التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
الاعتكاف) (1)
483 - ولا اعتكاف إلا بصوم، فإن أفطر يوماً ناسياً فليقضه واصلاً باعتكافه،
وإن أفطر عامداً، أو جامع في ليل أو نهار ناسياً، أو قبل أو باشر أو لامس
فسد اعتكافه وابتدأ. وإن حاضت معتكفة فخرجت فوطئها زوجها فسد اعتكافها،
قاله ابن المسيب وغيره.
ومن أصابه [في معتكفه] مرض لا يستطيع الصوم معه، أو جن، أو أغمي عليه
فليخرج، فإذا صح، فليبن على اعتكافه، ويصل ذلك، فإن لم يصله استأنف.
_________
(1) أصله الاحتباس والعكف، الحبس، وفي الشرع: الاحتباس في المساجد للعبادة
على وجه مخصوص، وانظر: الذخيرة (2/534) ، والتفريع لابن الجلاب (1/312) ،
والبيان والتحصيل (2/306) ، والمعيار للونشريسي (1/430) ، والشرح الصغير
(1/255) ، والموطأ لمالك (ص210، 212) .
(1/377)
484 - وإذا صامت امرأة شهرين في قتل نفس
فحاضت فيهما بنت إذا طهرت ولا تؤخر.
485 - وإذا صح المريض المعتكف، أو طهرت الحائض [في بعض النهار] ، رجعا تلك
الساعة إلى معتكفهما وبنيا على ما تقدم، فإن أخرا ذلك ابتدءا الاعتكاف.
486 - ومن اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فخرج ثم صح قبل الفطر بيوم
فليرجع إلى معتكفه فيبني، ولا يلبث يوم الفطر في معتكفه، [ويخرج] فإذا مضى
يوم الفطر عاد على معتكفه. وقال ابن نافع عن مالك: يشهد العيد مع الناس
(1/378)
ويرجع إلى المسجد ذلك اليوم لا إلى بيته
ولا يعتد به.
487 - ويخرج المعتكف لغسل الجمعة أو الجنابة، ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه،
ويستحب له أن يتخذ ثوباً غير ثوبه ليأخذه ويدع ثوبه إذا أصابته جنابة. (1)
488 - مالك: ولا بأس أن يخرج [المعتكف] فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه
ذلك، ثم قال: لا أرى ذلك، وأحب إلي أن لا يدخل معتكقه حتى يفرغ من حوائجه.
وقال عنه ابن نافع: لا يخرج لشراء طعام ولا غيره، ولا يدخل حتى يعد ما
يصلحه، ولا يعتكف إلا من كان مكفياً حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فإن
اعتكف غير مكفي، جاز أن يخرج لشراء طعامه ولا يقف مع أحد يحدثه. قال ابن
القاسم: ولا يمكث بعد قضاء حاجته شيئاً.
489 - وإن خرج يطلب حداً له، أو ديناً، أو أخرج فيما عليه من حد، أو دين
فسد اعتكافه، وقال ابن نافع عن مالك: إن أخرجه قاض لخصومة أو غيرها
_________
(1) انظر: موطأ مالك (ص210) ، ومصنف عبد الرزاق (4/368) .
(1/379)
كارهاً فأحبّ إلي أن يبتدئ اعتكافه، وإن
بنى أجزأه، ولا ينبغي له إخراجه حتى يتم، إلا أن يتبين له أنه إنما اعتكف
لواذاً فيرى رأيه.
490 - وليس لأحد أن يشترط في الاعتكاف ما بغير سنته، قال ابن شهاب: وإن شرط
أن يطلع قريته اليوم واليومين فشرطه باطل.
491 - ويقبل المعتكف على شأنه، ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه. وإن سكر
ليلاً وصحا قبل الفجر، قال ابن شهاب: أو أحدث ذنباً مما نهي عنه فسد
اعتكافه [وابتدأ] .
492 - مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جنازة وهو في المسجد، قال عنه ابن نافع
وإن انتهى إليه زحام المصلين عليها. ولا يعود مريضاً معه في المسجد إلا أن
(1/380)
يصلي إلى جنبه فلا بأس أن يُسلّم عليه، ولا
يقوم ليعزي أو يهنئ أو ليعقد نكاحاً في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في مجلسه
فلا بأس به. ولا بأس أن يتطيب ويَنْكِح ويُنْكَح. (1)
493 - قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، قيل له: أفيكتب العلم في
المسجد؟، فكره ذلك، قال ابن نافع: في الكتاب إلا أن يكون الشيء الخفيف،
وقال ابن وهب: وسئل مالك: أيجلس مجالس العلماء ويكتب العلم؟، فقال: لا يفعل
إلا الشيء الخفيف، والترك أحب إلي.
494 - قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع الشيء الخفيف من عيشه الذي
لا يشغله.
495 - ولا يأخذ من شعره وأظفاره، ولا يدخل إليه في ذلك حجام وإن جمعه
وألقاه، وإنما كره ذلك لحرمة المسجد، ويعتكف في عَجُز المسجد، ولا باس أن
يعتكف في رحابه. وكره مالك للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد، واختلف
قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم، وجل قوله فيه
الكراهية، وذلك رأيي.
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/370) من حديث ابن جريج عن عطاء بلفظ (لا
بأس أن تنكح المجاورة المعتكفة في جوارها (معتكفها) .
(1/381)
496 - ومن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي
اعتكاف شهر إن شاء الله لزمه إن فعل، ولا ثُنيا له في ذلك، ولا في طلاق أو
عتق أو صدقة أو مشي إلا اليمين بالله فقط. وإن قال: إن كنت دخلت دار فلان
فعلي اعتكاف شهر، ثم ذكر أنه دخلها لزمه الاعتكاف.
497 - ومن أذن لعبده أو امرأته في الاعتكاف، فليس له قطعه [عليهما] إذا
دخلا فيه.
498 - وإن نذر عبد عكوفاً فمنعه سيده كان ذلك عليه إن عتق، وكذلك
(1/382)
المشي والصدقة [إذا نذر ذلك، فلسيده منعه،
فإن عتق يوماً ما لزمه ما نذر من مشي أو صدقة] إن بقي ماله ذلك بيده ولو
أذن له السيد وهو رقيق ففعل ذلك أجزأه.
499 - وإن نذر مكاتب اعتكافاً يسيراً لا ضرر فيه على سيده فليس له منعه،
وإن كان ذلك كثيراً يشغله ويضر بسيده فله منعه، إذ قد يعجز في اعتكافه فلا
يقدر السيد أن يخرجه منه.
500 - وتعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبني أن تعتكف في مسجد بيتها،
وإن طلقها زوجها أو مات عنها لم تخرج حتى تتم
(1/383)
اعتكافها، ثم تتم باقي العدة في بيتها، قال
ربيعة: وإن حاضت في العدة قبل أن ينقضي اعتكافها خرجت، فإذا طهرت رجعت
لتمام اعتكافها، فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل.
501 - والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أياماً، فما نوى من ذلك
لزمه، وإن نذر أياماً يعتكفها لزمته.
502 - والجوار كالاعتكاف إلا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إلى أهله
فلا
(1/384)
صوم عليه ولا يلزمه بدخوله ونيته حتى ينذره
بلفظه [يعني إلا اليوم الأول فإنه يلزمه بالنية والدخول] ، وجوار مكة أمر
يتقرب به إلى الله تعالى كالرباط والصيام، ومن نذر [جوار مسجد مثل] جوار
مكة لزمه ذلك في أي البلدان كان، إذا كان ساكناً في ذلك البلد، ومن نذر
صوماً بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل لزمه ذلك فيه، وليأته وإن كان
من أهل مكة والمدينة.
(1/385)
503 - ويعتكف أهل السواحل والثغور فيها،
[يريد في مساجدها] ، إن كان زمان أمن لكثرة الجيوش أو لغير ذلك، وأما في
زمان الخوف فلا، [مالك] : ومن اعتكف منهم في أمن ثم نزل الخوف خرج، فإذا
أمن ابتدأ [ثم قال: يبني] .
504 - ومن نذر اعتكافاً فمات ولم يفعله، وأوصى أن يطعم عنه، فليطعم [عنه]
عدد الأيام مُدّاً لكل مسكين، ولو نذره وهو مريض لا يستطيع الصوم ثم مات
قبل صحته فأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه.
505 - قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: أقل مدة الاعتكاف يوم
وليلة، فسألته عنه فأنكره، وقال: أقله عشرة أيام وبه أقول. (1)
506 - ومن نذر اعتكاف يوم أو
_________
(1) قال سيدي أحمد الدرديري (وأحبه عشرة أيام) ، الشرح الصغير (1/255) .
(1/386)
ليلة لزمه اعتكاف يوم وليلة.
507 - ومن نذر عكوف شهر أو ثلاثين يوماً فلا يفرق ذلك وليعتكف ليله ونهاره.
508 - ومن نذر اعتكاف شعبان أو حج عام بعينه فمرضه فلا شيء عليه، وإن فرط
فعليه القضاء، وإن نذرت امرأة اعتكاف شعبان فحاضت فيه فإنها تصل القضاء بما
اعتكفت قبل ذلك، فإن لم تصل ابتدأت.
509 - ومن نذر اعتكاف أيام التشريق كمن نذر صومها، يلزمه اليوم الرابع
منها، وإن نذر اعتكاف أيام النحر فلا شيء عليه، إذ لا يحل صومها.
510 - ومن نذر عكوف شهر بمسجد الفسطاط فاعتكفه بمكة أجزأه، ولا يخرج
(1/387)
إلى مسجد الفسطاط وليعتكف بموضعه، ولا يجب
الخروج إلا إلى مكة والمدينة وإيلياء (1) ، وإن نذر الاعتكاف شهر بمسجد
الرسول ÷ لم يجزه اعتكافه في مسجد الفسطاط، وإن نذر اعتكافاً أو صلاة في
مسجد الرسول ÷ فليأته [للحديث الذي جاء] . (2)
511 - ولا يأتي المعتكف حاجة، ولا يخرج إليها، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج
إلى
_________
(1) إيلياء: اسم مدينة ببيت المقدس، حررها الله من العدوان، وهي لفظة
عبرية، تعني: بيت الله، انظر: مراصد الاطلاع (1/138) .
(2) رواه البخاري (1189) ، ومسلم (1397) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (لا
تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)
.
(1/388)
حاجة الإنسان، ولا يكون معتكفاً حتى يجتنب
عيادة المريض والصلاة على الجنازة واتباعها وغير ذلك مما يجتنبه المعتكف،
قال ابن نافع عن مالك: فإن شهد جنازة، أو عاد مريضاً، أو أحدث سفراً، صنع
ذلك متعمداً، وجب عليه الابتداء، ولا ينفعه إن اشترط ذلك عند دخوله.
512 - ولا باس أن يعتكف من لا تلزمه الجمع في أي مسجد شاء، فأما من تلزمه
فلا يعتكف إلا في [المسجد] الجامع، ولا يبيت إلا في المسجد الذي اعتكف فيه
إلا أن يكون خباؤه في بعض رحابه.
513 - ولا يشتغل بشيء من التجارات ولا بأس أن يأمر من يكفيه أمر ضيعته
وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أمراً خفيفاً لا يشغله.
514 - مالك: ولم يبلغني أن أحداً من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن
(1/389)
عبد الرحمن [بن الحارث بن هشام] ، وليس
بحرام، ولا أراهم تركوه إلا
(1/390)
لشدته [عليهم] لأن ليله ونهاره سواء.
515 - وأكره أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته للذريعة إلى النظر إلى أهله،
والشغل بضيعته وليتخذ لذلك موضعاً يقرب منه في غير بيته، فأما الغريب فيخرج
لذلك حيث تيسر عليه ولا يتباعد. ابن شهاب: ولا بأس أن يذهب المعتكف لحاجته
تحت سقف بيته.
516 - ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة
إحدى وعشرين فيصلي [فيه] المغرب ثم يقيم، فإذا كان يوم الفطر فلا يخرج إلى
بيته يلبس ثيابه، ولكن يؤتى بها المسجد فيلبس، ثم يخرج منه يشهد العيد،
ويرجع من المصلى إلى أهله، وإنما يرجع إلى أهله حين يمسي من آخر
(1/391)
اعتكافه من اعتكف وسط الشهر.
517 - وجائز أن تأتيه زوجته في المسجد فتأكل معه وتحدثه وتصلح رأسه ما لم
يلتذ بشيء منها في ليل أو نهار، وجائز أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر،
قال ابن نافع: وإن كان حكماً فلا يحكم إلا فيما خف. قال ابن نافع عن مالك:
وإن خرج لحاجة الإنسان فلقيه ولده فقبله، أو شرب ماء وهو قائم، فما أحب له
ذلك، وأرجو أن يكون في سعة.
518 -[مالك] : ولا يأكل أو يشرب إلا في المسجد أو في رحابه، وأكره أن يخرج
منه ويأكل بين يدي بابه، ولا يأكل أو يقيل فوق ظهر المسجد، [قال عنه ابن
وهب] : وأكره أن يقيم الصلاة مع المؤذنين، لأنه يمشي وذلك عمل، [وقال عنه
ابن نافع] : ولا يمشي إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، أو ليعقد نكاحاً
لنفسه أو لغيره، وإن كان ذلك في مجلسه ولا بأس به إذا كان خفيفاً. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الموطأ لمالك (ص208، 209) .
(1/392)
ما جاء في ليلة القدر
519 - قال النبي عليه السلام: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة
والخامسة". (1)
قال مالك: أرى - والله أعلم - أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة
ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين.
قال ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.
* * *
"تم كتاب الاعتكاف بحمد الله وعونه
يتلوه كتاب الزكاة بحول الله وقوته"
* * *
_________
(1) رواه مالك في موطأه (13) ، (209) ، والبخاري (2023) .
(1/393)
|