التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الزكاة (1) الأول)
520 - ولا زكاة في أقل من خمس أواق من الفضة (2) ، وأوقية الفضة أربعون درهماً، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة، وفي العشرين [ديناراً] نصف دينار (3) ، وما زاد على ذلك، قل أو كثر، أخرج منه ربع عشره.
521 - ومن له مائة درهم وعشرة دنانير، أو مائة درهم وعشرة دراهم وتسعة دنانير فعليه الزكاة، ويخرج ربع [عشر] كل
_________
(1) معناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاءً بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان وانظر: الذخيرة للقرافي (3/5) ، والتفريع (1/274) ، والمعيار (1/430) ، والبيان والتحصيل (2/355) .
(2) رواه مالك (1) في الزكاة، والبخاري (1477) ، ومسلم (979) .
(3) رواه أبو داود (1573) ، وابن ماجة (1790) .

(1/395)


صنف منها، ومن له مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه. وصرف الزكاة عشرة دراهم بدينار.
522 - ويجمع بين الفضة والذهب في الزكاة كما يجمع زكاة الماشية، الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى العراب وهي في البيع أصناف مختلفة.
ومن له تبر مكسور ودنانير ودراهم وزن جميع ذلك عشرون ديناراً

(1/396)


زكاة، ويخرج ربع عشر كل صنف، وله أن يخرج في الزكاة عن الدنانير ورقاً بقيمتها، وقال في باب بعد هذا: ويخرج عن الورق ورقاً أو قيمة ذلك ذهباً.
523 - ومن تجر بعشرة دنانير وصارت عشرين زكاها لتمام حول الأصل. وحول ربح المال حول أصله، كان الأصل نصاباً أم لا، كولادة الماشية.
قال ابن القاسم: وإذا مضى لعشرة دنانير عنده حول وأنفق خمسة، ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعة فباعها بخمسة عشر فلا شيء عليه حتى يبيعها بعشرين، وإن كانت النفقة بعد الشراء وباع السلعة بعد ذلك بستة أو أقل أو

(1/397)


أكثر بخمسة عشر زكى عن عشرين.
وقال المغيرة وغيره: عليه الزكاة، [أنفق] قبل الشراء أو بعده، وإن لم يتم حول العشرة حتى اشترى منها السلعة ثم باعها فلا يزكي حتى يبيع بعشرين، كانت النفقة قبل الشراء أو بعد.
524 - ومن باع عشرة دنانير بعد حولها بمائتي درهم زكاها حينئذ، ولم يؤخر كمن باع ثلاثين ضانية حلوباً بعد الحول قبل مجيء الساعي بأربعين من المعز، وهي من غير ذوات الدر أو باع عشرين جاموساً بثلاثين من البقر أو

(1/398)


باع أربعة من البخت بخمس من الإبل العراب، فإن الساعي يأخذ منها الزكاة إذا قدم.
525 - وإذا تم حول عشرين ديناراً عنده فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين زكى العام الأول نصف دينار، وزكى تسعة وثلاثين [ديناراً] ، ونصفاً لعامه هذا، إلا أن يكون عنده عرض يساوي نصف دينار، فيزكي عن عامه هذا أربعين. وإن باعها قبل تمام حول ثان بثلاثين، زكى نصف دينار عن السنة الأولى ثم استقبل بتسعة وعشرين ونصف حولاً من يوم حل حول العشرين.
526 - ومن اشترى بمال حل حوله ولم يزكه خادماً فمات، أو فرط فيه حتى ضاع فعليه الزكاة، وإن لم يفرط حتى ضاع كله أو بقي منه تسعة عشر ديناراً فلا زكاة عليه.
* * *

(1/399)


زكاة الحُلِيّ
527 - ولا زكاة فيما اتخذه النساء من الحلي ليكرينه أو ليلبسنه، ولا فيما اتخذه الرجل منه للباس أهله وخدمه، والأصل [له] ، ولا فيما انكسر [منه] فحبسه لإصلاحه. (1)
528 - وما ورث الرجل من الحلي فحبسه ينوي به التجارة، أو لعله يحتاج إليه في المستقبل، ولم يحبسه للباس، فليزك وزنه كل عام، إن كان فيه ما يزكى، أو كان عنده من الذهب والورق ما تتم به الزكاة، وليس في حلية السيف والمصحف والخاتم زكاة.
529 - ومن اشترى حلياً للتجارة وفيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/474) .

(1/400)


واللؤلؤ فحال حوله وهو غير مدبر زكى وزن الذهب والورق، ولا يزك الحجارة حتى يبيع.
530 - وإن كان مدبراً زكى قيمة الحجارة في شهره الذي يقوّم فيه ويزكي وزن الذهب والفضة ولا يقوّمه.
531 - وروى ابن القاسم وعلي وابن نافع [أيضاً] : إذا اشترى رجل حلياً أو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج باع، أو لتجارة [زكاه] .
وروى أشهب معهم فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة ولا يستطيع نزعه، فلا زكاة عليه حتى يبيعه، وإن لم يكن مربوطاً فهو كالعين يزكيه

(1/401)


كل عام.
وقال أشهب وابن نافع في روايتهما: إنه كالعرض يشتري للتجارة، فالمدبر يقوم جميعه، وغير المدبر لا يزكيه حتى يبيع فيزكي ثمنه لعام واحد.
وإن ابتاع مدبر آنية ذهب زكى وزنها لتمام الحول لا قيمتها وإن كثرت، فإن كان وزنها لا تجب فيه الزكاة وحال عليه عنده حول ولا مال له غيره، فلا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بعد الحول بما يجب فيه الزكاة فيزكي الثمن مكانه.

(1/402)


532 - وليس على عبد أو من فيه بقية رق زكاة في عين ولا حرث ولا ماشية ولا فيما يدير للتجارة، ولا في شيء من الأشياء، ولا على السيد [أن يزكي] عنه، ولا يزكي ما معه من مال حتى يحول عليه الحول [وهو] في يديه من يوم عتق، ولا زكاة على السيد فيما قبض منه إلا بعد حول من يوم قبضه.
533 - وتجب الزكاة على الصبيان واليتامى والمجانين في العين والحرث والماشية وفيما يديرون للتجارة. (1)
534 - ومن اشترى نوعاً من التجارة مثل الحنطة في وقتها ينتظر بها الأسواق وليس بمدبر
_________
(1) أوجز المصنف إيجازاً بالغاً في كلامه على زكاة الصبيان والمجانين وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/379) ، والموطأ (11، 13) ، ومصنف عبد الرزاق (4/72) .

(1/403)


فبارت عليه وأقامت أحوالاً فلا زكاة عليه فيها حتى يبيع فيزكي زكاة واحدة.
535 - علي عن مالك: وكذلك من له دين تجب فيه الزكاة فقبضه بعد سنين فليس عليه فيه إلا زكاة واحدة، ولو كانا يزكيان لأخرج عن العرض عرضاً، وعن الدين ديناً، لأن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، وإنما قال النبي ÷: "الزكاة في العين والحرث والماشية" (1) ، فليس في العرض شيء حتى يصير عيناً.
536 - ومن كانت عنده دابة للتجارة فاستهلكها رجل فأخذ منه بقيمتها سلعة، فغن [كان] نوى بها التجارة زكى ثمنها ساعة يبيعها إن كان مضى لأصل ثمن الدابة حول من يوم زكاه، وإن نوى بها القنية (2) فلا
_________
(1) رواه مالك في الموطأ، (3 - الزكاة) .
(2) أي الجمع.

(1/404)


شيء عليه، وإن باعها، [حتى يحول الحول على ثمنه] من يوم باعها، وإن أخذ في قيمتها عيناً زكاه ساعة يقبضه إن كان حال على الأصل حول [وهو ثمن الدابة المستهلكة] ، فإن لم يمض له حول ثم اشترى به سلعة ينوي بها التجارة فهي للتجارة، فإن نوى بها القنية فهي للقنية، ولا زكاة عليه في ثمنها إن باعها إلا بعد حول من يوم يقبضه.
537 - ومن باع سلعة عنده للتجارة بعد حول بمائة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوباً قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة دنانير فلا شيء عليه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه الزكاة إذا أضافه إلى العشرة كانت فيهما الزكاة، وإن باعه بعشرين أخرج

(1/405)


نصف دينار.
538 - ومن اشترى عبداً للتجارة فكاتبه فاقتضى منه مالاً ثم عجز أو ارتجع من مفلس سلعته أو أخذ من غريمه عبداً في دينه أو ابتاع داراً للتجارة فاغتلها ثم باعها، فإن ذلك كله يرجع إلى أصلح للتجارة.
540 - ومن اكترى أرضاً واشترى طعاماً فزرعه فيها للتجارة، اخرج زكاته يوم حصاده، فإذا تم له عنده حول من يوم أدى زكاة حصاده قومه، إن كان مدبراً وله مال عين سواه، وإن لم يسكن مدبراً فلا تقويم عليه، فإذا باعه بعد حول زكى الثمن، وإن باعه قبل حول من يوم أدى زكاته تربص، فإذا تم له حول وهو في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكى، وإن اكنزاها وزرعها بطعامه أو كانت [الأرض] له فزرعها للتجارة زكى الزرع إذا حصده العشر أو نصفه، ولا زكاة عليه في

(1/406)


ثمن الحب إذا باعه، إلا بعد حول من يوم يقبضه.
541 - ومن ابتاع عرضاً للتجارة ثم اقتناه سقطت عنه زكاة التجارة.
542 - والمدبر الذي لا يكاد يجتمع ماله كله عيناً كالحنّاط (1) ، والبزاز (2) ، والذي يجهز الأمتعة إلى البلدان فليجعل لنفسه من السنة شهراً يقوّم فيه عروضه التي للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين وماله ومن دين يرتجى قضاؤه، وكذلك إن تأخر بيع عروضه وقبض دينه عاماً آخر فليزكه أيضاً.
543 - ويقوّم [رقاب] النخل إذا ابتاعها للتجارة، ولا يقوم الثمرة لأن فيها زكاة
_________
(1) الحناط: بائع الحنطة، الوسيط (حنط 2/209) .
(2) البزاز: بائع الثياب، الوسيط (بزز 1/56) .

(1/407)


الخرص ولأنها غلة كخراج الدار، وغلة العبد وصوف الغنم ولبنها وذلك كله فائدة وإن كان رقابها للتجارة، ولا يقوم مالاً يرتجيه من دينه [كان دينه عرضاً أو غيره، وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك] .
544 - وإن كان غير مدبر فلا زكاة في عرض حتى يبيعه، ولا في دين حتى يقبضه.
وإن نض للمدبر (1) في السنة درهم واحد في وسطها أو في طرفيها قوم عروضه لتمامها وزكى، وإن لم ينض له شيء في سنته فلا تقويم عليه، ثم إن نض له شيء بعد ذلك، وإن قل، قوم وزكى، وكان من يومئذ حوله وألغى الوقت الأول.
* * *
_________
(1) نضّ الشيء: حصل وتيسر عليه، الوسيط (نضض 2/966) .

(1/408)


في زكاة الدَّين
545 - ومن حال حول على مال عنده فلم يزكه حتى أقرضه ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين.
546 - ومن له على رجل دين من قرض أو بيع مضى له حول فاقتضى منه مالاً زكاة فيه في مرة أو مراراً، فلا يزكيه حتى يجتمع ما [تجب] فيه الزكاة فيزكيه يومئذ، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره أنفق الذي زكى أو أبقاه.

(1/409)


[وإن كانت عنده مائة دينار مضى لها حول فلم يفرط في زكاتها حتى ضاعت إلا تسعة عشر ديناراً، لم يكن عليه فيها زكاة] ، وإن كان معه عشرون ديناراً لم يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين، لم يزك شيئاً من المالين حتى يتم حول العشرين، فإذا حلّ زكاها وما كان اقتضى جميعاً، ولو لم يقبض من دينه شيئاً حتى زكى العشرين لتمام حولها ثم تلفت أو بقيت، زكى قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت العشرون قبل حولها لم يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم عشرين ديناراً، لأن العشرين كانت [له] فائدة من غير الدين، وقد كان ملكه للدين قبل الفائدة.
547 - ومن أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها بدين إلى أجل، فإن بقيت الخمسون الأخرى بيده حتى يتم حولها فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها، فليزك قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ولو تلفت الخمسون قبل حولها أو أنفقها فلا يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم ما اقتضى عشرين ديناراً، إلا أن يقتضي من دينه عشرة دنانير وعنده عشرة أخرى وقد مضى لها حول، فليزك جميع ذلك

(1/410)


إلا أن يكون [قد زكى ما عنده فلا يزك غير العشرة التي اقتضاها] ، وإذا لم يكن عنده مال غير العشرة التي اقتضاها فأنفقها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها زكى عن عشرين، لأنهما مال واحد تم له حول، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره ولو درهم واحد.
548 - ولو بقي معه من الخمسين ما لا تجب فيه الزكاة حتى تم حوله فأنفقه أو أبقاه فإنه إذا اقتضى تمام عشرين زكى عن عشرين ثم عن قليل ما يقتضي وكثيره، ولو أنفقه قبل الحول أو اقتضى من دينه شيئاً قبل حوله فأنفقه، لم يضف ما يقتضي بعد الحول إلى ذلك، ولا يزكي حتى يقبض عشرين مبتدأة.
549 - ومن له دين على ملئ يقدر على أخذه منه، أو على مفلس لا يقدر على أخذه منه، فأخذه بعد أعوام فإنما عليه زكاة عام واحد.

(1/411)


ومن تطوع بإخراج زكاة عن دينه قبل قبضه وعن عرض قبل بيعه وقد تم حولهما لم يجزه وليتطوع في غير هذا.
* * *

(1/412)


باب جامع في الفائدة والغلة والاقتضاء
550 - ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد قبل تمام حولها بيوم من غير ربحها ما فيه الزكاة، أو ما يكون مع الأول فيه الزكاة، فحول المالين من يوم أفاد آخر الفائدتين، فإن كان الأول فيه الزكاة والثاني مما فيه الزكاة أم لا، فكل مال على حوله ما دام في جملتها ما تجب فيه الزكاة، فإن رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه، ثم إن أفاد من غيرهما [ما يتم به معهما ما] فيه الزكاة استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد المال الثالث، ولم تجر في بقية المال الأول أو الآخر أو فيهما فصار فيهما مع ما ربح فيهما أو في أحدهما قدر ما تجب فيه الزكاة إذا اجتمعا رجع كل مال على حوله.
وإذا أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد ستة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الأولى فصارت بربحها عشرين زكى كل فائدة لحولها، وإن تجر في الخمسة الثانية

(1/413)


قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر ديناراً فأكثر أضاف الخمسة الأولى إلى حول الثانية.
وإن أفاد عشرة دنانير فأقرضها ثم أفاد خمسين فحل حولها فزكاها ثم أتلفها ثم اقتضى العشرة أو ديناراً منها زكى ما اقتضى.
551 - وإذا زكى غير المدبر ماله فلينظر إلى ما كان له قبل أن يفيد هذا المال الذي زكاه من الديون التي على الناس، وما بيده مما لا تجب فيه الزكاة، فما كان بيده ناضاً زكاه مع هذا، وما كان من دين أخره فإذا قبضه أو درهماً منه زكاه.
ومن أفاد ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد بعد ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الأول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني، فإذا حلّ حول الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده معه أو قبله وبعد الأول وهو بيده لم يتلفه، وفي هذا الأوسط

(1/414)


مع المال الثالث ما فيه الزكاة فليزكهما لحول أحدهما، وإن لم يكن في جملة ذلك ما فيه الزكاة لم تلزمه زكاة.
ثم إن أفاد مالاً رابعاً فيه مع ما بيده ما فيه الزكاة فليزك جميع ما بيده لتمام حول المال الرابع إلا هن يكون فيه مال قد زكاه على حوله قبل أن تجب الزكاة في الفائدة الأخرى فلا يزكيه ثانية إذ لا يزكى مال واحد مرتين في حول.
ومن أفاد عشرين ديناراً ثم بعد أشهر أفاد عشرة فزكى العشرين لحولها فنقصت فإن حلّ حول العشرة والعشرون كما هي أو بقي منها عشرة دنانير فأكثر زكى كل مال على حوله.
552 - ومن أقرض رجلاً مائة دينار، فأقامت عنده أحوالاً، ثم أفاد عشرة دنانير فلا يزكيها لتمام حولها، لأنه لا يدري أيقبض من دينه شيئاً أم لا، فإن أنفق العشرة بعد حولها، أو أبقاها ثم اقتضى من دينه عشرة زكاها مع العشرة الفائدة، ويصير

(1/415)


حولهما واحداً من يوم زكاهما ثم يزكي قليل ما يقتضي [بعد ذلك] من دينه وكثيره ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه.
553 -[ومن] كاتب عبده على دنانير أو غنم أو بقر فقبضها منه بعد حول فلا يزكيها حتى تقيم عنده حولاً بعد قبضها.
ومن أفاد مالاً عيناً من دية أو هبة أو صدقة [أو ميراث] فقبضه بعد أحوال فليستقبل به حولاً بعد قبضه ثم يزكيه لعام واحد، وإن كانت عروضاً أفادها بما ذكرنا، أو اشتراها للقنية، داراً كانت أو غيرها، فقبضها ثم باعها بعد أعوام فمطل بالثمن سنين، فلا زكاة عليه فيها ولا في ثمنها حتى يقبض الثمن، ثم يستقبل به حولاً من يوم قبضه ويزكيه لعام واحد.
554 - ولو أسلف ناضاً كان معه أو باع سلعة عنده للتجارة فمطل بالثمن سنين ثم

(1/416)


قبضه زكاه مكانه زكاة واحدة.
ومن كان له على رجل دين له أخوال وهو قادر على أخذه منه فوهبه له فلا زكاة [فيه] على ربه ولا على الموهوب له حتى يتم له عنده حول من يوم وهب له، وهذا إذا لم يكن للموهوب له مال غيره، فإما إن كان له عرض سواه فعليه زكاته وهب له أم لا. [وقال غيره: عليه زكاته إذا وهب له، كان له مال أو لم يكن] .
555 - وما ورث الرجل من السلع فنوى بها التجارة، لم تكن بنيته

(1/417)


للتجارة ولا زكاة عليه فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وإن ورث حُليّاً مصوغاً فنوى به التجارة، وزكى وزنه لتمام حوله، وإن نوى به القنية لم يزكه، وإن ورث آنية ذهب أو فضة أو وهبت له فليزك وزنها لا قيمتها، نوى بها التجارة أو القنية، إذ ليست مما أبيح اتخاذه.
556 - وغلة الدور والدواب والرقيق فائدة وإن ابتيعت الغلة. وإجارة الأجير فائدة يستقبل بها حولاً بعد القبض، وكذلك ما فضل بيد المكاتب بعد عتقه لا يزكيه إلا بعد حول بعد عتقه.
557 - وتستقبل المرأة بصداقها حولاً من يوم تقبضه كان عيناً أو ماشية مضمونة، وإن

(1/418)


قبضته بعد أحوال لأنه فائدة، وضمانه كان من الزوج، فأما [إن كان] ماشية بعينها أو نخلاً بعينها فاثمرت فزكاتها عليها أتى الحول وهي عند الزوج أو عندها، لأن ضمانها [كان] منها، ولو قبضت ذلك بعد حول زكته مكانها ولم تؤخره.
558 - وإذا باع القاضي داراً لقوم ورثوها، ووقف ثمنها حتى يقسم بينهم، ثم قبضوه بعد أعوام، فلا زكاة عليهم فيه إلا بعد حول من يوم قبضوه.
وكذلك من ورث مالاً بمكان بعيد فقبضه بعد سنين، فليستقبل به حولاً بعد قبضه، وإن بعث في طلبه رسولاً بأجر أو بغير أجر فليحسب له حولاً من يوم يقبضه رسوله فيزكيه، وإن لم يكن يصل إليه بعد.
وكذلك الوصي يقبض للأصاغر عيناً أو ثمن عرض باعه لهم، فليزك ذلك العين لحول من يوم قبضه الوصي، وإن كان الورثة صغاراً وكباراً لم يكن قبض الوصي قيضاً للصغار ولا للكبار حتى يقتسموا، فليستقبل الكبار

(1/419)


[بحصتهم] حولاً بعد قبضه، ويستقبل الوصي للصغار بحصتهم حولاً من يوم القسم، وأما من ورث ماشية تجب فيها الزكاة، أو نخلاً فأثمرت وهي في يدي وصي أو غيره، فإن الساعي يأخذ صدقتها كل عام علم الوارث بها أم لا، بخلاف العين.
559 - وصوف الغنم إذا اشتراها للتجارة فجزها، ولبنها وسمنها فائدة يستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وكذلك كراء المساكن والعبيد إذا ابتاعهم للتجارة.
560 - وإن ابتاع نخلاً للتجارة فأثمرت ثم جذها فأدى منها الصدقة ثم باع الأصل، فليزك ثمنه إذا قبضه لتمام حول من يوم زكى الثمن الذي ابتاعه به، وإن باع الثمرة فهي فائدة يستقبل بثمنها حولاً بعد قبضه فيصير حول الثمرة على

(1/420)


حدة، وحول الأصل على حدة.
* * *

(1/421)


في زكاة المِديان (1)
561 - ومن معه مال حلّ حوله وعليه دين فليجعل دينه في عروضه وداره وسرجه وخاتمه وسلاحه، وفي كل ما يبيعه عليه الإمام في دينه، والإمام يبيع عليه إذا فُلّس عروضه كلها إلا ما لا بد له [منه] من ثياب جسده ويترك له ما يعيش به [هو] وأهله الأيام، ويبيع عليه ثوبي جمعته إن كانت لهما قيمة، فإن لم يكن لهما تلك القيمة فلا.
562 - ويجعل دينه في قيمة رقاب مدبره، وفي قيمة كتابة المكاتبين تقوّم الكتابة بعرض ثم يقوّم العرض بعين، فإن بقي عليه بعد ذلك [شيء من دينه جعله فيما بيده من العين، فإن بقي له بعد ذلك] عشرون ديناراً فصاعداً زكى، وإلا لم يزك شيئاً، ويجعل الدين الذي عليه فيما له من دين، إن كان يرتجيه وإلا فلا، ولا
_________
(1) هو الكثير الدّين الذي عليه الديون - عافانا الله - وهو مفعال من الدين للمبالغة، انظر: نهاية ابن الأثير (2/150) .

(1/422)


يجعل دينه في قيمة عبده الآبق، لأن بيعه لا يجوز.
563 - ويسقط زكاته مهر امرأته، وزكاة فرط فيها من حرث أو ماشية أو عين، وكذلك إن كان عليه إجارة أجراء عملوا له قبل الحول [أو كراء إبل وجب عليه قبل الحول] فإنه يسقطها كما يسقط الدين.
564 - وتحاصّ المرأة بمهرها الغرماء في الموت والفلس، وتسقط زكاة العين نفقة الزوجة، كانت بقضية أو بغير قضية، ويلزمه ما أنفقت على نفسها في يسره، كان حاضراً أو غائباً ما أنفقت من عندها أو تسلفت، وإن كان معسراً لم يضمن لها ما أنفقت.
565 - ولا تسقط الزكاة ما يجب للأبوين والولد الصغير من النفقة إذ لا تجب

(1/423)


لهم حتى يبتغوها، وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسراً، وإن فرض القاضي للأبوين نفقة معلومة فلم يأخذاها شهراً فحل الحول وهي عليه لم تسقط عنه الزكاة بذلك، وأشهب يسقطها لنفقتهما إن كان بقضية، ويجعل الولد كالزوجة، ويعد الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة، وتسقط عنه الزكاة [بذلك] كان بقضية أو بغير قضية، لأن نفقة الولد لم تسقط عن الأب المليء [مذ كانوا] حتى يبلغوا، ونفقة الأبوين كانت ساقطة عنه، وإنما تلزمه بالقضاء.
* * *

(1/424)


في زكاة القراض (1)
567 - ولا بأس بالقراض على أن على رب المال أو العامل زكاة الربح، ولا يجوز اشتراط زكاة المال على العامل [ويجوز اشتراط زكاة الربح خاصة عليه] .
568 - ويجوز في المساقاة اشتراط الزكاة على رب الأصل.
ولا يزكي العامل ما بيده [من القراض] ، وإن أقام أحوالاً حتى ينبض المال ويحضر ربه ويقتسماه.
569 - وإذا عمل بالمال سنة ثم اقتسما فكان في المال ما وجب لرب المال بربحه ما فيه الزكاة، فالزكاة عليهما، كان في حظ العامل ما فيه الزكاة أم لا، وغن سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه فلا زكاة على العامل في حصته، وإن نابه ما فيه
_________
(1) هو لغة من القرض والقطع، ويُسمى مضاربة ومقارضة، وانظر: معجم المصطلحات (3/78) ، والشرح الصغير (1/227) .

(1/425)


الزكاة، فإن كان على العامل وحده دين يغترق [فيه] ربحه فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده عرض يجعل دينه فيه.
570 - والعامل في المساقاة إذا نابه في حصته من الثمرة أقل من خمسة أوسق زكاه.
571 - وإذا عمل المقارض بالمال أقل من حول ثم اقتسما [وفيما نابه ما فيه الزكاة] فزكى رب المال لتمام حوله فلا يزكي العامل ربحه حتى يحول حوله من يوم اقتسما، ولو كان رب المال عبداً مأذوناً له لم يزك العامل، وإن عمل حولاً ونابه ما فيه الزكاة، وليأتنف بحصته حولاً.
* * *

(1/426)


في أخذ الزكاة من تجار المسلمين
572 - وتؤخذ من تجار المسلمين الزكاة تجروا ببلادهم أو بغيرها، ويسألهم الإمام إذا كان عدلاً عما عندهم من ناض، وإن لم يتجروا، ولا يبعث في ذلك أحداً، وإنما ذلك على أمانة الناس، إلا أن يعلم الإمام أن أحداً لا يؤدي زكاته فيأخذها منه كرهاً ولا ينصب لهذا المكس (1) أحداً.
573 - ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد لم يؤخذ منه الزكاة [في السنة] إلا مرة واحدة بخلاف أهل الذمة في هذا، ومن تجر ومن لم يتجر إنما عليه الزكاة في كل سنة مرة.
574 - ومن خرج من مصر إلى المدينة بتجارة فلا يقوّم عليه ما في يديه لتؤخذ منه الزكاة، ولكن إذا باع أدى الزكاة، ولا يقوّم أيضاً على أهل الذمة ولكن إذا
_________
(1) المكس: بمعنى الجباية والضريبة.

(1/427)


باعوا أخذ منهم العشر.
575 - ومن قدم بتجارة من المسلمين فقال: هذا الذي معي مضاربة أو بضاعة أو عليّ دين، أو لم يحلّ على ما عندي حول، صدق ولم يحلف.
576 - وإذا تجر الذمي من أعلى بلده على أسفله ولم يخرج إلى غيره لم يؤخذ منه شيء، ولا يؤخذ منه [زكاة] عين أو حرث أو ماشية إلا الجزية صَغاراً لهم.
577 - وإن خرج من بلده إلى غيرها من بلاد المسلمين تاجراً، ومعه بز أو غيره، فلا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فيؤخذ منه عشر الثمن، باع بأقل من مائتي درهم أو

(1/428)


أكثر، وكذلك لو قدم مائة مرة في السنة، ولا تكتب لهم براءة إلى الحول كما تكتب للمسلمين، ثم إن اشترى [بالثمن شيئاً] بعد ذلك وباع فلا شيء عليه، وإن لم يبع متاعه ورجع به إلى بلده، أو إلى بلد آخر فذلك له، ولا يؤخذ منه شيء، وإن قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر السلعة مكانه، فإن باعها بعد ذلك وأقام سنين يبيع ويشتري ثم أراد السير إلى بلده أم لا فلا شيء عليه.
578 - وإن أكرى ذمي إبله من الشام إلى المدينة فلا شيء عليه، وإن أكراها بالمدينة راجعاً إلى الشام أخذ منه عشر الكراء بالمدينة. وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم العشر مثل ساداتهم.
579 - وأهل الحرب إذا نزلوا بتجارة أخذ منهم ما صولحوا عليه، وقاله ابن نافع،

(1/429)


وروى علي بن زياد: أن عليهم العشر. (1)
580 - وتؤخذ الجزية ممن دان بغير الإسلام، ولا تُضاعف الجزية على [نصارى] بني تغلب ولا غيرهم، ولا جزية على نصراني أعتقه مسلم، فإن أعتقه
_________
(1) انظر: الموطأ مع المنتقى (2/178) .

(1/430)


ذمي كانت عليه.
581 - ومن أسلم منهم وعليه جزية سنين، أو أسلم أهل حصن بعد أن صولحوا على هدنة يؤدونها سنين فقد أسقط ذلك عنهم الإسلام، والمال الذي هودنوا عليه مثل الجزية.
وإذا أسلم أحد من أهل الصلح سقطت الجزية عنه وعن أرضه، وكانت أرضه

(1/431)


له، وإن كان من أهل العنوة لم يكن له أرضه ولا ماله ولا داره، وأسقطت عنه الجزية.
582 - وإذا غلب خوارج على بلد أعواماً فلم يؤدوا زكاة فليأخذهم الإمام إن ظهر عليهم بزكاة ما تقدم للحرث والماشية وغيرها، قال أشهب: إلا أن يقولوا قد أدينا ما قبلنا فلا يأخذهم إلا بزكاة عام ظهوره لأنهم متأولون بخلاف الهارب. ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن

(1/432)


قبل الحول بيسير فيجزيه، ولا يجزيه فيما بهد، ويُستحب له أن لا يفعل حتى يحول الحول.
583 - وإن عجل زكاة الماشية لعامين لم يجزه، وأخذه المصّدّق بزكاة ما يجد عنده، وإذا كان الإمام يعدل لم يسع لأحد أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره، وليدفعه إلى الإمام، وأما زكاة الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك.
584 - وإذا غلب خوارج على بلد فأخذوا من الناس الزكاة والجزية لم تؤخذ منهم ثانية وأجزأتهم.

(1/433)


585 - مالك: ومن حلّ عليه حول بغير بلده زكى عن ما معه، وعن ما خلف ببلده، وكذلك إن خلف ماله كله ببلده [فليستلف وليؤد] إلا أن يخاف الحاجة ولا يجد سلفاً فليؤخر إلى بلده، وإن وجد من يسلفه فليخرج زكاته أحب إلي، وقد كان يقول: يقسم في بلده. وقال أشهب: إذا كان ماله ببلده، وكان يقسم ببلده عاجلاً عند حلوله وشبه ذلك فلا يقسمها في سفره وقسمته ذلك في بلده أفضل إلا أن يكون بموضع هو به في سفره حاجة مفدحة، فليزكه هناك أحب إليّ إذا كان يجد ذلك، إلا أن يخشى أن تؤدى عنه زكاته ببلده فليس ذلك عليه.
* * *

(1/434)


القول في زكاة المعادن والركاز
586 - ولا زكاة فيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة حتى يبلغ وزنه ما تجب فيه الزكاة فيزكيه، ثم ما اتصل بعد ذلك خروجه مما قلّ أو كثر أخذ منه ربع عشره كالزرع، إلا أن ينقطع [ذلك] النيل ويأتنف بعد ذلك بشيء آخر فيكون كابتدائه، وهذا فيما يتكلف بعمل. (1)
587 - وأما الندرة (2) من ذهب أو فضة أو الذهب النابت يوجد بغير عمل أو بعمل يسير ففيه الخمس كالركاز، وما ينال من ذلك بتكلف ومؤنة ففيه الزكاة.
_________
(1) قال ابن الجلاء: ووفى معادن الذهب والورق الزكاة، إذا بلغ ذلك نصاباً وكان نيله متصلاً به، فيزكى عن أخذه، ولا ينتظر به حولاً بعده، ومن استخرج من معدن نصاباً من ذهب أو ورق، وعليه دين مثله، فالزكاة عليه واجبة، وانظر: التفريع (1/278) .
(2) النّدْرة: القطعة من الذهب والفضة، الوسيط (ندر/2/947) .

(1/435)


588 - ولا يسقط الدين زكاة المعدن كالزرع، ويفرق على الفقراء كالزكاة لا كالفيء.
589 - ولا زكاة في معادن النحاس والرصاص والحديد والزرنيخ وشبهه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب أو البربر فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى، ويأخذ زكاتها سواء ظهرت في الجاهلية أو بعد الإسلام، وما ظهر منها في أرض الصلح فهي لأهل الصلح دون الإمام، ولهم أن يمنعوها من الناس أو يأذنوا لهم فيها، وما ظهر منها في أرض العنوة فهو إلى الإمام [يصنع فيها ما شاء ويقطع لمن يعمل فيها] .
590 - وكره مالك حفر قبور الجاهلية والطلب فيها، [قال ابن القاسم:]

(1/436)


ولست أراه حراماً، وما وجد فيها من مال [الجاهلية] ففيه الخمس.
591 - والركاز دفن الجاهلية من ذهب أو فضة، فما وجد بأرض العرب كاليمن والحجاز وفيافي الأرض، فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس، كان كثيراً أو قليلاً، وإن نقص عن مائتي درهم، أصابه غني أو فقير أو مديان، قال مالك: ناله بعمل أو بغير عمل.
592 - وقال أيضاً مالك في موضع آخر: سمعت أهل العلم يقولون في الركاز: إنما هو دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال أو يتكلف فيه كثير عمل، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز وهو الأمر عندنا، وما أصيب من دفن الجاهلية من الجوهر والحديد

(1/437)


والنحاس [والرصاص] وشبهه. فقال مالك مرة: فيه الخمس، ثم قال: لا خمس فيه ثم قال: فيه الخمس، وبه أقول، ولم يختلف قوله قط فيما أصيب من ذهب أو فضة انه ركاز وفيه الخمس. (1)
593 - وما وجد من ركاز ببلد العنوة فهو لجميع من افتتحها، وليس هو لمن وجده دونهم وفيه الخمس، وإن وجد بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم ولا يخمس، وإن وجد في دار أحدهم فهو لجميعهم، إلا أن يجده رب الدار فيكون له خاصة إلا أن يكون رب الدار ليس من أهل الصلح فيكون [ذلك]
_________
(1) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة، (1/378) لعبد الوهاب البغدادي.

(1/438)


لأهل الصلح دونه، وإن وجد ببلاد الحرب فهو لأهل الجيش [لأنه إنما نال ذلك بهم] .
594 - ومن حال الحول على فلوس له قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مدبراً فيقومها كالعرض.

(1/439)


595 - ولا زكاة في [اللؤلؤ ولا في الجوهر ولا في العنبر ولا زكاة في] التوابل والزعفران والكرسف والعصفر، وليس في الجوز واللوز [والتين] وما ييبس ويدخر من الفواكه، ولا في الخضر كلها والبقول، ولا في ثمن شيء من ذلك حتى يستقبل به حولاً بعد قبضه.
596 - وليس الزكاة إلا في العنب والتمر والزيتون والحب والقطنية.
597 - ومن لم يجد إلا صنفاً واحداً ممن ذكر الله تعالى في كتابه أجزأه أن يجعل زكاته

(1/440)


فيهم، وإن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم، وليس في ذلك قسم مسمى. قال الشعبي: لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد.
598 - ومن له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن سواهما أعطي من الزكاة، وإن كان

(1/441)


فيهما فضل [ليسر فيه] لم يعط، ويعطى منها من له أربعون درهماً، إن كان أهلاً لذلك لكثرة عيال ونحوه، ولا يعطى منها من له ألف وعليه ألفان وله دار وخادم يساويان ألفين، ولو أدى الألف في دينه [وبقيت عليه ألف] ، وليس في الدار والخادم فضل عن سواهما مما يغنيه، أعطي وكان من الفقراء والغارمين، ويؤثر بالزكاة أهل الحاجة ولا يرضخ لغيرهم ممن لا يستحقها.
599 - ولا يرفع الإمام من جميع الزكاة شيئاً إلى بيت المال، وليفرقها بموضع جبيت فيه، فإن لم يجد في الموضع من يفرقها عليهم أو فضل عنهم شيء، نقل ذلك إلى أقرب البلدان إليهم، وإن بلغ الإمام عن أهل بلد شدة وحاجة فليعط الإمام أهل البلد الذي جبي فيه ذلك المال [منه] ، ويوجه

(1/442)


جله إلى الموضع المحتاج، [لأن حق بلاد المسلمين في ذلك سواء] . وكذلك لو بلغ رجلاً من أهل المدينة عن أهل المدينة حاجة فبعث إليهم من زكاة ماله كان ذلك صواباً.
600 - وإن رأى الإمام البلدان متكافئة في الحال آثر بذلك [المال] أهل البلد الذي جبي فيه فقسمه عليهم وآثر الفقراء على الأغنياء [إلا أن يفضل عنهم فضل فيخرج إلى غيرهم] .
[قال مالك] : والصدقات في القسم كالزكاة.
مالك: ولا يعجبني أن يلي أحد قسم صدقته خوف المحمدة والثناء،

(1/443)


وعمل السر أفضل. ويدفع ذلك إلى من يثق به فيقسمه.
601 - فإن وليها هو فلا يعطيها أحداً تلزمه نفقته. وإيعاب النفقات في كتاب إرخاء الستور.
وأما من لا تلزمه نفقته من قرابة فلا يعجبني أن يلي هو إعطاءهم، ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره كما يعطي غيرهم، إن كانوا لها أهلاً. قال ابن عباس وغيره: إن أعطى قرابته على الصحة كما يعطي غيرهم أجزأه. وكرهه ابن المسيب وغيره، وأكثر شأن مالك فيه الكراهية لخوف المحمدة، ولدفع صلة كانوا يرجونها منه وقضى مذمة كانت عليه، ولو صح ذلك عنده أجزأه.

(1/444)


602 - ولا تعطي المرأة زوجها من زكاتها. قال أشهب: فإن فعلت ولم يرد ذلك عليها فيما يلزمه من مؤونتها [أجزأها، وإن رد ذلك عليها فيما يلزمه] لم يجزها.
603 - ولا بأس أن يبتاع الإمام من الزكاة رقاباً فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين، وكذلك من ولي صدقة نفسه، وإن أعتقها عن نفسه أعاد ولم تجزه، لأن الولاء له وكأنها زكاة لم يخرجها، ولا يعجبني أن يعان بها مكاتب.

(1/445)


ويعطى منها ابن السبيل [المحتاج وإن كان غنياً ببلده، والحاج ابن السبيل] ، وكذلك الغازي يعطى منها، وإن كان ملياً ببلده.
ولا يعطى من الزكاة في كفن الميت، أو بناء مسجد، ولا لذمي أو مجوسي أو عابد وثن ولا العبد، ولا يعطى منها ولا من الكفارات إلا مؤمن حر كما لا يعتق منها إلا عبد مؤمن. ولا يعطي فيما لزمه من زكاة العين عرضاً أو طعاماً، وأكره للرجل شراء صدقته.
604 - ومن [كان] له دين على فقير فلا يعجبني أن يحسبه عليه في

(1/446)


زكاته، وقال غيره: لأنه تاو لا قيمة له أو له قيمة دون.
605 - ومن أصاب ركازاً وله قرابة فقراء لا تلزمه نفقتهم لم يخصهم بخمسه، ولكن يعطيهم كما يعطي غيرهم من الفقراء، إن كان لا يدفع به مذمة ولا يجر به محمدة إلا على وجه الاجتهاد، وأما من تلزمه نفقتهم فلا يعجبني ذلك، وإن كانوا فقراء، لأن نفقتهم تلزمه، فيدفع بذلك مضرة نفقتهم، وإن كانوا أغنياء فغيرهم أحق بذلك منهم. وقال غيره: إذا أعطاهم كما يعطي غيرهم من الأباعد بغير إيثار جاز، لأنه حلال للغني والفقير، إلا أن الفقير يؤثر على الغني.
606 - قال ابن القاسم: وإذا كان رجل فقير له أب مليء لا يناله رفقه فلا بأس أن يعطى من الزكاة، وإن كان يناله رفقه فغيره ممن لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر.
607 - وجزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلح فهو عند مالك جزية، والجزية عنده فيء. قال مالك: ويعطى هذا الفيء أهل كل بلد

(1/447)


افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها فيقسم عليهم ويفضل بعض الناس في الفيء ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا [منه] ، ولا يخرج إلى غيرهم إلا أن تنزل بقوم حاجة فينقل غليهم منه بعد أن يعطي أهله ما يغنيهم على الاجتهاد.
608 - ومن أوصى بنفقة في السبيل بدئ بأهل الحاجة منهم، ويعطى من هذا الفيء للمنفوس، وقد فرض له عمر مائة درهم، ويبدأ بكل منفوس والده فقير، وقد كان عمر يقسم للنساء حتى إن كان ليعطيهن المسك.
609 - قال ابن القاسم: ويبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية. قال مالك: ويبدأ بالفقراء في هذا الفيء، فإن فضل بعد غناهم شيء كان بين الناس كلهم بالسواء عربيهم ومولاهم.
610 - وقال ابن القاسم: يعني أن كل إنسان يعطى قدر ما يغنيه من صغير أو كبير أو امرأة، فإن فضل بعد غنى أهل الإسلام من هذا المال فضل اجتهد

(1/448)


[فيه] الإمام إن رأى أن يحبسه لنائبة تنزل فعل.
وقد قال عمر: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعياً أو راعية بعدن (1) . وأعجب مالكاً هذا الحديث.
611 - وإن رأى الإمام أن يفرقه على أغنيائهم فرقه، لأن الفيء حلال للأغنياء، ولا بأس أن يعطي [الإمام] منه للرجل يراه للجائزة أهلاً، لدين عليه أو غيره ذلك، ولا بأس على ذلك الرجل أن يأخذها، ولا يجبر الإمام أحداً على أخذ هذا المال إذا أبى أخذه.
* * *
"تم كتاب الزكاة الأول بحمد الله وعونه
يتلوه كتاب الزكاة الثاني
بحول الله وقوته"
* * *
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (6/352) من حديث زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنهم.

(1/449)