إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك

كتاب العارية والوديعة (1)
العارية
- الْعَارِيَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ المُبَاحَةِ، وَضَمَانُهَا كَالرَّهْن فَإِنْ أَعَارَ إِلَى أَجَلٍ فَلاَ رُجُوعَ قَبْلَهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَحَتَّى يَنْتَفِعَ بِهَا انْتِفَاع مِثْلِهَا، وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ، وَإِذَا عَيَّنَ مَنْفَعَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا.

(فصل) الوديعة
- المُودَعُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَإِنْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ رَدُّهَا بِغَيْرِهَا وَلَهُ إِيدَاعُهَا عِنْدَ زَوْجَتِهِ وَخَادمِهِ، وَيَضْمَنُ لِغَيْرِهِمَا كَالسَّفَرِ بِهَا إِلاَّ أَنْ
_________
(1) العارية والوديعة مشروعتان إجماعاً. والأصل فيها أحاديث منها حديث أبي أمامة (العارية مؤداة والدين مقتضى والزعيم غارم) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وفي رواية بعضهم زيادة (والمنيحة مرودة) واستعار النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم فرساً من أبي طلحة كما في الصحيحينن وعن أبي هريرة عن النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال (على اليد ما أخذت حتى حتى تؤديه) رواه أحمد والأربعة وصححه الحاكم.

(1/97)


يَتَعَذَّرَ رَدُّهَا وَلاَ يَجِدُ ثِقَةً فَإِنِ اسْتَوْدَعَهَا فِيهِ فَعَرَضَتْ لَهُ إِقَامَةٌ فَلَهُ إِرْسَالُهَا مَعَ ثِقَةٍ، وَلاَ ضَمَانَ كَنَقْلِهَا إِلَى حِرْزٍ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُعْدِمِ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَيُكْرَهُ لِلْمَلِّي وَيُقْبَلُ قَوْلهُ فِي رَدِّ المِثْلِ وَتَلَفِهِ، لاَ رَدّ الْقِيمَةِ، وَتَلْزَمُ المَكِيلَةُ فِي خَلْطِهَا بِمِثْلِهَا وَالتَّلَفُ مِنْهُمَا، فَإِنْ سَقَطَتْ فَانْكَسَرَتْ لَمْ يَضْمَنْ بِخِلاَفِ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

كتاب الشفعة (1) والقسمة
الشفعة
- وَهِيَ وَاجِبَةٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَقَارِ وَالرِّبَاعِ دُونَ الْمَنْقُولاَتِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَقَارِعَةُ الدَّارِ وَالْبِئْرُ وَفَحْلُ النَّخْل تَوَابِعٌ، وَفِي التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ رِوَايَتَانِ كَالْحَمَّامَ وَبَيْتِ الرُّحِيِّ لاَ بِجِوَارٍ وَمَسِيلِ مَاءٍ وَاسْتِطْرَاقٍ وَنَحْوِ ذلِكِ وَيَسْتَقِلُّ أَهْلُ الْحَيْزِ مِنَ الْوَرَثَةِ بِالشِّرْكَةِ، فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمْ فَلأَهْلِ حَيْزِهِ، فَإِنْ بَاعُوا فَلِلْحَيْزِ الآخَرِ فَإِنْ بَاعُوا فَلِلْعَصَبَةِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضُهُمْ فَلِلْجَمِيعِ دُونَ الشُّرَكَاءِ الأَجَانِب فَيَأْخذُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً فَإِلَى مِثْلِ أَجلِهِ إِنْ كَانَ مَلِيّاً وَأَتَى بِحَمِيلٍ فَإِنْ أَظْهَرَ أَكْثَرَ أُخِذَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ كَالْمَجْهُول صَدَاقاً أَوْ مُخَالَعاً بِهِ وَعِوَضَ دَمٍ عَمْدٍ وَأَرْش جنَايَة، وَفِي الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ،
_________
(1) لا خلاف بين العلماء في مشروعيته الشفعة إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها قال الحافظ في الفتح وفي صحيح البخاري عن جابر أن النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم (قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلاشفعة) وفي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعه أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) ولا شفعة بالجوار كما سيقول المصنف خلافاً لأبي حنيفة لأن قوله قضى بالشفعة في كل شركة ينفيها وكذلك قوله فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة لأنهما بعد التقسيم صار جارين وهذان الحديثان أصح من الأحاديث المثبتة لشفعة الجار على ان لفظ الجار فيها مراد به الشريك لأن كل شيءقارب غيره قيل له جار ومنه قيل لامرأة الرجل لما بينهما من المخالطة.

(1/98)


وَلاَ شُفْعَةَ فِي مَوْرُوثٍ وَالظَّاهِرُ إِلْحَاقُ الْمَرْهُونِ وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ، وَإِذَا تَرَكَ الشُّرَكَاءُ شُفْعَتَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي أَخْذُ مَا يَخُصُّهُ بَلْ يَأْخُذ الكُلَّ أَوْ يَتْرُكُ كَتَعَدُّدِ المَشْفُوعِ وَاتِّحَادِ الشَّفِيعِ وَإِذَا قَدِمَ غَائِبٌ فَلَهُ الأَخْذُ وَفِي تَعَدُّدِ الصَّفَقَاتِ يَأْخُذُ بِأَيِّهَا شَاءَ وَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهَا وَيُنَزَّلُ الْوَارثُ مَنْزِلَةَ مَوْرُوثِةِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى المُشْتَرِي فَتَرْجِعُ فِي الاِسْتِحُقَاقِ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهَا لاَ قَبْلَهُ وَبِشِرَائِهِ وَاسْتِئْجَارهِ لاَ بِشَهَادَتِهِ فِي الْعَقْدِ وَالإِقَالَةِ وَبَيْعِ الشُّقْصِ الْمُسْتَشْفَعِ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَاضِرَ عَلَى شُفْعَتِهِ إِلَى سَنَةٍ ولِلْمُشْتَرِي مُرَافَعَتُهُ ليَأْخُذَ أَوْ يتْرُكَ، وَالْغَائِبُ عَلَى شُفْعَتِهِ حتَّى يُعْلَمَ تَرْكُهُ وَإِنْ طَالَ، وَلَهُ أَخْذُ الْغَرْس وَالْبِنَاءِ بقِيمَتِهِ قَائِماً.

(فصل) القسمة
- الْقِسْمَةُ (1) ثَلاَثَةُ أَضْرُب: مُهَايَأَةٌ وَهِيَ اخْتِصَاصُ كُلٍّ بِمَنْفَعَةِ مَوْضِعٍ، مَعَ بَقَاءِ الرِّقَابِ مُشْتَركَة، الثَّانِي بَيْعٌ وَهِيَ رِضَا كُلٍّ بِمَوْضِعٍ مُقَابِلٍ لِمَا يَأْخُذُهُ الآخَرُ، الثَّالِثُ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ فَيُضَمُّ مَا تَقَارَبَتْ مَنَافِعُهُ وَالرَّغَبَاتُ فِيهِ إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ قِسْمَةُ كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى حَالِهِ يُعَدَّلُ بِالْقِمَةِ عَلَى السِّهَام، وَيُسْهَمُ عَلَيْهِ، تُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ وَتُجْعَلُ فِي بَنَادِيقَ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى سَهْمٍ أَخذَهُ وَمَا يَلِيهِ إِلَى مُنْتَهَى حَقِّهِ، فَإِنْ طَلَبَ
_________
(1) الأصل في القسمة قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى) الآية وقوله تعالى (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) الآية وفي صحيح البخاري عن رافع ابن خديج قال كنا مع النبي صلى لله عليه وسلم بذي الحليفة وذكر الحديث فقال (ثم قسم -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فعدل عشرة غنم ببعير) الحديث.

(1/99)


أَهْلُ حَيْزٍ جَمَعَ سِهَامِهِمْ جُمِعَتْ، وَمَنْ أَبَى قِسْمَةَ مَا لاَ ضَرَرَ فِي قَسْمِةِ أُجْبِرَ وَفِي قِسْمَةِ مَا تَبْطُلُ مَنْفَعَتُةُ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ أُجْبِرَ مَنْ أَبَاهُ كَالشُّرَكَاءِ فِي الْعَبْدِ وَالسَّفِينَةِ وَالْحَيَوَانِ، وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ يُقْسَمُ كَيْلاً أَوْ وَزْناً، وَتُقْسَمُ الْعُرُوضُ أَثْمَاناً إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى غَيْرِ ذلِكَ، وَتَنْتَقِضُ لِطُرُوِّ وَارِثٍ أَوْ دَيْنٍ إِلاَّ أَنْ يَلْتَزمُوا وَفَاءَهُ، أَوْ يَرْضَى الْوَارِثُ بِمُشَارَكَتِهمْ أَوْ تَكُونَ التَّرِكَةُ عَيْناً فَيَرْجِعُ عَلَى كُلٍّ بِقِسْطِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.