إرشاد
السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك كتاب الجنايات
- يَجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقِصَاص عَيْناً إِلاَّ أَنْ يَصْطَلِحا
عَلَى دِيَةٍ، فَيُقَادُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ إِلاَّ اللِّوَاطَ
وَالسِّحْرَ، فَيُقَادُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً، إِلاَّ أَنْ يُمَثِّلَ
فَيُمَثَّلَ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ التَّكْليفُ وَمُمَاثلَةُ الْمَقْتُولِ (2)
دِيناً وَحُرِّيَّةً وَيَنْزِلُ عَنْهُ
_________
(1) لقوله تعالى في إبراهيم عليه السلام (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب
ويوسف وموسى وهارون) إلى قوله (وزكريا ويحيى والياس) مع أن عيسى ليس له أب
إنما يتصل بإبراهيم من جهة مريم عليهم السلام جميعاً.
(2) فلا يقتل مسلم بكافر كما ثبت في صحيح البخاري من حديث علي عليه السلام
وللحديث طرق في غير البخاري والأحاديث الواردة في قتل المسلم بالمعاهد لا
تساوي سماعها لشدة ضعفها بحيث لا تصلح في الفضائل وأيضاً فان الله تعالى
يقول (لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) فنفي المساواة في الآية الكريمة
يقتضي ألا يقتل مسلم بكافر وإلا كان مستويين واللازم باطل فتأمل وقول
المصنف أو ينزل القاتل عن المقتول كأن يكون القاتل عبداً وكافراً والمقتول
حراً أو مسلماً.
(1/108)
لاَ عَكْسُهُ وَلاَ اعْتِبَارَ
بِالذُّكُورِيَّةِ وَالأُنُوثِيَّةِ، وَالْكُفَّارُ أَعْفَاءٌ، وَإِنِ
اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ كَالأَرِقَّاءِ، وَإِنْ تَبَعَّضَ أَوْ كَانَ فِيهِ
عَقْدُ حُرِّيَّة، وَلاَ يَسْقُط بِإِسْلاَمِهِ أَوْ عِتْقِهِ، وَلاَ
بِمُشَارَكَةِ مَنْ لاَ يُقَادُ مِنْهُ، وَتَلْزَمُ بِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ
أَوِ الْتَجَأَ بِهِ إِلَى الْحَرَامِ، وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي،
وَالْمُمْسِكُ عَالِماً بِإِرَادَةِ قَتْلِهِ كَالْمُبَاشِرِ،
وَالأَقَارِبُ كَالأَجَانِبِ، وَالْمَأْمُورُ إِنْ لَزِمَهُ طَاعَةُ
آمِرِهِ قُتِلاَ، وَإِلاَّ قُتِلَ (1) ، وَالمَشْهُورُ قَتْل الأَبِ
بِابْنِهِ مَعَ نَفْيِ الشبْهَةِ كَذَبْحِهِ وَمَعَهَا تَلْزَمُ الدِّيَةُ
فِي مَالِهِ مُغَلَّظَةً، وَمَنعَ أَشْهَبُ قَتْلَ وَالِد بِوَلَدِهِ (2)
وَيُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ وَبِالْعَكْسِ.
(فصل) الجنايات
- وَالْقِصَاصُ فِي الأَعْضَاءِ كَالنَّفْسِ إِلاَّ لِتَعَذُّرِ
المُمَاثَلَةِ كَذهَابِ بَعْضِ الْبَصَرِ أَوِ السَّمْعِ أَوِ الْكَلاَمِ،
أَوْ يُخَافُ سِرَايَتُهُ إِلَى النَّفْسِ غَالِباً كَكَسْرِ الْعُنْقِ
وَالتَّرْقُوَةِ وَالصُّلْبِ وَالْفَخذِ فَيَجِبُ مَا فِيهِ مِنَ
الدِّيَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي وَتَتَعَيَّنُ المُمَاثَلَةُ فَلاَ
يُؤْخَذُ عُضْوٌ بِغَيْرِ مُمَاثِلِهِ، وَفِي عَدَمِهِ يُعْدَلُ إِلَى
الدِّيَةِ إِلاَّ الأَعْوَرَ يَقْلَع عَيْناً، فَفِي المُمَاثَلَةِ
يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَلْفِ دِينَار وَفِي غَيْرِهَا دِيَّتُهَا،
وَلاَ يُقْتَصُّ لِجُرْحٍ وَلاَ يُعْقَلُ حَتَّى يَنْدَمِلَ فَإِنْ سَرَى
إِلَى النَّفْسِ قُتِلَ وَلَمْ يُجْرَحْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ مَا يُمْكِنُ
اسْتِنَادُ الْمَوْتِ إِلَى غَيْرِهِ فَبِالْقَسَامَةِ، وَإِنْ سَرَى
_________
(1) أي المأمور فقط.
(2) لقول عمر سمعت رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم يقول (لايقاد الوالد
بالولد) صححه ابن الجاردون والبيهقي وقال الترمذي إنه مضطرب وبقول أشهب قال
الشافعي وأبو حنيفة.
(1/109)
إِلَى زِيَادَةٍ اقْتُصَّ بِأَصْلِهِ،
وَإِنْ سَرَى بِمِثْلِهَا فَهُوَ بِهِ، وَإِنْ زَادَ فَهَدَرٌ، وَإِنْ
نَقَصَ وَجَبَ أَرْشُ النَّقْصِ، وَيُؤَخَّرُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ
وَاْلَبْرِد وَالْحَامِلُ لِلْوَضْعِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ
وَإِلاَّ فَإِلَى الْفِصَالِ، وَأَوْلِياءُ الدَّمِ الْعَصَبَاتُ
فَيَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ وَيُخَيَّرُ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ قَتْلِهِ
وَاسْتِرْقَاقِهِ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي افْتِكَاكِهِ
بِالدِّيَةِ وَإِسْلاَمِهِ.
(فصل) الخطأ
- أَمَّا الْخَطَأُ فَفِي النَّفْسِ الدِّيَة أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ
الذَّهَبِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ
وَمِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَهْلِهَا مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ ابْنَ
لبُون، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضِ،
وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى
الْقَوْلِ بِهَا كَالْخَطَإِ، وَالصُّلْحُ عَلَى مُبْهَمَةٍ مُرَبَّعَةٍ
فَيَسْقُطُ بَنُو لبُونٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَوَاقِي خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ، وَالمَذْهَبُ أَنْ شِبْهَ الْعَمْدِ (1) بَاطِلٌ وَقِيلَ
بِصِحَّتِهِ، فَتَجِبُ بِهِ مُغَلَّظَةً ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ
جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، فَالْخَطَأُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُمُ
الْعَصَبَاتُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالْمَوَالي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فَبَيْتُ المَالِ وَيَعْقِلُ عَلَى الذِّمِّيِّ أَهْلُ دِيوَانِهِ
وَتُسَقَّطُ بِحَسَبِ الاِجْتِهَادِ وَعَلَى قَدْرِ أَحْوَالِهِمْ وَلاَ
يُؤْخَذُ غَنِيٌّ بِفَقِيرٍ وَالْجَانِي كَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ عِتْقُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ،
_________
(1) قال عياض شبه العمد ما أشكل هل يريد به القتل أو لا، واختلف فيه هل له
حكم يخصه من رفع القصاص وتغليظ الدية وهو قول أكثر الفقهاء وسموه شبه العمد
ولم ير ذلك مالك إلا في الآباء مع أبنائهم وهو قول أكثر أصحابه وفي المدونة
شبه العمد باطل لاأعرفه وإنما هو عمد أو خطأولا تغليظ الدية إلا في مثل فعل
المدلجي بابنه فان الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها مما يقاد
فيه فان الأدب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله اه.
وممن قال باثبات شبه العمد ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد حكاه عنهم ابن حبيب
ورواه العراقيون عن مالك أيضاً.
(1/110)
كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ
الْقَتْلَى وَلاَ إِطْعَامَ فِيهَا، وَلاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْداً
وَلاَ عَبْداً وَلاَ اعْتِرَافاً، وَلاَ قَاتِلَ نَفْسِهِ، وَلاَ دُونَ
الثُّلُثِ، وَدِيَةُ الذِّمِّي نِصْفُ دِيَةِ المُسْلِمِ، وَالْمَجُوسِيِّ
ثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ، وَأُنْثَى كُلِّ صَنْفٍ بِنِصْفِ الذَّكَرِ، وَفِي
الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ مَا لَمْ تُجَاوِزْ دِيَةَ الْحُرِّ، وَجِنَايَةُ
الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْخَطَإِ.
(فصل) الأعضاء
- كُلُّ مَا فِي الْبَدَنِ مِنْهُ اثْنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ (1)
إِلاَّ الحَاجبَيْنِ وَأَهْدَابَ الْعَيْنَيْنِ وَثَدْيَ الرَّجُلِ
وَأَلْيَتَيْهِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ،
وَقَطْعُ الأَصَابِعِ كَاسْتِئْصَالِ الْعُضْوِ مِنْ أَصْلِهِ وَفِي كُلِّ
أُصْبُعٍ عَشَرَةُ أَبَاعِيرَ، وَفِي كُلِّ أَنْمُلَةٍ ثَلاَثَةٌ وَثُلُثٌ،
وَالْمَنْعَةُ كَعَيْنِهِ، وَفِي الْعَقْلِ الدِّيَّةُ كَالصُّلْبِ، وَفِي
تَعَذُّرِ بَعْضِ الْقِيَامِ أَوِ الْمَشْيِ بِحِسَابِهِ كَتَعَذُّرِ
بَعْضِ الْكَلاَمِ. وَفِي الأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكرِ الدِّيَةُ
كَاْلحَشَفَةِ وَالأُنْثَيَيْنِ، وَفِي بَاقِيهِ حُكُومَةٌ، كَذَكَرِ
الْخَصِيِّ وَفِي الشَّفْرَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَلْيَتَيْهَا قِيلَ
الدِّيَةُ وَقِيلَ حُكُومَةٌ، وَفِي السِّنِّ خَمْسَةُ أَبَاعِيرَ سَقَطَتْ
أَوِ اسْوَدَّتْ فَإِنْ سَقَطَتْ بَعْدَ اسْوِدَادِهَا فَدِيَةٌ ثَانِية،
وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ كَالْجَائِفَةِ وَفِي
الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفٌ الْعُشْرِ، وَفِي الْمُوَضَّحَةِ نِصْفُ
الْعُشْرِ،
_________
(1) نظم الغافقي ما فيه الدية مما هو منفرد في الانسان، أو فيه اثنان فقال:
وكل شيء هو في الانسان * منفرد وليس منه اثنان
فدية الإنسان فيه تكمل * في كل جسم خمسة تحصل
أول ما يذكر منه عقله * ثم اللسان يعطى ذاك مثله
والأنف والذكر ثم الصلب *وكلها منصوصة في الكتب
وما يكون منه اثنان في الجسد * فجملته الدية فيهما تعد
وهما سبع في جميع الأبدان * جملتها العينان ثم الأذنان
وبعدها فعدد اليدين * وصلهما في ذاك بالرجلين
والشفتان ثم الانثيان * وبعدها في المرأة الثديان
وهذا الرجز يتمشى على طريقة الفقهاء لا الشعراء كما هو ظاهر.
(1/111)
وَفِي بَاقِي الْجِرَاحِ وَالشِّجَاجِ
حُكُومَةٌ وَفِي الْعَبْدِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إِلاَّ الشِّجَاجَ
الأَرْبَعَ (1) فَفِيهَا مِنْ قِيمَتِهِ نِسْبَتُهَا مِنَ الدِّيَةِ،
وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَا لَمْ تَبْلُغِ الثُّلُثَ فَتَرْجعُ إِلَى
عَقْلِهَا فَفِي ثَلاَثِ أَصَابِع ثَلاَثُونَ بَعِيراً وَفِي أَرْبَعٍ
عِشْرُونَ، وَفِي جَائِفَتِهَا وَمَأْمُومَتِهَا ثُلثُ دِيَّتِهَا
كَثَلاَثِ أَصَابِعَ وَأَنْمُلَةٍ بِضَرْبَةٍ، وَفِي جَنِينِ الْحُرَّةِ
الْمُسْلِمَةِ تَطْرَحُهُ بِضَرْب بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ
قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، الأَمَةُ مِنْ زَوْجٍ عُشْرُ قِيمَتِهَا
وَمِنْ سَيِّدِهَا نِصْفُ عُشْر ديَّتِهِ، كَزَوْجَةِ الْمُسْلِمِ
الْكِتَابِيَّةِ، وَمِنَ الْكَافِرِ كَالْمُسْلِمَةِ، وَيَتَعَدَّدُ
بِتَعَدُّدِ الأَجِنَّةِ فَإِنْ خَرَجَ حَيّاً فَلَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ.
(فصل) القسامة
- شرَطْ ُالْحُكْمِ بِالْقَسَامَةِ (2) حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ
وَإِسْلاَمُهُ، وَالْجَهْلُ بعَيْنِ الْقَاتِلِ، وَاتِّفَاقُ الأَوْلِيَاءِ
عَلَى الْقَتْلِ رجُلاَنِ فَصَاعِداً أَوْ قِيَامُ اللَّوْثِ، وَهُوَ
شَهَادَةُ عَدْلٍ بِالْقَتْل بِرُؤْيَةِ حَامِلِ السِّلاَحِ بِقُرْبِ
الْمَقْتُولِ أَوْ قَوْل الْمقْتُولِ فُلاَنٌ قَتَلَنِي أَوْ دَمِيَ عِنْدَ
فُلاَنٍ أَوْ جَمَاعَةٌ مَجْهُولُو الْعَدَالَةِ، لاَ النِّسَاءِ
وَأَثْبَتَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فَيُقْسِمُ الأَوْلِيَاءُ بَعْدَ ثُبُوتِ
اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِيناً رَجُلاَنِ فَصَاعِداً مِنَ الْعَصَبَةِ
تُفَضُّ الأَيمَان فِي الْعَمْدِ عَلَى عَدَدِهِمْ وَيُجْبَرُ الْكَسْرُ
عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فَقِيلَ
_________
(1) هي: الموضحة، والمنقلة، والجائفة، والمأمومة.
(2) في صحيح مسلم عن رجل من الأنصار أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم
"أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها رسول الله صَلى اللهُ
عَليه وَسَلَم بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود" وفي الموطأ
والصحيحين قصة محيصة وحويصة التي حكم فيها رسول الله صَلى اللهُ عَليه
وَسَلَم بالقسامة. والقسامة بفتح القاف وتخفيف السين اسم للايمان الخمسين
عند الفقهاء. وهي عند أهل اللغة اسم للحالفين.
(1/112)
يَحْلِفُ خَمْسُونَ وَقِيلَ جمِيعُهُمْ،
فَإِنْ نَكَلُوا إِلاَّ اثْنَيْنِ حَلَفَا وَاسْتَحَقَّا نَصِيبَهُما مِنَ
الدِّيَةِ، وَقِيلَ بَلْ تُرَدُّ الأَيْمَانُ كَالْوَاحِدِ فَيَحْلِفُ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً
كَمَا لَوْ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْحَمْلِ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى
يَحْلِفَ وَلاَ يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ يُعَيِّنُهُ
الأَوْلِيَاءُ، وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، وَيُجْلَدُ كُلُّ مِنَ الْبَاقِينَ
وَيُحْبَسُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَمْداً،
وَبَعْضُهُمْ خَطَأً حَلَفُوا وَأَخَذُوا أَنْصِبَاءَهُمْ وَيَحْلِفُ فِي
الْخَطَإِ الْوَارِثُ مَا كَانَ.
وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ وَتُفَضُّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَيُجْبَرُ
الْكَسْرُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ نَصِيباً، فَإِنْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ حَلَفَ
الْبَاقُونَ وَأَخَذُوا، وَلاَ قَسَامَةَ فِي جِرَاحٍ وَالْقَتِيلُ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنْ إِحْدَاهُمَا دِيَتُهُ عَلَى الأُخْرَى وَإِلاَّ
فَعَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ يَثْبُتَ اللَّوْثُ، وَيُجْلَبُ فِي الْقَسَامَةِ
إِلَى الْمَسَاجِدِ الْمُعَظَّمَةِ (1) مَنْ قَارَبَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
كتاب الحدود (2)
- يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي مُخِيفِ السَّبِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ
حَقٌّ بَيْنَ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، ثُمَّ قَتْلِهِ وَقَطْعِهِ مِنْ خِلاَفٍ
وَنَفْيِهِ
_________
(1) أي مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس.
(2) الحدود جمع حد والحد المنع وسميت عقوبة المعاصي حدوداً لأنها تمنع
العاصي من العودة إلى المعصية التي حد لأجلها. والحد في الشرع عقوبة مقدرة
لأجل حق الله تعالى. فخرج التعزيز لعدم تقديره، والقصاص لأنه حق لآدمي،
والصحيح أن الحدود جوابر وهو قول أكثر العلماء كما قال عياض لحديث عبادة في
البيعة وفيه "فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به
فهو كفارة له" الحديث. وهو في الصحيحين، ولأن الله تعالى أكرم من أن يعاقب
عبده على ذنب مرتين.
(1/113)
بِحَسَب مَا يَرَاهُ رَادِعاً، فَإِنْ
قَتَلَ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَلَوْ لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ لاَ يَجُوزُ
الْعَفْوُ، فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أُخِذَ بِحُقُوقِ
الآدَمِيِّينَ، وَيُقْتَل السَّاحِرُ وَالزِّنْدِيقُ، وَمَنْ سَبَّ اللهَ
أَوْ نَبِيّاً قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَهٍ، وَالْمُرْتَدُّ يَحْبَطُ
عَمَلُهُ وَتَبِينُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَيُسْتَتَابُ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ وَلَوِ امْرَأَةً، وَمَالُهُ
فَيْءٌ.
(فصل) الزنا
- يُجْلَدُ الْبِكْرُ لِلزِّنَا مائَةً مُتَوَالِيَةً يُتَّقَى مَقَاتِلُهُ
فَيُنْزَعُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَقِيهَا الأَلَمَ، وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ
مَسْتُوراً وَيُغَرَّبُ سَنَةً، وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ (1) حَتَّى
يَمُوتَ، وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،
فَالْمُحْصِنُ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ يَطَؤُهَا وَطْأً
مُبَاحاً فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ مَرَّةً، فَالأَمَةُ تُحْضِنُ
الْحُرَّ، وَاْلكِتَابِيَّةُ الْمُسْلِمَ، وَالصَّغِيرَةُ الْبَالِغَ،
وَالْمَجْنُونَةُ الْعَاقِلَ، وَلاَ يُجْمَعُ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ،
وَحَدُّ الرَّقِيقِ خَمْسُونَ دُونَ تَغْرِيبٍ، وَحَدُّ اللاَّئِطِ
الرَّجْمُ (2) وَإِنْ كَانَ بِكْراً وَيُعَاقَبُ الصَّغِيُر عُقُوبَةً
زَاجِرَةً كَفِعْلِ أَشْرَارِ النِّسَاءِ وَوَاطِىءِ الْبَهِيمَةِ وَقِيلَ
يُحَدُّ وَلاَ يُقْتَلُ، وَلاَ يَحْرُمُ أَكْلُهَا وَالأَمةُ
الْمُشْتَرِكَةُ إِنْ حَمَلَتْ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ
وَإِلاَّ فَفِي تَقْوِيمِهَا قَوْلاَنِ، وَعَلَى غَاصِبِ الْحُرَّةِ مَعَ
حَدِّ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَالأَمَةُ مَا نَقَصَهَا وَيَتَدَاخَلُ الْحَدُّ
قَبْلَ إِقَامَتِهِ لاَ بَعْدَهُ، وَيَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ، وَيُؤَخَّرُ
_________
(1) قال الفاكهاني: أنشدنا لنفسه القاضي زين الدين بن رشيق:
شروط الاحصان ست أتت * فخذها على النص مستفهما
بلوغ وعقل وحرية * ورابعه كونه مسلما
وتزويج صحيح ووطء مباح * متى اختل شرط فلن يرجما
(2) لحديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من وجدتموه
يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه أحمد والأربعة إلا
النسائي وروى ابن ماجه والحاكم من حديث أبي هريرة نحوه. وفي سنن أبي داود
عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس - في البكر يوجد على اللواطية - يرجم
وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطياً، وقال الحافظ المنذري حرق
اللوطي بالنار أربعة من الخلفاء أبو بكر الصديق وعلي وعبد الله بن الزبير
وهشام بن عبد الملك اه. فالعجب من الحنيفية الذين لم يروا فيه حداً أصلاً
وقالوا يعزز فقط "تنبيه" ألحق ابن القصار إتيان الأجنبية في دبرها باللواط
في وجوب الرجم مطلقاً حكاه الباجي عنه. وألحقه ابن الماجشون بالزنا، ومثله
في الموازنة وسحاق النساء لاحد فيه مع حرمته بل فيه الأدب وتقديره يرجع إلى
اجتهاد الحاكم كما قال ابن القاسم وحده أصبغ بخمسين ونحوها وهو ضعيف.
(1/114)
لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْحَمْلِ كَمَا
تَقَدَّمَ وَيَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَرْبَعَةُ أَحْرَارٍ مُجْتَمِعِينَ
عَلَى رُؤْيَةِ فَرْجِهِ فِي فَرْجِهَا، فَلَوْ قَالُوا زِناً يُوجِبُ
الْحَدَّ بِغَيْرِ وَصْفٍ كَانُوا قَذَفَهً كَشَهَادَةِ ثَلاَثَةٍ وَشَكّ
الرَّابِعِ أَوِ امْتِنَاعِهِ وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ فَالْكُلُّ
قَذَفَهٌ وَبَعْدَهُ وَحْدَهُ، وَبِالاِعْتِرَافِ، وَيَكْفِي مَرَّةً أَوْ
ظُهُورِ حَمْلِ خَلِيَّةٍ، وَيُقِيمُهُ السَّيِّدُ عَلَى أَرقَّائِهِ إِنْ
ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ، لاَ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ أَوْ
كَوْنِهَا زَوْجَةَ حُرٍّ مَمْلُوكَةَ غَيْرٍ.
(فصل) الْقَذْفِ
- حَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ لِلْحُرِّ (1) ، وَلِلْعَبْدِ أَرْبَعُونَ
إِذَا رَمَى حُرّاً مُسْلِماً مُكَلَّفاً عَفِيفاً، وَيُشْتَرَطُ فِي
الْمَرْأَةِ إِطَاقَةُ الْوَطْءِ لاَ بُلُوغُ التَّكْلِيفِ صَرَّحَ بِهِ
أَوْ عَرَّضَ كَقَوْلِهِ يَا مَنْبُوذُ أَوْ فِي الْمُشَاتَمَةِ، أَنَا
لَسْتث بِزَانٍ وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلاِبْنِ أَمَةٍ يَاابْنَ
زَانِيَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنْ
صَدَّقَتْهُ حُدّاً لِلزِّنَا وَإِلاَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ أَيْضاً وَيُحَدُّ
لِلْجَمَاعَةش حَدّاً لِمَنء قَامَ بِهِ (2) كَتَدَاخُلِهِ قَبْلَ
إِقَامَتِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ فَيَقِفُ عَلَى
طَلَبِهِ وَارِثُهُ، وَقِيلَ: بَلْ حَقٌّ لِلَهِ تَعَالَى.
(فصل) السكر
- إِذَا شَرِبَ مُسْلِمٌ شَيْئاً مِنْ مُسْكِرٍ وَإِنْ قَلَّ وَإِنْ لَمْ
يُسْكِرْ حُدَّ، كَالْقَذْفِ إِذَا صَحَا اعْتَرَفَ أَوْ شَهِدَ عَدْلاَنِ
بِشُرْبِهِ أَوْ اسْتَنْكَهَاهُ فَوَجَدَا رِيحَهُ فَإِنْ شَرِبَ
_________
(1) حدّ القاذف ثابت بالقرآن والسنة والاجماع والقاذف فاسق بنص القرآن قال
عياض يجب حد القاذف بعشرة شروط ستة في المقذوف وهي أن يكون عاقلاً مسلماً
حراً بالغاً حد التكليف على خلاف في هذا بريئاًمن الفاحشة التي رمي بها مع
آلتها وهو ما يمكن الزنا به.
وأربعة في القاذف وهي أن يكون عاقلاً، قد صرح بالفاحشة أو عرض بها تعريضاً
بيناً يمكن لصحة جسمه إقامة الحد عليه بالسوط اه.
ويحد الأب ابنه قال ابن الماجشون لا يجد في التعريض بابنه.
(2) سواء قذف كل واحد منهم أو قذفهم جميعاً بكلمة واحدة وهو قول مالك في
المدونة وقيل بتعداد الحد مطلقاً حكاه ابن شعبان، وقال المغيرة وابن دينار
إن اجتمعوا وقاموا به فحد واحد، وإلا تعدد. ولهذه المسألة نظائر ذكرها أبو
عمران الصنهاجي:
-1- من اشترى شياهاً مصراة فعليه صاع واحد كشاة واحدة وقيل يتعدد الصاع.
-2-من قال أنا أنحر ولدي وله أولاد. فعليه هدي واحد وقيل يتعدد.
-3-من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان ثان وثالث فعليه كفارة واحدة.
-4- من كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة.
-5- من كرر اليمين بالله في شيءواحد فعليه كفارة واحدة.
-6-من كرر الطيب في الحج فعليه فدية واحدة.
-7- إذا ولغ كلب في إناء ثم ولغ فيه كلاب فسبع تجزى عن جميعها.
-8-من حلف بصدقة ماله ثم حنث فيلزمه ماله وقيل ثلث ثم ثلث ما بقي.
(1/115)
وَقَذَفَ تَدَاخَلَ مَا لَمْ يُحَدَّ
لأَحَدِهِمَا.
(فصل) السرقة
- يُقْطَعُ الْمُكَلَّفُ لإِخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزٍ مَمْنُوعٍ عَنْهُ رُبْعَ
دِينَارٍ، أَوْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضاً يُسَاوِي أَحَدَهُمَا
لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَيُرَدُّ لِقِيَامِهِ وَيَضْمَنُهُ لِفَوَاتِهِ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَدِيماً فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَتُحْسَمُ
وَالشَّلاَّءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الأَصَابِعِ كَالْمَعْدُومَةِ. ثُمَّ إِنْ
تَكَرَّرَقُطِعَ مِنْ خِلاَفٍ، فَإِنْ عَاوَدَ ضُرِبَ وَحُبِسَ، وَلاَ
يَسْقُطُ بِتَمَلُّكِهِ إِيَّاهُ، وَالأَقَارِبُ كَالأَجَانِبِ إِلاَّ
الأَبَوَانِ فِي مَالِ الْوَلَدِ بِخِلاَفِ عَكْسِهِ وَالضَّيْفِ وَكُلٌّ
مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا حُرِزَ عَنْهُ وَعَبْدُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي
مَالِ الآخَرِ، وَالْجَمَاعَةُ الْمُتَعَاوِنُونَ كَالْوَاحِدِ خَرَجَ
بِهَا أَوْ رَمَاهَا إِلَى خَارِجِهِ، ثُمَّ خَرَجَ أَوْ رَبَطَهَا عَلَى
دَابَّةٍ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَى مَاءٍ فَجَرَى بِهَا أَوِ ابْتَلَعَ مَا
لاَ يَهْلِك وَإِنْ أُخِذَ فِي الْحِرْزِ بِخِلاَفِ أَكْلِهِ الطَّعَامَ
فَإِنَّهُ يَغْرَمَهُ فَقَطْ، فَلَوْ تَنَاوَلَهَا الْخَارِجُ وَسْطَ
الثَّقْبِ قُطِعَا، وَلَوْ قَرَّبَهَا الدَّاخِلُ وَأَخْرَجَهَا الْخَارِجُ
قُطِعَ وَحْدَهُ، وَالسَّاحَةُ الْمُخْتَصَّةُ حِرْزٌ بِخِلاَفِ
الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالإِخْرَاجِ إِلَيْهَا وَفِنَاءُ
الْحَانُوتِ وَالْفُسْطَاطُ وَطُهْرُ الدَّابَّةِ وَالْقِطَارُ وَمَوْقِفُ
الدَّابَّةِ بِبَابِ دَارِهِ حِرْزٌ كَالْقَبْرِ لِلْكَفَنِ وَالْمَسْجِدِ
لِفِرَاشِهِ وَآلَتِه وَبَابِهِ وِالْحَمَّامِ، وَالصَّبِيِّ لِمَا
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مَعَهُ حَافِظٌ وَالرَّجُلِ لِمَا فِي جَيْبِهِ
(1/116)
أَوْ كُمِّهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَالْقَطْعُ
فِي كُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ حَتَّى الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ الأَعْجَمِي لاَ الْفَصِيحِ وِالْكَثْرِ وَالثَّمَرِ
الْمُعَلَّقِ وَلاَ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ في حَدٍّ وَلاَ لِلْحَاكِمِ أَنْ
يَعْفُوَ (1) .
(فصل) الشبهات
- وَتَسْقُطُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ (2) وَمَا لَيْسَ فِيهِ حدٌّ مِنَ
الْمَعَاصِي فَفِيْهِ التَّعْزِيزُ بِالإِجْتِهَادِ وَاللُّهُ أَعْلَمُ.
كتاب الأَقضية وما يتعلق بها
- الْقَضَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِلاَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ فَلاَ يَجُوزُ
الاْمْتِنَاعُ ويُشْتَرطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِماً ذَكَراً مُكَلَّفاً
سَمِيعاً بَصِيراً كَاتِباً فَطِناً مُتَيَقِّظاً وَرِعاً عَدْلاً
مُجْتَهِداً (3) فَإِنْ عُدِمَ جَازَ الْمُقَلِّدُ، وَلْيَكُنْ شَدِيداً
فِي دِينِهِ، ذَا أَنَاةٍ فِي حُكْمِهِ يَسْتَشِيرُ العُلَمَاءَ
يَسْتَبْطِنُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالأَمَانَةِ مَنْ يَعْرِفُ أَحْوَالَ
الشُّهُودِ وَالْخُصُومِ وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِ
النَّاسِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إِلاَّ فِي الْعَدْلِ وَالْجَرْحِ،
وَهُوَ فِيمَا عَدَاهُمَا شَاهِدٌ. وَإِذَا نَسِيَ حُكْماً فَقَامَتْ
بَيِّنَهٌ بِهِ أَوْ وَجَدَهُ فِي قِمَطْرِةِ بِخَطِّهِ أَنْفَذَهُ،
وَلْيَجْلِسْ بِمَوْضِعٍ يَجْلِسُ إِلَيْهِ الدَّنِي وَالشَّرِيفُ
وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالْحَائِضُ، وَلاَ يَحْكُم حَتْى يَسْمَعَ
تَمَامَ (4) الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَيَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
هَلْ لَكَ مَدْفَعٌ،
_________
(1) لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال
لأسامة حين شفع في المخزومية التي سرقت "أتشفع في حد من حدود الله" ثم قام
فخطب فقال: "يا أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" الحديث متفق عليه،
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال: "تعافوا
الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" رواه أبو داود والنسائي باسناد
يعد في أعلى درجات الحسن وأقل درجات الصحيح.
(2) لقول عمر رضي الله عنه: لأن أخطئ في الحدود في الشبهات أحب إلي من أن
أقيها بالشبهات رواه ابن حزم في الايصال بإسناد صحيح وروى الثوري عن عاصم
عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إدرأوا الحدود بالشبهات ادفعوا
القتل عن المسلمين ما استطكعتم.
ولم يصح في هذا شيء عن النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم بل كل ما ورد فيه
ضعيف ساقط كما في كتاب الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للبيضاوي في الأصول.
(3) هذا ما مشى عليه صاحب المختصر أيضاً لكن المتأخرين رجحوا الامتفاء
بالمقلد ابتداء لقولهم بانقطاع الاجتهاد. وهو خطأ نشأعن عدم تحرير معنى
الاجتهاد وبيان ذلك أن المجتهد نوعان:
أ- مجتهد مستقل وهو الذي استقل بتقعيد القواعد زتأصيل الأصول كالأئمة
الأربعة وشيوخهم إلى عهد الصحابة والتابعين فإن منهم من جعل المرسل حجة
ومنهم من اعتبر عمل أهل المدينة ومنهم من اشترط في خبر الواحد شروطاً ككونه
غير مخالف للقياس أو كون راويه فقيهاً ومنهم من تمسك بشرع من قبلنا إلى غير
ذلك وهذا النوع من الاحتهاد قد انقطع ولا يمكن أن يوجد لأن القواعد والأصول
قد مهدت وفرغ منها (ب) مجتهد مطلق وهو الذي يتبع الدليل حيث وجد ويختار من
تلك القواعد والأصول ما يراه موافقاً للغة أو الشرع غير مقيد بمذهب معين
فتارة يوافق أحد الأئمة الأربعة وتارة يافق بعض شيوخهم أو بعض الصحابة.
وهذا النوع غير منقطع وهو المشترط في القاضي فانفرض انقطاعه كفى حينئذ أمثل
مقلد كمجتهد المذهب فمن دونه.
(4) لحديث علي عليه السلام أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال: "يا
علي إذا جلس الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول
فانك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء" رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان.
(1/117)
لاَ فِي حَالَةٍ يَذْهَلُ فِيهَا
كَالْغَضَبِ، وَلَهُ الاْسْتِعَانَةُ بِمَنْ يُخَفِّفُ عَنْهُ النَّظَرَ
فِي الأَحْبَاسِ وَالْوَصَايَا وَأَمْوَالِ الأَيْتَامِ، وَيُسَوِّي بَيْنَ
الْخُصُومِ وَيُقَدَّمُ الأَسْبَقَ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَبِالْقُرْعَةِ،
فَأِن تَعَدَّى أَحَدُهُمَا، أَوْ قَالَ مَا يُكْرَهُ فَالأَدَبُ أَمْثَلُ
مِنَ الْعَفْوِ، وَلاَ يَغْضَبُ لِقَوْلِهِ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنْ لَمْ
يَعْرِفْ لُغَتَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُتَرْجَمُ لَهُ عَدْلاَنِ،
وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَوَازِ إِجْزَاءَ الْوَاحِدِ وَلاَ يَحْلِفُ
حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أنْ يَكُونَا غَرِيبَيْنِ
وَلَيْسَ لَهُ وَلاَ لِغَيْرِهِ نَقْصُ حُكْمٍ إِلاَّ أَنْ يُخَالِفَ
قَاطِعاً أَوْ يَكُونَ جَوْراً وَلاَ يَحْكُمُ وَعِنْدَهُ شَكٌّ أَوْ
تَرَدُّدٌ، وَاتَّفَقَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْفُسُوخِ
وَنَقْلَ الأَمْلاَكِ حُكْمٌ فَلَوْ رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ كَنِكَاحٍ عُقِدَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مَثَلاً فَأَقَرَّهُ، قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ هُوَ كَالْحُكْمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ لَيْسَ
بِحُكْمٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلاَّ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ لاَ
أَجْيزُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ فَسْخٍ، فَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلاَ يَنْعَزِلُ
بِمَوْتِ الْوَلِيِّ بِخِلاَفِ الْقَاضِي يَسْتَنِيبُ، فَإِنَّهُ
يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ وَطُرُوِّ فِسْقِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ
لاَ يَنْعَزِلُ بَلْ يَجِبُ عَزْلُهُ، وَإِذَ اشْتَكَاهُ النَّاسُ نَظَرَ
الْوَالِي فَإِنْ كَانَ صَالِحاً ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ أَقَرَّهُ، وَإِلاَّ
عَزَلَهُ إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ غَيْرَهُ، وَحُكْمُهُ لاَ يُغَيِّرُ
الْبَاطِلَ وَلاَ يُحِلُّ حَرَاماً
(1/118)
وَلا يُحَرِّمُ حَلاَلاً، وَيَجُوزُ
التَّحْكِيمُ وَيَلْزَمُ مَا حُكِمَ، وَإِنْ خَالَفَ قَاضِي الْبَلَدِ.
(فصل) الغائب
- مَنْ أَثْبتَ حَقّاً علَى غَائِبٍ حُكِمَ لَهُ بعْدَ إِحْلاَفِهِ علَى
عدمِ الْقَضَاءِ لَهُ والإِحالَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ لَهُ مالٌ حُكِيم
بِاسْتِيفَاءِ حقِّهِ مِنْهُ، وَإِلاَّ انْتَهى الْحَاكِمُ إِلَى موْضِعِ
خَصْمِهِ بِكِتَابٍ مخْتُومٍ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْحقِّ الْمحْكُومِ بِهِ
يشْهدُ عدْلاَنِ أَنَّهُ كَتَبهُ وخَتَمهُ ومضْمُونُهُ ثَابِتٌ عِنْدهُ،
ويُحلَّى فِيهِ الْمحْكُوم علَيْهِ بِما يُميِّزُهُ عنْ غَيْرِهِ فَإِنْ
الْتَبسَ عنِ الْمنْقُولِ إِلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ حتَّى يثْبُت أَنَّهُ
الْمُراُد، وَيَشْهدُ عَدْلاَنِ عِنْدهُ بِذَلِكَ كَانَ الْمكْتُوب
إِلَيْهِ أَوْ غَيْرهُ.
(فصل) الشهادة
- تَحَمُّلُ الشَّهادةِ (1) فَرْضُ كِفَايةٍ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ فَواتُ
الْحقِّ فَيتَعيَّنُ وشَرْطُهُ الإِسْلاَمُ والْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ
والْعدالَةُ ومعْرِفَةُ تَحَمُّلِها وَأَدائِها وتَيقُّظُهُ وحِفْظُ
مُرُوءَتِهِ وائْتِمانُهُ فِي غَضَبِهِ لاَ يُتَّهمُ بِمحبَّةِ الْمشْهُودِ
لَهُ أَوْ عداوةِ الْمشْهُودِ علَيْهِ والأَقَارِبُ كَالأَجانِبِ فِي
الْقَبُولِ إِلاَّ الْوالِدَ وإِنْ علاَ والْولَد وإِنْ نَزَلَ وكُلاًّ
مِنَ الزَّوْجيْنِ لِلآَخَرِ، وَالسَّيِّدَ لأَرِقَّائِهِ، وصَاحِبَ ديْنٍ
لِمِدْيانِهِ الْمُفْلِسِ ووصِيّاً لِيتِيمِهِ، والسؤالَ ومَن فِي عِيالِهِ
أَوْ يدْفَعُ معرَّةً عنْ نَفْسِهِ أَوْ نَسبِهِ، وبدوِيّاً لِقَروِيٍّ
_________
(1) اختلف في الفرق بين الشهادة والرواية وسائر الأخبار والصحيح في ذلك ما
حققه العلامة ابن الشاط في حواشيه على الفروق حيث قال: الخبر إما أن يقصد
به ترتب فصل قضاء وإبرام حكم: وهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد
به تعريف حكم شرعي بدليله وهو الرواية.
وإن لم يقصد به ذلك فهو سائر الأخبار اه. وتبعه البناني في حاشية الزرقاني.
(1/119)
إَلاَّ فِي قَتْلٍ وَجِراحٍ، وولَدِ
الزِّنَا فِيهِ، وَقَاذِفاً بعْد حدِّهِ، وشَاهِد زُورٍ إِلاَّ أَنْ يتُوبا
ويَظْهَر صلاَحُهُما، وكُلُّ مَنْ مُنِع لَهُ يُقْبلُ علَيْهِ وبِالْعكْسِ
ومنْ رُدَّ فِي شَهادتِهِ لِنَقْصِهِ يُقْبلُ بعْد كَمالِهِ فِي غَيْرِهِ
فَإِنْ تَضَمَّنَتْ حقّاً لَهُ أَوْ لِمنْ يتَّهمُ علَيْهِ وأَجْنَبِيٍّ
رُدَّتْ، وقِيلَ بلْ يُقْبلُ لِلأَجْنَبِيِّ كَوصِيَّةٍ لَهُ بعْضُها
إِلاَّ أَنْ يُتَّهم علَى مِثْلِهِ، ويُقْبلُ مِنَ الأَعْمى فِيما لاَ
يشْتَبِهُ علَيْهِ مِنَ الأَقْوالِ والأَصمِّ في الْمنْظُوراتِ، والأَخْرسِ
الْمفْهُومِ الإِشَارةِ والسَّماعِ فِي النَّسبِ والْولاَءِ والأَحْباسِ،
والْموْتِ، وفِي النِّكَاحِ خِلاَفٌ والصِّبْيانِ فِي الْجِراحِ بعْضُهُمْ
علَى بعْضٍ بِشَرْطِ إِسْلاَمِهِمْ وحُرِّيَّتِهِمْ وذُكُورِيَّتِهِمْ
وعدمِ تَفَرُّقِهِمْ والْبالِغِ بيْنَهُمْ وتَضَمُّنِ الْجِنَايِة علَيْهِ
وامْرأَتَيْنِ مع رجُلٍ فِي الْمالِ أَوْ فِي ما يُؤَدِّي إِلَيْهِ
كَالْوكَالَةِ، وفي الصُّلْحِ خِلاَفٌ ورجُلٍ أَوِ امْرأَتَيْنِ مع يمِينٍ
أَوِ الْمُدَّعى أَوْ نُكُولِ الْمُدَّعى علَيْهِ بعْد ردِّها علَى
الْمُدَّعِي وتَنْفَرِدانِ فِيما لاَ يطَّلِعُ علَيْهِ الرِّجالُ مِنَ
الْوِلاَدةِ وعيْبِ الْفَرْجِ وافْتِضَاضٍ ونَحْوِهِ لاَ واحِدةٍ ومنْ لاَ
يعْرِفُ نَسبهُ فَلْيُشْهِدْ علَى عيْنِهِ، والْمذْهبُ جوازُ الشَّهادةِ
علَى حقِّ الْمُقِرِّ الْميِّتِ أَوِ الْغَائِبِ غَيْبةً بعِيدةً بِشَرْطِ
عَدَمِ الإِشْتِباهِ، والأَحْوطُ انْضِمامُ يمِينِ الْمُدَّعِي إِلَيْها،
والأَداءُ فَرْضُ عيْنٍ إِلاَّ أَنْ يَثْبُت
(1/120)
الْحَقُّ بِغَيْرِهِ وَلاَ يجُوزُ
اسْتِنَادُهُ إِلَى خَطِّهِ غَيْر ذَاكِرِ الشَّهادةِ وتَجُوزُ علَى
الشَّهادةِ يشْهدُ عدْلاَنِ علَى كُلٍّ مِنَ الأَصْلَيْنِ إِذَا أَشْهدهُما
علَيْهِ لاَ بِسماعِهِما يشْهدُ أَوْ إِقْرارِهِ بِخِلاَفِ شَاهِدِ
الأَصْلِ يسْمعُ من يُقِرُّ بِحقٍّ وإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ علَيْهِ
فَإِنَّهُ يشْهدُ إِذَا سُئِل، وعلَيْهِ إِعْلاَمُهُ إِنْ جهِلَهُ لاَ
واحِدٌ علَى كُلِّ واحِدٍ، وفِي الزِّنَا أَرْبعةٌ علَى كُلٍّ مِنَ
الأَرْبعةِ، ولاَ حُكْم لِفَرعٍ مع وجُودِ الأَصْلِ، ويكْتَفِي القَاضِي
بِعِلْمِه بِعدالَةٍ أَوْ فِسْقٍ، ومنْ جهِلَهُ عدَّلَهُ عِنْدهُ يُشْهدُ
عَدْلاَنِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى لاَ يَكْفِي أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ، وَفِي
تَعَارُضِهمَا تُقَدَّمُ الْجَارِحَةُ، وَقِيلَ أَعْدَلهُمَا وَرُجُوعُ
الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ يَمْنَعُهُ وَبَعْدَهُ يَغْرَمَانِ مَا
أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ كَذِباً أَوْ غَلَطاً، وَقِيلَ
يَلْزَمُ بِالْكَذِبِ الْقَوَدُ، وَبِالْعِتْقِ الْقِيمَةُ، وَبِالنِّكَاحِ
وَالطَّلاَقِ، وَهُوَ مُنْكِرُ النِّكَاحِ مَا لَزِمَ مِنَ الصَّدَاقِ،
وَيُغَرَّمُ الْقَاضِي بِتَبَيُّنِ كُفْرِ الْبَيِّنَةِ وَرِقِّهَا لاَ
فِسْقِهَا.
(فصل) الخصومات
- إِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ بِشَيْءٍ وَلاَ بَيِّنَةً أَوْ تَسَاوَتْ
بَيِّنَتُهُمَا حَلَفَا وَاقْتَسَمَا وَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا
حُكِمَ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الآخَرُ وَانْتَزَعَهُ كَانْفِرَادِهِ
بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتِ الدَعَاوَى كَكُلٍّ وَنِصْفٍ وَثُلُثٍ
فَمَذْهَبُ مَالِك رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى الْعَوْلِ مِنْ
أَحَدَ عَشَرَ
(1/121)
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ سِتَّةٍ
وَثَلاَثِينَ، وَلَوْ أَضَافَ كُلُّ الْبَاقِي إِلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ
بَيْنَهُمْ لِلأَجْنَبِيِّ وَمَنِ ادَّعَى صِحَّةَ عَقْدٍ سَمِعَ وَلَمْ
يَلْزَمْهُ بَيَانُ شُرُوطِهَا، وَفِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ الْجِهَازَ
لِكُلِّ مَايَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ مَعَ يَمِينِهِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا
قِيلَ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَقِيلَ يُحْلِفَانِ وَيَقْسِمَانِهِ
وَإِنْ تَنَازَعَا الزَّوْجِيَّةَ فَلاَ يَمِينَ عَلَى الْمُنكِر. وَلاَ
تُرَدُّ فَإِنْ أَتَى الْمُدَّعِي بِشَاهِدٍ، فَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ
بَرِئَ وَإِلاَّ فَرِوَايَتَانِ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ وَيَحْبُسُه
لِيَحْلِفَ، وَمَنِ ادَّعَى دَيْناً عَلَى مَيِّتٍ فَاعْتَرَفَ أَحَدُ
إِبْنَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، حَلَفَ مَعَهُ وَانْتَزَعَ
مِنَ التَّارِكَةِ وَإِلاَّ دَفَعَ نِصْفَهُ، وَإِنِ اسْتَوْعَبَ حِصَّتَهُ
فَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ الْوَرَثَةُ
مَعَهُ وَاقْتَسَمُوا الْفَضْلَ، فَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ الْغَرِيمُ
وَأَخَذَ حَقَّهُ، فَلَوْ أَرَادُوا بَعْدَ ذلِكَ أَنْ يَحْلِفُوا
لِيَأْخُذُوا الْفَضْلَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَمْتَنِعُوا
لِعُذْرٍ أَوْ جَهِلُوا أَنَّ فِيهِ فَضْلاً، وَمَنِ ادَّعَى وَصِيَّةً
لَهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِلاَّ حَلَفَ الْوَرَثَةُ وَسَقَطَتْ،
فَإِنْ حَلَفَ الْغَرِيمُ أَوْ أَحَدُ الْمُوصَى لَهُمْ ثَبَتَ حَقُّهُ
خَاصَّةً، وَلِلنَّاكِلِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَنْ يَرَى
رَجُلاً يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا
مَا يَمْنَعُهُ انْتَزَعَهُ وَلاَ يُرْهِبُهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ
يُسْمَع، وَلاَ بَيِّنَتَةُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي
(1/122)
وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ (1) ، وَلَهُ رَدُّهَا وَافْتِدَاؤُهَا،
وَهِيَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ
مَظْلُوماً فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ، وَهِيَ بَاللهِ الَّذِي لاَ إِلهَ
إِلاَّ هُوَ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِهِ عَلَى الْبَتِّ وَعَلَى غَيْرِهِ
عَلَى الْعِلْمِ، وَتُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لاَ بِزِيَادَةِ
الأَلْفَاظِ، وَلاَ يَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَيُرْسِلُ إِلَى
ذَاتِ الْخِدْرِ مَنْ يُحْلِفُهَا وَلاَ مَنْعَ لِخَصْمِهَا، وَتَحْضُر
الْبَزْرَةُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُسْتَحْلَفُ الْخَصْمُ لِلْوَارِثِ
الصَّغِيرِ فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَمَنْ تَرَكَ
الْقِيَامَ بِبَيِّنَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ وَاسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَلاَ
قِيَامَ لَهُ بِهَا، بِخِلاَفِ الَّتِي لاَ يَعْلَمُهَا، وَأُجْرَةُ
الْكَاتِبِ عَلَى الرُّءُوسِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْحُقُوقُ وَلْيُمْلِلِ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَالَّذِي لَهُ بِرِضَاهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. |