التاج والإكليل لمختصر خليل

 [كِتَابُ الرَّجْعَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِ الرَّجْعَةِ]
ِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ الْمُرْتَجِعُ وَسَبَبُ الرَّجْعَةِ وَمَحَلُّهَا، الرُّكْنُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ (يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ

(5/401)


النِّكَاحِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا الْمَرَضُ وَالْإِحْرَامُ وَإِنْ مَنَعَا مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى إذْنِ

(5/402)


السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْأَمَةِ (طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ فِي عِدَّةِ صَحِيحٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِوَطْءٍ جَائِزٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَاقِصٍ عَنْ نِهَايَةِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ الزَّوْجُ

(5/403)


ابْتِدَاءَ إيقَاعِهِ مُجَرَّدًا عَنْ الْعِوَضِ وَعَنْ قَصْدِ الْبَيْنُونَةِ وَلَفْظٍ يَقْتَضِيهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا. (حَلَّ وَطْؤُهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ بِوَطْءٍ جَائِزٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِفَسَادِهِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ فَالتَّمَادِي جَائِزٌ (بِقَوْلٍ مَعَ نِيَّةٍ كَرَجَعْتُ وَأَمْسَكْتهَا) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّبَبُ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا.
فَالصِّيغَةُ

(5/404)


كَقَوْلِهِ رَجَعْت وَرَاجَعْت وَارْتَجَعْت وَرَدَدْتهَا إلَى النِّكَاحِ وَكُلُّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُ الِارْتِجَاعَ إذَا نَوَاهُ بِهِ أَفَادَهُ كَقَوْلِهِ أَعَدْت الْحِلَّ وَرَفَعْت التَّحْرِيمَ وَشِبْهَهُ. وَيَجْرِي مَجْرَى الصِّيغَةِ الْفِعْلُ الْمُقْتَرِنُ بِالنِّيَّةِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَشِبْهِهِ، فَإِنْ عَرِيَ عَنْ النِّيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَقِيلَ تَحْصُلُ (أَوْ نِيَّةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ، فَإِذَا نَوَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ رَاجَعَهَا وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فِي ضَمِيرِهِ فَقَدْ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ الْعَدْلُ دُونَ نِيَّةٍ لَمَا صَحَّتْ لَهُ بِذَلِكَ رَجْعَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا عَلَى مَنْ رَأَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ دُونَ نِيَّةٍ وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى (وَصُحِّحَ خِلَافُهُ أَوْ يَقُولُ وَلَوْ هَزْلًا فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي صِحَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْهَزْلِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ انْفَرَدَ الْقَوْلُ دُونَ نِيَّةٍ لَمَا صَحَّتْ لَهُ بِذَلِكَ رَجْعَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ (لَا بِقَوْلٍ مُحْتَمَلٍ بِلَا نِيَّةٍ كَأَعَدْتُ الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ قَوْلٍ يَحْتَمِلُ الِارْتِجَاعَ إذَا نَوَاهُ بِهِ أَفَادَهُ كَأَعَدْتُ الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ (وَلَا بِفِعْلٍ دُونَهَا كَوَطْءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ ثُمَّ قَبَّلَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَامَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ جَرَّدَهَا أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا أَوْ إلَى فَرْجِهَا، أَيَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَنْوِي بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ وَجَهِلَ أَنْ يُشْهِدَ فَذَلِكَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ.
ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ وَطْءِ مُبْتَاعِ الْأَمَةِ بِخِيَارٍ فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (وَلَا صَدَاقَ) بَهْرَامَ: عَنَى بِهَذَا أَنَّهُ إنْ وَطِئَ وَلَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهِ.

(5/405)


الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَحْتَاجُ الرَّجْعَةُ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ إلَى وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا رِضَا الْمُرْتَجِعَةِ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً (وَإِنْ اسْتَمَرَّ وَانْقَضَتْ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: وَطْؤُهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ.
وَأَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَتَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا غَيْرِ مُرِيدِ الرَّجْعَةِ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ ثُمَّ حَنِثَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ إنْ تَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا يُرَاجِعُهَا بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ، ثُمَّ لَا يَطَأُ إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا (وَلَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ لَهُ بِهَا خَلْوَةٌ ثُمَّ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا وَادَّعَى الْوَطْءَ وَأَكْذَبَتْهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ.
اللَّخْمِيِّ: تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِالْخَلْوَةِ وَتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْإِصَابَةِ وَلَوْ كَانَتْ خَلْوَةَ زِيَارَةٍ (وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَخَذَا بِإِقْرَارِهِمَا) أَشْهَبُ: إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الْفِرَاقِ بِوَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا خَلْوَةً لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ إذْ لَيْسَ بِبِنَاءٍ مَعْلُومٍ وَلْتَعْتَدَّ إنْ صَدَّقَتْهُ وَلَهَا عَلَيْهِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَلَا شَيْءَ مِنْ الثَّلَاثَةِ (كَدَعْوَاهُ لَهَا بَعْدَهَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ صُدِّقَ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ. (إنْ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ عَلَى الْأَصْوَبِ وَلِلْمُصَدَّقَةِ النَّفَقَةُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ إنْ صَدَّقَتْهُ فَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ (وَلَا تَطْلُقُ لِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبْعِ دِينَارٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَسَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ كَذَبَتْهُ إلَّا أَنْ

(5/406)


يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْعِدَّةِ أَصَبْتهَا أَوْ قَبَّلْتهَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ مَعَهَا فِي بَيْتِهِ.
عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَنَا مُسْتَحَبٌّ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَوَاءٌ مَسَّ أَوْ لَمْ يَمَسَّ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى الرَّجْعَةَ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ وَاعْتَرَفَتْ هِيَ لَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ لِاعْتِرَافِهَا أَنَّ عِصْمَةَ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهَا وَيُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَيَخْتَلِفُ إذَا قَامَتْ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا مَقَالَ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا وَالْأَحْكَامُ مَنَعَتْهُ.
وَإِنْ أَحَبَّ الزَّوْجُ أَنْ يُعْطِيَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَيُحْضِرَ الْوَلِيَّ جَازَ وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا إنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَلَا بِهَا وَأُمْكِنَ مِنْهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا غَيْرَ دُخُولِ الْبِنَاءِ وَادَّعَى الْوَطْءَ وَأَكْذَبَتْهُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ (وَفِي إبْطَالِهَا إنْ لَمْ تُنَجَّزْ كَغَدٍ أَوْ الْآنَ فَقَطْ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: إنْ قَالَ لَهَا إذَا كَانَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك لَمْ تَكُنْ هَذِهِ رَجْعَةً اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ ابْنُ يُونُسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَوْلُهُ فِي هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَرَى الرَّجْعَةَ إلَى أَجَلٍ كَالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ وَأَنَّ الرَّجْعَةَ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْفِعْلِ، وَقَدْ قَدَّمَ هَذَا النِّيَّةَ الْيَوْمَ لِمَا يَنْعَقِدُ غَدًا.
وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ غَدٌ رَاجَعْتُك لَا

(5/407)


تَكُونُ رَجْعَةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَكُونُ رَجْعَةً الْآنَ بَلْ فِي غَدٍ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَنْجِيزُهُ وَتَعْلِيقُهُ (وَلَا إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَرَادَ سَفَرًا فَخَافَ أَنْ تُحَنِّثَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَأَشْهَدَ إنْ دَخَلَتْ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا فَلَيْسَ بِمُرْتَجِعٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ (كَاخْتِيَارِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا بِتَقْرِيرِ عِتْقِهَا بِخِلَافِ ذَاتِ الشَّرْطِ تَقُولُ إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْته) فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ: كُتِبَ لِابْنِ فَرُّوخَ بِلَغْوِ قَوْلِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدٍ إنْ عَتَقَتْ تَحْتَهُ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ قَالَتْ اخْتَرْته، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لِأَجَلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَخِلَافُ عَمَلِ الْمَاضِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ شَرَطَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي لَزِمَ قَوْلُهَا، فَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ مُعْرِضًا بِقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ، فَهَجَرَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَامًا كَامِلًا. ابْنُ رُشْدٍ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكًا مَا فَرَّقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ خِيَارٍ وَجَبَ بِالشَّرْعِ بِشَرْطٍ وَخِيَارٍ جَعَلَهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ بِشَرْطٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا التَّفْرِيقِ نَظَرٌ، وَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ سُؤَالَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَى أَمْرٍ جَلِيٍّ وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ تَصَرُّفِهِ وَمَبِيتِهِ فِيهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: لَمْ يُصَدَّقْ وَسَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ كَذَّبَتْهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَ أَصَبْتهَا أَوْ بَاتَ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا (أَوْ قَالَتْ حِضْت ثَالِثَةً فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَوْلِهَا قَبْلَهُ بِمَا يُكَذِّبُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ قَدْ قُلْت بِالْأَمْسِ أَوْ قَبْلَهُ إنَّك لَمْ تَحِيضِي شَيْئًا فَصَدَّقَتْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا الثَّانِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ إنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ يَوْمِ الْقَوْلِ مَا تَحِيضُ فِيهِ ثَلَاثَ حِيَضٍ (أَوْ أَشْهَدَ بِرَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَانَتْ انْقَضَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ انْقَضَتْ عِدَّتِي

(5/408)


قَبْلَ رَجْعَتِهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَثَبَتَتْ رَجْعَتُهُ (أَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةٍ رُدَّتْ بِرَجْعَتِهِ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَى الثَّانِي) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ فَتَزَوَّجَتْ فَاسْتَمَرَّتْ حَامِلًا أَوْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلْتَرُدَّ إلَى الْأَوَّلِ وَتَكُونُ رَجْعَةً وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهَا، أَوْ أَنَّهَا حَاضَتْ مَعَ الْحَمْلِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَ ذَاتَ زَوْجٍ (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا حَتَّى انْقَضَتْ وَتَزَوَّجَتْ أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا فَكَالْوَلِيَّيْنِ) لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ حُكْمَ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ ثُمَّ يَقْدُمُ قَالَ: فَاسْلُكْ بِاَلَّتِي تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَعْلَمُ بِالرَّجْعَةِ حَتَّى تَعْتَدَّ وَتَنْكِحَ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِهَا.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي سَفَرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا قَبْلَ عِلْمِهِ بِرَجْعَتِهَا ثُمَّ قَدِمَ الزَّوْجُ فَلَا رَجْعَةَ إذَا وَطِئَ السَّيِّدُ لَهَا بِالْمِلْكِ كَوَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ (وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ إلَّا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْأَكْلِ مَعَهَا) .

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ]
ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ وَهِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ لَكِنْ لَا حَدَّ فِي وَطْئِهَا أَوْ تَصِحُّ مُخَالَطَتُهَا، وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَالطَّلَاقُ، وَلَا خَفَاءَ بِجَرَيَانِ التَّوَارُثِ وَلُزُومِ النَّفَقَةِ. وَلَوْ قَالَ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ انْدَرَجَتْ تَحْتَهُ وَفِي عِدَّتِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لَا يَعْتَدُّ مِنْهَا بِنَظْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَأْكُلُ مَعَهَا وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا يَخْلُو مَعَهَا. وَكَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَيَأْكُلَ مَعَهَا إذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يَتَحَفَّظُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ مَنْعُ التَّلَذُّذِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ وَالْوَضْعِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ وَسُئِلَ النِّسَاءُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَدَّةُ إنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِوَضْعٍ أَوْ سِقْطٍ صُدِّقَتْ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ أَسْقَطْت فَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهَا وَالشَّأْنُ تَصْدِيقُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ بَعُدَ يَوْمٌ مِنْ طَلَاقِهَا أَوْ أَقَلَّ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْجِيرَانِ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُونَاتٌ عَلَى فُرُوجِهِنَّ. وَإِنْ أَلْقَتْ دَمًا أَوْ مُضْغَةً أَوْ شَيْئًا يَسْتَيْقِنُ النِّسَاءُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَنْقَضِي كَمَا تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ مَا لَا يَتَفَرَّقُ بِجَعْلِهِ فِي مَاءٍ سُخْنٍ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ حَسَنٌ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ فِي غَالِبِ النِّسَاءِ صُدِّقَتْ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا تُصَدَّقُ فِي شَهْرٍ وَنِصْفٍ. سَحْنُونَ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ تَحْلِفَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] أَيْ فِي الدِّينِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَبَاحَ اللَّهُ الْمُخَالَطَةَ إذَا قَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَالرِّفْقَ بِالْيَتِيمِ فَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ فِي تَجَنُّبِ الْيَتِيمِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ. وَلَمَّا تَكَلَّمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ.

(5/409)


عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَرَكَ مَالِكٌ أَصْلَهُ فِي التُّهْمَةِ وَالذَّرَائِعِ وَجُوِّزَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ الشِّرَاءُ؟ قُلْنَا: هَاهُنَا أَذِنَ اللَّهُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَطَةِ وَوَكَلَ الْحَاضِنِينَ إلَى أَمَانَاتِهِمْ بِقَوْلِهِ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَكُلُّ أَمْرٍ مَخُوفٍ وَكَلَ اللَّهُ فِيهِ الْمُكَلَّفَ إلَى أَمَانَتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَتَذَرَّعُ إلَى أَمْرٍ مَحْظُورٍ بِهِ فَيُمْنَعُ بِهِ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٍ عَلَى فُرُوجِهِنَّ مَعَ عَظِيمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِهِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْأَنْسَابِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْذِبْنَ، وَهَذَا فَنٌّ بَدِيعٌ فَتَأَمَّلُوهُ وَاِتَّخِذُوهُ سُتُورًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَمِّرُوهُ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ فِي مُتَّهِمَةٍ زَوْجَهَا فَقِيهَ الْقَرْيَةِ قَالَ: النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَالتُّهْمَةُ دَنِيَّةٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَقِفَ لَهَا غَيْرُ الْقَاضِي، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَتُصَدَّقُ. وَإِنَّمَا الَّتِي لَا تُصَدَّقُ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا لِلتُّهْمَةِ الْأَمَةُ. نَقَلْته بِالْمَعْنَى. الْبُرْزُلِيُّ: وَلِابْنِ عَاتٍ مُؤَلِّفُ الْغُرَرِ وَهُوَ ابْنُ صَاحِبِ الطِّرَازِ: إذَا مَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الشُّعَرَاءِ مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ ثُمَّ تُسَاقُ لَمْ يَسَعْ الْإِمَامَ أَنْ يَكْشِفَهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ هَلْ زَنَتْ أَوْ خَرَجَتْ مِنْ طَوْعٍ مِنْهَا أَوْ كُرْهٍ وَيُؤَدِّبُهَا الْإِمَامُ وَلَا يَكْشِفُهَا عَنْ شَيْءٍ.
الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: لِأَنَّ قَصْدَ الشَّرِيعَةِ السِّتْرُ فِي هَذَا كَقَوْلِهِ «هَلَّا سَتَرْته بِرِدَائِك» وَكَقَوْلِهِ «لَعَلَّك قَبَّلْت لَعَلَّك لَمَسْت» (وَلَا يُفِيدُهَا تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَالَ لَهَا: قَدْ قُلْت بِالْأَمْسِ إنَّك لَمْ تَحِيضِي فَصَدَّقَتْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا الثَّانِي (وَلَا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُفِيدُ تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا وَلَا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَبِلَ نَقْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ رَأَيْت أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَذْهَبُ كُلُّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَادَ، وَإِنَّمَا يُلْغَى قَوْلُهَا إذَا قَالَتْ دَخَلْت فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ " (وَلَا رُؤْيَةُ النِّسَاءِ لَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ دَخَلْت فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَتْ مَكَانَهَا إنَّهَا كَاذِبَةٌ وَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَوَجَدْتهَا غَيْرَ حَائِضٍ، لَمْ يُنْظَرْ إلَى نَظَرِ النِّسَاءِ وَبَانَتْ حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي مِقْدَارِ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ (وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ كَسَنَةٍ فَقَالَتْ لَمْ أَحِضْ إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُرْضِعٍ وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ إلَّا إنْ كَانَتْ تُظْهِرُهُ) سَمِعَ عِيسَى جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا فَتَدَّعِي أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْلُبُ إرْثَهَا إنْ كَانَتْ لَا تُرْضِعُ، فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ، وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ إلَّا إنْ كَانَتْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَاَلَّتِي تُرْضِعُ مُصَدِّقَةٌ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا وَبَعْدَ فِطَامِهِ سَنَةً.
ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي الَّتِي لَا تُرْضِعُ: إنَّهَا مُصَدَّقَةٌ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ، مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ إنْ لَمْ تَحِضْ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَةٍ مَعَ يَمِينِهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَا تُصَدَّقُ إنْ نَقَضَتْ السُّنَّةَ فَطَلَبَتْ الْمِيرَاثَ وَزَعَمَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ لِأَنَّ بِهَا حِسًّا تَجِدُهُ فِي بَطْنِهَا حَتَّى يَرَاهَا النِّسَاءُ وَيُصَدِّقْنَهَا فِيمَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ذَكَرَتْ ارْتِفَاعَ حَيْضِهَا فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا أَوْ لَمْ تَذْكُرْهُ خِلَافُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا إرْثَ لَهَا وَلَا تُصَدَّقُ

(5/410)


إلَّا أَنْ تَذْكُرَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ الْمُرْضِعِ مِنْ بَعْدِ الْفِطَامِ كَاَلَّتِي لَا تُرْضِعُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ إذْ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ مَعَ الرَّضَاعِ لَيْسَ بِرِيبَةٍ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قَالَ: فَحَصَلَ أَنَّهُ مَوْضِعٌ يُقْبَلُ قَوْلُهَا دُونَ يَمِينٍ وَمَوْضِعٌ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ. اُنْظُرْهُ فَفِيهِ طُولٌ (وَحَلَفَتْ فِي كَالسِّتَّةِ لَا كَالْأَرْبَعَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَدَّقَ مَعَ يَمِينِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَبْعَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ الْحَيْضَ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَدَّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ (وَعَشْرٍ) لَا مَعْنَى لِهَذَا (وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ وَأَصَابَتْ مَنْ مَنَعَتْ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَلْيُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهِ وَعَلَى رَجْعَتِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا وَقَدْ ارْتَجَعَ حَتَّى يَشْهَدَ قَدْ أَصَابَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْهَادِ (وَشَهَادَةُ السَّيِّدِ كَالْعَدَمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ السَّيِّدِ بِرَجْعَةِ أَمَتِهِ لَغْوٌ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ.

[فَصْلٌ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ فِي الْمُتْعَةِ]
ابْنُ شَاسٍ الْفَصْلُ الْخَامِسُ مِنْ فُصُولِ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَمَشْرُوعِيَّتُهَا لِجَبْرِ قَلْبِ الْمَرْأَةِ مِنْ فَجِيعَةِ الطَّلَاقِ (وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُتْعَةُ مَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِإِعْطَائِهِ الزَّوْجَةَ لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا. الْمَعْرُوفُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا يُقْضَى بِهَا. ابْنُ شَاسٍ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ (بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ) ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ: إنْ لَمْ يُمَتِّعْهَا حَتَّى ارْتَجَعَهَا سَقَطَتْ قَالَ: فَضْلٌ وَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ (أَوْ وَرَثَتَهَا) ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَجِبُ لِوَرَثَتِهَا إنْ مَاتَتْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ (لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ،

(5/411)


وَعِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ هِيَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي عِصْمَةٍ لِأَيَّامٍ فِيهَا وَلَا خِيَارَ عَلَى الزَّوْجِ (لَا فَسْخَ كَلِعَانٍ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَمْرٍ اخْتَلَعَتْ أَوْ فُرِضَ لَهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمُخْتَارَةً لِعِتْقِهَا أَوْ لِعَيْبِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " لَا مَنْ اخْتَلَعَتْ ".
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا مُتْعَةَ لِمُخْتَلِعَةٍ وَلَا مُصَالَحَةَ وَلَا مُلَاعَنَةَ وَلَا مُطَلَّقَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا وَلَا مَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِعِتْقِهَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَا مَنْ قَامَتْ لِعَيْبٍ وَلَا مِنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَلَوْ لِعَارِضٍ حَدَثَ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يُمَتِّعْهَا لِبَقَائِهَا مَعَهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَهَا مَتَّعَهَا (أَوْ مُخَيَّرَةً أَوْ مُمَلَّكَةً) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لِلْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ الْمُتْعَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَلَعَلَّهَا تَحْتَشِمُ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ قَدْ عَرَّضَهَا لِلْفِرَاقِ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ لِذَلِكَ مُرِيدَةٌ لِلْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا. ابْنُ شَاسٍ.