التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الصيام) (1)
416 - ويحرم الأكل بطلوع الفجر المعترض في الأفق لا بالبياض الظاهر قبله، كما لا يمنع [ذلك] البياض [من الأكل، فكذلك لا يمنع البياض] الباقي بعد الشفق من صلاة العشاء.
ومن تسحر بعد الفجر ولا يعلم بطلوعه، أو أكل ناسياً لصومه، فإن كان
_________
(1) الصيام لغة: الإمساك والترك، فمن أمسك عن شيء ما قيل له صائم، وشرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية قبل الفجر أو معه في غير أيام الحيض والنفاس والأعياد، الثمر الداني (293) . وانظر: الذخيرة للقرافي (2/485) ، والبيان والتحصيل لابن رشد (2/303) ، والشرح الكبير (1/239) ، والتفريع لابن الجلاب (1/301) ، والمعيار للونشريسي (1/410) .

(1/349)


في تطوع فلا شيء عليه، ولا يفطر بقية يومه، فإن فعل قضاه. وإن كان في نذر متتابع مثل قوله: لله علي صوم عشرة أيام متتابعات بغير عينها فنابه ذلك بعد أن صام بعضها ترك الأكل في بقية يومه وقضاه ووصله بها، فإن لم يصله أو أفطر باقي يومه ابتدأها، وإن نابه ذلك في أول يوم منها، فإن شاء أفطر وابتدأ صومه عشرة أيام، ولا أحب له أن يفطر فإن فعل فإنما عليه عشرة أيام، أحدها قضاء ذلك اليوم، وإن كانت أياماً بعينها، أو كان في رمضان فليتماد على صومه وعليه القضاء، وإن كان في قضاء رمضان فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وقضاه، وأحب إلي أن يتمه ويقضيه، وإن كان في صوم تظاهر أو قتل نفس مضى في صيامه وقضى ذلك اليوم، ووصله بصيامه، فإن لم يصله ابتدأ.
417 - ومن شك في الفجر فلا يأكل، ومن أكل ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فليقض في رمضان، ومن ظن أن الشمس قد غربت فأكل في رمضان، ثم

(1/350)


طلعت [الشمس] فليقض.
418 - ومن رأى هلال رمضان وحده فليعلم الإمام لعل غيره رآه معه فتجوز شهادتهما، فإن لم يره غيره رد الإمام شهادته ولزمه الصوم في [خاصة] نفسه، فإن أفطر كفر مع القضاء.
419 - ولا يصام رمضان ولا يفطر منه ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين، ولا يقبل في ذلك شهادة واحد، وإن كان عدلاً، ولا من فيه بقية رق [ولا جماعة نساء] .
420 - ويقال لمن قال [يصام] بشهادة واحد، أرأيت عن أغمي آخر الشهر كيف يصنعون، [أيفطرون واحداً وثلاثين، فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك

(1/351)


اليوم من رمضان] .
421 - وتكره للصائم القبلة والمباشرة، فإن قبّل [امرأته] في رمضان قبلة واحدة [فأنزل] فعليه القضاء والكفارة، وإن كان من المرأة مثل ذلك فعليها القضاء والكفارة، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها، وعليها القضاء.
422 - وروى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها في رمضان لا شيء عليه إلا أن يمذي فيقضي.
423 - قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو باشرها فأنزل فالقضاء والكفارة،

(1/352)


وإن باشرها فأمذى أو أنعظ أو حرك ذلك منه وإن لم يمذ فليقض، وإن لم ينزل ذلك منه منياً، ولا أنعظ، ولا حرك ذلك منه لذة فلا شيء عليه.
424 - وإن لمسها فأنزل أو عالجت ذكره بيدها حتى أنزل فأمكنها منه فليقض ويكفر، وإن نظر إليها في رمضان وتابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتابع النظر فأمنى أو أمذى فليقض فقط.
425 - وتكره الحقنة والسعوط (1) للصائم، فإن احتقن في فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض ولا يكفر.
426 - ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه، فإن
_________
(1) السعوط: دواء يصيب في الأنف، وانظر: المصباح المنير (277) .

(1/353)


اكتحل بإثمد، أو صبر، أو غيره، أو صب في أذنه الدهن لوجع به أو غيره، فوصل ذلك إلى حلقه، فليتماد في صومه، ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا يكفّر إن كان في رمضان [وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه] ، وقاله أشهب.
427 - وإن قطر في إحليله دهناً أو استدخل فتائل أو داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا شيء عليه.
428 - وإنما تكره [له] الحجامة لموضع التغرير، فإن احتجم وسَلِم فلا شيء عليه، ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه، وإن لم يدخل جوفه، ومضغ العلك أو يداوي [الحفر في فيه] ويمج الدواء أو يلمس الأوتار بفيه أو يمضغها.

(1/354)


429 - وإن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه مع ريقه، أو دخل حلقه ذباب أو ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه في ذلك.
430 - وإن استقاء فقاء فعليه القضاء، وقال أشهب: إن كان صومه تطوعاً فاستقاء فليفطر ويقض، وإن لم يفطر فلا بد من القضاء، وإن كان صومه واجباً فليتمه ويقض.
431 - ولا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من عطش أو حر، فإن تمضمض لذلك أو لوضوء صلاة فسبقه الماء إلى حلقه فليقض في الفرض والواجب لا في التطوع، ولا كفارة عليه، ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره بعود يابس، وإن بلّه بالماء، وأما الرطب فمكروه.
432 - مالك: والصوم في السفر أحب إليّ لمن قوي عليه، فإن أصبح في السفر صائماً في رمضان ثم أفطر لعذر فعليه القضاء فقط، وإن تعمد الفطر لغير عذر

(1/355)


فليكفر مع القضاء، وقال المخزومي وابن كنانة: لا يكفر. وقاله أشهب: إن تأول.
433 - مالك وأشهب: وإن أفطر بعد دخوله إلى أهله نهاراً فعليه القضاء والكفارة، مالك: كان فطره أول النهار أو آخره. أشهب: ولا يعذر أحد في هذا.
مالك: وإن أصبح في الحضر صائماً [في] رمضان وهو يريد سفراً فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه، ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه، فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء فقط، وقال المخزومي وابن كنانة: يلزمه القضاء والكفارة.

(1/356)


434 - ومن أصبح في الحضر صائماً متطوعاً، ثم سافر فأفطر، أو أفطر قبل خروجه، أو صام تطوعاً في السفر ثم أفطر، فإن كان لعذر فلا قضاء عليه وإلا فليقض، ومن علم أنه يدخل بيته من سفره أول النهار فليصبح صائماً، فإن لم يفعل وبيت الفطر ثم دخل قبل طلوع الشمس فلا يجزيه الصوم في بقية يومه وإن نواه، وعليه قضاؤه، ولا يكره له الأكل [في] بقية يومه، وله أن يطأ امرأته إن وجدها كما طهرت.
435 - ومن اصبح مفطراً ولم يأكل أو أكل ثم علم في أول النهار أو آخره أنه أول يوم من رمضان فليكف عن الأكل بقية يومه ويقضيه، ثم إن أكل بعد علمه بذلك لم يكفر إلا أن يفطره منتهكاً وهو يعلم ما يلزم المفطر عامداً فليكفر.
436 - وإن أصبح فيه صائماً متطوعاً ثم علم انه أول يوم من رمضان لم يجزه وعليه قضاؤه.
437 - ولا ينبغي صيام يوم الشك. (1)
_________
(1) ذكره مالك في الموطأ (55) ، من حديث يحيى بن مالك.

(1/357)


438 - ومن أصبح يوم الفطر أو [يوم] الأضحى صائماً ثم علم أنه لا يجوز صومهما فأفطر فلا قضاء عليه.
439 - ومن أصبح صائماً ينوي به قضاء يوم عليه من رمضان، ثم ذكر أول النهار أنه كان قضاه، فلا يفطر وليتم صومه. أشهب: لا أحب له أن يفطر فإن فعل فلا قضاء عليه، كمن شك في الظهر فأخذ يصلي ثم ذكر أنه قد صلى، فلينصرف على شفع أحب إلي، وإن قطع فلا شيء عليه.
440 - مالك: ويكره أن يعمل في صوم التطوع ما يكره في صوم الفريضة.
441 - ومن التبست عليه الشهور في جار الحرب فصام شهراً ينوي به رمضان، فإن كان قبل رمضان لم يجزه، وغن كان بعده أجزأه، وإن صامه تطوعاً فإذا هو رمضان لم يجزه من رمضان وقضاه.
442 - ولا بأس أن يتعمد أن يصبح في رمضان جنباً. وغن حاضت امرأة أو طهرت في رمضان وقد مضى بعض النهار فلتفطر يومها ذلك، فإن رأت الطهر

(1/358)


قبل الفجر واغتسلت بعده صامت وأجزأها، وإن لم تر الطهر إلا بعد الفجر فلتأكل يومها، وغن أصبحت فشكت أطهرت قبل الفجر أم بعده فلتصم يومها ذلك ولتقضه.
443 - ومن أغمي عليه قبل الفجر في رمضان فأفاق بعد الفجر بقليل أو كثير لم يجزه ذلك اليوم، ولو كان نائماً أجزأه، وإن نام نهاره كله، فإن كان ذلك إغماء لمرض لم يجزه، وإن أُغمي عليه وقد مضى أكثر النهار، أو أُغمي عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار أجزأه ولا شيء عليه، وإن أفاق بعد أيام لم يجزه صوم يوم إفاقته، لأن من لم يبيت الصوم فلا صوم له، وإن أُغمي عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب، لم يجزه صومه،

(1/359)


أشهب: هذا استحسان، ولو اجتزئ به ما عنف.
444 - ومن بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق قضى الصوم ولا يقضي الصلاة.
445 - ومن أكل أو شرب أو جامع في رمضان ناسياً فعليه القضاء بلا كفارة، وإن ظن [أن] ذلك يفسد صومه فتعمد الأكل باقيه أو امرأة رأت [الطهر] ليلاً في رمضان فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم على أهله ليلاً فظن أن من لم يدخل نهاراً قبل أن يمسي أن صومه لا يجزيه، وأن له أن يفطر، أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنماً له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فافطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة.
446 - ابن القاسم: وما رأيت مالكاً يجعل الكفارة في شيء من هذا الوجه على

(1/360)


التأويل إلا امرأة قالت: اليوم أحيض، وكان ذلك يوم حيضتها، فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره، والذي يأكل في رمضان متعمداً في أول نهاره، ثم يمرض في آخره مرضاً لا يقدر معه على الصوم، فقال: عليهما القضاء والكفارة. وقاله المخزومي.
447 - ولا يؤمر الصبيان بالصيام حتى تحيض الجارية ويحتلم الغلام، بخلاف الصلاة.
448 - ومن أكره، أو كان نائماً، فصب في حلقه ماء في رمضان، أو نذر أو ظهار أو في صيام كفارة القتل، أو في صيام متتابع، أو جومعت نائمة في رمضان، فالقضاء في ذلك كله يجزئ بلا كفارة، ويصل القضاء في ذلك بما كان من الصوم متتابعاً، وإن كان في صوم تطوع فلا قضاء عليه.
449 - وإذا خافت المرضع على ولدها، فإن قبل غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو له مال فلتستأجر له، ولتصم، وغن لم يقبل غيرها أفطرت وقضت، وتطعم لكل يوم أفطرته مَدّاً (1) لكل مسكين.
_________
(1) المد: مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري، فعند الشافعية مقداره نصف قدح، ونحوه المالكية، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، وعند العراقيين رطلان، وهما يساويان 880 جرام تقريباً، وانظر: الوسيط (مدد 2/893) .

(1/361)


450 - مالك: والحامل [إذا خافت على ولدها] تفطر وتقضي [إذا صحت] ولا إطعام عليها، لأنها مريضة، ولو كانت صحيحة فخافت أن تطرح ولدها إذا صامت فلتفطر ولا إطعام عليها. وقال عنه ابن وهب: إن الحامل تفطر وتطعم، قال أشهب: هذا استحباب من غير إيجاب.
451 - قال القاسم وسالم: من أدركه الكبر فضعف عن صوم رمضان فلا فدية عليه.

(1/362)


452 - وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تتطوع بالصيام إلا بإذنه.
453 - وجائز أن يقضى رمضان في العشر (1) ، ولا يقضى في أيام التشريق، ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر، وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومهما إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي، ولا يصومهما من نذر [صوم] ذي الحجة، أو كان عليه صوم واجب، ولا يقضي فيهما رمضان أو غيره، واليوم الآخر من أيام التشريق يصومه من نذره، أو نذر [صوم] ذي الحجة، ولا يقضي فيه رمضان أو غيره. ويبتدئ فيه صيام من ظهار، أو قتل نفس أو شبه هذا، إلا أن يكون قد صام قبل ذلك فمرض ثم صح في أيام النحر فلا يصمها، وليصم هذا اليوم الرابع [و] يصله بصومه.
454 - ومن أفطر لمرض أو سفر ثم تمادى به [المرض أو السفر] إلى رمضان آخر
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (4/256) من حديث الأسود ين قيس عن عمر.

(1/363)


فليصم هذا الداخل ثم يقضي الأول، وليس عليه إذا قضى الأول إطعام، وإن صح أو قدم [من سفره] قبل دخول رمضان الثاني بأيام أقل من شهر أو شهرين فلم يصمها فعليه عدتها أمداداً يفرقها إذا أخذ في القضاء أو بعده، فإن لم يخرج ذلك [حتى] مات وأوصى أن يطعم عنه فذلك في ثلثه.
455 - ولا يجزئ أن يعطي لكل مسكين أكثر من مُدّ، ويبدأ على الوصايا، والزكاة تبدأ على هذا إذا أوصى بها، وعلى العتق وغيره إلا المدبر في الصحة، قيل: فالعتق في الظهار، وقتل النفس [إن] أوصى بها مع هذا الطعام بأيهما يبدأ؟، قال: العتق في الظهار، وقتل النفس، يبدآن على كفارة الأيمان، وإن لم يوص بإخراج هذا الطعام لم يلزمه ورثته إلا أن يشاءوا، كالزكاة تجب عليه فلا يوصي بها، فإن أوصى بإخراج هذا [الطعام] وبإخراج طعام عليه من نذر بدئ

(1/364)


بالطعام لقضاء رمضان لأنه أكد، وكذلك من عليه صوم هدي وقضاء رمضان بدأ [بصوم الهدي] إلا أن يرهقه رمضان فيقضي رمضان ثم يصوم الهدي بعد ذلك.
456 - وما ذكر الله تعالى في كتابه من [صيام] الشهور فمتتابع، ويستحب أن يتابع قضاء رمضان وصيام الجزاء والمتعة وكفارة اليمين، وصيام ثلاثة أيام في الحج، فإن فرقه أجزأه، [وإن صام يوم التروية ويوم عرفة ويوماً من آخر أيام التشريق أجزأه] .
457 - ومن أسلم في رمضان فليصم باقيه ولا قضاء عليه لما تقدم منه، ويستحب له أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه. (1)
458 - ومن نذر صوم أيام أو شهور غير معينة فليصم عدد ذلك، إن شاء تابعه أو فرقه، إلا أن ينويه متتابعاً، وغن نذر صوم شهور بغير عينها متتابعة [أو غير
_________
(1) انظر: الاستنكار لابن عبد البر (10/92، 93، 97) .

(1/365)


متتابعة] فله أن يصومها للأهلة أو لغير الأهلة، فإن صامها للأهلة فكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أجزأه، ومن صام لغير الأهلة أكمله ثلاثين، وإن صام بعض شهر، ثم صام بعد ذلك إن شاء للأهلة، ثم يكمل الشهر الأول بثلاثين يوماً، إلا أن ينذر شهوراً بعينها متتابعات فيصومها بأعيانها.
وإن نذر صوم سنة غير معينة صام اثني عشر شهراً ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر [فما صام من الأشهر فعلى الأهلة، وما أفطر بفيه] منها لعذر أتمه ثلاثين، وإن كانت سنة بعينها صامها وأفطر منها يوم الفطر وأيام الذبح] ويصوم آخر أيام التشريق.

(1/366)


459 - مالك: ولا قضاء عليه فيها ولا في رمضان، إلا أن ينوي قضاء ذلك كمن نذر صلاة يوم بعينه فليصل في الأوقات الجائزة فيها الصلاة، ولا يصلي في الساعات التي لا يصلى فيها ولا شيء عليه فيها ولا قضاء.
460 - ثم سئل مالك: عمن نذر صوم ذي الحجة، فقال: يقضي أيام الذبح إلا أن يكون نوى إلا يقضيها. قال ابن القاسم: الأول أحب إلي. وما أفطر من السنة المعينة لعذر فلا قضاء عليه، وإن كان لغير عذر قضاه.
461 - وإن أفطر منها شهراً لغير عذر فكان تسعة وعشرين يوماً قضى عدد أيامه.
462 - ومن نذر صوم شهر بعينه فمرضه لم يقضه، وإن أفطره متعمداً قضى عدد أيامه متتابعاً أحب إلي، وإن فرقه أجزأه، وإن أفطر منه يوماً قضاه إلا أن يكون [أفطره] لمرض.
463 - ومن نذر صوم شهر بغير عينه متتابعاً فصام منه عشرة أيام، ثم أفطر يوماً من غير

(1/367)


عذر ابتدأ الصوم ولا يبني [عليه] .
464 - ومن قال: لله علي صوم غد، فأفطره فلا كفارة يمين عليه، لأنه جعل لنذره مخرجاً وعليه قضاؤه، ومن نذر صوم كل خميس يأتي لزمه، فإن أفطر خميساً متعمداً قضاه، وكره مالك أن ينذر صوم يوم مؤقت.
465 - ومن نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم ليلاً صام صبيحة تلك الليلة، وإن قدم نهاراً ونية الناذر الفطر، فلا قضاء عليه، ومن نذر صوم يوم قدومه أبدا فقدم يوم الاثنين صام كل يوم اثنين فيما يستقبل. ومن نذر صوم غد فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى وقد علم به أو لا، فلا يصومه، ولا قضاء عليه فيه.
466 - وإن نذرت امرأة صوم سنة ثمانين فلا تقضي أيام حيضتها لأن الحيضة كالمرض، ولو مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء، وكذلك إن نذرت صوم يوم

(1/368)


الاثنين والخميس ما بقيت فحاضت فيهما أو مرضت فلا قضاء عليها. وأما السفر، فقال مالك: لا أدري ما هو، قال ابن القاسم: وكأنه أحب أن تقضي.
467 - وإن نذرت صيام غد فحاضت قبله أو نذرت صيام أيام حيضتها، فلا قضاء عليها [لأن الحبس جاء من غيرها] .
468 - ومغيب الحشفة (1) يفسد الصوم والحج، ويوجب الغسل والحد، [ويوجب الكفارة والصداق، ويحصن المبتوتة] .
469 - ولا يعرف مالك في الكفارة غير الطعام، ولا عنق ولا صوم، ويطعم في الكفارة ستين مسكيناً مدا مدا بمد النبي ÷، ولا يجزيه أن يطعم ثلاثين مسكيناً مدين مدين.
_________
(1) الحشفة: رأس عضو التذكير، ويكشف عنها الختان أو مغيب قدرها من مقطوعها، انظر: الوسيط (2/183) .

(1/369)


470 - وإن أكره امرأته في نهار رمضان [فوطئها] فعليهما القضاء، وعليه عنه وعنها الكفارة، فإن أكرهها في الحج فجامعها فليحجها ويهدي عنها، فإن وطئها في رمضان أياماً، فعليه لكل يوم كفارة، وعليها مثل ذلك، عن طاوعته، وإن أكرهها فذلك كله عليه، وعليها هي القضاء، وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة، فإن طاوعته في الوطئ أول النهار ثم حاضت في آخره فلا بد لها من الكفارة [والقضاء] . (1)
471 - مالك: ومن أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب حتى غابت الشمس أو مضى أكثر النهار فعليه القضاء [والكفارة] . قلت لابن القاسم [فإن نوى الفطر في رمضان يومه كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب؟ قال: قد قال مالك في ذلك شيئاً] لا أدري هل أوجب عليه القضاء مع
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/530) .

(1/370)


الكفارة أو لا، [قال ابن القاسم:] وأحب إلي أن يكفر [مع القضاء، ولو أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب ثم] نوى الصوم قبل طلوع الشمس وترك الأكل وأتم صومه لم يجزه [صوم] ذلك اليوم، وبلغني عن مالك [أنه قال: إن عليه القضاء والكفارة، وهو رأيي] . وقال أشهب: عليه القضاء، ولا كفارة عليه.

(1/371)


472 - وإن حاضت جارية أو احتلم غلام في رمضان فأفطر بقيته، أو أفطر فيه السفيه البالغ فعلى كل واحد منهما كفارة لكل يوم أفطر مع القضاء. (1)
473 - ومن صام رمضان قضاء لرمضان قبله أجزأه وعليه قضاء الآخر.
474 - ومن نذر مشياً فخرج ينوي نذره وحجة الفريضة أجزأه لنذره، وعليه قضاء الفريضة، لأنه حين أشرك بينهما كان أولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله، [وقد روى بعض العلماء أن ذلك الحج يجزيه لفريضته وعليه النذر] . (20)
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل (2/450) .

(1/372)


في قيام رمضان
475 - وقيام الرجل [في رمضان] في بيته أحب إلي لمن قوي عليه. ولا يؤم أحد بإجارة (1) في قيام رمضان ولا في الفريضة.
476 - وقيام رمضان تسع وثلاثون ركعة، يوتر منها بثلاث، وقد أمر عمر بن عبد العزيز القراء [أن يقوموا بذلك] ، يقرءون في كل ركعة بعشر
_________
(1) قال الونشريسي في المعيار: الأجرة على الإمامة منع منها قوم، وأجازها قوم، وفصل آخرون، ومنع الجمهور محمول على الكراهة، وانظر في (7/473، 475) .

(1/373)


آيات.
477 - مالك: وليس ختم القرآن لسنة لقيام رمضان. ربيعة: ولو أمهم رجل بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأهم.
478 - وكره مالك للقراء أن يقرأ أحدهم في غير الموضع الذي انتهى إليه صاحبه، وقال: يقرأ الثاني من حيث انتهى الأول. ولا يقرأ بالألحان في الصلاة، وعظم مالك الكراهية فيه. والأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء.
479 - ولا بأس أن يؤم [الناس] في المصحف في رمضان في النافلة، وأكرهه في

(1/374)


الفريضة، وإن ابتدأ الإمام بغير مصحف وبين يديه مصحف منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر فيه، ولكن يتم صلاته ثم ينظر.
480 - ولم يكن الأمير يصلي القيام [خلف القارئ] فيما خلا مأموماً، ولو فعل ذلك جاز، وقال ربيعة: لا يفعل ذلك إلا أن يأتي فيؤم بالناس.
481 - وجائز التنفل بين الترويحتين لمن يتم الركعتين ويسلم، فأما من يقف يقرأ وينتظرهم حتى يدخل معهم بإحرامه الأول أو بإحداث إحرام فلا يعجبني.
482 - ولا يقنت في رمضان، [لا] في أوله ولا في آخره [ولا في غيره] [ولا في الوتر. والوتر آخر الليل أحب غلي لمن قوي

(1/375)


عليه] ، ويفصل الإمام بين الشفع والوتر بتسليم، ومن صلى خلف من لا يفصل بينهما بسلام فليتبعه. قال مالك: قد كنت أنا أصلي معهم فإذا جاء الوتر انصرفت ولم أوتر. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الموطأ (7) ، (ص92) ، وكشف الستر للحافظ وللنابلسي كلاهما بتحقيقنا، ط بيروت.

(1/376)