التنبيه
على مبادئ التوجيه - قسم العبادات التنبيه على مبادئ التوجيه
قسم العبادات
لأبي الطاهر إبرهيم بن عبد الصمد بن بشير
تحقيق ودراسة
الدكتور محمد بلحسان
المجلد الأول
مركز الإمام الثعالبي للدراسات ونشر التراث
دار ابن حزم
(1/1)
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1428هـ -2007مـ
2 - 490 - 81 - 9953 - 978 ISBN
الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها
مركز الإمام الثعالبي للدراسات ونشر التراث
الجزائر -هاتف وفاكس:017029011 - جوال: 072745624
دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت - لبنان -ص. ب: 6366/ 14
هاتف وفاكس: 701974 - 300227 (009611)
بريد إلكتروني: ibnhazim@cyberia.net.ib
(1/2)
التنبيه على مبادئ التوجيه
قِسْمُ العِبَادَاتْ
(1)
(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/4)
المقَدّمَة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنه من نافلة القول وفضول الكلام، أن يقال بأن الفقه الإسلامي، هو زبدة
العلوم الإسلامية، وقطب رحاها بل غايتها ومنتهاها، فذاك أمر أطبق عليه
جمهور المسلمين، فمعظم العلوم الإسلامية تهدف إما إلى الوثوق من ثبوت النص
الشرعي، أو استثمار الحكم منه وفق المراد الإلهي، ثم تنزيله على واقع
الحياة، وهذا هو الفقه الضابط لأفعال المكلفين، الجالب للسعادة في الدارين،
فاستقامته ونضجه ضروريان لاستقامة ورقي المجتمع المسلم، ولا يتأتى له ذلك
إلا إذا خَلُصت موارده وقوّمت مناهجه. وقد أدرك السلف هذه الحقائق، فانكبوا
على دراسة وتهذيب هذا العلم وتطوير موارده فآخوا فيه بين العقل والنقل،
وخصوا منهجه بعلم هو علم أصول الفقه، فقوّم بذلك أوده وتحقق كماله ونضجه.
فظهرت فيه المهارات الفكرية والقدرات العقلية الرفيعة تجلت في الأئمة
الفقهاء، خاصة تلك الكوكبة الأولى من المجتهدين مؤسسي المذاهب.
وفي طليعتهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة، الذي تجلت ريادته في
عطائه الفقهي المبني على أصح الأصول وأحكم القواعد، وقد عبّر عن ذلك ابن
تيمية بقوله: "ومن تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة، وجد أصول مالك وأهل
المدينة أصح الأصول والقواعد، قد ذكر ذلك الشافعي
(1/5)
وأحمد وغيرهما" (1) فذاع مذهبه وانتشر في
كافة الأصقاع وأصبح التمسك بمذهبه رمزًا للتمسك بالسنة ومجانبة البدعة
وأصحابها، ومحبة الإمام في زمانه دليلًا على محبة السنة. وقد كتب لهذا
المذهب الانتشار والذيوع في الثغر الغربي للأمة الإسلامية فقام بدوره أحسن
قيام، ولو لم يكن له من فضل ومنة على هذا الثغر وأهله إلا أن حماهم وحفظ
بيضتهم من أن تكسر على أيد أهل التشيع والنصب والخوارج والمعتزلة لكان هذا
وحده فضلاً عظيمًا ومنة لا تضاهيها منة. يدرك ذلك من اطلع على تلك الصراعات
المذهبية المتأججة في الشرق. هذا فضلاً على ما لهذا المذهب من مميزات رجحته
على غيره من المذاهب، أهمها مراعاته للمصلحة، وميله إلى التيسير المنسجم مع
سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما
ما لم يكن حرامًا.
وقد توالى أئمة المالكية على اختلاف مدارسهم وتنوع مشاربهم على خدمة هذا
المذهب وصقله واستمراره حياً نابضاً مهيمناً على الحياة، ضابطًا لتطورها
موجهاً لمسارها، فظهرت لهم في ذلك آثار طيبة وثمار يانعة سعدت بها البلاد
والعباد.
إلا أن هذه الآثار وتلك الثمار بدأت تذبل شيئاً فشيئًا وتتلاشى نضارتها
ويناعتها خاصة في العصور المتأخرة جداً، عندما أصبح الفقه عاريًا من الدليل
مجردًا من الأصول بعيدًا عن الاستدلال والبحث النظري، فسيطرت بذلك المؤلفات
التي قصد بها تبيين ما به العمل والفتوى على الدرس الفقهي، مقابل هجر
المؤلفات التي تعتني بذكر الخلاف، ومثاراته، والاتفاق ومظانه، وأصول
المذاهب وقواعدها وأنواع الأدلة ومراتبها، والتي تعتبر ضرورية لتحصِل
الملكة الفقهية والتمرس على استثمار الأحكام اللازمين لاستمرار الاجتهاد.
وقد بلغت الانتكاسة أوجها بسيطرة شروح مختصر خليل بن إسحاق
__________
(1) مجموع الفتاوى 20/ 328.
(1/6)
على الدرس الفقهي، حتى قال قائلهم: "فحن
أناس خليليون، إن ضل ضللنا" (1). فأصبح كثير من المهتمين بتاريخ الفقه
الإسلامي يرون المذهب المالكي من خلال بعض المختصرات وشروحها، فأصدروا في
حقه أحكامًا لا تنسجم وواقع المذهب ولا تتسم بالدقة، لعدم اعتمادها على
مقتضيات التأريخ العلمي، والذي من أهم أركانه الدراسة المتأنية والمسح
الكامل لأهم ما كتبه الفقهاء، وهذا أمر منيع المطلب صعب المرام في هذا
الوقت على الأقل وذلك لسبب واحد وهو أن كثيراً من المؤلفات الفقهية لا زالت
مخطوطة أو مفقودة.
فلكي نتمكن من التأريخ السوي لفقهنا لا بدّ لنا أولاً من إنقاذه من التلف
والضياع، وذلك بإخراج الدرة إثر الدرة واللؤلؤة النادرة في عقب أختها، ثم
تسليط أضواء النقد عليها في رحابة صدر ونقاوة منهج، فيتعاون الكل على صقل
هذه الدرر وجلاء تلك اللآلئ.
وقد يقول قائل ها نحن قمنا بتحقيق تلك الكتب وأخرجناها إلى الوجود، وتوصلنا
إلى أحكام دقيقة وسوية على المنهجية الفقهية المالكية ... فما الثمرة التي
نجنيها من ذلك؟ وبأي شيء تفيدنا في عصر الذرة والفضاء والعولمة الاقتصادية
والفكرية؟ أليس في هذه الكتب الموجودة كفاية؟ أليس من الأجدى أن نبذل هذه
الجهود في أمور تساعدنا على التخلص من ربقة التخلف والتبعية للغرب؟ تساؤلات
كثيرة من هذا القبيل نسمعها من هنا وهناك.
والإجابة عن هذه التساؤلات ليست من عزائم هذه المقدمة ولا من أهدافها، ورغم
ذلك أقول وباختصار: إن هذه التساؤلات تدور حول نقطتين
__________
(1) نيل الابتهاج للتمبكتي ص: 171، والقائل هو: ناصر الدين اللقان المتوفى
سنة 958هـ. نعم هناك بعض الإيجابيات للمختصرات، منها: تسهيل حفظ العلم
وسرعة استحضار الأحكام ... ولكنها عيبت لما اقتصر العلماء عليها وحصروا
أنفسهم في شروحها وحواشيها، ونسوا أصول العلم ومصادره.
(1/7)
رئيستين: الأولى: وهي وجوب الاهتمام
والتركيز على الجوانب المادية والاقتصادية. والثانية: وهي إمكانية الاكتفاء
بالكتب المطبوعة، ففيها التوضيح الكافي للعبادات التي كُلفنا بها.
ويمكن الإجابة عن هذه التساؤلات بما يلي:
فالنقطة الأولى يمكن أن يقال عنها: إن المعركة المستعرة الآن تدور حول
الهوية والمفاهيم الثقافية والحضارية، ومحاولة تعميم القيم والمبادئ
الغربية، وجعلها نموذجًا حضاريًا كاسحًا ومعيارًا ثقافيًا إلغائيًا.
فمشكلتنا مشكلة فكرية وهزيمتنا هزيمة نفسية قبل أن تكون هزيمة مادية، وقد
علمنا التاريخ كيف أن الواثق بنفسه المعتز بحضارته وقيمه ينتصر في النهاية
وإن كان ضعيفًا ماديًا.
فالبعث والنهوض بواقع الأمة الراكد والراكن إلى الجمود والاجترار والانزلاق
نحو التغريب والانسلاخ من منظومته وقيمه المعرفية، لم ولن يكون إلا بالرجوع
إلى ركائز الرسالة الخالدة؛ رجوعًا عقلانيًا بعيدًا عن العاطفة وتسطيح
الأمور وتبسيطها مع مراعاة السنن الإلهية في هذا الكون، والأخذ بالأسباب
المادية المشروعة، فإن عزمنا على ذلك فلا مناص لنا من استلهام الماضي
والتوغل في العمق التاريخي لاكتناه حقيقة تراثنا والاطلاع على مواقع القوة
والضعف وأسباب النهوض والسموط، وإخضاعه لعملية نقدية، بل تشريحية جريئة
بعيدة عن كيل المدائح والاقتصار على الافتخار والتقديس. وهذا كله لا يحط من
قدره أو ينزل من قيمته بل غاية ما يقصد منه الوقوف على تجارب الأسلاف لتجنب
أخطائهم واستصحاب صوابهم. وبذلك نصل إلى التجديد والتجدد الذاتي.
والتراث الفقهي يعد حلقة رئيسية وأساسية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في
فهمنا للتراث عمومًا والكتاب والسنَّة خصوصًا، وذلك لتضمنهما عصارة أفكار
وجهود أئمة الإسلام.
وبالنسبة للنقطة الثانية، فإنه لا يقول بها إلا من يرى الحياة جامدة
(1/8)
والأيام نسخًا لا تتبدل ولا تتغير. والواقع
غير ذلك، فالأمة الإسلامية عرفت تغيرات جذرية عميقة، والعالم كله خضع
لانقلابات اجتماعية مهولة. وهذا يفرض علينا إعادة النظر في ترجيحات
واختيارات الأوائل, لأنّ ما كان راجحًا في زمانهم ليس هو بالضرورة الراجح
في زماننا، وهذا ما يعبر عنه بالاجتهاد الانتقائي، الذي مارسه أسلافنا من
قبل فيما يعرف "بالعمل"، ونحن في أمس الحاجة إليه الآن، ولا تتم هذه
العملية إلا بإخراج الكتب التي اعتنت بالتشهير والترجيح وتضمنت الأقوال
التي حكم عليها بالضعف أو الشذوذ لظروف زمانية أو مكانية متغيرة.
فالقول إذاً بالاكتفاء بما هو موجود غير مسلم.
والمتأمل في المسيرة العلمية المعاصرة يلاحظ أنها لا زالت في بداية طريقها
رغم الجهود الخيرة المبذولة والتي لا يمكن أن تخطئها عين الملاحظ. إلا أنه
رغم ذلك لا يمكننا أن نعتبر تلك الجهود كافية ومرضية، وخاصة بالنسبة للتراث
الفقهي المالكي الذي لا زال كثير من عطاء أساطينه حقلًا غُفلًا لا نعرف عنه
إلا القليل، ولا يعوزني الدليل على ذلك، فالنماذج كثيرة أكتفي بالإشارة إلى
تراث الإمام الذي بين يدي الآن، أعني أبا الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن
بشير التنوخي، المترفع عن درجة التقليد إلى رتبة الاجتهاد والترجيح. والذي
يعد اجتهاده قولاً داخل المذهب ولا تكاد تجد كتابًا من كتب المالكية
المعتبرة إلا وينقل عنه ويستشهد بأقواله.
هذا الإمام على جلالته ومكانته الرفيعة لم يحقق له أي كتاب ولم تنجز عنه
أية دراسة- حسب علمي- إلى هذه اللحظة.
كل ما سبق ذكره أقنعني بمشروعية وأهمية البحث في التراث الفقهي وحقل
المخطوطات. لكن كنت أتهيب اقتحام ذلك العالم لما للخوض فيه من مثبطات
ومعوقات، سواء على مستوى الحصول على المخطوط أو قراءته أو تحقيقه وإخراجه.
ولا يستطيع تجاوز ذلك إلا من أوتي صبراً طويلاً ونفسًا عميقًا، وأخذ بناصية
أدوات التحقيق وانقادت له آلياته. وأنا لا أرى نفسي كذلك، فزادي قليل
وبضاعتي مزجاة. لكني أقدمت على ارتياد
(1/9)
هذا الميدان، مساهمة مني في البعث الحضاري
المنشود على قدر الطاقة والوسع، وما يبلغ إليه الجهد أو تناله الحيلة.
ورغبة مني في المعرفة إذ العلم بالتعلم والخبرة بالإقدام والممارسة.
لما تبلورت في ذهني فكرة البحث في التراث، رميت بطرفي نحو الخزانات أنقر
فيها، وأمعن في الفحص وأتعمق في البحث لعلي أقف على نفيسة من نفائس
مخطوطاتنا وعيون تراثنا. وشيئًا فشيئًا بدأت تظهر لي علامات اليمن وأمارات
الخير، فاستقر أمري في النهاية على وعاء من أوعية الفقه المالكي بل غرة من
غرره، وشهاب ساطع من شهبه. إنه كتاب "التنبيه على مبادئ التوجيه" لأبي
الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي.
وقد وقع اختياري على هذا الكتاب لاعتبارين رئيسين: الأول: راجع إلى المؤلف،
والثاني: إلى المؤلِف.
فبالنسبة للاعتبار الأول فيمكن حصره في النقط التالية:
1 - كون الكتاب من أجلّ كتب ابن بشير وأشهرها عند العلماء وأكثرها تداولًا
بينهم، حتى إنه إذا قيل: قال ابن بشير فإنه ينصرف غالبًا إلى قوله في
"التنبيه".
2 - تضمن الكتاب لخلاف المذهب وجمعه لأقواله، سواء منها الضعيفة أو الشاذة
أو الراجحة أو المشهورة، وهذا كله يوسع دائرة الاجتهاد الانتقائي المنشود.
3 - حرصه على ذكر مثارات الخلاف وأسبابه ودواعيه، وغير خفي ما لذلك من
أهمية في معرفة أصول المذاهب وقواعدها.
4 - ربطه للمسائل الفقهية بأدلتها، وتبيين عللها وأصولها، وتوضيح طريقة
استثمار الأحكام منها.
5 - توظيفه لعدد هائل من القواعد الأصولية والفقهية، البعض منها نادر،
وقليل الدوران على ألسنة الفقهاء.
(1/10)
6 - اختصار عبارته مع وفائها بالمقصود، فهي
ليست بالطويلة المملة، ولا بالموجزة المخلة.
7 - الكتاب عبارة عن دعوة للاجتهاد والترفع عن التقليد، وتنظير ذلك ورسم
معالمه.
وبالنسبة للاعتبار الثاني وهو الراجع إلى المؤلِف، فيمكن حصره في نقطتين
رئيستين:
الأولى: إذا نظرنا إلى تراث هذه الأمة فإننا نجد أن تراثها، أخصب تراث
وأغزره وأغدقه، تعاقبت عليه أيادي الأجيال فأحكمت بنيانه ووطدت أركانه
وصيرته سلس المطلب داني الملتمس، إلا أن هؤلاء الأئمة الذين ساهموا في بناء
صرح هذا التراث العظيم، لا زال الكثير منهم في قوائم الإغفال وزوايا
الإهمال، طويت ذكراهم وراحت مع أدراج النسيان.
وهذا لا ينسجم مع أخلاق الحب والوفاء، والاعتراف بالجميل لأهله. فهؤلاء لهم
دين علينا وفضل يطوّق أعناقنا، ومن الواجب علينا الوفاء بهذا الدين،
والاعتراف بذلك الفضل، وإن أقل ما يفعل في حقهم بعد الدعاء لهم هو إخراج
كتبهم والتعريف بأشخاصهم وتخليد ذكراهم، وإذاعة فضلهم ليكون لهم "لسان صدق
في الآخرين".
الثانية: إن ابن بشير لم يكن فقيهًا عاديًا بل يعد من أشهر الأعلام الذين
أنجبتهم المدرسة المالكية. فقد آتاه الله عقلًا نقادًا وذهنًا وقادًا وقدرة
على التحليل والتعليل، ولا غرو في ذلك فقد شب إمامنا في بيئة علمية رضع من
ألبانها وتزود من ثمارها، أعني البيئة الإفريقية التي كانت إلى حدود زمن
ابن بشير قيّمة على الحياة الفكرية والثقافية ببلاد المغرب، ولعل هذا ما
أهله للانضمام إلى المدرسة النقدية التي أسسها أبو الحسن اللخمي فتعاطى
للنقد وهو أعلى درجات الإمامة بل تصدى لانتقاد إمام المدرسة نفسه.
خطة البحث:
فيما يخص خطة البحث فقد اقتضى النظر أن تكون من شقين: شق يتعلق بالدراسة
وشق يتعلق بالتحقيق.
(1/11)
فبالنسبة للشق الأول المتعلق بالدراسة، فقد
جعلته في مقدمة وثلاثة فصول.
الفصل الأول: خصصته للحديث عن عصر ابن بشير، وقد قسمته إلى مبحثين:
المبحث الأول: تحدثت فيه عن الوضع السياسي، وقد جاء في خمسة مطالب ضمنتها
الحديث عن الحالة السياسية في بغداد، ومصر، والمغرب، والأندلس، وختمت ذلك
بالحديث عن إفريقية موطن ابن بشير.
المبحث الثاني: عقدته للحديث عن الوضع الثقافي والفكري لعصر ابن بشير. وقد
جاء في ثلاثة مطالب، تناولت فيها الحالة الثقافية للشرق الإسلامي، والمغرب
والأندلس وإفريقية.
الفصل الثاني: خصصته للحديث عن حياة ابن بشير وقد جاء في مبحثين.
المبحث الأول: تناولت فيه حياته الشخصية، وقد قسمته إلى خمسة مطالب، تحدثت
فيها عن اسمه ونسبه، وموطنه ومكان نشأته، وطلبه للعلم، وأخلاقه، وشيوخه.
المبحث الثاني: أنشاته للحديث عن عطائه العلمي. وقد جاء في تسعة مطالب
ضمنتها الحديث عن مؤلفاته، ومكانته العلمية، وتأثيره على من جاء بعده،
وموقفه من البدعة وأصحابها، كما تعرضت فيه لأهم الانتقادات التي وجهت له،
وحددت المراد [بابن بشير] عند الإطلاق لدى المالكية. ثم حاولت أن أجيب فيه
عن سبب إهمال المترجمين له. وختمت المبحث بالحديث عن وفاته.
أما الفصل الثالث: فقد عرفت فيه بالكتاب المحقق وقد جاء في خمسة مباحث.
المبحث الأول: تحدثت فيه عن توثيق الكتاب وبيان منهجه. وقد جعلته في خمسة
مطالب تحدثت من خلالها عن اسم الكتاب، ونسبته لابن
(1/12)
بشير، وأسلوبه، ولغته، وطريقة تنظيمه،
ومنهج تناوله للمسائل الفقهية.
المبحث الثاني: عقدته للحديث عن الخلاف الفقهي عند ابن بشير. وقد جاء في
خمسة مطالب، أوضحت من خلالها اقتصار ابن بشير على الخلاف داخل المذهب،
واعتنائه بذكر ثمرة الخلاف، والخلاف في الحال، وخلاف التنوع، ثم ختمته
بالحديث عن أسباب الخلاف.
المبحث الثالث: تحدثت فيه عن النقد عند ابن بشير، وقد جاء في خمسة مطالب
تناولت فيها تعقبه للخمي وغيره من العلماء، كما أشرت إلى منهجه في الترجيح،
وموقفه من المشهور والشاذ.
المبحث الرابع: تحدثت فيه عن الاجتهاد عند ابن بشير، وقد جاء في سبعة
مطالب. تناولت فيها الحديث عن أنواع الاجتهاد، ومنزلة ابن بشير الاجتهادية،
وطريقة توظيفه للقواعد الفقهية والأصولية، وأخيرًا أبرزت القيمة العلمية
للكتاب.
المبحث الخامس: تحدثت فيه عن المنهج الذي سلكته في التحقيق.
أما الشق الثاني المتعلق بالتحقيق فيتضمن الجزء المحقق، ويبتدئ من أول كتاب
الطهارة إلى آخر كتاب الزكاة، وقد تتبعت في إخراجه الخطوات التالية:
أولًا: حاولت قدر المستطاع أن أخرج النص بأفضل أسلوب وأشرق عبارة تتفق مع
المعنى المراد وذلك وفق المنهج الانتقائي القائم على اختيار أصح العبارات
... كما قمت بكتابة النص وفق قواعد الإملاء، وضبطته بالنقط والفواصل.
ثانيًا: قمت بوضع عناوين للفصول، والمسائل المتناولة داخل الفصول ووضعتها
بين قوسين تمييزاً لها عن العناوين التي وضعها المؤلف.
ثالثًا: ضبطت أرقام الآيات والسور التي وردت فيها.
رابعًا: قمت بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في النص وذكرت مصادرها
وألفاظها، وأشرت في بعض الأحيان إلى درجة الأحاديث صحةً أو ضعفًا.
(1/13)
خامسًا: عرّفت بالأعلام التي تحتاج إلى
تعريف عند أول ورودها في النص المحقق، أما الأعلام التي ورد ذكرها في قسم
الدراسة فاكتفيت بذكر اسمها الكامل وتاريخ وفاتها.
سادسًا: قمت ببعض التعليقات على النص من حين لآخر تجلية وتوضيحًا لبعض
المسائل.
سابعًا: وثقت النصوص التي رأيت أنها تحتاج إلى ذلك.
ثامنًا: وضعت فهارس للآيات والأحاديث والأشعار والمصادر والمراجع والمواضع.
هذه جهودي المتواضعة في هذا البحث، وإني على يقين أنها في أمس الحاجة إلى
مزيد من التدقيق والتحقيق، رغم أني بذلت قصارى جهدي وطاقتي، وقد أبى الله
ألا يكمل إلا كتابه.
ولن أضع القلم من يدي وأنهي هذه الكلمة، قبل أن أسجل باعتزاز، شكري
وامتناني لأستاذي الفاضل، أستاذ النبل والمروءة، الدكتور أحمد الريسوني
الذي تكرم بقبول الإشراف على هذه الأطروحة رغم كثرة مشاغله وتعدد
اهتماماته، ولم يبخل علي بتوجيهاته القيمة وآرائه السديدة وملاحظاته
الدقيقة، فقدم لي ذلك كله بعطف ولطف. فجزاه الله عني خير الجزاء. وبارك له
في علمه وعمره وعياله.
كما أتقدم بخالص تشكراتي إلى كل من ساعدنى من قريب أو بعيد في إنجاز هذا
البحث.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(1/14)
|