إرشاد
السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك كتاب الإقرار (2) وَالْهِبَةِ،
وَالصَّدَقَةِ، وَالْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى
الإقرار
- وَمَنِ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ المَجْهُولِ
إِلَيْهِ وَفِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ثَلاَثَةٌ، فَلَوْ قَالَ
كَثِيرَةٌ،
_________
(1) فيصير التقاطه فرض عين على من وجده.
(2) الأصل في الإقرار قوله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم لأبي ذر (قل الحق ولو
كان مراً) صححه ابن حبان في حديث طويل وقوله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم في
حديث العسيف (واغد ياأنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) متفق عليه.
(1/104)
فَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ
وَبِقَوْلِهِ كَذَا دِرْهَماً عِشْرُونَ وَكَذَا كَذَا إِحْدَى عَشَرَ
وَكَذَا وَكذَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ، لَمْ
يَكُنِ الدِّرْاَهُم بَيَانَاً، وَقِيلَ إِنْ كَانَ جَوَابَ دَعْوَى فَهُوَ
بَيَانٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي وِعَاءٍ فَإِنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ
وَإِلاَّ لَزِمَا، وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ وَالأَقَلِّ
وَالمُسَاوِي وَمِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهُوَ مِنَ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ
وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَلَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ مَرَّتَيْنِ
فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَوْ بِدِينَارٍ مَجْهُولٍ لَزِمَ نَقْدُ الْبَلَدِ
فَإِنِ اخْتَلَفَ فَالْغَالِبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَ مُسَمَّاهُ،
وَلاَ يُقْبَلُ إِقْرَارُ مَرِيضٍ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَلَوِ
اعْتَرَفَ صَحِيحاً بِإِتْلاَفِهِ مَجْنُوناً لَزِمَهُ كَاعْتِرَافِهِ
بَالِغاً صَغِراً، وَلَوِ اعْتَرَفَ بِمُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ
لَهُ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ لَزِمَهُ مَا نَقَصَهُ
الإِقْرَارُ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَمِيرَاثُهُ، فَإِنْ كَانَا
اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ شَهِدَا وَثَبَتَ نَسَبُهُ
وَمِيرَاثُهُ.
(فصل) الهبة
- الْهِبَةُ قِسْمَانِ: مَعْرُوفٌ فَتَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَتَتِمُّ
بِالْقَبْضِ وَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ، فَإِنْ تَرَاخَى الْمَوْهُوبُ
لَهُ حَتَّى مَاتَ، أوْ أَفْلَسَ بَطَلَتْ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ (1) فِيهَا
لِلأَبَوَيْنِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، أَوْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ، فَلاَ
تَرْجِعُ الأُمُّ عَلَى الْيَتِيمَ وَلِلأَبِ حِيَازَةُ مَاوُهِبَ
لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ
_________
(1) ويسمى الرجوع في الهبة اعتصاراً والاعتصار هو ارتفاع المعطي لعطيته دون
عوض وللوالد والوالدة أن يعتصرا ما دام الأب حياً قال ابن عباس في الجواهر
كون الإبن صغيراً وعديم الأب يمنع الم من الاعتصار.
(1/105)
إِلاَّ مَا لاَ يَتَمَيَّزُ فَيَجْعَلُهُ
عَلَى يَدِ أَمِينٍ، وَتَصِحُّ بِالْمَشَاعِ وَالْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ،
الثَّانِي مُعَاوَضَةٌ (1) ، وَهِيَ كَالْبَيْعِ، إِلاَّ فِي الْعِوَضِ،
فَيُخَيَّرُ المَوْهُوبُ لَهُ بَيْنَ إِثَابَةِ قِيمَتِهَا أَوْ رَدِّهَا
فَإِنْ أَثَابَ دُونَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي
كَوْنِهَا لِلثَّوَابِ اعْتُبِرَ شَهَادَةُ الْحَالِ.
(فصل) الصدقة
- الصَّدَقَةُ عَطِيَّةٌ لِلّهِ وَصِحَّتُهَا كَالْهِبَةِ، وَلاَ رُجُوعَ
فِيهَا لِوَالِد وَلاَ غَيْرِهِ وَلاَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدّقُ بِهَا،
وَلاَ يَشْتَرِيهَا بِخِلاَفِ رُجُوعِهَا مِيرَاثاً، وَالصَّحِيحُ
التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَأَنْ يَخُصَّ بَعْضَ أَوْلاَدِهِ (2)
وَالأُولَى المُسَاوَاةُ وَلاَ يَتَصَدَّقُ إِلاَّ رَشِيدٌ، وَإِلاَّ
فَلاَ، وَلاَ يَهِبُ أَوْ يَتَصَدَّقُ إِلاَّ أَهْلُ التَّبَرُّعِ وَهُمَا
فِي الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي الْمَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ.
(فصل) الْعُمْرَى
- الْعُمْرَى هِبَةُ السُّكْنَى مُدَّةَ عُمُرِ المَوْهُوبِ فَإِذَا
انْقَضَتْ عَادَتْ لِمالِكهَا أَوْ وَارِثِهِ إِلاَّ أَنْ يُعْمِرَهُ
وَعَقِبَهُ فَتَمْتَدُّ إِلَى انْقِرَاضِهِمْ وَالإِخْدَامُ كَالْعُمْرى
وَهَل النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى السَّيِّدِ؟ رِوَايَتَانِ.
(فصل) الرُّقْبَى
- وَالرُّقْبَى أَنْ يَتَرَقَّبَ كُلٌّ مَوْتَ صَاحِبِهِ، لِيَأْخُذَ دارهُ
وَهِيَ بَاطِلَةٌ وَاللهُ أَعْلَمُ.
_________
(1) أي هبة معاوضة وتسمى هبة الثواب.
(2) مع الكراهة لحديث النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صَلى اللهُ
عَليه وَسَلَم فقال إني نحلت هذا غلاماً كان لي فقال رسول الله صَلى اللهُ
عَليه وَسَلَم (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟) فقال لا فقال رسول الله صَلى
اللهُ عَليه وَسَلَم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرجع أبي فرد تلك
الصدقة، متفق عليه قال ابن القاسم إن وقع وحيز فلا يرد وعنه يرد في حياته
ومماته قلت: كثيراُ ما أدت المفاضلة بين الأولاد في العطاء إلى مآس ورزايا
من عقوق وقطع رحم وغير ذلك فالواجب العدل بين الأولاد امتثالاً لأمر الشرع
الحكيم.
(1/106)
كتاب الوقف
(1)
- يَصِحُّ فِي المَشَاعِ وَالمَقْسُومِ مِنَ الرِّبَاعِ غَيْرَ مَوْقُوفٍ
عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَفِي غَيْرِهَا خِلاَفٌ، وَقِيلَ الْخِلاَفُ فِي
غَيْرِ الْخَيْلِ، وَشَرْطُهُ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ فَإِنْ أَمْسَكَهُ
إِلَى مَرَضِ مَوْتِهِ بَطَلَ إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَهُ مُدَّةً يَشْتَهِرُ
فِيهَا ثُمَّ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لأَرْبَابِهِ أَوْ يَقِفَ عَلَى صِغَارِ
أَوْلاَدِهِ، وَيَتَصَرَّفُ لَهُمْ، وَهُوَ فِي المَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ
إِلاَّ عَلَى وَارِث فَإِنَّهُ يَعُودُ مِيرَاثاً، وَلاَ يَصِحُّ عَلَى
نَفْسِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ قُسِمَ عَلَى
شَرْطِهِ، وَعَادَ سَهْمُ الْوَارِثِ مِيرَاثاً، وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي
التَّأْبِيدَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً أَوْ وَقَفَ
عَلَى الْمَسَاكِين وَالْعُلَمَاءِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْحَبْسِ
كَالْوَقْفِ وَمُقْتَضَى لَفْظِ الصَّدَقَةِ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ إِلاَّ
أَنْ يُرِيدَ التَّحْبيسَ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ
نَقْضِهِ، وَيَلْزَمُ هَادِمَهُ إِعَادَتُهُ عَلَى صِفَتِهِ وَلاَ يَجُوزُ
تَغْيِيرُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرَسِ يَهْرَمُ، فَأَجَازَ ابْنُ
الْقَاسِمِ بَيْعَهُ وَصَرْفَهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ مَصْرَفِهِ، وَلاَ
يَجُوزُ بَيْعُ المَسْجِدِ، وَإِنِ انْتَقَلَتِ الْعِمَارَةُ عَنْهُ،
وَإِذَا كَانَ المَسْجِدُ أَوِ السَّابِلُ مَحْفُوفاً بِوُقُفٍ،
فَافْتَقَرَ إِلَى تَوْسِعَتِهِ جَازَ أَنْ يُبْتَاعَ مِنْهَا مَا
يُوَسَّعُ بِهِ وَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ
_________
(1) الوقف مشروع في قول جمهور العلماء قال الترمذي لانعلم بين الصحابة
والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكر
الوقف وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالف جميع أصحابه إلا زفر وقال عبد الوهاب
المشهور عن أبي حنيفة منعهوأنه غير جائز ولا لازم قال وأصحابه يحكمون عنه
في هذا العصر أنه جائز ولكن لايلزم إلا بأحد أمرين أن يحكم به حاكم أو يوصي
في مرضه بأن يوقف بعد موته فيصح ويكون من الثلث كالوصية إلا ان يكون مسجداً
أوسقاية فيصح تحبيسه مطلقاً اه.
والأصل في الوقف حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية)
الحديث رواه مسلم وحديث ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً فقال يارسول الله أصبت
أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال ان شئت حبست أصلها
وتصدقت بها قتصدق بها عمر على الأتباع ولاتوهب ولا تورث في الفقراء وذوي
القربى والرقاب والضعيف ويطعم غير متمول مالا متفق عليه في صحيح البخاري عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم (من احتبس فرساًفي
سبيل الله إيماناً واحتساباً فان شبعه وروثه وبوله في ميراثه يوم القيامة
حسنات.
(1/107)
وَالنَّسْلِ أَوْلاَدُ الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ وَلَوْ قَالَ
أَوْلاَدُهُ وَأَوْلاَدُهُمْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ
فَالأَظْهَرُ دُخُولُ أَوْلاَدِهِنَّ وَيَدْخُلُونَ فِي الذُّرِّيَّةِ
قَوْلاً وَاحِداً (1) ، وَلَوْ قَالَ لِبنِيَّ لَدَخَلَ بَنَاتُهُ
وَبَنَاتُ بَنِيهِ كَقَوْلِهِ بَنَاتِي وَتَجِبُ مُتَابَعَةُ شَرْطِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُسِمَ بِالسَّوِيَّةِ مَا لَمْ تَدُلَّ أَمَارَةٌ
عَلَى غَيْرِ ذلِكَ، وَمَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَصْرَفاً يُصْرَفُ فِي
وُجُوهِ الْبِرِّ، وَلاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ،
وَيَبْدَأُ بِعِمَارَتِهِ وَرَمِّ دَارِسِهِ وَإِنْ شَرَطَ غَيْرَ ذَلِكَ،
وَإِنْ شَرَطَ لِلإِجَارَةِ مُدَّةً لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهَا، فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فَلْيُؤَجَّرْ سَنَةً فَسَنَةً، فَإِذَا آجَرَ نَاظِرٌ فَجَاءَ
طَالِبٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَنْفَسِخْ، وَتَنْفَسِخْ بِمَوْتِ الآيِلِ
إِلَيْهِ لاَ لِمُسْتَأْجِرٍ، وَشَرْطُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يُمْكِنَ
الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَيَنْظُرُ فِيهِ مَنْ شَرَطَ
الْوَاقِفُ نَظَرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ وَاللهُ أَعْلَم. |