التلقين
في الفقة المالكي
كتاب الطهارة
مدخل
...
كتاب الطهارة
الطهارة من الحدث فريضة واجبة على كل من لزمته
الصلاة وهي ثلاثة أنواع وضوء وغسل وبدل منها
عند تعذرهما وهو التيمم.
فأما الوضوء ففي ثمانية مواضع وهي الوجه وداخل
الفم وداخل الأنف وما بين الصدغ والأذن
واليدان إلى آخر المرفقين والرأس والأذنان
ظاهرهما وباطنهما والرجلان إلى آخر الكعبين.
وطهارته نوعان: غسل ومسح فالمسح بالرأس
والأذنين والغسل فيما عداها وأحكامه ثلاثة
أنواع: فرض وسنة وفضيلة.
ففروضه ستة وهي النية وغسل الوجه كله وغسل
اليدين إلى آخر المرفقين والمسح بالرأس كله
وغسل الرجلين إلى الكعبين وما به يفعل ذلك وهو
الماء المطلق وسننه سبع وهي غسل اليدين قبل
إدخالهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق وغسل
البياض الذي بين الصدغ والأذن ومسح داخل
(1/17)
الأذنين وفي
ظاهرهما خلاف وتجديد الماء لهما والترتيب.
وفضائله ثلاث وهي السواك قبله والتسمية عند
بعض اصحابنا وتكرار مغسوله مرتين أو ثلاثا هذا
ذكر جملة ونحن نبين تفصيله.
فصل
أما النية فقد بينا أنها من فروضه وهي قصده به
ما لزمه والذي يلزمه أن ينوي بوضوئه رفع الحدث
أو استباحة فعل معين يتضمن رفع الحدث ومعنى
رفع الحدث استباحة كل فعل كان الحدث مانعا منه
ومعنى تعيين ما يتضمن ذلك هو أن ينوي به
استباحة فعل بعينه لا يستباح إلا بعد التطهر
من الحدث وذلك كالصلوات كلها على اختلاف
أنواعها من الصلوات المعهودة وصلاة الكسوف
والجنازة وسجود القرآن على اختلاف أحكامها من
فرض على الأعيان أو على كفاية وسنة ونفل
وكالطواف بالبيت كل هذا لا يجزئ إلا بعد
التطهر من الحدث فقصده استباحة واحدة كقصده
استباحة جميعه.
(1/18)
وأما الوجه
فالفرض "إيعاب جميعه" وحده ما انحدر من منابت
شعر الرأس إلى آخر الذقن للأمرد وآخر اللحية
للملتحي طولا وما دار عليه من العذارير عرضا
فإن كان عليه شعر لزم إمرار الماء عليه ثم
ينظر فإن كان كثيفا قد ستر البشرة سترا لا
تتبين معه انتقل الفرض إليه وسقط فرض إيصال
الماء إلى البشرة وإن كان خفيفا تبين منه
البشرة لزم إمرار الماء عليه وعلى البشرة
وسواء في ذلك أن يكون على خد أو شفة أو حاجب
أو عذار أو عنفقة ويلزم فيما انسدل عن البشرة
كلزومه فيما تحت بشرة.
وأما اليدان ففرض غسلهما إلى استيفاء المرفقين
على تخليل أصابعهما وأما الرأس فهو ما صعد عن
الجبهة إلى آخر القفا طولا وإلى الأذنين عرضا
واختلف في الأذنين هل هما منه حقيقة أو حكما
فمن
أوجب مسحهما عدهما منه ومن لم يوجبه عدهما
زائدتين عليه والاختيار في صفة مسح الرأس أن
يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمر بهما إلى مؤخره ثم
يردهما إلى حيث بدأ.
والفرض في تطهير القدمين غسلهما إلى الكعبين
والكعبان هما اللعظمان اللذان عند معقد الشراك
وقيل الناتئان في طرف الساق وهما داخلان في
الوجوب وعلى أقطعهما غسل ما بقي له منهما
بخلاف المرفقين.
(1/19)
ومن شيوخنا من
يعد الموالاة فرضا مع الذكر والذي يجب أن يقال
أن التفريق يفسده مع التعمد أو التفريط ومع
الطول المتفاحش الخارج عن الموالاة ولا يفسد
قليله ولا على وجه السهو هذا الكلام في تفصيل
فروضه وبيان الماء المطلق يأتي في موضعه إن
شاء الله.
فصل
فأما بيان سننه فمنها غسل اليدين قبل إدخالهما
في الإناء وذلك من سنة الوضوء لكل طاهر اليد
مريد للوضوء بأي نوع كان انتقاض وضوئه من
الأحداث وأسبابها من بول أو غائط أو ريح أو
نوم من ليل أو نهار أو لمس أو مس فرج أو كان
مجددا للوضوء.
وأما تطهير داخل الفم فإنه سنة وهو المضمضة
وصفتها أن يوصل الماء إلى فيه ثم يخضخضه
ويمجه. وأما تطهير داخل الأنف فإنه سنة وصفته
أن يجذب الماء إلى خياشيمه وهو الاستنشاق
ويستحب له المبالغة فيه إلا في الصوم.
(1/20)
وأما غسل
البياض الذي بين الصدغ والأذن فسنة ويستوفى
جميعه بالغسل وأما الأذنان فيستحب استيفاؤهما
بالمسح ظاهرهما وباطنهما وإدخال الأصابع إلى
الصماخين وقد بينا القول في الرجلين.
وأما بيان الترتيب المسنون فهو أن يبدأ بعد
النية فيسمى الله ويغسل يديه قبل إدخالهما في
الإناء ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم لينتشر ثم يغسل
وجهه يبدأ من أعلاه ثم يمنى يديه ثم يسراهما
من أطراف الاصابع إلى المرافق ثم يمسح الرأس
على الصفة التي ذكرنا ثم المسح بالأذنين ثم
يغسل يمني رجليه ثم يسراهما.
فصل
فأما فضائله فالسواك بعود يابس أو رطب إلا أن
يكون صائما فيكره له الأخضر خيفة ان يصل طعمه
الى الحلق فيفطره فإن لم يجد شيئا فإن أصبعه
يجزيه.
وأما التكرار ففضيلة في المغسول دون الممسوح
فيكرره مرتين أو ثلاثا الثلاث أفضل من الاثنين
وما زاد على الثلاث سرف ممنوح والمرة هي الفرض
ولا فضيلة في تكرار مسح الرأس والأذنين.
(1/21)
باب مايوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته
...
باب ما يوجب الوضوء وما ينقصه بعد صحته
يوجب الوضوء شيئان أحداث وأسباب للأحداث فأما
الأحداث الموجبة للوضوء فهي ما خرج من
السبيلين من المعتاد دون النادر الخارج على
وجه المرض والسلس من غائط أو ريح أو بول أو
مذى أو ودى إذا كان ذلك على غير وجه السلس
والاستنكاح وإن كان البول والمذى خارجين على
وجه السلس والاستنكاح فلا وضوء فيهما واجب
وكذلك ما خرج من السبيلين من غير المعتاد
كالحصى والدم والدود فلا وضوء فيه ويفسد
الوضوء الردة ولا يوجب الوضوء ما خرج من البدن
من غير السبيلين من قيئ ولا قلس ولا بلغم ولا
رعاف ولا حجامة ولا فساد ولا غير ذلك.
وأما أسباب الأحداث فهي ما أدت إلى خروج
الأحداث غالبا وذلك نوعان أحدهما: زوال العقل
بالنوم والسكر والجنون والإغماء.
فأما النوم المستثقل فيجب منه الوضوء على أي
حال كان النائم من اضطجاع أو سجود أو جلوس أو
غير ذلك وما دون الاستثقال يجب منه الوضوء في
الاضطجاع والسجود ولا يجب في الجلوس.
وأما السكر والجنون والإغماء فيجب الوضوء
بقليله وكثيره.
والنوع الآخر: وهو ضربان لمس النساء ومس
الذكر.
فأما لمس النساء فيجب منه الوضوء إذا كان للذة
قليلا كان أو كثيرا مباشرا أو من وراء حائل
رقيق لا يمنع اللذة وأن كان صفيقا لم يوجب
الوضوء لمنعه اللذة ولا فرق بين اللمس باليد
أو الفم أو بغيرهما من الأعضاء إذا وجد اللذة
ولا بين
(1/22)
لمس الاعضاء أو
الشعر إذا كان هناك لذة ولا فرق بين الزوجة
والاجنبية وذات المحرم.
وأما مس الذكر فالمراعاة فيه اللذة عند بعض
أصحابنا البغداديين كلمس النساء وعند المغاربة
وبعض البغداديين ببطن الكف أو الأصابع فقط ومس
المرأة فرجها مختلف فيه.
ولا وضوء من مس الأنثيين ولا الدبر ولا شيء من
أرفاغ البدن وهي مغابنة الباطنة كتحت الابطين
وما بين الفخدين وما أشبه ذلك ولا من أكل شيئا
أو شربه كان مما مسته النار أو مما لم تمسه
ولا من قهقهة في صلاة أو غيرها ولا من ذبح
بهيمة أو غيرها.
(1/23)
باب ما يوجب الغسل
يجب الغسل على الرجل بشيئين:
إنزال الماء الدافق عن اللذة في نوم أو يقظة
فإن عرى عن اللذة فلا غسل فيه والإيلاج
بالحشفة في قبل أودبر وعلى المرأة بهذين
وبشيئين آخرين وهما الحيض والنفاس وهو خروج
الولد وعليهما بإسلام الكافر منهما.
(1/23)
باب صفة الاغتسال
قد بينا أن الغسل من الجنابة وسائر ما ذكرناه
معها فريضة وهو مشتمل على مفروض ومسنون وفضيلة
فمفروضات ثلاث وهي النية وتعميم ظاهر البدن
وإمرار اليد على البدن مع الماء "وهذا عندنا
من شرط كونه غسلا" فيستوي فيه الغسل والوضوء
إلا أن العادة قد جرت بذكره مع الغسل ويفعل
الغسل بما يفعل به الوضوء من الماء المطلق
فإما مسنوناته فهي المضمضة والاستنشاق وفي
تخليل اللحية روايتان إحداهما: الوجوب والآخر:
أنه سنة.
وأما الفضيلة فهي أن يبدأ بغسل يديه ثم يتنظف
من أذى إن كان عليه ثم يتوضأ وضوء للصلاة ثم
يخلل أصول شعر رأسه بالماء ثم يغرف عليه ثلاثا
ثم
(1/23)
باب المياه وأحكامها
الأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير على
اختلاف صفاتها ومواضعها من سماء أو أرض أو بحر
أو نهر أو عين أو بئر ملح أو عذب أو راكد كان
باقيا على اصل مياعته أو ذائبا بعد جموده الا
ما تغيرت أوصافه التي هي اللون والطعم والريح
أو أحدها من مخالطة ما ينفك عنه غالبا أو بما
ليس بقرار له ولا متولد عنه فما تغير بذلك
فإنه خارج عن أصله ثم المخالط له على ضربين
طاهر ونجس فالطاهر يسلبه التطهير فقط فيصير
طاهرا غير مطهر كسائر المائعات والنجس يسلبه
الصفتين جميعا الطهارة والتطهير ويصير به نجسأ
من غير حد في ذلك مضروب ولا مقدار موقوت سوى
أنه يكره استعمال القليل منه الذي لا مادة له
ولا أصل إذا خالطته نجاسة ولم تغيره "كماء
الحب" والجرة وسائر ألأواني وآبار الدور
الصغار.
ولا يكره في الكثير كالحياض والغدر والآبار
الكبار ويجمع أوصافه أن يقال الماء على ضربين
مطلق ومضاف فالمتطهير هو المطلق دون المضاف
(1/24)
فالمطلق ما لم
يتغير أحدا أوصافه بما ينفك عنه غالبا مما ليس
بقرار له ولا متولد عنه فيدخل في ذلك الماء
القراح وما تغير بالطين لآنه قراره وكذلك ما
يجري على الكبريت وما تغير بطول المكث لانه
متولد عن مكثه وما تغير "بالطحلب" لانه من باب
مكثه وما انقلب عن العذوبة إلى الملح لانه من
أرضه وطول إقامته.
ويدخل فيه الماء المستعمل على كراهة استعماله
وكذلك القليل الذي لم تغيره النجاسة والمضاف
نقيض المطلق وهو ما تغير أوصافه أو أحدها من
مخالط له مما ينفك عنه غالبا وهو على ضربين
مضاف نجس ومصاف طاهر وذلك بحسب المخالط له وما
تغير بزعفران أو عصفر أو كافور أو غير ذلك من
الطيب أو بلبن أو خل أو بشيء من المائعات أو
الجامدات لانه مما خالطه ما ينفك عنه غالبا
فشبه بماء الباقا فهو طاهر غير مطهر.
فصل
والحيوان كله طاهر العين طاهر "السؤر" إلا ما
لا يتوقي النجاسات غالبا كالكلب والخنزير
والمشركين فأسئارهم مكروهة وفي الحكم طاهرة
إلا ما تغير منها عند إصابتهم النجاسة أكل
الكلب الميتة وأكل النصراني الخنزير وشربه
الخمر فإنه نجس.
(1/25)
ويغسل الإناء
من "ولوغ الكلب" في الماء سبعا ويراق الماء
استحبابا ولا يراق ما ولغ فيه الكلب من سائر
المائعات وفي غسل الإناء منه روايتان وأسآر
البغال والحمير وسائر الدواب والسباع والطير
طاهرة الا يكون شيء منها يأكل النجاسة على ما
بيناه وفي غسل الإناء من ولوغ الخنزير روايتان
ثم الحيوان بعد ذلك على ضربين بري وبحري
فالبحري طاهر العين حيا وميتا كان سمكا أو
غيره كان مما له شبه في البر أو مما لا شبه له
ينجس في نفسه ولا ينجس ما مات فيه من مائع
ويجوز التطهر بما مات فيه على الإطلاق الا أن
تغيره فيصير مضافا لا نجسا.
والبري ضربان منه ما له نفس سائلة كسائر ما
ذكرناه من الدواب وغيرها من الطير والفأرة
والسنانير فمات مات من ذلك نجس في نفسه وينجس
ما مات فيه من مائع غيره أو لم يغيره ولا ينجس
الماء إلا أن تغيره النجاسة إلا أنه يستحب نزح
البئر التي تموت فيها بحسب كبر الدابة وصغرها
وكثرة ماء البئر وقلته وذلك توق واستحباب وما
تغير وجب نزح جميعه إلى أن يزول التغير.
والضرب الآخر ما لا نفس له سائلة كالزنبور
والعقرب والخنفساء والصرار وبنات وردان وشبه
ذلك فحكم هذا حكم دواب البحر لا ينجس في نفسه
إذا مات ولا ينجس ما مات فيه من مائع أو ماء
وكذلك ذباب العسل والباقلاء ودود الخل.
ولا يجوز التطهر من حدث ولا نجس ولا بشيء من
المسنونات والمفروضات والقربات بمائع سوى
الماء المطلق.
ونبيذ التمر المسكر نجس كالخمر ولا يجوز شربه
ولا التطهر به للحدث ولا للنجس.
(1/26)
باب في
الاستنجاء وآداب الاحداث
ويختار لمريد الغائط والبول أن يبعد بموضع لا
يقرب منه أحد ولا يتسقبل القبلة ولا يستدبرها
إلا أن يكون في منزله أو بين البنيان فيجوز
ذلك
ولا ينبغي له قضاء الحاجة على "قارعة الطريق"
ولا شاطئ نهر ولا في ماء دائم إلا أن يكون
كثيرا جدا "كالمستبحر" ولا يكلم أحدا في حال
جلوسه للحدث وإذا أراد الاستنجاء فبشماله إلا
أن يكون له عذر ويفرغ الماء على يديه قبل أن
يلاقي بها الأذى والأفضل له أن يجمع بين الماء
والأحجار ويبدأ بالأحجار فإن اقتصر على أحدهما
أجزأه والماء أفضل وإن اقتصر على الأحجار جاز
ما لم يعد المخرج أو ما يقاربه فإن انتشر على
ذلك الموضع لم يجزه إلا الماء.
ويستحب له أن يأتي بالثلاثة وأن أنقى بدونها
أجزأه وكل جامد يحصل به الإنقاء فهو كالحجر في
الإجزاء وقد يخالفه في إباحة الابتداء إذا كان
مما له حرمة ويكره له العظم والبعر وإن وقع
بهما الإنقاء جاز ومن ترك الاستنجاء
"والاستجمار" وصلي بالنجاسة، فإن كان لعذر من
سهو أو عدم ما يزيلها به
(1/27)
أجزأه وأعاد إن
وجد الماء في الوقت وإن كان عامدا قادرا على
الإزالة لم يجزه وأعاد أبدا وليس على من بال
أن يقوم أو يقعد أو يزيد في التنحنح ولكن
"ينتثر" ذكره ويستفرغ جهده على ما يرى أن حاله
يقتضيه من طالة أو إقصار ويكره البول قائما في
موضع صلب لا يأمن تطايره عليه أو مقابلة الريح
ويجوز في الرمل والمواضع التي يأمن ذلك فيها.
(1/28)
باب منه آخر
كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس وذلك هو
البول والغائط والمذى والودى والمني ودم الحيض
والنفاس والاستحاضة وغير ذلك من أنواع البلل
والدماء كلها نجسة من إنسان أو حيوان له نفس
سائلة تجوز الصلاة بقليلها ولا تجوز بكثيرها
إلا دم الحيض ففيه روايتان.
والأبوال على ثلاثة أضرب: بل حيوان محرم الأكل
فهو نجس وبول حيوان مكروه الأكل فهو مكروه
وبول حيوان مباح الأكل فهو طاهر مباح الا أن
يعرض ما يمنعه مثل أن يكون غذاء ذلك الحيوان
النجاسة أوغالبه.
وأجزاء الميتة كلها نجسة إلا ما لا حياة فيه
كالشعر والصوف والوبر وكل حيوان في ذلك واحد
وجلود الميتة كلها نجسة لا يطهرها الدباغ غير
أنه يجوز استعمالها في اليابسات وعظم الميتة
وقرنها نجس.
(1/28)
باب التيمم
وفصوله خمسة: من يجوز له التيمم من المحدثين
وشروط جوازه وصفة التيمم وما يتيمم به
والصلوات التي يتيمم لها وتؤدي به فأما من
يجوز له التيمم فكل محدث حدثا أعلى أو أدني
ممن يلزمه الوضوء أو الغسل.
وأما شروط جوازه فشرطان: عدم الماء الذي يتطهر
به أو عدم بعضه فإن وجد دون الكفاية لم يلزمه
استعماله والشرط الآخر تعذر استعمال الماء مع
وجوده وكل واحد من هذين الشرطين متعلق بشروط
منها ما يعم ومنها ما يخص فأما ما يعم فهو أن
يكون محتاجا إلى التيمم وذلك بأن يدخل الوقت
ويتوجه عليه فرض الصلاة فإن قدمه على ذلك فلا
يجزئه.
وأما ما يخص فهو عادم الماء لا يجوز له التيمم
إلا بعد طلب الماء "واعوازه" وإن وجده بثمن
مثله أو غالبا غير "متفاحش" لزمه شراؤه إلا أن
"يجحف به" وهذه الشروط منتفية في القسم الآخر
وهو تعذر استعماله وأما جوازه لتعذر الاستعمال
فيعتبر فيه أربعة شياء خوف تلف أو زيادة مرض
أو تأخر برء أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه.
والثاني: أن يجد الماء ويخاف لخروجه إليه
لصوصا أو سباعا فيجوز له التيمم.
والثالث: أن يخاف متى تشاغل باستعماله فوات
الوقت لضيقه أو تأخر المجيء به أو لبعد
المسافة في الوصول إليه أو لعدم الآلة التي
توصله إليه كالدلو "والرشاء".
والرابع: أن يخاف على نفسه أو إنسان يراه
التلف من شدة العطس أو يخاف ذلك في ثاني حال
أو يغلب على ظنه أنه لا يجده وأما المحبوس
فكعادم
(1/29)
الماء وكذلك
المريض الذي عنده ماء ولا يجد من ينأوله إياه
فهو كعادم الآلة وليس من شرطه ألا يكون حاضرا
بل يجوز للحاضر والمسافر على الشروط التي
ذكرناه.
وأما صفة التيمم فهي أن يضع يديه على الصعيد
ثم يمسح بها وجهه كله ويديه إلى المرفقين وقيل
إن اقتصر على الكوعين أجزأه.
والاختيار ضربان وإن اقتصر على واحدة جاز.
فأما ما يتيمم به فالأرض نفسها وما تصاعد
عليها من أنواعها كالتراب "والجص" والنورة
والرمل والزرنيخ وغير ذلك مما في بابه وليس من
شروطه "علوق" شيء بالكف بل يجوز بالحجر الصلد
الذي لا يتعلق باليد شيء منه فأما ما يتيمم له
فكل قربة لزم التطهر لها بالماء كالصلوات كلها
ومس المصحف وغسل الميت ولا يكاد يتصور في
الطواف إلا للمريض ولا يجوز التيمم لجنازة في
الحضر إلا أن يتعين الفرض عليه ولا يجوز الجمع
بالتيمم بين صلوات فروض على وجه ويجوز بين
نوافل عدة ويجوز الجمع بين الفرض والنفل إذا
قدم الفرض قبل النفل ويجوز التنفل بتيمم الفرض
ولا يجوز الفرض يتيمم النفل والجنب ينوي
بتيممه الحدث الأصغر ناسيا لجنابته ففيه
روايتان ولا يخلو مريد التيمم من ثلاثة أحوال
إما أن يغلب على ظنه اليأس من وجود الماء في
الوقت أو يغلب على ظنه وجوده ويقوي رجاؤه أو
يتسأوى عنده الآمران فالأول يتيمم أول الوقت
والثاني آخره والثالث وسطه. هذا هو الاختيار
ومن تيمم ثم وجد الماء فله ثلاثة أحوال إما أن
يجده قبل الدخول في الصلاة أو بعد الشروع فيها
أو بعد الفراغ منها فالأول يلزمه استعماله
ويبطل تيممه إلا أن يكون الوقت من الضيق بحيث
يخشى معه فوات الصلاة إن تشاغل به والثاني
يمضي على صلاته ولا يؤثر وجود الماء شيئا
وكذلك الثالث والتيمم لا يرفع الحدث وفائدة
ذلك شيئان منع الجمع بين الفرضين بتيمم واحد
وإنه إذا وجد الماء بعد تيممه تطهر للحدث
المتقدم.
(1/30)
باب المسح على الخفين وما يتعلق به
المسح على الخفين جائز في السفر والحضر للرجال
والنساء إذا أدخل رجليه في الخفين بعد كمال
وضوئه من غير توقيت بمدة من الزمان لا يقطعه
إلا الخلع,
(1/30)
أو حدوث ما
يوجب الغسل كان الخف صحيحا أو فيه خرق يسير لا
يمنع متابعة المشى ويستحب للمقيم خلعه كل جمعة
للغسل وإذا خلعهما غسل رجليه وبطل حكم المسح
ولا يجوز المسح على "جوربين" غير مجلدين وفي
المجلدين والجرموقين روايتان والمختار مسح
أعلاهما وأسفلهما فإن اقتصر على أعلاهما أجزأه
وإن اقتصر على أسفلهما لم يجزه ولا يجوز المسح
على عمامة ولا على خمار ولا على حائل دون عضو
سوى الرجلين إلا لضرورة كسر أو جرح فيمسح على
الجبائر والعصائب شدهما محدثا أو متطهرا بخلاف
الخفين.
(1/31)
باب في الحيض والنفاس وما يتصل بهما
والدماء التي "ترخيها" الرحم ثلاثة دم حيض ودم
نفاس ودم علة وفساد وهو الاستحاضة. فأما دم
الحيض فهو الخارج من الفرج على وجه الصحة بغير
ولادة والنفاس ما كان عقيب الولادة والفساد ما
خرج عن صفتيهما "ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد
عشر شيئا".
(1/31)
وهي وجوب
الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم دون وجوبه
وفائدة الفرق لزوم القضاء للصوم ونفيه للصلاة
والجماع في الفرج وما دونه والعدة والطلاق
والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والاعتكاف
وفي قراءة القرآن روايتان ويمنع الجنب من
القرآن إلا الآيات اليسيرة للتعوذ.
وأقل الحيض والنفاس لا حد له وأكثر الحيض خمسة
عشر يوما وأكثر النفاس ستون يوما ولا حد لأقل
الاستحاضة ولا أكثرها ولا بد من طهر يفصل بين
الحيضتين وأقله خمسة عشر يوما على الظاهر من
المذهب ولا حد لأكثره والحائض ضربان مبتدئة
ومعتادة فالمبتدئة تترك الصلاة برؤية أول دم
تراه إلى انقطاعه وذلك إلى تمام خمسة عشر يوما
أو مدة أيام لذاتها على اختلاف الرواية فإن
زاد على ذلك فإن اعتبرنا الخمسة عشر يوما
اغتسلت وصلت وصامت وكانت مستحاضة وإذا اعتبرنا
أيام لذاتها استظهرت بثلاثة أيام ما لم تجاوز
خمسة عشر يوما.
وفي المعتادة روايتان إحداهما بناؤها علي
عادتها وزيادة ثلاثة أيام والأخرى جلوسها إلى
آخر الحيض ثم يعملان فيما بعد على التمييز إن
كانت من أهله فإن عدمتا التمييز صلتا أبدا ولم
تعتبرأبعاده وإذا انقطعت أيام الحيض والنفاس
وجب التلفيق إلى أن تكمل الأيام المعتبرة في
الجلوس مالم
(1/32)
يتخللها طهر
كامل فيكون ما بعده حيضا مؤتنفا والصفرة
والكدرة كالدم الأحمر والأسود.
والحامل تحيض ولا تمنع الاستحاضة شيئا يمنعه
الحيض وللطهر علامتان الجفوف والقصة البيضاء
وإذا طهرت الحائض لم توطأ إلا بعد الغسل.
(1/33)
|