لِلتَّنَافِي وَإِنَّمَا الدَّافِعُ لَهُ
الْقَيْدُ الْمَارُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ
جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ
تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: مَا صُورَةُ مِلْكِ الْوَارِثِ لَهَا مِنْ
التَّرِكَةِ مَعَ أَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَدْ سَبَقَ
مِلْكُ الْمُورَثِ لَهَا: أَيْ فَلَا
(3/49)
وَحَمْلُهُ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ
يُوجَدْ عِنْدَهُ سِوَاهَا، وَالْمَسْأَلَةُ لَهَا خَمْسَةُ أَحْوَالٍ؛
لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ كُلُّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ
الْحِسَابَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُ
بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ مِنْهُمَا
وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ
فَقَالَ (فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا) تَامًّا مُجْزِيًا (أُخِذَ)
مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ أَغْبَطَ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ
لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا يَجُوزُ الصُّعُودُ أَوْ النُّزُولُ مَعَ
الْجُبْرَانِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِأُخِذَ قَدْ
يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَ الْمَفْقُودَ وَدَفَعَهُ لَا يُؤْخَذُ،
وَتَعْبِيرُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ بِلَا يُكَلَّفُ
تَحْصِيلُ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَغْبَطَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ
حَصَّلَهُ وَبَذَلَهُ أَجْزَأَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَفْقُودُ
أَغْبَطَ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ
وَالْغَزَالِيُّ، وَقَاسَاهُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِابْنِ اللَّبُونِ
لِفَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ
بِخِلَافِهِ، وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ
لَمْ يُوجَدْ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ فُقِدَا
أَوْ وُجِدَا مَعِيبَيْنِ، أَوْ وُجِدَ بِمَالِهِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا
أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ وُجِدَا
نَفِيسَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُمَا (فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ)
مِنْهُمَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْبَطَ لِمَا فِي
تَعَيُّنِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ، (وَقِيلَ يَجِبُ)
تَحْصِيلُ (الْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ) إذْ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْعَدَمِ
كَاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ
الْأَغْبَطُ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ، وَأَشَارَ
بِقَوْلِهِ فَلَهُ إلَى جَوَازِ تَرْكِهِمَا وَالنُّزُولِ أَوْ الصُّعُودِ
مَعَ الْجُبْرَانِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا، وَيَصْعَدَ
إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ فَيَدْفَعَهَا وَيَأْخُذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ
أَوْ بَنَاتِ لَبُونٍ كَذَلِكَ، وَيَنْزِلَ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ
فَيُخْرِجَهَا وَيَدْفَعَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ، وَيُمْنَعُ أَنْ يَجْعَلَ
بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدَ إلَى خَمْسِ جَذَعَاتٍ وَيَأْخُذَ
عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ، كَمَا يُمْتَنَعُ جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا
وَيَنْزِلُ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ ثَمَانِ جُبْرَانَاتٍ
لِكَثْرَةِ الْجُبْرَانِ مَعَ إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ، وَلَهُ فِيمَا إذَا
وُجِدَ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ
لَبُونٍ جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا فَيَدْفَعُهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ
وَجُبْرَانٍ، أَوْ جَعْلُ بَنَاتُ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيَدْفَعُهَا مَعَ
حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا.
وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ
جُبْرَانَاتٍ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتَ اللَّبُونُ مَعَ الْجُبْرَانِ
مَقَامَ حِقَّةٍ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا، كَمَا
لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّةً دَفَعَهَا مَعَ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَأَخَذَ
ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ الْأَوَّلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَقَطَعَ
بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْجَدِيدِ وَحَمْلِ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا لَمْ
يُوجَدْ إلَّا الْحِقَاقُ اهـ.
وَهِيَ أَظْهَرُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ
التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) رَاجِعٌ
لِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَهُ وَبَذَلَهُ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ أَوْ
بَعْضُ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ آخَرَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ وُجِدَ بَعْضُ الْآخَرِ اتَّحَدَ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ وُجِدَ بِمَالِهِ
بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ) أَيْ
وَهُوَ أَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْأَغْبَطِ مَعَ عَدَمِهِ مَشَقَّةً عَلَى
الْمَالِكِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي دَفْعِهِ حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا
(قَوْلُهُ: وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ) أَيْ
وَالْفَرْضُ أَنَّ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَاجَةَ لِقَوْلِهِ أَوْ وَارِثِهِ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ لَوْ مَلَكَهَا
عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْوَارِثُ يُخْرِجُ مَا كَانَ لَزِمَ الْمُورَثَ
وَأَخَّرَ إخْرَاجَهُ، وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ
بِنْتَ مَخَاضٍ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ بِأَنْ
كَانَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ دُونَ ذَلِكَ السِّنِّ
(قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ) غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ
الْوَاقِعِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْخِلَافِ، وَحَاصِلُ
الصَّوَابِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَدِيمًا
وَجَدِيدًا، فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي حِكَايَةِ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ
مَنْ أَثْبَتَهُمَا قَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَطَعَ بِالْجَدِيدِ وَنَفَى الْخِلَافَ، وَحَمَلَ الْقَدِيمَ عَلَى مَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: إذَا بَلَغَتْ مَاشِيَتُهُ
حَدًّا يَخْرُجُ فَرْضُهُ بِحِسَابَيْنِ كَمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ
فَهَلْ الْوَاجِبُ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ؟ قَالَ
فِي الْقَدِيمِ الْحِقَاقُ وَفِي الْجَدِيدِ أَحَدُهُمَا.
قَالَ الْأَصْحَابُ: فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ
أَظْهَرُهُمَا الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي الْحِقَاقُ،
وَالطَّرِيقُ
(3/50)
وَلَهُ دَفْعُ خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ
دَفْعِ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ (وَإِنْ وَجَدَهُمَا فِي مَالِهِ) بِصِفَةِ
الْإِجْزَاءِ (فَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ) أَيْ
الْأَنْفَعِ مِنْهُمَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْكِرَامِ إذْ هِيَ
كَالْمَعْدُومَةِ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ
ظَاهِرٌ فِيهِ (لِلْفُقَرَاءِ) أَيْ الْأَصْنَافِ، وَغَلَبَ الْفُقَرَاءُ
مِنْهُمْ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضُهُ،
فَإِذَا اجْتَمَعَا رُوعِيَ مَا فِي حَظِّ الْأَصْنَافِ إذْ لَا مَشَقَّةَ
فِي تَحْصِيلِهِ.
وَالثَّانِي وَخَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ إنْ أَخْرَجَ عَنْ مَحْجُورٍ
عَلَيْهِ تَعَيَّنَ غَيْرُ الْأَغْبَطِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ تَخَيَّرَ
بَيْنَهُمَا وَالْأَغْبَطُ أَفْضَلُ كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي الْجِيرَانِ
بَيْنَ الشَّاةِ وَالدَّرَاهِمِ وَعِنْدَ فَقْدِ الْوَاجِبِ بَيْنَ
صُعُودِهِ وَنُزُولِهِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ فَخَيَّرْنَاهُ،
بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ فَخَيَّرْنَا
مُسْتَحِقَّهُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ لِلْمَالِكِ مَنْدُوحَةً عَنْ
الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ مَعًا بِتَحْصِيلِهِ الْفَرْضَ، وَإِنَّمَا شُرِعَ
ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَفُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ وَهُنَا
بِخِلَافِهِ (وَلَا يُجْزِي غَيْرُهُ إنْ دَلَّسَ) الْمَالِكُ بِأَنْ
أَخْفَى الْأَغْبَطَ (أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي) بِأَنْ أَخَذَهُ عَالِمًا
بِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي الْأَغْبَطِ فَيَلْزَمُ الْمَالِكَ
إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ، وَيَرُدُّ السَّاعِي مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ
بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يُدَلِّسْ الْمَالِكُ، وَلَمْ يُقَصِّرْ السَّاعِي (فَيُجْزِي) أَيْ
يُحْسَبُ عَنْهَا لِمَشَقَّةِ الرَّدِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ
يَكْفِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ) مَعَ إجْزَائِهِ
(وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْأَغْبَطِ إذْ
لَمْ يُدْفَعْ الْفَرْضُ لَهُ بِكَمَالِهِ فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ هَذَا
إنْ اقْتَضَتْ الْغِبْطَةُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ، وَإِلَّا فَلَا
يَجِبُ شَيْءٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ بَلْ يُسَنُّ
لِحُسْبَانِ الْمُخْرَجِ عَنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ غَيْرُهُ
كَمَا لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُ السَّاعِي الْحَنَفِيِّ إلَى أَخْذِ
الْقِيمَةِ حَيْثُ لَا شَيْءَ مَعَهَا
(وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ) لِمَا فِي إخْرَاجِ الشِّقْصِ مِنْ
ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ، وَالْمُرَادُ نَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ كَانَ
أَوْ دَنَانِيرَ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ
وَقِيمَةُ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ أَخَذَ
الْحِقَاقَ فَالْجَبْرُ بِخَمْسِينَ أَوْ بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِ بِنْتِ
اللَّبُونِ لَا بِنِصْفِ حِقَّةٍ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ
وَقِيمَةَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ) تَحْصِيلُ
(شِقْصٍ بِهِ) أَيْ بِقَدْرِ التَّفَاوُتِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْعُدُولِ فِي
الزَّكَاةِ لِغَيْرِ الْجِنْسِ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ
مِنْ جِنْسِ الْأَغْبَطِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَوْ بَلَغَتْ إبِلُهُ
أَرْبَعَمِائَةٍ فَأَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
حِقَاقٍ فَيُبْقِي حِقَّتَيْنِ وَيَدْفَعُ وَاحِدَةً (قَوْلُهُ وَلَهُ
دَفْعُ خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ
ثَلَاثَ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ سِتِّ جُبْرَانَاتٍ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ
قَوْلُهُ السَّابِقُ: وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ
الْمَالَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي وَخَرَّجَهُ ابْنُ
سُرَيْجٍ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ
بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا عِنْدَهُ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ: أَيْ فَيُحْمَلُ كَلَامُ
الْمَحَلِّيِّ عَلَى مَا إذَا أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ
عَنْ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ كَمَا يُتَخَيَّرُ فِي الْجِيرَانِ إلَخْ،
وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ وَعِنْدَ فَقْدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّرَ
السَّاعِي) وَيُصَدَّقُ كُلٌّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي فِي عَدَمِ
التَّدْلِيسِ وَالتَّقْصِيرِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَالِكِ التَّفَاوُتُ،
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى تَدْلِيسِ الْمَالِكِ أَوْ
تَقْصِيرِ السَّاعِي (قَوْلُهُ: وَبَدَّلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا) هَلْ
ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ التَّحَرِّي أَوْ مِنْ مَالِ
الزَّكَاةُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ
الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا شَيْءَ مَعَهَا) أَيْ لَا يَجِبُ
شَيْءٌ إلَخْ
(قَوْلُهُ: دَرَاهِمَ كَانَ أَوْ دَنَانِيرَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ
غَيْرَهُمَا لَا يُجْزِي وَإِنْ اُعْتِيدَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبَلَدِ
بِهِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِمَا
لِلْغَالِبِ فَيُجْزِي غَيْرُهُمَا حَيْثُ كَانَ هُوَ نَقْدَ الْبَلَدِ،
وَيَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمَحَلِّيِّ، وَمُرَادُهُمْ
بِالدَّرَاهِمِ نَقْدُ الْبَلَدِ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَدِيدِ وَتَأَوَّلُوا الْقَدِيمَ
(قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ جِنْسِ
الْأَغْبَطِ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَلْ هُوَ
مُضِرٌّ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ كَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا
يَكُونُ مِنْ الْأَغْبَطِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقِيلَ مِنْ الْمُخْرَجِ
لِئَلَّا يَتَبَعَّضَ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ) أَيْ
وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَيْسَ
(3/51)
جَازَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ وَهُوَ
التَّشْقِيصُ،
فَلَوْ أَخْرَجَ فِي صُورَةِ الْمِائَتَيْنِ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ
وَحِقَّتَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً أَجْزَأَ أَيْضًا،
وَعُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ يُخْرَجُ مِنْهُ
الْغَرَضَانِ بِلَا تَشْقِيصٍ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ كَسِتِّمِائَةٍ
وَثَمَانِمِائَةٍ
(وَمَنْ) (لَزِمَهُ) سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ وَفَقَدَهَا فَلَهُ الصُّعُودُ
بِدَرَجَةٍ، وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا أَوْ الْهُبُوطُ بِهَا وَيَدْفَعُ
جُبْرَانًا وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَزِمَهُ (بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا)
فِي مَالِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا
(وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا، وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ
دِرْهَمًا أَوْ) لَزِمَهُ (بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا) فِي مَالِهِ
(دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ)
دَفَعَ (حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) لِخَبَرِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ الْمَارِّ، وَعُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ
كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ سِنٌّ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا مَا نَزَّلَهُ
الشَّارِعُ مَنْزِلَتَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَأَخْذُ
الْجُبْرَانِ، وَلَهُ النُّزُولُ إلَى أَسْفَلَ وَدَفْعُ الْجُبْرَانِ
بِشَرْطِ كَوْنِ السِّنِّ الْمَنْزُولِ إلَيْهِ سِنَّ زَكَاةٍ، فَلَيْسَ
لِمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ الْعُدُولُ عِنْدَ فَقْدِهَا إلَى دُونَهَا
وَيَدْفَعُ الْجُبْرَانَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصُّعُودِ فَلَوْ
وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَقَدَهَا قُبِلَ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ وَلَهُ
الْجُبْرَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَحَلُّ جَوَازِ دَفْعِ بِنْتِ اللَّبُونِ
عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إذَا عَدِمَهَا، وَأَخَذَ جُبْرَانًا مَا لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ ذَلِكَ عَلَى
الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ كَبِنْتِ الْمَخَاضِ
بِالنَّصِّ وَاحْتَرَزَ بِعَدَمِهَا عَمَّا لَوْ وَجَدَهَا فَيَمْتَنِعُ
النُّزُولُ، وَكَذَا الصُّعُودُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ جُبْرَانًا، وَعُلِمَ
مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَدَمَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، فَلَوْ
وُجِدَ السِّنُّ الْوَاجِبُ فِي مَالِهِ لَكِنَّهُ مَعِيبٌ أَوْ كَرِيمٌ
لَمْ يَمْنَعْ وُجُودُهُ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ، وَإِنْ مَنَعَ وُجُودُ
بِنْتِ الْمَخَاضِ كَرِيمَةً الْعُدُولَ إلَى ابْنِ اللَّبُونِ كَمَا
مَرَّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ
مَا نَصُّهُ: أَيْ لَا خُصُوصَ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ الْفِضَّةُ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ لَزِمَهُ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ وَفَقَدَهَا) الْأَوْلَى
فَقْدُهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأْنِيثِ أَنَّ السِّنَّ عِبَارَةٌ عَنْ
الْوَاجِبِ وَهُوَ أُنْثَى (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ
دَفَعَهَا) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ دَفَعَهَا
إلَخْ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: إلَى أَنْ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا
لَوْ كَانَ وَاجِبُهُ بِنْتَ الْمَخَاضِ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ
اللَّبُونِ فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ دَفَعَ الْقِيمَةَ، وَقَضِيَّةُ
كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ بِنْتُ
لَبُونٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْعِرَاقِيَّ فِي النُّكَتِ قَالَ: لَعَلَّ دَفْعَ
الْقِيمَةِ إذَا فَقَدَ سَائِرَ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ اهـ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وَفِي كَلَامِ حَجّ اعْتِرَاضٌ عَلَى مَنْ قَيَّدَ بِفَقْدِ مَا
يُجْزِي مَا نَصُّهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ، فَفِي
الْكِفَايَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ: أَيْ
لِبِنْتِ الْمَخَاضِ عِنْدَ فَقْدِهَا وَالصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ
بِشَرْطِهِ كَمَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي
سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ، فَإِذَا فَقَدَ الْوَاجِبَ خُيِّرَ
الدَّافِعُ بَيْنَ إخْرَاجِ قِيمَتِهِ وَالصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ
بِشَرْطِهِ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ دَفْعِ
إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَبْلُ وَلَا مَا نَزَّلَهُ الشَّارِعُ
مَنْزِلَتَهُ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَوْلَى إيرَادُ مَا ذَكَرَ
بِصُورَةِ الْمُحْتَرَزِ دُونَ التَّقْيِيدِ كَأَنْ يَقُولَ: أَمَّا لَوْ
عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ إلَخْ (قَوْلُهُ:
وَاحْتُرِزَ بِعَدَمِهَا عَمَّا لَوْ وَجَدَهَا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ
مَعْلُوفَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي مَالِهِ
حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا (قَوْلُهُ: أَوْ
كَرِيمٌ لَمْ يَمْنَعْ إلَخْ) أَيْ فَالْكَرِيمَةُ تَمْنَعُ ابْنَ
اللَّبُونِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَمْنَعُ
الصُّعُودَ إلَى مَا فَوْقَهَا وَلَا النُّزُولَ إلَى مَا دُونَهَا
(قَوْلُهُ: وُجُودُهُ الصُّعُودَ) أَيْ جَوَازَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فِيهِمَا أَغْبَطُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ بَنَاتِ
لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ) أَيْ بِلَا جُبْرَانَ، إذْ الصُّورَةُ أَنَّهُ
وَاجِدٌ لِكُلِّ مِنْ الْوَاجِبِينَ وَإِلَّا فَحُكْمُ مَا إذَا وَجَدَ
بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَطْ قَدْ تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَلَا مَا نَزَّلَهُ الشَّارِعُ مَنْزِلَتَهُ) أَيْ كَابْنِ
اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَنَعَ وُجُودُ
بِنْتِ مَخَاضٍ كَرِيمَةٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْمَعِيبَةِ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْكَرِيمَةِ وُجِدَ عِنْدَهُ
الْوَاجِبُ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ
إخْرَاجُهُ رِفْقًا بِهِ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الْمَعِيبَةِ
(3/52)
بِأَنَّ الذَّكَرَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي
فَرَائِصِ الْإِبِلِ فَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَغْبَطَ مِنْ
الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ، وَصِفَةُ هَذِهِ الشَّاةِ صِفَةُ الشَّاةِ
الْمُخْرَجَةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي جَمِيعِ
مَا سَبَقَ وِفَاقًا وَخِلَافًا، إلَّا أَنَّ السَّاعِيَ لَوْ دَفَعَ
الذَّكَرَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَالِكُ جَازَ قَطْعًا، وَالْمُرَادُ
بِالدَّرَاهِمِ النُّقْرَةُ الْخَالِصَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ إذْ هِيَ
الْمُرَادَةُ شَرْعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَجِدْهَا أَوْ
غَلَبَتْ الْمَغْشُوشَةُ، وَجَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِهَا وَهُوَ
الْأَصَحُّ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ
هُنَا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ النُّقْرَةِ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَلَوْ
صَعِدَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ هَلْ تَقَعُ كُلُّهَا زَكَاةً أَوْ بَعْضُهَا؟ الظَّاهِرُ
الثَّانِي، فَإِنَّ زِيَادَةَ السِّنُّ فِيهَا قَدْ أَخَذَ الْجُبْرَانَ
فِي مُقَابَلَتِهَا فَيَكُونُ قَدْرُ الزَّكَاةِ فِيهَا خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا، وَيَكُونُ أَحَدَ
عَشَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُبْرَانِ (وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ
وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا) مَالِكًا كَانَ أَوْ سَاعِيًا لِظَاهِرِ
خَبَرِ أَنَسٍ.
نَعَمْ يَلْزَمُ السَّاعِيَ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ لِلْمُسْتَحِقِّ، كَمَا
يَلْزَمُ نَائِبَ الْغَائِبِ وَوَلِيَّ الْمَحْجُورِ رِعَايَةُ الْأَنْفَعِ
لِلْمَنُوبِ عَنْهُ، وَيُسَنُّ لِلْمَالِكِ إذَا كَانَ دَافِعًا اخْتِيَارُ
الْأَنْفَعِ لَهُمْ (وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ) الْخِيَرَةُ فِيهِمَا
(لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا شَرْعًا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ
لِئَلَّا يَتَكَلَّفَ الشِّرَاءَ فَنَاسَبَ تَخْيِيرُهُ.
وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلسَّاعِي لِيَأْخُذَ الْأَغْبَطَ
لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ دَفْعِ الْمَالِكِ غَيْرَ
الْأَغْبَطِ، فَإِنْ دَفَعَ الْأَغْبَطَ لَزِمَ السَّاعِيَ أَخْذُهُ
قَطْعًا، وَمَعْنَى لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ عَلَى
الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلْمَالِكِ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ
ذَلِكَ فَإِنْ أَجَابَهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُهُ
لَهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً) بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا
خِيَرَةَ لَهُ فِي الصُّعُودِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ مَعِيبٌ، وَالْجُبْرَانُ
لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّلِيمَيْنِ وَهُوَ فَوْقَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ
الْمَعِيبَيْنِ، وَمَقْصُودُ الزَّكَاةِ إفَادَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَا
الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ، فَلَوْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ
فَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ أَيْضًا لِعُمُومِ كَلَامِهِمْ، وَمُقْتَضَى
التَّعْلِيلِ السَّابِقِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَوْ أَرَادَ
الْعُدُولَ إلَى سَلِيمَةٍ مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ جَازَ كَمَا
اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَمَّا هُبُوطُهُ مَعَ
إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ (وَلَهُ
صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ) كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ
بِنْتُ لَبُونٍ فَصَعِدَ إلَى الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِ مَا سَيَأْتِي
(وَ) لَهُ (نُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ) دَفْعِ (جُبْرَانَيْنِ) كَمَا إذَا
أَعْطَى بَدَلَ الْحِقَّةِ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ
(بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ فِي) جِهَةِ صُعُودِهِ أَوْ نُزُولِهِ فِي
(الْأَصَحِّ) فَلَا يَصْعَدُ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى الْحِقَّةِ، وَلَا
يَنْزِلُ مِنْ الْحِقَّةِ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الصُّعُودِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ)
أَيْ لَمْ يَجِبْ مِنْهَا ذَكَرٌ، وَأَمَّا أَخْذُهُ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ
الْمَخَاضِ فَهُوَ بَدَلٌ عَنْهَا لَا فَرْضٌ (قَوْلُهُ: النُّقْرَةُ
الْخَالِصَةُ) أَيْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَعِدَ)
بِكَسْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ
وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا) أَيْ فَيَدْفَعُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ
كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ قِيمَةِ الْآخَرِ حَيْثُ كَانَ الدَّافِعُ
الْمَالِكَ، فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ السَّاعِيَ رَاعَى الْأَصْلَحَ كَمَا
ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَلْزَمُ السَّاعِيَ إلَخْ، وَبَقِيَ مَا لَوْ
تَعَارَضَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ مَصْلَحَةُ الْمُوَكِّلِ
وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ دَفْعًا وَمَصْلَحَةُ الْفُقَرَاءِ عَلَى السَّاعِي
أَخْذًا فَهَلْ يُرَاعِيهِمَا أَوْ يُرَاعِي مَصْلَحَةَ الْفُقَرَاءِ؟
فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّاعِيَ إنْ كَانَ هُوَ
الدَّافِعَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ،
وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ قَبُولُ مَا دَفَعَهُ لَهُ
السَّاعِي، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ
وَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ مُوَكِّلِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ كَمَا يُفِيدُ
ذَلِكَ قَوْلُهُمْ وَالْخِيَرَةُ لِلدَّافِعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ وُجُوبًا فَيُجْبَرُ عَلَى
أَخْذِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ) أَيْ
الصُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ) هُوَ قَوْلُهُ
لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصْعَدُ عَنْ بِنْتِ
الْمَخَاضِ) أَيْ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَغْبَطَ) أَيْ
عَلَى الْمَالِكِ حَيْثُ لَمْ نَقْبَلْهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ
يَلْزَمُ السَّاعِيَ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ دَافِعًا
أَمْ آخِذًا، أَمَّا إذَا كَانَ دَافِعًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
آخِذًا فَمَعْنَاهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، وَمَعْنَى
لُزُومِهِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ إلَخْ وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرُهُ هُنَا
(قَوْلُهُ: وَمَعْنًى لَزِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ) يَعْنِي فِي
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
(3/53)
بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ
بِنْتِ اللَّبُونِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْجُبْرَانِ
الزَّائِدِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَعِدَ أَوْ نَزَلَ مَعَ إمْكَانِ أَدَاءِ
الْوَاجِبِ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَقْرَبَ لَيْسَ وَاجِبَهُ
فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
نَعَمْ لَوْ صَعِدَ دَرَجَتَيْنِ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا،
وَالنُّزُولُ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ كَدَرَجَتَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ مِثْلُ
أَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَذَعَةٍ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَيَدْفَعَ ثَلَاثَ
جُبْرَانَاتٍ أَوْ عَكْسُهُ، وَيَأْخُذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ أَمَّا لَوْ
كَانَتْ الْقُرْبَى فِي غَيْرِ جِهَةِ الْجَذَعَةِ كَأَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ
لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا حِقَّةَ وَوُجِدَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَا
يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ، بَلْ
يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ مَعَ أَخْذِ جُبْرَانَيْنِ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ، إذْ بِنْتُ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى بِنْتِ
اللَّبُونِ لَيْسَتْ فِي جِهَةِ الْجَذَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ
جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ
فِي السَّادِسَةِ يَدْفَعُهَا (بَدَلَ جَذَعَةٍ) عَلَيْهِ فَقَدَهَا (عَلَى
أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا مِنْ أَسْنَانِ
الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ فَصِيلًا
وَهُوَ مَا لَهُ دُونَ السَّنَةِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَادَّعَى فِي
الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا
بِعَامٍ فَجَازَ كَالْجَذَعَةِ مَعَ الْحِقَّةِ.
لَا يُقَالُ: يَتَعَدَّدُ الْجُبْرَانُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فَوْقَ
الثَّنِيَّةِ.
لِأَنَّنَا نَقُولُ: الشَّارِعُ اعْتَبَرَهَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي
الْأُضْحِيَّةِ دُونَ مَا فَوْقَهَا؛ وَلِأَنَّ مَا فَوْقَهَا تَنَاهَى
نُمُوُّهَا، فَإِنْ أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا جَازَ قَطْعًا
كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ (وَلَا تُجْزِي شَاةٌ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ) عَنْ
جُبْرَانٍ وَاحِدٍ إذْ الْخَبَرُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ
وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَلَا يَجُوزُ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا فِي
الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً
إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخِذُ الْمَالِكَ وَرَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ فَيَجُوزُ
إذْ لَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ السَّاعِي كَمَا مَرَّ
نَظِيرُهُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ،
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَرَضُوا بِذَلِكَ
جَازَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ
وَهَذَا عَارِضٌ (وَيُجْزِي شَاتَانِ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا
(لِجُبْرَانَيْنِ) كَمَا يَجُوزُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي
كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَكِسْوَةٌ فِي أُخْرَى
(وَلَا شَيْءَ فِي الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ)
وَهُوَ (ابْنُ سَنَةٍ) دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمَسْرَحِ.
وَقِيلَ لِأَنَّ قَرْنَيْهِ يَتْبَعَانِ أُذُنَيْهِ: أَيْ يُسَاوِيهِمَا،
وَلَوْ أَخْرَجَ تَبِيعَةً أَجْزَأَتْ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا
بِالْأُنُوثَةِ (ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَ) فِي (كُلِّ
أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لَهَا سَنَتَانِ) ، وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ
لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ
فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَمِنْ
كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا» ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ،
وَسُمِّيَتْ مُسِنَّةً لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَلَا جُبْرَانَ فِي
زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، فَفِي سِتِّينَ
بَقَرَةً تَبِيعَانِ، وَفِي كُلِّ سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي
ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي
مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ
الْوَارِدِ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ
أَتْبِعَةٍ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِيمَا
مَرَّ إلَّا فِي الْجُبْرَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْفُقَرَاءِ لِتَنْزِيلِ الدَّرَجَةِ الْقُرْبَى
مَنْزِلَةَ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى إلَخْ)
مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي جِهَةِ صُعُودِهِ أَوْ نُزُولِهِ (قَوْلُهُ:
وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ) أَيْ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي
كُلِّ مَا أَخْرَجَ فِيهِ الْمَالِكُ مَالًا يُجْزِي فَلَا يَكْفِي وَإِنْ
رَضِيَ بِهِ الْفُقَرَاءُ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ كَمَا لَوْ دَفَعَ
بِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا عَنْ حِقَّتَيْنِ فِيمَا لَوْ اتَّفَقَ
فَرْضَانِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْرَجَ تَبِيعَةً أَجْزَأَتْ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ
أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ لِرَغْبَةِ الْمُشْتَرِينَ فِي الذُّكُورِ لِغَرَضٍ
تَعَلَّقَ بِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْجِيرَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ)
زَادَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: بَلْ عَلَيْهِ التَّحْصِيلُ أَوْ إخْرَاجُ
الْأَعْلَى كَمَا لَوْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَهِيَ مَا خَيَّرْنَا فِيهِ الدَّافِعَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا،
وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْخِيرَةَ لِلْمَالِكِ كَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ
يَقُولَ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْخِيرَةُ لِلْمَالِكِ بِأَنْ كَانَ
دَافِعًا، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَمَعْنَى لُزُومِهِ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ
فِي الْأَصْلَحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْخِيرَةُ
لِلْمَالِكِ بِأَنْ كَانَ دَافِعًا إلَخْ.
(3/54)
وَتُسَمَّى الْمُسِنَّةُ ثَنِيَّةً وَلَوْ
أَخْرَجَ عَنْهَا تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ
(وَلَا) شَيْءَ فِي (الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ) شَاةً
(فَشَاةٌ) فِيهَا هِيَ (جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ)
وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ
وَ) فِي (مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ (وَ) فِي
(أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ ثُمَّ) فِي (كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) لِخَبَرِ
أَنَسٍ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَوْ تَفَرَّقَتْ مَاشِيَةُ
الْمَالِكِ فِي أَمَاكِنَ فَهِيَ كَالَّتِي فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ
مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي بَلَدَيْنِ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ
مَلَكَ ثَمَانِينَ فِي بَلَدَيْنِ فِي كُلٍّ أَرْبَعِينَ لَا يَلْزَمُهُ
إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا.
فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ لِمَا مَرَّ وَبَعْضِ شُرُوطِ
الزَّكَاةِ (إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ) بِأَنْ كَانَتْ إبِلُهُ
كُلُّهَا مَهْرِيَّةً بِفَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى مَهِيرَةَ، أَوْ
مُجَيْدِيَّةً نِسْبَةً إلَى فَحْلٍ مِنْ الْإِبِلِ يُقَالُ لَهُ مُجَيْدٌ
بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ وَهِيَ دُونَ الْمَهْرِيَّةِ، أَوْ
أَرْحَبِيَّةً نِسْبَةً إلَى أَرْحَبَ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ
وَبِالْمُوَحَّدَةِ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ، أَوْ بَقَرُهُ كُلُّهَا
جَوَامِيسَ أَوْ عِرَابًا، أَوْ غَنَمُهُ كُلُّهَا ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا.
وَسُمِّيَتْ مَاشِيَةً لِرَعْيِهَا وَهِيَ تَمْشِي (أُخِذَ الْفَرْضُ
مِنْهُ) كَأَخْذِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُهُورِ
مَهْرِيَّةٌ وَهَكَذَا.
نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَلَا نَقْصَ
فَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ
السَّاعِيَ يَخْتَارُ أَنْفَعَهُمَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ
اللَّبُونِ.
لَا يُقَالُ: يُنَافِي الْأَغْبَطُ هُنَا مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ
الْخِيَارُ.
لِأَنَّا نَقُولُ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا
كَانَ جَمِيعُهَا خِيَارًا، لَكِنْ تَعَدَّدَ وَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ أَوْ
كُلُّهَا غَيْرُ خِيَارٍ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا وَصْفُ الْخِيَارِ
الْآتِي وَذَاكَ عَلَى مَا إذَا انْفَرَدَ بَعْضُهَا بِوَصْفِ الْخِيَارِ
دُونَ بَاقِيهَا فَهُوَ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ (فَلَوْ) (أَخَذَ) السَّاعِي
(عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا أَوْ عَكْسَهُ) (
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَغَيْرُهُ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
أَقُولُ: قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْعُدُولِ إلَى الْقِيمَةِ، وَيُشْكِلُ
عَلَيْهِ الْعُدُولُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَابْنِ
اللَّبُونِ اهـ.
أَقُولُ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ حَجّ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَسْنَانِ
الزَّكَاةِ، فَإِذَا فُقِدَ الْوَاجِبُ خُيِّرَ الدَّافِعُ بَيْنَ إخْرَاجِ
قِيمَتِهِ وَالصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُ
الْقِيمَةَ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ) أَيْ وَيَدْفَعُ زَكَاتَهُ
لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: لَا
يَلْزَمُهُ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ وَيَأْتِي فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ لِمَا مَرَّ وَبَعْضِ
شُرُوطِ الزَّكَاةِ]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضِ
شُرُوطِ الزَّكَاةِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْ
شُرُوطِهَا كَوْنُهَا نَعَمًا وَكَوْنُهَا نِصَابًا (قَوْلُهُ: مَهْرِيَّةً
بِفَتْحِ الْمِيمِ) أَيْ وَسُكُونِ الْهَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ
الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: مُجَيْدٌ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ) أَيْ
مَفْتُوحَةٍ.
وَيُقَالُ مُجَيْدِيَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَنْسُوبَةٌ
إلَى الْمَجِيدِ: أَيْ الْكَرِيمِ مِنْ الْمَجْدِ وَهُوَ الْكَرْمُ كَمَا
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَرْحَبِيَّةً) لَمْ يُبَيِّنْ مَرْتَبَتَهَا، وَقَدْ
يُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي الْمُجَيْدِيَّةِ أَنَّهَا دُونَ الْمَهْرِيَّةِ
أَنَّ الْأَرْحَبِيَّةَ أَرْفَعُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: أُخِذَ الْفَرْضُ
مِنْهُ) أَيْ مِنْ نَوْعِهِ لَا مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ الْمَالِ
الْمُشْتَرَكِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ
فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَهْرِيَّةِ مَهْرِيَّةٌ: أَيْ حَصَّلَهَا مِنْ غَيْرِ
مَالِهِ (قَوْلُهُ: الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ بَيْنَ الْمَالِكِ
وَالْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: أَنَّ السَّاعِيَ يَخْتَارُ أَنْفَعَهُمَا) أَيْ
أَنْفَعَ الْمَوْصُوفَيْنِ بِالصِّفَةِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ
دَلَّسَ السَّاعِي أَوْ قَصَّرَ مِنْ عَدَمِ الْحُسْبَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ
فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ مَا لَوْ اتَّحَدَ
وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ كَانَ أَظْهَرَ، وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ
قُلْت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ
فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا أَوْ عَكْسَهُ
(3/55)
جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ
الْقِيمَةِ) فَيَجُوزُ أَخْذُ جَذَعَةٍ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْمَعْزِ
أَوْ ثَنِيَّةِ مَعْزٍ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الضَّأْنِ بِاعْتِبَارِ
الْقِيمَةِ لِاتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَالْمَهْرِيَّةِ مَعَ الْأَرْحَبِيَّةِ،
وَلِهَذَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْبَقَرِ مَعَ الْغَنَمِ.
وَقِيلَ يُؤْخَذُ الضَّأْنُ عَنْ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ
بِخِلَافِ الْعَكْسِ.
وَكَلَامُهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ
أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ جَزْمًا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقِيمَةِ
وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيمَةَ الْجَوَامِيسِ دُونَ
قِيمَةِ الْعِرَابِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا عَنْ الْعِرَابِ بِخِلَافِ
الْعَكْسِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ زَمَنِهِ،
وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ الْعِرَابِ الْجَوَامِيسِ عَلَيْهَا بَلْ
هُوَ غَالِبٌ فِي زَمَنِنَا (وَإِنْ) (اخْتَلَفَ) النَّوْعُ (كَضَأْنٍ
وَمَعْزٍ) مِنْ الْغَنَمِ وَأَرْحَبِيَّةٍ وَمَهْرِيَّةٍ مِنْ الْإِبِلِ
وَجَوَامِيسَ وَعِرَابٍ مِنْ الْبَقَرِ (فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنْ
الْأَكْثَرِ) وَإِنْ كَانَ الْأَغْبَطُ خِلَافَهُ اعْتِبَارًا
بِالْغَلَبَةِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ) لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا
فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ
يُخْرِجُ) الْمَالِكُ (مَا شَاءَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ (مُقَسِّطًا
عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (فَإِذَا كَانَ) أَيْ
وُجِدَ (ثَلَاثُونَ عَنْزًا) وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ (وَعَشْرُ
نَعَجَاتٍ) مِنْ الضَّأْنِ (أَخَذَ عَنْزًا أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ
ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ) وَفِي عَكْسِ الصُّورَةِ
بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نَعْجَةٍ وَرُبْعِ عَنْزٍ، وَلَوْ كَانَ
لَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ خَمْسَ عَشَرَةَ أَرْحَبِيَّةً
وَعَشَرَةٌ مَهْرِيَّةٌ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ بِنْتُ مَخَاضٍ
أَرْحَبِيَّةٌ أَوْ مَهْرِيَّةٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ
أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمُسِ مَهْرِيَّةٍ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَوْ كَانَ
لَهُ مِنْ الْبَقَرِ الْعِرَابِ ثَلَاثُونَ، وَمِنْ الْجَوَامِيسِ عَشْرٌ
أُخِذَ مِنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُسِنَّةٌ مِنْ الْعِرَابِ،
وَعَلَى الثَّانِي فِيمَا يَظْهَرُ مُسِنَّةٌ مِنْهَا بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ
أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ مِنْهَا وَرُبْعِ جَامُوسَةٍ، بَنَاهُ عَلَى
طَرِيقَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْخِيَرَةُ لِلْمَالِكِ كَمَا أَفَادَهُ
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا لِلسَّاعِي، فَمَعْنَى قَوْلِنَا أُخِذَ: أَيْ
أُخِذَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا وَجْهُ تَفْرِيعِ فَلَوْ عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ
الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا؟ قُلْت: وِجْهَةُ النَّظَرُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ
مِنْهُ إنَّمَا ذُكِرَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ كَمَا تَقَرَّرَ لَا
لِانْحِصَارِ الْإِجْزَاءِ فِيهِ اهـ: أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدْفَعُ
السُّؤَالَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ
وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ مَاعِزٌ وَالْأُنْثَى مَاعِزَةٌ
وَالْمَعْزَى وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ.
وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ: الْمَعَزُ بِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ
وَالْمَعِيزُ وَالْأُمْعُوزُ وَالْمُعَازُّ كَكُتَّابٍ وَالْمَعْزَى،
وَيُمَدُّ خِلَافُ الضَّأْنِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْمَاعِزُ وَاحِدُ
الْمَعْزِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: الْمَعْزُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ
لَفْظِهِ، وَهِيَ ذَاتُ الشَّعْرِ مِنْ الْغَنَمِ الْوَاحِدَةُ شَاةٌ
وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتُفْتَحُ الْعَيْنُ وَتُسَكَّنُ وَجَمْعُ السَّاكِنِ
أَمْعُزٌ وَمَعِيزٌ مِثْلُ عَبْدٍ وَأَعْبُدٍ وَعَبِيدٍ، وَالْمَعْزَى
أَلِفُهَا لِلْإِلْحَاقِ لَا لِلتَّأْنِيثِ، وَلِهَذَا تُنَوَّنُ فِي
التَّنْكِيرِ، وَالذَّكَرُ مَاعِزٌ وَالْأُنْثَى مَاعِزَةٌ (قَوْلُهُ:
جَازَ فِي الْأَصَحِّ) هَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ اخْتِلَافِ
النَّوْعِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا
مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مِنْ الضَّأْنِ، وَأُخِذَ عَنْهُ
مِنْ الْمَعْزِ أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ كَالْمَهْرِيَّةِ مَعَ
الْأَرْحَبِيَّةِ) تَعْلِيلُ الْأَصَحِّ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ بَعْدَ حِكَايَةِ
الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ كَالْمَهْرِيَّةِ مَعَ
الْأَرْحَبِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ إحْدَاهُمَا عَنْ
الْأُخْرَى جَزْمًا حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ فَهَلْ هِيَ مِنْ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالضَّأْنِ
وَالْمَعْزِ رَاجِعْهُ، وَلَعَلَّهُ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِحِكَايَةِ
الْأَصَحِّ وَمُقَابِلُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ فِي تَوْجِيهِ
الْأَوَّلِ) عَبَّرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ
مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ: إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ جَزْمًا)
أَيْ فَيُؤْخَذُ بِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ
أُنْثَى الْمَعْزِ) تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّ أُنْثَى
الْمَعْزِ مَاعِزَةٌ وَعَلَيْهِ فَالْمَعِيزُ وَالْمَاعِزَةُ
مُتَرَادِفَانِ (قَوْلُهُ: بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
جَازَ فِي الْأَصَحِّ) لَا يَخْفَى أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّ مَاشِيَتَهُ
مُتَّحِدَةٌ كَمَا هُوَ فَرْضُ كَلَامِهِ، فَمَاشِيَتُهُ إمَّا ضَأْنٌ
فَقَطْ أَوْ مَعْزٌ فَقَطْ، فَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَعْزِ عَنْ الْأُولَى
وَالضَّأْنِ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِ النَّوْعِ
الْآتِي خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ
(3/56)
مَا اخْتَارَهُ الْمَالِكُ، وَكَذَا
يُقَالُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ:
الْمَرَضُ وَالْعَيْبُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّغَرُ وَرَدَاءَةُ النَّوْعِ
فَقَالَ: (وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ) بِمَا يُرَدُّ بِهِ
فِي الْبَيْعِ وَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]
وَلِخَبَرِ «وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ
وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُتَصَدِّقُ» (إلَّا مِنْ
مِثْلِهَا) بِأَنْ تَمَحَّضَتْ مَاشِيَتُهُ مِنْهَا، وَلَا تُؤَثِّرُ
الْخُنُوثَةُ فِي ابْنِ اللَّبُونِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَيْعِ عَيْبًا؛
لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شُرَكَاءُ فَكَانُوا كَبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ
فَتَكْفِي مَرِيضَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَمَعِيبَةٌ مِنْ الْوَسَطِ، فَإِنْ
اخْتَلَفَ مَالُهُ نَقْصًا وَكَمَالًا وَاتَّحَدَ جِنْسًا أَخْرَجَ
وَاحِدًا كَامِلًا أَوْ أَكْثَرَ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ كَأَرْبَعِينَ
شَاةً نِصْفُهَا مِرَاضٌ أَوْ مَعِيبٌ، وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ
دِينَارَانِ وَكُلِّ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ دِينَارٌ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ
بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ
فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ
جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ وَبِجُزْءٍ مِنْ
أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَذَلِكَ دِينَارٌ وَرُبْعُ
عُشْرِ دِينَارٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ
مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ شَاتَانِ فِي غَنَمٍ
لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ أَجْزَأَهُ صَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ
وَمَرِيضَةٌ.
(وَلَا) يُؤْخَذُ (ذَكَرٌ) لِوُرُودِ النَّصِّ بِالْإِنَاثِ (إلَّا إذَا
وَجَبَ) كَابْنِ اللَّبُونِ وَالْحِقِّ وَالذَّكَرِ فِي الشَّاةِ فِي
الْإِبِلِ فِيمَا مَرَّ وَالتَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ (وَكَذَا لَوْ
تَمَحَّضَتْ) مَاشِيَتُهُ (ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ) كَمَا تُؤْخَذُ
الْمَرِيضَةُ وَالْمَعِيبَةُ مِنْ مِثْلِهِمَا، وَلِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ
التَّحْصِيلَ مَشَقَّةً عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، فَعَلَى هَذَا
يُؤْخَذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ
ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ
الْمَخَاضِ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ
بِالتَّقْوِيمِ وَالنِّسْبَةِ، فَلَوْ كَانَتْ خَمْسٌ وَالْعِشْرُونَ
إنَاثًا وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْهَا مِائَةٌ،
وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا ذُكُورًا قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ
ابْنِ مَخَاضٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِنْ أَنَّ قِيمَةَ الْجَوَامِيسِ دُونَ قِيمَةِ الْعِرَابِ فَلَا
تُؤْخَذُ عَنْهَا
(قَوْلُهُ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) هُوَ الْعَيْبُ وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِيهِ
أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا اهـ عَمِيرَةُ.
وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ: الْعَوَارُ بِالْفَتْحِ الْعَيْبُ وَقَدْ
يُضَمُّ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْعَوَارُ الْعَيْبُ وَالْخَرْقُ فِي
الثَّوْبِ، وَيُثَلَّثُ فِي الْكُلِّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْعَوَارُ
وِزَانُ كَلَامٍ وَالضَّمُّ لُغَةً الْعَيْبُ بِالثَّوْبِ مِنْ خَرْقٍ
وَشَقٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِالْعَيْنِ عُوَّارٌ بِالضَّمِّ
وَالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الرَّمَدُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ
الْمُتَصَدِّقُ) رَاجِعٌ لِلتَّيْسِ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ
لَا يُؤْخَذُ وَإِنْ رَضِيَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَيْعِ عَيْبًا) لَمْ يُبَيِّنْ
وَجْهَهُ، وَلَعَلَّ إجْزَاءَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ
الذُّكُورَةِ (قَوْلُهُ وَالْأُنُوثَةُ) فَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهُوَ
أَرْقَى مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَجْزَأَ عَنْ
بِنْتِ الْمَخَاضِ، بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ رَغْبَةَ
الْمُشْتَرِي تَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَعِيبَةٌ مِنْ الْوَسَطِ) فِي التَّعْبِيرِ بِهِ تَفَنُّنٌ
(قَوْلُهُ: دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ
الصَّحِيحُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِئُ إلَّا
الصِّحَاحُ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ فِي مَالِهِ صَحِيحَتَانِ وَوَاجِبُهُ شَاتَانِ
وَجَبَ إخْرَاجُ صَحِيحَتَيْنِ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ،
فَلَوْ لَمْ تُوجَدْ صَحِيحَةٌ تَفِي قِيمَتُهَا بِالْوَاجِبِ مُقَسَّطًا،
كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرِيضَةِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالصَّحِيحَةِ
مِائَةً وَفِي مَالِهِ صَحِيحَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقِيمَةُ
الصَّحِيحَةِ الْمُجْزِئَةِ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ
دِرْهَمٍ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ، وَعِبَارَتُهُ:
وَلَوْ انْقَسَمَتْ مَاشِيَتُهُ كَصِغَارٍ وَكِبَارٍ وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ
بِالْقِسْطِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بِهِ فَالْقِيمَةُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا
يُقَالُ فِيمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: كَابْنِ اللَّبُونِ وَالْحِقِّ) أَيْ
عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ
(قَوْلُهُ: وَالتَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ) ظَاهِرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ) لَا يُنَاسِبُ مَا قَدَّمَهُ
مِنْ عَدِّ الْمَرَضِ قَسِيمًا لِلْعَيْبِ (قَوْلُهُ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ
الْمَخَاضِ) صَوَابُهُ ابْنُ الْمَخَاضِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ الَّذِي هَذِهِ عِبَارَتُهُ بِالْحَرْفِ
(3/57)
مِنْهَا خَمْسُونَ فَيَجِبُ ابْنُ لَبُونٍ
قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ
وَثَلَاثِينَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ السِّتِّ
وَالثَّلَاثِينَ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَهِيَ خُمُسَانِ وَخُمُسُ
خُمُسٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَجُوزُ إلَّا الْأُنْثَى
لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْحَدِيثِ.
نَعَمْ لَوْ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا أُنْثَى
فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ، وَمَعَ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ ذَكَرٍ
مَعَ الْأُنْثَى الْمَوْجُودَةِ، وَإِيرَادُ هَذِهِ عَلَى عِبَارَةِ
الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ، وَأَجْزَأَهُ
إخْرَاجُ ذَكَرٍ غَيْرِ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ نَظِيرَ
مَا مَرَّ فِي السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، أَمَّا الْغَنَمُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ
بِإِجْزَاءِ الذَّكَرِ (وَ) يُؤْخَذُ (فِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ فِي
الْجَدِيدِ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ
لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ،
وَالْعَنَاقُ هِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَمْ تَجْذَعْ،
وَتُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَمُوتَ الْأُمَّهَاتُ وَقَدْ تَمَّ حَوْلُهَا،
وَالنِّتَاجُ صَغِيرٌ أَوْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ وَتَمَّ
لَهَا حَوْلٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَصِيلٌ فَوْقَ
الْمَأْخُوذِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَوْقَ
الْمَأْخُوذِ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَالْقَدِيمُ
لَا تُؤْخَذُ إلَّا كَبِيرَةٌ لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةِ
مِنْ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَمَحَلُّ
إجْزَاءِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ
غَيْرِهِ كَخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ صِغَارٍ، وَأَخْرَجَ الشَّاةَ لَمْ يُجْزِ
إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكِبَارِ، ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ،
وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْمَرِيضِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا صِغَارًا
وَبَعْضُهَا كِبَارًا وَجَبَ إخْرَاجُ كَبِيرَةٍ بِالْقِسْطِ كَمَا مَرَّ
فِي نَظَائِرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ فَوْقَ سِنِّ فَرْضِهِ لَمْ
يُكَلَّفْ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا بَلْ لَهُ تَحْصِيلُ السِّنِّ الْوَاجِبِ،
وَلَهُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ فِي الْإِبِلِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا)
تُؤْخَذُ (رُبَّى) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
وَالْقَصْرِ وَهِيَ الْحَدِيثَةُ الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ شَاةً كَانَتْ
أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ إلَى
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهَا، قَالَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَوْ كَانَتْ إنَاثًا (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ ابْنُ لَبُونٍ) قَضِيَّتُهُ
أَنَّهَا إذَا تَمَحَضَّتْ ذُكُورًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا ابْنُ
الْمَخَاضِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ،
وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا لَوْ تَمَحَضَّتْ
ذُكُورًا إلَخْ.
وَفِي كَلَامِ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُوَافَقَةُ
ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ
شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِحُرُوفِهِ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ الشَّارِحِ
نَصُّهَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِهَا ذُكُورًا
ثُمَّ إنَاثًا بَلْ الشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ الْمُخْرَجِ فِي
السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ عَلَى أَقَلِّ ذَكَرٍ يُجْزِئُ فِي الْخَمْسِ
وَالْعِشْرِينَ بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ عَلَى
الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ.
نَعَمْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْمَانِعِ مِنْ
جَوَازِ أَخْذِ الذَّكَرِ، وَلِهَذَا خَصَّ الْمَحَلِّيُّ هَذَا
التَّقْدِيرَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ حَيْثُ قَالَ إلَخْ، قَالَ سم عَلَى
مَنْهَجٍ: لَوْ تَمَحَضَّتْ إبِلُهُ خَنَاثَى لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ
مِنْهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ: أَيْ الْمَأْخُوذِ وَأُنُوثَتِهَا أَوْ
عَكْسِهِ، بَلْ تَجِبُ أُنْثَى بِقِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ عُبَابٌ
(قَوْلُهُ: وَإِيرَادُ هَذِهِ) الْإِشَارَةِ لِقَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ
تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ (قَوْلُهُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِإِجْزَاءِ
الذَّكَرِ) أَيْ حَيْثُ تَمَحَضَّتْ ذُكُورًا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ
الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا أَنَّ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ بَيْنَ ذَكَرِهَا
وَأُنْثَاهَا يَسِيرُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا التَّفَاوُتُ
بِالنَّظَرِ لِفَوَاتِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ
لِتَيَسُّرِ تَحْصِيلِ الْأُنْثَى بِقِيمَةِ الذَّكَرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَنَاقُ هِيَ الصَّغِيرَةُ) أَيْ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ
سَنَةً (قَوْلُهُ: فَيُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) أَيْ مِنْ
الْإِبِلِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَمُوتَ
الْأُمَّهَاتُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي نَظَائِرِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ
كَأَرْبَعِينَ شَاةً نِصْفُهَا مُرَاضٌ أَوْ مَعِيبٌ وَقِيمَةُ كُلِّ
صَحِيحَةٍ دِينَارَانِ (قَوْلُهُ: بَلْ لَهُ تَحْصِيلُ السِّنِّ
الْوَاجِبِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَا عِنْدَهُ وَهُوَ
ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ
لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا رُبَّى) وَزْنُهَا فُعْلَى بِضَمِّ الْأَوَّلِ
وَالْقَصْرِ وَجَمْعُهَا رُبَّاتٌ وَمَكْسِرُهَا رِبَابٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) أَيْ
بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسِنَّةِ فِي الْبَقَرِ (قَوْلُهُ بِأَنْ تَمُوتَ
الْأُمَّهَاتُ وَقَدْ تَمَّ حَوْلُهَا) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ
تَمَّ حَوْلُ النِّتَاجِ الْمَبْنِيِّ حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ أُمَّهَاتِهِ
الَّتِي مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ
(3/58)
الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ إلَى
شَهْرَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا (وَ) لَا
(أَكُولَةٌ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْكَافِ مَعَ
التَّخْفِيفِ الْمُسَمَّنَةُ لِلْأَكْلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ
(وَ) لَا (حَامِلٌ) إذْ فِي أَخْذِهَا أَخْذُ حَيَوَانَيْنِ بِحَيَوَانٍ،
وَأُلْحِقَ بِهَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ الَّتِي طَرَقَهَا
الْفَحْلُ لِغَلَبَةِ حَمْلِ الْبَهَائِمِ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ
بِخِلَافِ الْآدَمِيَّاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْزِ فِي الْأُضْحِيَّةِ؛
لِأَنَّ مَقْصُودَهَا اللَّحْمُ وَلَحْمُهَا رَدِيءٌ وَهُنَا مُطْلَقُ
الِانْتِفَاعِ، وَهُوَ بِالْحَامِلِ أَكْثَرُ لِزِيَادَةِ ثَمَنِهَا
غَالِبًا، وَالْحَمْلُ إنَّمَا يَكُونُ عَيْبًا فِي الْآدَمِيَّاتِ (وَ)
لَا (خِيَارٌ) عَامٌّ بَعْدَ خَاصٍّ، وَيَظْهَرُ ضَبْطُهُ بِأَنْ يَزِيدَ
قِيمَةُ بَعْضِهَا بِوَصْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ عَلَى قِيمَةِ كُلٍّ
مِنْ الْبَاقِيَاتِ، وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ هُنَا بِزِيَادَةٍ لِأَجْلِ
نَحْوِ نِطَاحٍ، وَأَنَّهُ إذَا وُجِدَ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ الْخِيَارِ
الَّتِي ذَكَرُوهَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ زِيَادَةُ قِيمَةٍ وَلَا
عَدَمُهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَلِقَوْلِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا تُؤْخَذُ الْأَكُولَةُ وَلَا
الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ: أَيْ الْحَامِلُ، وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا كَذَلِكَ أُخِذَ مِنْهَا إلَّا
الْحَوَامِلَ فَلَا يُطَالَبُ بِحَامِلٍ مِنْهَا لِمَا مَرَّ كَمَا
نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَارْتَضَاهُ
وَاسْتَحْسَنَهُ (إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ
مُحْسِنٌ بِالزِّيَادَةِ، قَالَ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ
سَبِيلٍ} [التوبة: 91]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخُلْطَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ: خُلْطَةُ شَرِكَةٍ،
وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِخُلْطَةِ الْأَعْيَانِ وَالشُّيُوعِ، وَخُلْطَةُ
جِوَارٍ.
وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ
الزَّكَاةِ) أَيْ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ
زَكَّيَا، وَإِطْلَاقُ أَهْلٍ عَلَى الِاثْنَيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ
جِنْسٍ وَهَذَا مِثَالٌ (فِي مَاشِيَةٍ) مِنْ جِنْسٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ
أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ نِصَابٌ أَوْ أَقَلُّ، وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ أَوْ
أَكْثَرُ وَدَامَ ذَلِكَ (زَكَّيَا كَرَجُلٍ) وَاحِدٍ إذْ خُلْطَةُ
الْجِوَارِ تُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ
أَوْلَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالْكَسْرِ اهـ عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَوْلُهُ شَاةً كَانَتْ أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً زَادَ حَجّ: وَإِنْ
اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ:
وَالْجَوْهَرِيُّ إلَى شَهْرَيْنِ) أَيْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ إلَخْ:
قَالَ حَجّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِهَا تُسَمَّى
حَدِيثَةً عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِنَظَرِ الْفُقَهَاءِ
(قَوْلُهُ: وَلَا حَامِلٌ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ مَأْكُولٍ اهـ سم،
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَأْكُولِ نَجِسًا كَمَا لَوْ نَزَا
خِنْزِيرٌ عَلَى بَقَرَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِي
أَخْذِهَا الِاخْتِصَاصَ بِمَا فِي جَوْفِهَا (قَوْلُهُ: الَّتِي طَرَقَهَا
الْفَحْلُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ
عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ حَمْلِ
الْبَهَائِمِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ دَفَعَ حَائِلًا فَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا
هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ
الْأَوَّلُ فَيَسْتَرِدُّهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ
الرُّبَّى وَالْأَكُولَةِ وَالْحَامِلِ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِ عُمَرَ)
فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ مِنْ
الْكَرَائِمِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ) أَيْ مِنْ
قَوْلِهِ إذْ فِي أَخْذِهَا أَخْذُ حَيَوَانَيْنِ بِحَيَوَانٍ (قَوْلُهُ:
إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الرُّبَّى إذَا
اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ
حِينَئِذٍ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ
بَيْنَهُمَا مَالٌ مَمْلُوكٌ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِاشْتِرَاكٍ مِنْهُمَا
بِعَقْدٍ أَوْ لَا كَأَنْ وَرِثَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَاشِيَتُهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ
أَوْ أَكْثَرُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي عِشْرِينَ شَاةً مَثَلًا
وَلِأَحَدِهِمَا مَا يَبْلُغُ بِهِ مَالُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ كَأَنْ
تَمَيَّزَ بِثَلَاثِينَ غَيْرِ الْعَشَرَةِ الْمَخْلُوطَةِ، وَبِذَلِكَ
صَرَّحَ حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ تُفِيدُ تَثْقِيلًا عَلَى أَحَدِهِمَا
وَتَخْفِيفًا عَلَى الْآخَرِ كَسِتِّينَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا،
وَكَأَنْ اُشْتُرِكَ فِي عِشْرِينَ مُنَاصَفَةً وَلِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ
انْفَرَدَ بِهَا فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَالْآخَرُ
خُمُسُ شَاةٍ اهـ.
وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ ضَبْطُهُ بِأَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ بَعْضِهَا بِوَصْفٍ
آخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) لَعَلَّ هُنَا سَقْطًا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ
وَإِلَّا فَهَذَا لَا يُلَائِمُ كَوْنَهُ مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ،
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: عَامٌّ بَعْدَ خَاصٍّ، كَذَا قِيلَ وَهُوَ غَيْرُ
مُتَّجَهٍ بَلْ هُوَ مُغَايِرٌ، وَالْمُرَادُ وَخِيَارٌ بِوَصْفٍ آخَرَ
غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ ضَبْطُهُ بِأَنْ تَزِيدَ
قِيمَةُ بَعْضِهَا إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّارِحِ
[الْخُلْطَةِ فِي الزَّكَاة]
(قَوْلُهُ: وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ أَوْ أَكْثَرُ) أَيْ وَلَوْ
بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ فِي صُورَةِ الْأَقَلِّ فَقَطْ
(3/59)
وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ قَدْ تُفِيدُ
تَخْفِيفًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي ثَمَانِينَ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ
تَثْقِيلًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي أَرْبَعِينَ أَوْ تَخْفِيفًا عَلَى
أَحَدِهِمَا وَتَثْقِيلًا عَلَى الْآخَرِ كَأَنْ مَلَكَا سِتِّينَ
لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا، وَقَدْ لَا تُفِيدُ
شَيْئًا كَمِائَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَتَأْتِي هَذِهِ الْأَقْسَامُ فِي
خُلْطَةِ الْجِوَارِ أَيْضًا، وَهِيَ الثَّانِي الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ
فَقَالَ (وَكَذَا لَوْ خُلِطَا مُجَاوَرَةً) لِجَوَازِ ذَلِكَ
بِالْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أَنَسٍ «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ
وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» نَهَى الْمَالِكَ
عَنْ كُلٍّ مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا أَوْ
كَثْرَتِهَا، وَنَهَى السَّاعِيَ عَنْهُمَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ
قِلَّتِهَا، وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي الْجِوَارِ وَمِثْلُهَا الشُّيُوعُ
وَأَوْلَى، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ خُلْطَةَ جِوَارٍ وَخُلْطَةَ
أَوْصَافٍ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ أَهْلُ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ
فِي الْخَلِيطَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ مَوْقُوفًا أَوْ
لِذِمِّيٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ تُؤَثِّرْ
الْخُلْطَةُ شَيْئًا بَلْ يُعْتَبَرُ نَصِيبُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ
الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَّاهُ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا
فَلَا زَكَاةَ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ اعْتِبَارُ كَوْنِ
الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، لَا غَنَمٍ مَعَ بَقَرٍ، وَكَوْنِ
مَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ نِصَابًا فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلِأَحَدِهِمَا
نِصَابٌ فَأَكْثَرُ، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِشْرِينَ مِنْ
الْغَنَمِ فَخُلِطَ تِسْعَةَ عَشَرَ بِمِثْلِهَا، وَتَرَكَا شَاتَيْنِ
مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا خُلْطَةَ وَلَا زَكَاةَ.
وَدَوَامُ الْخُلْطَةِ سَنَةً إنْ كَانَ الْمَالُ حَوْلِيًّا، فَلَوْ
مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ،
وَخُلِطَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا خُلْطَةَ فِي
الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، بَلْ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ
مِنْهُمَا شَاةٌ، وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا
بَعْدَهُ.
فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
حَوْلِيًّا اُشْتُرِطَ بَقَاؤُهَا إلَى زَهْوِ الثِّمَارِ وَاشْتِدَادِ
الْحَبِّ فِي النَّبَاتِ
وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَرِكَةِ الْمُجَاوَرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الشَّارِحِ: وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ اعْتِبَارُ كَوْنِ الْمَالَيْنِ
إلَخْ
1 -
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الثَّانِي) أَيْ النَّوْعُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَكَذَا
لَوْ خُلِطَا مُجَاوَرَةً) وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِمَالِ
الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَا فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ مِنْ الْخُلْطَةِ
وَعَدَمِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْأُسَامَةِ، وَبَقِيَ مَا
لَوْ اخْتَلَفَتْ عَقِيدَةُ الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَهَلْ
يُرَاعِي عَقِيدَةَ نَفْسِهِ أَوْ عَقِيدَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ؟ فِيهِ
نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ عَقِيدَتُهُ
وَعَقِيدَةُ شَرِيكِهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْمَلُ
بِعَقِيدَتِهِ، فَلَوْ خَلَطَ شَافِعِيٌّ عِشْرِينَ شَاةً بِعِشْرِينَ
شَاةً بِمِثْلِهَا لِصَبِيٍّ حَنَفِيٍّ وَجَبَ عَلَى الشَّافِعِيِّ نِصْفُ
شَاةٍ عَمَلًا بِعَقِيدَتِهِ دُونَ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: نَهَى
الْمَالِكُ عَنْ كُلٍّ مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا)
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ: لَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ خَشْيَةَ
الْوُجُوبِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشٍ صَحِيحٍ مُعْتَمَدٍ فَائِدَةً: مَعْنَى قَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ إلَخْ كَانَ النَّاسُ فِي
الْحَيِّ أَوْ فِي الْقَرْيَةِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُصَدِّقَ
يَقْصِدُهُمْ لِيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ فَيَكُونُ مَثَلًا ثَلَاثَةَ
أَنْفُسٍ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَيَقُولُ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا حَتَّى نَخْتَلِطَ بِهَا، فَيَقُولُونَ
نَحْنُ ثَلَاثُ خُلَطَاءَ لَنَا عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ فَيَأْخُذُ
الْمُصَدِّقُ مِنْهُمْ شَاةً وَاحِدَةً، فَقَدْ نَقَصُوا الْمَسَاكِينَ
شَاتَيْنِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا لَوَجَبَ عَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ فَنُهُوا عَنْ هَذَا الْفِعْلِ، فَهَذَا مَعْنَى لَا
يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ أَنْ تَكْثُرَ
عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ هَذَا خِطَابٌ لِعَامِلِ
الصَّدَقَةِ، قِيلَ لَهُ إذَا كَانُوا خُلَطَاءَ اثْنَانِ لَهُمَا
ثَمَانُونَ شَاةً يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُفَرِّقُهَا
عَلَيْهِمَا فَيَقُولُ إذَا فَرَّقْتهَا عَلَيْهِمَا أَخَذْت مِنْ كُلِّ
وَاحِدٍ شَاةً، فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُدِيمَ الشَّيْءَ عَلَى
حَالِهِ وَيَتَّقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهَا
عَلَى حَالِهَا لَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ الْجَمْعُ عَلَيْهِ
إنَّمَا يُفِيدُ تَقْلِيلَ الْوُجُوبِ لَا إسْقَاطَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ
خَشْيَةَ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا خُصُوصَ الْإِسْقَاطِ (قَوْلُهُ:
وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مِنْ جِنْسٍ بِشِرَاءٍ
أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ نِصَابٌ أَوْ أَقَلُّ (قَوْلُهُ: لَا
غَنَمَ مَعَ بَقَرٍ) أَيْ بِخِلَافِ ضَأْنٍ مَعَ مَعْزٍ لِعَدَمِ
اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي الْحَوْلِ
الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِجَوَازِ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِ
هَذَا تَعْلِيلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَرَجُلٍ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ
(قَوْلُهُ: نَهَى الْمَالِكُ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَيَخْتَلِفُ تَقْدِيرُ
الْمُضَافِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ
(3/60)
(بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ) مَاشِيَةُ
أَحَدِهِمَا عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ (فِي الْمَشْرَعِ) وَهُوَ مَوْضِعُ
شُرْبِ الْمَاشِيَةِ، وَلَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُوقَفُ فِيهِ عِنْدَ
إرَادَةِ سَقْيِهَا، وَلَا فِي الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ لِيَشْرَبَ
غَيْرُهَا (وَ) لَا فِي (الْمَسْرَحِ) وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي
تَجْتَمِعُ فِيهِ ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى، وَلَا فِي الْمَرْعَى
وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ
الْمَمَرِّ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) لَا فِي (الْمُرَاحِ)
وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ مَأْوَاهَا لَيْلًا (وَ) لَا فِي (مَوْضِعِ
الْحَلَبِ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ لِلَّبَنِ وَلِلْمَصْدَرِ
وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَحُكِيَ سُكُونُهَا لِأَنَّهُ إذَا تَمَيَّزَ
مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ كَمَالٍ وَاحِدٍ،
وَالْغَرَضُ مِنْ الْخُلْطَةِ صَيْرُورَتُهُمَا كَمَالٍ وَاحِدٍ لِخِفَّةِ
الْمُؤْنَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا إلَّا مَشْرَعٌ أَوْ مَرْعًى أَوْ مُرَاحٌ
وَاحِدٌ بِالذَّاتِ بَلْ لَا بَأْسَ بِتَعَدُّدِهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي
أَنْ لَا تُخَصَّ مَاشِيَةُ هَذَا بِمُرَاحٍ وَمَشْرَعٍ وَمَاشِيَةُ
الْآخَرِ بِمُرَاحٍ وَمَشْرَعٍ (وَكَذَا) يُشْتَرَطُ (اتِّحَادُ الرَّاعِي
وَالْفَحْلِ فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ «وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي
الْمَرْعَى وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ
ضَعِيفٍ، وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الرُّعَاةِ قَطْعًا بِشَرْطِ عَدَمِ
انْفِرَادِ كُلٍّ بِرَاعٍ.
وَالْمُرَادُ بِالِاتِّحَادِ أَنْ يَكُونَ الْفَحْلُ أَوْ الْفُحُولُ
مُرْسَلَةً فِيهَا تَنْزُو عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَاشِيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا
تَخْتَصُّ مَاشِيَةُ كُلٍّ بِفَحْلٍ عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ وَإِنْ
كَانَتْ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُعَارَةً لَهُ أَوْ لَهُمَا إلَّا
إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ
جَزْمًا لِلضَّرُورَةِ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ مَكَانِ الْإِنْزَاءِ
كَالْحَلَبِ، وَلَوْ افْتَرَقَتْ مَاشِيَتُهُمَا زَمَنًا طَوِيلًا وَلَوْ
مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ضُرٍّ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ
لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ عَلِمَا بِهِ وَأَقَرَّاهُ أَوْ قَصَدَا ذَلِكَ أَوْ
عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
ضَرَّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الرَّاعِي وَالْفَحْلِ يُنْظَرُ إلَى
أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِيهِمَا لَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْمَالِ
بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهُمَا، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَلَا الْإِنَاءِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ،
وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ وَلَا
خُلْطَةُ اللَّبَنِ فِي الْأَصَحِّ (لَا نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي
الْأَصَحِّ) إذْ مُقْتَضَى تَأْثِيرِ الْخُلْطَةِ مِنْ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ
حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ تُنْوَ.
وَالثَّانِي تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مُغَيِّرَةٌ لِمِقْدَارِ
الزَّكَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ فِي الزِّيَادَةِ
وَضَرَرِ الْفُقَرَاءِ فِي النُّقْصَانِ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ
حَيْثُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْخَلِيطَيْنِ حَالَةَ انْفِرَادٍ، فَإِنْ
انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى الِانْفِرَادِ، ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ
فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ خُلِطَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ تَثْبُتْ
الْخُلْطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ
تَمَامِهَا شَاةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا كَأَنْ مَلَكَ هَذَا
غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا غُرَّةَ صَفَرٍ وَخُلِطَا غُرَّةَ شَهْرِ
رَبِيعٍ فَعَلَى كُلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: اتِّحَادُ الْمَمَرِّ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَسْرَحِ
وَالْمَرْعَى لَا بَيْنَ الْمَشْرَعِ وَالْمَسْرَحِ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ) وَضَعْفُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ
مَقْصُودِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى
أَصْلِ الْخُلْطَةِ بَلْ الدَّلِيلُ بَلْ أَصْلُهَا الْإِجْمَاعُ وَعَلَى
اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ مَا يُحَقِّقُ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ، وَهِيَ إنَّمَا
تَحْصُلُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الرُّعَاةِ) قَالَ فِي
مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: وَجَمْعُ الرَّاعِي رُعَاةٌ كَقَاضٍ وَقُضَاةٌ
وَرُعْيَانٌ كَشَابٍّ وَشُبَّانٍ اهـ أَيْ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى
رِعَاءٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص:
23] الْآيَةَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ، وَزَادَ فِي
الْقَامُوسِ: وَرَعَاءٌ بِالْفَتْحِ قَالَا وَبِالضَّمِّ اسْمُ جَمْعٍ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ افْتَرَقَتْ مَاشِيَتُهُمَا زَمَنًا طَوِيلًا) وَهُوَ
الزَّمَانُ الَّذِي لَا تَصِيرُ فِيهِ الْمَاشِيَةُ عَلَى تَرْكِ الْعَلَفِ
بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ (قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا
يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ) وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ
الْجِزَازِ قِيَاسًا عَلَى الْحَالِبِ، وَلَا خُلْطَةُ الصُّوفِ قِيَاسًا
عَلَى خُلْطَةِ اللَّبَنِ وَقِيَاسُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ مَوْضِعِ
الْحَلْبِ اشْتَرَطَ اتِّحَادَ مَوْضِعِ الْجَزِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يَنْظُرُ إلَى أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِيهِمَا لَا يَرْجِعُ إلَى
نَفْسِ الْمَالِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ افْتِرَاقُ الْمَالِ إذْ هُوَ
مَخْلُوطٌ بِالْفِعْلِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَسْرَحِ يَلْزَمُ مِنْ
اخْتِلَافِهِ افْتِرَاقُ عَيْنِ الْمَالِ إذْ يَصِيرُ كُلُّ مَالٍ فِي
مَسْرَحٍ عَلَى حِدَةٍ
(3/61)
وَاحِدَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ حَوْلِهِ
شَاةٌ، وَإِذَا طَرَأَ الِانْفِرَادُ عَلَى الْخُلْطَةِ فَمَنْ بَلَغَ
مَالُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَمَنْ لَا فَلَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ
الْمُصَنِّفُ حُكْمَ التَّرَاجُعِ.
وَحَاصِلُهُ جَوَازُ أَخْذِ السَّاعِي مِنْ مَالِ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ
وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ شَاةً مَثَلًا مِنْ
أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ قِيمَتِهَا لَا
مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ، فَلَوْ خَلَطَا مِائَةً بِمِائَةٍ
وَأَخَذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ
بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهِمَا وَلَا بِشَاةٍ وَلَا
بِنِصْفَيْ شَاتَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ كُلٍّ شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ،
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ ثَلَاثُونَ
وَلِعَمْرٍو عَشْرٌ فَأَخَذَ الشَّاةَ مِنْ عَمْرٍو وَرَجَعَ عَلَى زَيْدٍ
بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا أَوْ أَخَذَهَا مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ عَلَى
عَمْرٍو بِالرُّبْعِ، وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ
فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ مِنْ عَمْرٍو رَجَعَ عَلَى زَيْدٍ
بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِمَا أَوْ مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ
أَخَذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةً رَجَعَ زَيْدٌ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِه
وَعَمْرٌو بِثُلُثَيْ قِيمَةِ شَاتِهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي قِيمَةِ
الْمَأْخُوذِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ
وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ أَرْبَعُونَ مِنْ
الْبَقَرِ وَلِعَمْرٍو مِنْهَا ثَلَاثُونَ فَأَخَذَ السَّاعِي التَّبِيعَ
وَالْمُسِنَّةَ مِنْ عَمْرٍو رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا
أَوْ مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا، فَإِنْ
أَخَذَ مِنْ كُلٍّ فَرْضَهُ فَلَا تَرَاجُعَ، فَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ
مِنْ زَيْدٍ وَالْمُسِنَّةَ مِنْ عَمْرٍو رَجَعَ عَلَى زَيْدٍ بِأَرْبَعَةِ
أَسْبَاعِهَا، وَرَجَعَ عَلَيْهِ زَيْدٌ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ التَّبِيعِ،
وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الرُّجُوعِ فِيمَا ذُكِرَ إذْنُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ
فِي الدَّفْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ السَّابِقِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ مُصَرَّحٌ بِهِ لِإِذْنِ
الشَّارِعِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ بِالْخُلْطَةِ صَارَا كَالْمَالِ
الْمُنْفَرِدِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ قَالَ: لِأَنَّ نَفْسَ
الْخُلْطَةِ مُسَلَّطَةٌ عَلَى الدَّفْعِ الْمُبْرِئِ الْمُوجِبِ
لِلرُّجُوعِ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ يُخْرِجُ
بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا
تُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ كَالْإِمَامِ
فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَدَّى حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ يَحْتَاجُ
إلَى النِّيَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى
غَيْرِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَالْخَبَرِ
أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ بِغَيْرِ إذْنٍ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ
مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَأَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ نَقَلَ
الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ
مَحَلَّهُ إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
كَلَامَهُمْ كَالْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ:
قَالَ أَصْحَابُنَا: أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْخَلِيطَيْنِ
يَقْتَضِي التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَقْتَضِي رُجُوعَ أَحَدِهِمَا
عَلَى صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ (وَالْأَظْهَرُ) (تَأْثِيرُ خُلْطَةِ
الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ) بِاشْتِرَاكٍ
أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ لِعُمُومِ خَبَرِ «لَا يُجْمَعُ
بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَلَا تُرَاجَعْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا) قِيَاسُ مَا
يَأْتِي فِيمَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَالْآخَرِ خَمْسُونَ
رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ، وَقَدْ
يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ لَمَّا أَخَذَ مِنْ
عَمْرٍو فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ عَلَى زَيْدٍ بِهِ سَوَّى
بَيْنَهُمَا بِرُجُوعِ زَيْدٍ عَلَيْهِ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا هُنَا
فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ:
وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُسْتَوِيَةً
جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ نِيَّةَ
أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُخْرِجِ عَنْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: يَحْتَاجُ هُوَ
صِفَةُ حَقًّا، وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صِلَةُ أَدَّى قَوْلُهُ أَنَّ
مَحَلَّهُ إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: دُونَ
الْآخَرِ) أَيْ كَأَنْ دَفَعَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الْمَخْلُوطِ بِغَيْرِ
إذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ خَبَرِ إلَخْ) بِبَعْضِ
الْهَوَامِشِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ السَّابِقِ) تَبِعَ فِي هَذَا
التَّعْبِيرِ شَرْحَ الرَّوْضِ، لَكِنَّ ذَاكَ أَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ
فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ وَلَفْظُهُ «وَمَا
كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا
بِالسَّوِيَّةِ» وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
الْخَبَرَ السَّابِقَ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لِكُلٍّ
مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخْرِجَ) أَيْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ
صَرِيحُ السِّيَاقِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى
مِلْكِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ السَّاعِي إذْ الشَّارِعُ سَلَّطَهُ (قَوْلُهُ:
مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ مِمَّا يَخُصُّهُ مِنْهُ كَمَا
قَدَّمْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ
(3/62)
وَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِتَأْثِيرِ
الْخُلْطَةِ فِي الْمَاشِيَةِ هُوَ خِسَّةُ الْمُؤْنَةِ، وَذَلِكَ
مَوْجُودٌ هُنَا لِلِارْتِفَاقِ.
وَالثَّانِي، وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ
الْمَوَاشِيَ فِيهَا أَوْقَاصٌ، وَالْخُلْطَةَ فِيهَا نَفْعُ الْمَالِكِ
تَارَةً وَالْمُسْتَحَقِّينَ أُخْرَى، وَلَا وَقَصَ فِي غَيْرِ
الْمَوَاشِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ
فِي الزِّرَاعَةِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ)
بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهُرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ الْحَافِظُ لَهُمَا
(وَالْجَرِينُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثِّمَارِ،
وَالْبَيْدَرُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعُ
تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ، وَالْبَيْدَرُ
لِلْحِنْطَةِ، وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ
لِلتَّمْرِ (وَ) فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ
(الدُّكَّانُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْحَانُوتُ (وَالْحَارِسُ) ذَكَرَهُ
بَعْدَ النَّاطُورِ مِنْ ذِكْرِ الْأَعَمِّ بَعْدَ الْأَخَصِّ (وَمَكَانُ
الْحِفْظِ) كَخِزَانَةٍ وَلَوْ كَانَ مَالُ كُلٍّ بِنَاحِيَةٍ مِنْهُ
(وَنَحْوُهَا) كَالْوِزَانِ وَالْمِيزَانِ وَالْمُنَادِي وَالنُّقَّادِ
وَالْحُرَّاثِ وَجِذَاذِ النَّخْلِ وَالْحَمَّالِ وَالْكَيَّالِ
وَالْمُتَعَهِّدِ وَالْحَصَادِ وَالْمُلَقِّحِ وَمَا يُسْقَى لَهُمَا بِهِ،
فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَخِيلٌ أَوْ زَرْعٌ مُجَاوِرٌ لِنَخِيلِ
الْآخَرِ أَوْ لِزَرْعِهِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ فِيهِ نَقْدٌ فِي
صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي مَخْزَنٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ
يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ثَبَتَتْ
الْخُلْطَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ كَذَلِكَ كَالْمَالِ
الْوَاحِدِ
(وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) أَيْ الزَّكَاةِ فِي النَّعَمِ كَمَا
عُرِفَ مِمَّا قَدَّمَهُ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَالْإِضَافَةُ هُنَا
بِمَعْنَى فِي نَحْوِ {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33] وَيَصِحُّ
كَوْنُهَا بِمَعْنَى اللَّامِ (شَرْطَانِ) مُضَافَانِ لِمَا مَرَّ مِنْ
كَوْنِهَا نِصَابًا مِنْ النَّعَمِ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَمَالِ
الْمِلْكِ وَإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحُرِّيَّتِهِ (مُضِيُّ الْحَوْلِ)
سُمِّيَ بِهِ لِتَحَوُّلِهِ: أَيْ ذَهَابِهِ وَمَجِيءِ غَيْرِهِ (فِي
مِلْكِهِ) لِخَبَرِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ» وَلِأَنَّهُ لَا يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ قَبْلَ تَمَامِ
الْحَوْلِ (لَكِنْ مَا نُتِجَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ عَلَى
الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْ نِصَابٍ) قَبْلَ انْقِضَاءِ حَوْلِهِ
وَلَوْ بِلَحْظَةٍ (يُزَكَّى بِحَوْلِهِ) أَيْ النِّصَابِ بِشَرْطِ
كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ النِّصَابِ بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ
النِّصَابَ إذَا اقْتَضَى الْحَالُ لُزُومَ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَإِنْ
مَاتَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَقُولُ: لِمُطْلَقِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ اهـ.
أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ الْمُطْلَقُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ
الْمَاهِيَّةِ.
وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ
فَرْدٍ فَرْدٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ أَوْ الْجَمْعُ لِكَوْنِهِ
فِي حَيِّزِ النَّهْيِ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ لَا الْمُطْلَقِ
(قَوْلُهُ: وَلَا وَقَصَ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ إسْكَانِهَا اهـ
شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ: أَيْ الْحَافِظُ لَهُمَا) أَيْ الْمَالَيْنِ
(قَوْلُهُ: مِنْ ذِكْرِ الْأَعَمِّ بَعْدَ الْأَخَصِّ) لَمْ يَتَقَدَّمْ
فِي كَلَامِهِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ وَجْهُ الْعُمُومِ.
نَعَمْ فِي كَلَامِ الْمَحَلِّيِّ مَا يَقْتَضِيهِ حَيْثُ قَالَ:
النَّاطُورُ بِالْمُهْمَلَةِ هُوَ حَافِظُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ (قَوْلُهُ
لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ مَا
وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي الدَّرْسِ مِنْ أَنَّ جَمَاعَةً وَدَعُوا
عِنْدَ شَخْصٍ دَرَاهِمَ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سَنَةٌ هَلْ يَجِبُ
عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ
مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَبْلُغُ نِصَابًا أَمْ لَا فِيمَا يَظْهَرُ
فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى الْغَايَةِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ
عِنْدَهُ وَدَائِعُ لَا يَبْلُغُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا نِصَابًا
فَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ جَمِيعَ الْحَوْلِ فَهَلْ يَثْبُتُ
حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ الثُّبُوتُ لِانْطِبَاقِ
ضَابِطِهَا، وَنِيَّةُ الْخُلْطَةِ لَا تُشْتَرَطُ، ثُمَّ حَيْثُ تَثْبُتُ
الْخُلْطَةُ فَلِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْوَاجِبَ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ
مَالِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِذَا رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ
عَلَى غَيْرِهِ رَجَعَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ
مَثَلًا فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةً فِي الْمُتَقَوِّمِ اهـ. أَيْ حَيْثُ
كَانَ السَّاعِي يَرَى أَخْذَ الْقِيمَةِ
(قَوْلُهُ: وَإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحُرِّيَّتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ ذِكْرِ الْأَعَمِّ بَعْدَ الْأَخَصِّ) يُنَافِيهِ مَا
قَدَّرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ جَعْلِ هَذَا فِي التِّجَارَةِ خَاصَّةً
وَمَا مَرَّ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ (قَوْلُهُ وَالْحَصَادُ
وَالْمُلَقَّحُ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ لِصَنِيعِهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا
قَبْلَ الدُّكَّانِ وَمَا بَعْدَهُ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتِّجَارَةِ
(قَوْلُهُ: بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ النِّصَابَ) يَعْنِي أَنَّهُ
انْجَرَّ إلَيْهِ مِلْكُهُ مِنْ مِلْكِ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ مَلَكَهُ
بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ كَالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ النِّصَابَ
(3/63)
الْأُمَّهَاتُ لِقَوْلِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
لِسَاعِيهِ: اُعْتُدْ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ، وَلِأَنَّ الْحَوْلَ
إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ الْحَاصِلِ، وَالنِّتَاجُ
نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ
الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ
بِلَحْظَةٍ وَالْأُمَّهَاتُ بَاقِيَةٌ لَزِمَهُ شَاتَانِ، وَلَوْ مَاتَتْ
الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ النِّصَابِ، أَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا
وَبَقِيَ النِّتَاجُ نِصَابًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ مَا
يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ فِي الْأُولَى زُكِّيَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ،
فَإِنْ انْفَصَلَ النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَلَمْ
يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَهُ كَجَنِينٍ خَرَجَ بَعْضُهُ فِي
الْحَوْلِ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ
لَمْ يَكُنْ حَوْلُ النِّصَابِ حَوْلَهُ لِانْقِضَاءِ حَوْلِ أَصْلِهِ،
وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ
نَتَجَ عَمَّا لَوْ اسْتَفَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي
وَمِنْ نِصَابٍ عَمَّا نَتَجَ مِنْ دُونِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً نَتَجَتْ
عِشْرِينَ فَحَوْلُهَا مِنْ حِينِ تَمَامِ النِّصَابِ، وَخَرَجَ
بِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا إلَى آخِرِهِ مَا لَوْ
أَوْصَى الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ بِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِمَالِكِ
الْأُمَّهَاتِ، ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ حَصَلَ النِّتَاجُ لَمْ يُزَكَّ بِحَوْلِ
الْأَصْلِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي
وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ
كَأَنْ حَمَلَتْ الْمَعْزُ بِضَأْنٍ أَوْ عَكْسِهِ فَعَلَى مَا مَرَّ فِي
تَكْمِيلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ، لَا يُقَالُ: شَرْطُ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ فِي
النِّتَاجِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: اشْتِرَاطُ ذَلِكَ خَاصٌّ بِغَيْرِ النِّتَاجِ
التَّابِعِ لِأُمِّهِ فِي الْحَوْلِ، وَلَوْ سُلِّمَ عُمُومُهُ لَهُ
فَاللَّبَنُ كَالْكَلَأِ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَأِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَأْتِي
بَيَانُهُ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي يَشْرَبُهُ لَا يُعَدُّ مُؤْنَةً؛
لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَخْلَفُ إذَا
حَلَبَ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَاءِ فَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ، وَلِأَنَّ
اللَّبَنَ وَإِنْ عُدَّ شُرْبُهُ مُؤْنَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ
بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي حَقِّ
السَّخْلَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْلُبَ إلَّا مَا فَضَلَ
عَنْ وَلَدِهَا، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ
مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى
مَالِكِ الْمَاءِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ
دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْ
بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ
حَقِّ اللَّهِ بِهِ، وَيَجِبُ صَرْفُهُ لِلْوُضُوءِ فَكَذَا لَبَنُ
الشَّاةِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى السَّخْلَةِ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ،
وَلِأَنَّ النِّتَاجَ لَا يُمْكِنُ حَيَاتُهُ إلَّا بِاللَّبَنِ، فَلَوْ
اعْتَبَرْنَا السَّوْمَ لَأَلْغَيْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ،
بِخِلَافِ الْكِبَارِ فَإِنَّهَا تَعِيشُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ، وَلِأَنَّ
مَا تَشْرَبُهُ السَّخْلَةُ مِنْ اللَّبَنِ يَنْمُو بِنُمُوِّهَا
وَكِبَرِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْلُوفَةِ فَإِنَّهَا قَدْ لَا تَسْمَنُ وَلَا
تَكْبَرُ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي السَّخْلَةِ
الَّتِي يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ مَعَ عِلْمِهِمْ
بِأَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَّا بِاللَّبَنِ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ
وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ فَائِدَةَ الضَّمِّ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ
بِالنِّتَاجِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ فَنَتَجَتْ
إحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ شَاتَانِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ
أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَتَمَامِ
الْمِلْكِ لَا يَخْتَصُّ بِجِنْسٍ دُونَ آخَرَ (قَوْلُهُ: اُعْتُدْ
عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ) أَيْ اُحْسُبْهَا، وَفِي الْمُخْتَارِ:
السَّخْلَةُ لِوَلَدِ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ سَاعَةَ
وَضْعِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَجَمْعُهُ سَخْلٌ بِوَزْنِ فَلْسٍ،
وَسِخَالٌ بِالْكَسْرِ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ
شَاتَانِ) أَيْ كَبِيرَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا وَبَقِيَ
النِّتَاجُ) ، وَيُخْرِجُ مِنْ الصِّغَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَهُ) أَفْهَمَ أَنَّهُ
لَوْ تَمَّ انْفِصَالُهُ مَعَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَأَنَّ حَوْلَ أَصْلِهِ
حَوْلُهُ، لَكِنْ قَالَ حَجّ: خَرَجَ بِحَوْلِهِ مَا حَدَثَ بَعْدَ
الْحَوْلِ أَوْ مَعَ آخِرِهِ فَلَا يُضَمُّ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ بَلْ
الثَّانِي (قَوْلُهُ: مَا لَوْ أَوْصَى الْمُوصَى لَهُ إلَخْ) كَأَنْ
أَوْصَى زَيْدٌ الْمَالِكُ لِأَرْبَعَيْنِ مِنْ الْغَنَمِ بِحَمْلِهَا
لِعَمْرٍو، ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ وَقَبِلَ عَمْرٌو الْوَصِيَّةَ بِالْحَمْلِ،
ثُمَّ أَوْصَى بِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِوَارِثِ زَيْدٍ الْمَالِكِ
لِلْأُمَّهَاتِ بِالْإِرْثِ، ثُمَّ مَاتَ عَمْرٌو وَقَبِلَ وَارِثُ زَيْدٍ
الْوَصِيَّةَ فَلَا يُزَكِّي النِّتَاجَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ
مَلَكَ النِّتَاجَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ الْأُمَّهَاتِ
(قَوْلُهُ: فَعَلَى مَا مَرَّ فِي تَكْمِيلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ)
مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَحْلُبَ) بِالضَّمِّ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ:
إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا) أَيْ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ النُّمُوُّ
لِوَلَدِهَا، وَلَا يَكْفِي مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الضَّرَرَ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: وَلَا تَكْبُرُ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ: أَيْ لَا تَعْظُمُ
جُثَّتُهَا، وَعِظَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/64)
فَلَوْ نَتَجَتْ عَشَرَةً فَقَطْ لَمْ
يَفْدِ اهـ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ
وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ نِصَابًا آخَرَ، وَذَلِكَ عِنْدَ التَّلَفِ
بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ
مَاتَتْ عِشْرُونَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فِي
الصُّورَةِ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا ثَمَانُونَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ
فَإِنَّا نُوجِبُ شَاةً لِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ بِسَبَبِ ضَمِّ السِّخَالِ
فَظَهَرَتْ فَائِدَةُ إطْلَاقِ الضَّمِّ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ النِّصَابَ
(وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَإِرْثٍ
وَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ إلَى مَا عِنْدَهُ (فِي الْحَوْلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِي مَعْنَى النِّتَاجِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ
خَرَجَ النِّتَاجُ لِمَا مَرَّ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ،
وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ
إلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَثْرَةِ فِيهِ بَلَغَ حَدًّا
يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً غُرَّةَ
الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرًا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
غُرَّةَ رَجَبٍ فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي
الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ
مُسِنَّةٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ كُلِّ حَوْلٍ لِلْعَشْرِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ
(فَلَوْ) (ادَّعَى) الْمَالِكُ (النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ) أَوْ
اسْتَفَادَتْهُ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَادَّعَى السَّاعِي خِلَافَهُ مَعَ
احْتِمَالِ مَا يَقُولُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا (صُدِّقَ) الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ
مُؤْتَمَنٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْل عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ السَّاعِي لِعَدَمِ
الْوُجُوبِ (فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ) نَدْبًا احْتِيَاطًا
لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَا وُجُوبًا فَلَوْ نَكَلَ تُرِكَ، وَلَا يَجُوزُ
تَحْلِيفُ السَّاعِي لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْمُسْتَحِقِّينَ لِعَدَمِ
تَعْيِينِهِمْ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْمَاشِيَةِ جَمِيعَ
الْحَوْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي
الْحَوْلِ) عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ
(فَعَادَ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ) مُبَادَلَةً
صَحِيحَةً فِي غَيْرِ التِّجَارَةِ (اسْتَأْنَفَ) الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ
الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ
حَوْلٍ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْفَاءِ
الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَقَوْلُهُ بِمِثْلِهِ لِلِاسْتِئْنَافِ
عِنْدَ طُولِ الزَّمَنِ وَاخْتِلَافِ النَّوْعِ بِالْأُولَى، وَيُكْرَهُ
تَنْزِيهًا فِعْلُ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ بِخِلَافِهِ لِحَاجَةِ
أَوَّلِهَا وَلِلْفِرَارِ، أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ
كَلَامُهُمْ فَلَا يُنَافِي مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ عَدَمِهَا هُنَا فِيمَا
لَوْ قَصَدَ الْفِرَارَ مَعَ الْحَاجَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَةِ
ضَبَّةٍ صَغِيرَةٍ لِحَاجَةٍ وَزِينَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الضَّبَّةِ اتِّخَاذًا
فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ، فَلَوْ عَارَضَ غَيْرَهُ بِأَنْ
أَخَذَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا بِمِثْلِهَا مِنْ عِشْرِينَ
دِينَارًا زَكَّى الدِّينَارَ لِحَوْلِهِ وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ
لِحَوْلِهَا.
أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا تَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنْ
اتَّصَلَتْ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَشَمِلَ
كَلَامُهُ مَا لَوْ بَاعَ النَّقْدَ بِبَعْضِهِ لِلتِّجَارَةِ
كَالصَّيَارِفَةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ كُلَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْجُثَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ السَّمْنَ فَهُوَ عَطْفُ أَعَمَّ عَلَى
أَخَصَّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَتَجَتْ عَشَرَةً) عِبَارَةُ حَجّ: فَلَوْ
نَتَجَتْ عِشْرِينَ فَقَطْ لَمْ يَفْدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ
وَالْمَجْمُوعِ اهـ.
وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ
فِي الصُّورَةِ الَّتِي مَثَّلَ إلَخْ، فَإِنَّهُ بِفَرْضِ أَنْ يَكُونَ
النِّتَاجُ عَشَرَةً فَقَطْ إذَا مَاتَ ثَمَانُونَ لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي
نِصَابًا إذْ هُوَ ثَلَاثُونَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: الَّتِي مَثَّلَ بِهَا)
هِيَ قَوْلُهُ فَلَوْ نَتَجَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ: غَيْرِ التِّجَارَةِ)
أَمَّا هِيَ فَلَا تَضُرُّ الْمُبَادَلَةُ فِيهَا أَثْنَاءَ الْحَوْلِ
عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: اسْتَأْنَفَ) أَيْ فِيمَا بَادَلَ فِيهِ
دُونَ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: مَنْ عَدِمَهَا هُنَا) الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ أَوْ لَهَا
لِلْفِرَارِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَارَضَ غَيْرَهُ إلَخْ) صَرِيحُ مَا ذَكَرَ
أَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ دُونَ مَا
بَقِيَ فَلْيُرَاجَعْ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ قَبْلُ عَنْ النِّصَابِ أَوْ
بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي
اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ
الِاسْتِبْدَالُ فِي بَعْضِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ
وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ اسْتَأْنَفَ فِيمَا بَادَلَ
فِيهِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا،
لِأَنَّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ فِيهِ فَلَيْسَ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ.
وَأَجَابَ عَنْهُ سم عَلَى حَجّ بِجَوَابٍ آخَرَ، فَقَالَ: وَبَعْضُهُمْ
أَجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ انْقِطَاعِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُقَارِنْهَا مَا
يَحْصُلُ بِهِ تَمَامُ النِّصَابِ مِنْ نَوْعِ الْمُتَمِّمِ لَهُ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ إلَخْ) كَالْمُعَاطَاةِ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ) أَيْ بِشَرْطِ صِحَّةِ
الْمُبَادَلَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالتَّقَابُضِ وَالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ
اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْحُلُولُ تَقَابُضٌ فَقَطْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مُبَادَلَةً صَحِيحَةً فِي غَيْرِ التِّجَارَةِ) أَيْ
بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الصَّرْفِ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ
عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ
بِهِ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ بَاع النَّقْدَ بِبَعْضِهِ)
أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَيَّدَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي
غَيْرِ
(3/65)
بَادَلُوا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ
سُرَيْجٍ: بُشِّرَ الصَّيَارِفَةُ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ،
وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ
بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ اسْتَأْنَفَهُ مِنْ حِينِ الرَّدِّ، فَإِنْ حَالَ
الْحَوْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْحَالِ
لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ
الْمُشْتَرِي، وَتَأْخِيرُ الرَّدِّ لِإِخْرَاجِهَا لَا يَبْطُلُ بِهِ
الرَّدُّ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا، فَإِنْ سَارَعَ
لِإِخْرَاجِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهَا
نَظَرَ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ
مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَاجِبَهُ لَمْ يُرَدَّ
لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَهُ الْأَرْشُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ
الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ رَدَّ،
إذْ لَا شَرِكَةَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالٍ
آخَرَ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ
الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفًا
بِأَنْ كَانَ لَهُمَا، ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ
لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي،
فَإِنْ فُسِخَ اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ، وَإِنْ أَجَازَ
فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَحَوْلُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ
فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ الْوَارِثُ حَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ
الْمَوْتِ، وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ وَزَكَاتُهُ وَحَوْلُهُ مَوْقُوفَاتٌ،
فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ مِلْكِهِ وَحَوْلِهِ
وَوُجُوبَ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا (وَ)
الشَّرْطُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الشَّرْطُ
الْخَامِسُ (كَوْنُهَا سَائِمَةً) أَيْ رَاعِيَةً لِخَبَرِ أَنَسٍ «وَفِي
صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا» إلَى آخِرِهِ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ
عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، وَقِيسَ بِهَا
الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ اخْتَصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ
مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ (فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ
الْحَوْلِ) وَلَوْ مُفَرَّقًا (فَلَا زَكَاةَ) فِيهَا، إذْ الْغَلَبَةُ
لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عُلِفَتْ دُونَ
الْمُعْظَمِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ
بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا) لِخِفَّةِ
الْمُؤْنَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ فِي تِلْكَ
الْمُدَّةِ بِدُونِهِ، أَوْ تَعِيشُ لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ فَلَا تَجِبُ
فِيهَا زَكَاةٌ لِظُهُورِ الْمُؤْنَةِ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ
الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ غَالِبًا.
وَالثَّانِي إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عِنْدَ اخْتِلَافِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ إلَخْ) أَيْ حَوْلُ
الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ:
قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا) أَمَّا التَّأْخِيرُ بَعْدَ
التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَيُبْطِلُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ
تِلْكَ الْمُدَّةَ كَأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ
اشْتَرَى شَيْئًا وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ وَلَمْ يُبَادِرْ
بِرَدِّهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَيْ بِوَاسِطَةِ مَا
أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلُ مِنْ جَعْلِ مُضِيِّ الْحَوْلِ شَرْطًا
وَالْبَقَاءِ فِي مِلْكِهِ إلَى تَمَامِهِ شَرْطًا آخَرَ (قَوْلُهُ: دَلَّ
بِمَفْهُومِهِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ خَصَّ الْقِيَاسَ بِالْمَفْهُومِ،
وَلَمْ يُعَمِّمْهُ فِيهِ وَفِي الْمَنْطُوقِ؟ قُلْت: لِأَنَّ غَيْرَ
الْغَنَمِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دَلَّ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ
عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَالْقَصْدُ إخْرَاجُ
الْمَعْلُوفَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى
مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، عَلَى أَنَّ إيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا
قُصِدَ بِهِ إخْرَاجُ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ الْغَنَمِ، وَمِنْ ثَمَّ
جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى اشْتِرَاطِ السَّوْمِ.
وَأَمَّا أَصْلُ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ
أَيْضًا هَذَا.
فَإِنْ قُلْت: جَعْلُ الْحَدِيثِ دَالًّا بِالْمَفْهُومِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ
شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَيْدُ مِمَّا
يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فِي الْمُقَيَّدِ، وَالسَّوْمُ غَالِبٌ فِي غَنَمِ
الْعَرَبِ.
قُلْت: أَجَابَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ
يَظْهَرْ لِلْقَيْدِ مَعْنًى غَيْرَ كَوْنِهِ مُجَرَّدَ الْغَالِبِ،
وَهُنَا يُمْكِنُ أَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ
اهـ.
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا لَمْ يُفِدْ
حُكْمًا عَامًّا.
أَمَّا هُوَ فَيُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا أَوْ فِي
جَوَابِ سُؤَالٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ)
أَيْ فَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهَا عُلِفَتْ الْقَدْرَ الَّذِي
يَقْطَعُ السَّوْمَ، وَأَنْكَرَ السَّاعِي فَهَلْ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ
بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ لَا لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا
ادَّعَاهُ.
قَالَ سم: فِيهِ نَظَرٌ، وَاسْتُقْرِبَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ
كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَدِيعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ اهـ.
أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ نَدْبًا
أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَأَظْهَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ) يَعْنِي عِنْدَ
الْمُشْتَرِي أَيْ حَوْلُ غَيْرِ حَوْلِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ
سَارَعَ بِإِخْرَاجِهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُؤَخَّرْ تَأْخِيرًا يُبْطِلُ
رَدَّهُ بِأَنْ أَخْرَجَ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ
وَكَوْنُهَا سَائِمَةً) أَيْ بِإِسَامَةِ الْمَالِكِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا
يَأْتِي
(3/66)
عُلِفَتْ قَدْرًا يُعَدُّ مُؤْنَةً
بِالْإِضَافَةِ إلَى رَفَقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ
حَقِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ، وَفُسِّرَ الرُّفْقُ بِدَرِّهَا
وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا، وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ
مَمْلُوكٍ كَأَنْ نَبَتَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِشَخْصٍ أَوْ مَوْقُوفَةٍ
عَلَيْهِ فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا
كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي
أَوَّلُهُمَا لِأَنَّ قِيمَةَ الْكَلَأِ تَافِهَةٌ غَالِبًا، وَلَا
كُلْفَةَ فِيهَا، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا سَائِمَةٌ إنْ لَمْ
يَكُنْ لِلْكَلَأِ قِيمَةٌ، أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةً لَا يُعَدُّ
مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا، وَإِلَّا فَمَعْلُوفَةٌ،
وَالْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي فِي الْمُعْشَرَاتِ مِنْ أَنَّ فِيهَا سَقَى
بِمَاءٍ اشْتَرَاهُ أَوْ اتَّهَبَهُ نِصْفَ الْعُشْرِ كَمَا لَوْ سَقَى
بِالنَّاضِحِ وَنَحْوُهُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ هُنَا مَعْلُوفَةٌ بِجَامِعِ
كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ الْأَوْجُهُ، وَلَوْ جَزَّهُ وَأَطْعَمَهَا
إيَّاهُ فِي الْمَرْعَى أَوْ الْبَلَدِ فَمَعْلُوفَةٌ، وَلَوْ رَعَاهَا
وَرَقًا تَنَاثَرَ فَسَائِمَةٌ، فَلَوْ جَمَعَ وَقَدَّمَ لَهَا
فَمَعْلُوفَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا أَخَذَ كَلَأَ
الْحَرَمِ وَعَلَفهَا بِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ السَّوْمُ؛ لِأَنَّ كَلَأَ
الْحَرَمِ لَا يُمْلَكُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ لِلْبَيْعِ،
وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ، (وَلَوْ) (سَامَتْ)
الْمَاشِيَةُ (بِنَفْسِهَا) أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ أَوْ مُشْتَرٍ شِرَاءً
فَاسِدًا فَلَا زَكَاةَ كَمَا يَأْتِي لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ،
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ دُونَ قَصْدِ الِاعْتِلَافِ؛ لِأَنَّ
السَّوْمَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ
وَالِاعْتِلَافُ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا، أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ
بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا الْغَاصِبُ الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ مِنْ
الْعَلَفِ فِيهِمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ
السَّوْمِ، وَكَالْغَاصِبِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ كَانَتْ
عَوَامِلَ) لِمَالِكِهَا أَوْ بِأُجْرَةٍ (فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ) وَهُوَ
حَمْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ (وَنَحْوِهِ) كَحَمْلِ غَيْرِ الْمَاءِ وَلَوْ
مُحَرَّمًا (فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى
لِلنَّمَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَمَتَاعِ
الدَّارِ، فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْهُ قَوْلُ الْمَحَلِّيِّ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّ الْيَمِينَ
مُسْتَحَبَّةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي هَذَا الَّذِي لَا يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ
وَمُسْتَحَبَّةٌ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ فِيمَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ
كَقَوْلِهِ كُنْت بِعْت الْمَالَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، ثُمَّ
اشْتَرَيْته وَاتَّهَمَهُ السَّاعِي فِي ذَلِكَ فَيَعْلِفُهُ (قَوْلُهُ:
بِالْإِضَافَةِ إلَى رَفَقِ الْمَاشِيَةِ) أَيْ بِالنَّظَرِ (قَوْلُهُ:
كَأَنْ نَبَتَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) أَيْ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ
بِقِيمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَسْتَنْبِهُ النَّاسَ كَأَنْ
اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَبَذَرَ بِهَا حَبًّا فَنَبَتَ فَهُوَ
مِنْ الْكَلَأِ الْمَمْلُوكِ فَفِي الرَّاعِيَةِ لَهُ الْخِلَافُ
الْمَذْكُورُ قَالَ سم: وَنُقِلَ عَنْ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا
يُخَالِفُهُ.
قَالَ: وَرَدَّهُ وَلَدُهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ بِتَسْلِيمِ صِحَّةِ نَقْلِهِ
عَنْهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَّا بِنَقْلٍ (قَوْلُهُ: أَصَحُّهُمَا
كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي
أَوَّلُهُمَا) أَيْ أَنَّهَا سَائِمَةٌ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا سَائِمَةٌ) نَقَلَ سم عَلَى
حَجّ عَنْ الشَّارِحِ اعْتِمَادَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ:
قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ الْأَوْجُهُ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: فَمَعْلُوفَةٌ)
أَيْ إنْ كَانَ مَا أَكَلَتْهُ مِنْ الْمَجْزُورِ قَدْرًا لَا تَعِيشُ
بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ)
أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ جَمَعَ وَقَدَّمَ لَهَا فَمَعْلُوفَةٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا) وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ
الْعَادَةُ مِنْ رَعْيِ الدَّوَابِّ فِي نَحْوِ الْجَزَائِرِ فَهِيَ
سَائِمَةٌ، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوِ
الْمُلْتَزَمِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ ظُلْمٌ مُجَرَّدٌ لَا يَمْنَعُ
مِنْ الْإِسَامَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا إذَا
كَانَتْ كَذَلِكَ جَمِيعَ السَّنَةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ تَرْعَى فِي
كَلَأٍ مُبَاحٍ جَمِيعَ السَّنَةِ، لَكِنْ جَرَتْ عَادَةُ مَالِكِهَا
بِعَلْفِهَا إذَا رَجَعَتْ إلَى بُيُوتِ أَهْلِهَا قَدْرًا لِزِيَادَةِ
النَّمَاءِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ يَسِيرٍ لِلْحِفْظِ هَلْ ذَلِكَ يَقْطَعُ
حُكْمَ السَّوْمِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ
الشَّارِحِ الْآتِي، وَلَوْ كَانَ يُسَرِّحُهَا نَهَارًا وَيُلْقِي لَهَا
شَيْئًا مِنْ الْعَلَفِ لَيْلًا لَمْ يُؤْثِرْ أَنَّهَا سَائِمَةٌ
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ) أَيْ وَلَوْ فِي مُحَرَّمٍ أَخْذًا
مِنْ قَوْلِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُحَرَّمٍ إلَخْ.
[تَنْبِيهٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ حَصَلَ مِنْ
الْعَوَامِلِ نِتَاجٌ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ
عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا
تَمَّ نِصَابُهُ وَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ الِانْفِصَالِ، وَمَا مَضَى مِنْ
حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ
وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ حَمْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ)
لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لِلشُّرْبِ أَوْ
نَحْوِهِ لِمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَحَلِّيِّ مِنْ أَنَّ النَّضْحَ
السَّقْيُ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ،
وَيُسَمَّى نَاضِحًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/67)
لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ.
وَالثَّانِي فِي الْأَوَّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ
السَّوْمِ لِحُصُولِ الرِّفْقِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ
اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْعَلَفِ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَقُولُ
الِاسْتِعْمَالُ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ عَلَى حُصُولِ الرِّفْقِ
بِإِسَامَتِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ
عَلَفَهَا فِيهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ
عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي
الْمُحَرَّمِ، وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِأَنَّ
الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ، وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْحُرْمَةُ
إلَّا مَا رُخِّصَ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الْمُحَرَّمِ
رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْخَسِيسِ،
وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ الْحُلِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي
أَصْلِهِ، وَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَلَفِ وَلَا لِعَلَفٍ
يَسِيرٍ كَمَا مَرَّ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ لِقَطْعِ السَّوْمِ وَكَانَ
مِمَّا يُتَمَوَّلُ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إسَامَةُ الْمَالِكِ أَوْ
مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ بِأَنْ
غَصَبَ مَعْلُوفَةً وَرَدَّهَا عِنْدَ غِيبَةِ الْمَالِكِ لِلْحَاكِمِ
فَأَسَامَهَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ كَانَ الْأَحَظُّ لِلْمَحْجُورِ فِي تَرْكِهَا
فَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ اهـ.
وَظَاهِرُ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا حِينَئِذٍ لِتَعَدِّيهِ بِفِعْلِهَا
وَهَلْ تُعْتَبَرُ إسَامَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَاشِيَتَهُمَا أَوْ
لَا أَثَرَ لِذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَبْعُدُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى أَنَّ
عَمْدَهُمَا عَمْدٌ أَمْ لَا، هَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا تَمْيِيزٌ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَوْ اعْتَلَفَتْ مِنْ مَالٍ حَرْبِيٍّ لَا
يُضْمَنُ أَنَّ السَّوْمَ لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ جَاعَتْ بِلَا رَعْيٍ
وَلَا عَلَفٍ.
وَلَوْ وَرِثَ سَائِمَةً وَدَامَتْ كَذَلِكَ سَنَةً، ثُمَّ عَلِمَ
بِإِرْثِهَا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِمَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ إسَامَةِ
الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي
الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ
لَهُ حُكْمُ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً ضُمَّ إلَيْهَا فِي
الْحَوْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ يُسَرِّحُهَا نَهَارًا وَيُلْقِي
لَهَا شَيْئًا مِنْ الْعَلَفِ لَيْلًا لَمْ يُؤَثِّرْ (وَإِذَا وَرَدَتْ)
أَيْ الْمَاشِيَةُ (مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ
أَسْهَلُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي وَأَقْرَبُ لِلضَّبْطِ
مِنْ الْمَرْعَى وَفِي الْحَدِيثِ «تُؤْخَذُ زَكَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
مِيَاهِهِمْ» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ الْمَاءَ بِأَنْ
اسْتَغْنَتْ عَنْهُ بِالرَّبِيعِ مَثَلًا (فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا)
وَأَفْنِيَتِهِمْ تُؤْخَذُ زَكَاتُهَا.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ تَكْلِيفِهِمْ الرَّدَّ إلَى
الْأَفْنِيَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْأَوْجَهُ
فِيمَا لَا تَرِدُ مَاءً وَلَا مُسْتَقَرَّ لِأَهْلِهَا لِدَوَامِ
انْتِجَاعِهِمْ تَكْلِيفُ السَّاعِي النُّجْعَةَ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ
كُلْفَتَهُ أَهْوَنُ مِنْ تَكْلِيفِهِمْ رَدَّهَا إلَى مَحَلٍّ آخَرَ،
وَلَوْ كَانَتْ مُتَوَحِّشَةً يَعْسُرُ أَخْذُهَا وَإِمْسَاكُهَا فَعَلَى
رَبِّ الْمَالِ تَسْلِيمُ السِّنِّ الْوَاجِبِ لِلسَّاعِي، وَلَوْ
تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى عِقَالٍ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا إلَخْ) وَلَوْ لِغَيْرِهِ
وَبِأُجْرَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا رُخِّصَ) أَيْ فِيهِ
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ السَّوْمِ) وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ
لَوْ اسْتَعْمَلَهَا قَدْرًا يَسِيرًا، وَقَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْحَوْلِ
سَقَطَتْ الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ الْأَحَظُّ لِلْمَحْجُورِ فِي
تَرْكِهَا) أَيْ السَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ تَخْرِيجُهُمَا) أَيْ
فَيَكُونُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِسَامَتِهَا (قَوْلُهُ:
لَا يَضْمَنُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ (قَوْلُهُ أَنَّ
السَّوْمَ لَا يَنْقَطِعُ) مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَرِثَ سَائِمَةً وَدَامَتْ إلَخْ) وَقَعَ السُّؤَالُ
فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ أَسَامَهَا الْوَارِثُ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ
مُورِثِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ وَفَاتُهُ، وَأَنَّهَا فِي مِلْكِ الْمُورِثِ
جَمِيعَ الْمُدَّةِ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهِ أَسَامَهَا
بِالْفِعْلِ مَعَ كَوْنِهَا فِي مِلْكِهِ فَظَنُّهُ لِلْإِسَامَةِ عَنْ
غَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا لَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَقَدْ يَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ سم
عَلَى مَنْهَجٍ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ عِبَارَةَ
الْبَهْجَةِ وَشَرْحَهَا لِلشَّارِحِ: وَمَا عَلِمَ أَيْ الْوَارِثُ
بِمَوْتِ مُورِثِهِ أَوْ بِأَنَّهَا نِصَابٌ أَوْ بِكَوْنِهَا سَائِمَةً
لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ الْقَصْدِ إلَيْهَا مَعَ
عَدَمِ الْعِلْمِ اهـ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الْوَارِثِ
إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَاشِيَتَهُ نِصَابٌ لَا زَكَاةَ وَإِنْ
أَسَامَهَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ.
أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَقْرَبُ فَإِنَّهُمْ إذَا اشْتَرَطُوا
كَوْنَ الْمَالِ نِصَابًا وَلَمْ يَذْكُرُوا اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ.
بِخِلَافِ السَّوْمِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِهِ بَلْ
اشْتَرَطُوا قَصْدَهُ، وَقَدْ حَصَلَ فَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ
بِكَوْنِهِ نِصَابًا (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ)
أَيْ حَيْثُ كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي عَلَفَهَا بِهِ تَعِيشُ بِدُونِهِ
بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ (قَوْلُهُ: أُخِذَتْ زَكَاتُهَا) أَيْ نَدْبًا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى عِقَالٍ لَزِمَهُ أَيْضًا) أَيْ
وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ السَّاعِي بِمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الزَّكَاةِ
وَيَبْرَأُ الْمَالِكُ بِتَسْلِيمِهَا لِلسَّاعِي عَلَى الْوَجْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/68)
أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي
عِقَالًا لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ (وَيُصَدَّقُ
الْمَالِكُ فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَهُ
مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُدَّهَا، وَمُرَادُهُ بِالْمَالِكِ الْمُخْرِجُ وَلَوْ
وَلِيًّا وَوَكِيلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً أَوْ قَالَ لَا
أَعْرِفُ عَدَدَهَا فَتُعَدُّ (وُجُوبًا كَمَا لَا يَخْفَى عِنْدَ مَضِيقٍ)
لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِعَدَدِهَا وَأَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ فَتَمُرُّ
وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَبِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي أَوْ
نَائِبِهِمَا قَضِيبٌ يُشِيرَانِ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ
ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْخَطَأَ أُعِيدَ لَهُ الْعَدَدُ، وَكَذَا لَوْ
ظَنَّ السَّاعِي خَطَأَ عَادِّهِ فَيُعَادُ أَيْضًا، وَيُسَنُّ لِلسَّاعِي
عِنْدَ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ الدُّعَاءُ لِلْمَالِكِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي
الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ بِأَنْ يَقُولَ: أَجَرَك اللَّهُ فِيمَا
أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت، وَلَا
يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ
إذْ ذَاكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ مَا لَمْ يَقَعْ
ذَلِكَ تَبَعًا لَهُمْ كَالْآلِ فَلَا تُكْرَهُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ
وَالْمُطَّلِبِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ.
نَعَمْ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ لَا
كَرَاهَةَ فِي إفْرَادِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِهِ
عَنْ حَالِ مَنْ يُقَالُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا كُلُّهُ فِي
الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، أَمَّا مِنْهُمَا
فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُمَا فَلَهُمَا الْإِنْعَامُ
بِهَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى»
وَالسَّلَامُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِهِ
مُسْتَحَبَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
ابْتِدَاءً وَوَاجِبَةٌ جَوَابًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَمَا
يَقَعُ مِنْهُ غَيْبَةٌ فِي الْمُرَاسَلَاتِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مَا
يَقَعُ خِطَابًا، وَيُسَنُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ
الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ
التَّرَاضِيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ
ضَعِيفٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى زَكَاةً أَوْ
صَدَقَةً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ نَحْوَهَا كَإِقْرَاءِ دَرْسٍ
وَتَصْنِيفٍ وَإِفْتَاءٍ أَنْ يَقُولَ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] . |