إرشاد
السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك كتاب القِراض (1) والشركة والمساقاة والرهن
والوكالة
القراض
- الْقِرَاضُ تَنْمِيَةُ الْعَامِلِ الْمَالَ بِالتِّجَارَةِ عَلَى جُزْءٍ
مِنَ الرِّبْحِ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ بِشُغْلِهِ الْمَالَ
وَهُوَ أَمِينٌ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَالتَّلَفُ وَالْخَسَارَةُ مِنْ
رَبِّهِ، وَاشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ مُفْسِدٌ كَتَأْجِيلِهِ
وَقَصْرِهِ عَلَى مَا لاَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَقِرَاضِهِ بِعُرُوضٍ، وَلاَ
يُسَاِفُر، وَلاَ يُشَارِكُ وَيُقَارِضُ، وَلاَ يَبِيعُ بِدَيْنٍ إِلاَّ
بِإِذْنِه فَإِنْ قَارَضَ فَلِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ وَحِصَّتُهُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ عَامِلِه، وَلَهُ فِي السَّفَرِ نَفَقَةُ مِثْلِهِ، وَإِذَا
طَالَبَهُ بِالتَّنْضِيضِ إِنِ ائْتَمَنَهُمْ أَوْ أَتُو بِأَمِينٍ
وَإِلاَّ سَلَّمُوا الْمَالَ، وَتُجْبَرُ وَضِيعَتُهُ مِنْ رِبْحِهِ
ثَانِيَةً، فَإِنْ تَفَاضَلاَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَمِلَ فَرَأْسُ الْمَالِ
مَا بَقِيَ وَإِن اقْتَسَمَا رِبْحاً قَبْلَ تَنْضِيضِهِ، ثُمَّ حَدَثَتْ
وَضِعيَةٌ جَبَرَاهَا وَلِكُلٍّ اشْتِرَاطُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ،
وَيَلْزَمُ بِفَسَادِهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَقِيلَ أُجْرَةُ المِثْلِ
وَالرِّبْحُ تَابِعٌ لِلأَصْلِ فِي الزَّكَاةِ وَلِكُلٍّ اشْتِرَاطُ
زَكَاةِ الرِّبْحِ عَلَى الآخَرِ لِلأَصْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَامِلُ
أَهْلاً سَقَطَتْ عَنْ حِصَّتِهِ، وَأَوْجَبَهَا عَبْدُ المَلِكِ تبعَاً.
_________
(1) القراض بكسر القاف من المقارضة ويقال المضاربة أيضاً قال زروق القروض
رخصة شرعية مباركة لقوله عليه السلام "ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل
والمقارضة وخلط الشعير بالبر للنبت لا للبيع" رواه ابن ماجه عن صهيب رضي
الله عنهما اهـ. وإسناده ضعيف لكنه ضعف خفيف، وشرط القرائض أن يكون
بالنقدين أو بنقار الذهب والفضة إذا تعومل به أما إذا لم يكن متعاملاً ففيه
ثلاثة أقوال لمنع والكراهة والجواز وكذلك اختلف في القراض بالحلي على
الأقوال الثلاثة أيضاً فالكراهة رواها ابن المواز والمنع والجواز رواهما
ابن الحاجب واختار اللخمي أنه أن كان يتعامل بالحلي كأرض المصامدة - من
المغرب- جاز والا كره إن كان يوجد مثله والا منع، نقله ابن ناجي.
(1/90)
(فصل) الشركة
- تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالنَّقْدِ وَالْعُرُوضِ، وَيُجْعَلُ رَأْسُ
المَالِ قِيمَتَهَا وَيُشْتَرَطُ خَلْطُهُمَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْماً،
وَهِيَ عِنَانٌ، وَهِيَ أَنْ لاَ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ،
وَمُفَاوَضَةٌ، وَهِيَ أَنْ يُمْضِي تَصَرُّفَ كُلٍّ صَاحِبُهُ،
وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ وَالْعَمَلُ تَوَابِعٌ، فَإِنْ زَادَ
أَحَدُهُمَا فِي الْعَمَلِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إِلاَّ أَنْ
يَتَبَرَّعَ، وَتَجُوزُ بِالأَبْدَانِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الصَّنْعَةِ
وَالمَكَانِ لاَ مَالٍ وَبَدَنٍ وَمَا يَفْتَقِرَانِ إِلَيْهِ مِنْ آلَةٍ
فَبَيْنَهُمَا، وَشِرْكَةُ الذِّمَمِ (1) بَاطِلَةٌ وَتَجُوزُ الشَّرْكَةُ
فِي الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ
وَالْمَؤُونَةِ وَالأَرْضِ كَانَتْ مِلْكاً أَوْ مُكْتَرَاةً أَوْ حَبْساً
فَلَوْ كَانَتْ لأَحَدِهِمَا وَلِلآخَرِ الْبَذْرُ لَلَزِمَ رَبَّهُ نِصْفُ
أُجْرَتِهَا وَرَبَّهَا نِصْفُ المَكِيلَةِ فَإِنِ انْفَرَدَ بِالْعَمَلِ
فَالزَّرْعُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَكِيلَةُ الْبُذْرِ وَبِالْعَكْسِ، وَمَنِ
احْتَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَهُ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَالزَّرْعُ لَمْ
لَهُ، وَلاَغُرْمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِرَبِّهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ
الأَرْضِ.
(فصل) المساقاة
- تَجوزُ الُمسَاقَاةُ (2) عَلىَ أُصُولِ الَّثمَرَةِ، وَلَوْ قَبْلَ
ظُهُورِهَا لاَ بَعْدَ بُدُوَّ الصَّلاَحِ، وَعَلَى الزَّرْعِ
وَالَبْقُوُلِ بَعْدَ ظُهُورِهَا، وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ عَلَى
جُزْءٍ مِنَ الَّثمَرَةِ وَعَلَيْهِ السَّقْيُ وَاْلإِبَارُ وَالْجِذَاذُ،
وَقَطْعُ الْجَرِيدِ، وَنَفَقَةُ الْعُمَّالِ، وَعُلُوفَةُ الدَّوَابَّ،
وَإْصلاَحُ الْقُفِّ، وَمنَافِعُ
_________
(1) وتسمى شركة الوجوه أيضاً وصفتها أن يتجرا بوجوههما ويشتريا في ذمتهما
ويكون ما حصل من كسب بينهما وما حصل من ضمان عليهما، وقال أبو حنيفة تصح
ودليلنا أنها شركة بغير مال ولا صناعة فلم تصح.
أصله إذا قال يعني عبدك وأنا شريكك في ثمنه وقال القاضي عبد الوهاب في
الاشراف.
(2) عرف ابن عرفة المساقاة بأنها عقد على عمل مؤنة النبات بقدر ما من غلته
لابلفظ بيع أو إجارة أو جعل اه.
وهي رخصة مستثناة من عدة أمور منوعة وشروطها ثمانية:
-1-أن تكون في أصل يثمر أو ما في معناه من ذوات الأزهار والأوراق التي
ينتفع بها كالورد والآس.
-2-أن تكون قبل طيب الثمرة وجواز بيعها.
-3- أن تكون لمدة معلومة ما لم تطل جداً.
-4- أن تكون بلفظ المساقاة.
-5- أن تكون بجزء مشاع مقدر
-6-أن تكون بجزء العمل كله على العامل.
-7-ألا يشترط واحد منهما من الثمرة ولا غيرها شيئاً معيناً خالصاً لنفسه.
-8-ألا يشترط على العامل عملاً خارجاًعن منفعة الثمرة ويبقى بعد جذاذها مما
له بال وقدر اه من شرح زروق على الرسالة.
(1/91)
الشَّجَرِ، لاَبِنَاءُ حَائِطٍ وَحَفْرُ
بِئْرٍ وَغَرْسُ شَجَرٍ، وَخَلْفُ َدابَّةٍ وَتَجُوزُ سِنِيننَ وَتَنْتَهِي
السَّنَةُ بِالْجِذَاذش، وَلاَ تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَالْبَيَاضُ
لِرَبِّهِ، وَلِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُهُ مِنْ زَرْعِهِ جُزْءاً مُوَافِقاً
لِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَرَةِ وَالله أَعْلَمُ.
فصل في الرهن
- الرَّهْنُ عَقْدٌ لاَزِمٌ، وَاشْتِرَاطُ غَلَّتِهِ مُبْطلٌ، فَيَصِحُّ
بِالْقَوْلِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَيُجْبَرُ الرَّاهنُ عَلَيْهِ
وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ، فإِنْ عَادَ إِلَيْهِ اخْتِيَاراً أَوْ
بِإعَارَةٍ أَوْ
إِجَارَةٍ أَوْ وَدِيعةٍ بَطَل كَتَرَاضِيهِ عَلىَ قَبْضِهِ حَتَّى مَاتَ
الرَّاهِنُ أَوْ أفْلَسَ، لاَبِامْتِنَاعِ الرَّاهِنِ مَعَ إِقَامَتِهِ
عَلَى الطَّلَبِ، وَاْلمَالُ الْبَاطِنُ مَضْمُونٌ مَا لَمْ تَقُمْ بَينَةٌ
أَوْ يَكُنْ عَلَى يَدِ أَمِينٍ لاَ الظَّاهِرُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي،
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، َواتَّفَقَا عَلَى صِفَتِهِ قُوِّم
َعَلْيَها، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْضاً حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ حَلَفَ
الرَّاهِنُ قُوِّمَ عَلَيْهَا فَإِنْ جَهِلاَهَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ
عَلَى قِيمَتِهِ وَقَاصَّهُ، فَإِنِ اتَّفَقَا وَاخْتَلَفَا فِي قَدْر
الْحَقِّ، فَالرَّهْنٌ شَاهِدٌ بِقَدْر قِيمَتِهِ، وَيَحْلِفُ الرَّاهِنُ
لِنَفْيِ الزَّائِدِ، وَفِي عَيْنِ الرَّهْنِ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ
وَفِي كَوْنِ
(1/92)
الْمُقْتَضَى مَا بِهِ الرَّهْنُ
يَحْلِفَانِ وَتُحْسَبُ مِنْهُمَا، وَفِي مَالِ الْعَبْدِ مَعَهُ الْقَوْلُ
قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلاَ يَصِحُّ رَهْنُ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ
وَلاَ تُقْبَلُ دَعْوَى المِدْيَانِ رَهْناً عِنْدَ غَرِيمٍ إِلاَّ
بِبَيِّنَةٍ عَلَى قَبْضِةِ رَهْناً، وَيَصِحُّ المَشَاعُ، فَإِنْ كَانَ
بَاقِيهِ لَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمَه وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ نَزِلَ
الْمُرْتَهِنُ مَعَهُ مَنْزِلَةَ الرَّاهِنِ وَمَنْ رَهَنَ عَلَى قَدْرٍ
مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَيْهِ صَارَ رَهْناً بِالْجَمِيعِ،
فَلَوْ أَرَادَ رَهْنَ فَائِضِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وُقِفَ عَلَى
إِذْنِهِ، وَيُقَدَّمُ الأَوَّلُ فِي الاِسْتِيفَاءِ، وَنَساؤُهُ لِرَبِّهِ
وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَنِتَاجُهُ رَهْنٌ مَعَهُ كَفِرَاخِ النَّخْلِ لاَ
الصُّوفِ وَاللبَنِ وَمَالِ الْعَبْدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ، وَلاَ
يَتَبَعَّضُ بِتَبَعُّضِ الْقَضَاءِ بَلْ مَا بَقِيَ فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِهِ
وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الاِنْتِفَاعِ بِهِ فِي الْبَيْعِ لاَ فِي الْقَرْضِ
(1) ، فَإِنْ وَكَّلَهٌ بِبَيْعِهِ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ،
فَإِنْ بَاعَهُ رَبُّهُ وُقِفَ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِن
ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لِيَتَعَجَّلَ حَلَفَ وَيُعَجِّلُ، وَفِي عِتْقِهِ
مُوسِراً يُنْفَذُ وَيَتَعَجَّلُ، وَفِي عُسْرِهِ يُوقَفُ، فَإِنْ أَفَادَ
مَالاً أُنْفِذَ وَإِلاَّ بِيعَ فِي الدِّيْنِ كَاسْتِيلاَدِهِ الأَمَةَ،
وَوَطْءُ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إِذْنِ زِنَى وَبِإِذْنِهِ يَبْطُلُ
وَقَاصَّه بِقِيمَتِهَا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ.
(فصل) الوكالة
- تَجُوزُ الْوَكَالَةُ (2) فِي كُلِّ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ مِنْ
_________
(1) لأن الانتفاع به في القر سلف جر نفعاً وهو محرم، قال زروق ولا يتطوع به
بعد عقد البيع لأنه هدية المديان اهـ.
(2) الأصل في الوكالة حديث البخاري عن أبي هريرة كان لرجل على النبي صَلى
اللهُ عَليه وَسَلَم جمل سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال أعطوه فطلبوا سنه
فلم يجدوا له إلا سنا فوقها فقال اعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك قال
النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم "إن خياركم أحسنكم قضاء" قال الكرماني لفظ
أعطوه يتناول وكلاء رسول الله حضوراً وغيباً اه وقال الحافظ وأما الغالب
فيستفاد من هذا الحديث بطريق الأولى لأن الحاضر إذا جاز له التوكل مع
اقتداره على المباشرة بنفسه فجوازه للغائب عنه أن يزكي عن أهله الصغير
والكبير ذكره البخاري في الصحيح، وفي السنن عن عروة البارقي أن النبي صَلى
اللهُ عَليه وَسَلَم أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية أو شاة فاشترى به شاتين
فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو
اشترى تراباً لربح فيه.
(1/93)
غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِرِضَا الْمُوَكَّلِ
عَلَيْهِ وَحُضُورِهِ، وَلَهُ عَزْلُهُ إِلاَّ وَكِيلَ الْخُصُومَةِ بَعْدَ
شُرُوعِهِ، وَلاَ يَمْلِكُ الإِقْرَارَ وَالصُّلْحَ وَالْمُبَارَأَةَ
إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَالإِطْلاَقُ بِالْبَيْعِ يَقْتَضِي الْحُلُولَ
وَثَمَنَ المِثْلِ، وَبِشِرَاءِ أَمةٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ الْمُنَاسِبَ
وَهُوَ أَمِينٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، فَأَمَّا
قَبْضهُ مِنْ غَرِيمٍ أَوْ قَضَاؤُهُ فَلاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ
أَوْ تَصْدِيقِهِ وَلِلْغَرِيمِ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَمْ
يَعْلَمْ قَبْضَ وَكِيلِهِ وَيُعْزَلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ وَعَزْلِهِ
وَبَيْعِ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَاسْتِهْلاَكِهِ وَعِتْقِهِ، وَلِكُلٍّ
مِنَ الْوُكَلاَءِ الاِسْتِقْلاَلُ إِلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ الاِجْتِمَاعُ،
وَلِلْمُفَوَّضِ التَّوْكِيلُ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ
وَإِذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ تِلفُ الثَّمَنُ
بِيَدِهِ فَعَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ وَلَوْ مِرَاراً وَلَوْ دَفَعَ مِنْ
مَالِهِ وَقَبَضَ الْعِوَضَ فَتَلَفُهُ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
كتاب الحجر وَالصُّلْحِ، وَالْحَمَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ
- يَحْجُرُ عَلَى الصَّغِيرِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ
حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنَسَ رُشْدُهُ بِإِصْلاَحِهِ المَالَ، وَالأُنْثَى
مَدْخُولاً بِهَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَالْبُلُوغُ
بِالاِحْتِلاَمِ، أَوْ بِالإِنْبَاتِ أَوْ بُلُوغِ ثَمَانِي عَشْرَةَ
سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ
(1/94)
وَهْبٍ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُزَادُ فِي
الأُنْثَى الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ، وَيُخْتَبَرُ بِحُسْنِ تَصَرُّفِهِ،
وَلاَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ إِلاَّ
بِبَيِّنَةٍ كَدَعْوَاهُ دَفْعَ نَفَقَتِهِ إِلَى حَاضِنَتِهِ وَيُوَسَّعُ
عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَالِهِ وَمَأْلُوفِهِ، وَلَهُ تَنْمِيَةُ مَالِهِ،
فَإِنْ كَانَ فَقِيراً فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَالسَّفِيهُ الْحَاكِمُ
(1) ، وَيُفَكُّ حَجْرُهُ بِإِصْلاَحِهِ المَالَ كَالْمَجْنُونِ وَلاَ
يُتَّبَعُ بِمَا اسْتَدَانَهُ حَالَ حَجْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ بِخِلاَفِ
الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ سَيِّدُهُ وَهُوَ يَمْلِكُ
مِلْكاً مُزَلْزَلاً لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ وَتَبَرُّعَاتُ الزَّوْجَةِ
فِي ثُلُثِهَا، وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الزَّائِدِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ
إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ إِبَانَتِهَا مَضَى وَلِلْمَرِيضِ نَفَقَتُهُ
مِنْ رَأْس مَالِهِ وَيُمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى
ثُلُثِهِ، وَالزَّاحِفُ فِي الصَّفِّ، وَالرَّاكِبُ لِلُجَّةٍ فِي
الْهَوْلِ، وَالْحَامِلُ تَبْلُغُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَالْمَريضِ، وَحُكْمُ
غَيْرِ الْمَخُوفِ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ حُكْمُ
الصِّحَّةِ.
(فصل) المفلس
- إِذَا ادَّعَى المِدْيَانُ الْفَلِسَ وَطَلَبَ غُرَماؤُهُ حَبْسَهُ
حُبِسَ، فَإِنْ ثَبَتَ عُسْرُهُ أَنْظَرَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ
أُدِيمَ حَبْسُهُ، فَإِنْ سَأَلُوه حَجْرَهُ حُجِرَ عَلَيْهِ وَانْتُزِعَ
لَهُمْ مَالُهُ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَاص وَيَحِلُّ الْمُؤَجَّلُ
عَلَيْهِ لاَ لَهُ وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ أَخَذَهَا (2) فَإِنْ
قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهَا خُيِّرَ بَيْنَ رَدِّهِ وَأَخْذِهَا، أَوِ
الْحِصَاصِ بِبَاقِيهِ، وَتُتْرَكُ
_________
(1) أي ويحجر على السفيه الحاكم.
(2) لحديث أبي هريرة أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال"أيما أفلس
فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق من غيره" وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن
هشام أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم "أيما رجل باع متاعاً فأفلس
الذي ابتاعه منه ولم يقبض من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات
الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء" رواهما مالك وغيره.
(1/95)
لَهُ ثِيَابُهُ المُعْتَادَةُ وَقُوتُهُ
الأَيَّامَ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَا سِوَى ذلِكَ مِنْ رَبْعٍ وَغَيْرِهِ
وَالتَّلَفُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْهُ وَبَعْدَهُ مِنَ الْغُرَمَاءِ
وَلَيْسَ لَهُمْ مُلاَزَمَتُهُ عَلَى الْبَاقِي وَلاَ إِجَارَتهُ.
(فصل) الصلح
- الصُّلْحُ جَائِزٌ (1) عَلَى الإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ إِلاَّ مَا
أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ حَقَّ
لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٌ
وَغَيْرُ مُفَاوَضَةٍ، وَالمُفَاوَضَةُ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَجُوزُ
وَيَمْتَنِعُ.
الثَّانِي تَعْجِيلُ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطُ الْبَاقِي، فَمَنْ وَضَعَ
بَعْضَ حَقِّهِ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ وَمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَتَرَكَ
الْقِيَامَ بِهَا سَقَطَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ بِخِلاَفِ
كَوْنِهَا غَائِبَةً أَوْ لاَ يَعْلَمُهَا.
(فصل) الْكَفَالَةُ
- الحَمَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالزَّعَامَةُ (2) بِمَعْنَى فَيَجُوزُ
بِكُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ أَوْ آيِلٍ إِلَى الثُّبُوتِ لاَ فِيمَا لاَ
يُمْكِن اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الْكَفِيلِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَا
المَكْفُولِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ إِلاَّ
أَنْ يَتَعَذَّرَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ الأَصْلِ وَيَبْرَأُ بِبَرَاءَةِ
الأَصْلِ لاَ بِالْعَكْسِ وَيَجُوزُ بِالْوَجْهِ وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ
مُتَمَكِّناً مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ
المَكْفُولُ أَوْ يَشْتَرِطَ الْبَرَاءَةَ وَعَنِ الْمَيِّتِ
وَبِالْمَجْهُولِ وَيَلْزَمُ مَا ثَبَتَ وَفِي قَوْلِهِ عَامِلْ فُلاَناً
وَأَنَا كَفِيلُهُ وَيَلْزَمُ المُشْبِهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ
_________
(1) لحديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال:
الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على
شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً" رواه الترمذي وصححه وله طريق
عن أبي هريرة صححه ابن حبان، ثم الصلح أنواع: صلح المسلم مع الكافر، والصلح
بين الزوجين والصلح بين الفئة العادلة والباغية والصلح بين المتغاضبين
كالصديق، والصلح في الجراح والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة في
المشتركات كالشوارع.
(2) وتسمى ضماناً أيضاً والأصل فيها قوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا
به زعيم) وأحاديث منها حديث سلمة بن الأكوع ان النبي صَلى اللهُ عَليه
وَسَلَم أتي بجنازة ليصلي عليها فقال هل عليه من دين فقالوا لا ثم أتي
بجنازة أخرى فقال هل عليه قالوا نعم قال فصلوا على صاحبكم قال أبو قتادة
على دينه يارسول الله فصلى عليه، رواه البخاري ورواه ابن ماجه عن أبي قتادة
وفيه فقال أبو قتادة: أنا تكفل به، وأما الحولة فهي والضمان متقاربان لأن
كلا منها يشتمل على نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر، والأصل فيها حديث أبي
هريرة قال رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم (مطل الغني ظلم فإذا أحيل
أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه وفي رواية لمسلم (فإذا أحيل احدكم على
مليء فليحتل) .
(1/96)
الْحُلُولِ وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرُ الدَّيْنِ فَإِذَا حَلَّ
وَاسْتَوْفَى الْحَقَّ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ وَإِلاَّ أَخَذَهُ الْغَريمُ،
وَإِذَا حُطَّ عَنْهُ شَيْءٌ رَجَعَ بِمَا أَدَّاهُ وَلَوْ صَالَحَ رَجَعَ
بِأَقَلِّ، وَيَصِحُّ مِنَ الْجَمَاعَةِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَمَنْ
أَدَّى بَرِئَ الْبَاقُونَ وَرَجَعَ عَلَى كُلٍّ بِمَا يَنُوبُهُ.
(فصل) الْحَوَالَةُ
- الْحَوَالَةُ تَحْوِيلُ الْحَقِّ إِلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الأُولَى
بِشَرْطِ رِضَاهُمَا وَرِضَا المُحَالِ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لاَ
حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَلاَ رُجُوعَ لِلْمُحَالِ لِتَعَذُّرِ
الاِسْتِيفَاءِ إِلاَّ أَنْ يَغُرَّهُ لاَ إِنْ عَلِمَ فَرَضِيَ بِهِ،
وَيُشْتَرَطُ حُلُولُ المُحَالِ بِهِ لاَ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ
جِنْسٍ وَلاَ يُحَالُ عَلَى غَائِبٍ لاَ يُعْلَمُ حَالُهُ، وَلاَ عَلَى
مَيِّتٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. |