التاج
والإكليل لمختصر خليل [كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ
وَمَجَامِعِ الْخُصُومَاتِ]
[أَرْكَانُ الدَّعْوَى]
[تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ]
. قَالَ: وَهِيَ تَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَرْكَانٍ: الدَّعْوَى
(8/252)
وَالْجَوَابُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ
وَالْبَيِّنَةُ (وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ)
ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْبَيِّنَةُ.
قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْتُ شُرُوطَهَا وَصِفَاتِهَا فِي الشَّهَادَاتِ،
وَالْمَقْصِدُ هَاهُنَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَمَهْمَا
أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: تَتَقَرَّرُ صُوَرُ الْجَمْعِ مِثْلُ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ
لِرَجُلٍ أَسْلَمْتُ إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً
وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ لِثَوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي
مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، لَزِمَهُ
أَخْذُ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ (وَإِلَّا رَجَحَ
بِسَبَبِ مِلْكِهِ كَنَسْجٍ وَنِتَاجٍ إلَّا بِمِلْكٍ مِنْ الْمُقَاسِمِ)
اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي دَابَّةٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَلَيْسَتْ
بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ
عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ
الْمُقَاسِمِ، فَهِيَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَاسِمِ بِخِلَافِ مَنْ
اشْتَرَاهَا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ تُسْرَقُ وَتُغْصَبُ
وَلَا تُحَازُ عَلَى النَّاتِجِ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ، وَأَمْرُ
الْمَغْنَمِ قَدْ اسْتَوْقَنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِحِيَازَةِ
الْمُشْرِكِينَ.
وَلَوْ وُجِدَتْ فِي يَدِ مَنْ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ هَذَا
بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغَانِمِ أَخَذَهَا مِنْهُ
أَيْضًا، وَكَانَ أَوْلَى بِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ
مَا اشْتَرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذَهَا.
قَالَهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ
هَذِهِ السِّلْعَةَ مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ
اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ كَانَتْ لِذِي الْمِلْكِ. اللَّخْمِيِّ:
وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ. وَمِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَنَّ أَمَةً لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَتَى
أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا خَرَجَتْ
عَنْ مِلْكِهِ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ
وَلَدَتْ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ
بِشَيْءٍ، قُضِيَ بِهَا لِصَاحِبِ الْوِلَادَةِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَالنَّسْجُ مِثْلُ الْوِلَادَةِ.
وَلِابْنِ سَحْنُونٍ: الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ تُقَدَّمُ عَلَى
الْبَيِّنَةِ بِالنَّسْجِ وَيَقْضِي لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِالنَّسْجِ
بِقِيمَةِ عَمَلِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا عَلِمَهُ بَاطِلًا. وَمِنْ
الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَائِزِ
وَالْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى نِتَاجٍ أَوْ نَسْجٍ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ
هُوَ بِيَدِهِ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَةِ.
(أَوْ تَارِيخٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ
مُطْلَقَةً وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً قُدِّمَتْ الْمُؤَرَّخَةُ عَلَى
الْمُطْلَقَةِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ فَانْظُرْهُ
(أَوْ تَقَدُّمِهِ) اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أُرِّخَتَا قَضَى بِالْأَقْدَمِ
وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ
أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا
يَدَ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا.
اُنْظُرْ الشَّهَادَاتِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ
الْمُتَدَاعِيَيْنِ يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً.
(وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ لَا عَدَدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ:
مَنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ دُورٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ عُرُوضٌ وَدَرَاهِمُ
أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَادَّعَى ذَلِكَ
رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ
بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ،
(8/253)
قُضِيَ بِشَهَادَةِ أَعْدَلِهِمَا وَإِنْ
كَانَتْ أَقَلَّ عَدَدًا، فَإِنْ تَكَافَأَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَقَطَتَا
وَبَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ وَلَا أَقْضِي
بِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا لِأَنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْعَدَالَةِ لَا فِي
الْعَدَدِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا رَجُلَيْنِ أَوْ
رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ
وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ مِائَةَ رَجُلٍ فَاسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي
الْعَدَالَةِ سَقَطُوا وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ،
وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَكَذَبَتْ الْأُخْرَى وَجَرَحَتْهَا
سَقَطَتَا.
قَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا بِتَجْرِيحٍ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا
تَكَافَأَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ وَبَقِيَا عَلَى
الدَّعْوَى.
قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ تَجْرِيحًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ
فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.
(وَبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ) أَمَّا
تَرْجِيحُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ:
إنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَأَقَامَ الْآخَرُ
شَاهِدًا أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ
فَلْيَقْضِ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ الْأَعْدَلِ مَعَ
يَمِينِ الطَّالِبِ دُونَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا
عَدْلَيْنِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ
الْمَوَّازِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ إغْرَاقٌ فِي
الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَظْهَرُ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ
الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ
وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ: تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْأَعْدَلِ مَعَ
امْرَأَتَيْنِ
(8/254)
عَلَى رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، فَيَبْقَى
النَّظَرُ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ؛ فَحَكَى ابْنُ شَاسٍ عَنْ
ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تَرْجِيحَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ
وَالْمَرْأَتَيْنِ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ.
(وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةٌ تُقَابِلُهُ فَيَحْلِفُ) اُنْظُرْ
قَبْلُ قَوْلَهُ " أَوْ تَارِيخٌ " تَقَدَّمَ أَيْضًا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ
قَضَى بِأَعْدَلِهِمَا فَإِنْ تَكَافَأَتَا فِي الْعَدَالَةِ
(8/256)
سَقَطَتْ وَبَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ
حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " وَبِشَاهِدَيْنِ ".
(وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ
أَحَدِهِمَا بِالْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ بِالْحَوْزِ، قُضِيَ
بِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ مُتَقَدِّمًا.
الْمَازِرِيُّ: رَجَّحَ أَشْهَبُ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ عَلَى
الشَّهَادَةِ بِالْحَوْزِ إلَخْ. وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرَى خِلَافَ
هَذَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ.
(وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ
قَائِلًا: كَأَخَوَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ
أَبَاهُ أَسْلَمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تُقَدَّمُ النَّاقِلَةُ
عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
أَقَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ سِنِينَ ذَوَاتِ عَدَدٍ يَحُوزُهَا وَيَمْنَعُهَا
وَيُكْرِيهَا وَيَبْنِيهَا وَيَهْدِمُ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ
الدَّارَ دَارُهُ وَأَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَثَبَتَتْ
الْمَوَارِيثُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي حَاضِرًا يُقِرُّ أَنَّهُ
يَرَاهُ يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَذَلِكَ
يَقْطَعُ دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا ثُمَّ قَدِمَ فَادَّعَاهَا
وَثَبَتَ الْأَصْلُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَى الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ
بِبَيِّنَةٍ أَوْ سَمَاعٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ ابْتَاعَ هَذِهِ
الدَّارَ مِنْ الْقَادِمِ أَوْ مِنْ أَحَدِ آبَائِهِ أَوْ مِمَّنْ
وَرِثَهَا الْقَادِمُ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ
ذَكَرْنَا فَذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْقَادِمِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ
(8/257)
يَأْتِ الْحَائِزُ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ
عَلَى الشِّرَاءِ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ أَوْ عَلَى السَّمَاعِ فِي
بَعِيدِهِ قُضِيَ بِهَا لِلْقَادِمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا.
(وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ) سَحْنُونَ:
الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا
يَفْعَلُ الْمَالِكُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْحِيَازَةُ
لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ (وَحَوْزٌ طَالَ كَعَشْرِ سِنِينَ) ابْنُ
الْقَاسِمِ: مَنْ حَازَ عَلَى حَاضِرٍ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ
رَقِيقًا فَذَلِكَ كَالْحِيَازَةِ فِي الرَّبْعِ إنْ كَانَتْ الثِّيَابُ
تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَالدَّوَابُّ تُرْكَبُ وَتُكْرَى وَالْأَمَةُ
تُوطَأُ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي الرِّبَاعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا
غَيْرَ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّ هَذَا حَازَهَا دُونَ
الْآخَرِ فِيمَا يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي وَيَسْكُنُ.
قَالَ رَبِيعَةُ: حَوْزُ عَشْرِ سِنِينَ يَقْطَعُ دَعْوَى الْحَاضِرِ إلَّا
أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَى وَأَسْكَنَ وَأَعَارَ
وَنَحْوَهُ وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ
لَهُ» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِذَلِكَ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ
وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ: هَذَا فِي الدُّورِ
وَالْأَرْضِينَ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ
عَبْدٍ فَذَلِكَ أَقْصَرُ مُدَّةٍ وَكُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَقَدْرِهِ،
فَالثِّيَابُ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ فِيهَا حِيَازَةٌ إذَا لُبِسَتْ.
رَاجِعْ تَرْجَمَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحِيَازَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
(وَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: سَمِعْتُ مَالِكًا غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ فِي الَّذِي
يَدَّعِي عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ وَيُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ
شَيْؤُهُ لَا يَعْلَمُهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ، فَإِذَا شَهِدُوا بِهَذَا
اسْتَوْجَبَ مَا ادَّعَاهُ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي
الْأَخِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّقَلِّيِّ وَابْنِ رُشْدٍ
زِيَادَةُ الْبَيِّنَةِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ إلَخْ.
إنَّمَا هُوَ كَمَالٌ فِي الشَّهَادَةِ لَا شَرْطٌ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهَا
فِي الْعَارِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
يَحْمِلَانِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى قَوْلِهِ اُنْظُرْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي
الِاسْتِحْقَاقِ (إلَّا بِالشِّرَاءِ) سَحْنُونَ: مَنْ حَضَرَ رَجُلًا
اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السُّوقِ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهَا، وَلَوْ
أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً
أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ لَكَانَتْ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ قَدْ
يَبِيعُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا.
(وَإِنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ اُسْتُصْحِبَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ شَهِدَتْ
بِمِلْكِهِ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى
يَقُولُوا إنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ، وَلَوْ
شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ
وَيُسْتَصْحَبُ مُوجِبُهُ.
ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتْ وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ)
تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَتْ دَارٌ بِيَدِ رَجُلٍ
يَدَّعِيهَا فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً
أَنَّهَا لَهُ وَتَكَافَأَتْ بَيِّنَتُهُمَا، فَإِنَّ الدَّارَ تَبْقَى
بِيَدِ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ فِي يَدِ
أَحَدِهِمَا أُقِرَّتْ فِي يَدِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ دَعْوَى الْآخَرِ
لَيْسَ لِأَجْلِ شُهُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا لَمْ تُنْزَعْ
مِنْهُمَا.
(أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَكَافَأَتْ بَيِّنَةٌ
لِمَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ ادَّعَاهُ
لِنَفْسِهِ فَقِيلَ يَبْقَى بِيَدِ حَائِزِهِ لِتَجْرِيحِ كُلِّ
الْبَيِّنَتَيْنِ الْأُخْرَى.
ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى هَذَا
الْقَوْلِ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ
(8/258)
لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ أُقِرَّ
بِيَدِهِ.
(وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا
كَالْعَدْلِ) حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَحَدِ
الْفَرْعَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي كِلَيْهِمَا الْخِلَافُ مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ إنْ تَكَافَأَتْ بَيِّنَةُ
الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ سَقَطَتْ وَبَقِيَتْ
الْأَرْضُ كَغَيْرِهَا مِنْ عَفْوِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى
تُسْتَحَقَّ بِأَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: مِثْلُ أَنْ
يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ هِيَ أَعْدَلُ مِنْ الْأُولَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا: كُلُّ مَا
تَكَافَأَتْ فِيهِ بَيِّنَتَانِ وَلَيْسَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا
يُخَافُ عَلَيْهِ مِثْلُ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ
أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ
الزَّمَانُ وَلَا يَأْتِيَا بِغَيْرِ مَا أَتَيَا بِهِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ
بَيْنَهُمَا لِأَنَّ وَقْفَ ذَلِكَ يَصِيرُ إلَى الضَّرَرِ.
قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ
وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِي بِهِ
قَلِيلًا لَعَلَّ أَحَدَهُمَا يَأْتِي بِأَثْبَتَ مِمَّا أَتَى بِهِ
صَاحِبُهُ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِشَيْءٍ وَخِيفَ
عَلَيْهِ قَسَمْتَهُ بَيْنَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِذَا وَجَبَ قِسْمُ
الْمُدَّعَى فِيهِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِيهِمَا
قُسِمَ عَلَى قَدْرِ الدَّعَاوَى.
ابْنُ هَارُونَ: فَعَلَى هَذَا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الثَّوْبِ
وَالْآخَرُ نِصْفَهُ قُسِمَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، خِلَافًا لِأَشْهَبَ
وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ أَنَّ لِلْمُدَّعِي الْكُلَّ النِّصْفُ
لِإِجْمَاعِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي الَّذِي تَدَاعَيَا
فِيهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِأَيْدِيهِمَا فَعَزَا
ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ يُقْسَمُ عَلَى
قَدْرِ الدَّعَاوَى يَعُولُ عَوْلَ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا تَدَاعَى
اثْنَانِ الْكُلَّ وَالنِّصْفَ فَالْأَكْثَرُونَ تَعُولُ بِالنِّصْفِ
خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ.
ابْنُ شَاسٍ: وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا قَالَ
ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ
جَمِيعَ الْمَالِ وَالْآخَرُ نِصْفَهُ وَالْآخَرُ ثُلُثَهُ قَالَ: وَعَلَى
مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْكُلِّ بِسِتَّةِ
أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ
بِسَهْمَيْنِ.
فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا.
ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْيَنُهُمَا وَأَعْدَلُهُمَا وَإِلَى
هَذَا كَانَ يَذْهَبُ جَمَاعَةُ شُيُوخِنَا، وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ
مَالِكٍ فِيمَنْ اخْتَلَطَ لَهُ دِينَارٌ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ لِغَيْرِهِ
ثُمَّ ضَاعَ مِنْ الْجُمْلَةِ دِينَارٌ فَهُمَا شَرِيكَانِ، هَذَا
بِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ، وَهَذَا بِجُزْءٍ مِنْ دِينَارٍ،
وَهُوَ جَارٍ عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا كَمَنْ
أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَالْآخَرِ بِنِصْفِهِ وَالْآخَرِ بِثُلُثِهِ
فَالثُّلُثُ يُقَسَّمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا بِاتِّفَاقٍ،
فَكَذَلِكَ مَسَائِلُ الدَّعْوَى (وَلَمْ يَأْخُذْهُ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ
كَانَ بِيَدِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ
الْمُدَّعِي لَمْ يَأْخُذْهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
جُعِلَ صَاحِبُ يَدٍ.
(وَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَخٍ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ
لِلنَّصْرَانِيِّ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ إلَّا بِأَنَّهُ
تَنَصَّرَ وَمَاتَ أَوْ جُهِلَ أَصْلُهُ فَيُقَسَّمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ
وَقُسِّمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ) لَوْ قَالَ إلَّا بِأَنَّهُ
تَنَصَّرَ وَمَاتَ فَمُتَعَارِضَانِ وَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ
لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَلَى
الْمُسْتَصْحِبَةِ إذْ لَا تَعَارُضَ كَأَخَوَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ
(8/259)
ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ
أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ، وَتُقَدَّمُ
بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنَّهُ
نَطَقَ بِالتَّنَصُّرِ وَمَاتَ فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ، وَلَوْ كَانَ
الْمَيِّتُ مَجْهُولَ الدِّينِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا كَالتَّعَارُضِ. فَلَوْ
كَانُوا جَمَاعَةً وَاخْتَلَفَتْ دَعَاوِيهِمْ قُسِمَ الْمَالُ لِكُلِّ
جِهَةٍ نِصْفٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ عَدَدُهُمْ.
ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ جَمَاعَةٌ وَفِي
الْأُخْرَى وَاحِدٌ لَكَانَ لَهُمْ النِّصْفُ وَلَهُ النِّصْفُ. ابْنُ
يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّا
رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي وَالْأُخْرَى بِأَنَا رَأَيْنَاهُ يُؤَدِّي
الْجِزْيَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا، قُضِيَ بِالْإِرْثِ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ
يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفَانِ
وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرُدَّ عَلَى
الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ حَلَفَا وَقُسِمَ أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ وَهَلْ
يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَوْلَانِ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ
مَسْأَلَةَ الْأَخِ الْمُسْلِمِ يَدَّعِي أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قَبْلَ
مَوْتِهِ وَنَازَعَهُ أَخُوهُ الْكَافِرُ قَالَ: اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ
مَعَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَقَالَ أَصْبَغُ: يَأْخُذُ النِّصْفَ لِأَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مُقِرٌّ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَيُعْطِيه نِصْفَ مَا
بِيَدِهِ فَيَصِيرُ لَهُ وَحْدَهُ النِّصْفُ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ ثُلُثُ مَا بِيَدِ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَكْبَرَ الصَّغِيرُ فَيَدَّعِي مِثْلَ
دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَيَأْخُذُ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ
مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ حَلَفَا وَاقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ. انْتَهَى
نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ: يَأْخُذُ النِّصْفَ كَامِلًا وَيُجْبَرُ عَلَى
الْإِسْلَامِ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ " يُوقَفُ الثُّلُثُ " فَمَنْ
وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرُدَّ عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُوقَفُ ثُلُثُ مَا
بِأَيْدِيهِمَا فَإِذَا كَبِرَ فَمَنْ ادَّعَى دَعْوَاهُ شَارَكَهُ وَرُدَّ
عَلَى الْآخَرِ. ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ حَظِّهِ وَهُوَ وَهْمٌ
إنَّمَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ الَّذِي وُقِفَ لَهُ. كَذَا نَقَلَهُ
الْمَازِرِيُّ.
ابْنُ مَحْرُوزٍ وَالشَّيْخُ وَابْنُ شَاسٍ انْتَهَى.
وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ: يُوقَفُ
(8/260)
ثُلُثُ مَا بِيَدِ كُلٍّ حَتَّى يَكْبَرَ
فَيَدَّعِي دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَيَأْخُذُ مَا أُوقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ
وَيُرَدُّ لِلْآخَرِ مَا أُوقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ.
قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِيهِ
سِتُّ مَسَائِلَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ
غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً) لَا مَزِيدَ عَلَى مَا
تَقَرَّرَ فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ
مِنْهَا إلَّا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا ".
(وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ انْتَظَرَ فِي
الْقَرِيبَةِ وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ
مُوَكِّلِهِ وَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ
وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا
أَخَذَ مِنْهُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَبَ غَرِيمَ
مُوَكِّلِهِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقٍّ فَذَكَرَ الْغَرِيمُ
أَنَّهُ دَفَعَ نِصْفَ الْحَقِّ لِمُوَكِّلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، لَمْ
يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَغَرِمَ جَمِيعَ الْحَقِّ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ
لِلِقَائِهِ الْغَرِيمَ.
وَلَوْ غَرِمَ ثُمَّ قَدِمَ رَبُّ الْحَقِّ فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ
وَالْوَكِيلُ مُعْدِمٌ أَوْ مُوسِرٌ، لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى رَبِّ
الْحَقِّ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ
قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْنَ قُرْبِهِ
وَبُعْدِهِ وَهُوَ عِنْدِي تَفْسِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ
قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى رَبِّ الْحَقِّ "
مَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُهُ
(8/261)
أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَيَتْرُكَ رَبَّ
الْحَقِّ، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا.
ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْيَمِينِ فِي
مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ
كِنَانَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي. وَقَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغَيْبَةِ
الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا
بَعْدَ يَمِينِهِ، وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ
بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُوَكِّلَ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ
الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ.
(وَمَنْ اسْتَمْهِلْ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أُمْهِلَ بِالِاجْتِهَادِ) ابْنُ
شَاسٍ: إذَا قَالَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَمْهِلُونِي فَلِي
بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ، أُمْهِلَ مَا لَمْ يَبْعُدْ فَيُقْضَى عَلَيْهِ
وَيَبْقَى عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ اسْتَمْهَلَ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ
أَوْ لِدَفْعِهَا إلَخْ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ.
لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ
فَقَالَ نَعَمْ وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّ حُجَّتَهُ نَفَذَتْ
وَأَنَّهُ مِلْكٌ، فَلْيَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِنْ
تَبَيَّنَ لَدَدُهُ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ، وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً
بَعِيدَةً لَمْ يُمْهَلْ (لِحِسَابٍ وَشَبَهِهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ)
ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أَوْ
لِإِقَامَتِهَا أُمْهِلَ جُمُعَةً وَيُقْضَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى
حُجَّتِهِ، وَلِلْمُدَّعِيَّ طَلَبُ كَفِيلٍ فِي الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ
قَالَ: وَالْمُسْتَمْهَلُ لِحِسَابٍ
(8/262)
وَشَبَهِهِ يُمْهَلُ الْيَوْمَيْنِ
وَالثَّلَاثَةَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ، وَقِيلَ: مَا يَرَى الْحَاكِمُ.
(كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَأَلَهُ
كَفِيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ
إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَلَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَا،
إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً يُحْضِرُهَا مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ
بَعْضِ الْقَبَائِلِ فَلْيُوقِفْ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ
لِمَجِيءِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ.
(أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ وَفِيهَا أَيْضًا
نَفْيُهُ وَهَلْ خِلَافٌ وَالْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلَازِمُهُ أَوْ إنْ لَمْ
تُعْرَفْ عَيْنُهُ تَأْوِيلَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ خُلْطَةٌ فَادَّعَى
عَلَيْهِ حَقًّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ حَتَّى يُثْبِتَ
حَقَّهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ غَصْبًا أَوْ
دَيْنًا وَعُلِمَتْ تُهْمَتُهُ، فَأَمَّا الْغَصْبُ فَيُنْظَرُ فِيهِ إمَّا
أَحَلَفَهُ أَوْ أَخَذَ لَهُ كَفِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ.
قَالَ عِيَاضٌ: بَعْضُهُمْ جَعَلَ لَهُ هُنَا أَخْذَ الْكَفِيلِ وَلَمْ
يَجْعَلْهُ لَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ أَخْذُ
الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَتْ
بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَإِلَّا لَمْ يُعَرِّضْ لَهُ. عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُوَكِّلِ.
ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ غَيْرِهِ لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ يَعْنِي إذَا لَمْ
يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ
كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِيُوقِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَأَمَّا
(8/263)
لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَعْرُوفًا
مَشْهُورًا فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِأَنَّا
نَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ) ابْنُ
عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ جَوَابُ دَعْوَى الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ
يُطْلَبُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَعْوَى الْأَرْشِ يُطْلَبُ جَوَابُهُ مِنْ
السَّيِّدِ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ الْعَبْدُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ
عَامِلٌ دُونَ سَيِّدِهِ،
(8/266)
وَفِي الثَّانِيَةِ السَّيِّدُ لِأَنَّ
إقْرَارَهُ بِهِ عَامِلٌ دُونَ الْعَبْدِ.
(وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ)
ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فِي الْيَمِينِ
وَالنَّظَرِ فِي الْحَلِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحَالِفِ
وَالْحُكْمِ.
أَمَّا الْحَلِفُ فَهُوَ " وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ "
ابْنُ عَرَفَةَ: لَفْظُ الْيَمِينِ فِي حُقُوقِ غَيْرِ اللِّعَانِ
وَالْقَسَامَةِ فِيمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَنْ يَحْلِفُ
مَعَ شَاهِدِهِ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " لَا يَزِيدُ
عَلَى هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي صِفَةِ الْيَمِينِ
(وَلَوْ كِتَابِيًّا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ
يَقُولُ بِاَللَّهِ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَحْلِفُ
النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ
إلَّا " بِاَللَّهِ " وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ " الَّذِي أَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ أَوْ الْإِنْجِيلَ ".
ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُهَا أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي
لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. ابْنُ شَبْلُونَ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُمَا لَا
يُؤَدُّونَ وَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ، بَلْ يَحْلِفُونَ الْيَمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا
يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْمَانًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو
عُلَمَائِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُ الْمَجُوسِ بِاَللَّهِ
وَهُمْ يَنْفُونَ
(8/267)
الصَّانِعَ. عِيَاضٌ: فَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ
شَبْلُونَ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ
بِالتَّوْحِيدِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ.
(وَغُلِّظَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ) اُنْظُرْ حَيْثُ يَكُونُ
الْحَلِفُ بِالْجَامِعِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ
بِالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ.
قَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ فِي
مَكَانِهِ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ،
وَإِنْ كَانَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ فِي رُبْعِ
دِينَارٍ فَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حَيْثُ يُعَظَّمُ
(8/268)
مِنْهُ.
اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " بِالِاسْتِقْبَالِ "
(كَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَحْلِفُ
الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ
وَيَحْلِفُ الْمَجُوسُ فِي بَيْتِ نَارِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ.
(وَبِالْقِيَامِ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَحْلِفُ
جَالِسًا.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: قَائِمًا (لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِيَمِينِهِ الْقِبْلَةَ، وَلَمْ يَعْرِفْ
مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَسَحْنُونٌ ابْنُ عَاصِمٍ: كَانَ يَحْلِفُ
بِالطَّلَاقِ فَمِنْ أَيْنَ أُخِذَ هَذَا قَالَ: مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكَانَ سَحْنُونَ لَا يَقْبَلُ الْوَكِيلَ مِنْ
الْمَطْلُوبِ إلَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ امْرَأَةً، وَيَقْبَلُهُ مِنْ
الطَّالِبِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ كَانَ مَالِكٌ يَقْبَلُهُ مِنْهَا؟
فَقَالَ: قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ
أَقْضِيَةٌ.
(وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْ أَوْ
(8/269)
اُدُّعِيَ عَلَيْهَا إلَّا الَّتِي لَا
تَخْرُجُ نَهَارًا وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً قَلِيلًا وَتَحْلِفُ فِي أَقَلَّ
بِبَيْتِهَا) ابْنُ شَاسٍ: الْمُخَدَّرَةُ لَا تَحْضُرُ مَجْلِسَ
الْحَاكِمِ لِتَحْلِفَ فِي الْيَسِيرِ بَلْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَيْهَا
مَنْ يُحَلِّفُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَتَصَرَّفُ وَتَخْرُجُ إلَى غَيْرِ
ذَلِكَ وَمَا لَهُ بَالٌ تَخْرُجُ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ لَيْلًا.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ
الْحُقُوقِ فَتَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا
تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا فَتَحْلِفْ فِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا أُحْلِفَتْ فِي بَيْتِهَا
إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ وَيَبْعَثُ إلَيْهَا الْقَاضِي مَنْ
يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيُجْزِئُهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَأَمُّ
الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْحُرَّةِ فِيمَنْ لَا تَخْرُجُ وَمَنْ
تَخْرُجُ.
(وَإِنْ ادَّعَتْ قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ
بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ) مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنْ
كَانَ لِلْمَيِّتِ بَيِّنَةٌ بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبِ فَقَامَ
وَرَثَةُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَطْلُبُونَ بِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ
يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَلِيَّهُمْ
قَبَضَهُ مِنْ الْمُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِ
بِسَبَبِهِ، وَلَا يَحْلِفُ الْأَصَاغِرُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ " لَا يَحْلِفُ الْأَصَاغِرُ " يَدُلُّ
بِاللُّزُومِ عَلَى نَصِّ قَوْلِهَا لَا يَمِينَ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا عَلَى
مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمَيِّتٍ بِدَيْنٍ فَادَّعَى
الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَى الْمَيِّتُ حَقَّهُ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ
وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ بَالِغِي
وَرَثَتِهِ عَلَى الْعِلْمِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ
عِلْمُ ذَلِكَ وَلَا عَلَى صَغِيرٍ.
(وَحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتًّا وَفِي غِشٍّ عِلْمًا) ابْنُ الْحَاجِبِ:
يَحْلِفُ فِي الرَّدِيءِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَفِي النَّقْصِ عَلَى
الْبَتِّ.
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَصَابَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ
رَصَاصًا أَوْ نُحَاسًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا دَفَعْت
إلَيْك إلَّا جَيِّدًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ مَا أَعْطَاهُ
إلَّا جَيِّدًا فِي عِلْمِهِ.
(وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّهِ أَوْ خَطِّ أَبِيهِ
أَوْ قَرِينَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا يَحْلِفُ فِيهِ بَتًّا يُكْتَفَى
فِيهِ بِظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّهِ أَوْ خَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ مِنْ
نُكُولِ
(8/270)
خَصْمِهِ وَشَبَهِهِ، وَقِيلَ
الْمُعْتَبَرُ: الْيَقِينُ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مُلْصَقٌ
بِقَوْلِ مَالِكٍ: إنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى مَا لَمْ
يَحْضُرْ وَلَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ لَا يَدْرِي هَلْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ
أَمْ لَا؟ قَالَ: يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى خَبَرِهِ وَتَصْدِيقِهِ
كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ
مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا.
اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ.
وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ ".
(وَيَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ
وَنَفَى سَبَبًا إنْ عُيِّنَ وَغَيْرَهُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَغَيْرَهُ "
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ " يَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي
كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ مُطْلَقًا " فَإِنْ ذَكَرَ شَيْئًا نَفَاهُ
مَعَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ شَاسٍ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: شَرْطُ
الْيَمِينِ أَنْ تُطَابِقَ الْإِنْكَارَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ قَوْلُهَا فِي الشَّهَادَةِ مَنْ اشْتَرَى مِنْك
ثَوْبًا وَنَقَدَك قِيمَتَهُ وَجَحَدْت الِاقْتِضَاءَ وَطَلَبْت يَمِينَهُ،
فَإِنْ أَرَادَ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَك قِبَلَهُ
فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَك أَنْ تُحَلِّفَهُ مَا اشْتَرَى مِنْك سِلْعَةَ كَذَا
بِكَذَا إلَّا أَنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُوَرِّيَ. ابْنُ الْقَاسِمِ
يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " يُوَرِّيَ " الْإِلْغَازَ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ
عَلَى مَاذَا يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " مَعَهُ ".
(فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفًا) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ:
قُلْت لِابْنِ عَبْدُوسٍ: إذَا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَالًا
فَقَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَجَحَدَ الْقَابِضُ، فَإِنْ
أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا أَسْلَفَهُ وَقَالَ الْمُسْتَسْلِفُ
بَلْ أَحْلِفُ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَا
أَسْلَفَهُ شَيْئًا، فَلَهُ بِقَدْرِ مَا اضْطَرَرْتُمُوهُ إلَى يَمِينٍ
كَاذِبَةٍ أَوْ إلَى غُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ: يَحْلِفُ مَا
أَسْلَفَهُ.
وَيَعْنِي فِي ضَمِيرِهِ سَلَفَ مَا يَجِبُ عَلَى رَدِّهِ إلَيْهِ فِي
هَذَا الْوَقْتِ وَبَرِئَ مِنْ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ:
ذَكَرَ ابْنُ حَارِثٍ هَذَا كَلَفْظِ ابْنِ شَاسٍ.
(وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ
بَيِّنَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا وَقَالَ: لَيْسَ لِي
إنَّمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِي أَوْ هُوَ
مِلْكُ الطِّفْلِ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ
لِلْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ذَكَرَ بِتَوَقُّفِ الْمُخَاصِمَةِ
عَلَى حُضُورِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ.
ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا لِلْغَزَالِيِّ
لَكِنَّهَا عَلَى مُقْتَضَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ.
(وَإِنْ قَالَ لِفُلَانٍ فَإِنْ حَضَرَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ
فَلِمُدَّعٍ
(8/271)
تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ
وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ وَهُوَ
حَاضِرٌ فَصَدَّقَهُ سَلَّمَ لَهُ الْمُدَّعِي فِيهِ وَالْخُصُومَةُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلِلْمُدَّعِي إحْلَافُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ
مَا أَقَرَّ بِهِ لِإِتْلَافِ حَقِّهِ إذْ لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَقَرَّ
بِالْبَاطِلِ وَأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّعِيهِ لَزِمَ
الْغُرْمُ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا بِالصِّدْقِ
وَلَا حَقّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَقَطَ مَقَالُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ نَكَلَ
عَنْ الْيَمِينِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَسْتَحِقُّ
بِيَمِينِهِ غَرَامَةَ الْمُقِرِّ لِإِتْلَافِهِ بِإِقْرَارِهِ مَا أَقَرَّ
بِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ؟ وَإِذَا
تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقِرِّ لَهُ وَجَبَتْ
الْيَمِينُ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي
وَثَبَتَ حَقُّهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ لَهُ
تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ
لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ لِلْمُقِرِّ النُّكُولُ،
وَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّهُ
قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَلِفُ وَنَكَلَ عَنْهُ.
ابْنُ عَرَفَةَ: نَحْوُهُ قَوْل عِيَاضٌ فِي الْوَكَالَاتِ (أَوْ غَابَ
لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ فَإِنْ
نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ
الْمُقِرَّ أَخَذَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا فَقَالَ
لَيْسَ لِي إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ
بِبَيِّنَةٍ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ
يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ وَحَلَفَ.
(8/272)
ابْنُ الْحَاجِبِ: وَانْتَقَلَتْ
الْحُكُومَةُ إلَى الْغَائِبِ. ابْنُ شَاسٍ: وَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ
الْمُدَّعِي بِهِ إلَى الْمُدَّعِي بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَإِنْ جَاءَ
الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ.
(وَإِنْ اسْتَحْلَفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ كَالْجُمُعَةِ
يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَحْلَفَهُ
عَالِمًا بِبَيِّنَةٍ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ
فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ
عُمَرَ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَقَالَهُ شُرَيْحٌ وَمَكْحُولٌ
وَاللَّيْثُ.
ابْنُ يُونُسَ: وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ إذَا كَانَ
أَمْرُ الْبَيِّنَاتِ يَطُولُ عِنْدَ الْقُضَاةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ
خَصْمَهُ لَعَلَّهُ يَنْكُلُ فَيَسْتَغْنِي عَنْ التَّكَلُّفِ فِي ذَلِكَ،
فَإِنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا كَانَتْ
بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً بَعِيدَةً أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا إذَا
حَلَفَ خَصْمُهُ.
(وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ
(8/273)
بِيَمِينٍ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ
الرَّابِعُ النُّكُولُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ بِمُجَرَّدِهِ
وَلَكِنْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا تَمَّ نُكُولُ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَيَتِمُّ نُكُولُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَا أَحْلِفُ
أَوْ أَنَّا نَأْكُلُ أَوْ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ أَوْ يَتَمَادَى
عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْيَمِينِ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ.
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْلِفُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ
الْحَاجِبِ: النُّكُولُ يَجْرِي فِيمَا يَجْرِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ.
ابْنُ عَاتٍ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ
أَنْكَرَ» مَذْهَبُنَا أَنَّ هَذَا عَلَى الْخُصُوصِ إذْ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ الْعَكْسَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ
عَلَى الْمُنْكِرِ إذْ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ
النِّكَاحُ بِالْأَيْمَانِ.
(أَنَّ حَقَّقَ) ابْنُ زَرْقُونٍ: وَاخْتُلِفَ فِي تَوَجُّهِ يَمِينِ
التُّهْمَةِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ، وَعَلَى
تَوَجُّهِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ فَلَا تَنْقَلِبُ عَلَى
الْمُدَّعِي.
قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ ادَّعَى الْمُودَعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى
الْمُودِعُ تَعَدِّيَهُ عَلَيْهَا صُدِّقَ الْمُودَعُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ
فَيَحْلِفَ.
قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: فَإِنْ نَكَلَ
ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا (وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ
حُكْمَهُ) ابْنُ شَاسٍ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ
عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيُشْرَحَ لَهُ حُكْمَ النُّكُولِ.
(وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا ثُمَّ
رَجَعَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَمُدَّعٍ " هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا
الْمَعْنَى لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ
(8/274)
نَكَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَهَا
ثُمَّ رَجَعَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إذَا تَمَّ نُكُولُهُ ثُمَّ
قَالَ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ يَقْبَلْ هُوَ قَوْلَهَا.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ عَنْ الْيَمِينِ وَرَدُّوا
الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَرَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ
أَنْ يَحْلِفُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ
فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى مَالٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ
وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْلِفَ
فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْيَمِينَ ثُمَّ أَرَادَ
الرُّجُوعَ إلَى إحْلَافِ الْمُدَّعِي فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَهُ
ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَخَالَفَنِي ابْنُ الْكَاتِبِ وَقَالَ: لَيْسَ
لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ.
(وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ) ابْنُ
شَاسٍ: نُكُولُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَحَلِفِ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ نَصُّ الرِّوَايَاتِ فِي
الْمُدَوَّنَةِ وَفِي غَيْرِهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ
ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ ثُمَّ نَكَلَ بَعْدَ نُكُولِهِ لَزِمَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ
يَمِينٌ فَقَالَ: أَمْهِلْنِي يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَنْظُرْ فِي
حِسَابِي قِيلَ يُمْهَلُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. وَسُئِلَ ابْنُ عَتَّابٍ إذَا رَدَّ
الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ فَسَكَتَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ
يَحْلِفَ فَقَالَ الرَّادُّ لَا أُمَكِّنُك الْآنَ وَأَنَا أَحْلِفُ عَلَى
إنْكَارِي دَعْوَاك وَالْيَمِينُ إنَّمَا بَقِيَتْ عَلَيَّ لَا عَلَيْك،
فَجَاوَبَ: يَحْلِفُ الطَّالِبُ وَيَسْتَحِقُّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ،
قَالَهُ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ.
ابْنُ سَهْلٍ: هُوَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَسَمَاعِ عِيسَى وَفِي
الْمُخْتَلِطَةِ.
(وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى
حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ
وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ) لَا مَزِيدَ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَحَوْزٌ طَالَ كَعَشْرٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ
" وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةِ ".
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعِمَارَةُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَالْمُدَّعِي
شَاهِدٌ سَاكِتٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ
وَشَبَهِهِ فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ إلَّا
بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ شَبَهِهَا انْتَهَى.
(8/275)
اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَ
مَالِكٍ: كُلُّ مَالٍ بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ
يَنْظُرُ حَتَّى بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ ثُمَّ أَرَادَ الدَّعْوَى فِيهِ
بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ
إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ بِالطَّاقَةِ. نُقِلَ فِي
الْمُفِيدِ: أَمَّا إذَا بَلَغَهُ عَنْ مَالِهِ أَنَّهُ بِيعَ عَلَيْهِ
فَلَمْ يَقُمْ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ وَلَا أَشْهَدَ عُدُولًا عَلَى
الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَذَلِكَ رِضًا بِالْبَيْعِ وَتَسْلِيمٌ
لَهُ. وَسُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَمَّنْ بِيعَ مَالُهُ بِمَحْضَرِهِ وَلَمْ
يُنْكِرْ فَقَالَ: يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ
الْبَيْعِ. وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا كَانَ غَائِبًا ثُمَّ عَلِمَ وَسَكَتَ
السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ لَهُ قِيَامٌ
إلَّا إنْ قَامَ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ.
رَاجِعْ الْمُفِيدَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ بَيْعِ الرَّقِيقِ. وَانْظُرْ ابْنَ
سَلْمُونَ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْفُضُولِيِّ،
وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي
الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ ". وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا إذَا
رَأَى التَّرِكَةَ تُقَسَّمُ ثُمَّ قَامَ بِذِكْرِ حَقٍّ أَنَّهُ لَا
شَيْءَ لَهُ. نَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى ذِكْرَهَا فِي
النِّصْفِ الْأَخِيرِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ
(8/276)
وَغَيْرِهِ (كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ
فِيهَا إنْ هَدَمَ وَبَنَى) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاللَّفْظُ لِابْنِ
سَلْمُونَ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّونَ فِيمَا لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمْ
فِيهِ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ
الْأَعْوَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بِنَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ،
وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ
(8/277)
شِرْكَةٌ فَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ
الْأَعْوَامُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ.
(وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ) ابْنُ سَلْمُونَ:
أَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِالسُّكْنَى وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ
عَامًا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ
وَعَقْدِ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ
حُكْمَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ الْعَشَرَةُ
وَنَحْوُهَا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ
(8/282)
فِي رِوَايَةِ يَحْيَى.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَلَا بُدَّ
أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا. وَالْقِسْمُ
الثَّالِثُ مَا حَازَهُ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ
وَالتَّدْبِيرِ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ
كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ
وَالْأَجْنبِيِّينَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِهَا
أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ بِذَلِكَ لِقَرَابَتِهِمْ انْتَهَى.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الْبَاجِيُّ
أَنَّ عَشْرَ سِنِينَ لَا تَقْطَعُ حَقَّ الْقَرَابَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ
أَنَّ بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ
الْمُسَامَحَةِ وَالتَّشَاحِّ مَا لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ بِهِ هَذِهِ
الْمُدَّةَ.
وَحُكِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْحُقُوقِ فِي غَيْرِ الْأَمْلَاكِ عَنْ
الْمَازِرِيُّ قَالَ: إذَا أُثْبِتَ الْمَطْلُوبُ بِالْيَمِينِ أَنَّ
مِثْلَ هَذَا لَا يَسْكُتُ عَنْ طَلَبِ مَا ذُكِرَ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ
". وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ بَاعَ مِلْكًا وَعَلِمَ
شَرِيكُهُ فِيهِ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنْ يَأْخُذَ
حَقَّهُ مِنْ الْمِلْكِ وَيَأْخُذَ بَقِيَّتَهُ بِالشُّفْعَةِ قَالَ:
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالِاشْتِرَاءُ لِلْمُشْتَرِي مَاضٍ وَلَا شُفْعَةَ
فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَهَذَا إذَا
قَامَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ
(8/283)
بِقُرْبِ ذَلِكَ.
رَاجِعْ أَنْتَ ابْنَ يُونُسَ. وَرَأَيْت فَتْوَى لِشَيْخِ شُيُوخِنَا
الْحَفَّارِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدٌ مَالَهُ عِنْدَ
غَيْرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً فَكَيْفَ بِكَافِرٍ مَعَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ
قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ مَنْ عُرِفَ بِالتَّعَدِّي فَيَغْلِبُ الْحُكْمُ
فِي حَقِّهِ. وَكَذَلِكَ فِي هَذَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ
مِنْ ذَاكَ الْحَقِّ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْيَهُودِيِّ. وَعُرِفَ عِيَاضٌ
بِالْقَاضِي شَبْطُونٍ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْأَنْدَلُسَ الْمُوَطَّأَ
شَرَطَ إنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِ الْجَانِبِ مَا
يَدَّعِي وَكُلِّفَ الْجَانِبُ الْبَيِّنَةَ. قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ
يَحْيَى: هُوَ وَجْهُ الْقَضَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِيمَنْ عُرِفَ
بِالظُّلْمِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: أَمَّا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ لِلشُّرَكَاءِ
بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا
تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَلَا فِي أَنَّهَا تَكُونُ
حِيَازَةً بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ
وَنَحْوِهَا وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ، هَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ
وَيَفْتَرِقُ فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذْ لَا يَخْلُو أَنَّهُ
يَكُونُ فَوَّتَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ
الْأَقَلَّ أَوْ النِّصْفَ. أَمَّا إذَا فَوَّتَ الْكُلَّ بِالْبَيْعِ
فَإِنْ كَانَ الْمَحُوزُ عَلَيْهِ حَاضِرَ الصَّفْقَةِ فَسَكَتَ حَتَّى
انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ
الثَّمَنُ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى انْقَضَى
الْعَامُ وَنَحْوُهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ
يَمِينِهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَذْكُرُهُ مِنْ
ابْتِيَاعٍ أَوْ مُقَاسَمَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ
بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ،
وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ
إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ
لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ بِمَا ادَّعَاهُ
بِدَلِيلِ حِيَازَتِهِ إيَّاهُ اهـ.
مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَدْ نَقَلْت مَا يُنَاسِبُ لَفْظَ خَلِيلٍ
بِزِيَادَةِ نُكَتٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَرَاجِعْ أَنْتَ ابْنَ
عَرَفَةَ وَرَسْمَ تَسَلُّفِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ
الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَ التَّفْوِيتِ بِالْهِبَةِ
وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالْوَطْءِ، وَذَكَرَ
أَيْضًا إذَا حَازَ النِّصْفَ أَوْ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ بِشَيْءٍ
مِمَّا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا عَلِمَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ
الْمَسَائِلِ وَأُشِيرَ لَهُ مَوَاضِعُهَا تَوَفَّرَتْ دَوَاعِيه عَلَى
مُرَاجَعَتِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِتَأْلِيفِي
هَذَا إذْهَابُ خُصُوصِيَّةِ كِتَابٍ، وَإِنَّمَا قَصْدِي نَقْلُ لُبَابِ
اللُّبَابِ مِنْ كُلِّ بَابٍ إذَا حَصَّلَهُ الطَّالِبُ نَشِطَ
لِمُرَاجَعَةِ الْفِقْهِ وَهَانَتْ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُ الصِّعَابُ،
فَمَنْ طَالَعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَيَانِ أَوْ فِي ابْنِ
عَرَفَةَ قَدْ يَشْغَلُ ذِهْنَهُ مَا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ مِمَّا
تَرَكْته فَيَفُوتُهُ ذَلِكَ هَذَا اللُّبَابُ الَّذِي نَخَلْته،
فَمُرَاجَعَةُ الْفِقْهِ بَعْدَ تَحْصِيلِ مَا قَرَّرْت فِي تَأْلِيفِهِ
نِعْمَ الْعَوْنُ
(8/284)
لِلطَّالِبِ، فَلْيَفْهَمْ مَقْصُودِي
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُنَا مِنْ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى طَاعَتِهِ
بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ.
(لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهَا
مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا
حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَالِابْنِ عَلَى أَبِيهِ، فَلَا خِلَافَ
أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ، وَلَا فِي أَنَّهَا
تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ
وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَطْءِ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ
بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا
لِنَفْسِهِ قَامَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. يُرِيدُ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمَدُ جِدًّا إلَى مَا تَهْلِكُ فِيهِ
الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ:
الْحَوْزُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْقَرَابَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ
بَيْنَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّشَاحِّ مَا لَا يُتْرَكُ
فِيهِ الْحَقُّ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَيَكُونُ لِذَلِكَ الزَّمَانِ
الْإِسْقَاطُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا لِلْمَازِرِيِّ فِيمَنْ طَلَبَ
رَهْنًا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَقٍّ قِبَلَهُ مُنْذُ عَشَرَةِ
أَعْوَامٍ فَأَجَابَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَسْكُتُ عَنْ طَلَبِ مَا
ذَكَرَ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ
تَسْقُطُ.
وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ لَا
يُسْأَلُ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ لُبٍّ: عُقُودُ الْأُصُولِ لَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ
يَدٍ مِنْ الشَّيْءِ بِيَدِهِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ.
(وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدُّورُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي
الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ
وَعَرْضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ
لِوَرَثَتِهِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ
وَالْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ
مَالَ الْأَجْنَبِيِّ
(8/285)
بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى
وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ
وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ.
فَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ
حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ، وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ
وَالثَّلَاثَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَفِي
الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ
فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ
إلَّا الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ.
(8/286)
|